عام

بحث خاص عن الإنجيل معناه – الجزء الخامس -ثالثاً: موقف الإنسان أمام الكلمة.

تابع بحث خاص عن الإنجيل معناه

تابع المقدمة، تابع 1- العهد القديم: [ثالثاً] موقف الإنسان امام كلمة الله
للرجوع للجزء الرابع أضغط هنا.

كلمة الله كما رأيناها واسعه ومتسعه جداً في فعلها وعملها كما سبق وشرحنا حسب إعلان الله بروحه القدوس: [ لكل كمال رأيت حداً، أما وصيتك فواسعة جداً ] (مزمور 119: 96)؛ [ وصايا الرب مستقيمة تفرح إياه. أمر الرب طاهر يُنير العينين ] (مزمور 19: 8)

 

فكلمة الله بكونها تحمل حياة الله وقوته الخاصة، لا يجوز للإنسان أن يظل سلبياً تجاهها، بل عليه أن يتخذ موقفاً واضحاً منها يظهر في حياته كثمرة استجابته لها وتوافقه معها …

 


عموماً هناك اتجاهين بالنسبة للواقع العملي لكلمة الله، وهما، أولاً خدمة الكلمة، وثانياً موقف السامع من هذه الكلمة… بمعنى أن الله يعطي كلمته لأناس مختارين ليستجيبوا لها ويحيوا بها ويقدمون لها الطاعة والخضوع التام، ويحملوا نيرها ويخدموها بوقار شديد، إذ يقدموها للآخرين كما هي حسب الرسالة الموضوعة عليهم بموهبة الروح، حسب نعمة الله وإرادته ومشيئته، فهم مثل الفلاح الذي يلقي البذار في الأرض، وعلى الأرض أن تستجيب لهذه البذار حسب نوعها، أي حسب نوع الأرض نفسها :

 

  • [ خرج الزارع ليزرع زرعه وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فانداس وأكلته طيور السماء. وسقط آخر على الصخر فلما نبت جف لأنه لم تكن له رطوبة. وسقط آخر في وسط الشوك فنبت معه الشوك وخنقه. وسقط آخر في الأرض الصالحة فلما نبت صنع ثمراً مئة ضعف، قال هذا ونادى من له أُذنان للسمع فليسمع…. وهذا هو المثل: الزرع هو كلام الله. والذين على الطريق هم الذين يسمعون ثم يأتي إبليس وينزع الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلصوا. والذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح وهؤلاء ليس لهم أصل فيؤمنون إلى حين وفي وقت التجربة يرتدون. والذي سقط بين الشوك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة وغناها لذاتها ولا ينضجون ثمراً. والذي في الأرض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح و يثمرون بالصبر ] (لوقا 8: 5 – 8؛ 11 – 15)

 

1 – خدمة كلمة الله: إن خدمة الكلمة في العهد القديم لم تكن مصدر من مصادر البهجة ومسرة الإنسان الذي يحملها ليتكلم بها، بل بالعكس، فأن كل نبي يحمل رسالة الله الحقيقية بأمانة وإخلاص، فهو يتعرض دائماً بل وبالضرورة للمقاومة وللاضطهاد وأحياناً يكون اضطهاد عنيف قد يصل للقتل…

 

حقاً أن الله يضع على فم النبي كلماته الخاصة بكل قوتها، مانحاً لهُ قوة كافية ليتولَّى تبليغ الرسالة المعهودة إليه من الله ليُسلمها إلى من أرسلها لهم كما هي بدون زيادة أو نُقصان، وبدون أن يخشى شيئاً قط، لأنه رسول خاص من الله الحي:

 

  • [ كلام أرميا بن حلقيا من الكهنة الذين في عناثوث في أرض بنيامين. الذي كانت كلمة الرب إليه في أيام يوشيا بن آمون ملك يهوذا في السنة الثالثة عشرة من ملكه. وكانت في أيام يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا إلى تمام السنة الحادية عشرة لصدقيا بن يوشيا ملك يهوذا إلى سبي أورشليم في الشهر الخامس.
    فكانت كلمة الرب إليَّ قائلا. قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبياً للشعوب. فقلت آهٍ يا سيد الرب إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد. فقال الرب لي لا تقل إني ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأُنقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. أنظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس. ] (أرميا 1: 1 – 10)

 

ومقابل أن الرب يُرسل ويضع كلامه في فم النبي، فأن النبي يحمل مسئولية أمام الله عن هذه المهمة التي يتوقف عليها مصير البشر: 

  • [ وكان عند تمام السبعة الأيام أن كلمة الرب صارت إلي قائلة. يا ابن آدم قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل فاسمع الكلمة من فمي وانذرهم من قبلي. إذا قلت للشرير موتاً تموت وما أنذرته أنت ولا تكلمت إنذاراً للشرير من طريقه الرديئة لإحيائه فذلك الشرير يموت بإثمه أما دمه فمن يدك أطلبه. وأن أنذرت أنت الشرير ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة فأنه يموت بإثمه أما أنت فقد نجيت نفسك. والبار أن رجع عن بره وعمل إثماً وجعلت معثرة أمامه، فأنه يموت لأنك لم تنذره، يموت في خطيته ولا يذكر بره الذي عمله، أما دمه فمن يدك أطلبه. و أن أنذرت أنت البار من أن يُخطئ البار وهو لم يُخطئ، فأنه حياة يحيا لأنه أُنذر وأنت تكون قد نجيت نفسك. ] (حزقيال 3: 16 – 21)
  • [ وأنت يا ابن آدم فقد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل فتسمع الكلام من فمي وتُحذرهم من قبلي. إذا قلت للشرير يا شرير موتاً تموت، فأن لم تتكلم لتحذر الشرير من طريقه فذلك الشرير يموت بذنبه، أما دمه فمن يدك أطلبه. وأن حذرت الشرير من طريقه ليرجع عنه ولم يرجع عن طريقه فهو يموت بذنبه أما أنت فقد خلصت نفسك. وأنت يا ابن آدم فكلم بيت إسرائيل وقل أنتم تتكلمون هكذا قائلين: أن معاصينا وخطايانا علينا وبها نحن فانون فكيف نحيا. قل لهم: حي أنا يقول السيد الرب: إني لا أُسرّ بموت الشرير، بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا، أرجعوا، أرجعوا، عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل. وأنت يا ابن آدم فقل لبني شعبك: أن برّ البار لا يُنجيه في يوم معصيته، والشرير لا يعثُرّ بشره في يوم رجوعه عن شره، ولا يستطيع البار أن يحيا ببره في يوم خطيئته ] (حزقيال 33: 7 – 12).

 

أما أذا حاول النبي أن يتهرب من رسالته الموضوعة عليه، يستطيع الله أن يجبره على العودة إليها، لأنه يقوم نفسه ويُربيه في الطاعة حتى يعود في النهاية ليُخبِّر بما أراده الله، وهذا ما نجده في أحداث حياة يونان النبي [ أنظر يونان 1، 2 وذلك للأهمية ].

 


ولكن عموماً وفي أكثر بل وأغلب الأحيان، يؤدي النبي مهمته على حساب راحته الشخصية مع الاستعداد للتضحية بحياته إذا اقتضى الأمر. وتُعتبر هذه الأمانة البطولية مصدر ألم عميق لهُ وواجب قاسي لا يستطيع أن يجد له أجر مباشر: [ أنت يا رب عرفت، أذكرني وتعهدني وانتقم لي من مضطهدي، بطول أناتك لا تأخذني، اعرف احتمالي العار لأجلك. وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح و لبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يا رب إله الجنود. لم أجلس في محفل المازحين مبتهجا من أجل يدك جلست وحدي لأنك قد ملأتني غضباً. لماذا كان وجعي دائماً وجرحي عديم الشفاء يأبى أن يُشفى، أتكون لي مثل كاذب مثل مياه غير دائمة. لذلك هكذا قال الرب: أن رجعت أُرجعك فتقف أمامي وإذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون، هم يرجعون إليك وأنت لا ترجع إليهم. وأجعلك لهذا الشعب سور نحاس حصيناً فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأني معك لأُخلصك وانقذك يقول الرب. فأنقذك من يد الأشرار وأفديك من كف العُتاة ] (أرميا 15: 15 – 21)

 

[ فقال (إيليا للرب) غرت غيرة للرب إله الجنود، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها… (الرب يكلم إيليا ويقول) قد أبقيت في إسرائيل سبعة آلاف كل الركب التي لم تجثُ للبعل وكل فم لم يقبله ] (1ملوك 19: 14و 18)

 

2 – قبول الكلمة: بعدما رأينا دور النبي في مسئولية توصيل الرسالة الإلهية كما هي وهو تحت الآلام والمشقة والضيق العظيم وعنده الاستعداد أن يموت من أجلها، نأتي لدور المستمعين لهذه الرسالة العظمى، لأنه واجب عليهم أن يقدروا كلمة الله ويوقروها جداً ويسمعوها بتدقيق شديد بتأني وتركيز فائق، وعليهم أن يستعدوا لقبولها في قلوبهم بثقة الإيمان الحي وتسليم بطاعة للكلمة، فالكلمة تأتي إليهم من حيث أنها نور كاشف وقاعدة سلوك، ونور حقيقي لهم: [ سراجٌ لرجلي كلامك ونورٌ لسبيلي ] (مزمور 119: 15)، ومن حيث أنها وعد، توفر لهم ضماناً للمستقبل: [ والآن أيها الرب أنت هو الله وقد وعدت عبدك بهذا الخير ] (1أخبار 17: 26)، [ وتقول أيدني أيها الرب إله إسرائيل وانظر في هذه الساعة إلى عمل يدي حتى تنهض أورشليم مدينتك كما وعدت وأنا أتم ما عزمت عليه واثقة بأني أقدر عليه بمعونتك ] (يهوديت 13: 7)، [ أن الرب وعد داود عبده أن يُقيم منه الملك القدير الجالس على عرش المجد إلى الأبد ] (سيراخ 24: 34).

 

وكلمة الله أياً كان من يُبلَّغها لشعب الله، إن كان موسى أو أي نبي آخر، ينبغي إذن الاستماع والإصغاء الشديد إليه، لأنهم لا يستمعون لكلمة إنسان أو لمجرد رأي شخصي لنبي ولا حتى لرجل عظيم، بل لله الحي القدير، الذي ينبغي أن يُصغى إليه جيداً لسماع كلمته:

 

  • [ فاسمع يا إسرائيل واحترز لتعمل… ] (تثنية 6: 3)
  • [ ليُقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي (إنسان يحمل قوة النبوة). له تسمعون ] (تثنية 18: 15)
  • [ اسمعوا كلام الرب… أصغوا إلى شريعة إلهنا ] (أشعياء 1: 10)
  • [ فتقول لهم هكذا قال الرب إله إسرائيل: ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد… اسمعوا كلام هذا العهد واعملوا به ] (أرميا 11: 3و 6)

 

فيكون الاستماع لكلمة الله، سواء:

 

حفظها في القلب: [ ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك ] (تثنية 6: 6)

 

وللعمل بها: [ بل الكلمة قريبة منك جداً في فمك وفي قلبك لتعمل بها ] (تثنية 30: 14)

 

ولتطبيقها في الحياة: [ بما يُزكي الشاب طريقه، بحفظه إياه حسب كلامك … أحسن إلى عبدك فأحيا وأحفظ أمرك… من كل طريق شرّ منعت رجلي لكي أحفظ كلامك ] (مزمور 119: 9و 17و 101)

 

أو الاعتماد عليها ووضع الرجاء فيها: [ … اتكلت على كلامك… متقوك يرونني فيفرحون لأني انتظرت كلامك… تاقت نفسي إلى خلاصك. كلامك انتظرت ] (مزمور 119: 42و 74و 81)؛ [ انتظرتك يا رب، انتظرت نفسي، وبكلامه رجوت ] (مزمور 130: 5).

 


فإجابة الإنسان على الكلمة الإلهية تُشكل إذاً موقفاً داخلياً مُتشعباً يشمل جميع نواحي الحياة الفائقة الطبيعة، أي أن الاستجابة لكلمة الله عادة ترفع الإنسان للمستوى الفوقاني، أي المستوى الغير منظور بالإيمان، الإيمان والاتكال على كلمة الله، لأنها وحدها من ترفع النفس للعلو الحلو الذي للقديسين لترى ما لا يُرى، بل وتقوي الإيمان وترفعه:

 

فبداية قبول الكلمة يأتي أولاً بالإيمان ووضع الثقة في الله مصدرها : وهذا يتأكد بسبب أن الكلمة كشف عن الإله الحي الحقيقي، وكشف إعلان عن مقاصده وتدبيره المُعد للإنسان.

 

والإيمان الصادق الحي يولد الرجاء الحي، طالما الكلمة تقدم الوعد الإلهي، وتم تصديقها بالإيمان.

 

والإيمان والرجاء يُكللوا بالمحبة، لأن الكلمة صارت قاعدة للسلوك والتطبيق، لأن من يحب الله يحيا بوصياه التي وثق فيها لأنها حياته ونوره الشخصي، ومن هُنا يظهر قوة الإيمان بوحدانية الله الحقيقية حسب إعلان الكلمة:

 

  • [ اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا ربٌ واحد، فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك، ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك ] (تثنية 6: 4 – 6)

__________يتبــــــــــع__________
العنوان القادم 
تابع العهد القديم: [رابعاً] تجسيد كلمة الله