أنسمع بآذاننا ولا نحيا، أننطق بأفواهنا ولا نفعل، أنزرع ولا نُثمر ، أين إيماننا !
فالآن يا إخوتي علينا أن نُدرك أن الكلام الكثير عن المعجزات كان خللاً في التعليم الذي نُقدمه، لأن هذه ليست حياة من آمن بمسيح الحياة، مسيح القيامة، بل لازال إيمانه على مستوى العهد القديم وقانون العيان والحياة حسب العالم وأرض المزلة والالتصاق بالتراب، لأننا نحزن على مبنى ولا نحزن على نفس تهلك..
فبما أن أكثركم معلمين وناقلي التراث الآبائي وتكتبون وتبشرون وتناقشون الناس لتوصلوا لهم التعليم الصحيح والفهم الصالح للكتاب المقدس، انهضوا قلوبكم بإيمانكم الحي، وانظروا وتفرسوا في وجه النور الساطع من وجه يسوع، فأن كنتم ناظري الله حقاً فذكروا الجميع أن كل آباءنا أتت عليهم كل بلوى محرقة ليُمتحنوا هل يعبدون الله الحي وإيمانهم ثابت لا تزحزحه أو تأثر فيه اي محنة أو مشقة، فلنذكر جميعاً كيف امتحن الله ابونا إبراهيم وبعد ان امتحن بالنار فصار قلبه ذهباً مصفى فَدُعيَّ خليل الله، وهكذا كل أنبياء وقديسي العهد القديم بل والجديد أيضاً قد جازوا في شدائد كثيرة جداً وظلوا على أمانتهم في إيمان حي عامل بالمحبة، وثقتهم لم تتزعزع في ملك الدهور الله الحي، فتذكروا كيف اختبر كل القديسين شركة الألم مع المسيح الحي، ولم يتذمر منهم أحد بل وضعوا كلمة الرب للتلاميذ امام أعينهم حينما صرخوا الا يهمك اننا نهلك فقال لهم: [ أين إيمانكم ] (لوقا 8: 25)
يا إخوتي الإيمان ليس حياة فكر، ولا محبة الله محبة رومانسية تدغدغ المشاعر فنألف قصص ونكتب الأشعار ونقول كلمات ونحتفل ونغني، لكن الإيمان يُترجم لحياة على أرض الواقع تظهر ثقة في الأزمات حتى لو استشهدنا أو مات أولادنا وأصدقاءنا وحُرقت كل كنائسنا وغُلقت كل أديرتنا، والمحبة تُترجم بذل وتسليم دائم لمن يقضي بعدل، لا لكي يحكم على أعدائنا ولا يسكب ويلاته عليهم، بل ليرحمهم ويعين ضعفنا ويقوي إيماننا…
- ألم نتعلم بعد، انسمع بآذاننا ولا نحيا، أننطق بأفواهنا ولا نفعل، أنزرع ولا نُثمر !!!
يا إخوتي كم شبعنا من كلمات فوق المنابر، وكم اتخمنا من كتابات كثيرة وعميقة في فكر صالح وعميق، وشروحات ليس لها حصر ومراجع شديدة التعمق، وسمعنا عن أمجاد في شركة الآلام مع المسيح، وكم تغنينا بقصائد إني للمسيح والموت لي ربح، لكن كل هذا لم يتخطى أحلام الرومانسية، ولم يتعدى حدود الورق والفكر، لكن متى يا ترى يتحول كل هذا لحياة نحياها في أرض الواقع، لأن الحياة مع الله ليست خيال ولا فكر ولا دغدغة مشاعر ولا رومانسية ولا حكايات ولا ذكر حياة قديسين ومعجزات الله على أيديهم، ولا ذكر تعبهم واستشهادهم، إنما هي حياه نحياها نحن في واقعنا اليومي المُعاش، هي شهادة تخرج منا وقت الأزمات فيرانا الكل في وقت الشدة لا ننوح بل نرفع صلاة جادة حقيقية من أجل الأعداء ونضحي بكل ما لنا بل ونسر بسلب أموالنا التي نقدمها عن طيب خاطر للمحتاج والمعوز، بل نشارك الآخرين تعبهم ولا يهمنا تعبنا لأننا ذبائح الله المقدسة التي تظهر في وقت المحنة والشدة لتشهد عن عمل الله فيها..
عموماً وبدون تطويل فكما سبق وقلت لكم – وقليل من يسمعني بقلبه – أن المشكلة تنحصر كلها في الإيمان الحي، وليس الإيمان النظري، فالإيمان الحي هو علاج القلب وشفاؤه، ويقول الأب يوحنا الدرجي: [ الإيمان هو وقفة النفس ثابتة لا تزحزحها أية بلية أو محنة. ذو الإيمان الحق ليس هو الذي يفتكر أن كل شيء ممكن لدى الله، بل الذي يرى وجوب قبول كل شيء من يد الله ]، لأن الإيمان الحي ليس قفزة في الظلام، بل هو الدخول في النور، وانفتاح بصيرة ليرى الإنسان مجده الخاص في شخص المسيح القيامة والحياة…
[ الله لنا ملجأ وقوة عوناً في الضيقات وجد شديداً، لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار، تعج وتجيش مياهها تتزعزع الجبال بطموها …
نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي، الله في وسطها فلن تتزعزع يعينها الله عند إقبال الصبح.
عجت الأمم تزعزعت الممالك أعطى صوته ذابت الأرض، رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب … هلموا انظروا أعمال الله كيف جعل خرباً في الأرض، مُسكن (تسكين – تهدئه) الحروب إلى أقصى الأرض يكسر القوس و يقطع الرمح المركبات يحرقها بالنار… رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب ] (أنظر مزمور 46)
- واعلموا يا إخوتي أن ما يسد النفس عن تقبل النعمة وفرح الروح القدس هو شفتي الشك وعدم الإيمان ، فكلما أخلصنا بأمانتنا في قدرة الله اللانهائية نرى مجد الله الفائق فننطلق نبشر بحياة مقدسة بدون أن ننطقها كلام بل نظهرها عمل ثمر الروح فينا، واليوم صوت الرب لكل نفس [ ألم أقل لك أن آمنتِ ترين مجد الله ] (يوحنا 11: 40)