سؤال وجواب

هل قصة صراع يعقوب مع الله (تك 30: 24-32) من وحى الأساطير؟

 303- هل قصة صراع يعقوب مع الله (تك 30: 24-32) من وحى الأساطير؟

يتصور جيمس فريزر أن يعقوب اعتزل عن زوجاته وأولاده ليلتقي بروح النهر وشيطانه الذي يفزع من الزحام، فكمن يعقوب له في الظلام وقبض عليه لكيما يحصل على البركة فيقول ” إذا ربطنا هذه القصة بالملامح الطبيعية للمكان الذي جرت فيه حوادثها من ناحية، وإذا ربطناها بالأساطير الأخرى المشابهة لها.. فإننا نفترض بادئ ذي بدء أن هذا الغريم الذي تصارع معه يعقوب هو روح النهر أو شيطانه، وأن صراع يعقوب معه كان من أجل انتزاع البركة منه.

وهذا يفسر سبب تخلف يعقوب عن قافلة النساء والأطفال وقطعان الماشية، وبقاءه وحده في الظلام في مخاضة النهر. وربما حسب يعقوب أن إله النهر المنعزل يفزع من وقع أقدام وأصوات خوضها المياه، فيدفعه هذا لأن يختفي في بحيرة عميقة أو بين أشجار الدفل التي تنمو على مسافة آمنة بعيدة، حتى إذا ما مر الركب وساد الهدوء النهر.. دفعه الفضول لأن يخرج من مخبئه ليستطلع أحوال النهر، ويعرف سبب هذا الهرج والمرج.. وعند ذلك يكون يعقوب الماكر في انتظاره، فيفيض عليه ويتشبث به حتى يحصل منه على البركة التي يسعى إليها.

وقد أمسك ” مينيلاوس “على هذا النحو بإله البحر ” برونيوس ” الذي كان يرقد منعزلًا وقت الظهيرة بين الحواجز وفوق الرمال الصفراء، ليرغمه على أن يخبره بتكهناته وهو ممتنع عن ذلك. وعلى هذا النحو كذلك أمسك ” بيليبوس “بإلهة البحر ” تيتيس “واتخذها زوجة له وفي كلنا الأسطورتين الإغريقيتين حاول روح الماء ذو الجسد الطيع الأملس. أن ينزلق من قبضة أسرة مرة بعد الأخرى مغيرًا شكله من أسد إلى حية، ومن حية إلى سائل وهكذا، حتى وجد في النهاية أن محاولاته تضيع هباء وإنه لم ينجح في الانفلات من يد خصمه العنيد، فرضخ لمطلبه وأعطاه المنحة التي يسعى إليها. وكذلك حول إله النهر ” أشيليوش “نفسه إلى حية ثم إلى شبح لكي ينفلت من البطل الجريء هرقل الذي أمسك به لكي يستولى على ” ديجانيرا “الجميلة، ولكن محاولات إله النهر ضاعت هباء”(1).

وراح جيمس فريزر يورد قصصًا من هنا وهناك عن إناس كانوا يصلون ويغسلون أيديهم عندما يعبرون النهر حتى لا يتعرضوا لغضب الآلهة، والبعض قدموا أفراسًا بيضًا ضحية للنهر، والبعض يرمون للنهر حبوب الذرة ليسترضونه، والبعض عندما يرون النهر قد جرف واحد منهم لا يحاولون إنقاذه، والبعض عند عبورهم يحيون النهر بتحية عميقة، والبعض عند عبورهم يعترفون بآثامهم.. إلخ.(2).

ويقول جيمس فريزر أن يعقوب ظل يناضل مع الرجل، حتى بزغ الصباح وأخذ ضوءه يتسرب إلى ذروة الغابات التي تنتشر في أعلى جوانب الوادي فوق الرجلين المتصارعين في ظلال الوادي. ثم نظر هذا الشخص الغريب إلى أعلى وأبصر الضوء فقال يعقوب “أطلقني لأنه قد طلع الفجر” (تك 32: 26) وعلى هذا النحو انتزع ” جوبتر “نفسه من بين أذرع ” نجمبنا “المغرمة به قبل بزوق الغسق، كما اختفى شبح والد ” هملت “عند صياح الديكة.. ولكن يعقوب تعلق بالرجل الغريب وقال به ” لا أطلقك إن لم تباركني” (تك 32: 26)(3).

ويربط جيمس فريزر بين قصة صراح يعقوب وبعض الأساطير والخرافات، فيقول أن قصة الصراع هذه، لها ما يناظرها في خرافات المكسيكيين القدماء، فقد كان هؤلاء يعتقدون أن الإله الكبير ” تركاتليبوكا “تعود أن يتجول في أثناء الليل في هيئة مارد يلتف في ملاءة ذات لون رمادي ويمسك رأسه بيديه، وعندما أبصر الناس الجبناء هذا الشبح المخيف سقطوا على الأرض مغشيًا عليهم، وماتوا إثر ذلك.

على أن رجلًا شجاعًا من بينهم أمسك بالشيخ وأخبره بأنه لن يتركه يرحل حتى تشرق الشمس، فتوسل الشبح إليه أن يتركه، وهدده بأنه إن لم يفعل ذلك فسوف تحل عليه اللعنة، وكان على الرجل إن شاء أن ينتصر على الشبح المخيف، أن يظل ممسكًا به بشدة إلى أن توشك الشمس على البزوغ، فإذا نجح في هذا غير الشبح من نغمته، ووافق على أن يمنح الرجل أي هبة يطلبها مثل الثروة والقوة التي لا تقهر، بشرط أن يرفع الرجل يده عن الشبح ويدعه يرحل قبل الغسق، وقد تسلم الإنسان المنتصر من خصمه المهول الذي انهزم في مشادة عنيفة مع الإنسان أربع شوكات من نوع معين علامة على نصره”(4).

ويعلق عاطف عبد الغنى على قصة الصراع هذه قائلًا “يعقوب يصارع الإله فلا يقدر عليه، فقدرة يعقور إذا تكافئ قدرة ذلك الإله بل وتزيد عليها..!! إن النص الذي يجسد الإله بشرًا يسلب هذا الإله قدرته على خلقه الذين جيلهم من الأرض ترابًا، فأي عقل مريض صور هذا؟ إن التوراة تكشف دون أن تدرى عن مصدرها الأسطوري التي استشفت منه هذه القصة”(5).

ويعلق الخوري بولس الفغالي على امتناع اليهود عن أكل عرق النساء قائلًا ” لمس الرجل حق ورك يعقوب فانخلع.. ولذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النساء، لا نجد شيئًا في التقليد اليهودي عن منع أكل عرق النساء. أنكون أمام عادة قديمة ارتبطت بأساطير كتلك التي تمنع الناس من أكل ساق الغزلان، لئلا يضعفوا فلا يعودون يقوون على الذهاب إلى الصيد”(6).

ويرجع جيمس فريزر عدم أكل اليهود عرق النساء بعادات هندية فيقول ” أما ما يحكى في أن يعقوب أصيب في عصب معين في فخذه أثناء صراعه مع خصمه الذي ظهر له أثناء الليل، فمن الواضح أنها محاولة لتفسير امتناع العبريين عن أكل الجزء المقابل لهذا عند الحيوان، وكل من هذه الحكاية وتلك العادة لها ما يماثلها لدى بعض القبائل الهندية التي تسكن أمريكا الشمالية”(7).

ج: 1- تربى يعقوب في أحضان أبيه القديس إسحق وأمه رفقة، ولم يسافر لبلاد الإغريق ولا بلاد الهند، فماله والأساطير؟!

2- هل يمكن أن يعقوب الذي كلمه الرب منذ أيام قليلة يطلب منه الرجوع إلى أرضه ووعده بأنه سيكون معه “وقال الرب ليعقوب ارجع إلى أرض آبائك وإلى عشيرتك. فأكون معك” (تك 31: 3) أن يذهب ويبحث عن روح النهر ليلتمس منه بركة؟!

3- هل يمكن ليعقوب الذي أخبره خاله لابان بأن الرب ظهر له وحذره أن يتكلم معه بخير أو شر، أن يذهب ويلتمس عونًا من آلهة الأساطير؟!

4 – عبر يعقوب بأسرته نهر يبوق الذي يقع شرق نهر الأردن، ويبلغ طوله 50 ميلًا حيث ينبع بالقرب من عمان، ويتجه شمالًا ثم غربًا، حيث يصب في بهر الأردن على بعد 15 ميلاُ شمال البحر الميت.. لقد اعتزل يعقوب عن أسرته لكيما يختلي للصلاة وطلب المعونة الإلهية، لأنه رغم وعده له بأنه سيكون معه. إلا أنه كان يخشى أخيه عيسو الذي أراد قتله من قبل “وقال يعقوب يا إله إبراهيم وإله أبى إسحق الرب الذي قال لي أرجع إلى أرض وإلى عشيرتك فأحسن إليك. صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك. فإني بعصاي عبرت هذا الأردن والآن قد صرت جيشين. نجنى من يد أخي عيسو. لأني خائف منه أن يأتي ويضربني الأم مع البنين” (تك 32: 9-11).

5- لم يذكر النص صراحة أن الذي صارع يعقوب هو الله، فلماذا لا يكون ملاكًا مرسلًا من الله لرفع حالة يعقوب المعنوية المتردية، ويقول القمص تادرس يعقوب ” يرى غالبية الدارسين أنه ملاك على شكل إنسان، وليس كلمة الله، لكنه يمثل الحضرة الإلهية، إذ يقول يعقوب “لأني نظرت الله وجهًا لوجه ونجيت نفسي” (تك 32: 30) كما قيل له ” لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت” (تك 32: 28)(8) لقد شاء الملاك أن يغلب من يعقوب ليسترد يعقوب ثقته بنفسه.

6- حتى لو كان هذا الشخص الذي صارع يعقوب هو الله ذاته، فذلك لكيما يهيئ الأذهان لقبول فكرة التجسد الإلهي، وفكرة الفداء، فإن الذي رفع على الصليب هو الله ذاته القوى الجبار الذي من أجل عظيم محبته قَبلَ أن من أجل خلاص العالم كله، وظهر على جبل الجلجثة كما لو كان مغلوبًا من الأعداء، وهو القوى الذي صنع بالضعف أعظم ما هو من القوة، وفي اليوم الثالث قام منتصرًا على الموت. وكما رأى يعقوب الله في شكل إنسان ولم يمت، هكذا سترى البشرية الله متأنسًا في شكل إنسان بسيط ولن ترتعب، ويقول القديس أغسطينوس “الإنسان غلب والملاك انهزم. الإنسان الغالب يمسك بالملاك ليقول: لا أطلقك إن لم تباركني. يا له من سر عظيم! فالمهزوم يقف ليبارك الغالب! إنه منهزم لأنه أراد ذلك لكي يظهر في الجسد ضعيفًا، وإن كان بعظمته قويًا، فقد صلب في ضعف وقام في قوة (1 كو 13: 4)(9).

7- عامل الملاك يعقوب كصديق له، فلم يشأ أن ينطلق عنوة ويترك يعقوب، ولذلك طلب من يعقوب أن يسمح له بالانطلاق، بينما تمسك به يعقوب أكثر طالبًا أن يباركه، ويعلق هوشع النبي على هذه الحادثة قائلًا عن أبينا يعقوب “جاهد مع الله. جاهد مع الملاك وغلب بكى واسترحمه” (هو 12: 3،4) فقد جاهد يعقوب مع الله عبر الصلاة، وجاهد مع الملاك عبر الصراع، وبكى بدموع واسترحم الله، وهذا دليل على أن صراع يعقوب لم يكن صراعًا ماديًا بل صراع روحي، وكانت نتيجة بركة الله ليعقوب، وتغيير اسمه من يعقوب إلى إسرائيل ” أمير الله “أو ” مجاهد في صف الله”.

8- نحن لا نعرف شيئًا عن هذا الصراع الذي دار بين يعقوب وذاك الشخص السماوي، وقد دام حتى الفخر، لكننا نعرف أن يعقوب ذاته أحسن بأنه أمام شخص سماوي، لأن لمسة منه خلعت فخذه، وخرج يعقوب وهو يخمع على فخذه، وربما بهذا المنظر أثار شفقة أخيه عيسو، وقد حرص اليهود فيما بعد على إخراج العرق الممتد من الورك إلى كعب الحيوان في الرجل الخلفية بكل عناية، وإلا يتركون الرجل بأكملها، وذاك تذكارًا لما حدث مع يعقوب أبيهم في صراعه مع الشخص السمائي.

_____

(1) الفلكلور في العهد القديم ص 335-337.

(2) راجع الفلكلور في العهد القديم ج 2 ص 238-243.

(3) الفلكلور في العهد القديم ص 234.

(4) المرجع السابق ص 247، 248.

(5) أساطير التوراة ص 38، 39.

(6) المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 350.

(7) الفلكلور في العهد القديم ص 246، 247.

(8) تفسير سفر التكوين ص 284، 285.

(9) القمص تادرس يعقوب – تفسير سفر التكوين ص 285.

هل قصة صراع يعقوب مع الله (تك 30: 24-32) من وحى الأساطير؟

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !