روحيات

سلسلة كيف أتوب -11- تابع ثانياً أساس الدعوة للتوبة – غفران الخطايا.

تابــــــع سلسلة كيف أتـــــوب – الجزء العاشر
التوبة ربيع الإنسان وتجديده المستمر

تابع ثانياً: أساس الدعـــــــــوة للتوبـــــــــة
للرجوع للجزء العاشر أضغط هنا.

كما قلنا في مقدمة الجزء الثاني [ أساس الدعـــــــــوة للتوبـــــــــة ] أن للتوبة أساس راسخ تقوم عليه وتُبنى وبدونه تستحيل على وجه الإطلاق، لأن الله لا يدعو الإنسان ليتوب بمجرد كلام، أو نداء ودعوة للأخلاق الحميدة، أو على أساس أنه يهرب من الدينونة، أو لأجل أن يكون في المجتمع إنسان سوي لينال مدحاً من أحد، أو لأن الله سيستفيد من بره شيئاً أو حتى من توبته، لأن الإنسان لا يقدر أن يضيف أو ينتقص من الله شيئاً قط، بل أساس التوبة والدعوة قائمة على الآتي:[1] محبة الله الشديدة للإنسان، [2] طول أناة الله، [3] غفران الخطايا المجاني، وقد تحدثنا في العنوان الأول والثاني في الجزء السابق والذي يسبقه، والآن نتحدث في العنوان الثالث:
  • + [3] غفران الخطايا:
دعوة الله للتوبة في العهد الجديد لم تُقدم على سبيل مُكافئة أو ثمن لجُهد أو تعب يقدمه الإنسان لكي يصفح عنه الله ويقدم له الغفران، حتى منذ العهد القديم في المزمور يقول: [ اللهم بآذاننا قد سمعنا. آباؤنا أخبرونا بعمل عملتهُ في أيامهم، في أيام القدم. أنت بيدك استأصلت الأمم وغرستهم. حطمت شعوباً ومددتهم. لأن ليس بسيفهم امتلكوا الأرض ولا ذراعهم خلصتهم، لكن يمينك وذراعك ونور وجهك … لأني على قوسي لا أتكل وسيفي لا يُخلصني. لأنك أنت خلصتنا من مُضايقينا وأخزيت مبغضينا. بالله نفتخر اليوم كله واسمك نحمد إلى الدهر.. قم عوناً لنا وافدنا من أجل رحمتك ] (مزمور 44)
[ استيقظي استيقظي ألبسي قوة يا ذراع الرب، استيقظي كما في أيام القدم، كما في الأدوار القديمة، ألست أنتِ القاطعة رُهب الطاعنة التنين. ألستِ أنتِ هي المنشفة البحر مياه الغمر العظيم، الجاعلة أعماق البحر طريقاً لعبور المفديين. ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بالترنم وعلى رؤوسهم فرح أبدي، ابتهاج وفرح يدركانهم، يهرب الحزن والتنهد. أنا أنا هو مُعزيكم، من أنتِ حتى تخافي من إنسان يموت ومن ابن الإنسان الذي يجعل كالعشب.. وقد جعلت أقوالي في فمك وبظل يدي سترتك لغرس السماوات وتأسيس الأرض ولتقول لصهيون أنتِ شعبي ] (إشعياء 51: 9 – 12و 16)

فجهد الإنسان وتعبه مهما ما صنع فأنه لا يجعله يستحق الغفران أو يقدر على خلاص نفسه على وجه الإطلاق، فللرب الخلاص وحده وليس معه أحد، وحتى المكافأة من الرب فهي مجاناً على حساب عمل قدرة نعمته وحده لأن القوة والمعونة والخلاص وكل شيء صالح لنا منه وحده، وليس على الإنسان إلا أن يقبل ويخضع لعمل الله في داخله، لذلك مكتوب:

  • [ للرب الخلاص، على شعبك بركتك ] (مزمور 3: 8)
  • [ أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك وأوفي بما نذرته، للرب الخلاص ] (يونان 2: 9)

[ من ذا الآتي من أدوم بثياب حُمر من بصرة، هذا البهي بملابسه، المتعظم بكثرة قوته ؟
أنا المتكلم بالبرّ العظيم للخلاص. 
ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة ؟
قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد، فدستهم بغضبي ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على ثيابي فلطخت كل ملابسي 
احسانات الرب اذكر تسابيح الرب حسب كل ما كافأنا به الرب، والخير العظيم لبيت إسرائيل الذي كافأهم به حسب مراحمه وحسب كثرة إحساناته.
في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم، بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة ] (إشعياء 63: 1 – 3؛ 7و 9)

  • [ أنا، أنا الرب وليس غيري مُخلِّص ] (إشعياء 43: 11)
  • [ أليس أنا الرب ولا إله آخر غيري إله بار ومخلص، ليس سواي، التفتوا إليَّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر… بالرب يتبرر ويفتخر كل نسل إسرائيل ] (إشعياء 45: 21و 22و 25)

وعلينا أن نلاحظ النبوة وتحقيقها لأنه مكتوب: [ ويأتي الفادي إلى صهيون وإلى التائبينعن المعصية في يعقوب يقول الرب ] (إشعياء 59: 20)، [ الشعب الجالس في ظلمة أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات ] (متى 4: 16 – 17)

ومن هنا نرى أن الإنجيل هو إنجيل نعمة الله، فالله هو صاحب المبادرة ويقدم الخلاص الثمين المجاني لكل واحد بلا تمييز، وعلى كل واحد أن يتجاوب مع النعمة ويطيع الصوت الإلهي، لذلك فأن دعوة التوبة في العهد الجديد تصير لنا هكذا: لقد غفرت لكم خطاياكم بذبيحة نفسي فتعالوا إليَّ وتذوقوا خلاصي الثمين، اجنوا من ثمر تعبي، تعلوا أيها الجياع للبرّ خذوا كلوا واشبعوا...

وعلينا أن نلاحظ ما قاله الرسول المُلهم بالروح: [ الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً، بأنواع وطُرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه… الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته،بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي ] (عبرانيين 1: 1 – 3)
فالله في الأول – على مستوى العهد القديم – وعد، أما الآن فقد تمم وعده بالفعل والعمل، في الأول تكلم بفم الأنبياء ليُهيئ القلوب ويعدَّها للخلاص، أما الآن فتكلم إلينا بوسيط العهد الأبدي ابنه الوحيد، الذي تمم التدبير ببذل نفسه على الصليب بسلطانه وحده، ففي الأول الله وعد والآن نفذ ما وعد به، لذلك نسمع يوحنا الرسول يكتب قائلاً: [ أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه غُفرت لكم الخطايا من أجل اسمه ] (1يوحنا 2: 12)

ولكن بالرغم من الحالة المفرحة بل والسعيدة جداً التي صارت للإنسان الخاطئ الذي يتجاوب مع دعوة الله في العهد الجديد، الذي أعلن أن كل من يؤمن بالابن الوحيد مُخلِّص النفس، له الحياة الأبدية:

  • [ لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ] (يوحنا 3: 16)
  • [ وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله، والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً… ومن ملئه نحن جميعا أخذنا ونعمة فوق نعمة ] (يوحنا 1: 12 – 14و 16)

فبالرغم من هذا إلا إننا لا نُريد أن نُقلل قط من قيمة وعد الله في دعوته للخطاة في العهد القديم، لأن وعد الله لا يقل قيمة عن عمله حالياً، وكلمته لهم بفم الأنبياء كان لها سلطان المغفرة الكامل كما لها الآن، لأنه ينبغي أن نعلم يقيناً أن الله فوق الزمن، وأن اعطى غفراناً لا يعطيه بمجرد كلمة عابرة بل على أساس [ قائم وحاضر أمامه ] لذلك من له الحس الروحي وله فكر المسيح يصغي لما قاله الرسول عن اتساع عمل المسيح الذي يفوق الزمن بل شمله وغطاه منذ الأزل وإلى الأبد لأنه مكتوب: 

فالله أعطى قديماً غفران حقيقي فاعل على أساس وعد حي قائم أمامه محقق في الصليب، كما أنه أعطى لنا غفران على أساس أبدي بدم ابنه الحي الحاضر أمام عينيه: [ بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس ]

لكن الميزة في العهد الجديد هي أن المغفرة صارت حاضرة بدون وعد، كون أن الصليب نفسه هو تتميم الوعد، وهو حالة قائمة ذات عمل دائم ومستمر، واستعداد تلقائي في الصفح عن جميع الخطايا السالفة لكل من يؤمن في العالم أجمع بلا قيد أو شرط: [ وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً ] (1يوحنا 2: 2)

فمثلاً حينما يكون هناك ملك عظيم وغني جداً، أرسل دعوته لفقير يقول له لقد تبنيتك وأودعت في حسابك الخاص مليون جنيهاً لتتصرف بهما كما تشاء، ومنتظر أن تأتي إليَّ لتشاركني في قصري، فهنا لا يوجد وعد إنما حقائق تمت على أرض الواقع بالفعل، فأن سمع ولبى النداء وتحرك من مكانه وذهب إليه تمتع بما صار له، أما أن لم يُصدق ولم يذهب وظل يفكر كيف ولماذا، وينحصر في نفسه وذاته ويظل يفكر ويقول: أنا لا أستحق ولا أنفع، فأنه يضيع وقته وعمره ويظل فقيراً معدماً في مكانه؛ وهذا يختلف حينما يُرسل ملك لشخص وعد يقول له أن فعلت ما آمرك به أعدك أن أعطيك ذهب وفضة كثيرة وأن تصير ابناً لي، وهنا واضح أن هناك وعد سيتم وتختلف شكل الدعوة حينما يكون الوعد تم فعلاً 

عموماً في العهد الجديد نرى في الأناجيل، أن دعوة المسيح الرب للخطاة للتوبة تخلو من عُنصر التوبيخ والتهديد والتأنيب (وهذا يختلف عن موقفه من الفريسيين المرائين ولا يُصح أو ينبغي أن نخلط الأمور ببعضها)، هذه التي كانت عُنصر أساسي في دعوة الخطاة قديماً، مما يدل على أنه حدث تغيير جذري جوهري في قضية توبة الخطاة شكلاً وموضوعاً:

نجد أن الله اللوغوس الداعي للتوبة أصبح يحمل صفتين متلازمتين في نفس ذات الوقت عينه [ صفة الديان العادل ] و [ المحامي والشفيع ]: 

  • [ من هو الذي يُدين، المسيح ((لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن – يوحنا 5: 22))… الذي أيضاً يشفع فينا (( هو حي في كل حين ليشفع فيهم – عبرانيين 7: 25)) ] (رومية 8: 34)
  • [ فمن ثم يقدر أن يُخلِّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله (الآب) إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم، لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات. الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يُقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه، ثم عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه ] (عبرانيين 7: 25 – 27)

فأن كان الديان هو نفسه شفيع الخُطاة، إذن فقد انتفت الدينونة ولا محل للتأنيب والتهديد أو الوعيد أو توجد لعنة بسبب الخطية، لذلك يقول الرسول: [ إذن لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع.. لان ناموس روح الحياة (الجديدة) في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت (الحياة القديمة) ] [ إذن أن كان أحد في المسيح يسوع فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (رومية 8: 1و2؛ 2كورنثوس 5: 17)

أي من جهة الخاطي نفسه، لأنه هو الموضوع الذي يدور حوله الخلاص كله، فتوبته أصبحت ليست قائمة على أساس احتياجه للتبرئة، لأن تبرئة جميع الخطاة قد تمت فعلاً مرة واحدة فقط بموت المسيح: [ لأن الموت الذي ماته قد ماته لخطية مرة واحدة ] (رومية 6: 10)، فالتبرئة حدثت وتمت فعلاً للجميع في الصليب، وتمت بينما الجميع رازحاً تحت الضعف لا يتحرك للبرّ والحياة، بل في ذهنه مجرد أمل أن يوجد له خلاص، مع أنه لازال ماكثاً في الموت، وهو في هذه الحالة ماكثاً تحت سلطان الموت، وهو في هذه الحالة المُزرية تمم الله خلاصه: [ لأن المسيح إذ كنا ضعفاء، مات في الوقت المُعين لأجل الفجار ] (رومية 5: 6)
فهنا المسيح لا يشفع بالكلام ولا بواسطة استعطاف – مثلما نطلب صلوات القديسين – إنما يشفع بسفك دمه، أي بآلامه الخلاصية وتحمله لعنة الصليب وتذوقه الموت كاملاً، هذه كلها التي هي ثمرة الخطية المدمرة للنفس ونتيجتها المُرَّة.

إذن فعودة الخاطي وتوبته لم تعد تحمل في العهد الجديد أي تأنيب أو ملامة، أو بحمل ثقل الموت، فلم يعد هناك لعنة أو ثقل ضمير يشعر بالدينونة بسبب عدم القدرة على تتميم ناموس الله، ناموس الحياة بالوصية، لأن كل ذلك حمله المسيح مرة واحدة عن الخُطاة:

  • [ أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مُصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا… وبُحُبرُه شُفينا… الرب وضع عليه إثم جميعُنا… ظُلم أما هو فلم يفتح فاه… ضُرب من أجل ذنب شعبي وجُعل مع الأشرار قبره… على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غش ] (إشعياء 53: 4 – 9)

لذلك بكونه [ حمل الله رافع خطية العالم ] (يوحنا 1: 29و 36)، [ الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله ] (رومية 3: 25)، استطاع أن يقول للمرأة التي اُمسكت في حالة تلبُس وهي تزني، هذه التي تأمر الشريعة برجمها بدون رأفة: [ ولا أنا أُدينك، أذهبي ولا تُخطئي أيضاً ] (يوحنا 8: 11)

  • فالخطأة والأثمة الذي كان الناموس يُحرِّم حتى مجرد السلام عليهم والاقتراب منهم مثل الابتعاد عن كل من يحمل مرض مُعدي شديد الخطورة، فقد صاروا محبوبون وقريبون جداً لقلب المسيح لأنه قد ذيع عنه عن واقع وبشهود العيان: [ هذا يقبل الخُطاة ويأكل معهم ] (لوقا 15: 2)، [ دخل ليُبيت عند رجل خاطئ ] (لوقا 19: 7)، [ وكان جميع العشارين والخُطاة يدنون (يقتربون) منه ] (لوقا 15: 1)

وبكون البعض يرون أنفسهم أبراراً وليسوا من صفوف الخطاة محسوبون، فقد تطاولوا عليه بدون فهم ووعي عن طبيعة عمله لأنه هو المسيا المُخلِّص، قائلين متهامسين: [ لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي: أنها خاطئة ] (لوقا 7: 39)

فواضح جداً يا إخوتي أنه أُظهر لنا تغييراً جوهرياً من جهة اعتبار الله وتدبيره الأزلي من جهة توبة الإنسان في العهد الجديد، لأن التوبة أصبحت تُقدم على أساس التجسد وموت المسيح، إذ جعل طريق التوبة سراً إلهياً سهلاً مُحبباً لكل نفس تتبعه فتنطق بفضل الله ولطفه الفائق وإحسانه الذي لا يوصف.

  • لذلك فأن نداء الله لنا [ تعالوا إليَّ لقد غفرت لكم خطاياكم من أجل اسمه، ورفعت عنكم الدينونة بكل ثقلها لأنه صار الآن لكم لا دينونة ( ليس بعد الآن من حكم ) لأنكم اعتمدتم في المسيح فقد لبستم المسيح، لذلك يستحيل أن يتم فيكم حكم دينونة لأنكم صرتم في الابن الوحيد خليقة جديدة بريئة في اتم الصحة والعافية والقوة العلوية ممسوحة بروحي الخاص، روح البنوة الذي يصرخ فيكم أبا أيها الآب ]

فالآن يا إخوتي تأكدوا يقيناً أنه من السهولة جداً أن نقترب بجراءه نحو عرش الرحمة لأن دعوة التوبة الآن قائمة على وعده الحي القائم على دم عهد جديد، دم ابن الله الحي، مسيح القيامة والحياة، فدخولنا أكيد وقبوله لنا يقين، لأن هذا هو الوعد المُحقق الذي وعدنا به: [ من يُقبل إليَّ لا (أو يستحيل) أخرجه خارجاً ] (يوحنا 6: 37)، فمن المستحيل على أي وجه أو شكل أو تحت أي مبدأ أن من الممكن ولو واحد على مليار في المية أن يرفض الله إنسان خاطي أو فاجر وفيه شر الدنيا والآخرة يأتي إليه باسم ربنا يسوع المسيح، لأن كل من يأتي باسم الرب يدخل عن جداره إلى حضن الآب بلا عائق أو مانع لأنه آمن ودخل في سرّ المسيح اي سرّ التقديس.
فبسبب عمل المسيح كالتدبير أصبح لنا ثقة في تأكيد قوله = لا أخرجه خارجاً: [ فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده ] (عبرانيين 10: 19)

  • ولنا الان على ضوء هذا الكلام نفهم عمل الرب بدقة وما طلبه لأجلنا:

[ تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً. 
إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. 
وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. 
أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. 
الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. 
وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ. 
«أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَالَمِ. كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي وَقَدْ حَفِظُوا كلاَمَكَ. 
وَالآنَ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَيْتَنِي هُوَ مِنْ عِنْدِكَ. 
لأَنَّ الْكلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِيناً أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ وَآمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. 
مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ. 
لَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الْعَالَمِ بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لأَنَّهُمْ لَكَ. 
وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ. 
وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ وَأَمَّا هَؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. 
أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ. 
حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اسْمِكَ. 
الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ.
أَمَّا الآنَ فَإِنِّي آتِي إِلَيْكَ. وَأَتَكَلَّمُ بِهَذَا فِي الْعَالَمِ لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلاً فِيهِمْ.
أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كلاَمَكَ وَالْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ.
لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ.
لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ.
قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ.
كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ.
وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ.
«وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هَؤُلاَءِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاًمِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكلاَمِهِمْ.
لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداًكَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي.
وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. 
أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي.

أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ.
أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ وَهَؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي.
وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ ] (يوحنا 17: 1 – 26)

_____________________________

في الجزء القادم سوف نتحدث عن
الجانب التطبيقي في حياة التوبة
ثالثاً: كيف أتـــــــــوب


تعليق واحد