سؤال وجواب

متى بدأ المذهب الطبيعي؟ وما هي فلسفته؟

40- متى بدأ المذهب الطبيعي؟ وما هي فلسفته؟

1 – المذهب الطبيعي:

ج- بدأ أولًا في إنجلترا في النصف الثاني من القرن السابع عشر أي نحو 1650م باسم المذهب الإلهي أن النظرية الإلهية Deisme الذي يدعو للإيمان وخلود النفس، وفي نفس الوقت ينكر ضرورة العبادة والطقوس. كما ينكر وحى الكتاب المقدَّس، ويرى أن كل ما جاء فيه عبارة عن أساطير قديمة، وتجاهل هذا المذهب تمامًا أن الكتاب المقدَّس مصدر العقيدة، كما تجاهل أن الدين ما هو إلا مجموعة عقائد، وأيضًا تجاهل أن الكتاب المقدَّس موحى به من الله، ولذلك فكل العقائد التي وردت فيه هي صحيحة تماما، وإن الإنسان لا يمكن أن يستغنى عن العقائد، فالإيمان بالله الذي دعوا إليه هو في الحقيقة عقيدة، وخلود النفس الذي اعترفوا به هو عقيدة، وطبيعة الله الواحد المثلث الأقانيم عقيدة، والمعمودية عقيدة، وسر الافخارستيا عقيدة.. إلخ وتجاهل هذا المذهب أيضًا أهمية الطقوس في حياة المؤمن، وإن كان للسمائيين طقسهم أي نظامهم، فكم وكم الأرضيون يحتاجون لمثل هذا الطقس وإلا تصير الأمور في فوضى شديدة، وأنكر هذا المذهب الوحي الإلهي في الكتاب المقدَّس وعجزوا عن تفسير مئات النبوءات التي وردت فيه عجيبة ومدهشة، ومعظمها قد تخفق بالحرف الواحد ولو بعد مئات السنين، والآخر ننتظر تحقيقه.. إن أصحاب هذه النظرية الإلهية يناقضون أنفسهم، ويدعون للإيمان بالله وخلود النفس (وهذه من الأمور الميتافيزيقية) في الوقت الذي ينكرون فيه الأمور الميتافيزيقية.

وأخذ من هذا المذهب الفيلسوف الفرنسي فولتير Voltaire (1694 – 1778م) الذي تناول الأمر بأسلوب ساخر ولاذع للكتاب المقدس والطقوس ورجال الدين (ولا ننسى أن فولتير هذا الذي هاجم الكتاب المقدَّس بعد أن مات تحول بيته إلى مطبعة لطبع الكتاب المقدس) وجاء “ليسنج” Lessing (1729 – 1781م) الذي نادى بالفصل بين الدين والكتاب المقدَّس، حيث اعتبر أن الدين ينبع من عقل الإنسان وقلبه، والدين ليس في حاجة إلى كتاب معين يحدد طريق الإيمان بالله.

وكان البحث الحر في أوربا المسيحية يركز النقد على العهد القديم أما نقد العهد الجديد فقد كان عملًا له مخاطره، ولذلك قام شخص غير متخصص في الدراسات اللاهوتية يدعى ” هيرمان ريماروس “يوضع كتاب نقدي فنزع صفة القداسة عن القصص التوراتية وكذلك مدلولاتها التاريخية، مما يعطى الانطباع للقارئ أن قصص الكتاب إما أساطير إن كانت في العهد القديم، أو خداع إذا كانت في العهد الجديد، وأنتقد ريماروس الأناجيل الأربعة، بل انتقد شخص السيد المسيح ذاته، ولكنه لم يجرؤ على نشر كتابه هذا، وبعد موته قام ليسنج سنة 1778 م. بنشر بعض فقرات من كاتب ريماروس بدون اسم، فقوبلت بمعارضة عنيفة(1).

وقد نسب أصحاب هذا المذهب المعجزات التي وردت في الكتاب المقدَّس إلى الطبيعة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فمثلًا أرجعوا شق البحر إلى عوامل المد والجزر، أو إلى هبوب ريح شرقية شديدة في مكان منسوب المياه فيه كان ضحلًا، فحفت المياه وعبر بنو إسرائيل، وتغافلوا غرق فرعون ومركباته وفرسانه في هذه المياه. كما تغافلوا عودة المياه إلى وضعها الأول بمجرد أن عبر آخر شخص من بني إسرائيل. كما اعتبروا إن الضربات العشر ترجع إلى عوامل الطبيعة، وتغافلوا عدم وقوع هذه الضربات على بني إسرائيل فبينما كان النور في أرض جاسان كانت الظلمة تعم أرض مصر. وعللوا تحول الماء إلى لون الدم للطمي الذي يحمله موسم الفيضان وتجاهلوا أن موسى عندما كان يضرب النهر بالعصي كان يحدث التحول على الفور، وعندما يضربه ثانية يرجع الماء إلى أصله، وأرجعوا قوة الشفاء التي كان ينالها أول مريض ينزل إلى بركة “بيت حسدا” بعد تحريك الملاك للمياه إلى أن هذه المياه تشمل عناصر معدنية مترسبة، ومتى تحرك الماء فإنها تذوب وتمنح الشفاء وتغافلوا كيفية حدوث الشفاء الفوري، ولماذا يشفى الماء إنسانًا واحدًا فقط؟!

_____

(1) Dictionary of the Bible – James Hasthngs – P 191.

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)