عام

تابع دراسة في الذبائح (25) الوجه الثالث من أوجه الصليب ذبيحة الإثم ἀνομία אָשָׁם.

تابع / دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח – ط ب ح ؛ θυσίαςσΦάζω
تابع / ثانياً : الخمسة أوجه من ذبيحة الصليب
[3] الوجه الثالث من أوجه الصليب
ذبيحة الإثم –ἀνομία– אָשָׁם
للرجوع للجزء الرابع و العشرون أضغط هنا.

ذبيحة الإثم وبالعبرية אשָׁם – أ ش م = وهو جذر يدل على التعدي والوقع في درجة أعلى من الخطية العادية وتحمل عقوباتها: 
To became guilty. trespass. To judge as guilty. To bear one’s guilty. To suffer punishment due for it. To punish. One which is faulty guilty
ويقابله في اللغة العربية لفظة [إثم] في لسان العرب: [الإثم] الذنب، وقيل هو أن يُعمَل ما لا يحل لهُ… وأَثِم فلان، بالكسر، يأْثَم إثْماً ومَأْثَماً أَي وقع في الإِثْم، فهو آثِم وأَثِيمٌ وأَثُومٌ أَيضاً، وفي مقاييس اللغة: [أثم] الهمزة والثاء والميم تدلُّ على أصلٍ واحد، وهو البطء والتأخُّر. يقال ناقة آثِمةٌ أي متأخِّرة. قال الأعشى: والإثم مشتقٌّ من ذلك، لأنَّ ذا الإثمِ بطيءٌ عن الخير متأخّر عنه.
وفي الإنجليزية تأتي مترجمة من اللغة اليونانية ἀνομία بمعنى 

Lawlessness = chaos, mess, clutter, anarchy, disorder, defiance, recalcitrance, disobedience
عدم شرعية، فوضى، فوضى سياسية, يعوزه الحكومة (أي ليس لدية حكومة), غير خاضع للقانون أو بلا قانون أو تعدي القانون، بلا ناموس، تعدي الناموس، ورطة, فسد, ركام يعوزه النظام, ضوضاء, ضجة، تشويش كامل، اضطراب، شغب، فتنة، فتنة شغب أو محنة، هباء، تحدي، جموح، استخفاف، تعنت، تمرد, عصيان, نشوز, معتل الصحة (وهذا ما سوف نراه في حزقيال 6 في المعنى العبري). 
وأيضاً تأتي في الإنجليزية من الكلمة اليونانية ἀνομίαν
ἀνομίαν = iniquity = practice lawlessness
بمعنى: ظلم, ممارسة الفوضى
وطبعاً تنفرد اللغة العبرية אשָׁם في المعنى الأقوى والأشمل على وجهٍ خاص، فالكلمة تأتي كفعل لازم، بمعنى: أَثِمَ، أَذْنَب، أذنب إلى، تَهاوَن، استهزاء، تعَدَّى الوصية، عَمِلَ ما لا يحق لهُ، خان خيانة، تمرد، وكثيراً ما ترتبط بعبادة الأوثان، مستوجب الحكم، تُهمة بزيادة الإثم، وهي ترتبط بالمجازاة بسبب التمرد أو انقسام القلب، وتأتي كأثر واضح بعقوبة في شكل خراب فني:
  • [ وتدفعه للذي أذنبت إليه ] (عدد 5: 7)
  • [ قد أَثِمَ إثماً إلى الرب ] (لاويين 5: 19)
  • [ أرضها ملآنة إثماً على قدوس إسرائيل ] (إرميا 51: 5)
  • [ فإذا أخطأ وأذنب ] (لاويين 6: 4 (5: 3))
  • وخان خيانة بالرب فقد أذنبت تلك النفس ] (عدد 5: 6)
  • [ وعَمِلوا واحدة من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عَمَلُها وَأَثِمُوا ] (لاويين 4: 13)
  • [ ولما أَثِمَ ببعل ] (هوشع 13: 1)
  • [ الجهال يستهزئون بالإثم ] (أمثال 14: 9)
  • [ تُجازي السامرة لأنها تمردت ] (هوشع 13: 6 (14: 1))
  • [ قد قَسَّموا قُلوبهم الآن يُعاقبون ] (هوشع 10: 2)
  • [ ويتكلم الملك بهذا الكلام كمذنب ] (2صموئيل 14: 13)
  • [ حقاً إننا مُذنبون إلى أخينا ] (تكوين 42: 21)
  • [ فيحملون ذنب إثم ] (لاويين 22: 16)
  • [ بل ازدادَ آمون إثْماً ] (2أخبار 33: 32)
  • [ قد خنتم واتخذتم نساء غريبة لتزيدوا على إثم إسرائيل ] (عزرا 10: 10)
  • [ اللهم إني أخجل وأخزى من أن أرفع يا إلهي وجهي نحوك لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا وآثامنا تعاظمت إلى السماء ] (عزرا 9: 6)
  • [ جاء علينا (عقوبة) لأجل أعمالنا الرديئة وآثامنا العظيمة، لأنك قد جازيتنا يا إلهنا أقل من آثامنا ] (عزرا 9: 13)
أما بالنسبة للخراب الفني، والمجازاة على الإثم المرتبط بخيانة الرب وعبادة غيره والحيدان عنه وتلويث المقدسات، في سفر حزقيال يشرح هذا كله بالتفصيل قائلاً:
  • [ قل يا جبال إسرائيل أسمعي كلمة السيد الرب، هكذا قال السيد الرب للجبال وللآكام، للأودية وللأوطئة، هانذا أنا جالب عليكم سيفاً وأُبيد مرتفعاتكم. فتخرب مذابحكم وتتكسر شمساتكم وأطرح قتلاكم قدامأصنامكم. وأضع جثث بني إسرائيل قدام أصنامهم وأُذري عظامكم حول مذابحكم. في كل مساكنكم تقفُرالمدن وتخرُب المرتفعات لكي تقفُر وتخرُب مذابحكم وتنكسر وتزول أصنامكم وتُقطع شمساتكم وتمحى أعمالكم. وتسقط القتلى في وسطكم، فتعلمون إني أنا الرب (أو بغرض أنكم تعلمون إني انا الرب). وأبقي بقية اذ يكون لكم ناجون من السيف بين الأمم عند تذريكم في الأراضي. والناجون منكم يذكرونني بين الأمم الذين يسبون إليهم إذا كسرت قلبهم الزاني الذي حاد عني وعيونهم الزانية وراء أصنامهم ومقتوا أنفسهم لأجل الشرور التي فعلوها في كل رجاساتهم. ويعلمون إني أنا الرب لم أقل باطلاً إني أفعل بهم هذا الشر (العقوبة المستحقة كنتيجة طبيعية لهذا الإثم بسبب خيانة القلب الذي حاد عن الرب عن قصد). هكذا قال السيد الرب اضرب بيدك وأخبط برجلك وقل آه (تعبير عن شدة الندم والأسف القاسي على بلاء النفس) على كل رجاسات بيت إسرائيل الشريرة حتى يسقطوا بالسيف وبالجوع وبالوباء. البعيد يموت بالوباء والقريب يسقط بالسيف والباقي والمنحصر يموت بالجوع فأُتمم غضبي عليهم. فتعلمون إني أنا الرب إذا كانت قتلاهم وسط أصنامهم حول مذابحهم على كل أكمة عالية وفي رؤوس كل الجبال وتحت كل شجرة خضراء وتحت كل بلوطة غبياء، الموضع الذي قربوا فيه رائحة سرور لكل أصنامهم. وأمد يدي عليهم وأُصير الأرض مقفرة وخربة من القفر إلى دبلة في كل مساكنهم، فيعلمون إني أنا الرب ] (حزقيال 6: 3 – 14)
ومن كل هذه الآيات السابقة التي ذكرناها يتضح لنا معنى الإثم وشدة خطورته وتبعاته على الإنسان، لأنه يعتبر إعوجاج وانحراف عن المسار الطبيعي السوي، وفي اللغة اليونانية كترجمة للكلمة العبرية أشام وهي تعني – كما رأينا – تخطي الحدود أو اغتصاب حق الآخرين أو انتهاك ناموس الله والتعدي عليه رغم المعرفة الدقيقة به.


  • أولاً : مفهوم الإثم – ἀνομία
سبق أن شرحنا بالتفصيل ذبيحة الخطية في الجزء السابق، والتي كانت تُقدَّم للتكفير عن شخص المُخطئ على وجه العموم، بينما ذبيحة الإثم تختلف عنها في أنها تُقدم فقط من أجل التكفير عن إثم معين ومُحدد، ولكننا نلاحظ – بالطبع – أن تسميتها هُنا [ ذبيحة الإثم ] لذلك نجد أمامنا سؤال هام للغاية وهو: ما هو الفرق بين الخطية والإثم ؟
توجد عدة كلمات عبرية – كما رأينا – تُترجم بالعربية بكلمة [ إثم ]، ومن أهمها كلمة [ آون אָֽוֶן ] التي وردت 215 مرة في العهد القديم، ومعناها [ اعوجاج أو انحراف ] وهذا الاعوجاج والانحراف أدى لشرّ أو بلية أو لمصيبة كبيرة [ الزارع إثماً يحصد بَلِيَّةً ] (أمثال 22: 8)، وهو بطبعه باطل وغش [ إلى متى تَبيتُ في وسطك أفكارك الباطلة ] (إرميا 4: 14)، لأنه يأتي عادة من عناد القلب: [ والعِناد كالوثن والترافيم ] (1صموئيل 15: 23).
أي باختصار تعني الشرّ باعتباره انحراف واضح عن الحق، فهي مشتقة من الفعل العبري [ أوه אוה ] الذي يعني [ يثني أو يعوَّج ] كما يعني أيضاً [ يُخطئ أو يضل ]، bend. Inflect، وفي تحليل معناه القاموسي يدُل على الشهوة الشديدة لأي شيء والمثيل لهُ، أو شهوة الشرّ الشديدة عن حاجة مُلحة في النفس (عن مشيئة وإرادة) بسبب محبة الشرّ، بسبب التلذذ به والميل النفسي والفكري نحوه بجاذبية خاصة ومُلحة باشتياقٍ شديد، بحنين ولهفة وتوق وتمني، وبخاصة عن الحاجات والغرائز to desire. To long for. To wish.
كما تستخدم العبرية كما رأينا في كلمة [אָשָׁם] للتعبير عن الإثم بالعربية، وهي تعني تخطي الحدود أو اغتصاب حق الآخرين أو انتهاك ناموس الله كما راينا في معناها وشرحناه…


أما في العهد الجديد فكلمة [إثم] هي ترجمة للكلمة اليونانية [أنوميا = ἀνομία] أي بلا ناموس أو تعدي الناموس: [ كل من يفعل الخطية يفعل التعدي (الإثم) أيضاً والخطية هي التعدي ] (1يوحنا 3: 4)، [ الذي تفتخر بالناموس أبتعدي الناموس (إثم) تُهين الله ] (رومية 2: 23).
ونجد أن القديس يوحنا الرسول يقول: [ كل إثم هو خطية ] (1يوحنا 5: 17) حيث يتضح لنا هنا أن الخطية أشمل في معناها من الإثم للتعبير عن تعدي الناموس، فالخطية تعني الفعل نفسه، أما الإثم يعني طبيعة الفعل، فلهذا نقرأ على سبيل المثال: [ أعترف للرب بذنبي (الذي فعلت)، وأنت رفعت آثام خطيئتي (رفعت طبيعة الفعل الذي ارتكبته، الذي حطمني وحطم علاقتي مع شخصك) ] (مزمور 32: 5). ويقول القديس بولس الرسول البارع في ألفاظه وتركيباته اللغوية: [ ولا تُقدموا أعضائكم آلات إثم للخطية … ] (رومية 6: 3).


  • إذن ، فذبيحة الإثم شديدة الارتباط بذبيحة الخطية، لأنه يستحيل فصل الخطية عن المُخطئ، إلا أن الأمر هُنا يتعلَّق بالإثم الذي اقتُرف ضد الله أو ضد القريب الذي هو صورة الله، فالوحي الإلهي يذكر بالتحديد خطايا مُعينة إذا أخطأ بها الإنسان وأذنب ضد الله أو ضد شخص ما، يجب عليه أن يُقدم عنها ذبيحة إثم.

وذبيحة الإثم – كما سوف نرى بأكثر دقة وتفصيل – هي تقدمة كبش في كل الحالات، لأنها فدية عن ذنب مُحدد، لذلك فهي لا تتغير ولا تزيد ولا تنقُص، لأن الخطية في كل الحالات هي التعدي، وذبيحة الإثم تُشير إلى التكفير عن الخطية ذاتها، تلك التي حملها الرب يسوع المسيح في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبرّ (أنظر: 1بطرس 2: 22).

كما كان يلزم من جانب المذنب أن يرد ما أخطأ به ويُزيد عليه خُمسة، فهذه الذبيحة تعتبر للتكفير والتعويض. وهي بالطبع تُشير إلى ذبيحة المسيح الرب، التي هي ذبيحة إثم حقيقية، التي تنبأ عنها إشعياء النبي قائلاً: [ أما الرب فسُرَّ أن يسحقه بالحزن، إنْ جعل نفسه ذبيحة إثم… وعبدي البار بمعرفته يُبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها ] (إشعياء 53: 10و 11). فقد كفر المسيح الرب بموته على الصليب عن كل آثام الإنسان وردَّ لهُ مجده بأكثر مما سلبه الإنسان بخطيته وإثمه، إذ فقد صورة الله ومثاله وتسلط عليه الموت، وأصبح الإثم هو المحرك الأساسي لسلوكه المشين…