عام

المعمودية βάπτισμα – من موسوعة المصطلحات الكنسية

(أ) كلمة معمودية (βάπτισμα ) لم ترد كثيراً في رسائل القديس بولس الرسول، فقد وردت حوالي ثلاثة مرات، ولكنه يستعمل أكثر منها كلمة ( βαπτίζειν) وهي صيغة التكثير من كلمة يغطس في الماء (βάπτειν ) وتُفيد : ” غُطس عدة مرات “، وهذا المعنى بالطبع هو هو نفس المعنى سواء في معمودية يوحنا أو في معمودية المسيح رب المجد، أو في الطقس الكنسي وهي ثلاثة مرات.

وكلمة يغطس (βάπτειν ) وردت كثيراً في العهد القديم، بعكس كلمة ” يُعمد ” بمعنى ” غطَّس كثيراً ” التي لم تَرِد في كل العهد القديم سواء مرتين فقط:

  • + ” فنزل وغّطَسَ سبع مرات (βαπτίζειν) في الأردن ” (2ملوك 5: 14)
  • + ” تاه قلبي وفي الخطية غَطِسْتُ مرات (βαπτίζειν)، وغَشِيَتْ الرعبه نفسي ” (إشعياء 21: 4 حسب الترجمة السبعينية )

* ” المعمودية ” وردت في رسائل القديس بولس الرسول – كما سبق وقلنا – ثلاثة مرات : اثنان منها وردت بمعنى الدفن السري، والثالثة بمعنى وحدة الكنيسة :

  • (1) [ فدفنا معه بالمعمودية للموت … ] (رومية 6: 4 )
  • (2) [ مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقِمْتُم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات ] (كولوسي 2: 12)
  • (3) [ رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة ] (أفسس 4: 5 )

أما كلمة ” يعمَّد ” ( βαπτίζειν ) فقد وردت في رسائل القديس بولس 13 مرة، وهي يا أما تأتي :

  • بصيغة يعمَّد في المسيح
  • أو يُعمَّد في موت المسيح
  • أو يُعمَّد في جسد واحد
  • أو يعمد في اسم
  • وبحسب القديس بولس الرسول وشرحه المتقن، يكون التعميد إما في المسيح أو في موته أو في جسده أو اسم المسيح

(ب) الأصل أو الأساس في المعمودية هو صليب ربنا يسوع المسيح. فموت المسيح على الصليب هو في تعبير المسيح السري [ صبغة المسيح βάπτισμα ] أي معموديته، كما جاءت في إنجيل القديس مرقس الرسول وإنجيل القديس لوقا الرسول:
[ فقال لهما يسوع لستما تعلمان ما تطلبان، أتستطيعا أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة (βάπτισμα) التي اصطبغ (βαπτίζομαι) بها أنا ] ( مرقس 10: 38 )
[ لي صبغة (βάπτισμα) اصطبغها وكيف أنحصر حتى تُكمَل ] (لوقا 12: 50)

(جـ) قد عبرت الكنيسة عن هذا السرّ بعدة مصطلحات هامة للغاية :

1- حميم مقدس : وهو يرمز إلى التطهير الداخلي بالروح القدس.
ويقول القديس غريغوريوس الثيئولوغس (النزينزي): [ نعمة المعمودية تنقي الإنسان من خطيئته، وتغسله بالكامل من الأوساخ والأقذار اللاحقة به من الرذيلة… وهي من حيث أنها نجدة للولادة الأولى تجعلنا جدداً من عتق، وإلهيين بدلاً مما نحن عليه ] (كتاب الروح القدس للقمص تادرس يعقوب صفحة 56 )

2- الاستنارة : وهو يرمز إلى انفتاح الوعي الروحي على الحق الإلهي في المسيح النور الحقيقي، بعد العمى الروحي في ظلمة العالم .
ويقول القديس يوستين الشهيد : [ يُسمى هذا الاغتسال – أي المعمودية – استنارة، لأن الذين يتعلمون هذه الأمور تستنير أفهامهم ]
ويقول القديس أكليمنضس السكندري : [ إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نُتبنى (الله يتبنانا)، وإذ نُتبنى نَكمُل … يُدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة أعني نعمة واستنارة وكمالاً وحميماً … فهو استنارة إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخُص إلى الله بوضوح ] ( أنظر الروح القدس للقمص تادرس يعقوب صفحة 82و83 )

3- الدفن السري : وهو يرمز إلى الموت للإنسان العتيق والإتحاد بموت الرب .

4- القيامة السرية : وهي ترمز إلى تجديد الخليقة والحياة الجديدة في المسيح:
[ أم تجهلون أننا كل مَنْ إعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته،
فدفنا معهُ بالمعمودية للموت،
حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة،
لأنه إن كنا صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته،
عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه،
ليُبطلّ جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية،
لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية ] ( رومية 6: 3-7 )

باختصار :
المعمودية غسل للخطايا، ختان روحي، ولادة جديدة من الله، خلع العتيق بكل أعماله ولبس المسيح، هي سرّ العضوية في الكنيسة كرعية مع القديسين وأهل بيت الله وأبنائه، وهي سرّ الاستنارة الروحية، والدخول في الشركة مع الله.

 

+++ طقس المعمودية ومعناه في الكنيسة القبطية +++

المعمودية – كما تحدثنا – هي استنارتنا وميلادنا الجديد الفوقاني، والمعمودية سر خلاصنا، وأينما وُجد إنجيل البشارة وُجدت المعمودية : [ ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في برّ عملناها نحن، بلبمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس ] ( تيطس 3: 4و5 )

  • المعمودية في حقيقة جوهرها هي ختم الإيمان وعلامة الصليب كقوة فداء، وبها نتذوق قوة القيامة مع المسيح، كخليقة جديدة مولودة في المسيح لله …

عمموماً، نظراً لأهمية الموضوع القصوى، لأننا فيه نتكلم عن حياتنا وهويتنا الحقيقية، فسوف نعيش معاً – قريباً وبعدج الانتهاء من بعض الموضوعات – في هذه السلسلة الرائعة التي فيها سوف نشرح الطقس الكنسي بدقة، وبعد ذلك سندخل في معنى المعمودية في الكتاب المقدس بعهديه، بأكثر تفصيل وعند آباء الكنيسة، وقد تستمر هذه السلسلة معنا سنة أو سنتين في الكتابة والشرح نظراً لأنها سر الأسرار ومدخلها جميعاً، وسوف نتحدث أولاً عن الطقس القبطي لتقديس مياة المعمودية :
فقداس المعمودية في الكنيسة القبطية يتلخص في الآتي :

1 – سكب الزيت العادي على مياة المعمودية
2 – صلاة سرية يقولها الكاهن
3 – صلاة الشكر ورفع البخور
4 – القراءات والأنجيل
5 – السبع أواشي الكبار
6 – طلبة : يا إله الأنبياء ورب الرسل
7 – صلاة وضع اليد
8 – صلاة سرية للكاهن وهو منطرح على جرن المعمودية
9 – الثلاثة أواشي الكبار
10 – قانون الإيمان
11 – وضع الغلاريون على مياة المعمودية
12 – النفخ في المياة ثلاثة مرات مثال الصليب ورشمة بالصليب
13 – قداس المعمودية
14 – سكب الميرون على مياة المعمودية
15 – تحريك المياة
16 – صرف مياة المعمودية

وسوف نشرح كل بند باستفاضة وعلى حده في موضوع مستقل؛ طالباً من الله أن يعطيني القوة لكي أبحث بتدقيق وأكتب بكل أمانة الإيمان الأرثوذكسي المستقيم الذي تسلمناه جيلاً بعد جيل، حتى نتعرف على هويتنا ونعيش سرّ معموديتنا في وعي تام وإدراك حقيقي أننا أولاد الله ، لنا أن نتذوق خبرة :

  • [ مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ، فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم (من التسليم) نفسه لأجلي ] (غلاطية 2: 20)
النعمة معكم جميعاً آمين