عام

تابع دراسة في الذبائح (24) مقارنة بين ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطية

تابع / دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח – ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
تابع / ثانياً : الخمسة أوجه من ذبيحة الصليب
[2] الوجه الثاني من أوجه الصليب
تابع / ذبيحة الخطية – άμαρτία – חַטָּאת

                                                       تابع الوجه التطبيقي لذبيحة الخطية
                                                   تابع رابعاً: المسيح يقدم نفسه ذبيحة خطية

                                                  مقارنة بين ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطيــــة
                                                 للرجوع للجزء الثالث و العشرون أضغط هنا.

خامساً: مقارنة سريعة بين عمل الذبيحتين (ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطية) على الصليب:

إذا ما قرنا بين عمل الذبيحتين على الصليب فسنجد أن:

ذبيحة المحرقة: تُعبَّر عن موقف المسيح الرب على الصليب أمام الآب ببره الشخصي، فينال الرضا والمسرة حتماً وبالضرورة.

 

بينما ذبيحة الخطية: تُعبَّر عن موقف المسيح الرب أمام الآب وعليه نجاسات وكل خطايا الإنسان، أي البشرية بكاملها.

لذلك، فبينما نجد أن ذبيحة المحرقة كانت تُفحص بالسلخ والتقطيع والغسل، إشارة إلى الفحص الذي أثبت برّ المسيح وقداسته، لا نجد مثل هذا الفحص إطلاقاً في ذبيحة الخطية، بل على العكس تماماً كان يخرج بها الكاهن خارج الهيكل وخارج المحلة كلها، إشارة إلى عدم ترائيها أمام الله أو إلى عدم إمكانية رؤية الله لها توضيحاً لجُرم الخطية وشناعتها وقوة الظلمة التي تعتريها، لأن الخطية ظلمة وموت وفساد كما رأينا في كل شرحنا السابق، ويستحيل أن تُرى أمام الله لذلك نجد الرب يسوع وهو على عود الصليب يقدم نفسه كذبيحة خطية وإثم يصرخ قائلاً: إلهي إلهي لماذا تركتني !!!
[ فإن الحيوانات التي يدخُل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرق أجسامها خارج المحلة، لذلك يسوع أيضاً لكي يُقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب. فلنخرج إذن إليه حاملين عاره ] (عبرانيين13: 11 – 13)، ولنُلاحظ أنه بالرغم من المسيح الرب لم يُحرق جسده خارج الباب (أي خارج أورشليم تماماً) ولكنه حمل خطايا الكثيرين، فدمه محسوب أنه دم محرقة ولو لم تُحرق، لأن النار الإلهية غير المنظورة التي يحملها المسيح الرب كابن الله في جسده، هي التي التهمت الخطايا بالتمام وانهتها وأبطلت قوتها وفعلها، لأن الروح الأزلي الذي في المسيح هو روح الإحراق وروح التطهير [ إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق ] (أشعياء4: 4)

فقوة روح الإحراق في المسيح يسوع الذي يحملها في نفسه للتطهير لغسل قذر الإنسان الذي يأتي إليه تائباً مؤمناً بذبيحة نفسه لأجل خطاياه، هو وضع روحي فائق جداً عن الإحساس والتصور الذي يُحسب أنه (الأرشي تيبوس – αρχέτυπος) للنار المادية التي كانت تأكل جسد ذبيحة المحرقة، وهكذا يُحسب أن النار أحرقت خطايا الشعب التي اعترف بها (كما يحدث حسب الطقس في العهد القديم) على رأس العِجْل أو المعزى. فنار المُحرقة الأرضية هي مجرد صورة باهتة في فعلها بالنسبة للنار الإلهية التي في جسد المسيح الرب على الصليب، لذلك فالصليب يُحسب عن جدارة بأنه هو مذبح المُحرقة الأصلي αρχέτυπος، لأن عليه تم ذبح المسيح الرب، وعليه انسكب دمه (كمذبح). فهنا الوجه الأول للمحرقة داخل الهيكل. ولأن الصليب كان خارج الباب وعليه تم الغفران والكفارة وتم الصُلح وتم القبض على الشيطان، فهذا هو الوجه الآخر للذبيحة القديمة عندما كانت تُحرق خارج المحلة، حيث كانت النار تلتهم خطايا الشعب (نظرياً على مستوى الرمز في العهد القديم) مع لحمها، وتمت حقيقياً وفعلياً على مستوى الواقع العملي في المسيح يسوع: [ مسامحاً لكم بجميع الخطايا، إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض (الناموس) الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مُسمَّراً إياه بالصليب، إذ (عليه بعد أن مزق الصك) جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه (في الصيب) ] (كولوسي2: 13 – 15)

ولنلاحظ أن في وقت واحد وعلى ذات الصليب ولذات الابن الواحد تمت هاتان الذبيحتان معاً (المحرقة والخطية)، ففي الوقت الذي احتجب فيه وجه الآب عن الابن بسبب الخطية التي حملها عن الإنسان، كان في ذات الوقت وعلى الصليب نفسه هو هو بنفسه موضع فرح ومسرة وقبول ورضا الآب بسبب طاعته وبره وكماله الشخصي.

إذن فلا محل لقائل: أن المسيح الرب جاز فترة ما بعيداً عن الآب، أو أن الآب انفصل عنه وتركه لأنهم جوهر واحد لا انفصال فيه، ويتكل أحد على شرح “لماذا تركتني” بهذا المعنى، ولكنه كان يُكمل عملين في وقت واحد معاً…

كذلك ليس صحيحاً على الإطلاق ما يقوله بعض الشراح الغير فاهمين لسرّ عمل المسيح وسرّ الثالوث القدوس، قائلين: إن المسيح عندما قال “إلهي إلهي لماذا تركتني” كان يتكلم بناسوته. هذا افتراء على المسيح الرب المتحد جسده بلاهوته بغير افتراق، فهذا افتراء على المسيح الرب وتقسيم فاضح لطبيعته الواحدة، لأن [ ناسوته لم يفارق لاهوته قط ولا للحظة واحدة ولا ترفة عين ] كما نقول في القداس الإلهي . فاللاهوت لم يفارق الناسوت في المسيح الرب، لا في قول ولا في عمل ولا في فعل، وإلا نكون قد قضينا على التجسد وخسرنا الوحدة وفقدنا خلاصنا.

كذلك أيضاً يُخطأ جداً من يقول: أنه يتكلم كإنسان تحت الآلام مثلنا عندما قال: [ فلتعبر عني هذه الكأس ] (متى26: 39)، لأن المسيح الرب في قوله “لماذا تركتني” أو في قوله “فلتعبر عني هذه الكأس” لم يتغير عن كونه المسيح الرب الذي قال:
[ أنا والأب واحد ] (يوحنا10: 30)؛ و[ الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال ] (يوحنا14: 10)؛ و[ الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب ] (يوحنا1: 18)؛ و[ ابن الإنسان (الذي على الأرض) هو في السماء ] (يوحنا3: 13).
فهو لم ينقسم على نفسه قط، ولا انقسمت طبيعته قط ولا تكلم بلسانين (مرة بلسان بشر ومرة بلسان إله)، ولا أبدى مشيئتين (مرة مشيئة بشرية، ومرة أخرى مشيئة إلهية، وذلك حسب الموقف كما يدَّعي البعض)، ولا عمل عملاً نسخ به عملاً سابقاً قط، ولكن الحقيقة تكمن في أن المسيح الرب القدوس الله المتجسد عمل عملاً واسع الاختصاصات وأكمل بالصليب صوراً عديدة متضاعفة متعددة الآثار، وينبغي أن لا ننسى إطلاقاً حقيقة مطلقة أنه هو الله الكلمة المتجسد، الله الظاهر في الجسد، وكل ما فعله المسيح الرب فعله كمسيح واحد وليس مسيحان أو شخصيتان منفصلتان قط …
عموماً في كل هذه العثرات في الشرح والفهم، فالعيب والذنب ليس على الله، بل العيب في الإنسانية الشقية التي فتحت حصنها الإلهي وهو العقل للشيطان، ومكنته من احتلال أركانه فأظلم وسقط تماماً ولم يقدر أن يستوعب أسرار الله وعمله فلم يُضيئ إنجيل المسيح أمام هذا العقل المُعتم [ الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ] (2كورنثوس4: 4). ولكن قد أتى المسيح الرب ليعمل ويُصلح ويُصالح ويُجدد هذه الأركان الضعيفة في الإنسان الساقط ويُقيمه مرة أخرى بما هو أعظم مما كان فيه …

نعود للصليب مرة أخرى والمقارنة بين الذبيحتين، لنجد أن المسيح الرب أكمل ذبيحتين ليُكمل عملين متلازمين بشدة:

الأول وهو

تقديم بره الشخصي في طاعة مُحكمة ومشيئة كاملة مُذعنة حتى الموت، موت الصليب بسرور [ قدم نفسه لله بلا عيب ] (1بطرس1: 19)، فَقُبِلَ مُرضياً عنه كرائحة سرور أمام الآب = ذبيحة المحرقة

الثاني وهو

تقديم نفسه حاملاً خطايا الإنسان ونجاساته [ في جسده على الخشبة ] (1بطرس2: 24)، متألماً مُتمنعاً (إذ لم يكن معقولاً أن يحمل الخطية في جسده بسرور!!) وقد قَبِلَ بحزن عظيم أن يُصلب خارج أورشليم كحامل عار ولعنة الإنسان كخاطي وتعدٍ على وصية الله = ذبيحة خطية.

ومن هُنا وعلى هذا الضوء نستطيع أن نفهم المفارقة بين الآيات والمواقف ونستوعب سرها:

  • + ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية – متى20: 28
  • لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة – يوحنا12: 27
  • وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي (يتحتم أو يجب بالضرورة) أن يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل… وقال القول علانية فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره، فالتفت وابصر تلاميذه فانتهر بطرس قائلاً: اذهب عني يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس – مرقس8: 31، 32 [ هذا أخذتموه مُسَلَّماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه ] (أعمال2: 23)
  • الكأس الذي اعطاني الآب ألا أشربها (قال هذا عند قطع بطرس لأُذن مَلْخُس عبد رئيس الكهنة ليلة القبض عليه في جثسيماني) – يوحنا18: 11
  • + طعامي ان أعمل مشيئة الذي أرسلني وأُتمم عمله – يوحنا4: 34
  • ثم قال ها أنذا آجيء لأفعل مشيئتك يا الله… فبهذه المشيئة نحن مُقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة – عبرانيين10: 9و 10
  • الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه – يوحنا13: 31
  • بذلت ظهري للضاربين، وخديَّ للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق. والسيد الرب يُعينني لذلك لا أخجل، جعلت وجهي كالصوان، وعرفت أني لا أخزى – أشعياء50: 6، 7
  • وابتدأ يحزن ويكتئب، فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت. ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يُصلي قائلاً: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس [ وفي نفس ذات الوقت يقول وهو يُريد بمسرة لأن يُتمم مشيئة الآب – وهذا تناقض بالنسبة للعقل البشري ] ولكن ليس كما أُريد انا بل كما تُريد أنت [ الكأس الذي أعطاني الآب ألا اشربها ] … فمضى ثانية وصلى قائلاً: ذلك الكلام بعينه – متى26: 37و 38و 39و 42و 44
  • ثم تقدم قليلاً وخَرَّ على الأرض وكان يُصلي لكي تعبُر عنه الساعة إن أمكن وقال: يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأُجيز عني هذه الكأس، ولكن ليكن لا ما أُريد أنا بل ما تُريد أنت… ومضى أيضاً وصلى قائلاً ذلك الكلام بعينه – مرقس14: 35و 36و 39
  • + يا ابتاه إن شئت أن تُجيز عني هذه الكأس – لوقا22: 42

ولنقارن هذه الآيات على ضوء ما سبق:

(يوحنا4: 34) طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني  (متى26: 37) نفسي حزينة جداً حتى الموت
(متى20: 28) ابن الإنسان يبذل نفسه، أتيت لهذه الساعة – (مرقس14: 35) كان يُصلي لكي تعبر عنه الساعة أن أمكن
(يوحنا12: 27) الكاس التي أعطاني الآب ألا اشربها  (مر14: 36) يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأُجيز عني هذه الكأس

فسنجد أن الآيات السابقة – في هذا الجدول الأخير والبسيط – والتي على اليمين تكشف عن سرور تتميم مشيئة الآب = ذبيحة المحرقة، والتي على اليسار حزن بسبب حَمل الخطية والعار = ذبيحة الخطية.