عام

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس (الجزء 5) أهمية الذبيحة وشمولها، تابع لمحة تاريخية سريعة عصور ما بعد موسى + مصدر تشريع الذبائح.

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12

 

تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة
تابع ثالثاً: أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة
للرجوع للجزء الرابع أضغط هنـا.

( جـ ) عصر القضاة والملوك

” فصعد جميع بنو إسرائيل وكل الشعب وجاءوا إلى بيت إيل وبكوا وجلسوا هناك أمام الرب وصاموا ذلك اليوم إلى المساء واصعدوا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب ” ( قضاة20: 26)، ” في ذلك اليوم قدس الملك وَسَط الدار التي أمام بيت الرب. لأنه قَرَّبَ هُناك المحرقات والتقدمات وشحم ذبائح السلامة لأن مذبح النحاس الذي أمام الرب كان صغيراً عن أن يسع المحرقات والتقدمات وشحم ذبائح السلامة ” ( 1ملوك 8: 64 )

(د) عصر ما بعد السبي

” ولما استهل الشهر السابع وبنو إسرائيل في مدنهم اجتمع الشعب كرجلٌ واحد إلى أورشليم وقام يشوع بن يوصاداق وإخوته الكهنة وزربابل بن شالتئيل وإخوته وبنوا مذبح إله إسرائيل ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله، وأقاموا المذبح في مكانه… واصعدوا عليه محرقات للرب. محرقات الصباح والمساء وحفظوا عيد المظال كما هو مكتوب، ومحرقة يوم فيوم بالعدد كالمرسوم أمر اليوم بيومه وبعد ذلك المحرقة الدائمة… ولجميع مواسم الرب المقدسة… ابتدأا من اليوم الأول من الشهر السابع يصعدون محرقات للرب وهيكل الرب لم يكن قد تأسس ” ( عزرا 3: 1 – 6 ) 

__________

+ عموماً نجد من كل ما سبق أن الذبيحة عموماً تُضفي على حياة الفرد والجماعة إيقاعاً خاصاً، ونجد أن أيوب على المستوى الشخصي، كان يقدم باستمرار ذبائح عن أولاده قائلاً: ” ربما أخطأ بنيَّ وجدفوا على الله في قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام ” ( أيوب 1: 5 )
وكان غرضه هو التكفير عن أي خطية محتملة، وهنا تظهر التقوى الشخصية والحفاظ على الأسرة في مخافة الله.
ونجد أيضاً أمر الرب لأصدقائه في تقديم محرقات: ” الرب قال لأَلِفَازَ التيماني: قد احتمى غضبي عليك وعلى كِلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا فيَّ الصواب كعبدي أيوب والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدي أيوب واصعدوا محرقة لأجل أنفسكم وعبدي أيوب يُصلي من أجلكم… وذهب أليفاز التيماني وَبِلدد الشوحي وَصُوفَرُ النعماني وفعلوا كما قال الرب لهم … ” ( أنظر أيوب 42: 7 -9 ) 
ونلاحظ قصة ملكي صادق الغريبة ” وملكي صادق ملك شاليم أخرج خُبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلي ” ( تكوين 14: 18 ) 
حيث يعرض التقليد وليمة ذبائحية، ونشاط ليتورجي ” فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله وجاء هارون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاماً مع حمى موسى أمام الله ” ( خروج 18: 12 ) 

ونجد خارج شعب الله المختار، تُعبَّر الذبيحة عن التقوى الشخصية والجماعية، ونجد هذا في سفر يونان حينما تكلم برسالة الله للتوبة لشعب نينوى: ” فخاف الرجال من الرب خوفاً عظيماً وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذوراً ” ( يو1: 16 )

ومن كل ذلك نجد أن كل كتبة العهد القديم، عندما يرسمون، بخطوط عريضة لوحة التاريخ، لا يتصورون حياة دينية بدون ذبيحة، وبالطبع العهد الجديد سيُحدد هذا الإحساس بدقة ويقره بصورة فريدة.

رابعاً: مصدر تشريع الذبائح

تقدم الكثير من الفقرات في العهد القديم المغزى الواسع النطاق الذي بلغته الذبيحة في إسرائيل، والذي يتدرج من أول سقوط الإنسان إلى التشريع الموسوي، والذي أظهر الذبيحة كتشريع – بأمر إلهي – لتنظيم علاقة الشعب مع الله بالطاعة والتقوى ومخافة الله واحترامه وتقديره: ” فقال الرب لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل. أنتم رأيتم أنني من السماء. تكلمت معكم. لا تصنعوا معي آلهة فضة ولا تصنعوا لكم آلهة ذهب. مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقاتك وذبائح سلامتك غنمك وبقرك. في كل الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذكراً آتي إليك وأباركك. وأن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنِهِ منها منحوتة. إذا رفعت عليها أزميلك تُدنسها. ولا تصعد بدَرَج إلى مذبحي كي لا تنكشف عورتك عليه ” ( خروج 20: 22 – 26 )، ( أنظر لاويين من 1 – 7 ، 16) 

” وأما أقداسك التي لك ونذورك فتحملها وتذهب إلى المكان الذي يختاره الرب… أحفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خيرٌ إلى الأبد إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك ” ( تثنية 12: 26 و 28 )

وممكن الرجوع لحزقيال من الإصحاح 40 إلى الإصحاح 48، لنجد شمول أكثر في التشريع والتنظيم الإلهي بدقة والارتكاز على التوبة واتقاء الرب والخضوع بدقة لكل تعليماته ليعود الشعب إليه ويحيا في خوف اسمه العظيم ويقدم العبادة التي تليق بالله الحي القدوس…

خامساً : مواقع العبادة وتقديم الذبائح

كان تقديم الذبائح يتم – دائماً – في أماكن العبادة أمام الرب بكل تقوى وخشوع، والتي كانت تتمركز على المذبح، فينبغي إقامة مذبح مخصص لتقديم الذبيحة، لأنه لا تقدم الذبيحة بإهمال في أي مكان أو على الأرض، بل على المذبح المكرس للرب، وبكل وقار ومهابة …

عموماً نجد – عبر التاريخ – أن الآباء بنوا مذابحهم الخاصة وقدموا تقدماتهم – قديماً – قبل الكهنوت وتنظيمه حيث أنهم اعتبروا رؤساء الكهنوت قديماً وآباء بطاركة مثل: نوح ” وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح ” ( تكوين 8: 20 )

إبراهيم : ” واجتاز إبرام في الأرض مكان شكيم إلى بلوطة مورة. وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض. وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أعطِ هذه الأرض. فبني هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له. ثم نقل من هنالك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق. فبنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب… فنقل إبرام خيامه وأتى وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون. وبنى هناك مذبحاً للرب… فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب… ” ( تكوين 12: 6 – 18 ، ؛ 13: 18 ؛ 22: 9 )

إسحق : ” فظهر له الرب في تلك الليلة وقال أنا إله إبراهيم أبيك. لا تَخف لأني معك وأباركك وأكثر من نسلك من أجل إبراهيم عبدي، فبنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرب. ونصب هناك خيمته وحفر هناك عبيد اسحق بئراً ” ( تكوين 26: 24 – 25 )

يعقوب : ” ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان. حين جاء ( عاد ) من فدَّان آرام ( سهل آرام ). ونزل ( خيم ) أمام المدينة. وابتاع ( أشترى ) قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم بِمَئة قسيطة ( مئة من الفضة ) وأقام هناك مذبحاً ودعاه إيل ، إله إسرائيل… ثم قال الله ليعقوب: قم أصعد إلى بيت إيل وأقم هناك واصنع هناك مذبحاً لله الذي ظهر لك حين هربت من وجه عيسو أخيك . فقال يعقوب لبيته ولكل من كان معهُ: اعزلوا الآلهة الغريبة التي بينكم وتطهروا وأبدلوا ثيابكم. ولنقم ونصعد إلى بيت إيل. فاصنع هناك مذبحاً لله الذي استجاب لي ( أعانني ) في يوم ضيقتي وكان معي في الطريق الذي ذهبت فيه. فأعطوا يعقوب كل الآلهة الغريبة التي في أيديهم والأقراط التي في آذانهم. فطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم. ثم رحلوا وكان خوف الله على المدن التي حولهم. فلم يسعوا وراء بني يعقوب. فأتى يعقوب إلى لوز التي في أرض كنعان وهي بيت إيل. هو وجميع القوم الذين معه. وبنى هناك مذبحاً ودعا المكان إيل بيت إيل. لأنه هناك ظهر له الله حين هرب من وجه أخيه ” ( تكوين 33: 20 ؛ 35 : 1 – 7 )

موسى: ” فبنى موسى مذبحاً للرب ودعا اسمه يهوى رايتي ” ( خروج 17: 15 )

ونجد عموماً أن المذابح كانت تُصنع من الأرض: ” مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقاتك وذبائح سلامتك غنمك وبقرك. في الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذكراً آتي إليك وأباركك. وأن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه منها منحوتة. إذا رفعت عليها أزميلك تُدنسها ” ( خروج 20: 24 – 25 )

ونجد أن إيليا بنى مذبحاً على جبل الكرمل من أثنى عشر حجراً غير مكسور تمثل الأثنى عشر سبطاً: ” ثم أخذ إيليا اثني عشر حجراً بعدد أسباط بني يعقوب الذي كان كلام الرب إليه قائلاً: إسرائيل يكون اسمك. وبنى الحجارة مذبحاً باسم الرب وعمل قناة حول المذبح تسع كيلتين من البذر، ثم رتب الحطب وقطع الثور ووضعه على الحطب ” ( 1ملوك 18: 31 – 32 ) 

وأيضاً بنى يشوع مذابح وجدعون وداود: ( أنظر يشوع 8: 30 – 31 ؛ قضاة 6: 24 – 31 ؛ 2صموئيل 24: 18 – 25 )

ونجد أيضاً مذبح سليمان لذبائح المحرقة وكان 20 ذراعاً مربعاً، و 10 أذرع ارتفاعه ومكانه في القاعة الداخلية ( أنظر 1ملوك 8: 22 ، 54 ، 64 ؛ 9: 25 ؛ 2أخبار 4: 1 )، وهكذا نتعرف على مكان العبادة وشكل المذبح منذ بناءه من تراب وحجر إلى خيمة الاجتماع وهيكل سُليمان…

__________

وفي الجزء السادس سنتحدث عن تطور طقوس الذبائح 
وجوانب الذبيحة المختلفة في العهد القديم