كتب لاهوت وعقيدة مسيحية

بك أم بابنك نلنا الخلاص؟ – د. أندرو يوسف

بك أم بابنك نلنا الخلاص؟ – د. أندرو يوسف

بك أم بابنك نلنا الخلاص؟ - د. أندرو يوسف
بك أم بابنك نلنا الخلاص؟ – د. أندرو يوسف

الخلاص هو عطية وحياة الثالوث المُقدمة للبشرية:

+ الآب يُخلص العالم بإرسالية الابن ليصير واحدًا منا كي نصير نحن واحدًا معه. 

+ الابن يُخلص العالم باتخاذه جسدًا بشريًا مُحيى بنفس عاقلة من العذراء مريم والدة الإله وعمل الروح القدس، وبصيرورته إنسانًا مر بكل متاعب الحياة الإنسانية “فيما تألم مجربًا يقدر أن يُعين المجربين” (عبرانيين ٢: ١٨)، وبآلامه الشافية المحيية، وبقيامته من بين الأموات أعطانا عطية القيامة والخلود وعدم الفساد وسائر الأدوية المؤدية إلى الحياة.

+ الروح القدس يُخلص العالم بإرساليته من قِبَل الابن لُيذكرنا بكل ما قاله لنا الابن (يوحنا ١٤: ٢٦)، وبحلوله في كل واحد منا كهيكل لله (١ كورنثوس ٣: ١٦) مُعينًا كل شخص لقبول هدية الخلاص والتبني بالاعتراف بيسوع المسيح كرب (١ كورنثوس ١٢: ٣) وبعمله السرائري يثنى لنا أن نثبت في المسيح وهو فينا (يوحنا ١٥: ٤) كأغصان في الكرمة الحقيقية (يوحنا ١٥: ١). 

+ الكنيسة تُخلص العالم كونها امتداد لوجود السيد المسيح على الأرض بعد صعوده إذ أنها جسده وعروسه، وكونها مستودع العقيدة والتقليد والأسرار، وكون أمومتها تعكس أمومة والدة الإله. فإن ولدت العذراء الكلمة بالجسد من رحمها البتولي، كذلك نحن، جسد الكنيسة، نولد كأبناء لله أبانا من رحم الكنيسة أمنا، أي جُرن معموديتها.

على المستوى العملي، يتحقق خلاص الشخص بقبوله عطية الخلاص في شركة جماعة المؤمنين السرائرية. يقول ق. بولس الرسول: “إذًا يا أحبائي… تمموا خلاصكم بخوف ورعدة، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فيلبي ٢: ١٢-١٣). إذن هو يعمل ونحن نعمل: “العامل فيكم (أي الله)… أن تعملوا (نحن)” لأجل تحقيق الخلاص. ومن هنا تثّبت مفهوم الخلاص الأرثوذكسي على قاعدة العمل المشترك بين الله والإنسان أو ما يُعرف بالسنرچيا.

على المستوى الأسري، يقول ق. بولس الرسول عن الأم أنها “ستخلص بولادة الأولاد” (١ تيموثاوس ٢: ١٥).

على المستوى الاجتماعي، يتحقق الخلاص مع الأخر كقول ق. أنطونيوس العظيم: “إن حياتنا وموتنا مع أخينا. إن ربحنا أخانا، ربحنا الله. وإن خسرنا أخانا، خسرنا الله”.

على المستوى الكنسي والكرازي، لا يُفصل الأسقف أو الكاهن كلمة الحق باستقامة بمعزل عن الروح القدس المُذكر إيانا بكل كلمة الحق التي أعلنها الكلمة المتجسد وحافظ التسلسل الرسولي والتقليد الكنسي.

بناء عليه، الله هو مخلص الإنسان بشكل أساسي ولا يليق أن يُقال إن هناك مخلص أخر معه بالمعنى الحرفي أو المطلق (والنص الليتورجي يقول “بك نُلنا الخلاص” وليس أنت المخلصة أو ما شابه).

إن كان الخلاص إعادة خلق، بحسب تعبير ق. أثناسيوس الرسولي، في كتابه “تجسد الكلمة”، إذن فقط الخالق هو من يستطيع أن يُعيد عملية الخلق من جديد لتجديد طبيعتنا. فحين قرر في ملء الزمان أن يصير واحدًا منا ليعيد خلقتنا، لم يُحقق هذا بمعزل عن الإنسان بل صار واحدًا مننا بواسطة امرأة من طبيعتنا، أي مريم ابنة يواقيم. فجُعل من دور والدة الإله، الأم-العذراء، الأمومي دورًا خلاصيًا—بمعنى أنها جعلت الخلاص بتجسد الكلمة ممكنًا—بإعطائها كل عجينة البشرية لطفلها الإلهي الذي كان قبلاً إلهاً فقط لكن بواسطتها صار الإله-الإنسان أو الإله المتجسد.

على وجه العموم، ينبغي التمييز في الأمور اللاهوتية بين ما هو مُطلق وما هو نسبي. قال السيد المسيح “أنا هو نور العالم” (يوحنا ٨: ١٢) لكنه لم ينأى عن دعوتنا “أنتم نور العالم” (متى ٥: ١٤)، وقال كذلك “أنا هو الراعي الصالح” (يوحنا ١٠: ١١) لكنه لم يستكنف من أن يُقال عن الأساقفة أنهم يرعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه (أعمال الرسل ٢٠: ٢٨).

فهو النور الحقيقي ونحن نستمد النور منه ونعكسه للأخر فيروا أعمالنا فيمجدوا أبانا الذي في السموات وبهذا نصير سببًا في خلاص الأخرين إن قبلوا ذات الإيمان الذي صيرنا نورًا العالم. هذه الحقيقة دفعت المطران المتنيح باولص غريغوريوس في كتابه “الحضور الإنساني: الروحانية الإيكولوچية وزمن الروح” ليقول بشيء من المجاز: “الإنسان في المسيح مخلص للعالم: يعيده [أي العالم] لله ليمتلئ حقًا بمجده”.

كذلك المسيح هو الراعي الحقيقي وأسقف نفوسنا (١ بطرس ٢: ٢٥)، ولكنه وهب نعمة الكهنوت على البعض كي يصيروا أساقفة ورعاة وكهنة خدامًا للكلمة.

فإن كان لأخوتنا وأبائنا وأمهاتنا دورًا في إتمام خلاصنا بخوف ورعدة، كم بالحري دور تلك التي تشكل بواسطتها إنسانية الكلمة المتجسد؟ وإن كنا نؤمن بما نصلي في أوشية الإنجيل بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عينها أن “المسيح هو حياتنا كلنا وخلاصنا كلنا ورجاؤنا كلنا وشفاؤنا كلنا وقيامتنا كلنا”، فكيف نناله—أي المسيح، خلاصنا—بمعزل عمن بواسطتها صار واحدًا مننا؟

في النهاية، أذكرك بكلمات ق. بولس الرسول حين قال “الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد. لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيي.” (2 كو 3: 6). حتى إن وُجدت مصطلحات أخرى خاطئة يستحيل فهمها بشكل أرثوذكسي، ينبغي أن تُضبط بطريقة ومنهج رعوي يضع بعين الاعتبار صدى هذا التصحيح على خلاص النفوس (خصوصًا تلك غير المتمرسة في الأمور اللاهوتية).

بك أم بابنك نلنا الخلاص؟ – د. أندرو يوسف

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)