الردود على الشبهات

كيف تألم المسيح وهو الإله؟ القمص عبد المسيح بسيط

كيف تألم المسيح وهو الإله؟ القمص عبد المسيح بسيط

كيف تألم المسيح وهو الإله؟ القمص عبد المسيح بسيط
كيف تألم المسيح وهو الإله؟ القمص عبد المسيح بسيط

كيف تألم المسيح؟

هذا سؤال يطرح نفسه دائماً، كيف يتألم وهو الإله القدير، غير المتألم؟ كيف يتألم غير المتألم؟ كيف يتألم الإله الخالق الألم الخاص بالمخلوق!

قال بولس وبرنابا عندما ظنهما الجموع في لستره أنهما من الآلهة: (نحن أيضاً بشر تحت آلام مثلكم) ” أعمال الرسل 14: 15 “

وقال يعقوب الرسول عن إيليا مؤكداً هذه الحقيقة: (كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا) ” يعقوب 5: 7 “

ومع ذلك ينسب الكتاب المقدس لله الكلمة، رب المجد الألم وسفك الدم والموت:

  • (احترزوا.. لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه) ” أعمال الرسل 20: 28 “
  • (لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد) ” كورنثوس الأولى 2: 8 “
  • (إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا) “تى 2: 13”.

فكيف يُصلب الإله ويتألم ويُذل؟ كيف يبذل نفسه وهو غير المحدود وتسأل هذا السؤال وتجيب عنه رسالة برنابا [1] المكتوبة في القرن الأول والتي يقول كاتبها: يا إخوتي إن كان السيد قد أحتمل أن يتألم من أجل نفوسنا وهو رب المسكونة… فكيف قبل أن يتألم على أيدي الناس؟ إن الأنبياء بالنعمة التي تسلموها من عنده تنبأوا عنه. ولكي يبطل الموت ويبرهن عن القيامة من الأموات ظهر بالجسد واحتمل الآلام.

لو لم يأت بالجسد لما أستطاع البشر أن ينظروا خلاصهم. إذ كانوا لا يستطيعون أن ينظروا إلى الشمس التي هي من أعمال يديه فهل يمكنهم أن يحدقوا إليه لو جاءهم بغير الجسد! إذ كان ابن الله قد أتى بالجسد فلأنه أراد أن يضع حداً لخطيئة أولئك الذين اضطهدوا أنبياءه.. يقول الله أن الجرح في جسده هو منهم [2]

إن السيد المسيح أتخذ جسداً، جاء في الجسد، ظهر في الجسد (أفتقر وهو غنى لكي تستغنوا أنتم بفقره) ” كورنثوس الثانية 8: 9″، أخلى نفسه من مجده وأحتجب في الناسوت وأحتمل الآلام في الجسد.

(ولكن الذي وضع قليلاً عن الملائكة يسوع نراه مكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد…. فإنه قد تشارك الأولاد في اللحم والدم أشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس .. من ثم كان ينبع أن يشبه أخوته في كل شيء لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً فيما لله حتى يكفر خطايا الشعب. لأنه فيما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين) ” عبرانيين 2: 9- 18 “

لقد (جاء في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد) ” رومية 8: 3 “. صورة الله اتخذ صورة العبد (الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسه ن يكون مساوياً لله لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب) ” في 2: 6- 9 “. 

اتخذ جسداً (هيأت لي جسداً) “عب 10: 5″ وفي هذا الجسد احتمل الآلام النفسية: (نفسي حزينة حتى الموت) ” متى 26: 38 “.. (اضطرب يسوع بالروح) ” يوحنا 13: 21″.

كلما احتمل الآلام الجسمية. احتمل الآلام الكفارية كاملة في جسده، فقد كان جسده كاملاً (روح ونفس ولحم وعظام) كان كاملاً في ناسوته كما كان كاملاً في لاهوته (حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة) ” بطرس الأولى 2: 24 “.

والكتاب ملئ بالنصوص والآيات التي تؤكد أن السيد المسيح أحتمل الآلام بالناسوت: 

  • (تألم المسيح لأجلنا بالجسد) ” بطرس الأولى 4: 1 “
  • (أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف.. وانا أضع “أبذل” نفسي عن الخراف) ” يوحنا 10: 11و 15 “
  • (الخبر الذي أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم) ” يوحنا 6: 51 “
  • (لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً.. مبطلاً بجسده ناموس الوصايا) ” رومية 8: 3 “
  • (قد صالحكم الآن في جسد بشريته بالموت) ” كولوسي 1: 22 “

وهكذا يؤكد الكتاب أن اللاهوت لم يتألم ولم يمت، ولكن قال إن المسيح، الإله المتجسد تألم بالجسد. تألم بالناسوت دون أن يتألم اللاهوت، الله ظهر في الجسد تألم في الجسد الذي أتخ ذه، ولم يتألم بلاهوته مع أن الجسد هو جسده الذي هيأه وأتخذه لنفسه.

 

تألم دون أن يتألم:

وقد أستخدم آباء الكنيسة تعبيرات (تألم دون أن يتألم)، (كأن متألماً وغير متألم)، (تألم كإنسان ولم يتألم كإله)، (كان قابلاً للألم بناسوته ولكنه غير قابل للألم بلاهوته). وذلك للتعبير عن حقيقة تألمه بالجسد وليس اللاهوت مع أنه مسيح واحد ورب واحد وأقنوم واحد وطبيعة واحدة من طبيعتين بغير اختلاط أو امتزاج أو تغيير: (ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء) ” كورنثوس الأولى 8: 6 “، (لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد) ” كورنثوس الأولى 2: 8 “، (لأن معلمكم واحد المسيح) ” متى 23: 8و10 “.

قال القديس كيرلس عمود الدين: نعترف بأن الكلمة صار إنساناً وبالحقيقة مثلنا وأنه هو نفسه غله من إله وإذ أخذ شكلنا صار إنساناً مثلنا مولوداً من أمرأه، وأنه بسبب اتحاده بالجسد تألم بكل الإهانات لكنه أحتفظ بما له من عدم الألم لأنه ليس إنساناً فقط بل هو نفسه الله، وكما أن الجسد هو جسده هكذا آلام الجسد ورغباته غير الدنسة وكل الإهانات التي وجهها البعض، كل هذا أحتمله هو لأنه كان موجهاً إلى جسده الخاص به. لقد تألم دون أن يتألم (تجسد الأبن الوحيد ص37)

وقال أيضاً: وهكذا نعتقد أنه في جسده الخاص قد تألم لأن الآلام تخص الناسوت، بينما اللاهوت هو فوق الآلام (المرجع السابق:37). وأضاف قائلاً: إن الآلام تخص الناسوت ولكنه غير قابل للآلام كإله. وإن كان قد تجسد وصار مثلنا إلا أننا نعترف بألوهيته ومجده الفائق وعطاياه الإلهية (المرجع السابق: 37).

وعلى الرغم من أنه يقول من خلال الأنبياء: (بذلت ظهري للضاربين.. أحصى كل عظامي) “أش50: 6” (وضعوا في طعامي علقماً وفي عطشى سقوني خلاً) “مز 22: 16و17” فإننا نخصص كل هذا للابن الوحيد الذي تألم تدبيرياً في الجسد حسبما تعلم الكتب المقدسة. ولكننا نعترض أنه غير قابل للآلام بالطبيعة، لذلك كما قلنا سابقا أنه إله متأنس، والآلام تخص الناسوت أي تخصه هو من حيث الناسوت، ولكن من حيث هو إله هو غير قابل للآلام (تجسد الابن الوحيد: 37).

 

قال القديس أثناسيوس الرسولي:

ومن الغريب أن الكلمة نفسه كان متألماً وغير متألم، فمن ناحية، كان (الكلمة) يتألم لأن جسده هو الذي يتألم، أن الكلمة – إذ هو بالطبيعة – لا يقبل التألم. وكان الكلمة غير الجسدي موجوداً في الجسد الذي يتألم، وكان الجسد يحوي فيه الكلمة غير المتألم الذي كان يبيد العلل التي قبلها في جسده (الرسالة إلى ابيكتيكوس: 6). “فإنه هو نفسه يجب أن نعترف به متألما وغير متألم.. تألم كإنسان وظل غير متألم ولا متغير كإله ” (ظهور المسيح المحي – مؤسسة القديس أنطونيوس ص16).

ثم يشرح عملية التجسد واحتمال الألم بالجسد قائلاً: فإن التقليد الرسولي يعلم في قول المغبوط بطرس (إذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد) ” بطرس الأولى 4: 1 ” بينما يكتب بولس (متوقعين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح. الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة) ” تى 2: 13،14 ” فكيف إذاً قد بذل نفسه لأجلنا، إن لم يكن لابساً جسداً؟ لأنه بتقديمه هذا الجسد قد بذل نفسه لأجلنا، لكي بقبوله الموت في هذا الجسد، يبيد ذلك الذي له سلطان الموت أي إبليس (الرسالة إلى ادلفوس: 6).

 

قال ساويرس بن المقفع (القرن العاشر الميلادي):

المسيح من جهة إنسانيته وتأنيسه، قابل للألم والعرض والتأثير والموت، ومن جهة أزليته ولاهوته غير ملموس ولا محسوس ولا متألم ولا ماءت. كالجسد المتحد به الكون أو كالنفس المتحدة بالجسم أو كالنار المتحدة بالحط. فإن الجسد يوصف بالموت والفساد والاستحالة وقبول التأثير والتجزؤ والانفصال والحلول في الأماكن… وكذلك النفس لا توصف بأنها قتلت ولا ماتت ولا جاعت ولا عطشت وإن كانت متحدة بالجسم الفاسد، المائت الجائع العطشان. (أنظر الخريدة النفيسة جـ1: 104)

قال القديس أغريغوريوس النزينزي: غير متألم بلاهوته، متألم في ذاك الذي أتخذه “أي جسده”. (On The Son: 22)

 

أمثلة لكيفية آلام الناسوت دون اللاهوت:

شبه أباء الكنيسة – في القرون الأولى – آلام الناسوت دون اللاهوت بالحديد الذي إذا وضع في النار يمتلئ بقوة النار التي تتخلل ذراته ومع ذلك عندما يطرق الحديد المحمي يؤثر الطرق على الحديد ولا تتأثر بالنار بهذا الطرق.

وكذلك شبه الآباء أيضاً وحدة اللاهوت بالناسوت أو تأثر الناسوت فعلياً بالألم دون اللاهوت باتحاد النفس والجسد وذلك استنادا لقول المسيح نفسه (لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها) ” متى 10: 28 ” فإذا كانت النفس التي تكون مع الجسد كائناً واحداً لا يمكن أن تجرح أو تقتل أو تموت إذا حدث ذلك للجسد، فكم بالأحرى يكون اللاهوت المتحد بالناسوت غير قابل للألم معه.

قال القديس كيرلس عمود الدين: كيف يصبح الواحد نفسه غير متألم ومتألم في نفس الوقت؟ عندما يتألم في جسده لم يؤثر الألم في ألوهيته. هذا التدبير فائق ولا يستطيع عقل أن يسبر عمقه ومجده… نؤمن أنه تألم في جسده دون أن يتألم في لاهوته. وكل محالة لتشبيه الاتحاد بين اللاهوت والناسوت مهما كانت قاصرة وعاجزة عن أن تعلن الحق أو تشرحه فإنها مع ذلك تظل هذه التشبيهات قاصرة على أن تبعث في العقل قدرة على تصور الحقيقة وإدراك دقتها التي تفوق التعبير بالكلمات.

فقطعة الحديد أو أي معدن أخر إذا اتصلت بنار مشتعلة تتحد بالنار وإذا طرقت يترك الطريق أثاراً على المعدن، أما طبيعة النار فهي تظل بعيدة عن التأثر. وهكذا نعتقد بأن الابن تألم بالجسد دون أن يتألم لاهوته. (المسيح واحد 104) وقال ساويرس بن المقفع: إن الجسم يوصف بالموت.. والاستحالة وقبول التأثر أو التجزؤ والانفصال.. والنفس لا توصف بأن قُتلت ولا ماتت ولا جاعت ولا عطشت وإن كانت متحدة بالجسم الفاسد المائت. (مصباح العقل 2: 28و29)

كيف تألم المسيح وهو الإله؟ القمص عبد المسيح بسيط

تقييم المستخدمون: 4.7 ( 1 أصوات)