عام

تابع مدخل عام للكتاب المقدس (4) التعليم المسيحي ومعناه في الكتاب المقدس.

تابع سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس – الجزء الثاني
تابع المقدمة – التعليم المسيحي
للرجوع للجزء الأول أضغط هنا.
للرجوع للجزء الثانى أضغط هنا.
للرجوع للجزء الثالث أضغط هنا.

 

عندما نتكلم عن التعليم المسيحي، ينبغي علينا أن نستوعب الكلمة لا في ضوء موضوع المسيحية كدين له فلسفته الخاصة وفكره بين الصحيح والخاطئ، بل لنا أن نغوص في معنى الكلمة من جهة الاستعلان بالروح، لأن التعليم المسيحي، تعليم استعلاني بالروح القدس في الحق، أي شخص المسيح الرب الطريق والحق، القيامة والحياة، وغرضه (أي غرض التعليم النهائي) الشركة، والشركة تقوم على اتحاد ووحدة جسد واحد في المسيح يسوع…. 

لذلك أن تطرق ذهننا لمفهوم آخر غير ذلك المفهوم (الشركة)، خرجنا للتو عن التعليم المسيحي الأصيل، وذهبنا لفلسفة الفكر حسب رأي وفكر كل شخص وظنه واعتقاده، ومن هنا يحدث كل انشقاق وتحزب، واحد لبولس وواحد لأبولس، كما حدث في كنيسة كورنثوس، لأن حينما لا يكون التعليم بالروح في الحق بقوة الله لا بحكمة إنسانية مقنعة بل ببرهان الروح والقوة، يُصبح كل ما يُقدَّم تعاليم الناس بعيد كل البعد عن تعاليم الله، وتظهر نظريات وأفكار لا حصر لها وقد يكون الكثير منها عكس بعضها البعض، أو حتى تظهر مجرد تأملات فارغة من قوة الله وبرهان الروح والقوة، تمس عواطف الإنسان ولكن لا تحركه نحو الشركة مع القديسين في المسيح يسوع في النور، ويتغير الإنسان حسب صورة خالقة كخليقة جديدة في المسيح يسوع، بل يظل إنساناً تحت سلطان الموت الذي يظهر فيه في صورة اضطراب وخوف وجزع وعلى الأخص من الدينونة، وأحياناً اضطرابات وضيقات نفسية تطيح به بعيداً جداً عن الله، ويحيا في عمى ذهني لا يستطيع ان يُبصر نور الله المُشرق في وجه يسوع: [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6).

  • معنى كلمة [ تعليم ] في الكتاب المقدس:
في العهد القديم نجد أن الكلمة العبرية تأتي بمعنى (ما يتم استلامه) و (الموضوع أو الرسالة التي يتم تعليمها وتلقينها حسب أمر الرب وإعلانه): [ انصتي أيتها السماوات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي. يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالندى كلامي كالطل على الكلأ وكالوابل على العُشب ] (تثنية32: 1و 2)، [ اسمعوا أيها البنون تأديب الأب واصغوا لأجل معرفة الفهم. لأني أعطيكم تعليماً صالحاً فلا تتركوا شريعتي ] (أمثال 4: 1و 2)…

ونلاحظ عادة أن كلمة التعليم مرتبطة ارتباط شديد بالنحت والحفر وبالسمع المقترن بالإصغاء، وأيضاً ترتبط بالتربية والتأديب، والكلمة اليونانية في العهد الجديد تأتي بتلك المعاني: [ يُربي (تربية)، يوبخ للإصلاح، يُعلِّم، يُهذب، يُدرب (تدريب)، انضباط (يضبُط)، مُؤدِّب (يتأدب بالتعليم)، مُرشد، وصي ]، والمعنى في أصله مرتبط بكلمة [ طفل، ولد، صبي ]..
ومن ثمَّ يأتي المعنى أن يكون شخص مُعلِّم مع طفل أو ولد، ليرعاه رعاية المُربي الأمين، ليُسلمه تعليم، لتثقيفه وتدريسه، لتقويمه وتهذيبه، وترسيخ التعليم في ذهنه وعقله بغرض السلوك السليم والحياة وسط المجتمع بما يتفق مع عاداته وتقاليده الخاصة به.

 

عموماً من هذه المعاني المخطوطة في الكتاب المقدس، نستطيع أن نستوعب القصد والمعنى منها لنفهم ما هو التعليم الإلهي على وجه الدقة التي تظهر لنا من خلال سطور الكتاب المقدس بإعلان وتوجيه الروح القدس، روح التعليم والتربية، الذي يحفر بشخصه التعليم في القلب والذهن معاً ليتحول بسلوك وحياة بطاعتنا الحُرة والمسئولة كأطفال نتربى عند قدمي الكتاب المقدس لنتلقف التعليم كالندى في القلب:
  • [ ازرعوا لأنفسكم بالبرّ، احصدوا بحسب الصلاح، احرثوا لأنفسكم حرثاً، فانه وقت لطلب الرب حتىيأتي ويُعلمكم البرّ ] (هوشع 10: 12)
  • [ لأن الروح القدس يُعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه ] (لوقا 12: 12)
  • [ وأما المُعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم ] (يوحنا 14: 26)
  • [ وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يُعلمكم أحد، بل كما تُعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذباً، كما علمتكم تثبتون فيه ] (1يوحنا 2: 27)
ومن خلال هذه الآيات نفهم كيف نتعلم ونتهذب، لأن التعليم يستحيل أن يأتي إلا من الروح القدس وحده، لذلك تهتم الكنيسة على مرّ العصور أن تُعين خداماً ممتلئين بالروح القدس، ولا تستطيع أن تسمح لأحد غير ممتلئ بالروح أن يتقدم للخدمة (مع أن للأسف اليوم أي حد بيتقدم ويخدم كيف ما اتفق، وتسمح له الكنيسة بذلك، لأن عنده معلومات وقدرة على الكتابة والكلام والحديث.. الخ، مع أن كل من يفعل ذلك وصار مسئولاً عن تعيين خادم أو كاهن أو أسقف.. الخ، سيُدان في النهاية أمام الله الحي لأنه عن وعي وإدراك لم يلتزم بالتقليد الكنسي الرسولي في تعيين الخدام والكهنة ورسامة الأساقفة بدون أن يتأكد من امتلائهم بالروح القدس لأجل الخدمة: وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي – لوقا 24: 49)
عموماً تحرص الكنيسة 
بشدة (قديماً، والآن أيضاً من كل من يعرفوا الرب وامتلئوا بالروح) على أن تُقدم تعليم الرسول بولس للتحذير من جهة كلامه عن انطفاء الروح القدس في النفس [ لا تطفئوا الروح ] (1تسالونيكي 5: 19)، [ ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم ليوم الفداء ] (أفسس 4: 30)، وذلك بسبب أن لو انطفأ الروح القدس في القلب، كيف نُقدم تعاليم الله الصادقة المُحيية للآخرين، وكيف تتعلم النفس وتتهذب بالتعليم الإلهي النقي، وكيف يتنقى القلب لمُعاينة الله، وكيف تتغير النفس وتصير على صورة الرب يسوع، لأن الروح القدس هو الذي يُشكلنا على صورته حينما يحفر في قلوبنا التعليم الإلهي [ بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل، بعد تلك الأيام يقول الرب، أجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً ] (ارميا 31: 33).

 

وبهذه الصورة يا إخوتي يتجلى أمام أعيننا كمال التعليم الإلهي، لأنه بروح الله يُعلن في القلب ويُخط في الذهن المنفتح على الإلهيات بالنعمة، لأن الرب يسوع حينما نأتي إليه تائبين طالبين مجده، يفتح أذهاننا لنفهم الكتب بالروح في الحق، فنستنير بالكلمة: [ وصايا الرب مستقيمة تفرح إياه. أمر الرب طاهر يُنير العينين ] (مزمور 19: 8)، [ عين الرب لمُحبيه (أو عين الرب على مُحبيه) وهو نصير (حماية) قدير وسند قوي، يسترهم من الحرّ ويُظللهم في الظُهيرة، ويقيهم من العثرات (والعقبات) و(نجدة عند) السقوط، الرب يُنعش (يُعلي شأن) النفس ويُنير العيون (العينين)، ويمنح الشفاء والحياة والبركة ] (سيراخ 34: 16 – 17، أو من 20 – 21 في بعض الترجمات)

 

ومن هُنا نرى أن الكتاب المقدس كتاب تعليم بالدرجة الأولى حسب المعنى الذي غُصنا فيه بإيجاز دون تطويل(وذلك بسبب كتابة موضوع التقليد الذي فيه شرح مستفيض عن التعليم)، وفيه نرى أن الكتاب المقدس لا يُناقض نفسه أبداً إلا عند الذين يرفضونه كإعلان إلهي فيقولون الشيء الكثير عن شُبهات وهمية، وهما معذورون فعلاً، لأنهم في الواقع يرونها هكذا لأن هناك بُرقع وحاجز موضوع على عين الذهن فلا تقدر أن ترى مجد الله المستتر في الكلمات المكتوبة، حتى من يرد على هذه الشبهات بالمنطق بدون روح الإعلان فهو يشترك معهم في نفس ذات الرؤيا القاصرة على المنطق العقلي البعيد عن برهان الروح والقوة، أما كل من استنار برؤية الله وإعلانه عن ذاته [ نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل ] (مزمور 34: 5)، فأنهم يروا بانفتاح الذهن بالروح، العهد الجديد مستتر في العهد القديم، والعهد القديم مُعلن وظاهر في العهد الجديد، لأن [ ناموس الله كامل ] وما يبدو أنه متناقض يختفي تماماً عندما نُقارن الروحيات بالروحيات: [ التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يُعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات ] (1كورنثوس 2: 13)
وفي الجزء القادم سنتكلم عن الكتب المقدسة وتسمية الكتاب المقدس بالعهد القديم والعهد الجديد…