عام

بحث خاص عن الإنجيل معناه – الجزء الثالث – ثانياً: اعتبارات مختلفة للكلمة.

تابع بحث خاص عن الإنجيل معناه
تابع المقدمة، تابع 1- العهد القديم: [ثانياًاعتبارات مختلفة للكلمة
الاعتبار الأول: (1) كلمة الله نور كاشف
للعودة للجزء الثانى أضغط هنا.

عادة حينما نقترب من كلمة الله بإخلاص خاضعين لها، نرى أن لها اعتبارين غير منفصلين عن بعضهما ولكنهما متميزين : تكشف ؛ تعمل [ أي تكشف كنور، وتعمل كقوة فعالة ]
  • الاعتبار الأول (1) كلمة الله نور كاشف:
لكي يجعل الله القدوس فكر الإنسان متصلاً بفكره فهو يلقي إليه كلمته بأشكال متنوعة كثيرة لكي تكون نوراً لسبيله [ سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي ] (مزمور 119: 105)، لذلك نجد كلمه الله تتخذ عادة ثلاثة اشكال مختلفة : فهي (أ) شريعة وقاعدة للسلوك؛ (بتكشف معنى الأحداث وغايتها وتعلن القصد الإلهي منها؛ (جـوعد ونبوة.

(أ) كلمة الله كشريعة وقاعدة للسلوك: يرجع إظهار الكلمة الإلهية كشريعة وقاعدة للسلوك إلى نشأة إسرائيل ذاتها. ففي أثناء إبرام العهد في طور سيناء، سلَّمَ موسى للشعب من قِبَّل الله ميثاقاً دينياً وأخلاقياً يتلخَّص في عشرة كلمات [ أنظر خروج 20: 1 – 17؛ تثنية 5: 6 – 22 ].
  • [ وكان هُناك عند الرب (موسى) أربعين نهاراً وأربعين ليلة لم يأكل فيها خبزاً ولم يشرب ماءً وكتب على اللوحين كلمات العهد، الكلمات العشر ] (خروج 34: 28)
  • [ وأخبركم (الرب) بعهده الذي أمركم أن تعملوا به، الكلمات العشر وكتبهُ على لوحي حجر ] (تثنيه 4: 13)
ونلاحظ أن التصريح بوحدانية الله في الكلمات العشر، المقترن بإعلان مطالبه الأساسية، كان إحدى العناصر الأولى التي أتاحت لإسرائيل أن يُدرك أن [ الله يتكلم ] بشخصه وبنفسه، بذاته هو شخصياً، وفد أبرزت بعض أحداث الكتاب المقدس هذه الحقيقة بالتركيز على أحداث طور سيناء على وجهٍ خاص، مُظهره أن الله يُكلم مباشرة إسرائيل شعبه الأخص بكامله من وسط النار والغمام: [ فكلمكم الرب من وسط النار وأنتم سامعون صوت كلام ولكن لم تروا صورة بل صوت ] (تثنية 4: 12).

وفي الواقع، توضح نصوص أخرى في الكتاب المقدس، دور موسى الأساسي كوسيط، وهو يحفظ وصية الله ويضعها أمام أعين الشعب ويذكرهم دائماً بصوت الرب ويلزمهم بكلماته لينبههم أن يحترزوا من أن يهملوا في كلمات الله أو لا يحفظوها عاملين بها، بل ويشفع فيهم أمام الله لكي يغفر لهم ويصفح عنهم ويردهم إليه مرة أخرى، وهذا ما نراه على مدى حياة موسى النبي كلها وسط إسرائيل.

عموماً وعلى كل حال، لقد فُرِضَت الشريعة بصفتها كلمة إلهية ذات سلطان تقود الإنسان لخيره ولحياة أفضل، وبهذه الصفة رأى فيها كاتبوا الحكمة وأصحاب المزامير المصدر الحقيقي للسعادة الحقيقية:
  • [ أنت اوصيت بوصاياك أن تُحفظ تماماً. ليت طُرقي تثبت في حفظ فرائضك. حينئذٍ لا أخزى إذا نظرت إلى كل وصاياك. أحمدك باستقامة قلب عند تعلمي أحكام عدلك. وصاياك أحفظ لا تتركني إلى الغاية. بم يُزكي الشاب طريقه: بحفظه إياه حسب كلامك. بكل قلبي طلبتك لا تضلني عن وصاياك. خبأت كلامك في قلبي لكيلا أُخطئ إليك. مبارك أنت يا رب علمني فرائضك. بشفتي حسبت كل أحكام فمك. بطريق شهاداتك فرحت كما على كل الغنى. بوصاياك ألهج وأُلاحظ سُبلك. بفرائضك أتلذذ لا أنسى كلامك. أحسن إلى عبدك فأحيا وأحفظ أمرك. أكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك. غريب أنا في الأرض لا تخف عني وصاياك. انسحقت نفسي شوقاً إلى أحكامك في كل حين… أيضاً شهاداتك هي لذتي أهل مشورتي… لتأتني مراحمك فأحيا لأن شريعتك هي لذتي… لو لم تكن شريعتك لذتي لهلكت حينئذ في مذلتي… لكل كمال رأيت حداً، أما وصيتك فواسعة جداً. كم أحببت شريعتك اليوم كله هي لهجي، وصيتك جعلتني احكم من اعدائي لأنها إلى الدهر هي لي. ] (مزمور 119: 4 – 20، 24، 77، 92، 96 – 98) (رجاء مراجعة المزمور 119 بكامله).
(ب) كلمة الله تكشف معنى الأحداث وغايتها وتعلن القصد الإلهي منها: لقد اقترنت الشريعة الإلهية، منذ البداية، بإعلان عن الله وعن عمله الخاص الذي عمل مع إسرائيل في واقع ملموس في حياته اليومية المُعاشة، في تاريخه الذي عاشه: [ أنا الرب (يهوه) إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية ] (خروج 20: 2). وهذه هي الحقيقة الأساسية التي تُدعم سلطة الشريعة ذاتها، لأن لها ناحية واقعية تمس الشعب كله من جهة الفعل والعمل، لأنها لم تأتي كمجرد كلام أو فكر أو فلسفة نظرية أو كلام في فراغ، إنما أتت من واقع حاضر ملموس ومحسوس كخبرة وحياة مُعاشه، وهذه هي دائماً كلمة الله وعلامتها ودلالتها دائماً [ أنها تمس حاضر وواقع ملموس ].

ومثلاً لو أتينا بالنسبة لإيمان شعب إسرائيل بوحدانية الله، هذا لم يكن نتاج أو بفضل حكمة إنسانية بشرية، أو عن مجرد قناعة عقل، لكن هذا بسبب أن يهوه الرب كلَّم آباء الشعب قديماً، ثم كلَّمَ موسى لكي يُعرِّف نفسه بصفته [ الرب الواحد ]:
  • [ فقال موسى لله ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم !!. فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه وقال هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه أرسلني إليكم. وقال الله أيضاً لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دورٍ فدور. ] (خروج 3: 13 – 15)؛ [ اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا ربٌ واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ] (تثنية 6: 4).
ونجد عموماً أن كلمة الله تُلقي الضوء على حوادث التاريخ التي تتلاحق وتكشف عن معناها الكامن فيها. وهي في كل واحدة من الاختبارات الوطنية الكُبرى تكشف للشعب عن مقاصد الله التي يستتر فيها سرّ فائق: [ وأعطيتكم أرضاً لم تتعبوا فيها وَمُدُناً لم تبنوها وتسكنون بها، ومن كروم وزيتون لم تغرسوها تأكلون. فالآن أخشوا الرب واعبدوه بكمال وأمانة وانزعوا الآلهة الذين عبدهم آبائكم… ] (يشوع 24: 13و 14)، [ وعلى كل واحد أن يدقق في كلام الله لأنه لنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور – ومن له أُذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح ]

عموماً لا يرجع التعرف على قصد الله من خلال الأحداث التي تحدق في هذا العالم، لعوامل بشرية محضه، إنما مرجعه الوحيد إلى المعرفة النبوية التي تجد امتداداً لها في رؤية الحكماء بذهن مفتوح على الإعلانات الإلهية: [ ان في كل شيء روحك الذي لا فساد فيه. فبه توبخ الخطاة شيئاً فشيئاً وفيما يخطأون به تذكرهم وتنذرهم لكي يقلعوا عن الشر ويؤمنوا بك أيها الرب. ] (حكمة 12: 1و 2) [ رجاء الرجوع إلى سفر الحكمة الإصحاح 10، 11، 12 وذلك للأهمية ]، وباختصار شديد فأن التاريخ مستمد من كلمة الله ..

(جـ) وعد ونبوة: كلمة كلمة لا تُحد في الزمن بل ترتفع فوقه، لأن لا يوجد عند الله زمن، لأن الزمن يخص الخليقة وحدها، فكلمة الله، وبالتالي كل أعماله تفوق الزمن وتشمله كله لأنها تحتويه وتحصره في داخلها، لذلك كل أعمال الله التي يعملها تسري في زمن الإنسان كله، فلو تكلمنا عن خلاص الله فهو خلاص حاضر دائم الحضور ليمتد يشمل الزمان كله، لأن عمل الله عمل يبدأ من الأزل ويمتد للأبد لأنه وأن حدث في الزمن ولكنه يتفوق عليه دائماً، لأن عمل الله يرتفع فوق كل حدود الزمان والمكان …

عموماً كلمة الله تستطيع اجتياز حدود الزمن، لكي تكشف مقدماً عن المستقبل بالنسبة لزمن الإنسان وليس الله بالطبع، وهي تعمل لتتقدم بالإنسان خطوة بعد خطوة إلى المستقبل لرؤية عمل الله بالتمام، فعلى مستوى العهد القديم تعمل الكلمة لتُنير إسرائيل شعب الله المختار بشأن مرحلة قادمة في تدبير الله الذي سيُعلن لهم في حينه وهذا ما نجد ملامحه في الكتاب المقدس هذا أن كنا فعلاً ندقق ونتعمق فيه ولنلاحظ بدقة الأحداث والنبوات التي قُدمت لكل من اختارهم الله لأعمال محدده في تدبيره المُعلن في الزمن مع أنه فوق الزمن:
  • [ فقال (الرب) لإبرام: أعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم ويُستعبدون لهم فيذلونهم أربع مئة سنة. ثم الأُمة التي يستعبدون لها أنا أُدينها وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة. وأما أنت فتمضي إلى أباءك بسلام وتُدفن بشيبة صالحة. وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملاً ] (تكوين 15: 13 – 16)
  • [ فقال الرب (لموسى) إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مُسخريهم، إني علمت أوجاعهم. فنزلت لأُنقذهم من أيدي المصريين وأُصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً إلى مكان الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين. والآن هوذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إليَّ ورأيت أيضاً الضيقة التي يضايقهم بها المصريون. فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر ] (خروج 3: 7 – 10)
  • [ وكان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً. موسى عبدي قد مات فالآن قم أُعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا مُعطيها لهم أي لبني إسرائيل. كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أُعطيته كما كلمت موسى. من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم. لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك كما كنت مع موسى أكون معك لا أهملك و لا أتركك. تشدد و تشجع لأنك أنت تقسم لهذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائهم أن أُعطيهم. إنما كن متشدداً وتشجع جداً لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي، لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح حيثما تذهب. لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح. أما أمرتك تشدد وتشجع لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب. ] (يشوع 1: 1 – 9)
عموماً كلمة الله دائماً ما تكشف ما وراء المستقبل، سواء القريب أو البعيد بالنسبة للإنسان، لأن عند الله كل شيء حاضر أمام عينيه، ولكن الإنسان لا يوجد شيء حاضر أمام عينيه سوى ما يُعلن من الله في الزمان ليحدثه بنبوة عن ما يحدث عن قريب، أو ما هو سيتم في مستقبله لأجل حياته ومنفعته أن سمع لصوت الرب إلهه…
عموماً دائماً ما نجد صيغة [ الأزمنة الأخيرة ] في الكتاب المقدس، وهي تختلف في تحديدها حسب ما يُريد أن يعلنه الله في الزمن بالنسبة للإنسان وحاضره، لذلك كلمة الله تكشف عن ما سوف يحدث في الأزمنة الأخيرة، عندما يُحقق الله قصده في كماله وهذا هو بالذات موضوع التنبؤ الإسخاتولوجي:
  • [ وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابة تغشي الأرض في الأيام الأخيرة يكون وآتي بك على أرضي لكي تعرفني الأمم حين أتقدس فيك أمام أعينهم يا جوج ] (حزقيال 38: 16)
  • [ لكن يوجد إله في السماوات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذنصر ما يكون في الأيام الأخيرةحلمك ورؤيا رأسك على فراشك هو هذا ] (دانيال 2: 28)
  • [ وجئت لأفهمك ما يُصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيام بعد ] (دانيال 10: 14)
  • [ يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً ] (أعمال 2: 17)
  • [ ولكن أعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة ] (2تيموثاوس 3: 1)
  • [ كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء الذي به أيضاً عمل العالمين ] (عبرانيين 1: 2).
عموماً في نهاية هذا الجزء نقول، أن هذه الاعتبارات الثلاثة لكلمة الله، التي رأيناها وتحدثنا عنها: [ الشريعة الإعلان والكشف – الوعد ]، نجدها غير منفصلة عن بعضها البعض قط، بل نجد أن كل واحدة مرتبطة بالأخرى ارتباط وثيق وشديد على طول اسفار العهد القديم بل وتمتد للجديد لتعلن عن نفسها إعلان كامل تام حسب مقاصد الله في الزمن وترتفع بالزمن نفسه لتمتد به للأبدية عينها. وهي عموماً تتطلب – من جانب الإنسان – جواباً سنتعرض له فيما بعد.

__________يتبــــــــــع__________
العنوان القادم 
تابع العهد القديم: تابع [ثانياً] اعتبارات مختلفة للكلمة
الاعتبار الثاني (2) كلمة الله قوة فعالة