إلحاد

أسباب منطقية لوجود الله -حوار لي ستروبل مع وليم كريج

10681622_700071436753262_295403195_n

السبب الأول: الله يجعل من أصل الكون منطقياً God Makes Sense Of the Origin of The Universe
قال كريج: فلسفياً وعلمياً، يمكننى أن أؤمن أن الكون والزمان نفسه كانت له بداية فى نقطة معينة فى الماضى، ولكن بما أن شيئاً لا يمكنه أن يأتى من العدم، فلابد أن تكون هناك علة عليا خارج إطار المكان والزمان أظهرت الكون. فتسائلتُ: الكون ظهر بما سمى بما سُمى بالأنفجار العظيم؟
فقال: بالظبط كما قال ستفين هوكنغ: كل إنسان يؤمن الآن أن الكون  والزمان نفسه، كانت لهما بداية فى الأنفجار العظيم
[1] وهذا ما يشير إليه الدليل العلمى الساحق – إلى حدث يرجع تاريخه إلى 4 مليار سنة مضت تقريباً. والآن يثير هذا مشكلة رئيسية للمتشككين. يقول أنتونى كينى من جامعة أسكفورد: إن مؤيد نظرية الأنفجار العظيم، على الأقل لو كان ملحداً، لا بدَّ أن يؤمن أن ….
الكون قد جاء من العدم ومن خلال العدم[2]
فضحك كريج قائلاً: بالطبع شئ قادم من العدم لا يُشكَّل معنى!
(لى)، كانت تقتبس كلمات المتشكك الشهير ديفيد هيوم قليلاً فى لقاءاتنا. حسناً فقد قال: ولكن أسحموا لى أن أخبركم أننى لم أؤكد أبداً على أى أقتراح سخيف مثل أن أى شئ يمكنه أن ينشاً دون علة[3]
الملحدون يدركون هذا. فمثلاً قال أحد أشهر ملحدى الفلسفة المعاصرة-كاىنيلسن- ذات مرة: أفترض أنك سمعت فجأة ضجة عالية.. وسألتنى “ماذا سبَّب هذا الضحة؟”، فأجبتك: لاشئ، لقد حدثت فحسب. فلن تقبل منى هذا[4]
وهو على حق تماماً. ولكن فكر فى ذلك: لو كان لابد أن يكون هناك سبب لضجة بسيطة، ألا يكون من المعقول أيضاً أن يكون هناك سبب لأنفجار عظيم؟

 

كان هذا سؤال يبدو أنه لا يحتاج إجابة. فسألته: فكيف تلخص إذا هذه الحجة المبدئية؟
بينما جهز كل نقطة، بدأ كريج فى عدها على إصبعه: أولاً، كل شئ يبدأ أن يكون له عله. ثانياً، الكون بدأ أن يكون. وثالثاً: من هنا يكون الكون له علة. وهذا ما كتبه العالم الشهير سير أرثر أدينجتون: البداية يبدو أنها تقدم صعوبات لا تقهر ما لم نتفق أن ننظر إليها كأنها بصراحة فوق الطبيعة[5]
فقاطعته قائلاً: حسناً، هذا يشير إلى خالق، ولكن هل تقول لنا الكثير عنه؟
فأجابنى: نعم بالطبع. فنحن نعرف أن هذه العلة الفوق طبيعية لا بدَّ أن تكون كيان موجود بذاته، غير متغير أزلى، وغير مادى.
ما أسباب أستنتاجاتك؟
لا بدَّ أن يكون موجوداً بذاته لأننا نعرف أنه لا يمكن أن يوجد نُكوص مُطلق من العلل. ولا بدَّ أن يكون أزلياً ومن ثم غير متغير، على الأقل بدون الكون، لأنه كان خالق الزمان. وبالأضافة إلى ذلك لأنه أيضاً خلق المكان، فلابد أن يسمو فوق المكان، ومن هنا يصير غير مادى عن كونه مادى فى الطبيعة.
كان هناك سؤال واضح لا بدَّ من طرحه، فقلتُ: لو كان لا بدَّ على كل إنسان أن تكون لديه علة، فمن أو ماذا علل الله؟
فأجابنى كريج: مهلاً، فأنا لم أقل إن كل شئ لا بدَّ أن تكون له علة، فالمقدمة المنطقية تقول إن كل ما يبدأ أن يكون لا بدَّ أن تكون له علة. وبأسلوب أخر فإن “الوجود”، لا يمكنه أن يأتى من “عدم الوجود”، وحيث أن الله لم يبدأ أبداً أن يكون، فهو لا يتطلب علة.
فالله لم يأت أبداً إلى الوجود.
قلت له إن ذلك قد بدا بلا شك وكأنه يستثنى الله بشكل خاص.
فأجابنى: الملحدون بأنفسهم تعودوا أن يكونوا مكتفين تماماً بتقرير أن الكون أبدى قائم بذاته. والمشكلة أنهم لا يحملون فيما بعد هذا. الوضع بسبب الدليل الحديث أن الكون قد بدأ بالأنفجار العظيم. ومن هنا فهم لا يمكنهم الأعتراض شرعياً عندما أستخدم نفس الكلام حول الله – فالله أبدى قائم بذاته.

 

السبب الثانى: الله يجعل من تعقيد الكون منطقياً God Makes Sense of the Universe’s complexity
قال كريج: فى السنوات الخمس والثلاثية الأخيرة، ذهل العلماء لأكتشاف أن الأنفجار العظيم لم يكن حدثاً بدائياً فوضوياً، بل بالأحرى حدثاً مرتباً بشكل فائق الدقة حتى إنه تطلب قدراً هائلاً من المعلومات. فى الواقع، منذ لحظة استهلاله، كان على الكون أن يكون متحولاً تماماًfine tuned  إلى دقة غير مفهومة لوجود حياة كحياتنا نحن وهذا يشير بطريقة مؤكدة جداً إلى وجود مُصمم ذكى.
فأشرت قائلاً: إن مصطلح “متحولاً تماماً” مُصطلح ذاتى يمكنه أن يعنى كثيراً من الأشياء. فماذا تقصد به؟
فقال: لأضع الأمر هكذا: علمياً، من المحتمل جداً أن يوجد كون معارضاً للحياة أكثر من كون داعم للحياة. فالحياة تُقاس فى وضع حساس للغاية.
وكمثال، تلا كلمات هاوكنز، وقال كريج: “لقد حسب أنه لو كان معدل أتساع الكون بعد الأنفجار العظيم بثانية واحدة أقل حتى من جزء واحد من مائة ألف مليون مليون، لكان الكون قد أنهار الى كرة من نار”[6] وباختصار تقدم كريج لذكر قائمة من بعض الإحصائيات الأخرى المذهلة للعقل لتدعيم أستنتاجه[7] ومنها:
-أستنتج الفيزيائى البريطانى ديفيز P.C.W.Davies أن شواذ الظروف المبدئية المناسبة لتكوين النجوم-وهى ضرورية للكواكب ومن ثم الحياة- وهى واحد متبوعة بألف مليار مليار صفراً [8] – حسب ديفيز أيضاً أنه لو كانت شدة الجاذبية أو شدة القوة الضعيفة قد تغيرت بجزء واحد فقط من عشرة متبوعة بمائة صفر، لما كانت الحياة قد تطورت تماماً. [9] -هناك حوالى خمسين من الثوابت والكميات -مثلاً كمية الطاقة المستخدمة فى الكون، فرق الكتلة بين البروتونات والنيوترونات، نسبة القوى الرئيسية فى الطبيعة، ونسبة المادة بالنسبة للمادة – لابدًّ أن تُقاس على درجة دقيقة حسابياً لإمكان وجود أية حياة.[10]

قال كريج: كل هذا يُدعم بأسهاب أستنتاج أن هناك ذكاء وراء الخلق. فى الحقيقة، فإن التفسيرات البديلة لا تضيف جديداً.
فمثلاً هناك نظرية أسمها “الضرورة الطبيعية” natural neccessity معناها وجود نظرية “كل شئ” theory of everything مجهولة تفسر نظام الكون. بأسلوب أخر، هناك شئ فى الطبيعة جعل من الضرورى ان تظهر الأشياء بهذا الشكل.
ومع ذلك فإن هذا المفهوم يتهاوى عندما تدرسه بعمق. أولاً، أى من يدَّعى أن الكون لا بدَّ أن يكون شامخاً بالحياة يُقدم زعماً جذرياً يتطلب الدليل القوى، لكن هذا البديل مجرد تأكيد. ثانياً، هناك أشكال أخرى للكون مختلفة عن أشكالنا نحن؛ فبالنسبة للكون لا بدَّ أنه كان مختلفاً. وثالثاً، حتى لو كانت قوانين الطبيعة ضرورية، فما زال عليك أن تكون لديك شروط مبدأية مُسلم بها فى البداية يُمكن أن تُجرى عليها هذا القوانين.
لكن هذا لم يكن البديل الممكن الوحيد. فسألته مُقاطِعاً لإثارة سيناريو مُختلف بدا أنه معقولاً على السطح: ماذا عن أحتمالية أن التحول التام للكون هو نتيجة الصدفة البحتة؟ فربما يكون الأمر كله مجرد حادثاً كونياً كبيراً -أى مثلً تدحرج هائلا للنرد!
فتنهد كريج قائلاً: “لى lee، سأقول لك هذا: إن الدقة رائعة تماماً، مثيرة للغاية حسابياً، لدرجة إنه من الحماقة الواضحة أن تفكر أن الامر كان حادث. وخاصة لأننا لا نتكلم عن الشواذ البسيطة فحسب، بل عما يدعوه واضعوا النظريات “الأحتمال المحدد، الذى يستثنى الصدفة خارج إطار الشك المعقول”.
لم أكن مستعداً لترك أختيار الصدفة، فتساءلت: وماذا لو كان هناك عدد غير مُحدود من الأكوان الاخرى الموجودة بعيداً عن كوننا؟ حينها ستكون الشواذ أن أحداً منهم ستكون له الشروط الصحيحة لتدعيم الحياة -وهذا هو الواحد الذى نجد فيه أنفسنا الآن.
كان كريج قد سمع هذه النظرية من قبل فقال: هذا تدعى فرضية العوالم الكثيرة.The Many Worlds Hypothesis لقد تحدث هاوكنغ عن هذا المفهوم. وهنا تكمن المشكلة: فهذه الأكوان النظرية الأخرى غير مُتاحة لنا؛ ومن ثم فليس هناك طريق ممكن لتقيدم أى دليل بصحة ذلك. إنها مُجرد مفهوم، فكرة، بلا دليل علمى. العالم واللاهوتى البريطانى اللامع جون بولكينجهورن دعا ذلك (علماً زائفاً) وتخميناً ميتافيزيقياً [11]

فكر فى هذا: لو كان هذا حقيقياً، لجعل السلوك العقلانى للحياة مُستحيلاً لأنك يمكنك أن تفسر أى شئ – مهما كان غير محتمل – بأفتراض رقم لا محدود من الأكوان الأخرى.
لم أكن أتبع يوماً ذاك الإتجاه من التفكير، فتسائلت: وماذا تقصد بذلك؟
مثلاً؟ لو كنت توزع الأوراق فى لعبة البوكر، وكلما وزعت لنفسك أربعة أسات، لا يمكن أن تتهم بالغش، مهما كانت عدم أحتمالية الموقف.
يمكنك فقط أن تشير إلى أنه فى مجموعة غير محدودة من الأكوان سيحدث أن كوناً كلما يوزع فيه إنسان الأوراق، فإنه يوزع لنفسه أربعة أسات ومن ثم – فيا لحظي! – فأنا أتمنى أن أكون فى ذاك الكون!
أنظر، هذه ميتافيزيقا خالصة. ليس هناك سبباً حقيقياً للإيمان بوجود مثل هذه العوامل المتوازنة. فحقيقة أن المتشككين عليهم أن يطلعوا بمثل هذا النظرية الغريبة هى أن التحول التام للكون يشير بقوة إلى مصمم ذكي – وأن بعض الناس سيفترضون أى شئ لتجنب الوصول لذلك الإستنتاج.
عرفت أن توازن الكون الدقيق بشكل مدهش هذا كان أحد العوامل الرئيسي التى قادت باتريك جلين – الذى تعلم فى هارفارد، والمدير المساعد، والباحث المقيم فى معهد جامعة جورج واشنطن لدراسات سياسة التواصل – لترك الإلحاد إلى المسيحية. ففى كتابه (الله: الدليل God:The Evidence ) يفند مثل تلك النظريات البدلية الأخرى كميكانيات الكم و “الأكوان الصغيرة” baby universesمقدماً هذا الأستنتاج:
إن البيانات الملموسة اليوم تشير بقوة فى إتجاه فرضية الله .. فأولئك الذين يرغبون معارضتها ليست لديهم نظرية قابلة للأختبار لتنظيمها، بل مجرد تخمينات عن اكون أخرى نابعة من الخيال العلمى المثمر .. والمثير للسخرية، فإن صورة الكون لنا من علم القرن العشرين الأكثر تقدماً أقرب فى الروح من الصورة المُقدمة فى سفر التكوين من أى شئ أخر قدمه لنا العلم منذ كوبرنيكوس[12].

السبب الثالث: الله يجعل القيم الأخلاقية الموضوعية منطقية.God Makes Sense of Objective Moral Values
لخص كريج نقطته التالية ببلاغة فى البداية: العامل الثالث الذى يشير إلى الله هو وجود القيم الأخلاقية الموضوعية فى الكون. لو كان الله غير موجود، فلا وجود إذاً للقيم الأخلاقية الموضوعية.
وقد أثار ذلك بالطبع سؤال ماذا يقصد بالقيم “الموضوعية”. كان كريج سريعاً لإضافة كلا من التعريف والتفسير.
شرح قائلاً: القيم الأخلاقية الموضوعية صالحة ومتماسكة بشكل مستقل سواء آمن بها أحد أو لا. مثلاً، أن تشير إلى الهولوكوست بأعتبارها خطأ موضوعياً هو ان تقول إنه كان من الخطأ حتى لو كان النازيون يعتقدون أنهم على حق. ويمكن أن يستمر الأمر خاطئاً حتى لو كان النازيون قد ربحوا الحرب العالمية الثانية، ونجحوا فى غسل عقول أو إبادة كل من كان يعارضهم. والآن، لو كان الله غير موجود، تكون القيم الأخلاقية موضوعية بهذه الطريقة. كُنت أهز رأسى، فتعجبت قائلاً: مهلاً، لو كنت تقول إن الملحد لا يمكن أن تكون لديه القيم الأخلاقية أو يحيا حياة أخلاقية أساساً، فأنا لدى مشكلة بخصوص ذلك.لدى صديق لا يؤمن بالله، وهو إنسان رقيق ومهتم ككثير من المسيحيين الذين أعرفهم.
لا، أنا لا أقول إن الإنسان لا بدَّ ان يؤمن بالله كى يحيا حياة اخلاقية. لكن السؤال هو: لو لم يكن الله موجوداً، فهل تكون القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة؟ والإجابة هى: لا.
لماذا لا؟
لأنه إن لم يكن هناك الله، تكون القيم الأخلاقية مُجرد نتاج التطور البيولوجى الاجتماعى. وفى الحقيقة هذا ما يعتقده كثير من الملحدين. فطبقاً للفيلسوف مايكل روز: الأخلاقية هى توافق بيولوجى ليس أقل من أياد وأرجل وأسنان. والأخلاقية هى مجرد وسيلة للنجاة والتوالد. وأى معنى أعمق هو معنى وهمى[13]
وإن لم يكن هناك الله، تكون الأخلاقية مُجرد مسألة تذوق شخصى، قريبة من جمل مثل “القرنبيط مذاقه جيد” حسناً، فهو مذاقة جيد بالنسبة للبعض، ولكنه ردئ بالنسبة للأخر. ليس هناك أى حق موضوعة بخصوص ذلك، لكنه مسألة تذوق شخصية وللتعبير عن أن قتل الأطفال الأبرياء خطأ، يجب أن يكون مجرد تعبير عن الذوق قائلين: لا أحب قتل الأطفال الأبرياء.
مثل روز، والملحد برتراند رسل، لا أرى أى سبب يدعونى للتفكير أنه فى غياب الله، تكون الأخلاقيات التى وضعها الإنسان موضوعية. وعموماً، لو لم يكن الله موجوداً، فماذا سيكون الأمر المثير حول البشر؟ إنهم مجرد نتاجات ثانوية عرضية من الطبيعة تطورت مؤخراً على بقعة ضيقة من التراب المفقود فى مكان ما فى كون غبى، ومحكوم عليها بالفناء إلى الأبد فى فترة قصيرة نسبياً من الوقت.
من وجهة النظر الإلحادية، فإن بعض الأفعال، كالأغتصاب يمكنها ألا تكون مفيدة أجتماعياً، ومن ثم صارت ممنوعة فى مجرى التطور البشرى، ولكن هذا لا يبرهن أن الاغتصاب خطأ حقاً. ففى الحقيقة من المتصور أن الاغتصاب كان من الممكن ان يتطور كشئ ضرورى لبقاء الأنواع. وبهذا، بدون الله لا يوجد صواب وخطأ مُطلق يفرض نفسه على ضمائرنا.
ومع ذلك، فكلنا يعرف تماماً ان القيم الأخلاقية موجودة حقاً.فكل ما علينا لرؤية ذلك هو أن نسأل أنفسنا ببساطة: هل تعذيب طفل من أجل المتعة هو عمل محايد أخلاقياً حقاً؟ يقينى أنك ستقول ” لا؛ فهذا عمل غير محايد أخلاقياً، فمن الخطأ حقاً أن تفعل ذلك “. وسوف تقول ذلك فى إدراك كامل لنظرية تطور دارون وبقية ذلك.
هناك تفسير جيد لهذا، وهو خطاب لجمع تبرعات أرسله فى 1991 جون هيلى – المدير التنفيذى لمنظمة العفو الدولية – قال فيه: أكتب لكم اليوم لأننى اعتقد أنكم ستشاركونى إيمانى العميق ان هناك بالحقيقة بعض الحقائق الأخلاقية المطلقة. عندما يصل الامر الى التعذيب، إلى القتل الذى تعاقب عليه الحكومة إلى الاختفاءات، .. فهذه تعديات ضد كل منا.[14]
إن أفعالاً كالأغتصاب وسوء أستغلال الطفل ليست مجرد سلوكيات تحدث حتى لا تقبل اجتماعياً – لكنها رجاسات اخلاقية بصورة واضحة. فهى خاطئة موضوعياً. ومثل هذه الامور كالحب، والمساواة، والتضحية بالذات مميزة حقاً بمعنى موضوعى. ونحن جميعاً نعرف هذه الأمور بشكل عميق.
وحيث أن هذه القيم الأخلاقية الموضوعية لا يمكنها أن توجد بدون الله، وهى أصلاً موجودة دون جدال، يكون من المنطقى والبديهى أن الله موجود.

 

السبب الرابع: الله يجعل من القيامة منطقية God Makes Sense of the Resurrection

مع هذه النقطة، قال كريج إنه سيضبط جلسته قليلاً. قال: لقد كنا نقول إنه لو كانت لدينا أسباب مقنعة للإيمان بالله، يمكننا أن نؤمن بالمعجزات. كنت أقدم أسباباً تؤيد وجود الله. لكن المعجزات نفسها يمكنها أن تكون جزءاً من الراحة المتزايدة بالنسبة لله.
هذا حقيقي بالنسبة للقيامة، على سبيل المثال، فلو كان يسوع الناصرى قد عاد حقاً من الموت، تكون لدينا معجزة إلهية بين أيادينا، وبهذا يكون لدينا الدليل لوجود الله.

طلبت من كريج أن يلخص لماذا يؤمن بالبرهان التاريخى المؤدى لذلك الأستنتاج، وصممت قائلاً: ولكن لا تفترض أن العهد الجديد هو كلمة الله الموحى بها. فوافق أن تعتبر أجابته أن العهد الجديد مجرد مجموعة من وثائق القرن الأول اليونانية التى يمكن أخضاعها للتحليل كأية سجلات قديمة أخرى.
بدأ كريج: هناك على الأقل أربع حقائق على مصير يسوع مقبولة على نطاق واسع من قبل مؤرخي العهد الجديد من قطاع عريض.
الحقيقة الأولى هى أنه بعد صلب يسوع، دفنه يوسف الرامى فى مقبرة. هذا أمر مهم لأن معناه أن مكان القبر كان يعرفه اليهود والمسيحيون والرومان على حد سواء.
فسألته: ما دليل ذلك؟
دفن يسوع مُسجل فى البيانات القديمة جداً لدرجة أن بولس ذكره فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس[15]. وهذه المعلومات يمكن أن يرجع تاريخها إلى حوالى خمس سنوات بعد موت يسوع، لذلك لم تكن أسطورية. والأهم هو أن قصة الدفن جزء من مادة قديمة جداً أستخدمها مرقس فى كتابه انجيله، وقصته تفتقد علامات التطور الاسطوري. ليست هناك تتبعات لأية قصة دفن منافسة. والأهم هو أنه سيكون أمراً متعذر تفسيره لأى أنسان أن يُقرر قرار يوسف الرامى، حيث كان عضو فى السنهدريم الذى أدان يسوع.
الحقيقة الثانية هى أنه فى الاحد بعد الصليب، وُجد قبر يسوع فارغاً من قبل مجموعة من النساء التابعات. وهذا ما أكده تقرير بولس المُبكر الى الكورنثيين الذى يتضمن القبر الفارغ، وأكدته مادة مرقس الأصلية القديمة جداً. وهكذا يكون لدينا البرهان المستقبل المبكر.
ولدينا المزيد أيضاً. فعلى سبيل المثال، قصة القبر الفارغ تفتقر علامات الزخرفة الأسطورية، و أول أستجابة يهودية معروفة لإعلان قيامة يسوع تفترض مسبقاً أن قبره كان فارغاً. بالاضافة إلى ذلك، فإنه مُسجل أن النسوة قد أكتشفن القبر فارغاً. والآن، فإن شهادة النسوة قد أعتبرت غير موثوق بها تماماً لدرجة إنهن لم يكن يمكنهن الشهادة فى المحاكم اليهودية. والسبب الوحيد لتضمن التفاصيل المثيرة للغاية أن النسوة أكتشفن القبر الفارغ هو أن كُتاب الأناجيل كانوا يسجلون بأمانة ما حدث بالفعل.
الحقيقة الثالثة هى أنه فى مناسبات عدة وتحت ظروف متنوعة، اختبر افراد مختلفون ومجموعات من الناس ظهورات يسوع حياً من الموت. وهذا معترف به على نطاق كونى من قبل دارسى العهد الجديد لعدة أسباب.
فمثلاً قائمة شهود عيان قيامة يسوع التى اهداها بولس الى الكورنثيين تضمن أن مثل هذا الظهورات قد حدثت. ومع تقديم التاريخ المبكر للبيانات، وتعارف بولس الشخصى مع الأشخاص المشتركين، لا يمكن أعتبار ذلك أسطورياً.
وايضاً يقدم رواة الظهور فى الاناجيل براهيم متعددة مستقلة عن الظهورات. فحتى ناقد العهد الجديد المتشكك جيرد لودمان أستنتج قائلاً: “يمكن أن يكون من المؤكد تاريخياً أن بطرس والتلاميذ كانت لديهم أختبارات بعد موت يسوع ظهر لهم فيها يسوع كالمسيح القائم.” [16] الحقيقة الرابعة هى ان التلاميذ الأصليين آمنوا فجأة وبإخلاص أن يسوع قد قام من الاموات رغم ميلهم السابق لعكس ذلك. لقد أعاقت المعتقدات اليهودية قيام أى أنسان من الاموات قبل القيامة العامة فى نهاية العالم. ومع ذلك، فإن التلاميذ الأصليين قد أمنوا فجأة وبمنتهى القوة ان الله قد اقام يسوع حتى صاروا مستعدين أن يموتوا دفاعاً عن هذا الإيمان. قال دارس العهد الجديد لوقا جونسون: “لا بدَّ من الاختبار التحولى القوى لانتاج ذلك النوع من الحركة التى كانت عليها المسيحية المبكرة” [17]

فقلت: حسناً إذاً، فى رأيك ماهو أفضل شرح لهذه الحقائق الأربع؟

فأجابنى: بصراحة، لا يوجد بالقطع تفسير طبيعة مناسب. فجميع النظريات القديمة مثل ” التلاميذ سرقوا الجسد ” أو ” يسوع لم يكن ميتاً حقاً “، قد رفضتها الثقافة الحديثة رفضاً عالمياً.
شخصياً، أعتقد أن أفضل شرح هو نفس الذى قدمه شهود العيان: ان الله قد اقام يسوع من الاموات. فى الواقع، هذه الفرضية تجتاز بسهولة ستة اختبارات يستخدمها المؤرخون لتحديد ماهو أفضل تفسير لأمر معين من الحقائق التاريخية. [18]

السبب الخامس: الله يمكنه أن يُختبر على الفور God Can Immediately Be Experienced

قال كريج إن هذه النقطة الأخيرة لم تكن بمثابة حُجة دامغة لوجود الله، بل بالأحرى الدليل الذى يمكنك أن تعرف به أن الله موجوداً تماماً بعيداً عن الحجج كونك تملك اختباراً فورياً عنه.
ويطلق الفلاسفة على ذلك ” إيمان أساسى خالص “.

نظر كريج إلىّ مباشرة وقال: لى، دعنى أشرح هذا المفهوم بسؤال: هل تؤمن بوجود العالم الخارجى؟

أدهشنى هذا السؤال، وفكرت فيه للحظات، ولم أستطع أن أخرج بسياق منطقى من الحجج التى يمكن أن تؤسس إجابة لا جدال فيه. فأعلنت قائلاً: لست متأكداً كيف أتيقن من ذلك.

فأجابنى: هذا صحيح. فإيمانك بحقيقة العالم الخارجى أساسى بدقة، فلا يمكنك أن تبرهن أن العالم الخارجى موجود. ورغم ذلك يمكنك أن تكون عقلاً فى وعاء يُعالَج بالأقطاب الكهربائية من قبل عالم مجنون حتى إنك تعتقد أنك ترى عالماً خارجياً، لكنك ستكون مجنوناً إن أعتقدت بذلك. وهكذا فإن الأعتقاد الاساسى الدقيق بالعالم الخارجى هو اعتقاد عقلانى تماماً. وبكلمات اخرى نقول إنه متأصل بصورة ملائمة فى اختبارنا.
وبنفس الطريقة، فى سياق خبرة فورية عن الله، يكون من العقلانية ان نؤمن بالله بأسلوب أساسى دقيق. وقد أجتزت مثل هذا الاختبار. فالله غزا حياتى بينما كنت فى السادسة عشرة من عمرى، ولمدة أكثر من 30 عاماً سلكت معه يوماً فيوماً، عاماً فعام، كحقيقة حية فى اختبارى.
فى غياب الحُجج القوية المؤيدة للإلحاد، يبدو لى إنه من العقلانية تماماً أن أستمر فى الإيمان بحقيقة هذا الاختبار: فهذه هى الطريقة التى عرف بها الناس الله أيام الكتاب المقدس. وهذا ما كتبه جون هيك: بالنسبة لهم، لم يكن الله افتراضاً يُكمل القياس المنطقى، أو فكرة يتبناها العقل، بل الحقيقة المُختبرة التى أعطت المعنى لحياتهم[19]

فقاطعته قائلاً: ولكن ماذا لو قال مُلحد نفس الشئ – أن لديه أيماناً أساسياً بدقة، بغياب الله؟ فأنت ههنا فى ورطة!.

فأجاب كريج: يقول الفيلسوف ويليام ألستون أنه فى تلك الحالة، يجب على المسيحى أن يفعل كل ما هو معقول للعثور على الخلفية العامة – كالحقائق المنطقية او التجريبية – لتوضح رؤية من هى الصحيحة بأسلوب مباشر[20] وهذا ما حاولت أفعله فى هذه الحُجج الأربع الأخرى. فأنا أعرف أن الله موجود بطريقة أساسية ودقيقة، وقد حاولت أن أفصح أنه يوجد بالحقائق العامة للعلم والأخلاق والتاريخ والفلسفة. فبتجميعها معاً تُشكل برهاناً قوياً مؤيداً لله والمسيحية.

 

المرجع : القضية … الإيمان –لي ستروبل-ترجمة حنا يوسف-مكتبة دار الكلمة LOGOS(2007)-صـ94-106

 

[1]Penrose, S. H. (1996). The Nature of Space And Time. (princeton: N.J.:Princeton University Press.),20

 

[2]Kenny, A. (1969). The Five Ways :St. Thomas Aquinas’ Proofs of God’s Existence. (New York: Shocken Books .),66

 

 

[3]David Hume to John Stewart ,February,1754,in Letters of David Hume ,ed .J.Y.T.Greig (Oxford :Clarendon Press ,1932)Vol,1,187

[4]Kai Nielsen ,Reason and Practice (New York :Harper & Row,1971),48

[5]Arthur Eddington , The Expanding Universe (New York : Macmillan ,1933),124.

[6]Stephen W.Hawking ,A Brief History of Time (New York:Bantam Books,1988),123

[7]For a list of Examples, see :John Leslie ,Universes (London :Routledge,1989).

[8]P.C.W.Davies, Other Worlds (London : Dent,1980),160-61

[9]Ibid.,168-69

[10]For Example, see :P.C.W.Davies ,”The Anthropic Principle,” in Particle and Nuclear Physics 10 (1983),28,and Patrick Glynn ,God :The Evidence ,29-31

[11]John Polkinghorne, Serious Talk  :Science and Religion in Dialogue (London : Trinity Press International ,1995),6.

[12]Patrick Glynn ,God :The Evidence ,53-54,26

[13]Michael Ruse , “Evolutionary Theory and Christian Ethics”,in The Darwinian Paradigm (London :Routledge,1989),262,269.

[14]John Healy,fund-raising Letter ,1991

[15]1 كورنثوس 4:15 وما يوازيها.

[16]Gerd Ludemann, What Really Happened to Jesus? , Trans, John Bowden (Louisville, Ky.: Westminster John Knox Press, 1995), 8.

[17]Luke Timothy Johnson, the Real Jesus (San Francisco: Harper San Francisco, 1996), 136.

[18]For a list of these historical tests, see: C.Behan McCullagh, Justifying Historical Description (Cambridge: Cambridge University Press, 1984), 19.Too See how the Resurrection meets these criteria, see: William lane Craig, God, Are You There? , 46 -47

[19]John Hick, introduction, in the Existence of God, Ed. With and introduction by john Hick ,Problem of philosophy series (New York : Macmillan ,1964),13-14

[20]See : William Alston ,”Religious Diversity and Perceptual Knowledge of God ,”in Faith and Philosophy 5 (1988),433-48

 [gview file=”http://www.difa3iat.com/wp-content/uploads/2014/09/1القضية-الأيمان-لى-ستروبل-ص95-106.pdf”]