روحيات

حياة القداسة [1] الفرق بيننا وبين القديسين، لا تفزعوا بسبب السقوط.

حياة القداسة خطوة بخطوة
الخطوة الأولى : الاعتماد على النعمة المخلصة
[ الفرق بيننا وبين القديسين – لا تفزعوا بسبب السقوط ]


أننا من خلال تاريخ الكتاب المقدس نتعرف على أننا جميعاً طبيعة بشرية واحدة، لا تختلف قط مهما تغير الزمان أو المكان أو الظروف، فنحن جميعاً كإنسان نتعرض لنفس ذات التجارب والسقطات والشهوات، وان اختلف شكل السقوط أو مظهره من واحد لآخر ومن مجتمع لآخر، فمن الممكن أن يسقط أي أحد في أي خطية مهما كان علمه أو تربيته أو أخلاقه أو حتى قامته الروحية، بل ومن الممكن أن يسقط في أعظم الخطايا شراً وعنفاً بل وقد تصل للزنا أو القتل أو أي نوع من أنواع الخطايا التي نعتبرها بشعة للغاية، ولا توافق الضمير الإنساني ويشمئز منها البعض، ويرفض البعض من يفعلها وقد تصل لحدّ أنه يُريد أن يقتله لأنه يراه لا يصلح لأن يعيش في المجتمع ولا يُريد ان يرى وجهه !!!!

وبالرغم من ذلك كله – ومهما ما حدث لنا – فأن الله ينقذنا ويقدم لنا طوق النجاة، وهو الإيمان به كمُخَلِّص، وإمكانياته لا تتغير قط، لأنه هو الله القدير فعلاً وهو هو أمس واليوم وإلى الأبد، إذ أنه قادر بفعل نعمته أن يخلق من أشر المجرمين وأعظم العتاة وأفجر الخطاة قديسين وبلا لوم أمامه في المحبة، على المستوى العملي وخبرتنا الشخصية، لأن الله ألاب ارسل ابنه إلى العالم، واسمه يسوع لأنه يُخَلِّص شعبه من خطاياهم (متى 1: 21)…

فلنا أن نعرف أننا لا نختلف عن القديسين الذين نعتبرهم أعمده في الكنيسة، لا أقصد من جهة القامة أو المواهب، إنما من جهة إنسانيتنا الواحدة، والتي تتعرض للتجارب والسقوط وحرب عدو الخير من جهة معرفته بمداخل الشر عندنا من جهة خبرتنا التي قضيناها في زمان الشر الذي مارسناه بالخطية، فهو يدخل لنا من خلال محبتنا للذة معينة أو بسبب كبرياء القلب أو غيرها من الأسباب المتعددة والتي توجد في عمق كل شخص فينا قد نعرفها أو لا نعرفها، وفي هذا لا فرق بين صغير وكبير وقديس متقدم في الطريق ومبتدأ في الحياة الروحية !!!

فيا ترى ما هو الفرق الحقيقي بيننا وبين القديسين الذين نجدهم وصلوا للحرية الحقيقية والتطبع بالطبع الإلهي وحراسة القلب والفكر بقوة الله فتحرروا من الهوى في داخل القلب الذي هو المحرك الأساسي للخطية فينا !!!

عموماً الفرق الحقيقي بيننا وبينهم ينصب في أمرين :

[1] الأمر الأول : هو معرفتهم – الإيمانية – بإمكانية النعمة الإلهية المخلصة القوية القادرة أن تعمل بقوة الله في داخل النفس فتغيرها بالتمام، وقد وضعوا كل ثقتهم في الله المُغير مع تقديم توبة مستمرة عن كل خطأ، طالبين ليلاً ونهاراً المعونة الإلهية لتسندهم ليقينهم أنهم بدون نعمة الله لا يقدروا أن يصنعوا شيئاً قط، غير قادرين على أن يسيروا في طريق القداسة لأنهم لا يثقون في قوتهم الشخصية أو جهادهم الخاص، بل في قوة الله وحده !!! لذلك اعتمادهم على الله قوي، بل ثابت كجبل من الصخر لا يتزحزح مهما أتت من رياح أو عواصف شديدة أو حتى تكسر بعض أجزاؤه !!! 

فالقديس هو إنسان مثلي ومثلك، له ضعفاتي وضعفاتك، لأنه عاش بنفس ذات الجسد بكل غرائزه وإمكانياته، إنما أدرك القوة الإلهية وتلامس معها بالإيمان والتوبة، وتلاقى مع الحب الإلهي في قوة الصليب والفداء، وعرف أنه هو مثل ما هو، ليس له شيء في ذاته يُنجيه أو يُخلصه حتى توبته نفسها، بل نعمة الله العاملة فيه، لهذا لا عجب في أن القديس بولس الرسول لا يكف عن أن يطلب من أجل شعب المسيح لكي تستنير عيونهم وقلوبهم فيدركوا تلك القوة الفائقة العظيمة التي تعمل في قلوب المؤمنين التائبين.

[2] والأمر الثاني الذي ميز القديسينأن معرفتهم لم تقف عند حدود المعرفة العقلية الجافة كمعلومة أو فكرة للوعظ أو المعرفة، أو الإيمان النظري الذهني، أو تقديم أفكاراً للناس منمقه حلوة وعميقة، لكنهم آمنوا إيماناً حياً عاملاً بالمحبة. فالمعرفة الحقيقية تتطلب منا حياة مُعاشة، بالجهد والاغتصاب [ ملكوت الله يُغتصب والغاصبون يختطفونه ]، فينبغي أن نعمل ونجتهد جداً، وكما يقول القديس بولس الرسول: [ لكن بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المُعطاة لي لم تكن باطلة بل تعبت … ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي ] (1كو15: 1) .

___من الأهمية ___

يا أحبائي أن لا تفزعوا أو تخوروا في أنفسكم وتفشلوا حينما تجدوا أنفسكم وقعتم في أشد الخطايا فظاعة وعنفاً، أو أحد القامات العليا وقعوا في خطايا لا يقع فيها المبتدئين، لأن جميعنا نضعف ونخور ونسقط لأسباب كثيرة ومتنوعة، وهي تختلف من واحد لآخر ومن قامة لقامة، إنما أفزعوا من عدم التوبة والعودة بقوة أعظم لحياة القداسة والتقوى والشركة المقدسة مع الله، لأن نعمة الله مخلصة ويد الرب لا تُقصر على أن تُخلص، فهو قادر أن يغير الفجار لقديسين عظام جداً، فلا تفشلوا أو تحزنوا حزن بلا رجاء حي بيسوع المسيح الذي مات لأجل خطايا العالم كله، لأن الخطية خاطئة جداً تجرح وتُميت، وخطورتها تكمن في أنها تعطي روح الفشل واليأس أن استمرت فترات طويلة بلا توبة صادقة، فلنا أن نبتعد عنها فوراً مهما تورطنا فيها أو سقطناوكان سقوطنا عظيماً، ولا نهتم أبداً بروح الفشل والحزن الذي بلا رجاء الذي تولده فينا، لأن أي فشل وحزن واكتآب هو ثمرتها الطبيعية، ونعمة الله المخلصة هي أقوى بما لا يُقاس، إذ أنها (النعمة) قادرة أن تبددها فعلاً وبل وتلاشيها تماماً وتفقدها سلطانها، لأن الخطية لها سلطان الموت، والنعمة المخلصة لها سلطان الحياة في المسيح يسوع، لأن من آمن يرى مجد الله ويقوم من الموت، لأن ربنا يسوع هو القيامة والحياة، الذي إن آمنا به يكون لنا حياة أبدية ولا نأتي لدينونه، إذ بالمسيح الرب يحق أن ندخل للأقداس لأنه هو برنا وسلامنا الحقيقي …

فاليوم لنا أن نتوب ونعود لذلك الحضن الحلو، مهما ما كنا متورطين في الخطية لحد النتانة، لأن لعازر الميت اقامه الرب بعد أن أنتن، فلا ينبغي أن نفقد رجاءنا لأن اتكالنا على الرب القيامة والحياة وحده، وهو الذي قام وأقامنا معه وصعد بجسم بشريتنا وجلس عن يمين الآب بمجد عظيم في الأعالي يشفع فينا وينجينا من فخ الصياد ومن الوباء الخطر، ويدخلنا لعرش مملكه مجده لنتذوق حبه ونحيا له مبررين بدمه، لأننا إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطيانا، إذ يسمع لنا وبدمه يطهرنا من أي خطية وكل إثم….
فيا إخوتي لا أحد منكم يشتكي وتقولوا أننا لن ننفع ان نعيش مع الله، لأني انا صاحب خطايا فظيعة لا تعرفها، كيف يقبلني الله، اشتكوا انفسكم عند قدمي المُخلص عند الصليب ليأخذكم للقبر الفارغ فتجدوه منتظركم بقوة الحياة التي فيه لأنه يُقيم الساقط ويُحيي الميت، تعلقوا بالرب بكل قلبكم لأنه مكتوب: [ لأنه تعلق بي أُنجيه، أرفعه لأنه عرف إسمي. يدعوني فاستجيب له، معه أنا في الضيق، أُنقذه وأُمجده، من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي ] (أنظر مزمور 91)

نعمة ربنا يسوع المخلصة تملك قلوبكم وقلبي 
وتغيرنا لصورته المقدسة وتجعلنا قديسين وبلا لوم أمامه في المحبة
_____يتبـــــع_____