أبحاث

معاقبة مريم ومجد موسى – العظة السابعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

معاقبة مريم ومجد موسى - العظة السابعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

معاقبة مريم ومجد موسى – العظة السابعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

معاقبة مريم ومجد موسى - العظة السابعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد
معاقبة مريم ومجد موسى – العظة السابعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

معاقبة مريم ومجد موسى – الجواسيس في كنعان

حادث مريم: المعنى الحرفي:

1ـ يقول الرسول ” هذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً وكتبت لإنذارنا” (1كو10: 11)، إذًا أبحث عن الإنذار المستخرج من الدرس الذي سبق أن قُرئ “هارون ومريم احتقرا موسى” ولهذا الحادث قد عوقبا، حتى أن مريم أصيبت بالبرص وهذا العقاب له أهمية كبرى لأنه على مدى الأسبوع الذي كانت مريم فيه مصابة بالبرص كان شعب الله لا يتابع رحلته نحو أرض الموعد وخيمة الاجتماع لم تنتقل من مكانها (انظر عد 12: 10).

 

الدرس الروحي: ضد الإدانة:

التعليم الأول التي استخرجه منه: تعليم نافع وضروري، هو أنه لا يجب أن ” تحتقر أخاك” (مز50: 20)، أو قريبك، ولا تفتح فاك لتشتم، أني لا أقول فقط عن القديسين لكن أي من كان، عندما أرى مقدار غضب الله ومقدار الانتقام الذي وقعّه. ففي المزامير نرى أن الله يغضب بنفس الطريقة ضد هذه الخطية عندما يقول ” تجلس تتكلم على أخيك ولابن أمك تضع معثرة” (مز50: 20)، وأيضًا في مزمور أخر نتعلم أن هذا يحزن الله فوق كل شئ إذ يقول: ” الذي يغتاب صاحبه سرًا هذا أقطعه” (مز101: 5).

          بمساعدة كل هذه الوصايا من الكتاب المقدس “ كمثل سيف ذو حدين” (رؤ1: 16)، اقطعوا هذه الرذيلة، نتجنب أن ندين وكل من يتكلم بالسوء على أخيه يصاب بالبرص.

 

المعنى السري: النمامون ضد موسى

          ليس اليهود فقط هم الذين احتقروا موسى بل الهراطقة أيضًا، الذين لم يقبلوا الشريعة والأنبياء، فمن عاداتهم أن يتهموه بقولهم أن موسى كان قاتلاً لأنه قتل المصري. يطعنونه هو والأنبياء بتجاديف أخرى فاضحة بسبب هذه الانتقادات، أصيبوا بالبرص في نفوسهم، اصبحوا برصًا في الإنسان الداخلي ولهذا السبب قد “طردوا من المحلة”، من الكنيسة، إذًا الهراطقة الذين يسبّون موسى، وكذلك أعضاء الكنيسة الذين يحتقرون اخوتهم ويدينونهم، هم بدون شك يصابون بالبرص في أنفسهم.

بشفاعة هارون الكاهن الأكبر شفيت مريم في اليوم السابع، لكن نحن إذًا أصبنا بالبرص في أنفسنا بسبب الدينونة، سنظل برصاء ودنسين حتى آخر الأسبوع من هذا العالم[1]. أي ليوم القيامة إن لم نصلح أنفسنا في زمن التوبة بأن نرجع بأنفسنا إلى الرب يسوع ونتضرع له ونطهر من البرص بالتوبة.

 

المفسرون الجسديون

          لكن في رأيي أنه ليس شعب الشريعة القديمة ولا الهراطقة فقط هم الذين يحتقرون موسى، بل أيضًا كل مفسر يفهم كتب موسى بطريقة سيئة، والذي يفهم هذه الشريعة جسدانيًا يسبّ موسى بأن يستخرج من كلام الروح تعاليم جسدية. هل سمعتم أي حكم، أي لوم يصيب الشتامين والنمامين؟ اسمع الآن ما هي الفوائد التي يحصل عليها الذين يعاب في حقهم، لم نجد الله مطلقًا يمدح موسى خادمه بمدح هذا مقداره إلا عندما أُهين موسى.

 

مديح خاص لموسى

          2 ـ إذا فلنسمع المديح الذي منحه الروح القدس لموسى، يقول الكتاب المقدس ” نزل الرب في عامود سحاب ووقف في باب الخيمة، ودعا هرون ومريم فخرجا كلاهما، فقال لهما:

اسمعا كلامي إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له. في الحلم أكلمه وأما خادمي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي فما إلى فم، وعيانًا أتكلم معه لا بألغاز. وشبه الرب يعاين فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟ فحمى غضب الرب عليهما ومضى. فلما ارتفعت السحابة عن الخيمة إذا مريم برصاء كالثلج” (عد12: 5ـ10)، فلننظر أي عقاب قد جلب على النمامين وأي مديح قد استحقه ذلك الذي انتقدوه، لهما الخجل، وله الكرامة، لهما البرص وله المجد، لهما الخزي وله العظمة، هذا ما قد حصل عليه.

 

ألغاز وحقائق

لكن قبل أن يتزوج موسى المرأة الكوشية لم يكتب بأن الله كلم موسى ” بالحقائق وليس بالألغاز” (عد12: 8)، لكن عندما تزوجها، حينئذ قال الله “فما إلى فم وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز” حقًا أخيرًا عندما آتي موسى إلينا، واتحد بكوشية[2]، حينئذ انتهى إعلان شريعة الله لنا على شكل أمثال وصور بل في اكتمال الحقائق. فالذي كان يعلن أولاً “بالألغاز” أصبح يتم واقعيًا وحقًا.

لذلك يقول مفسر الحقائق السرية بأمثال “ نعلم أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا في البحر وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر، وجميعهم أكلوا طعامًا واحدًا روحيًا وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًا لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح” (1كو 10: 1ـ 4). إنك ترى كيف فسر بولس الرسول غوامض الشريعة وعلم الحقائق التي تضمنتها، إنه يقول إن الصخرة كانت بالرمز عندما قبل موسى أن يتحد بالمرأة الكوشية التي تمثلنا، وأن الصخرة الآن إنما هي بالحقيقة المسيح، لأن الله الآن يتكلم في الشريعة فما لفم.

قديمًا كانت المعمودية بالرمز في السحابة وفي البحر، والآن الميلاد الثاني يتم بالحقيقة بالماء والروح القدس. في القديم كان المن طعامًا بالرمز والآن جسد كلمة الله هو الطعام الحقيقي كما يثبت ذلك من كلام الله:  ” جسدي مآكل حق ودمي مشرب حق” (يو6: 55). لأجل ذلك، الآن أنتقل إلينا موسى وتزوج من الكوشية فلا يكلمنا بعد بالألغاز بل بالحقيقة.

 

موسى رأي مجد الرب

          أضاف الله أيضًا: ” أنه يعاين مجد الرب“، متى رأى موسى مجد الرب؟ أقول عندما ظهر موسى مع الرب على الجبل كان بجانب الرب مع إيليا، وكانا يتكلمان معه. لهذا السبب يمكن للرب أن يضيف بعد ذلك ” وكيف لم تخشوا أن تتكلموا على عبدي موسى؟” وذلك موجه حقًا إلى الذين يبدو عليهم أنهم قبلوا الإنجيل ولكنهم يهينون موسى، فإنهم يستحقون تمامًا هذا العتاب.

فرغم أنهم قد تعلموا بالإنجيل أن موسى قد رأى مع إيليا مجد الرب، فإنهم بجسارتهم يهينون الشريعة والأنبياء. لا نحتقر إذن موسى ولا نهين الشريعة عالمين ليس فقط أن نسمع الشريعة، لكن أيضًا أن نعمل بها، حتى نستحق أن ” نشترك في تمجيد موسى”.

 

يجب شرح الشريعة

          لكن في رأيي يوجد أيضًا مجال لإهانة موسى، مثلاً عند قراءة سفر اللاويين أو العدد دون إيضاح كيف يجب أن نفهم بالحقيقة ما تحويه هذه الأسفار من رموز، أي عندما لا تشرح دروس الشريعة روحيًا. حيث إنه أمر خطير أن الذين يسمعون في الكنيسة قراءة طقوس التقدمات وشرائع السبت.. الخ يكونون في خطر أن يتعثروا وأن يقولوا: ما أهمية قراءة ذلك في الكنيسة؟ وماذا تفيدنا تعاليم اليهودية والمراسيم لشعب ذليل؟ أنها أعمال اليهود.

وعلى اليهود أن ينشغلوا بها. فلكي نجنب السامعين مثل هذه العثرة، يجب الاهتمام بمعرفة الشريعة، مع وضع هذه الفكرة كأساس وهي أن “الشريعة روحية” (رو7: 14)، ولكي تفهم كل الدروس ولئلا بسبب خطأ المعلمين وبتكاسلهم وبإهمالهم، يقوم الجهلاء ويهينون موسى وبالعكس  ” فلنرجع إلى الرب ويرفع عنا برقع“، الحرف (2كو3: 16) حتى أن وجه موسى بدلاً من أن يظهر كريه المنظر يبدو ممجدًا وجميلاً، وبدلاً من أن نهينه نقدم له الاحترام والتمجيد لعظمة أفكاره.

 

سحابة الروح وبرص الخطية

          ” فحمى غضب الرب عليهما ومضيا، فلما ارتفعت السحابة عن الخيمة إذا مريم برصاء كالثلج” (عد12: 9ـ10)، غضب الرب وقع على المجدفين والنمامين. لكن الكتاب المقدس يقول ” السحابة عندما، ارتفعت عن الخيمة إذا مريم برصاء كالثلج” يجب أن ننتبه لهذه الواقعة بأن السحابة ارتفعت أولاً وبعد ذلك تسلط البرص على مريم، وهذا لكي يتضح أنه إذا كان أحد حاصلاً على الروح القدس ويحتقر ويدين فالروح يرتفع عنه بعد الإدانة. والبرص يتسلط على روحه.

لقد حصل الشعب القديم على نعمة الله لكن بعد أن جدف على موسى الحقيقي ربنا يسوع المسيح ارتفعت عنه السحابة وانتقلت إلينا، وعندما تجلى سيدنا على جبل مرتفع، وإذا ” سحابة نيرة قد ظللت تلاميذه وصوت من السحابة قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” (مت17: 1؛ مر 9: 2).

          فإنه بعد ذلك أصبحت مريم برصاء، بيضاء كالثلج، فمادامت السحابة موجودة، لا تكون مريم برصاء لكن أصبحت برصاء عندما ارتفعت السحابة عنها. ولما كان الشعب في حضرة الله لم يكن أبرصًا لكن عندما ابتعد عن الله، غطى الخجل وجهه فلنخشَ إذًا لئلا تبتعد عنا السحابة بواسطة كلامنا السيئ وأعمالنا الدنسة وأفكارنا النجسة، حيث أن برص الخطية يظهر فينا عندما تتركنا نعمة الله.

 

السقط: الشعب اليهودي:

          3ـ ” فالتفت هارون إلى مريم وإذا هي برصاء فقال هارون لموسى، أسألك يا سيدي لا تجعل علينا الخطية التي حمقنا وأخطأنا بها. فلا تكن كالميت الذي يكون عند خروجه من رحم أمه قد أكل نصف لحمه” (عد12: 1ـ12)، الكتاب المقدس يريد أن يبين أن الشعب القديم قد تكون في رحم أمه ـ أي المجمع ـ لكن لم يستطع أن تكتمل ولادته، كذلك حقًا أن السقط هو ناتج غير تام ومشوه، هكذا هذا الشعب قد مكث بعض الوقت في رحم أمه.

أي في مدرسة مجامع اليهودية، لكن بسبب خطاياه لم يستطع أن يحصل على شكله الكامل وأن يدخل في الحياة، لذلك رُفِضَ السقط غير الكامل لأن الخطية أكلت نصف لحمه، كما يقول الكتاب المقدس.

 

كلمة ”سقط” بالمعنى الحسي :

          يحدث رغم ذلك أحيانًا أن كلمة سقط تؤخذ بمعنى طيب أنه جيد أن نقارنها مع أشياء أخرى كما يقول الجامعة “سقط خير منه”. خير من ” الذي يتقدم نحو الباطل ويسير في الظلمات” (جا6: 3؛ 9: 4). لا يقصد سفر الجامعة أن السقط يكون جيدًا بالمعنى المطلق لكنه أفضل من حياة قضيت في الباطل وفي الظلمات وفي الجهل. أنه مقارنة بين أمرين.

 

حياة وموت :

          والواقع أن سفر الجامعة يقول أيضًا في موضع آخر أن “ الأموات أفضل من الأحياء” (جا7: 1). وإذا قارنا السقط بالأحياء سنقول بأنه أفضل منهم. فإذا فحصنا من هم الأحياء ومن هم الأموات، وإذا فهمنا أن السقط أفضل منهم على أنه لم يتذوق بداية حياة هذا العالم، سندرك الدرجات المقصودة من هذه المقارنة، لاحظ أن سفر الجامعة يدعو الأحياء أولئك الذين قيل عنهم في المزمور “ إنما نفخة كل إنسان قد جعل” (مز 39: 5)، إذًا كل إنسان أي الإنسان الذي هو نفخة عابرة فالسقط أفضل منه، حيث إن كل حياة مغموسة في الباطل.

أي أن الحياة حسب الجسد وحسب الغواية، وملذات الأموات هي حياة الباطل، فالذي مات عن هذه الحياة، هو أفضل منه، ويستطيع أن يقول “ العالم قد صلب ليَّ وأنا للعالم” (غل6: 14). لقد قيل عنه “متم مع المسيح”. هؤلاء الأموات أفضل من الأحياء لكن يوضع فوقهم السقط الذي قد جاء شبه جسد، لكنه لم يبدأ بأنه يتعلق بأباطيل هذه الحياة، مع ذلك فسفر الجامعة يتكلم أيضًا عن آخر أفضل من السقط كما يبدو من قوله: ” وخير من كليهما الذي لم يولد بعد” (جا4: 3).

بمعنى الذي لم يمر بسجن الرحم وبالميلاد الجسدي أما عن كلمة الجامعة نفسها ” غبطت أنا الأموات الذين قد ماتوا منذ زمان أكثر من الأحياء الذين هم عائشون بعد” (جا4: 2)، فيتضح أن الذين ماتوا عن العالم هم أفضل، ويعلن أن الذين يعيشون بحسب هذا العالم هم أدنى منهم.

وبالمعنى الحرفي كيف يكون الأموات مغبوطين أكثر من الأحياء؟ يغبط شخص ما عامة لحسن نيته، أما الموت بالمعنى العام، فهو لا يأتي من الإرادة ولا من الاختيار الواعي فكيف نكون مستحقين للغبطة عن أمر يأتي ضد إرادتنا؟ إذًا يجب أن يغبط فرعون ملك مصر الذي غرق في البحر أكثر من موسى الذي خرج من البحر حيًا، والمصريون أكثر من شعب الله الذي عبر وسط البحر بأرجل غير مبللة؟ لا تفهم الأمر كذلك، أعلم بأنه يجب أن تغتبط بأنك مت عندما يمكنك أن تقول:

قد صلبت مع المسيح فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيًّ” (غل2: 9ـ20)، إذا كنت قد زهدت العالم، وطرحت الرذائل، إذًا بدلاً من أن تتجه نحو الخطية، تكون أنت قد مت عنها، وتكون أفضل من الذي يعيش للخطية وموتك يكون مستحقًا للمدح حيث لا أحد يمدح على الموت الطبيعي الذي نعانيه نتيجة القوانين الطبيعية.

 

عودة إلى الشعب اليهودي

          هذه العودة كانت ضرورية بالنسبة للنص الذي فيه يقول كلام الله أن مريم بسبب إدانتها لموسى وبطريقة العقاب قد أصبحت “سقط”.

          كان يجب أن نوضح بأنه يوجد نوع جيد ونوع ردئ من السقط، حيث يقول الرسول أن في الرتب التي سبق أن قلناها توجد رتبة للسقط مستحقة للمديح إذ قال عن نفسه “وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا” (1كو15: 8)، مريم إذن ” أصبحت مثل السقط” (عد12:12)، حقًا هذا الشعب لم يستطيع أن يصل إلى الكمال بالشريعة كما يؤكده بولس ” الناموس لم يكمل شيئًا” (عب7: 19)، وأخيرًا يقول الرسول أيضًا عن البعض “سقط” في الإيمان، وهم الذين كان يعلمهم لكي يوصلهم للولادة الكاملة “ يا أولادي الذين أتمحض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم” (فى4: 19).

 

شفاعة موسى :

          4 ـ ” وصرخ موسى إلى الرب قائلاً: اللهم اشفها” (عد12: 12)، من هو الشخص المناسب لكي يصلي للرب لأجل شفاء هذا الشعب إلا موسى؟ موسى يصلي لأجله فإنه ربما لأجل هذا كان يتحدث مع الرب يسوع المسيح وقت التجلي، لكي يطلب من السيد الرب أنه حينما يدخل ملء الأمم حينئذ يخلص جميع إسرائيل.

 

عقاب مريم والشعب اليهودي

          فقال الرب لموسى ” لو بصق أبوها بصقًا في وجهها أما كانت تخجل 7 أيام وتحجز 7 أيام خارج المحلة وبعد ذلك ترجع” (عد12: 14)، ماذا يعني لو بصق أبوها بصقًا في وجهها ستغطي بالخجل لمدة سبعة أيام؟

          لقد أوضحنا أن مريم تمثل جماعة اليهود[3]، أبوها قد بصق في وجهها، البصق في الوجه هو علامة التخلي حيث قد كتب في الناموس بشأن إجبار الأكثر قرابة أن يتزوج أرملة قريبة فإن رفض الأكثر قربًا من الأهل الزواج يصير مخلوع النعل ويقبل “البصق في الوجه”. لدينا أيضًا معنى مخصص للبصق في نص إشعياء النبي     

كل الأمم كنقطة من دلو تحسب مثل البصاق” (إش40: 15)، هذا يبين أن هذا الشعب قد رفض مثل الأمم الأخرى التي حسبت مثل البصاق، وبالحقيقة إذا اعتبرنا عظمة هذا الشعب السابقة عندما كانت عنده رتبة الكاهن الأعظم وعلامات الكهنوت وخدمة اللاويين وجلال الهيكل ووقار النبوة، عندما كان هذا الشعب يتمتع على الأرض بالامتيازات السماوية، أي شرف وأي مجد؟

وإذا نظرنا له الآن وهو في الرعب والذلة، محروم من الهيكل والمذبح، من الذبائح والأنبياء ومن الكهنوت، وبالتالي محروم من كل حضرة إلهية مشتتًا في كل الأرض، وعائشًا في المنفى، كيف لا نعرف أن أبوه قد بصق في وجهه وغطى وجهه بالخجل؟ مريم قد منعت من دخول المحلة خلال سبعة أيام. لقد سبق أن قلنا إن السبعة أيام هذه تمثل هذا العالم، فأنه في سبعة أيام قد ظهرت كل أجناس الخليقة المرئية وُجِدَ الذي لم يكن موجودًا، لكن في أسبوع هذا العالم يطور الله بتدبير سري ومعروف لديه وحده محتوى الخليقة الأولى.

وفي أسبوع برص مريم لن ينتقل أبناء إسرائيل من محلتهم ومكثوا محبوسين في نفس المكان ولم يحصل أي تقدم لديهم “حتى تطهرت مريم من البرص” (عد12: 15).

 

مرحلة اهتداء اليهود مستقبلاً

          5 ـ ” بعد ذلك ارتحل الشعب من حضيروت ونزلوا في برية فاران” (عد12: 16)، حضيروت، تعني مساكن كاملة، ارتحل الشعب إذن عندما طهرت مريم من البرص ووصلوا إلى فاران التي تعني الفم المرئي.

تستطيع أن تفهم كما يبدو لي معنى هذا الفم المرئي بالقول: “ الكلمة صار جسدًا” (يو1: 14)، أي الغير مرئي أصبح مرئيًا، وهذا يعني أنه عندما تأتي نهاية كل شئ وكماله مما سيحدث لهذا الشعب أنه ينتقل ويأتي إلى الكلمة الذي صار جسدًا والذي لم يكن قد اعترف به من قبل.

 

قصة الجواسيس

ثم كلم الرب موسى قائلاً أرسل رجالاً ليتجسسوا أرض كنعان التي أنا معطيها لبني إسرائيل” (عد13: 1ـ2)، وفي باقي القصة إذًا أن الجواسيس عند عودتهم من مهمتهم أبلغوا أن الأرض جيدة وعجيبة لكن الشعب الساكن في الأرض هم بني العمالقة، لكن يشوع “يسوع” لم ييأس من هذا بل شجع إيمان الشعب باتفاق مع كالب الذي هو من سبط يهوذا وقالا ” إن سر بنا الرب يدخلنا إلى هذه الارض” (عد14: 8).

 

معنى آخر لطرد الأبالسة من أرض الموعد

          ما هو المعنى لهذه الكورة، هذه الأرض المقدسة الجيدة لكن سكانها من غير المؤمنين؟ من هم هؤلاء الأعداء الذين يسكنون كورة القديسين؟ بأي معنى يجب أن يطردوا حتى يحل محلهم القديسون؟ لنرجع للأناجيل، لنرجع إلى الرسول. 

          إن الأناجيل وعدت القديسين ” بملكوت السموات“(مت2)، والرسول يقول “ فإن سيرتنا نحن هي في السموات” (في13: 20)، إذًا الميراث الموعود للقديسين هو في السموات. ولماذا لم يكن بهذه الكورة التي وعدنا بها الآن، سكان يجب أن نطردهم؟ وكيف يستطيع السيد الرب أن يقول إن “من أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السموات يغتصب والغاصبون يختطفونه” (مت11: 15)، حقًا إذا لم يوجد من نقاومه، أو من نطرده فكيف يقال أن ” ملكوت السموات يغتصب؟” وإذا لم يوجد خصوم لمقاومتهم ولقهرهم فلماذا قال الرسول:

إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف6: 1)، كذلك يجب أن نطبق عليهم الكلام الذي قال النبي الموحي به ” لأنه قد روى في السموات سيفي” (إش34: 5). إذًا الأرواح الشريرة التي هي في رأي بولس تتجول في السماويات هم الكنعانيون الحقيقيون الذين يجب أن تقهرهم ويطردوا من السماويات حتى تسكن مكانهم.

          اعلم بأنهم “عمالقة” ومعنى عمالقة في الكتاب المقدس، هم كل من يقاوم الله. إذن هم كل من يعاند الله ويخالف الحق. وذلك هو أهم نشاط للعمالقة، فهو يحمل اسم عملاق بجدارة، فأنت تدخل الملكوت بعدما تقهرهم.

ألم يكن مكتوبًا عن أحدهم “هل تسلب من الجبار غنيمة؟” (إش49: 24)، هذا أيضًا ما يشرحه كلام الرب في الإنجيل ” لا أحد يستطيع أن يدخل القوى وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولاً” (مت12: 29). ولو أن كبرياءه قد طرده من قبل من المسكن السماوي إلا أنه يشترط أن تقهره حتى تدخل في بيت القوي، ولا يكفي أن تقهره بل يجب أن تربطه، إن لم يربط فلن تكون رحلتنا في ملء الأمان في الوقت الحاضر.

          فإذا قارنا بين الطبيعة البشرية وطبيعة الأبالسة سنجد أنفسنا جراد وهم عمالقة وبالأخص إذا كان إيماننا متذبذبًا إذا كان إيماننا الضعيف يجعلنا نرجع للخلف فسيكونون هم حقًا جبابرة ونحن جراد. لكن إذا تبعنا يسوع (يشوع) إذا آمنا بكلامه، وإذا نحن امتلأنا من إيمانه فسيصيرون كلا شئ أمامنا، اسمع كيف يقوى الله اليهود ” إن سر بنا الرب يدخلنا إلى هذه الأرض”، لأنها جيدة جدًا وثمارها عجيبة.

لقد سبق الله وأعطى لآبائنا الرمز والشبه وأما الحقيقة فقد اكتملت لنا. لقد طردوا الأمم وأخذوا ميراثهم، إنهم قد تسلطوا على كل اليهودية وعلى مدينة أورشليم وجبل صهيون وهذا ما قد فعلوه. وأما نحن فماذا يقول لنا الكتاب المقدس ” قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة” (عب12: 22)، وفي موضع آخر يقول الرسول أيضًا “ أورشليم العليا التي أمنا جميعًا” (في4: 26).

          وإذا لم نسمع بالإيمان من الرسول عندما يتكلم عن أورشليم السماوية حينئذ يمكن أن يرفض كلامنا بل يجب أن نصدق بولس الرسول، ونعتقد بوجود أورشليم سماوية، التي ترمز لها المدينة الأرضية ونحن ننسب إلى المدينة السماوية ما هو مكتوب عن أورشليم الأرضية.

إذن نحن قد اقتربنا على حسب بولس الرسول من أورشليم السماوية، وبدون أي شك أيضًا من اليهودية السماوية، لقد طرد العبرانيون الكنعانيين من المدينة الأرضية والفرزيين والحثيين والأمم الأخرى. فنحن الذين قد أتينا إلى جبل الله وإلى ملكوت السماوات يجب علينا أن نطرد القوات المضادة يجب علينا أن نطرد   “ أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف6: 13).

          والعبرانيون قد طردوا اليبوسيين من أورشليم والمدينة التي كانت تدعى يبوس دعيت بعد ذلك أورشليم، نحن بالمثل يجب علينا أن نطرد بأي طريقة اليبوسيين من أورشليم ونتسلط على ميراثهم، لكن العبرانيين كانوا يستخدمون أسلحة مرئية أما نحن فأسلحتنا غير مرئية هم حصلوا على النصر في معارك جسدية ونحن ننتصر في المعارك الروحية.

 

بولس الرسول قائد الكفاح الروحي

          هل تريد أن تعلم أن بولس الرسول ليس هو فقط معلم الأمم لكن أيضًا قائد لهذه الحملة الروحية فكيف يتقدمنا في هذه المعرفة؟ اسمع ما قد كتبه عن نفسه “ إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف 6: 12).

          لهذا السبب جمع المحاربين لهذا الكفاح الروحي وغير المرئي، بأسلحة روحية وسهام غير مرئية ويقول “اثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق لابسين درع البر وحاذيين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله” (أف 6: 14ـ 17).

 

يسوع رئيس الكفاح الروحي

          مع هذه الأسلحة ومع يسوع (يشوع) كقائد، لا تخف من الجبابرة، وسترى كيف أن الرب يسوع المسيح سيخضعهم لك، ومثلما داس آباؤنا رقاب الأمم فسندوس رقاب الشياطين.

يسوع بنفسه يقول حقًا للذين اقتربوا منه ويتبعونه بإخلاص: “ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو” (لو10: 19)، يسوع يريد في كل مرة أن يعمل معجزات أنه يريد قهر الجبابرة بواسطة الجراد وأن يظفر بواسطة سكان الأرض على ” أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف6: 12) ربما هذا ما كان يسوع يعنيه في الأناجيل عندما قال ” من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو ويعمل أعظم منها” (يو14: 12)، هذا يبدو لي شئ عظيم جدًا حقًا.

إن الإنسان سوف يقهر الجبابرة وفرق الأبالسة ورغم أن المسيح هو المنتصر فينا، إلا أنه يفضل أن ينتصر بنا وينسب النصر لنا من أن ينتصر بذاته وحده.

 

لنطرح عنا الشياطين

إذن لنكن دائمًا مسلحين بهذه الأسلحة ولتكن سيرتنا نحن هي دائمًا في السموات، كل مشاعرنا وكل أعمالنا وكل أفكارنا وكل كلامنا لتكن سماوية، كلما نصعد نحو السماويات بعزم كلما يهرب الأبالسة، كلما نزيد نحن ينقصون هم. إذا كانت حياتنا مقدسة وإذا كانت حسب إرادة الله فإن حياتنا هذه تجلب لهم الموت، وإذا كانت حياتنا مرتخية ومائعة فستعطيهم قدرة ضدنا وستجعلهم جبابرة. كلما نمونا في الفضائل كلما صغروا وأصبحوا ضعفاء.

والعكس إذا نحن ضعفنا وبحثنا عن الممتلكات الأرضية فهم يتقوون كلما تملكنا على الأرض كلما تركنا لهم الأماكن السماوية. فلنعمل إذن بالأحرى أن نكبر حتى يصغروا هم، أن ندخل حتى يطردوا هم. لنصعد حتى يسقطوا، كما قال الرب في الإنجيل ” رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء” (لو10: 18). أننا ندوسهم حتى يدخل بنا ربنا يسوع إلى فوق ويؤهلنا للدخول إلى ملكوته في السماء له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.

[1] الأسبوع رمز لهذا العالم.

[2] أي الأثيوبية التي تمثلنا وعند فيلون الأثيوبية تمثل الطبيعة البشرية بدون تغيير ونجد هذه الصورة الرمزية لأوريجينوس عند كيرلس الأسكندرى في شرح سفر العدد (باترولوجيا جريكا 69، عمود 596)، ويقول المرأة العبدة أي كنيسة الأمم.

[3] انظر نهاية العظة السادسة.

معاقبة مريم ومجد موسى – العظة السابعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)