عام

تابع دراسة في الذبائح (17) ذبيحة المحرقة ὁλοκαύτωμα الطاعة ومعنى العصيان.

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12
[ الجزء 17 ]

تابع [1] الوجه الأول من أوجه الصليب
ذبيحة المحرقة – ὁλοκαύτωμα – עלׇה

[جـ] ذبيحة المحرقة ذبيحة الطاعة، وما هو معنى العصيان
للرجوع للجزء السادس عشر أضغط هنـا.

+ ذبيحة المحرقة ، ذبيحة الطاعة 

أن أول وأهم وجه من أوجه الصليب هو : طاعة الابن للآب ! [ أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائرا في شبه الناس. و إذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب ] (فيلبي 2: 7 – 8)
وقبل أن نتكلم عن طاعة الابن للآب وندخل في عمق الصليب، ينبغي أن نعرف أولاً أهمية هذه الذبيحة بالنسبة لحالة لسقوط الذي تم في الخليقة، لأنه منذ بداية حياة الإنسان حدثت مأساة تُسمى العصيان [ἀπεὶθει – apeitheia – لا يطيع، مُعاند، لا يقنع، لا يؤمن، يعصى، عاصي ] وممكن للمعنى أن يشمل معنى [ يضل – يفسد ] ويُفيد معنى التضليل أو الضلال والتيه والحيدان عن الطريق المستقيم، وبمعنى أدقالضلال عن الحق، وأصل الكلمة مشتق من الكلمة التي تعني [ يثق – يعتمد على ] والكلمة هنا [ عصيان ] تظهر كنتيجة عكسية للثقة والاعتماد، والثقة عموماً تستند على أمانة الله في مواعيد عهد ، واختياره ووعده [ الرب لي فلا أخاف، ماذا يصنع بي الإنسان … الاحتماء بالرب خيرٌ من التوكل على إنسان … أما الرب فعضدني … قوتي وترنيمتي الرب وقد صار لي خلاصاً … يمين الرب صانعة ببأس، يمين الرب مرتفعة … لا أموت بل أحيا وأُحدث بأعمال الرب ] (أنظر المزمور 118)؛ [ في ذلك اليوم يلتفت الإنسان إلى صانعه وتنظر عيناه إلى قدوس إسرائيل . ولا يلتفت إلى المذابح صنعة يديه ولا ينظر إلى ما صنعته أصابعه السواري … ] (إشعياء 17: 7 – 8) 



عموماً المعنى العام للكلمة [ العصيان ] باختصار تُفيد أو تحمل معنى يُقنع أو يستميل، وذلك للتضليل والإفساد [ فلم يسمعوا لي ولم يميلوا أُذنهم بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير وأعطوا القفا لا الوجه. فمن اليوم الذي خرج فيه آباؤكم من أرض مصر إلى هذا اليوم أرسلت إليكم كل عبيدي الأنبياء مُبكراً كل يوم ومرسلاً. فلم يسمعوا لي ولم يميلوا أُذنهم بل صَلَّبوا رقابهم أساءوا أكثر من آبائهم ] [ أنظر إرميا الإصحاح السابع بكاملة وذلك للأهمية ] 

عموماً نجد أن الله أوصى آدم مُعطياً وصية واحدة لتحفظ حريته واختياره قائلاً: [ من جميع شجر الجنة تأكل وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها … ] (تكوين 1: 16 – 17)
ولكن آدم عصى الله وكسر الوصية [ فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجُلها أيضاً معها فأكل ] (تكوين 3: 6)
وبالطبع الخليقة كلها بدورها سارت على نفس ذات الدرب في طريق التمرد والعصيان [ بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خُطاة ] (رومية 5: 19)، وطبعاً المعصية هنا لها معنى هام وخطير لابد من فهمه بدقة وتركيز، لأننا إن لم نفهم معنى المعصية الحقيقي من جهة خبرتنا كبشر، لن نقدر أن نستفيد من ذبيحة المحرقة التي قدمها ربنا يسوع بذبيحة نفسه …


فكلمة معصية [ ἀφίστημι – aphistemi ] كفعل متعدِ يعني [ حالة تمرد، ضلال ]، وكفعل لازم يعني[ يخرج، ينسحب، يُغادر ]، وفي اليونانية الكلاسيكية تعني يُخبأ أو يعزل من علاقة أو ينعزل عن شركة مع شخص. وتعني أيضاً أن ينقلب ضد أحدهم بسبب العصيان. وتعني في الفعل [ غير متعمد أن يعزل نفسه ]، ولنا أن نفهم أن أحياناً الإنسان لا يقصد أن ينعزل عن الله عن قصد، ولكن طبيعة العصيان التلقائي ونتيجتهالطبيعية هو الانعزال والانفصال، وتعني أيضاً [ يرحل، ينسحب من، يستسلم ل، تدهور ] ومن هذا الكلمة يشتق المعنى [ عصيان – ارتداد – هروب ] .

[1] المعنى العبري للكلمة في العهد القديم :

ترد كلمات فئة هذه الكلمة أكثر من 250 مرة في الترجمة السبعينية، مترجمة لحوالي 40 كلمة عبرية مختلفة، لهم أهمية لاهوتية خاصة، حين يستخدمون لترجمة أشكال من الكلمة מַעַל إذ تُستخدم في التصرف بخيانة أو ضد القانون، أو ليعصى أو يتعدى على، أو يثور :

* التصرف بخيانة أو ضد القانون [ وقاوموا عُزيا الملك وقالوا له ليس لك يا عُزيا أن تُوقد للرب بل للكهنة بني هارون المُقدسين للإيقاد (تصرف ضد القانون). أخرج من المقدس لأنك خُنت وليس لك من كرامة من عند الرب الإله ] (2أخبار أيام 26: 18) [ لأن الرب زلل يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل أَجمحَ (ضلل) يهوذا وخان الرب خيانة (الرب أزل يهوذا بسبب آحاز ملكها الذي ضلل شعبها وخان الرب خيانة) … وفي ضيقه زاد خيانة بالرب ، الملك آحاز هذا (وكان آحاز يزيد خيانة للرب كلما اشتد عليه الضيق) ] (2أخبار أيام 28: 19، 22)

* ليعصى يتعدى على [ في أيامه عصى أدوم من تحت يد يهوذا وملكوا على أنفسهم ملكاً … فعصى آدوم من تحت يد يهوذا إلى هذا اليوم . حينئذ عصت (ثارت وانفصلت) لبنة في ذلك الوقت من تحت يده لأنه ترك الرب إله آبائه ] (2أخبار أيام 21: 8 و10) 

* يعصى – يثور – يتمرد [ اثنتي عشر سنة استُعبدوا لكدرلعومر والسنة الثالثة عشر عصوا عليه ] (تكوين 14: 4) ، [و عصوا و تمردوا عليك و طرحوا شريعتك وراء ظهورهم و قتلوا أنبياءك الذين اشهدوا عليهم ليردوهم إليك وعملوا إهانة عظيمة ] (نح 9 : 26)

[2] معنى الكلمة في اليونانية الكلاسكية وتظهر في العهد القديم بهذه المعاني :

* تعني النقل بمعناه الواسع [ ثم نقل من هُناك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته ] (تكوين 12: 8) 

* الفصل بين الأشخاص [ فأبعده شاول عنه (أبعد داود عنه) وجعله له رئيس ألفٍ فكان يدخل ويخرج أمام الشعب ] (1صموئيل 18: 13) ، [ أبعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم . لأن الرب قد سمع صوت بكائي ] (مزمور 6: 8)

* الانسحاب من علاقة أو الفك من إلزام أو من وضع [ ومن ابن خمسين سنة يرجعون (ينسحبون) من جُند الخدمة ولا يخدمون بعد ] (عدد 8: 25) ، [ من أجل ذلك ابتعد (الانسحاب من وضع) الحق عنا ولم يُدركنا العدل . ننتظر نوراً فإذا ظلام . ضياء فنسير في ظلام دامس ] (إشعياء 59: 9)

+ وتعني هذه الكلمة [ العصيان – ἀφίστημι – aphistemi ] في السياق الديني 

(1) المعنى الأول أو الاتجاه الأول كنتيجة : [ مفارقة الله لشعبه أو الطرح من أمام الله أو العزلة عن الله ] :
[ وقالت – المرأة التي أحبها شمشون في وادي سُورق اسمها دليلة – الفلسطينيين عليك ( هجم عليك الفلسطينيين ) يا شمشون فانتبه من نومه وقال أخرج حسب كل مره وانتفض . ولم يعلم أن الرب قد فارقه ] (قضاة 16: 20)
[ وكان أن بني إسرائيل أخطأوا إلى الرب إلههم الذي أصعدهم من أرض مصر من تحت يد فرعون ملك مصر واتقوا آلهة أخرى ، وسلكوا حسب فرائض الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل … وتركوا جميع وصايا الرب إلههم … وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عيني الرب لإغاظته . فغضب الرب جداً على إسرائيل ونحاهم من أمامه ولم يبقى إلا سبط يهوذا وحده . ويهوذا أيضاً لم يحفظوا وصايا الرب إلههم بل سلكوا في فرائض إسرائيل التي عملوها . فرذل الرب كل نسل إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من أمامه ] (أنظر للأهمية 2ملوك 17 : 7 – 23)


(2) المعنى الثاني أو الاتجاه الثاني كنتيجة للعصيان الذي يأتي بمعنى التذمر أيضاً : [ حجب عطايا الله وإزالة حمياته الخاصة = الموت ، وعدم السلام الناتج عن الإثم بسبب العصيان والابتعاد عن الله ] : 
[ فسقط موسى وهارون على وجهيهما أمام معشر جماعة بني إسرائيل ويشوع بن نون وكالب ابن يفنه من الذين تجسسوا الأرض ، مزقا ثيابهما وكلما كل جماعة بني إسرائيل قائلين : ألأرض التي مررنا فيها لنتجسسها الأرض جيدة جداً جداً . إن سُرَّ بنا الرب يُدخلنا إلى هذه الأرض ويُعطينا إياها أرضاً تفيض لبناً وعسلاً . إنما لا تتمردوا على الرب ولا تخافوا من شعب الأرض لأنهم خبزنا قد زال عنهم ظلهم والرب معنا . لا تخافوهم ، ولكن قال كل الجماعة أن يُرجما بالحجارة . ثم ظهر مجد الرب في خيمة الاجتماع لكل بني إسرائيل . وقال الرب لموسى حتى متى يُهينني هذا الشعب … وكلم الرب موسى وهارون قائلاً : حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ . قد سمعت تذمر بني إسرائيل الذي يتذمرونه عليَّ . قل لهم حي أنا يقول الرب لأفعلن بكم كما تكلمتم في أُذني [ رد الفعل = الفعل – لأن هذه هي نتيجة طبيعية لعصيانهم وتذمرهم ] ، في هذا القفر تسقط جثثكم جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعداً الذين تزمروا علي . لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأسكنكم فيها ما عدا كالب بن يفنه ويشوع بن نون ] (أنظر للأهمية واستكمال المعنى عدد 14: 5 – 45) 
[ ها إن يد الرب لم تُقصر عن أن تُخلص ولم تثقل أُذنه عن أن تسمع . بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم ، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع . لأن أيديكم قد تنجست بالدم وأصابعكم بالإثم . شفاهكم تلكمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر . ليس من يدعو بالعدل وليس من يُحاكم بالحق . يتكلمون على الباطل ويتكلمون بالكذب قد حبلوا بالتعب وولدوا إثماً … أعمالهم أعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم . أرجلهم إلى الشر تجري وتُسرع إلى سفك الدم الزكي . أفكارهم أفكار إثم . في طريقهم اغتصاب وسحق . طريق السلام لم يعرفوه وليس في مسالكهم عدل . جعلوا لأنفسهم سُبلاً مُعْوَجة . كل من يسير فيها لا يعرف سلاماً …
من أجل ذلك ابتعد الحق عنا ولم يُدركنا العدل . ننتظر نوراً فإذا ظلام ضياء فنسير في ظلام دامس . نلتمس الحائط كعُمي وكالذي بلا أعين نتجسس . قد عثرنا في الظهر كما في العتمة . في الضباب كالموتى … ننتظر عدلاً وليس هو وخلاصاً فيبتعد عنا ، لأن معاصينا معنا وآثامنا نعرفها . تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا . تكلمنا بالظلم . والمعصية حبلنا ، ولهجنا من القلب بكلام الكذب وقد ارتد الحق من وراء والعدل يقف بعيداً . لأن الصدق سقط في الشارع والاستقامة لا تستطيع الدخول ] (إشعياء 59: 1 – 14)

وعموماً السبب في هذه النتيجة كما رأيناها ، ليس الله بالطبع لأن الله يُريد أن يُخلص الإنسان ويقوده لحياة شركة مقدسه معه في النور ، ولكن السبب الحقيقي هو رغبة الإنسان نفسه في الابتعاد عن الله ، لذلك يتذمر ويعصى وصاياه بل ويحتقر عطاياه [ حين قسم العلي للأمم حين فرق بني آدم نصب تخوماً لشعوب حسب عدد بني إسرائيل . إن قسم الرب هو شعبه … وجده في أرض قفر وفي خلاء مستوحش خَرِبٍ ، أحاط به ولاحظه وصانه كحدقة عينه كما يُحرك النسر عشه وعلى فراخه يرف ويبسط جناحيه ويأخذها ويحملها على مناكبه هكذا الرب وحده اقتاده وليس معه إله أجنبي . أركبه على مرتفعات الأرض فأكل ثمار الصحراء وارضعه عسلاً من حجر وزيتاً من صوان الصخر . وزبدة بقر ولين غنم مع شحم خراف وكباش أولاد باشان وتيوس مع دسم لُب الحنطة . ودم العنب شربته خمراً .
فسُمن بشُورون ورَفَسَ (دليل العصيان) سَمنت وغلُظت واكتسبت شحماً فرفض الإله الذي عمله وغَبِىَ عن صخرة خلاصه … نسيت الله الذي أبدأك . فرأى الرب ورذل من الغيظ بينه وبناته . وقال أحجب وجهي عنهم وأنظر ماذا تكون آخرتهم . إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم ] (تثنية 32: 8 – 18)
[ هكذا قال الرب : ماذا وجد فيَّ آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني (بإرادتهم واختيارهم) وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً ولم يقولوا أين هو الرب الذي أصعدنا من أرض مصر الذي سار بنا في البرية في أرض قفر وَحُفَرٍ في أرض يُبُوسة وظل الموت في أرض لم يعبرها رجل ولم يسكنها إنسان . وأتيت بكم إلى أرض بستان لتأكلوا ثمرها وخيرها فأتيتم ونجستم أرضي وجعلتم ميراثي رجساً . الكهنة لم يقولوا أين هو الرب وأهل الشريعة لم يعرفوني والرعاة عصوا عليَّ والأنبياء تنبأوا ببعل وذهبوا وراء ما لا ينفع ] (إرميا 2: 5 – 8)
[ أذهب ونادي بهذه الكلمات نحو الشمال وقل أرجعي أيتها العاصية إسرائيل يقول الرب . لا أوقع غضبي بكم لأني رءوف يقول الرب . لا أحقد إلى الأبد . أعرفي فقط إثمك أنك إلى الرب إلهك أذنبت وفرقت طرقك للغرباء تحت كل شجرة خضراء ولصوتي لم تسمعوا يقول الرب . ارجعوا أيها البنون العصاة يقول الرب … ] (أنظر إرميا 3: 12 – 14)
فواضح هنا خطورة العصيان ومعناه الحقيقي الذي يؤدي إلى الانفصال عن الله والتيه وراء آلهة غريبة لأن الإنسان رفض بإرادته وصايا الله وتمرد عليها ساعياً نحو شهوة قلبه واللذة الوقتية ، بل وأيضاً هذا العصيان لا يقف عند رفض الوصية وينتهي بل يمتد ليصل لاحتقار عطايا الله والازدراء بها بل ويصل لحد الاستهزاء بالحياة معه وقد تصل عملياً بالاستهزاء بكل ما هو مقدس أو إلهي …. [ وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة (قال هذا شعب إسرائيل حينما رفض أن يعبر الأردن ليدخل الأرض الذي وعدهم الله بها خوفاً من الهزيمة في عدم ثقة في الله وتذمروا عليه) فإني سأدخلهم فيعرفون الأرض التي احتقرتموها ] (عدد14: 31) ، [وعصوا وتمردوا عليك وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم وقتلوا أنبيائك الذين أشهدوا عليهم ليردوهم إليكوعملوا إهانة عظيمة ] (نحميا 9: 26)
وهنا يتضح تطور العصيان لنتائج خطيرة للغاية ، فبداية السقوط هو العصيان ورفض الوصية والنتيجة قد تصل لأهوال لا يصدقها إنسان ، فالبداية العصيان والتمرد ثم طرح شريعة الله ورفض الوصية وقد يصل الموضوع لاحتقار الله وعمله كله ، وإهانة أولاده الأتقياء ورفض خدمتهم قد تصل لحد قتلهم وتسكيت أصواتهم لأن أصبح صوت الله مرفوضاً من القلب لأن الإنسان لا يريد أن يتوب أو يعود عن عصيانه !!!
ويُعبَّر عن هذا العصيان غالباً في ممارسة عبادة أخرى غير الله الحي كما نرى في [ تثنية 7: 4 ؛ 13: 10و 13 ؛ قضاة 2 ] ، وأيضاً تظهر في سلوك أخلاقي غير مطيع لله يؤدي للموت [أنظر للأهمية حزقيال 33: 7 – 20 وأيضاً تثنية 9: 9 – 29]

وعلينا أن نفهم من هذه الخلفية السريعة سبب التحذير من خطية العصيان ، والتحذير من الحض على الخطية التي نطق بها الأنبياء سبب نتائجها الخطيرة جداً على الإنسان [ ابتعد عن كلام الكذب ولا تقتل البريء والبار . لأني لا أُبرر المذنب ] (خروج23: 7)، [ طريق الكذب أبعد عني وبشريعتك ارحمني . اخترت طريق الحق . جعلت أحكامك قدامي . لصقت بشهاداتك . يا رب لا تخزني . في طريق وصاياك أجري لأنك ترحب قلبي ] (مزمور 119: 29 – 32)؛ [ اعتزلوا اعتزلوا أخرجوا من هُناك لا تمسوا نجساً . اخرجوا من وسطها تطهروا يا حاملي آنية الرب لأنكم لا تخرجون بالعجلة ولا تذهبون هاربين لأن الرب سائر أمامكم وإله إسرائيل يجمع ساقتكم ] (إشعياء 52: 11 – 12)

وترد هذه الكلمة [ ἀφίστημι – aphistemi ] في العهد الجديد بمعناها الواسع وهي تُشير بالأكثر إلىانقسام الشعب كما نراها واضحة في سفر أعمال الرسل ، حينما كان الشعب الإسرائيلي ورؤساء الكهنة محتارين فيهم وحسب بسببهم انقسام بين الشعب [أنظر أعمال 5 ، أعمال 22] ، وأيضاً كما في العهد القديم يأتي تحذير المؤمنين من التلمذة للرب يسوع الغير مثمرة . لأن الذين يفشلون في اقتناص النعمة الممنوحة الآن من الرب يسوع المسيح ، ولم يحذروا من الخطية وعمل الإنسان العتيق متمسكين بالإنسان الجديد الذي يتجدد كل يوم حسب صورة خالقه ، فقد يجدون أنفسهم في يوم ما مفصولين للأبد عن الرب الذي أعطانا المصالحة بدم صليبه كما سوف نرى من خلال استكمال دراستنا بنعمة الله [ فقال له واحد يا سيد أقليل هم الذين يخلصون فقال لهم. اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق فاني أقول لكم أن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا و لا يقدرون. من بعدما يكون رب البيت قد قام و أغلق الباب و ابتدأتم تقفون خارجا و تقرعون الباب قائلين يا رب يا رب افتح لنا يجيب و يقول لكم لا أعرفكم من أين انتم. حينئذ تبتدئون تقولون أكلنا قدامك و شربنا و علمت في شوارعنا. فيقول أقول لكم لا أعرفكم من أين انتم تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم. ] (أنظر للأهمية لوقا 13: 22 – 30 )

وتُشير الكلمة أيضاً في تيموثاوس إلى السلوك الأخلاقي [ ليتجنب الإثم كل من يُسمى اسم المسيح ] (2تيموثاوس 2: 19) ، بل ويمتد المعنى عند القديس بولس لإظهار الأزمنة الأخيرة ، والتي تُسمى أزمنة الارتداد وعدم معرفة الحق والالتزام بالتعليم الصحيح : [ و لكن الروح يقول صريحا انه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الأيمان تابعين أرواحاً مضلة و تعاليم شياطين. في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم. مانعين عن الزواج و آمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين و عارفي الحق. لان كل خليقة الله جيدة و لا يرفض شيء إذا أُخذ مع الشكر لأنه يقدس بكلمة الله و الصلاة.
و لكن اعلم هذا انه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة. لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله. لهم صورة التقوى و لكنهم منكرون قوتها فاعرض عن هؤلاء. فانه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت و يسبون نسيات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة. يتعلمن في كل حين و لا يستطعن أن يقبلن إلى معرفة الحق أبداً. و كما قاوم ينيس و يمبريس موسى كذلك هؤلاء أيضاً يقاومون الحق أُناس فاسدة أذهانهم و من جهة الإيمان مرفوضون. لكنهم لا يتقدمون أكثر لان حمقهم سيكون واضحا للجميع كما كان حمق ذينك أيضاً ] (أنظر تيموثاوس الأولى 4 : 1 – 5 ، 2تيموثاوس 3: 1 – 9)

وربما عموماً يشير لو 8: 13 إلى الارتداد كنتيجة لإغراءات آخر الأيام . [ والذين على الصخر (يتكلم على البذرة التي سقطت على الصخر) هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح . وهؤلاء ليس لهم أصل فيؤمنون إلى حين وفي وقت التجربة يرتدون ] ، حيث هنا يذكر الناس الذين آمنوا وقبلوا الإنجيل بفرح ، لكن تحت ضغط الاضطهاد والمعاناة الآتية بسبب الإيمان ، يتخلون عن علاقتهم وشركتهم بالله ، وبناء على عبرانيين 3: 12 [ أنظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحي ] ، فأن الارتداد يكون من حركة عدم الإيمان وبسبب الخطية الساكنة في القلب والتي تجعل الإنسان في النهاية يتمرد ويرفض وصية الله ويصبح مرتداً ، وهنا تكمن خطورة العصيان على المستوى العملي في حياتنا !!!


_______يتبع_______
 
وفي الجزء القادم سنتكلم عن
المسيح يقدم نفسه ذبيحة طاعة