عام

عن الروح القدس

من كتاب الروح القدس وعمله فينا – البابا شنودة الثالث

من هو الروح القدس؟

الروح القدس هو ” روح الله القدوس ” (أف 4: 30) ؛ (2 كو 3: 3).

هو ” روح الله ” (تك 1: 2) (رو 15: 19) (1 كو 12: 3).

بل الروح القدس هو الله، لأن ” الله روح ” (يو 4: 24)

يقول القديس باسيليوس:

الروح القدس جوهر إلهى عاقل لا حدود لمقدرته، لا نهاية لعظمته، فوق الأحساس الزمنى وغير خاضع للدهور..

واهب لخيراته الخصوصية.. كل الخليقة تتجه نحوه فى عوز وفقر شديد لتقديسه..

كل الخلائق التى تتنفس الحق هى تابعة له بالضرورة وملتحقة به، ينعشها بالإلهام

ويقودها برفق حتى يبلغها غايتها الكاملة.

هو المتقن لكل الأشياء والساكب الحياة على العالم..

فى جوهره بسيط، فى طاقته متعدد ومتنوع!..

هو القوة التى تقيم الحياة..وهو الذى بواسطته اقتبل الأنسان حالة

التبنى وتحول لإيه الموت إلى عدم موت.

لاهوته

هذا المعزى، روح الله، حل على التلاميذ فى يوم الخمسين (أع 2: 1 – 4)

إنه روح الله، وهو ” روح أبنه ” (غل 4: 6) ” روح المسيح ” (1 بط 1: 11)

هو ” روح الرب ” (أش 11: 2) ” روح السيد الرب ” (أش 61: 1).

وهو ” روح الحق ” (يو 14: 17). قال عنه السيد المسيح ” روح الحق الذى من

عند الآب ينبثق ” (يو 15: 26). وقال أيضا ” متى جاء ذاك، روح الحق، فهو

يرشدكم إلى جميع الحق ” (يو 16: 13).

 

ويثبت لاهوت الروح القدس أنه فى الثالوث القدوس.

إنه واحد مع الآب والأبن، وفى ذلك يقول السيد الرب لرسله القديسين ” تلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس ” (أع 28: 19). ونلاحظ هنا أنه يقول ” باسم ” وليس بأسماء ويثبت لاهوته أيضا أنه المحيى، ومعطى الحياة..

ولذلك يسمى ” روح الحياة ” (رو 8: 2). وقد ورد فى سفر حزقيال النبى، أنه هو الذى يحيى الموتى (حز 37: 9، 10).

الروح القدس هو أقنوم الحياة – هو مصدر الحياة فى العالم كله، سواء الحياة بمعنى الوجود أو البقاء، أو الحياة مع الله. ويصفه قانون الأيمان بأنه ” الرب المحيى “.

ويثبت لاهوت الروح القدس، أنه مصدر الوحى.

وقانون الأيمان يصف الروح القدس بأنه ” الناطق فى الأنبياء “.

صفات الروح القدس اللاهوتية

الروح القدس اشترك مع الآب والأبن فى عملية الخلق

” ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض ” (مز 104: 30).

وقد ذكر الكتاب المقدس صفات إلهية له، منها الأزلية:

” فكم بالحرى دم المسيح، الذى بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيب ” (عب 9: 14).

ومن الصفات الإلهية للروح القدس، وجوده فى كل مكان.

قال داود النبى للسيد الرب الإله ” أين أذهب من روحك؟! ومن وجهك أين أهرب؟!

إن صعدت إلى السموات فأنت هناك وإن فرشت فى الهاوية فها أنت ” (مز 139: 7).

ومن الدلالة على وجوده فى كل مكان عمله فينا.

ومما يثبت لاهوته أيضا، أنه عالم بكل شىء

يقول القديس بولس “.. لأن الروح يفحص كل شىء حتى أعماق الله ” (1 كو 2: 11).

الروح القدس قادر على كل شىء:

من صفات الروح فى نبوءة أشعياء أنه ” روح القوة ” (أش 11: 2).

 

اقنومه

شهود يهوه لا يعتقدون أن الروح القدس أقنوم (شخص)، بل يرونه مجرد قوة!!

وللرد على ذلك نقول إن ما ورد عن الروح القدس فى الكتاب المقدس، يدل أنه شخص

فهو يتكلم: ” لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم ” (مت 10: 20).

وهو يعلم، ويذكر، ويرشد، ويخبر، ويبكت: يقول الرب لتلاميذه ” يعلمكم كل شىء، ويذكركم بكل ما قلته لكم ” (يو 14: 26).

وهو يقود المؤمنين جماعات وأفراد: يقول الرسول ” لأن الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله ” (رو 8: 14).

وهو يقيم الرعاة: قال القديس بولس لأساقفة أفسس ” احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس عليها أساقفة ” (أع 20: 28).

والروح القدس يعزى المؤمنين ويشفع فيهم.

يقول السيد الرب ” وأنا أطلب من الآب، فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد ” (يو 15: 26).

كذلك أيضا ورد فعل يعزى بصيغة الأمر فى العهد القديم فى افتتاحية الجزء الثانى من سفر أشعياء هكذا: ” عزو عزو شعبى ” هذه النبوة بالذات كان لها رنين، روحى عجيب فى قلوب الأنبياء وقد امتد صدى رنينها حتى سمعان الشيخ ” وكان رجل فى أورشليم إسمه سمعان وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية اسرائيل ” (لو 2: 25).

 

إنبثاقه

نحن نؤمن بأن الروح القدس ينبثق من الآب

ولكن الكاثوليك يقولون ” المنبثق من الآب والأبن “.

وقد لاقت هذه الأضافة معارضة من الكاثوليك فى القرون الأولى

ولم تستقر اضافة ” والأبن ” عند الكاثوليك اللاتين إلا فى القرن الحادى عشر

وقد سببت انقسامات كثيرة بلا داع..

وهى أيضا ضد مفهومنا للثالوث القدوس، وكما قال البعض إنها تجعل فى الثالوث

أبنين وأبوين، إن كان الروح القدس يعتبر ابنا للأبن، إن كان منبثقا منه،

ويكون الأبن أبا له أيضا..!!

رموز الروح القدس: هى خمسة: الحمامة، الماء، النار، الزيت، الريح العاصف

الحمامة

قيل عن يوحنا المعمدان إنه ” رأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه ” (مت 3

: 16).

 

الماء

يرمز الماء إلى الروح فى أنه سبب الحياة، والله ذاته شبه نفسه بينبوع الماء الحى.

والرمز واضح جدا وصريح فى قول الرب:

” من آمن بى – كما قال الكتاب – تجرى من بطنه أنهار ماء حى. قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد ” (يو 7: 38، 39)

 

الزيت

واضح رمز الزيت إلى الروح القدس، من سر المسحة المقدسة، أو سر الميرون. ما هو الزيت فى مثل العذارى العشر؟

العذارى الجاهلات لم يكن معهن زيتا فى آنيتهن، إشارة إلى أنهن لم يحتفظن بعمل الروح القدس فيهن..

 

النار

واضح فى يوم البندكستى أن حل الروح القدس على التلاميذ كألسنة كأنها من نار ” (أع 2: 3).

 

الريح

الكلمة اليونانية ” ابنفما ” تعنى الريح والروح فى نفس الوقت.. ومع ذلك نرى حلول الروح القدس فى يوم الخمسين، قيل فى مقدمته ” وصار بغتة من السماء صوت كما من ريح عاصفة، وملأ كل البيت.. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم.. وامتلأ الجميع من الروح القدس ” (أع 2: 2- 4).

 

عن الروح القدس:

من كتاب: الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر

للقمص: تادرس يعقوب الملطى

صدر عام 1981 – بمناسبة مرور 16 قرنا على مجمع القسطنطينية.

 

الحاجة إلى الروح القدس

بالبشارة بالتجسد الإلهى دخلت البشرية عصرا جديدا هو ” العصر المسيانى ” أو العصر الذهبى لخلاص العالم كله، حيث نزع البرقع عن موسى، وانسحبت الرموز لتقدم المرموز إليه، وتحولت الظلال إلى الحق، وتحققت النبوات، وجاء المسيح مشتهى الأمم، كله حلاوة وحلقه مشتهيات.. أحبه المؤمنون وحملوا اسمه فصاروا ” مسيحيين ” أحب المسيح العالم كله وبذل نفسه من أجلهم، وأحب المؤمنون المسيح واشتهوا الموت من أجله كل يوم!

والعجيب أن مسيحنا هذا الذى أحبنا حتى الموت لكى يخلصنا ويدخل بنا إلى الأتحاد معه، يقدم لنا فى ليلة آلامه معزيا آخر، إذ يقول: ” وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذى لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، أما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم. لا أترككم يتامى..

” وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم ” (يو 14: 16 – 18، 26).

” ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى ” (يو 15: 26).

” لكنى أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم.

ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة ” (يو 16: 7، 8).

” أما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية.

ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم ” (يو 16: 13، 14).

يليق بنا أن نتوقف طويلا عند الكلمات الوداعية التى تحدث بها السيد معنا ليلة آلامه، وكأنه يسلم كنيسته كل الميراث، أنه يقدم لها شخص الروح القدس يمكث معها ويكون فيها يعزيها ويعلمها ويرشدها إلى الحق، ويبكت كل ضعف يحل بأولادها ويمجدها بما للمسيح لتحمل مجده فيها.

كثيرون يتحدثون عن الصداقة الإلهية التى صارت لنا فى المسيح يسوع، بكونه قد صار لنا الأخ البكر والعريس والصديق كما هو الرب والمخلص والملك.. نحبه ونصادقه، نسأله ونتضرع إليه ونعاتبه، نشعر بالقرب الشديد إليه لأنه حمل طبيعتنا وصار كواحد منا، أما عن الروح القدس إذ يظهر على شكل حمامة كما فى عمادالسيد المسيح أو على شكل ألسنة نارية خلال هبوب ريح عاصف كما فى يوم العنصرة، دعى قوة الله وحكمته وروح الحب الألهى.. لهذا لا ينشغل البعض بالدخول معه فى علاقات شخصية، بل ينظرون إليه مجرد سمة إلهية خفية. لقد أراد السيد المسيح وأكدت الكنيسة التزامنا بقبول الروح القدس لندخل معه فى صداقة كشخص نعيش به ومعه: يتحدث معنا ونحن نحدثه (مر 13: 11)، نسمع صوته (رؤ 2: 7)، يعلن لنا ويرشدنا (أع 13: 2)، يقوم بالشهادة معنا (أع 5: 32)،

ويشهد لحسابنا (رو 8: 6)، يقدم لنا المعرفة (1 كو 2: 10، 11)، يهبنا الحياة (يو 6: 36)، ويحزن أيضا (أف 4: 30)، ويدبر أمور الخدمة ويقيم الخدام (أع 20: 28)..

فالروح القدس المعزى الذى أرسله لنا الأبن من عند الآب ليس مجرد سمة إلهية لكنه أقنوم إلهى نصادقه ونحبه ونعيش به ومعه، ونسأله أيضا كما تفعل الكنيسة فى تسبحة الساعة الثالثة يوميا: ” أيها الملك السمائى المعزى، روح الحق، الحاضر فى كل مكان، والمالىء الكل، كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا، وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا ” إن كانت الكنيسة قد تعلقت بالسيد المسيح كعريسها الذى أحبها وأسلم نفسه لأجلها، فأنها تعلقت بروحه القدوس فتذكر حلوله عليها يوميا فى تسبحة الساعة الثالثة، واهتمت بعيد البنطقستى الذى هو عيد حلول الروح القدس على التلاميذ بكونه عيد ميلادها بالروح القدس، إنها تدرك تماما إنها تحت قيادة الروح القدس الذى يعمل فيها فى ليتورجياتها كما فى كرازتها وفى تبكيت النفوس كما فى تبريرها وتقديسها حتى يدخل بها إلى ملء قامة المسيح.

إننا نلتقى مع الروح القدس فى مياة المعمودية كمجدد لنفوسنا وواهبنا الغفران من الخطايا والولادة الجديدة والعضوية فى جسد السيد المسيح السرى.. ثم نعود فنقبله فى داخلنا خلال سر التثبيت، نقبله كسر حياتنا يلازمنا كل أيام غربتنا لكى ينمى فينا الأنسان الجديد ويقويه ويسنده كما يرشدنا ويعزينا ويقدسنا إلى أن يدخل بنا إلى الأمجاد الإلهية فى أروع صورة باتحادنا المستمر مع المسيح ودخولنا إلى حضن الاب.

فى هذا يقول القديس أكليمنضس الأسكندرى: ” إن المربى يخلق الأنسان من تراب ويجدده بالماء وينميه بالروح “.

الروح القدس هو الروح النارى الذى يلهب الأنسان الجديد بالنار الإلهية ليجعله مؤهلا على الدوام لأتحاد أعمق مع الله – النار الآكلة (تث 4: 24، 9: 3، عب 12: 29) – فى المسيح يسوع، فيشترك مع الشاروبيم الملتهبون نارا فى تسابيحهم

 

الروح القدس كنز الصلاح

من الصعب الكتابة عن عمل الروح القدس فى حياة الناس:

أولا: لأن أعماله فائقة للوصف لا يمكن التعبير عنها، يقدم لنا شركة فائقة مع الآب فى إبنه، ويقدس نفوسنا على الدوام خلال تبكيتنا على الخطية والضعف وتثبيتنا فى الأبن الوحيد الجنس واعلان مجد إبن الله فينا، ينطلق بنا كجناحى حمامة إلى السموات فينير بصيرتنا الداخلية للتعرف على الأسرار الإلهية غير المدركة واكتشاف الأمجاد الإلهية، يهبنا مواهب روحية لنمونا الروحى والشهادة للسيد المسيح والخدمة، مكرسا القلب كمقدس إلهى للقدوس.. الخ، أمور عالية تعجز اللغات البشرية أن تتحدث عنها أو أن تحصرها فى عبارات بشرية

ثانيا: أن أعمال الروح القدس فى حقيقتها هى عمل واحد متكامل لا يمكن تجزئته ولا وضع خطة بالمنطق البشرى عن فاعليته فينا.. فهو اللهيب النارى الإلهى الذى يعمل بغير حصر أو حدود.

ثالثا: أن عمل الروح القدس فى الحقيقة ليس منفصلا عن عمل الآب أو الأبن حتى وان نسبنا لكل اقنوم عمله، إذ يقول القديس كيرلس الأسكندرى: ” إن التجديد فى الحقيقة هو من عمل الثالوث القدوس، حتى وإن أظهرنا أننا ننسب لكل أقنوم على حده عملا مما يحدث لنا أو للخليقة، ولكن علينا أن نؤمن أن كل شىء هو من الآب خلال الأبن فى الروح القدس “. يتحدث القديس باسيليوس عن عمل الروح القدس فينا، قائلا: ” بالروح القدس استعادة سكنانا فى الفردوس، صعودنا إلى ملكوت السموات، عودتنا إلى البنوة الألهية، دالتنا لتسمية الله ” أبانا “، تسميتنا أبناء النور، حقنا فى المجد الأبدى، – وبكلمة واحدة حصولنا على ملء البركة فى هذا الدهر وفى الدهر الآتى “.

ويحدثنا القديس ديديموس الضرير عن الروح القدس كسر كل صلاح فينا، إذ يقول: ” الروح القدس بكونه الله يجددنا فى العماد، وفى اتحاد مع الآب والأبن يردنا من حالة التشوه إلى جمالنا الأصلى، وهكذا يملأنا بنعمته حتى أننا لا نقدر بعد أن نترك مجالا لشىء لا يليق بحبنا.

إنه يحررنا من الخطيئة والموت والأمور الأرضية، ويجعلنا روحيين، شركاء المجد الإلهى، أبناء الله والآب وورثته. ويحولنا إلى صورة ابن الله ويجعلنا اخوته وشركاءه فى الميراث، فنتمجد ونملك معه، يهبنا السوات عوض الأرض، ويمنحنا الفردوس بيد سخية، ويجعلنا أكثر كرامة من الملائكة، ويطفىء لهيب نار الجحيم غير النطفىء فى المياة الإلهية لجرن المعمودية “.

ويحدثنا القديس غريغوريوس النزينزى عن عمل الروح القدس فى حياتنا كينبوع صلاحنا، قائلا:

” يدعى روح الله وروح المسيح.. وهو نفسه الرب. روح البنوة والحق والحرية، روح الحكمة والفهم والمشورة والقدرة والمعرفة والصلاح ومخافة الله، إنه صانع كل هذه الأمور، يملأ الكل بجوهره، ويحوى كل الأشياء، يملأ العالم فى جوهره ومع هذا فلا يمكن للعالم أن يدرك قوته، صالح ومستقيم، ملوكى بطبيعته وليس بالتبنى. يقدس ولا يتقدس، يقيس ولا يقاس، يهب شركة ولا يحتاج إلى شركة، يملأ ولا يمُلأ، يحوى ولا يحُوى، يورث ويمجد.. مع الآب والأبن. هو أصبح الله، نار كالله (الآب).

وفى حديث للقديس يوحنا الذهبى الفم فى عيد العنصرة يقول:

” اليوم قد بلغنا إلى القمة ذاتها، إلى رأس الأعياد، وذلك تحقيقا لوعد الرب القائل: ” لأنه ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن ان ذهبت أرسلته إليكم ” (يو 16: 7).

أنظروا قلقه علينا! تأملوا حنوه غير المنطوق به!

 

الروح القدس والتبكيت على الخطيئة

الروح القدس الذى يجد له فينا مسكنا فى سر التثبيت يقوم بعمل التبكيت المستمر على كل خطيئة نرتكبها، إنه الروح القدس الذى لا يطيق النجاسة والشر.. الروح القدس يفضح خطايانا أمام بصيرتنا الداخلية.. الروح القدس لا يقف فى عمله هذا عند حدود الكشف والتبكييت، لكنه أيضا يقوم بدور ايجابى فى توبتنا المستمرة بالتشفعات الإلهية التى يصنعها عنا لدى الآب فى استحقاقات دم الأبن.. باراكليت ؛ تعنى معزى أو محامى..

لقد دعى محاميا أو شفيعا، لأنه يتوسط لدى الآب من أجل الخطاة، وقد دعى الروح ذاته ” المعزى “، لأنه ينهض رجاء الغفران فى اولئك الذين يحزنون على خطاياهم التى يرتكبونها. · تحتاح النفس إلى السراج الالهى، وهو الروح القدس، الذى ينير البيت المظلم، وإلى شمس البر الساطعة التى تضىء وتشرق فى القلب.. · وهذا هو معنى الأرملة التى أضاعت الدرهم فأنارت السراج أولا (لو 15: 8) ثم كنست البيت. وهكذا إذ كنست البيت والسراج مضىء وجدت الدرهم بعد أن كان مدفونا فى التراب والوسخ. هكذا النفس أيضا لا تستطيع أن تجد أفكارها وتميزها، لكنها متى أضاءت السراج الألهى فأنه ينير البيت المظلم، وحينئذ تنظر أفكارها كيف كانت مدفونة فى دنس الخطيئة ووحلها، ثم تشرق الشمس فترى النفس هلاكها وتبدأ فى استداد افكارها المشتتة والمختلطة بالوسخ والدنس، لأن النفس أضاعت صورتها حين خالفت الوصية (تك 1: 26، أف 4: 24، كو 3: 10).

 

الروح القدس وأعمال التوبة:

التوبة هى حياة عملية يمارسها الأنسان كقول القديس يوحنا المعمدان: ” اصنعوا أثمارا تليق بالتوبة ” (مت 3: 7). هذه الأعمال ليس من عملنا البشرى لكنها هى عطية الروح القدس الذى يسند المجاهد فى حربه ضد شهوات الجسد وخطايا النفس.

 

الروح القدس والتقديس المستمر

حدثنا السيد المسيح عن الروح القدس كمعلم إلهى يبكت الناس على الخطية (يو 16: 8) ليدفع نفوسنا إلى التوبة الصادقة المستمرة، مقدما لها تعزية (يو 16: 7) . سرها أن ينتقل بنا دوما من ضعفنا إلى الحياة المقدسة فى المسيح يسوع ربنا . لهذا دعاه السيد بالمعزى (يو 14: 26، 15: 26، 16: 7).

 

التقديس والتثبيت:

الروح القدس يقوم بتثبيتنا فى الأصل (الأبن القدوس) لكى تنتقل فينا عصارة الحياة المقدسة من الأصل إلى الأغصان. حدثنا السيد المسيح عن حاجتنا إلى الثبوت فيه بالروح القدس، بقوله: ” كما أن الغصن لا يقدر أن يأتى بثمر من ذاته إن لم يثبت فى الكرمة كذلك أنتم أيضا إن لم تثبتوا فى. أنا الكرمة وأنتم الأغصان الذى يثبت فى وأنا فيه يأتى بثمر كثير، لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا. إن كان أحدلا يثبت فى يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق ” (يو 15: 4 – 6).

 

روح التقديس والجهاد:

الروح القدس لا يبخل علينا بالتقديس لكنه لا يعمل فينا بغير إرادتنا أو نحن متكاسلون.

· أيها الجسدانى الذى صار بالمياة روحانى، قدس نفسك لتكون هيكلا للاهوت.

· لا تدنسوا المعمودية التى كلها نور، بالأعمال غير الحسنة..

· ياإبنة حواء إحفظى طهارة المعمودية لأن صك الحية قد محى بمياة الحياة..

· أيها المعتمد الذى لبس حلة المجد المملؤة نورا أهرب من الوسخ لتكون منظورا من

الملائكة. لا تطرح لباسك البهى بالرذائل النتنة لئلا يضحك بك المبغضون

الحاسدون

(القديس مار يعقوب السروجى)

 

الروح القدس وتكريس القلب

فى القديم – النار المادية – حولت الأدوات الذهبية التى بين يدى شعب اسرائيل إلى العجل الذهبى الصنم الذى كان قائما فى قلوبهم يتعبدون له خفية ؛ فظهرت نيتهم الداخلية وأعلن معبودهم الخفى (خر 32: 24). وفى أيام بختنصر إذ دخل الثلاث فتية أتون النار المنظور من أجل برهم: أعُلن إلههم الخفى الذى كان يعمل فى قلوبهم، إذ ظهر شبيه بأبن الآلهه يتمشى معهم وسط الأتون، يحتضنهم ويحميهم من النار المنظورة، هكذا أرسل الله ناره الإلهية، روحه القدوس، الأقنوم الإلهى، لكى يعلن السيد المسيح المخفى فى قلوبنا.

إن عمل الروح القدس النارى فينا هو أنه يختمنا بالختم الملوكى فى أعماق النفس الداخلية، فنحمل صورة السيد المسيح فينا، وتصير النفس والجسد بكل إمكانياتهما وتصرفاتهما ملك الرب، هذا هو مفهوم التكريس: إننا نحمل الختم الإلهى معلنا أن كل ما فينا هو له.

يحدثنا الرسول بولس عن هذا الختم الإلهى، قائلا:

” والذى يثبتنا معكم فى المسيح وقد مسحنا، هو الله الذى ختمنا أيضا ومنحنا عربون الروح فى قلوبنا ” (2 كو 1: 21، 22).

” وفيه بعد أن آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى ” (أف 1: 13، 14).

” لا تحزنوا روح الله القدوس الذى ختمتم به ليوم الفداء ” (أف 4: 30).

وجاء فى أوامر الرسل: ” أيها الأسقف أو القس قد رتبنا سابقا والآن نقول أن تمسح أولا بزيت ثم تعمد بماء وأخيرا تختم بالميرون “.

· إننا نقبل أولئك الهراطقة الذين يرجعون إلى الأرثوذكسية.. ويختمون أولا بالميرون المقدس على جباههم وعيونهم وأنوفهم وأفواههم وآذانهم.

(ق 7 مجمع القسطنطينية المسكونى)

 

الروح القدس والأستنارة الدائمة

يقدم لنا الروح القدس فى المعمودية ” استنارة روحية ” فتنفتح بصيرتنا الداخلية لإدراك بنوتنا لله وعضويتنا فى جسد المسيح ونتعرف على أسرار محبة الله وتدبيره لخلاصنا. وفى سر الميرون يقدم لنا الروح القدس نفسه لنقتنيه داخلنا سراجا إلهيا يضيىء بصيرتنا على الدوام لنتعرف من يوم إلى يوم حقائق الله والعالم والنفس البشرية والسماء.

بالروح القدس نتعرف على أسرار الله: لأن الروح يفحص كل شىء حتى أعماق الله. يُنسب للروح القدس عطية الشركة، فهو سر الشركة بين الآب والأبن، إذ هو منبثق من الاب مستقر فى الأبن، روح الآب وروح الأبن، وكما يقول القديس اغسطينوس: ” الآب ليس أبا للروح القدس بل للأبن، والأبن ليس إبنا للروح القدس بل للآب، أما الروح القدس فليس روح الآب وحده ولا روح الأبن وحده، بل روح الآب والأبن

 

الروح القدس والتعزيات الإلهية

قبيل الصليب أعلن السيد المسيح لتلاميذه أنه لا يتركهم يتامى (يو 14: 18) إنما يرسل لهم الروح القدس المعزى (يو 14: 16 ؛ 16: 7). وقد وصف سفر الأعمال الكنيسة الأولى وسط آلامها وأتعابها كيف كانت تنمو وتتكاثر مملوءة سلاما داخليا وتعزيات الروح: ” وأما الكنائس فى جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير فى خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر”.

 

ثمار الروح:

عوض ثمار الخطيئة، ينعم المؤمنون بثمار الروح: فكما اقتطف الأنسان من روح الظلمة ثمار الخطيئة التى هى بغضة ومرارة واضطرابات وخصام وغضب وسخط وشر وجحود ونجاسة.. هكذا يقدم الروح القدس ثمره للمؤمنين: ” محبة فرح سلام طول أناه لطف صلاح إيمان وداعة تعفف “. (غلا 5: 22).

 

الروح القدس والأمجاد السماوية

فى ليلة الآمه قدم السيد المسيح لنا روحه القدوس كمعلم فريد، ” روح الحق ” الذى يرشدنا إلى جميع الحق (يو 16: 13)، يعلمنا كل شىء ويذكرنا بكل ما قاله السيد لنا، هذا المعلم الإلهى يقدم لنا ما هو للمسيح ويعلنه لنا وفينا، إذ يقول السيد المسيح: ” لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدنى، لأنه يأخذ مما لى ويخبركم، كل ما للآب هو لى، لهذا قلت أنه يأخذ مما لى ويخبركم ” (يو 16: 13 – 15). إنه ليس معلما بشريا يستعرض أفكارا ومعرفة تعطى لذة لعقولنا، بل المعلم الإلهى الذى يسكن أعماق النفس فى الداخل، ليعلن فيها أمجاد المسيح كخبرة حياة نعيشها ونمارسها، فيتمجد المسيح فينا، ونحن أيضا نحمل أمجاده فى داخلنا، فنتغير داخليا من مجد إلى مجد لعلنا بالروح القدس نبلغ إلى ملء قامة المسيح. هذا ما لمسه القديس بولس حين قارن بين عمل الناموس فى أيام موسى النبى وعمل الروح القدس فى ظل العهد الجديد، إذ يقول: ” ثم إن كانت خدمة الموت المنقوشة بأحرف فى حجارة قد حصلت فى مجد حتى لم يقدر بنو اسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل، فكيف لا تكون بالأولى خدمة الروح فى مجد؟!.. ولكن حتى اليوم حين يقرأ موسى البرقع موضوع على قلوبهم، ولكن عندما يرجع إلى الرب يرفع البرقع. وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية. ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ” (2 كو 3: 7 – 7).

 

الروح القدس والمواهب الروحية

الروح القدس وهو يختم النفس لتصير فى ملكية الله، مقدسة له، تجاهد للشهادة له تنعم بالتعزيات الروحية كما تتمتع بالمواهب الروحية حسبما يقدم لها الروح فيما يناسب ظروف الكنيسة واحتياجاته وشخصية المؤمن ومواهبه، لكى تضرم هذه المواهب كسر مجد لله وبنيان الكنيسة وخلاص للنفس وبركة للكثيرين.

يقول القديس بولس: ” فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد.. ولكنه لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد، ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر ترجمة ألسنة، ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسما

لكل واحد بمفرده كما يشاء، (1 كو 12: 4 – 11).

هذه المواهب فى تعددها تعطى للكنيسة كمالا وتنسيقا ووحدانية، إذ يدرك كل مؤمن بالروح القدس أنه عضو للآخر، ويتكامل الكل بأتحادهم معا فى الرأس ربنا يسوع المسيح