روحيات

سلسلة كيف أتوب -6- الخطية تنبع من إرادة الإنسان باختياره الخاص.

تابــــــع سلسلة كيف أتـــــوب – الجزء السادس
التوبة ربيع الإنسان وتجديده المستمر

تابع أولاً: دعـــــــــوة التوبـــــــــة
للرجوع للجزء الخامس أضغط هنا.

  • تابع [1] لمن تكون الدعوة
  • تابع شرح النقاط الثلاث لتحقيق الدعوة المقدمة من الله للإنسان
  • · الخطية مرض خبيث أحتاج شفاء منها لئلا أموت أبدياً
  • · الخطية خدَّاعة، خدعت قلبي الميال للشهوة
  • · أنا المسئول عن خطيئتي، وهي تنبع من الإرادة، فأنا الذي أسقط لأني أسعى لأُتمم شهوتي

·(3) الخطية تنبع من إرادة الإنسان بحريته واختياره

الله القدوس بكونه محبة خلق حبيبه الإنسان منفرداً بتميزه عن باقي الخليقة كلها، خلقه على مثاله كشبهه بلا فساد ولا تشوبه شائبة ما، خلقه بإرادة حره [ وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا… فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقهُ [[ فأن الله خلق الإنسان خالداً وصنعه على صورة ذاته (الحكمة 2: 23) ]]… ورأى الله كل ما عملهُ فإذا هو حسنٌ جداً ] (تكوين 1: 26و 27و 31)، [ لأنه إنما خلق الجميع للبقاء، فمواليد العالم إنما كونت معافاة وليس فيها سم مُهلك ولا ولاية للجحيم على الأرض ] (الحكمة 1: 14)، ومن هنا نفهم كلمة [ فاستراح الله ]، لأن الله راحته في خليقته التي جبلها على غير فساد وزينها بكل الزينة التي تتوافق مع صلاحه الخاص…

[ الرب خلق البشر من التراب …
وهبهم قوة من قوته، وصنعهم على حسب صورته،
منحهم لساناً وعينين وأُذُنين، وعقلاً يُفكر.
ملأهم معرفة وحكمة، وأراهم الخير والشرّ.
ألقى عينيه في قلوبهم، ليُريهم عظائم أعماله،
وليحمدوا اسمه القدوس، ويخبروا بعظائم افعاله،
جعل المعرفة في متناولهم، ومنحهم شريعة الحياة،
أقام عهداً أبدياً معهم، وأظهر لهم فرائضه،
فرأت عيونهم جلال مجده، وسمعت أذانهم صوته المجيد.
حذرهم من عمل الشرّ، وأوصى كل واحد بقريبه ]
(سيراخ 17: 1و 3و 6 – 14 الترجمة السبعينية)

ولذلك مكتوب [ لا تسعوا وراء الموت بما ترتكبون من أخطاء في حياتكم، ولا تجلبوا على أنفسكم الهلاك بأعمال أيديكم. فالله لم يصنع الموت، لأن هلاك الأحياء لا يسره. (لأنه) خلق كل شيء للبقاء وجعله (أي جميع المواليد) في هذا العالم سليماً خالياً من السم القاتل (معافاة صحيحة)، فلا تكون الأرض مملكة للموت، لأن التقوى لا تموت ]؛ [ خلق الله الإنسان لحياة أبدية، وصنعه على صورته الخالدة، ولكن بسبب حسد إبليس دخل الموت إلى العالم فلا يذوقه إلاَّ الذين (من حزبه) ينتمون إليه ] (الحكمة 1: 12 – 15؛ الحكمة 2: 23و 24 الترجمة السبعينية) 

فالإنسان حرّ وله سلطان على إرادته، فلو فرضنا أن هُناك إنسان يحيا في مدينة على مشارف غابة وقد حذر المسئول عن المدينة أن لا يسير أحد في طريق الغابة لأنه غير آمن وضاع فيه الكثيرون، ولكنه بحماقة اندفاع الشباب أراد أن يستطلع هذا الطريق حباً في استكشافه، ورغم التحذير الشديد لكنه لم يسمع أو يصغي، لكنه مضى في طريقه عاقداً العزم على أن يسير فيه بكل إصرار، وأثناء سيره قفز عليه اللصوص وضربوه ومزقوا ملابسة وأهانوه واخذوا كل ما كان معه، واستعبدوه فربطوه بسلاسل وجعلوه يخدمهم، فبدأ يكل ويتعب تحت نير الاستعباد ويلوم الآخرين لأنهم لم يمنعوه بالقوة، مع أنه هو وحده المسئول عن الضرر الذي لحق به بسبب عناده وإصرار عزيمته.. 

  • وهكذا كل واحد فينا حينما يسقط ويقع تحت مزلة الخطية المرعبة فأنه يبدأ في ملامة الله والآخرين غير معترفاً بمسئوليته عن خطأةُ الذي ارتكبه بحريته وإرادته بإصرار وعِناد قلبه وحده، لذلك مكتوب: [ لكن الأشرار جلبوا على أنفسهم الموت بأعمالهم وأقوالهم، حَسبوا الموت حليفاً لهم وعاهدوه فصاروا إلى الفناء، فكان هو النصيب الذي يستحقون ] (الحكمة 2: 16 الترجمة السبعينية)

[ فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر (خداع الخطية وظهورها ببريق مزيف). فأخذت من ثمارها وأكلت وأعطت رَجُلها أيضاً معها فأكل ] (تكوين 3: 1 – 7)
هكذا الخطية خدَّاعة، مُغرية وشهية للنظر، تفقد الإنسان اتزانه، تجعله كالأحمق مثل من يمد يده للوحش الكاسر ليُصادقه، فينقض عليه ويقتله، أو مثل من دخل في طريقاً مظلماً كُتب على مدخله تحذير [[ طريق وعر شديد الخطورة مملوء من وحوش البرية يؤدي للموت ]]، ولكنه اشتهى أن يجوز فيه ساخراً ممن كتب التحذير، مدَّعياً أنه لا يهاب شيء أو يخافه، لذلك مكتوب: 
[ الذكي يبصر الشر فيتوارى والحمقى (الأغبياء) يعبرون فيعاقبون ] (أمثال 22: 3)

[ عقل الأحمق كوعاء مثقوب، لا يضبط شيئاً من العلم.
المُتأدب يسمع حكمة فيمدحها، ويزيد عليها مما عنده.
أما الغبي فيسمعها ويهزأ بها، وسرعان ما يطرحها وراء ظهره.]
(سيراخ 21: 14 – 15 الترجمة السبعينية)

لذلك الإنسان الذي يركض وراء شهوات قلبه بإصرار وملازمه، يُسمى عند الآباء المتمرسين في حياة التقوى ولهم باع طويل في خدمة النفوس: إنسان فقد عقله، وبحسب تعبير القديس أثناسيوس: [ مثل إنسان مجنون مسك سيفاً وطعن به نفسه ]

  • يقول القديس مقاريوس الكبير: [ كل الجواهر الروحانية، أي الملائكة والنفوس البشرية والشياطين، كل هؤلاء قد خلقهم الخالق في حالة براءة والبساطة التامة (قبل السقوط)، أما كون البعض منهم قد تحولوا إلى الشرّ، فهذا ناتج من حرية إرادتهم. فباختيارهم حادوا عن طريق التفكير السليم ] (عظة 16)
  • ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [ قد يقول قائل: ماذا يُمكن أن تكون الخطية؟ هل حيوان، أم ملاك، أم شيطان ؟ ما هو الفاعل أو الدافع ؟ ليس هو عدو يا إنسان، يحاربك من الخارج، إنها جرثومة تنبت فيك ]

إذن الخطية جرثومة القصد السيء، تنبع من شهوة قلب الإنسان، وتتم بخضوع إرادته لها، لأن بدون الإرادة لا تتم الخطية [ ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتاً ] (يعقوب 1: 15)، ومن هنا يختطف الإنسان لنفسه قضيه تُسمى [ قضية الموت ] فيطرح عنه ناموس الله ليسقط بإرادته بعدما فقد رجاحة عقله بسبب جنون الشهوة التي عملت في قلبه فحركته ليموت بإرادته عن الله قاطعاً صلته به، لأن الله بكونه نور يستحيل تحتمله ظلمه، لذلك يهرب الإنسان الذي فعل الخطية من محضره تلقائياً، ويستحيل أن يعود إليه أن لم يحدث تغيير جذري في أعماق قلبه من الداخل بفعل فوقاني يأتي من عند أبي الأنوار، وبحسب مُسمى الإنجيل [ خليقة جديدة ]، ولكنها ليست مجرد خليقة جديدة عادية بل هي [ في المسيح يسوع ]، [ إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (2كورنثوس 5: 17)…

_____________________________

في الجزء القادم سوف نتحدث عن
النتيجة التي نخرج بها من هذه النقاط الثلاث