مُترجَم

مشاكل الآلام – الإجابة عن الاعتراضات الشائعة الخاصة بالدقة التاريخية لنصوص الكتاب المقدس حول محاكمة وصلب المسيح كريغ بلومبرغ

مشاكل الآلام – الإجابة عن الاعتراضات الشائعة الخاصة بالدقة التاريخية لنصوص الكتاب المقدس حول محاكمة وصلب المسيح كريغ بلومبرغ

Craig L. Blomberg is a New Testament scholar. He is a Distinguished Professor of the New Testament at Denver Seminary in Colorado where he has been since 1986.
Craig L. Blomberg is a New Testament scholar. He is a Distinguished Professor of the New Testament at Denver Seminary in Colorado where he has been since 1986.

بالرغم من غرابة الأمر، إن المسألة الوحيدةالأكيدة المتعلقة بحياة يسوع الناصري هي موته. فحتى المؤرخ الروماني تاسيتس، الذي كتبعن الموضوع في أوائل القرن الثاني، قد رأى أن المسيحيين اتخذوا اسمهم من “المسيحالذي أعدم بقرار من الحاكم بيلاطس البنطي أثناء ولاية تيبيريوس” (“السجلات”44.15). وفي القرن الأول، كان المؤرخ اليهودي جوسيفوس من هذا الرأي، فأشار إلى أنه”عندما سمع بيلاطس أعلى الرجال شأناً بيننا يتهمونه، وحكم عليه بالصلب، لم يتوقفعن حبه أولئك الذين أتوا لإظهار حبهم له”. (“أثار اليهود” 18.63-64). وبعد قرون عديدة، عكس التلمود اليهودي (البابلي) ذكرى محرّفة عن تورّط القادةاليهود في موت يسوع. فأعلن أن يسوع قد شُنق مساء عيد الفصح عند اليهود، وأنه”خلال فترة الأربعين يوماً التي سبقت تنفيذ حكم الإعدام، راح أحد المعلنين يناديبـ “انه سيرمى بالحجارة لأنه مارس الشعوذة وجذب إسرائيل نحو الارتداد” (سانهيدرينالبابلي 43a).

في نصوص العهد الجديد المتمحورة حول توقيفيسوع ومحاكمته وصلبه (أو ما يعرف بالمخطوطات المتعلقة بالآلام)، ثمة عدد من التفاصيلالتي طرح المشككون أسئلة حولها على مرّ السنين. وتشمل إحدى الفئات انتهاكات ظاهرة للقانوناليهودي في ما يخص محاكمة وإعدام مذنب رئيسي. من هذه الانتهاكات، إجراء محاكمة مساءالسبت (فعلاً، خلال فترة العيد بصورة عامة)، ليلاً، من دون شهود لصالح المتهم، ومعتكلّم الكاهن الأعلى شأناً قبل أولئك الذين يتمتعون بسلطة أقل. وطبعاً، من الممكن أنيكون العنصران الأخيران قد كانا موجودان فعلاً آنذاك، وأن أي من الكتب المقدسة لم يرويهذه الوقائع. ولكن لا تستطيع هذه المقاربة أخذ توقيت المحاكمة في عين الاعتبار، علماًأنه الانتهاك الأكثر فظاعة من بين الانتهاكات القانونية الظاهرة. 

وتتوفر على الأقل خمسة ردود مناسبة. أولاً،إن الوثيقة الأقدم التي تحتوي على قانون يهودي متعلق بمثل هذه المحاكمات، هو المشناه،أي مجموعة قوانين التقاليد الشفوية التي تم تطويرها طوال قرون عديدة، ونُشرت تقريباًفي العام 200 بعد الميلاد. ويستحيل معرفة ما أذا كانت كافة هذه القوانين حول الموضوعالمذكور أو جزءاً منها موجوداً في زمن المسيح، مع أن العديد من قوانين المشناه كانتعلى الأرجح متوفرة. ثانياً، انطبقت هذه القوانين مباشرةً على الـ بيث-دين، وهي المحكمةاليهودية التي كانت قائمة في القرن الثاني والثالث، والتي لم تكن إجراءاتها تنطبق بصورةتامة مع الطريقة المعتمدة من قبل   سانهيدرين.(“المحكمةالعليا” في أورشليم العام 70 قبل الميلاد). ثالثاً، تمثل المشناه في أغلبية الحالات،ميراث الجناح الفريسي من اليهودية، وهو الوحيد الذي نجا من سقوط أورشليم أمام رومافي العام 70، في حين أنه، في أيام يسوع، كانت الأغلبية في سانهيدرين للصديقيين الذينغالباً ما كانوا ينشئون قوانين مختلفة. رابعاً، إن الأدب اليهودي الذي ظهر لاحقاً(التوسفتا)، يسمح في أوقات معينة بإجراء محاكمات أثناء الأعياد والاحتفالات، عندمايتعلق الأمر بأشخاص متهمين بجذب الآخرين نحو الوثنية أو بكونهم رسل مخادعين (ت. سانهيدرين11.10 و7.11). في النهاية، إن القادة المتلهفين للتخلص من شخص يشكل بالنسبة إليهم تهديداًفعلياً، غالباً ما يرتكبون انتهاكات بالرغم من اتباع القوانين النافذة. من هنا مع وجودهذه المتغيرات، يصبح من الصعب رؤية كيف أن شخصاً ما يستطيع تركيب قضية مقنعة لم يلعبأعضاء سانهيدرين دوراً فيها بالرغم مما زعمته الكتب المقدسة¹. 

ويشمل نوع آخر من المشاكل تناقضات ظاهرةبين كتب العهد الجديد المقدسة بحدّ ذاتها. والأبرز بينها هي العناصر المتمايزة في إنجيليوحنا. وتكمن المشكلة الأكبر في الجدول التاريخي المتناقض ظاهرياً الذي طرحه يوحنا.فترسم الأناجيل الثلاثة الأولى  بوضوح صورةالمسيح الذي احتفل مع تلاميذه بعيد الفصح عند اليهود في آخر ليلة من حياته (متى17:26، 19؛ مرقس 12:14، 14؛ لوقا 22 : 7-8)، بينما دفع نص سطحي ليوحنا بالكثيرين إلىاعتبار أن الإنجيل الرابع يورد العشاء الأخير قبل يوم من عيد الفصح. ففي هذا النص،أعلن يوحنا أن العشاء الأخير قد تم قبل عيد الفصح (1:13)، وبيّن أن الرسل اعتقدوا أنيهوذا قد ترك المأدبة لشراء ما يحتاجون إليه لعيد الفصح القادم (29:13)، وقال إن القادةاليهود لم يريدوا أن يتنجّسوا بدخول دار وثني قبل تناول عشاء الفصح (28:18)، ويشيرإلى ذلك اليوم باسم يوم التهيئة، ومن المفترض أنه يعني عيد الفصح (14:19، 31). بالتالي،هذا التفسير يرجّح بشدة النظر إلى التلميح الوارد في 14:19 على أنه إشارة إلى الساعةالسادسة (الظهر)، بحسب أسلوب يوحنا في تصوير المسيح على أنه حمل الله؛ وهذا لأنه فيذلك الوقت تكون الحملان لعشاء الفصح قد ذُبحت.         

ولكن، بالنظر بصورة أعمق، لا تبدو أي منالنتائج الواردة أعلاه محتملة. ففي الواقع، يعلن يوحنا (1:13) أن يسوع، قبل عيد الفصح،كان يعلم بأن ساعته قد أتت. وتصف طبعاً الآيتان 1 و 2، الحب الذي كان يشعر به يسوعتجاه تلاميذه، حتى من قبل ذلك الاحتفال2. وعندما ينتقل يوحنا في ما تبقى من الفصل للحديثبالتفصيل عن تعاليم وأفعال يسوع في آخر عشاء له، يصبح في أدنى الحدود طبيعياً اعتبارأننا صرنا في فترة الفصح. من ثم، تذكر الآية 29 يهوذا الذي راح يشتري شيئاً للمأدبةالتي كانت لتمتد طوال أسبوع. وفي النهاية، بافتراض أن هذه الفترة تشكل 24 ساعة كاملةقبل الفصح، فكان ليقوم بسهولة بمشترياته في الصباح التالي خلال ساعات التسوق العادية.ولكن، مساء يوم الفصح، بقيت المحلات والمتاجر مفتوحة لساعة متأخرة، واعتُبر من الجيدوالمُقدّر إعطاء الصدقة (على شكل مال أو غيره) للفقراء3.        

وفي الواقع، يفسر يوحنا 28:18 بصورة أفضلادعاء أن المأدبة الأساسية والأولى لعيد الفصح لدى اليهود قد جرت في الليلة السابقة.فدامت فقط النجاسة الشعائرية بسبب دخول دار نجسة حتى نهاية ذلك اليوم، علماً أن اليهودكانوا يحتسبون أن كل نهار هو من الغروب إلى الغروب التالي. لذلك، إذا كان القادة اليهودقلقين بشأن عدم استطاعة تناول عشاء الفصح بعد حلول الظلام في تلك الليلة، فيبدو فعلاًقلقهم غير ضروري، ذلك أن النهار الجديد يزيل عنهم كل نجاسة. ولكن، في حال كانوا قلقينبشأن حكيكاه، أي بشأن الطعام الخاص الذي يقدم ظهراً بعد بدء عيد الفصح عند اليهود،فيُعتبر النص إذاً منطقياً. وفي الحقيقة، تخصص المشناه في ما بعد رسالة كاملة حول أياممنتصف فترة العيد (Moed Katan)،ورسالة أخرى للتقديمات الخاصة بالعيد (حكيكاه)، بما في ذلك التقديمات التي تمنح بينأول وآخر أيام العيد. (مثلاً، حكيكاه 3.1) 4.      

أما بالنسبة إلى يوحنا 14:19 و31، فقد يشير”يوم التهيئة” إلى التحضير لعيد الفصح، إلا أنه على الأرجح يشير إلى التهيئةللسبت. وتوضح الآية 31 أن اليوم التالي هو السبت، بالتالي، من الممكن أن تكون الآيتانقد اعتمدتا المصطلح المذكور في هذا السياق فقط. وحتى اليوم، يشكل Paraskeuê باليونانية الاسم المعياري لـ “الجمعة”، أي اليوم الذي يسبقالسبت، وهو السبت اليهودي. وفيما يتعلق بدراسة رموز “حمل الله”، من الصحيحأن المبشر الرابع هو المؤلف الوحيد للكتاب المقدس الذي يطبق هذا المصطلح على يسوع،علماً أن معظم المراجع تأتي ضمن آخر أسفار العهد الجديد. وفي إنجيل يوحنا، يستخدم هذاالأخير المصطلح المذكور فقط في الفصل الأول. وبافتراض أن يوحنا قد قصد الإشارة بصورةسريعة إلى فترة الظهر في 14:19 للتركيز على أن يسوع هو حمل الفصح الحقيقي، إلا أنهترك مرجعه مختصراً وغامضاً قدر الإمكان. فليست بالتالي هذه طريقة جيدة للسماح لهذاالتلميح “المفترض” بأن يوجّه عملية تفسير ما تبقى من الجدول الزمني لما كتبعن الآلام 5.   

من جهة أخرى، من الممكن حلّ مسألة تناقضاتمحتملة أخرى بسهولة أكبر. فيشير يوحنا إلى الجنود الرومان (حرفياً، “الكتيبة”)الذين رافقوا حرس الهيكل اليهود لاعتقال يسوع، وقد اعتبر بعض النقاد هذا الأمر غيرمحتمل. ولكن المناخ السياسي المتقلب للفصح عند اليهود، والحاجة إلى المحافظة على”تزامن” مع رغبات الحاكم الروماني، وحاجة القادة اليهود لتسليم يسوع إلىالرومان كي يعدموه، تشكل جميعها عوامل تبرر وجود ذلك الفريق الإضافي من الجنود. وفيالواقع، كان حنّان عظيم الكهنة السابق، وليس عظيم الكهنة الحالي الذي كان يتمثل فيقيافا (تناقض 13:18)؛ ولكن بما أن الكهنوت في القانون اليهودي كان يدوم مدى الحياة،إن خلع الرومان لحنّان والعديد من أبنائه قبل تنصيب صهره في موقع عظيم الكهنة، لم يحلدون ذكر حنّان بتلك الكلمة التي تظهر احتراماً تقليدياً. كذلك، إن المعلومات الإضافيةحول محاكمة يسوع قبل حضور بيلاطس، تكمّل الأناجيل الثلاثة ولا تناقضها بأي شكل من الأشكال.فتصب إضافات يوحنا الوحيدة-التركيز على التهم الرسمية (29:18، 38؛ 4:19)، والإدانة(19: 19-21)، والإشارة إلى بيلاطس على أنه “صديق لقيصر” (12:19)، واستخدامكرسي القضاء (13:19)  – في خانة الممارسات الرومانيةالمعروفة6.   

في الخاتمة، ثمة “تناقض” مربكيتعلق بوقت بداية صلب يسوع. فهل كانت آنذاك الساعة الثالثة (مرقس 25:15) أو السادسة(يوحنا 14:19) (بمعنى آخر، أكانت الساعة التاسعة صباحاً أو الثانية عشرة ظهراً)؟ علىالأرجح أنه صُلب في وقت ما بين هاتين الساعتين. وفي القدم، عندما كانت الساعة الشمسيةتشكل الجهاز الأكثر دقة المتوفر لقياس الوقت، كان العديد من الناس يعتمدون أرباع النهار(أو الليل). فببساطة، قد تعني الساعة الثالثة منتصف الفترة الصباحية، في حين أن الساعةالسادسة قد تشمل نطاقاً زمنياً أوسع، قبل وبعد سطوع الشمس إلى أقصى حد. كذلك، تتحدثالثقافات عن بدء الأحداث بصورة غير واضحة للغاية. فمثلاً، إن اجتماع نحدده للساعة العاشرةصباحاً، لم يكن ليبدأ في الحقيقة إلا بعد الظهر (وإنها ممارسة لا تزال شائعة في بعضأجزاء العالم) 7! بالتالي، من الأفضل إدراك أن مؤلفي الكتب المقدسة يستخدمون ببساطةمصطلحات الوقت بصورة غير دقيقة، وفقاً لمعايير عهدهم، وليس وفقاً للمعايير التي نتبعهااليوم.

ويمكن أيضاً تعداد صعوبات ثانوية وتقديمحلول معقولة.  ولكن، من شأن تلك أن تكفي لبرهنةأن “مشاكل الآلام” التي يعلن عنها بعض المشككين، ليست بالحجم الذي أعطي لها.فيتقبل الباحثون غير المتحيزين كافة الحلول المعقولة المقدمة.

 

ملاحظات:

1يبقى جوزيف بلينزلر الشخص الذي قدم الدفاعالمفصل بالشكل الأفضل حول العناصر العديدة المشكوك فيها والخاصة بما كتب عن المحاكمة:TheTrial of Jesus(ويست منستر، Eng.:Newman; Cork, Ire.: Mercier،  1959)

2هيرمان ن. ريدربوس،  The Gospel according toJohn: A Theological Commentary(غراند رابيدز: Eerdmans، 1997)،452، 455. 

3د. أ. كارسون،TheGospel according to John(غراند رابيدز: Eerdmans;Leicester: InterVarsity، 1991)، 475.

4راجع باري د. سميث، “TheChronology of the Last Supper” Westminster Theological Journal  53 (1991): 29-45.

5راجع كولين إ. ك. ستوري، “TheBearing of Old Testament Terminology on the Johannine Chronology of the FinalPassover of Jesus ,” Novum Testamentum،31 (1989): 316-24.

6ف.ف. بروس، “TheTrial of Jesus in the Fourth Gospel” في  GospelPerspectives، الجزء الأول، دار نشر R.T. France and David Wenham، (Sheffield: JSOT; Eugene, OR: Wipf & Stock, repr. 2003)،7-20.

7جيرالد ل. بورشرت،John12-21, New American Commentary  (ناشفيل:Broadman& Holman،  2002)، 258.