الردود على الشبهاتعام

حتمية الألم والصليب (تدبير الفداء) – القمص عبد المسيح بسيط

يقول الرسول بولس بالوحى “ولكن لما جاء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من أمرأة مولوداً تحت الناموس. ليفتدى الذين تحت الناموس” (غلاطية4: 4). وقال أيضاً: “إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذى بذل نفسه لأجلنا لكى يفدينا من كل إثم” (تيطس2: 13). وقال السيد المسيح نفسه: “هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات فى اليوم الثالث. و أن يكُرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم” (لوقا24: 46-47).
وهكذا أعلن بقية الرسل أن المسيح قد جاء ليخلص العالم ويفديه من الخطية وعقوبتها بتقيدم ذاته لكى يتألم ويصلب نيابة عن الخطاه، ثم يقوم فى اليوم الثالث ليقدم عربون الحياة الابدية للخليقة الجديدة المتطهرة بدمه (رو8: 1 | رؤ7: 14).
وهكذا عانى المسيح وذاق الألم وتجرع كأس الموت وقام من الاموات فى اليوم الثالث. ولم يمكن ما عاناه السيد المسيح من ألم وموت مجرد نهاية حياة أو استشهاد او وسيلة موت لإنسان كان يمكن ان يموت بغيرها او مجرد واحد من الانبياء قتله اليهود كما قتلوا العديدين غير من قبل، حاشا وكلا! ولا يمكن أيضاً أن يكون موت الإله المتجسد سواء بهذه الوسيلة (الصلب) أو بغيرها شئ مستحيل ولا يليق بالإله المتجسد فتحاول أن ننزهه عنه او ان نتخيل نجاته منه بطريقة أو بأخرى وذلك لأن السيد المسيح الذى حاول اليهود عدة مرات القضاء عليه ورجمه وخرج من بين أيديهم دون أن يمسوه لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد (لو4: 29-30 | يو8: 59) قال: “لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة” (يوحنا 12: 27). ساعة تقديم ذاته على الصليب وهو أيضاً القائل ( كان ينبغى أن المسيح يتألم ).
لقد كان هدف التجسد الأول هو الفداء بالألم والصليب. وهذا التجسد الذى تم فى ملء الزمان وبه تم الفداء بالألم والصليب كان مقرراً فى خطة الله من قبل تأسيس العالم، إذ رأت المشورة الإلهية إن الإنسان الذى سيُخلق سوف يخطئ ولا خلاص له من عقوبة الخطية إلا بالتجسد الإلهى وإحتمال الألم والموت نيابة عنه لأنه “معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله” (أع 15: 18) وهكذا عندما رآه يوحنا المعمدان فى بداية خدمته صرخ قائلاً: “هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم” (يوحنا 1: 29).
والقديس بطرس يقول لرؤساء اليهود: هذا (يسوع المسيح) اخذتموه مُسلّماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدى آثمة صلبتموه وقتلتموه. (أع 2: 23). إنه يقول لهم على الرغم من أنكم قد صلبتم المسيح وقتلتموه بأيديكم الأثيمة إلا أنكم لم تفعلوا سوى ما قررته المشورة الإلهية التى حتمت هذا بحسب علم الله السابق. وهذا ما قاله السيد المسيح نفسه ليهوذا: إن إبن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذى به يسلم ابن الإنسان. (متى 26: 24) وقال القديس بطرس الرسول: دم المسيح. معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم. (1بط1: 19-20).

1- التدبير الأزلى:
وقد أستخدم آباء الكنيسة منذ البدء تعبير (التدبير) للإشارة إلى خطة الفداء الأزلية بدم المسيح، وللإشارة إلى (تدبير الفداء) الأولى. و قد ورد تعبير التدبير مرتين فى الرسالة إلى أفسس: “تدبير ملء الأزمنة” (أف1: 10) “تدبير السر المكتوم” (أف3: 9).
وذلك للتعبير عن تدبير الله الأزلى للدفاء والخلاص الذى تم بآلام الميسح وسفك دمه وموته على الصليب. كما استخدم هذا التعبير القديس أغناطيوس الأنطاكى تلميذ بطرس الرسول: لأن إلهنا يسوع المسيح قد حبلت به مريم بحسب تدبير الله … ولد واعتمد ليطهر الماء بألامه.[1] التدبير الذى بدأت بالكلام عنه والخاص بالإنسان الجديد يسوع المسيح، القائم على الايمان به ومحبته وآلامه وقيامته. [2] 
قال القديس كيرلس الأسكندرى تعليقاً على قول السيد المسيح لتلاميذه: أنه ينبغى أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفى اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً: حاشاك يارب. لا يكون لك هذا. (متى16: 21-22). تذكرو كيف لم يحتمل بطرس نبؤة المسيح عندما سبق وأخبره بموته على الصليب… ولم يفهم التلميذ طريقة الله السرى فى التدبير. [3] وقال أيضاً: ولكنه بعد أن أكمل تدبير فدائنا واحتمل الموت على الصليب وقام حياً وأعلن أن طبيعته أسمى من الموت. [4].
وهذا التدبير هو ما أعلنه الكتاب بصورة شاملة فى قوله: الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. (فى2: 6-8). وقوله أيضاً: فكم بالحرى يكون دم المسيح الذى بروح أذلى قدم نفسه لله بلا عيب….فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم ولكنه الآن قد أظهر مرة عند أنقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه. (عب9: 14و26).

2-حتمية الألم والخلاص:
إن ألم المسيح وموته حسب تعبير الكتاب (أمر محتوم) (أمر حتمى) (كان ينبغى) (كان يجب) كان محتوماً ومقرراً فى خطة الله الازلية للفداء (قبل تأسيس العالم) (معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم)
والسيد المسيح لم يخف هذه الحقيقة منذ بداية خدمته الجهارية عن تلاميذه، بل علم بها أمام اليهود مراراً، كما أعلنها الوحى الإلهى المقدس للسيدة العذراء مريم عند ختان المسيح فى طفولته فى قول سمعان الشيخ لها: وأنت أيضاً يجوز فى نفسك سيف. (لو2: 35).
ظل السيد المسيح يُعلن هذه الحقيقة التى لا مفر منها حوالى ثلاث سنوات وثلث مدة خدمته الجهارية على الأرض، كما عاد وأوضحها لهم تفصيلاً بعد القيامة.
وهذه أهم إعلانات السيد المسيح عن آلامه وموته على الصليب وقيامته:
(1) فى بداية خدمته وعند تطهيره للهيكل للمرة الأولى، طلب منه اليهود أن يعطيهم آية تبرهن على سلطانه وكانت آيته لهم: (انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه) وكان هو يقصد ليس الهيكل الذى يصلى فيه اليهود إنما هيكل جسده. ولكن اليهود لم يفهموا مغزى قوله وحتى تلاميذه لم يفهموا ذلك إلا بعد قيامته من الاموات “فلما قام يسوع من الاموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذى قاله يسوع” (يو2: 18-22).

(2) وعندما كان يعلم نيقوديموس عن حقيقة الولادة الجديدة وكيفيتها وسر الفداء، أعلن آلامه وبذله ذاته بالموت على الصليب لإتمام الفداء بصورة رمزية قائلاً: وكما رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع ابن الإنسان لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لأنه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. (يو3: 14-16 مع عدد 21: 8-9) ووجه الشبه بين الحية النحاسية وصلب المسيح (تعلقه على الصليب) هو أن الذين نظروا الى الحية النحاسية من الذين لدغتهم الحيات شفوا، والخطاة الذين ينظرون الى المسيح المصلوب ويؤمنون به تغفر لهم خطاياهم بجراحاته والامه ودمه ويشفوا من لدغة إبليس “الحية القديمة” (رؤ12: 9). لأنه هو سلامنا الذى جعل الاثنين واحد ونقض حائط السياج المتوسط اى العداوة مبطلاً بجسده ناموس الوصايا ويصالح الاثنين فى جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به. (اف2: 14-16).

(3) بعد أن شفى المجنون الأعمى والأخرس، قال له الكتبة والفريسيون: يا معلم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبى. لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان فى بطن الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال. (متى 12: 38). أراد منه اليهود آية أو معجزة، ليبرهن بها على سطانه الإلهى. فكانت آيته لهم هى آلامه وموته ودفنه فى القبر ثلاثة ايام ثم قيامته من الموت فى اليوم الثالث. ولم تكن هذه آية لعصرهم فقط بل كانت آية لكل جيل وعصر.

(4) بعد أن أشبع خمسة الاف رجل ومن كان معهم من نساء وأطفال بخمسة أرغفة وسمكتين، أرادوا أن يجعلوه ملكاً، فقال لهم: (أنا هو خبز الحياة) (أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء إن أكل أحد هذا الخبز يحيا إلى الابد. والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم) ثم أضاف (الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا فيه) والإشارة واضحة فى أقواله هذه إلى آلامه وسفك دمه وتقديم جسده على الصليب.

(5) بعد أن أعلن بطرس الرسول، بالروح القدس، عن حقيقة لاهوت المسيح فى قيصرية فيلبس: أنت هو المسيح ابن الله الحى.(متى16:16). كان يتملك التلاميذ أعتقاداً بأن المسيح يبقى الى الابد ولن يموت كما كان يعتقد اليهود(*). يقول الكتاب: ومن ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغى ان يذهب الى اورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفى اليوم الثالث يقوم. ولما أرتاع بطرس من هذا الكلام الخطير قال منتهراً: حاشاك يارب. فقال له السيد المسيح (اذهب عنى يا شيطان، انت معثرة لى لانك لا تهتم بما لله بل بما للناس. (متى16: 21-23)

(6) بعد أن تجلى السيد على الجبل وكشف عن حقيقة لاهوته بصورة ملموسة، بصورة عملية مرئية، ظهر معه موسى وايليا يتكلمان معه وكان الحديث بينه وبينهما عن خروجه المقرر منذ الازل والعتيد ان يكمله بالالم على الصليب فى اورشليم. وفيما هو نازل أوصلى تلاميذه الثلاثة الذين شاهدوا التجلى -يوحنا ويعقوب ابنى زبدى وبطرس- قائلاً: لا تعلموا أحداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الانسان من الاموات. (متى17: 19) .. ابن الانسان أيضاً سوف يتألم (متى17: 12).

(7) وأثناء تردده فى الجليل “كان يعلم تلاميذه ويقول لهم: ابن الانسان يسلم الى ايدى الناس فيقتلونه. وبعد ان يُقتل يقوم فى اليوم الثالث” (مرقس9: 30-32) .. وهذا يعنى ان تعليمه هذا كان متكرراً أثناء تردده فى الجيل.

(8) ولما “تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك. فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها انا اُخرج شياطين واشفى اليوم وغداً وفى اليوم الثالث أكمل. بل ينبغى أن اسير اليوم وغداً ومايليه لانه لا يمكن ان يهلك نبى خارجاً عن اورشليم” (لوقا13: 31-32) .. مُشيراً الى موته فى اورشليم.

(9) وبعد ان فتح عينى المولود اعمى وخلق له العينين من طين قال: أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخرافوانا اضع نفسى عن الخراف (يوحنا 10: 11-15) .. مشيراً بذلك الى تقديم ذاته على الصليب. ثم اشار الى حقيقة ان الموت على الصليب قد قبله هو بذاته ولم يُفرض عليه، غنما هو قبله بارادته حسب التدبير الازلى للفداء، فقال: لأنى اضع نفسى لآخذها أيضاً. ليس احد يأخذها منى بل اضعها انا من ذاتى. لى سلطان ان اضعها وسلطان أن آخذها (يوحنا10: 18).

(10) وعندما اختلف تلاميذه على الجلوس عن يمينه او يساره قال لهم: ابن الانسان لم يأت ليُخدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فديه عن كثيرين (متى20: 27-28).

(11) وفى الطريق الى اورشليم للمرة الاخيرة: أخذ الإثنى عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له. ها نحن صاعدون الى اورشليم وابن الانسان يسلم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت وسيسلمونه الى الامم فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفى اليوم الثاث يقوم (مرقس 10: 33-34) .. وهذا اعلان تفصيلى بكل ما سيحدث له.

(12) وفيما كان يسوع فى بيت عنيا فى بيت سمعان الابرص تقدمت اليه امراه معها قارورة طيب كثيرة الثمن فسكبت على رأسه وهو متكئ. فإنزعج البعض لذلك قال لهم يسوع مشيراً الى موته: إنها إذا سكبت الطيب على جسدى إنما فعلت ذلك لأجل تكفينى (متى26: 6-12).

(13) بعد دخوله الانتصارى لأورشليم روى لليهود مثل الكرامين ليكشف لهم من خلال المثل كيف أنهم طردوا وقتلوا الانبياء الذين أتوا قبله وكيف أنهم سيقتلوه هو أيضاً برغم معرفتهم بأنه (ابن صاحب الكرم) ولما سمعوا المثل عرفوا انه قاله عليهم (لوقا20: 16-19).

(14) طلب أناس يونانيين من فيلبس ان يروه (يسوع) فقال لتلاميذه: اتت الساعة ليتمجد ابن الانسان. الحق الحق اقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة فى الارض وتمت فهى تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير…وأنا إن ارتفعت عن الارض اجذب إلىّ الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت (يوحنا12: 20-23) .. والأية الاخيرة هى تعليق للقديس يوحنا الانجيلى شارحاً لقول السيد مشيراً عن موته.

(15) قبل الفصح بيومين قال لتلاميذه: تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح وابن الانسان يُسلم ليصلب. (متى26: 33)

(16) أثناء تناول الفصح كان كل كلامه يشير الى حتمية الفداء بتقديم نفسه على الصليب فقال لهم: الحق الحق اقول لكم إن واحداً منكم سيسلمنى (يوحنا 13: 21) ثم اضاف مؤكداً حتمية آلامه وموته قائلاً: ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذى به يُسلّم ابن الانسان (متى 26: 21و24) .. ثم بدأ يصنع العشاء الربانى: وفيما هم يأكلون اخذ يسوع الخبز وبارك وكسر واعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا. هذا هو جسدى. واخذ الكأس وشكر واعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم. لان هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا. (متى 26: 26-28).

(17) وبعد العشاء الربانى وفى الطريق الى بستان جثسيمانى إذ خرج وهو عالم بكل ما سيأتى عليه وان ساعته قد جاءت، قال لتلاميذه مؤكدا من جديد حتمية آلامه وموته على الصليب مثل الاشرار، بل ويضيف هذه المره انه سيصلب مع الاشرار مشيراً الى ما جاء عنه فى سفر نبؤة اشعياء النبى: أقول لكم أنه ينبغى ان يتم فىّ ايضاً هذا المكتوب واحصى مع اثمه. لان ما هو من جهتى له انقضاء (لوقا 22: 37 مع اشعياء 35: 1).

(18) وعندما جاء جنود الهيكل وخدام اليهود الى البستان للقبض عليه كان بإمكانه ان يخرج من بين ايديهم دون ان يمسوه كما فعل من قبل عدة مرات، ولكن لان ساعته قد جاءت لذلك اسلم نفسه لهم بارادته مع انه لما كشف لهم عن ذاته وقال لهم (أنا هو … رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض) ثم أسلم نفسه لهم. ومنع بطرس أن يدافع عنه بالسيف وشفى أذن العبد التى قطعها بطرس بسيفه (يوحنا18: 11-40).

(19) وبعد القبض عليه ومحاكمته وصلبه وقيامته من الاموت فى اليوم الثالث قال الملاك لمريم الجدلية مريم الاخرى: أنى اعلم انكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لكنه قام كما قال (متى28: 6و7).. وقال لتلميذى عمواس: أيها الغبيان والبطيئا القلوب فى الايمان بجميع ما تكلم به الانبياء. أما كان ينبغى ان المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده! (لوقا24: 25-26).
وقال لتلاميذه جميعاً مذكراً إياهم ومفسرالأ لكل ما سبق ان قاله عن الامه وموته: وقال لهم هذا هو الكلام الذى كلمتكم به وانا بعد معكم انه لابد ان يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغى ان المسيح يتألم ويقوم من الاموات فى اليوم الثالث. وان يُكرز بإسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم (لوقا24: 44-47) وهكذا كانت إعلانات المسيح صريحة وواضحة عن الامه وموته على الصليب وقيامته. والملاحظ فى كثير من الامثلة التى ذكرناها ان الاعلانات عن الامه وموته كانت تأتى مباشرة بعد مواقف تجلى فيها مجده وكشف فيها عن لاهوته مثل اعلان بطرس انه (ابن الله الحى) وبعد تجليع على الجبل وبعد اشباع الجموع وخلق العينان للمولود اعمى، ففى الاوقات التى كان فيها واضحاً انه الاله القدير كان يؤكد على حتمية الامه وموته وقيامته وانه تجسد وقبل هذها الآلامات تدبيرياً، فقد كانت الاماً تدبيرية اختيارية محتومة منذ الازل فقد (افتقر وهو غنى لكى تستغنوا بفقره) (2كو 8: 9).

وفى هذا يتغنى القديس اغريغوريوس النيزينزى ( 325-389م) قائلاً: الذى كان قبل كل العوالم، غير المرئى وغير المدرك، غير المُجسم، بدء البدء، نور من نور، اصل الحياة والخلود، جاء الى صورته واخذ جسداً لاجل جسدنا ووحد نفسه بروح عاقلة مطهراً شبه بشبه، وصار انساناً مثلنا فى كل شئ خلا الخطية. الموجود بذاته جاء الى الوجود.الواهب الغنى اصبح فقير ناسوتياً لاتخذ انا غنى لاهوته. مالئ الكل اخلى نفسه من مجده الى حين كى اشترك انا فى مثله. [5].

3- ألم المسيح وصلبه فخر الرسل والشهداء:
وهكذا بعد ان كشف الكتاب عن حتمية الم المسيح وصلبه وموته لفدائنا وان المسيح احتمل الخزى والعار لا لشئ الا لفدائنا (احتمل الصليب مستهيناً بالخزى فجلس عن يمين عرش الله) (عبرانيين12: 2). وحول الصليب من علامة خزى وعار وجهالة الى علامة مجد وفخر: إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المُخلصين فهى قوة الله (1كو1: 18) أما أنا من جهتى فحاشا لى ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح (غلاطية6: 14).
يقول القديس بولس الرسول لاهل كورثنوس: لأنى لم اعزم ان اعرف شيئاً بينكم الا يسوع المسيح وإياه مصلوباً (1كو2:2).
وهكذا صارت آلام المسيح وصار موته وقيامته علامة فخر ومجد للمسيحيين ولان المسيح (رب المجد) “1كو2: 8” تمجد بناسوته، كإنسان بالالم والصليب مع كونه الإله القدير، فهو يقول لتلاميذه: أما كان ينبغى ان المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده! (لوقا 24: 26). والقديس بطرس يشير الى اعلان روح المسيح، الروح القدس، للانبياء الذى: سبق فشهد (للانبياء) بالالام التى للمسيح والامجاد التى بعدها (1بط1: 11).

ما أروع هذا النشيد الذى أوحى به الروح القدس وتغنى به القديس بولس والكنيسة الاولى: ( الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون مساوياً (معادلاً) لله لكنه اخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله واعطاه اسماً فوق كل اسم لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الارض ومن تحت الارض ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الاب ) (فيلبى2: 6-11)

——————————————————
[1] رسالته الى افسس 18 : 20

[2] إلى أفسس 20 : 1

[3] الام المسيح وقيامته فى الانجيل للقديس يوحنا ص71

[4] المرجع السابق ص100

[5] On The Son: 19