عام

بحث خاص عن الإنجيل معناه – الجزء الثامن (2) موقف البشر أمام كلمة يسوع.

بع بحث خاص عن الإنجيل معناه
تابع المقدمة، تابع 2- العهد الجديد: تابع [أولاً] كلمة الله وكلمة يسوع
للرجوع للجزء السابع أضغط هنا.

  • 2 – موقف البشر أمام كلمة يسوع

 

كلمة يسوع الخارجة من فمه، ليست كلمة مثل باقي الكلمات التي نسمعها حتى من أعظم الناس أو حتى الأنبياء أنفسهم، رغم من أن الأنبياء نطقوا وتكلموا حسب الكلمة التي وصلت إليهم من الله يا أما مباشرة أو بوحي خاص وإلهام [ فهذه هي كلمات داود الأخيرة وحي داود بن يسى ووحي الرجل القائم في العُلا مسيح إله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو ] (2صموئيل 23: 1)، [ فكانت كلمة الرب إليَّ قائلا ] (أرميا 1: 4)، ولكنهم لم يكونوا أكثر من ناقلي كلمة الله كما هي حسب قصده، لأنهم كانوا مسوقين من الروح القدس فتكلموا ونطقوا حسب إرادة الله ومشيئته…
أما يسوع فهو كان ينطق بذاته وبشخصه، كنور وحياة، فكلمة يسوع هي حياة منبعثه من ذاته، تتفاعل بذهن الإنسان وبروحه فتتحد به، ليصير الإنسان بواسطتها حياً، لأن كلمة يسوع المسيح، الله الكلمة الظاهر في الجسد، المتحد بجسم بشريتنا، هي مصدر الحياة الروحية للإنسان وواسطة اتحاد سري بالله، هي حكمة الله المنطوقة والمُعلنة للإنسان، هي نور يُشرق في ظلمة قلب الإنسان وعقله فتُنيره، لذلك الرب يسوع حينما كشف عن كلامه الذي ينطق به قائلاً: [ الكلام الذي أُكلمكم به هو روح وحياة ] (يوحنا 6: 63)، لذلك كانت كلمته تستطيع أن تُقيم الميت حتى لو كان أنتن كما اقام لِعازر بكلمة من فمه [ صرخ بصوت عظيم: لعازرهلم خارجاً ] (يوحنا 11: 43)، وأيضاً قال بوضوح: [ الحق، الحق، أقول لكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون ] (يوحنا 5: 25).

 


فنحن الآن إزاء كلمة الله، كلمة الحياة، التي هي كلمة يسوع الخارجة من فمه الطاهر، لأنه هو بشخصه الكلمة الذاتي والمساوي والجليس والخالق الشريك مع الآب، الذي به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان، فيه الحياة والحياة نور الناس، وكلمته = خلق، يقول فيكون في التو، لأن مستحيل أن تتعطل كلمته أو لا تنجح في عملها حسب قصده الذي قصد بكل دقة وتدقيق، لذلك حينما يقول للميت قم فيقوم في لحظة النطق ذاته، وحينما يُريد أي شيء يتم فوراً: [ وكان في إحدى المدن فإذا رجل مملوء برصاً، فلما رأى يسوع خرَّ على وجهه وطلب إليه قائلاً يا سيد أن أردت تقدر أن تُطهرني. فمد يده ولمسه قائلاً أُريد فاطهر وللوقت ذهب عنه البرص ] (لوقا 5: 12 – 13).

 

  • ولنُلاحظ يا إخوتي أن الإنجيل ليس مجرد كتاب يضم أحداث وأقوال لكي نعرف عن يسوع وأعماله ونفرح، ونتعلم بعض التعليم ونعرف بعض المعرفة، بل هو سرّ فائق ندخل إليه، لنسمع صوت يسوع ذاته ويصير فينا فعل حياة تسري في داخلنا…

 

عموماً ينبغي بل ويتحتم على الإنسان الذي يأتي إلى الإنجيل ليسمع بشارة الحياة في قول يسوع وكلامه، أن يتخذ موقف مُحدد إزاء هذه الكلمة الخارجة من فم الرب بشخصه، لأن كلمته تضع أي إنسان يأتي إليها فاتحاً قلبه وعنده نفس ذات اشتياق الأبرص ليتطهر، أو حاجة الميت للقيامة، سيجد ان كلمة يسوع تخترق وجدانه وفكره وقلبه لتضعه في مواجهة جاده مع الله نفسه ليتخذ موقف محدد بإرادته الحرة ليتفاعل مع الكلمة بالإيمان، فيشعر الإنسان في قلبه بثقة أن الرب قادر على أن يفعل ما يشاء لينطق مع الأبرص قائلاً: [ أن أردت تقدر أن تُطهرني ]…

 


عموماً نقلت إلينا الأناجيل أقوال ليسوع تُبين بوضوح هذا الاختبار أو هذه الخبرة في مواجهة الكلمة بإرادة واضحة تخضع لها، ففي مثل الزارع، يظهر أن الزارع والغارس للكلمة قد خرج وسط الناس ليُلقي بذار إنجيل الملكوت في القلوب، ليتلقفها السامعين كل واحد حسب قلبه، فالجميع يسمعون الكلمة ويقرأون الإنجيل، ولكن لا تتأصل الكلمة في تربة القلب لتنمو وتُثمر إلا عند الذين يتقبلونها ويفهموها ويطيعوها ليحيوا بها [ أنظر مثل الزارع متى 13: 13 – 23 ]، فمن يقبل الكلمة من فم يسوع لتكون هي حياته: [ هؤلاء هم الذين زرعوا على الأرض الجيدة الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها ويثمرون واحد ثلاثين وآخر ستين وآخر مئة ] (مرقس 4: 20)، [ والذي في الأرض الجيدة: هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالحويثمرون بالصبر ] (لوقا 8: 15)

 


ونجد أن في نهاية العظة على الجبل، حيث أعلن لنا يسوع شريعة الحياة الجديدة، أنه يُقابل مصير الذين [يسمعون كلامه ويعملون به ]، بمصير الذين [ يسمعونه بدون أن يعملوا بكلامه ]:

 

  • [ فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أُشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر؛ وكل من يسمع أقواليهذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل ] (متى 7: 24و 26)
  • [ كل من يأتي إليَّ ويسمع كلامي ويعمل به أُريكم من يشبه: يُشبه إنساناً بنى بيتاً وحفر وعمَّق ووضع الأساس على الصخر فلما حدث سيل، صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يُزعزعه لأنه كان مؤسساً على الصخر. وأما الذي يسمع ولا يعمل فيُشبه إنساناً بنى بيته على الأرض من دون أساس فصدمه النهر فسقط حالاً وكان خراب ذلك البيت عظيماً ] (لوقا 6: 47 – 49)

 

وهنا نجد أن هُناك بيتاً مبنياً على الصخر حياة راسخة قوية مؤسسة على صخر الدهور شخص الكلمة ذاته حجر الزاوية، وهُناك بيتاً مبنياً على الرمل حياة هزيلة سطحية قد تكون فكرية عميقة ولكن ليس لها أصل، تتصف بالنظريات والأفكار وشكل المعرفة ولكن لا يوجد فيها حياة بل مؤسسة على الفكر أو الذات أو أي شيء آخر غير الصخرة الحقيقية الذي هو أساس البناء كله..

 


وهذه الصورة التي نراها في المثل تؤدي إلى توقُع الدينونة، لأنه سيُدان كل إنسان حسب موقفه الداخلي من كلمة يسوع الخارجة من فمه: [ من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينهالكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير ] (يوحنا 12: 48)؛ [ لأن كل من يستحي بي وبكلامي، يستحي به ابن البشر متى جاء في مجد أبيه ] (مرقس 8: 38)

 

ويُعالج إنجيل يوحنا أيضاً الأفكار نفسها بشكل خاص، فهو يُبين الانقسام الذي حدث بين مستمعي يسوع بسبب كلامه ويُبين الموقف الذي يتخذه الناس منه: [ فحدث أيضاً انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام. فقال كثيرون منهم به شيطان وهو يهذي لماذا تستمعون له. (و) آخرون قالوا ليس هذا كلام من به شيطان، العل شيطاناً يقدر أن يفتح أعين العُميان ] (يوحنا 10: 19 – 21)

 

فنجد أن من ناحية (أ) فريق يؤمن ويسمع كلام الرب بطاعة وثقة: [ فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد: أنه قال لي كل ما فعلت… فآمن به أكثر جداً (كثيراً جداً من الناس في السامرة) بسبب كلامه… قال له يسوع (لخادم الملك الذي كان ابنه مريضاً على مشارف الموت) أذهب ابنك حي فآمن الرجل بالكلمة التي قالها له يسوع وذهب ] (يوحنا 4: 39و 41و 50)؛ [ الحق، الحق، أقول لكم من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني فله حياة أبدية ] (يوحنا 5: 24).

 

  • ومن يؤمن إيمان حي حقيقي يحفظ كلام يسوع: [ الحق، الحق، أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد… أن أحبني أحد يحفظ كلامي… ] (أنظر يوحنا 8: 51، يوحنا 14: 23)
  • ويثبت فيه: [ فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به: أنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي ] (يوحنا 8: 31)، [ أن ثبتم فيَّ وثبت كلامي فيكم ] (يوحنا 15: 7)

 

فهؤلاء المؤمنين بكلمة يسوع والثابتين فيها ويحيون بها طائعين لها لهم الحياة الأبدية ولا يرون الموت أبداً: [ الحق، الحق، أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد ] (يوحنا 8: 51)…

 

ومن ناحية أخرى نجد (ب) فريق آخر لا يؤمن، وأن هناك من يجدون كلام يسوع عسيراً جداً ولا يستطيعون الاستماع إليه، أو يعتبرونه أنه غير مستطاع لأحد أن يحيا به، لأنه مهما ما بلغ من إرادة لا يستطيع أن يفعله، غير مؤمنين أن الرب بذاته هو القيامة والحياة وحينما يقول كلمته فهي تحمل قوته الشخصية لتصبح بنفسها عاملة في الإنسان حتى أنها تمسح إرادته بقوة نعمة خاصة لتُعطيه القدرة على التنفيذ والعمل، ولكن المشكلة الحقيقية كلها في عدم الفهم الناتج عن عدم القدرة أو رفض السمع: [ لماذا لا تفهمون كلامي. لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي ] (يوحنا 8: 43)

 

وبالتالي يتم رفض كلام المسيح الرب وعدم الالتفات إليه، وانغلاق القلب والذهن عليه، لأن في تلك الحالة يحدث انغلاق تام على الحق المعلن فيه، لأنه هو الطريق والحق والحياة، لذلك فاتخاذ موقف صريح ومُحدد من كلمة يسوع [ أو من شخصه أو من الله الآب هو أمرٌ واحد: أنا والآب واحد: الذي يرذلني يرذل الذي ارسلني (لوقا 10: 16) ] هو أمر حتمي…
فنجد أنه تبعاً للموقف الذي يتخذه الإنسان، يجد نفسه يا إما داخلاً في حياة فائقة الطبيعة قوامها الإيمان والثقة وثمرها المحبة والسلام الفائق، أو يا إما داخلاً في الموت مطروحاً في ظلمة العالم الشرير، متمرغ في سلسلة من وجع القلب وحزن النفس، وآلام أوجاع الموت المدمرة للنفس والمؤدية في النهاية للدينونة…

 

ليتنا نُدرك الآن يا إخوتي ونؤمن، أن كلمة الحياة في المسيح يسوع قادرة أن تُغير كل شيء وترفع الإنسان من حالة العجز إلى حالة القوة، ومن الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة: [ الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة ] (1يوحنا 1: 1)، [ متمسكين بكلمة الحياة ] (فيلبي 2: 16).

__________يتبــــــــــع__________
العنوان القادم 
تابع العهد الجديد: [ثانياً] كلمة الله في الكنيسة