أبحاث

تحديد الأرض المقدسة – العظة الثامنة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

تحديد الأرض المقدسة - العظة الثامنة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

تحديد الأرض المقدسة – العظة الثامنة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

تحديد الأرض المقدسة - العظة الثامنة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد
تحديد الأرض المقدسة – العظة الثامنة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

تحديد الأرض المقدسة

المعنى الحرفي

1ـ آخر رواية نُقلت عن سفر العدد هي تلك التي أمر فيها الرب موسى ” بأن يوصي بني إسرائيل ” (عد 2:34) حتى إذا ما دخلوا       ” الأرض المقدسة ” لتملّك هذا الميراث، يعرفون حدود بلادهم التي يجب أن يلتزموا بها. وبعد هذه التعليمات يرسم لهم الرب بنفسه الحدود فقد قيل ” وهكذا يكون لكم تخم الغرب ” (عد7:34)، وهذا يعني الحدود الغربية التي يجب مراعاتها في هذا المكان، وفي مكان آخر “في الشرق” وهكذا في الأربع جهات الأصلية، الرب يعطي بنفسه الأسماء مبينًا بذلك الحدود التي يجب أن يراعيها شعب الله في أرض اليهودية.

وقد يقول بسطاء القوم من بين المستمعين أن هذه الوصايا قد تبدو ضرورية ونافعة، حتى طبقًا للمعنى الحرفي، لا ينبغي تخطي الحدود التي رسمها ناموس الرب. فلا ينبغي أن يتجرأ سبط باجتياح منطقة سبط آخر. ولكن ما العمل اليوم، فإنه في هذا البلد (فلسطين) ليس اليهود فقط هم الذين لا يستطيعون الاعتداء على أراضي بعضهم البعض، ولكنهم لا يستطيعون امتلاك أي شئ بأي صفة كانت؟ مطرودون من هذا البلد يعيشون في المنفى، ولا يمتلكون الأراضي التي منحتها لهم الشريعة الإلهية ولكن تلك التي خصصتها لهم حقوق المنتصر، وإني لأتساءل ماذا نفعل نحن أعضاء الكنيسة الذين يقرأون هذا الكلام؟ إذا فهمناه بالمعنى الذي يفهمه اليهود، فقد يبدو لنا بكل تأكيد كلامًا غير نافع وكله عبث.

 

ضرورة المعنى الروحي

ولكني أنا أقرأ إنه مكتوب عن الحكمة: ” اتبعها انطلق في أثرها” (ابن سيراخ14: 23)، أريد أن “اتبعها”، وبما أني لا أجدها في الأشياء الجسدية، فإني أرغب أن أسير في إثرها وأبحث عن الاتجاه الذي تأخذه وأرى الأماكن التي تجذب إليها ذهني، وبالفعل فإني اعتقد أنني إذا استطعت أن أتتبع الحكمة بكل انتباه وأن أعثر على طرقها، فسوف تعطيني في الكتاب المقدس بعض الفرص، بأن أرى كيف ينبغي تفسير هذه الفقرة إذا كنا نصدق كلام بولس الرسول عن الأسرار بأن الذين يخدمون حسب الناموس ” يخدمون شبه السماويات وظلها ” (عب8: 5)، وإذا كان طبقًا لكلام بولس الرسول أيضًا         ” الناموس الذي في أيدينا جزءًا منه له ظل الخيرات العتيدة”     (عب6: 1)، فالنتيجة بالضرورة أن كل الأشياء المذكورة كأنها أشياء أرضية في الناموس ليست ـ بكل وضوح ـ إلا ” ظلاً للخيرات العتيدة ” وميراث البلاد الكائنة في اليهودية المسماة ” بالأرض المقدسة ” أو ” الأرض الطيبة ” هو ” شبه السمويات ” وأن خيرات الأرض المذكورة في الكتاب المقدس تمثل ” الظل والشبه “.

الأسماء المختلفة في اليهودية والاستحقاقات في السماء

2ـ لكي أرتفع بمستوى عظتي وبمستوى أفكاركم، ولكي أدخلكم في دراسة الأشياء التي نتحدث عنها، فلنأخذ هذه المقارنة. فكل واحد منكم يعرف أنه في اليهودية، كل مكان، كل جبل، كل مدينة كل مركز يحمل اسم علم خاص. وعلى سبيل المثال الكنعانيون أعطوا أسماء في بلادهم، وبالمثل الفاريزيين في بلادهم، والأموريين والحويويين أو حتى العبرانيين عملوا بالمثل إلا أنه طبقًا لأقوال بولس الرسول فالأشياء الأرضية هي “ ظل وشبه السماويات ” (انظر عب8: 5). من الممكن أن يكون في الأماكن السماوية اختلافات كبيرة بين الأماكن، ومن الممكن أن نرى الأسماء والتسميات التي تشير إليها ربما ليس فقط الجهات الأربع بل أيضًا النجوم وكل الكواكب تحمل أسماء لأن النبي يقول: ” يحصى عدد الكواكب يدعو كلها بأسماء” (مز4:147). وعلى هذه الأسماء، الأسفار التي سميت بأسفار أخنوخ، تحتوى على كثير من التفاصيل السرية والخفية، ولكن بما أن هذه الأسفار لا يبدو لها سلطان على العبرانيين، فلنتجنب في الوقت الحالي ذكر الأسماء التي نجدها فيها كأمثال، ولنتابع أبحاثنا على ضوء الكتاب الذي بين أيدينا والذي لا يستطيع أحد أن ينكر سلطانه.

لقد وُصفت اليهودية في الناموس بكلمات الرب نفسها ونحن نعرف أنه يجب أن نرجعها إلى ” شبه السماويات “، إلا أنه يوجد في السماوات ” مدينة أورشليم “، والرسول ينادي بها بكل وضوح وبـ  ” جبل صهيون ” (عب22:12)، وكما أن أورشليم الأرضية محاطة بمدن أخرى، وكفور وبلاد مختلفة، فإن أورشليم السمائية بدون شك محاطة على شبه الأرضيات بمدن أخرى وكفور وبلاد مختلفة حيث شعب الله وبني إسرائيل الحقيقيين، ينبغي أن ينصبهم يسوع الحقيقي يومًا ما والذي لم يكن يشوع بن نون إلا صورة منه. وحيث سيحصل شعب الله على ميراثه كل بنصيبه أي طبقًا لفحص استحقاقه. وبناءً عليه، إذا خصص الرب عند تقسيم الأرض، هذه الحدود لهذا السبط، وتلك الحدود لسبط آخر، ربما يكون بسبب عدم تساوي الأهلية عند الوارثين لملكوت السماوات. ربما إذا رتب الرب تحديد التخوم بكل دقة بين الأسباط، نعرف أنه سيؤخذ في الاعتبار عدم المساواة في الجدارة بين سبط وآخر.

وعلى سبيل المثال، الكسلان: ربما إيمانه يساوي أن يُعده ضمن بني إسرائيل ولكن إهماله وكسله سيجعلانه يصطف في سبط رأوبين أو جاد أو في نصف سبط منسى، وأنه سيحصل على نصيبه ليس من هذه الجهة من الأردن ولكن عبر الأردن. وعلى العكس من ذلك، شخص آخر يصبح بتقويمه لحياته وبتغيير إرادته أهلاً لأن يُعده، طبقًا لرسم يعرفه الله وحده، ضمن سبط يهوذا أو حتى سبط بنيامين حيث تنتصب أورشليم وهيكل الرب والمذبح. وهلم جرى الواحد هنا والآخر هناك، تلك هي الطريقة التي بها تمكّننا الدلالات الواردة في سفر العدد من رسم ظل التقسيم الذي سوف يحدث في السماوات على الأقل للوارثين ملكوت السماوات بيسوع المسيح ربنا ومخلصنا.

وأعتقد أنه هنا سيراعي نصيب الكهنة الذي رُسم “ظلهم” في هذا السفر، فنواحي المدن التي ضواحيها ملاصقة للحصون يجب أن يخصصها لهم بنو إسرائيل. وأعتقد أن هنا أيضًا ستكون المدن التي خُطط شكلها والتي تسمى بـ “مدن الملجأ” والتي تكون ملجأ ليس لكل القتلة، ولكن لأولئك الذين قتلوا نفسًا سهوًا. وهناك خطايا تجعلنا قتلة إذا كنا نرتكبها بتعمد وعن رضا. وتَوجد خطايا ارُتكِبْت عن جهل والتي من أجلها وبناءً على أمر من الرب خُصص وُأعد لنا مكانًا لكي نقيم فيه بعض الوقت، على ما أعتقد نحن الذين لم نرتكب إلا خطايا غير مقصودة بشرط أن نكون أطهارًا ومعصومين من الخطايا التي ارتكبت بمساعدة الإرادة. هذا هو السبب الذي من أجله نظروا إلى إقامة مدنًا للملجأ.

وعلى الرغم من ذلك يبدو للبعض أن كل نجم أو كوكب يمكن أن يدعى مدينة في السماء وأنا من جهتي لا أجرؤ أن أؤكد هذا، فإني أرى بالفعل أن “كل خليقة أخضعت على رجاء على الأقل من أجل الذي أخضعها” وبأنها تنتظر الحرية في خلاص أولاد الله” وفي شئ آخر أكثر نبلاً ورفعة أيضًا.

3ـ إذًا، إذا كان الناموس كما قلنا يتضمن ” ظل الخيرات المستقبلة ” وإذا كان خدام الناموس يخدمون ” صورة وظل الخيرات العتيدة ” (عب1:10) وإذا كان التأمل في ما نراه الآن “في مرآة ولغز” يجب أن يتفتح حينئذ “ وجهًا لوجه “(1كو12:13) واعتقد أن الأمر بالمثل بالنسبة ” لمسكننا ” الذي قيل عنه أنه منذ الآن ” في السموات ” أن نعتبره ” في مرآة وفي لغز ” حينئذ سيكون أيضًا في وجود “وجهًا لوجه “.

إن الذين يستحقونه سيكون “مسكنهم وسيرتهم في السموات”. إذا تتبعنا لهذا التفكير واثقين في الوعود ومعتقدين أنه ينبغي أن نمر من الأرض إلى السماء، أعتقد أن يسوع ربنا سيقيمنا في الأقطار السماوية ليس بدون الرجوع إلى نصيب كل فرد بمعنى معرفة مدى الاستحقاق لوضع كل فرد في هذا أو ذلك الجزء من السماء، في هذا أو ذلك المسكن. فهناك فرقًا كبيرًا هنا على الأرض بين الإقامة على سبيل المثال، في بلد مخصب، غني، يفيض بكل أنواع الخيرات، بنقيض أي شئ، لا المناخ اللطيف، ولا الأفراد المثقفين، ولا الحرية السياسية، وبين الإقامة في الأماكن المجدبة، الفقيرة فقرًا مدقعًا، في بلاد تحرقها الشمس أو يخدرها الصقيع والبرد، أو أن تكون أيضًا في بلاد موضوعة فريسة لبربرية قاسية ومتوحشة، ولحروب دائمة بدون هدنة، إلا أن الناس ليست موزعة بين هذه البلاد بدون عناية الله الخفية وبدون حكم الرب العادل. وسيكون الأمر بالمثل في العالم الآخر “وظل الأشياء السماوية” المدوّن على الأرض لن يظهر باطلاً في أي نقطة، فسيكون هناك أيضًا طبقًا لما قلناه مدينة ملجأ، وسيكون مدينة أخرى في البرية، كما كانت “باصر” في البرية في السهل من سبط رأوبين طبقًا للكتاب المقدس.

قسمة آدم الثاني

4ـ ينبغي أيضًا حفظ ما قيل فيما بعد ” حين فرق العلي بني آدم نصب تخومًا لشعوب حسب عدد ملائكة الرب ” (تث3: 8)، أو كما نقرأ  في صورة مغايرة،”حسب عدد بني إسرائيل”، إذًا إذا كان في بداية العالم أبناء آدم قد وزعوا طبقًا لاستحقاقاتهم أو نظرًا لآدم نفسه، ماذا سنقول عما سيحدث لأبناء “آدم الأخير”.

الذي صار ليس ليكون نفسًا حية بل روحًا محييًا ” (انظر1كو15: 45). حينما يبدأ الصلاح الإلهي ليس لتشتيتهم كما في بداءة العالم، بل ليُعدهم عندما تأتي نهاية العالم لا ” كأموات في آدم” ولكن ”  كأحياء في المسيح” (1كو15: 22). سيكون بدون أدنى شك، هناك توزيع وتقسيم ينبغي أن يتم ليس فقط طبقًا لاستحقاقات البشر التي ترعاهم العناية الإلهية، ولكن أيضًا بحسب “آدم الأخير”، الذي فيه كما قيل      “ سيُحيا الجميع” (1كو5: 22). ولكن من منا يستحق القبول في هذا التوزيع ويكون له نصيب في هذا الميراث الإلهي؟ من سيحظى بالقبول في أورشليم ويكون في المدينة الذي سيرتفع فيها هيكل الرب أو بالأحرى من سيكون هو نفسه هيكلاً للرب (1كو3: 16). من سيسعد بالاحتفال بالأعياد في المكان الذي فيه الهيكل الإلهي يتصاعد منه نيران دائمة؟ من سيحظى بوضع قربانه والبخور الحلو الرائحة على هذه النار الذي قال عنها المخلص: “ جئت لألقي نارًا على الأرض” (لو12: 49). من سيفرح بالاحتفال بالفصح في المكان ” الذي اختاره الرب إلهه ” (تث13: 5)، وبالاحتفال بيوم عيد العنصره، بعيد الكفارة، بهيبة خيمة الاجتماع، ليس بعد في شكل ظل ولكن في كمال جمالها وحقيقتها؟ من منا سيدعى مستحقًا لنصيب الفرح عندما يبدأ الرب في تقسيم أبناء آدم الأخير ليكونوا ليس من بين الذين سيقول لهم: ” سيكون لك سلطان على خمس مدن” (لو19:19)، ولا من بين الذين سيقول لهم: “ سيكون لك سلطان على عشر مدن” (لو19: 17)، ولا من بين الذين سيقول لهم: ” أدخل إلى فرح سيدك” (مت25: 27). ولكن من بين الذين سيقول لهم: ” تجلسون أنتم أيضًا معي على اثنى عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر ” (مت19: 21). والذي يقول عنهم: ” أيها الآب أريد أن هؤلاء يكونون معي حيث أكون أنا” (يو17: 24)، أريد أن يكونوا ملوكًا حتى أكون “ملك الملوك” (رؤ19: 6). أريد أن يكونوا أربابًا حتى أكون “رب الأرباب”.       

طوبى لأولئك الذين سيبلغون قمة الغبطة، طوبى لأولئك الذين يستطيعون تسلق قمة الاستحقاقات، مبارك الرب إلهنا الذي أعد هذه الوعود ” للذين يحبونه” (1كو2: 9). هؤلاء هم بالحقيقة محسوبون أمام الرب في الأعداد المقدسة، أو بالحري الذين “ حتى شعور رؤوسهم جميعها محصاة ” (مت30:10). من ربنا وإلهنا يسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.

 

تحديد الأرض المقدسة – العظة الثامنة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)