الردود على الشبهاتمُترجَم

معايير الأصالة والصحة

10570633_682053658555040_467061633_n

كيف يقوم العلماء النقاد بتحديد ما إذا كان يسوع قد قال شيئاً مما كُتب في الاناجيل ؟

إنهم يستخدمون ما يُطلق عليه “معايير الصحة والأصالة” .ورغم أنه توجد العديد من تلك المعايير ,إلا أننا سوف نناقش بالتحديد أربعة من أهمها .

 

معيار الاختلاف (التباين)

أول هذه المعايير هو معيار الاختلاف والتباين .يقول هذا المعيار أساساً أنه إذا وجد قول يُنسب إلى يسوع ولكنه يختلف عن تعاليم اليهودية في أيامه ,وعمّا علمته الكنيسة الأولى فيما بعد ,فلا بد أن يكون هذا القول صحيحاً .والسبب في هذا يسهل فهمه:فإن كان مثل هذا القول لا يمكن ان يكون قد وجد في اليهودية قبل يسوع,فهناك إذاً سبب وجيه للتفكير في أنه يرجع له وليس لشخص قبله . وإن كانت الكنيسة الاولى لم تتبنى هذا القول ,فعندئذٍ يكون من الواضح أنهم لم يخترعوا هذا القول ويضعوه على لسان يسوع. تذكر “مدرسة يسوع” [هي مدرسة تشكيكية ناقدة] ما يلي على أنه حقيقة ,فتقول “إننا نعرف أن البشيرين كثيراً ما نسبوا كلمات مسيحية ليسوع –فجعلوه يتحدث كمسيحي.” ما إذا كان هذا الجزم غير الممحص له ما يبرره أم لا ,فهذا هو ما لن نتناوله هنا ,إذ أننا نود أن نشير ببساطة إلى أن قول يسوع أشياء تفرد بها هو معيار مهم .

لكن عادة ما يقتصر تطبيق هذا المعيار على اختلاف يسوع عن اليهودية أكثر منه عن المسيحية .فمثلاً تشير “مدرسة يسوع” إلى أن ما جاء في (مرقس 15:7),”ليس شيء خارج الانسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه .لكن الاشياء التي تخرج منه هي التي تنجس الانسان.” لا بد بالتأكيد أن يكون صحيحاً وأصيلاً لأنه يعتبر “ضد تقاليد وتعاليم ديانته تماماُ ” ,ولكن هذا المبدأ قد علمه المسيحيون الاوائل مثلاً في (1تيمو 4:4) “لأن كل خليقة الله جيدة ولا يرفض شيء إذا أخذ مع الشكر لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة “ وهكذا فإنه يقتصر على يسوع فقط.

على أن هناك مشكلة رئيسية تختص بمعيار الاختلاف ,وهي أنه إذا تم مراعاته بصرامة وجمود ,فإن يسوع الذي يتبقى لدينا سيكون يسوع غريباً –شخصاً ليس لديه أي شيء مشترك مع اليهودية في عصره ,وليس لديه أي تأثير على أتباعه ! وكما يعلق داريل بوك :”إذا تأكد كلا جانبي التباين ,بحيث يختلف يسوع عن كل من اليهودية والكنيسة الأولى ,فسيصبح يسوع عندها شخصاً غريباً وشاذاً ,ومنفصلاً تماماً عن تراثه الثقافي ومنعزلاً فكرياً عن الحركة التي كان مسئولا عن تأسيسها .بل إن المرء ليتعجب كيف استطعنا أن نتعامل معه كشخصية حقيقية”

 

المشكلة الثانية المتعلقة بهذا المعيار هي أن علماء كثيراً ما يستخدمونه لكي يقدموا تقييماً سلبياً لمسألة ما إذا كان يسوع قد قال شيئاً على الإطلاق .ولكن في ضوء ضعفه الأصلي الأول ,فإن هذا المعيار في الحقيقة يمكن شرعياً استخدامه فقط لتقديم تقييم ايجابي ,أي أنه يجب إلا يستخدم لإنكار أن يسوع قد قال شيئاً ما (حيث أن ما قاله يمكن حقاً أن يشبه اليهودية في عصره ,أو الكنيسة الأولى),هذا الامر حقيقي بالنسبة لجميع معايير الاصالة تقريباً: فلا يجب أن تُستخدم هذه المعايير لإنكار ما يُمكن أن يكون يسوع قد قاله ,ولكن فقط لتأكيده .ولكن للأسف فإن علم النقد يطبق هذه المعايير بطرق لم تصمم لأجلها .فإذا حاولنا أن نطبق هذا المعيار على عمل “مدرسة يسوع” ,فالمرء يتساءل عما يمكن أن يتبقى من عملهم- إذ إن ما يقولونه هم قد قاله كثيرون غيرهم ,قبلهم وبعدهم.

 

المشكلة الثالثة هي أن “مدرسة يسوع” وغيرهم كثيراً ما طبقوا هذا المعيار في غير الإطار المناسب له ,إذ أنه حتى عندما يجتاز قول ما أكثر اختبارات التباين صلابة ,فإن أصالته رغم ذلك يمكن رفضها .فمثلاً يبدو أن يسوع هو الشخص الوحيد في اليهودية القديمة الذي قام بوضع كلمة “آمين” (أو الحق) في بداية عباراته هو الخاصة .ففي اليهودية ,كانت كلمة “آمين” تستخدم فقط لتأكيد مشيئة الله أو للاتفاق مع بعض العبارات التي تختص بشخص الله . لكن في الأناجيل ,استخدم يسوع كلمة “آمين” (الحق) في بداية عبارات قالها هو شخصياً كما لو أنه يقول إن ما هو مزمع أن يعلنه هو مشيئة وكلمته .وفي الخمس والعشرين مرة التي تكررت فيها كلمة (الحق) في إنجيل يوحنا ,كانت دائماً ما تُقال مزدوجة (مثل “الحق الحق أقول لكم …”) كما أن استخدام هذه الكلمة في الاناجيل المتشابهة وفي انجيل يوحنا يختلف عن أي استخدام لها في اليهودية أو في المسيحية الاولى .وبطريقة مشابهة تقريباً ,كان استخدام يسوع كلمة “الحق ” يشير إلى عبارة مقدسة عن “تاريخ ملكوت الله المرتبط بشخصه” .وهكذا فإن لدينا في كلمة “امين” أو كلمة “الحق” ,التي تسبق جملة “أقول لكم” التي قالها يسوع ,التعليل اللاهوتي لشخص المسيح وعمله كله في إيجاز تام “.وهذه العبارات يتفرد بها يسوع ,كما أن لها محتوى متماسك متسق –وهو محتوى يخاطب ما يعتقده في نفسه عن علاقته بملكوت الله.

 

 

لكن قبل أن نناقش ما تفعله “مدرسة يسوع” بتلك الاقوال المنفردة ليسوع ,يجب أن نقول كلمة ما عن “خرزاتهم الملونة”.فقد قامت مدرسة يسوع بعمل إعلانات دولية لاستخدام هذه الخرزات ,في الاغلي لأن جمهور العامة استطاع أن يستوعب الفكرة بسهولة .فيقوم كل عضو من مدرسة يسوع بالتصويت عن طريق إلقاء خرزة في صندوق .وكل خرزة سواء كانت حمراء أو وردية أو رمادية أو سوداء كان لها معنى من المعاني التالية :

 

الحمراء:لقد قال يسوع هذا بالتأكيد أو شيء مشابه له تماماً

الوردية :ربما قال يسوع شيئاً كهذا

الرمادية :لم يقل يسوع هذا ,لكن الافكار المحتواة في هذا القول هي قريبة من أفكاره .

السوداء :لم يقل يسوع هذا القول ؛فهو يمثل نظرة أو محتوى تعليم لاحق مختلف

 

فكيف تتعامل “مدرسة يسوع” مع مثل هذا القول المتفرد ؟من ضمن الخمس والسبعين “آمين” (الحق) التي قالها يسوع في بداية عباراته ,هناك أربعة مرات فقط اعتبرت أنها من المحتمل أن تنسب إلى يسوع بصورة ما (وجميعها تأخذ اللون الوردي) .بالإضافة إلى ذلك , يوجد عشرون قولاً باللون “الرمادي “,أما البقية(واحد وخمسون)فهي سوداء . فما الذي جعل “مدرسة يسوع” يرفضون معظم أقوال يسوع التي سبقتها كلمة “الحق” ؟ لا بد أن هناك معياراً اخر تفوّق على معيار الاختلاف , وسوف ننظر إلى مثال اخر لكي نرى ما هو هذا المعيار

 

بحسب الأناجيل الأربعة كان “ابن الإنسان” تعبير يسوع المفضل عن نفسه. ولكن الأمر غير المعتاد بشأن هذا التعبير هو أنه غير موجود تقريباً ولا في الأدب اليهودي القديم ولا في تقاليد المسيحية الأولى –فيما عدا أن يسوع نطق به. ومن هذا يستنتج العالم الانجليزي سي أف دي مول ما يلي:

إن أبسط تفسير للاتساق الكامل الذي يقتصر فيه المفرد المعرّف على الأقوال المسيحية هو أن نفترض أن يسوع كان يشير إلى دانيال 7 ,الذي يتحدث عن “ابن الإنسان (الذي تعرفوه من تلك الرؤية) “…فإن نسب التعبير ليسوع نفسه ليس معناه إنكار أن بعض مرات ورود عبارة ابن الإنسان في الأناجيل ربما أضيفت إلى الأقوال الأصلية ؛ولكني لا يوجد سبب يمنع من وجود أصل رباني لكل من النوعين الرئيسين للأقوال

على الأقل يجادل مول من معيار التباين على أصالة أقوال مثل “ابن الإنسان” في الأناجيل .

 

فماذا تفعل “مدرسة يسوع ” في مع مثل هذه الأقوال ؟ يشير بوك إلى أنها “تستثنى من كونها أصلية, إلا عندما تصف البشر على أنهم ابن الإنسان ,وهو استخدام يعترض عليه اليهودية من خلال استخدامه في المزامير وفي سفر حزقيال!لكن السبب في استثناء لقب “ابن الإنسان” هو حقيقة أنه يعبر عن نظرة متفوقة لاهوتية ليسوع على أنه المسيح.”

أما بخصوص التطبيق غير الملائم “مدرسة يسوع” لهذا المعيار ,فيلاحظ بوك الآتي:

إن ما يكشف عنه مثال “ابن الإنسان ” ربما يكون معياراً خفياً (مقياساً للاهوت المسيح) في تقييم الحلقة الدراسية للأقوال ,أي أنه إن كان رأي ينادي بأن يسوع هو أكثر من مجرد حكيم وراو للأمثال ,يكون غير أصيل وغير صحيح.ولكن وجهة النظر هذه تستحق الانتباه . فإنه من ناحية أخرى ,إذا كانت معايير النقد لا يتم تطبيقها بصورة ملائمة بواسطة علماء مدرسة يسوع , فإنه بالتأكيد يمكن تبرير الادعاء بالتحيز , .ومن ناحية أخرى إذا كان يسوع مجرد حكيم وراو للأمثال ,فلماذا إذاً كل هذه الجلبة بشأنه؟ من أين إذاً أتت كل هذه العداوة الشديدة التي تحيط به ؟ وكيف يمكن لهذه الأمثال أن تفسر الرفض الذي تعرض له ,وكيف يمكن إعطاء أقل قدر من الأصالة لموضوعات تختص بالحكم والأمثال فحسب؟

يثير بوك هنا العديد من النقاط المهمة.فليس فقط أن مدرسة يسوع متناقضة في تطبيق مبادئها الشخصية بسبب تحيزها الشديد ضد رؤيتها ليسوع على أنه أكثر من مجرد إنسان .ولكن هذا التحيز أيضاً يتركهم مع يسوع يعتبر موته كمجرم سراً ضخماً .فجميع المؤرخين يعرفون أن النتيجة لا بد وأن يكون لها سبب كاف .ولكن لا يكون لمدرسة يسوع التي قامت باختراع وتوليف شخصية يسوع ,سبب كاف لنتيجة الصلب .

يمكننا هنا أن نضيف شيئاً ,سنناقشه بصورة أكثر شمولية في بقية هذا الكتاب .ففي القرن الأول الميلادي ,كانت حالة اليهود المؤمنين بعقيدة التوحيد قوية للغاية .ولكن الأناجيل كانت تقدم يسوع على أنه أكثر من مجرد نبي ,وأكثر من مجرد حكيم ,وأكثر من مجرد راوِ للأمثال .فإن أفعاله وكلماته تظهره على أنه يكاد يدعي الإلوهية وبالتأكيد فإن اليهودية في عصر يسوع كانت ستعارض هذا الأمر-وقد عارضته بالفعل ! ولكن هل قبل المسيحيون الأوائل هذا الادعاء بسهولة ؟ ومن حيث أن المسيحيين الأوائل كانوا في الأصل يهوداً, فقد كان لديهم هم أيضاً نفس المشاكل المتعلقة بهذه الفكرة, مثل بقية الناس في ثقافتهم اليهودية .فإلى الحد المتعلق بأن الأناجيل قد تأصلت في التربة الفلسطينية ,يكشف معيار التباين أن يسوع هو أكثر من مجرد إنسان ,ولكن إذا كان المرء ببساطة غير منفتح لهذا الاحتمال ,عند ذلك فقط سيتم رفض هذا المعيار –وبالتالي ,رفض لاهوت المسيح.

 

 

 

معيار البراهين المتعددة

المعيار الثاني هو معيار البراهين المتعددة .يقول هذا المعيار :”عندما يبدو إن قولاً ما يأتي من مصادر متعددة(م,ل,ك, مرقس) أو في صيغ متعددة (مثلاً في إطار معجزة ,أو مثل ,أو رؤية) فإنه بذلك يكون متعدد البراهين.زلكي نتذكر ما قلناه في بداية الفصل .فإن “م,ل,ك,مرقس”تشير إلى المصادر الاربعة التي استخدمها متى ولوقا .فحرف “م” ببساطة يشير إلى المادة التي تفرد بها متى ,وحرف “ل” هو المادة التي تفرد بها لوقا,و”مرقس” هو انجيل مرقس ,أما “ك” فإنه يشير إلى المادة المشتركة بين لوقا ومتى ,التي ربما قد كتبت أو كانت مصدراً شفهياً أو مزيجاً من الاثنين معاً.

 

وكما فعلنا بالنسبة لمعيار التباين والاختلاف ,فإن التطبيق الصارم لهذا المعيار سيقدم لنا مفهوماً مشوهاً عن يسوع ,إذ يقبل فقط تلك الاقوال التي رددها يسوع في سياقات مختلفة وبطرق مختلفة ,ولكنه سيترك الكثير من الاقوال التي نطق بها يسوع في مواقف متفردة أو قالها مرة واحدة فقط .لكن ,مثل معيار التباين ,يعتبر هذا معياراً محدوداً في أنه يجب استخدامه فقط للتوكيد الايجابي لما قاله يسوع .إذ أنه لو كان أحد أقوال يسوع قد تم تسجيله مرة واحدة ,فهل هذا يعني أنه لم يقله حقاً ؟ في هذه الحالة لو أننا طبقنا مثل هذا المعيار على معظم الشخصيات التاريخية القديمة الاخرى ,سيكون علينا أن نلقي بمعظم ما نعرفه عن التاريخ القديم في سلة المهملات ! وكما يشير بوك :”هذا المعيار مفيد فيما يحويه ,إلا أنه على الانسان أن يحذر لئلا يفترض أن الفشل في البرهنة على قول يأتي من مصادر متعددة يكون سبباً كافياً لرفضه”.

 

لكن للأسف تستخدم “مدرسة يسوع” واخرون غيرهم هذا المعيار بكل من الطريقة الايجابية والسلبية .ومع ذلك ,فإن كنا سنطبق هذا المعيار على الكتابات المنسوبة لروبرت فانك- التي تعتبر أكثر كثيرا من كلمات يسوع في الانجيل- فكيف ستنجح في الاختبار ؟ فالبعض من كتبه كانت على طليعة التعليم الكتابي ,بينما وصفت كتب أخرى له بأنها استفزازية على أقل تقدير ,وماقاله في تلك الكتب لم يتردد في أعمال أخرى له .كان كثيراً ما يتعامل مع موضوع واحد في الكتاب الواحد ,ويتجاهل الموضوع تماماً في كتبه التالية ,فهل هذا يعني أنه لم يكتب بالفعل تلك الكتب او لم يقل ما قاله ؟

بالاضافة إلى ذلك ,فإنه مثل معيار التباين , يتم تطبيق معيار البراهين المتعددة بصورة متناقضة بواسطة “مدرسة يسوع ” .فكر مثلاً في التعبير “قد أتيت” ,أو “أن ابن الإنسان قد أتى”, وهو أحد التعبيرات المفضلة ليسوع التي كان يقدم بها لإرساليته .يرد هذا التعبير في العديد من المصادر,بل انه في الحقيقة موجود في الأربعة المصادر المتشابهة –م,مرقس,ك,ل(انظر متى 17:5؛19:11(م)؛مرقس 17:2؛45:10(مرقس),متى 34:10-35لوقا 49:12-51(س) ؛ولوقا 10:19(ل). فكونه يتكلم عن ارساليته (التي يتضمنها التعبير قد أتيت) فإن هذا يظهر بوضوح أنه أكثر من مجرد حكيم ,أو شاعر ,أو فيلسوف قروي . ويدخل ضمن هذا الخليط من الاقوال أيضاً (مرقس45:10) “لأن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليُخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين “وقد لاحظ داريل بوك , وهو واحد من أفضل العلماء في إنجيل لوقا في عصرنا الحاضر ما يدعو للسخرية في قوله :

تعتبر “مدرسة يسوع ” أن الكثير من هذه الاقوال المشهورة “من صنع مرقس” .فلماذا يرفضون هذا القول ؟

إن القول الاصلي بحسب رأيهم ,كان عن الخدمة ,وليس الفداء .وهكذا فإن مفهوم الخدمة يخص يسوع , ولكن فكرة الفداء ليست من عنده .وهم يجادلون على أن نسخة انجيل لوقا المختصرة تشير إلى أن مرقس صنع تغييراً وقدم صورة أكثر لاهوتية لما كان في الاصل مجرد مثل ,رغم أن انجيل مرقس في هذه الحالة ,يرى الجميع أنه أول الاناجيل !

ثم يختم بوك في الاشارة إلى التناقض في أساليب “مدرسة يسوع” قائلاً :

مرة أخرى فإن المعيار الحقيقي الذي يطبق على القول ليس هو معيار البراهين المتعددة , ولكنه معيار مقاييس ألوهية المسيح الخفية للمدرسة, التي تطبق حتى عندما يسير برهان المصدر في اتجاه معاكس .في الحقيقة ,يمكن للمرء أن يفترض أن لاهوت المسيح هو الموضوع الحقيقي للجدل حول الكثير من الأقوال , أكثر منه حول التاريخ أو التطبيق الموضوعي لمعايير مجردة .وبنوع من الطريق الملتوي , فإن القول عندهم يتم قبوله لأنه يعكس نوعاً معيناً من لاهوت المسيح المقيد المصوغ بحسب انطباع لم يتم خلقه بواسطة التطبيق المتسق للمعايير , ولكن بواسطة لاهوت مسبق مقيد ومحدود .وقد تم تأييد هذا اللاهوت المحدود لأن يسوع كان من وجهة نظرهم مجرد حكيم وراوٍ للأمثال , على أساس الاقوال المقبولة منهم .

 

معيار الاتساق

المعيار الثالث هو معيار الاتساق والاتفاق .ويناقش هذا المعيار ان كل ما يكتشفه العلماء عن يسوع في الاناجيل ,يجب ان يكون متفقاً أومتسقاً مع بقية الصور التي رسمها العلماء ليسوع الحقيقي أو التاريخي .وبالطبع ,فإنهم بقدر ما قد رسموا صورة غير دقيقة عن يسوع الحقيقي ,فإن هذا المعيار لن يكون صحيحاً  .والان تقوم “مدرسة يسوع” بتأكيد 18% فقط من كلمات يسوع على أنها صحيحة وأصيلة وأنها تنسب ليسوع سواء شفهياً أم ناحية المفهوم .وحيث أن تلك البيانات الأساسية قليلة للغاية ,فإن يسوع في نظرهم شديد الصغر كذلك . إن تناقضهم في تطبيق المعيارين الآخرين قد أعطاهم صورة منحرفة عن يسوع .وهكذا فإن معيار الاتساق لا يصبح صحيحاً وملائماً إلا إذا تم تطبيق المعيارين الأولين بطريقة سليمة .

 

معيار الحرج

المعيار الرابع هو معيار الحرج , وهو يتعلق بالامور الموجودة في الأناجيل , التي يمكن رؤيتها على أنها كانت محرجة بالنسبة للمسيحين الأوائل , أو للتلاميذ , أو حتى ليسوع .فالسبب الوحيد الذي لأجله تم وضع مثل هذه الأمور المربكة والمحرجة في الاناجيل هو أنها قد قيلت بالفعل .فمن الصعب تصوّر أن المسيحين الاوائل قد اختلقوا أموراً محرجة لهم عندما كان لديهم بالفعل مشاكل كافية للاضطهادات ! ورغم أن هذا المعيار شديد الأهمية , إلا أنه مثل بقية المعايير , لم تستخدمه مدرسة يسوع بصورة سليمة.

فمثلاً يعلن يسوع في (مرقس32:13) “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الاب ” .فقد اعتادت الكنيسة الاولى أن تنظر إلى يسوع على أنه أكثر من مجرد انسان –بل إله في هيكل انسان.لذلك فإن هذه العبارة تسبب لهم بالتأكيد نوعاً من الحرج.فحيث أن يسوع قد عرّف نفسه على أنه “الابن” فإن هذا يتفق تماماً مع بقية ما وصف نفسه.ولكن “مدرسة يسوع” تنظر إلى هذا القول على أنه غير اصيل ,فلماذا؟ كانت “مدرسة يسوع” على اتفاق عام على أن يسوع لم يتنبأ بنبوءات مرتبة زمنياً عن نهاية العالم على الاطلاق “.وهنا نرى بوضوح معياراً ضد النظرة المتسامية ليسوع .لكن إن كانت مدرسة يسوع هي ضد رؤية يسوع على أنه أكثر من مجرد انسان كافتراض مسبق ,ألا يعتبر ذلك انحيازاً لا مبرر له في تقييمهم لشخصية يسوع الحقيقية ؟ فكيف يمكنهم أن يقوموا بأمانة واستقامة بتقييم البيانات ,إن كان من غير الممكن بالنسبة ليسوع أن يتنبأ بالمستقبل ؟

هناك أيضاً نواح أخرى لمعيار الحرج في الاناجيل ,مثال على ذلك , يوجد الكثير من العبارات السلبية في انجيل مرقس عن أبطال المسيحية الاوائل –الرسل-تصلح لهذا المعيار .فمثلاً توبيخات يسوع المتكررة للتلاميذ لعدم ايمانهم , ولعدم فهمهم الواضح لكلامه , ولصراعاتهم على مركز القيادة , تشير جميعها إلى الاصالة .فمن الصعب أن تقرأ انجيل مرقس دون أن تأخذ انطباعاً سلبياً عن الرسل , مع أن هذا يعتبر اول الاناجيل التي كتبت بحسب رأي معظم العلماء ,حيث ان شهود العيان ما زالوا على قيد الحياة في ذلك الوقت, بما فيهم بعض الرسل انفسهم .إلا أن العبارات السلبية هي اشارات قوية على أن تلك الاقوال كانت حقيقية .”إن حقيقية حقيقة حفظ وبقاء المواد المربكة والمهينة ووصولها إلى مرقس تروي الكثير عن المصداقية العامة للمصادر التي استخدمها “

 

هناك شرح اخر لمعيار الحرج وهو الشهود الاوائل على قيامة يسوع.فالاناجيل الاربعة كلها تقول إن النسوة كنّ أول من ذهبن إلى القبر , وأول من علمن أن يسوع حي (متى 1:28-10؛مر1:16-8؛لو1:24-11؛يو1:20-14).لكن لماذا يسبب هذا حرجاً ؟لأن النساء في المجتمع اليهودي لم تعتبرن شهوداً يعتد بمصداقيتهن .فلا عجب إذا إن كان رد فعل التلاميذ هو ما جاء في (انجيل لوقا 11:24) :”فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن

 

لكن معيار الحرج ,اتفقت عليه “مدرسة يسوع” تماماً في أمر معمودية يسوع كما جاءت في انجيل يوحنا على أنها حقيقية وأصيلة (خاصة وأن معمودية يوحنا كانت معمودية التوبة).فلماذا إذاً قد رفضوا القول المكتوب في (انجيل مرقس 32:13) أو الشهادة بأن يسوع قد قام من الاموات؟

 

كما أشار بوك أن “مدرسة يسوع” كانت متناقضة في استخدامها لمعاييرها الشخصية , وذلك بسبب خطة خفية .لكن ما يثير السخرية أن جماعة “مدرسة يسوع” قد حذرت القراء من “إغراء أن يختلقوا شخصية ليسوع تشبههم تماماً ,أو على حسب ذوقهم الشخصي لحشد الحقائق لتأكيد اقتناعات مسبقة لديهم لكنهم لخصوا جميع المعايير في قانون عام واحد وهو: “احذر من أن تجد شخصية ليسوع تتفق تماماً مع مزاجك الشخصي ” ,ونحن نتفق معهم في ذلك .

:
:

باختصار فإنه من العصب أن نتجنب النتيجة التي توصّل إليها جيمس دي جي دن بشأن التعليم الشفهي”إن ما نواجهه اليوم في الأناجيل ليس هو الطبقة العليا (الطبقة الاخيرة) لسلسة من الطبقات لا يمكن اختراقها ,ولكنه التعليم الحي للمحفل المسيحي الذي يأخذنا بسرعة مدهشة إلى قلب الذكريات الأولى عن يسوع”[1]

 

[1] James D. G. Dunn (2003). Christianity in the Making: Vol. 1, Jesus Remembered. Grand Rapids, Mich: William B. Eerdmans Publishing,p.254

المرجع: أيعيدون اختراع شخصية يسوع -جي اد كومزوسكي,ام جيمس سوير,دانيال بي والاس -ترجمة سامي رشدي مورجان(2010)-صـ38-48