عام

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس (الجزء 8) تابع المقدمة (جـ) العهد الجديد، معنى الذبيحة.

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12
تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة

جـ – (1) العهــــــــــــد الجديــــــــــد – (2) معنى الذبيحة
للرجوع الى الجزء السابع اضغط هنـا.

(1): العهد الجديد
نجد في العهد الجديد استمرار وتفوق، فعوض أن كانت الذبيحة كرمز، أصبحت تنطبق على المرموز إليه، وتحققت في كمال اتساعها، وعموماُ – كما أوضحنا في العهد القديم – نجد أن ربنا يسوع يرجع إلى الفكرة النبوية عن أولوية النفس على الطقس: 
” فأن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هُناك قُربانك قُدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذٍ تعالى وقدم قُربانك ” ( مت 5: 23 – 24 )
ويوضح بالنسبة لعلاقتنا معه وبالتالي مع القريب: ” ومحبته (الرب) من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح ” ( مرقس 12: 13 ) 
وبرجوعه للمفهوم الباطني الذي شُرح في العهد القديم لتوضيح الديانة الباطنية من القلب، يعدّ الأذهان لتفهم معنى ذبيحته الخاصة أي ذبيحة نفسه، فنجد أنه من عهد لعهد يقوم استمرار وتفوق، فالاستمرار يبدو في انطباق عناصر الذبيحة – في العهد القديم – على موت المسيح له المجد، والتفوق يظهر بفضل طابع الأصالة المطلقة في تقدمة يسوع :
” الذي هو رمز للوقت الحاضر الذي فيه تقدم قرابين و ذبائح لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الذي يخدم ” (عب9: 9)
” ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً ” (عب9: 12)
” لأنه لا يمكن أن دم ثيران و تيوس يرفع خطايا ” (عب10: 4)
” لأنه أن كان دم ثيران و تيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد ” (عب9: 13)
” فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ” (عب9: 14).

والواقع أن هذا التفوق والتميز الفائق يُدخل في العالم حقيقة جديدة في ملئ جوهرها وطبعها الإلهي، وهي حقيقة الفداء والخلاص الأبدي الذي صُنع بدم عهد جديد، دم ابن الله الحي الذي يطهر النفس والضمير والقلب والفكر، طهراً أبدياً يفوق كل حدود إمكانيات البشر وفكرهم الخاص: 
” في تقديس الروح للطاعة و رش دم يسوع المسيح لتكثر لكم النعمة و السلام ” (1بط1: 2)
” فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع ” (عب10: 19)
” إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ” (1يو1: 7)

(2): معنى الذبيــــــــــة
على ضوء دراستنا في العهد القديم، نستطيع أن نتعرف على معنى الذبيحة بوضوح ويُسر، والتي كان تركيزها الأساسي على التقديس والتكريس للرب: ” كونوا قديسين ” لكي يكون شعب إسرائيل شعب مخصص للرب من بين جميع الشعوب، وملخص معنى الذبائح كالآتي ( كما جاء في القاموس اللاهوتي الألماني لكيتل ): [ الذبيحة هي استحداث وَضع، من خلاله يُمكن أن يُستعلن الله نفسه بقصد تنظيم علاقة بينه وبين شعبه]. 
فبواسطة نظام الذبائح – في العهد القديم – أراد الله أن يكون له علاقة وتعامل شخصي مع شعبه. وأول مثل لذلك – كما رأينا سابقاً – ما جاء في بداية تعامل الله مع إبراهيم أب الآباء: ” فآمن بالرب فحسبه له براً. وقال له أنا الرب أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها. فقال أيها السيد الرب بماذا أعلم أني أرثها. فقال له خُذ لي عجلة ثلاثية وعنزة ثلاثية وكبشاً ثلاثياً ويمامة وحمامه. فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه…. ولما صارت الشمس إلى المغيب وقع على إبرام ثبات وإذا رعبه مظلمة عظيمة واقعة عليه…. في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً ” ( تكوين 15: 6 – 10 و12 و18 )
كذلك حينما أراد الله أن يُجرب إبراهيم في محبته وطاعته لله أكثر من كل شيء آخر طلب منه أن يقدم ابنه وحيده الذي يحبه وقبل فيه المواعيد ذبيحة، فأطاع ولم يتردد، ومنعه الله في آخر لحظة والسكين على رقبة ابنه، وأعدَّ له كبشاً للذبيحة عوضاً عن ابنه.

وفي هذا كان الله يُعبَّر أعظم تعبير – من خلال ابراهيم – عن أن الذبيحة لله هي في عينيه أقوى تعبير عن الحب والطاعة اللذين ارتبط بهما الإنسان بالله، ورد فعل الذبيحة بهذا الشكل هو رد الله على إبراهيم بعد تقديم ابنه بمحبة لله وطاعة منقطعة النظير:
” بذاتي أقسمت يقول الرب، أني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تُمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة… ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض ” ( تكوين 22: 16 – 18 )
وإذا أضفنا على شكل هذه الذبيحة الأشكال الأخرى التي وردت في الناموس، نستطيع القول أن الذبيحة دائماً للتعبير عن حضور الله ومعه نعمته وبره.

وإذا كان الأنبياء في أواخر الأيام – في العهد القديم – بدءوا يعلنون رفض الله لذبائح شعب إسرائيل، وكذلك المزامير – كما رأينا وشرحنا سابقاً – فلم تكن المعارضة على الذبائح في حد ذاتها، ولكن لأن الشعب بكهنته أهملوا القصد الأساسي من الذبائح الذي قامت عليه روحياً، وهو الوجود في حضرة الله لتكوين علاقة روحية تنمو مع الأيام مع التواضع والتقوى والإيمان والمحبة التي هي روح الطقس الذبائحي ومحوره، والتي كانت هي – بحد ذاتها – الذبائح الحقيقية والفعلية المقدمة لله. وهكذا حلَّت التقدمات المادية والشكلية عوض العلاقة الشخصية الروحية والتسبيح والشكر للخلاص في حضرة الله. وهذا كان بالنص، محور تبكيت الأنبياء والمزامير:
” أسمع يا شعبي فأتكلم يا إسرائيل فأشهد عليك. الله إلهك أنا ( إني أنا الله إلهك )، لا على ذبائحك أوبخك، فأن محرقاتك هي دائماً قدامي… هل آكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس؛ أذبح لله حمداً وأوفِ العلي نذورك، وادعني في يوم الضيق أُنقذك فتُمجدني !! ” ( أنظر مزمور 50: 7 و15 )
” أني أُريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات ( وهو تحول باطني صادق = ذبيحة حقيقية مقبولة وليس أدق من موقف أب الآباء إبراهيم للتعبير عنها ) ” ( هوشع 6: 6 )
” بذبيحة وتقدمة لم تُسرّ ( لم تشأ )، أُذنيَّ فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذٍ قلت هانذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عني. أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت [ أعمل بمشيئتك يا الله ، شرعتك في صميم أحشائي ] ” ( مزمور 40: 6 – 8 )

عموماً طلب الله للعلاقة الروحية والحياة حسب الوصية بتقوى ومحبة كاملة له لم يكن يتعارض مع الذبائح إطلاقاً. ولكن بسبب التوقف عن القصد الأساسي من هذه الذبائح رفضها الله، لأن الله لا يرضى بشكل أو مظهر لأنه لا يتعامل مع المرائي أو من له صورة التقوى وينكر قوتها …

_______________
 

وفي الجزء القادم سنتكلم عن
يسوع يقدم نفسه ذبيحة – المسيح يسوع حمل الله