عام

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس (الجزء 2) أهمية الذبيحة وشمولها، لمحة تاريخية سريعة.

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12

 

تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة
ثالثاً: أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة
للرجوع للجزء الأول أضغط هنـــــا.

إن نظرة استطلاعية للكتاب المقدس تجعلنا ننتبه لأهمية الذبيحة وشمولها. فهي تملأ كل جوانب التاريخ:
(أ) البشرية الأولى
(1) – التقدمة – أول مرة نقرأ عن الذبائح هو ما جاء عن هابيل وقبول الله لذبيحته ” وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها” (تك4)، وكان تقديم الذبيحة كبكر من نتاج العمل وذلك للشكر والعرفان بالجميل واسترضاءٍ لوجه الله، والله قبلها بسبب قلب مقدمها وليس من أجل نوعها كما هو الظن السائد والمعروف – كما رأينا سابقاً: ” بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل ( أعظم ) πλείοναθυσίαν – more excellent sacrifice من قايين. فيه شهد أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه. وبه وإن مات يتكلم بعد… ولكن بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه ” (عب11: 4و6 )، وهنا سرّ قبول الذبيحة (بل قبول أي تقدمة من أي نوع) هو الإيمان التي تسنده الأعمال البارة.
وتقول الدسقولية (تعاليم الرسل) : [ أن الله ليس بمحتاج للقرابين لأنه فوق كل احتياج بطبيعته، … بل أن المُحب لله الأول هابيل ونوح وإبراهيم والذين جاءوا بعدهم … لما تحركت ذواتهم من جهة الناموس الطبيعي (وقلبهم الشاكر) أن يقرَّبوا لله، لم يفعلوا ذلك بتكليف – هكذا أعطى الله موضعاً للعبرانيين بأن يصنعوا هذا ولم يأمرهم، لكن سمح لهم أن يكون ذلك منهم إذا أرادوا هم؛ وسُرَّ بقرابينهم إذ قدَّموها بضمائر مستقيمة ] ( دسقولية 33: 64 )
__________

(2) – المحرقة – ثم نقرأ عن نوح عقب خروجه من الفُلك: ” وبنى نوح مذبحاً للرب ( وهذه أول مرة يُذكر فيها المذبح على صفحات الكتاب المقدس ) وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد ( صعيده ) محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا ( وهذه أول مرة يُسمع فيها عن رضا الله ) ” ( تك8: 20و21)؛ ونلاحظ هنا أن ذبيحة هابيل سماها الكتاب ” قرباناً أو تقدمة ” أما هنا سُميت ” صعيده محرقة للرضا “، وهذا كما جاء أيضاً في ذبيحة المحرقة في سفر اللاويين هكذا: ” ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب ” ( لا1: 9 ) وكما يدعوها أيضاً ” محرقة للرضا ” ( لا1: 3و13 ) وكان ذلك تعبيراً عن منتهى خضوعه الكلي لله وشكره العميق وتعبده لله ملتمساً رضاه بعد أن أغضبه البشر بشرورهم حتى أنه ندم أنه خلق الإنسان، كما أنه أراد أن يعبَّر عن اعترافه بفضل الله الذي خلصه من الموت، فكان نوح هنا نائباً عن البشرية في هذا الموقف العظيم حينما أصعد محرقاته المعبَّرة عن شكره وامتنانه وخضوعه والتماسه لرضا الله وهكذا ” صار وارثاً للبرّ الذي حسب الإيمان ” ( عب11: 7 )
ونلاحظ أن ثمرة ذبيحة نوح التي قدمت كإعلان للطاعة والخضوع: ” فتنسم الرب رائحة الرضا وقال في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أُميت كل حي كما فعلت ” ( تك8: 21)، وأن كان نوح وهو من البشر قد قدم ذبيحة ردت غضب الله وجعله لا يلعن الأرض أبداً، فكم تكون ثمرة ذبيحة المسيح له المجد ” الذي أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة ” ( أف 5: 2 )،” الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ؟! ” ( عب9: 14 ) [ الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة ] ( رفع البخور – اعتراف الشعب ]__________

(3) – العهد مع إبراهيم ونسله – ثم من بعد نوح نصل لإبراهيم، ونجد أنه لم يقدم ذبائح في أور الكلدانيين أو في حاران، وطبعاً السبب واضح جداً في الكتاب المقدس، لأن الله أعطاه أمر ليخرج من وسط الجو الذي يعيش فيه المفعم بعبادة الأوثان، لأن الله مستحيل يُعبد وسط أوثان أو في وجود الخطية وتحت سلطانها الذي يعمل بالموت في أبناء المعصية: ” هكذا قال الرب إله إسرائيل، آباؤكم سكنوا عَبر النهر منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخرى، فأخذت إبراهيم أباكم من عَبر النهر وسرتُ به في كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته اسحق… فلآن أخشوا الرب واعبدوه بكمال وأمانة وانزعوا الآلهة الذين عبدهم آباؤكمفي عبر النهر وفي مصر واعبدوا الرب ” (يش24: 2و3و14)، ومن هذا الجو الذي عاش فيه أبرام جاءت الدعوة الإلهية ليترك كل شيء ويتبع الله وهو لا يعلم إلى أين يذهب: ” و قال الرب لإبرام أذهب (أرحل) من أرضك و من عشيرتك و من بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك ” (تك12: 4)،فنجد أن إبراهيم أطاع الله وترك بسهولة وسار وفق الدعوة الإلهية: ” بالإيمان إبراهيم لَّما دُعيَّ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي ” (عب11: 8)
وعندما تمم خروجه الكامل ووصل إلى شكيم عند بلوطة مورة ( نسبة لأصحاب الأرض الأصليين ) وقف هناك يُصلي فظهر له الرب فـ ” بنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له ” (تك12: 8). وعندما انتقل إلى بيت إيل ” بنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب ” ( تك12: 8 )؛ ولما عاد إلى ” مكان المذبح الذي عمله هناك أولاً دعا هُناك باسم الرب ” (تك13: 4)، وعندما نقل خيامه: وأتي وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون، بنى هناك مذبحاً للرب ” (تك13: 8)، وطبعاً لم يذكر هنا كلمة ذبيحة، ولكن من الصعب إقامة مذبح بلا ذبيحة !!!

ونجد أول ذكر لمواصفات ذبيحة أمر بها الرب عندما أقام الرب مع إبراهيم ميثاقاً بعد أن ” آمن بالرب فحسب له براً، وقال له أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها؛ فقال أيها السيد الرب بماذا اعلم إني أرثها، فقال له خذ لي عجلة ثلثية وعنزة ثلثية وكبشا ثلثيا ويمامة وحمامة، فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه وأما الطير فلم يشقه… فأخذها وقدمها ذبيحة للرب … حيث قطع الرب مع إبرام ميثاقاً – عهداً בְּרִית” (أنظر تك15 : 9 – 18)، وهذه تعتبر ذبيحة عهد، وهي أول ذبيحة يأمر بها الرب بمواصفات خاصة مع شقها من الوسط، كعلامة إبرام عهد ملزم بالتنفيذ المؤكد، لأن الله هو المسئول عن التنفيذ .

+ – طاعة الإيمان، الامتحان لإظهار الإيمان الحي لتعليم الأجيال ما هو الإيمان ومدى الثقة في الله  ثم نقرأ عن أول مرة يطلب الله من إنسان أن يقدم له ذبيحة في تكوين 22، والغريب أن الطلب فيه ما هو غريب وهو ذبيحة بشرية، كما لم يحدث قط أن يطلب الله ذبيحة بسفك دم بشري، لأنه يمقت كل تصرفات الأمم الوثنية الذين قدموا البشر ذبائح لآلهتهم وبذلك جبلوا على أنفسهم غضب الله، فالله لا يمكن أن يقبل سفك دم إنسان تحت أي مبدأ أو عذر، ولكن هناك قصد من وراء هذا الطلب الذي يعتبر غريب عن الله جداً !!!
فكل الذبائح التي رأيناها سابقاً – عدا ذبيحة عهد الله مع إبراهيم – كان يقدمها رجال الله باختيارهم الحرّ، ويقدمونها من الحيوانات الطاهرة، وكان ذلك تعبيراً عن اعترافهم بفضل الله في وجودهم وحياتهم وخضوعهم وتعبُّدهم وشكرهم له بقلب يشعر بفضل الله وإحسانه…
أما الآن يطلب الله من إبراهيم ذبيحة محرقة محدده الوصف: ” خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق … وأصعده محرقة ” ( تك22: 2 )، وطبعاً السبب واضح في بداية الكلام: ” وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم “، وحينما أطاع إبراهيم الله ونفذ ما طُلب منه ” هناك ناداه ملاك الرب من السماء … لا تمد يدك إلى الغلام.. فرفع إبراهيم عينية ونظر وإذا كبش وراءه ممسكاً في الغابة بقرنية فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه ” ( تك22: 11 – 13 )، وبذلك تبرر إبراهيم بالإيمان (رو4: 3) وتبرر أيضاً بالأعمال (كثمر لإيمانه الحي بالله) (يعقوب2: 21) التي أظهر بها صدق إيمانه بالله.
فـ ” بالإيمان قدم إبراهيم إسحق .. الذي قَبِلَ المواعيد وحيده.. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً، الذين منهم أخذه أيضاً في مثال ” (عب11: 17 – 19) [ بالإيمان قدم إبراهيم ابنه الوحيد ذبيحة عندما امتحنه الله، قدمه وهو الذي أعطاه الله الوعد وقال له: بإسحق يكون لك نسل، معتبراً أو حسب (بالإيمان) أن الله قادر أن يُقيم من الأموات. لذلك عاد إليه ابنه إسحق وفي هذا رمز – (حسب ترجمة الجامعة الأنطونية من النص العبري) ] ، وطبعاً ذلك رمز واضح كمثال حي لعمل الفداء الحقيقي والعظيم حين قدم ابن الله نفسه – باختياره وسلطانة حسب التدبير – كفارة: [ الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفحعن الخطايا السالفة بإمهال الله (رو 3 : 25)، وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً (1يو 2 : 2) ، في هذه هي المحبة ليس إننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا (1يو 4 : 10) ]