Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تابع دراسة في الذبائح (15) ذبيحة المحرقة – ὁλοκαύτωμα – עלׇה.

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12
[ الجزء 15 ]
[1] الوجه الأول من أوجه الصليب
ذبيحة المحرقة – ὁλοκαύτωμα – עלׇה
للرجوع للجزء الرابع عشر أضغط هنا.
ذبيحة المحرقة، وهي أول وأهم الذبائح، و في العبرية تأتي بمعنى עלׇה – عولاه = يعلو أو يصعد، إشارة بأنها تُرفع بتمامها على المذبح وتُحرق بكاملها ( ما عدا الجلد ) ولا يؤكل منها شيئاً، وسُميت أيضاً ” كليل ” بالعبرية وهي تعني الكل، أي أنها تقدم كلها للرب، وتأتي في اليونانية ὁλοκαύτωμα – holocaust –a whole burnt – offering = تقدمة [ قربان = ذبيحة ] صحيحة وسليمة غير مكسورة أو مقسومة لتقدم لتحرق بالتمام بجملتها على المذبح…
[ أنظر للأهمية القصوى لاويين 1: 1 – 17 ] وسنركز على بعض الآيات للتوضيح وإيضاح معنى هذه الذبيحة وشروطها بدقة وتركيز شديد وذلك بسبب أهميتها البالغة والشديدة، وقبل أن نكتب الآيات ونوضحها لنا أن نعلم أن ذبيحة المحرقة هي ذبيحة تُحرق على المذبح بكاملها ( ما عدا الجلد ) وتُعبَّر عن الهبة بوجه خاص، لأن من يقدمها ومن يقربها لا يأخذ منها شيئاً على الإطلاق.
  • [أ] المحرقة بتفاصيلها كما ذُكرت في سفر اللاويين الإصحاح 1

[1] إذا قرب إنساناً منكم قرباناً للرب [ يهوه ] … ( آية 2) 

فلنلاحظ قول الرب جيداً قبل تقديم هذه الذبيحة المهيبة جداً، هنا يظهر مسرة الرب في حرية التقديم بإرادة الإنسان واختياره الحُرّ، وهذا هو الشرط الأول في تقديم هذه الذبيحة الهامة للغاية، لأن الله قال بعد ذلك على فم أرميا النبي [ هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: ضُموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحماً. لأني لم أكلم آبائكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من ارض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل إنما أوصيتهم بهذا الأمر قائلاً: اسمعوا صوتي فأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً وسيروا في كل الطريق الذي أوصيتكم به ليُحْسَن إليكم ] (أرميا 7: 21 – 23)، وقال أيضاً على فم هوشع النبي: [ أني أُريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات ] ( هوشع 6: 6)، وهنا التركيز على الطاعة وهي الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها هذه الذبيحة الهامة.

[2] إن كان قربانه محرقة من البقر فذكراً صحيحاً يقربه إلى [ عند ] باب خيمة الاجتماع يقدمه للرضا عنه أمام الرب ( آية 3 ) 

أول شرط نجده في تقديم ذبيحة المحرقة أن تكون [ ذكراً صحيحاً ] وذلك باعتباره الأقوى والأكمل، وهذه إشارة بليغة الدقة بالرمز إلى المرموز إليه، لأنها إشارة واضحة جداً للمسيح الرب الذي قدم نفسه بلا عيب من أجل إتمام إرادة الآب. ويقول القديس غريغوريوس النزينزي [ إنه لذلك، ومن أجل هذا السبب أُعطي الناموس: لكي يقودنا إلى المسيح، وهذا هو القصد من الذبائح… فهوذا ” حمل ” نمسك به لأجل براءته… إنه: كامل ” ليس فقط بسبب ألوهيته، ولكن أيضاً بسبب الناسوت الذي اتخذه كحجاب للاهوته، مساوٍ لذاك الذي مسحه … مساوٍ لله (الآب). ” ذكر ” لأنه قُدم من أجل آدم ” بلا عيب ” من أجل أن يُشفي الفساد الذي سببته الخطية ] Oratio 45, nos 12, 13

يقربه إلى باب خيمة الاجتماع … أمام الرب

الشرط الثاني [ يقدمه إلى باب خيمة الاجتماع ] وذلك لكي يكون أمام عيني الرب، ويقول القديس كيرلس الكبير [ لأن موت الابن الذي بذل حياته من أجل حياة العالم ، قُدم أمام عيني الله أبيه. فإذا كان حقاً أنه ” عزيز في عيني الرب موت أتقيائه ” (مزمور 116: 15)، فكيف لا ينظر الآب إلى موت ابنه ؟
كانت ذبيحة الشريعة القديمة تُقدم أمام الباب: وهوذا ” عمانوئيل ” قد فتح لنا بموته باب قدس الأقداس. فبموت المسيح صار لنا قدوم إلى الهيكل المقدس الذي نصبه الرب لا إنسان (عبرانيين 8: 2) الذي هو أورشليم السمائية ] Sur Le Lev. PG 69, 545

يقدمه للرضا 

ويأتي الفعل [ الرضا ] في صيغة المجهول في سفر اللاويين والاسم المشتق منه يأتي دائماً بمعنى المفعول، ويدل على الترحيب الطيب الذي يستقبل به الله المُقرب الصادق بحرية إرادته وبكل رغبة منه بطاعة ومحبة كاملة، فيقبل قربانه ويوافق عليه متى طابق القواعد الطقسية .

[3] و يضع يده على رأس المحرقة فيرضى عليه للتكفير عنه ( آية 4)

+ وضع اليد على الذبيحة إشارة إلى أن الذبيحة صارت نائبة عن مُقدمها، وهو مُمثل فيها وكأن الشخص بوضعه يده على رأس الذبيحة صار هو والذبيحة واحد، وكل ما يجرى على الذبيحة كأنه يُجرى عليه، والذي لم يكن ممكناً أن يعمله للرضا عنه يناله من تقديمه للذبيحة التي تُحرق عوضاً عنه. 
وهكذا نستطيع أن نفهم من ذبيحة المحرقة كيف صرنا شركاء في ذبيحة الصليب حينما نؤمن به بالقلب ونعترف بالفم ونقبله فادياً ومُخلصاً لنا لنصرخ بهتاف عظيم من القلب مع القديس بولس الرسول قائلين [ مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ ] (غلاطية 2: 20)

وهكذا ننال رضا الله بشركتنا في صليب المسيح أساس معموديتنا، لأنه أرضى الله بذبيحة طاعته الكاملة للآب التي اشتمه رائحة سرور فصار كفارة لخطايانا لننال الغفران وتُستر عورتنا ونكتسي بثوب البرّ. وهذا هو أساس تمسكنا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي بواسطته [ لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع ] (رومية 1: 8) .

[4] الشرط الرابع لذبيحة المحرقة فهو ذبح العجل أو الضأن أو الماعز على جانب المذبح إلى الشمال أمام الرب (آية 11) ويُقرب بنو هارون الكهنة الدم ويرشون الدم مستديراً على المذبح الذي لدى باب خيمة الاجتماع ( آية 5 )

الذبح وسفك الدم وتقديم الذبائح الدموية كشريعة عموماً يدل على الموت المؤكد، وهو تعليم واضح أمام بني إسرائيل على أن أجرة الخطية موت، أو أن الخطية تؤدي لنتيجة حتمية حسب طبعها وهي الموت، والموت هنا يتمثل في ذبح حيوان بريء نيابة عن الخاطئ المستحق الموت بعدل، وكان الذبح يتم بواسطة مقدم الذبيحة لكي يشعر أن خطيئته هي التي تسببت في موت هذه الذبيحة البريئة والتي بلا ذنب، وقد صار الذبح بعد ذلك من اختصاص الكهنة فقط في هيكل سُليمان عندما صار مقدمو الذبائح أعداد كبيرة جداً تأتي دفعة واحدة لتقديم الذبائح …

عموماً من هذا المعنى نخرج بما أُعلن في العهد الجديد: إذ أن الله قد أحبنا وأرسل وحيده الحبيب الذي ونحن بعد خطاة مات من أجلنا [ ولكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا ] (رومية 5: 8)، [ الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي ] (غلاطية 2: 20). فخطيئتنا هي التي قادته وهو البريء الذي قال [ من منكم يبكتني على خطية ] إلى الموت من أجل خلاصنا، لذلك يدعونا الرسول [ اسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا، قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة ] (أفسس 5: 2) .

ويُشير ذبح الذبيحة على شمال الذبح ( آية 11 ) إلى صلب المسيح يسوع له المجد خارج أورشليم من ناحية شمالها، عموماً نجد بعد أن ينتهي مُقدم القربان من ذبح ذبيحته، تبدأ خدمة الكهنة برش دم الذبيحة مستديراً على المذبح الذي لدى باب خيمة الاجتماع، الذي يُسمى مذبح المحرقة، وهو بذلك يظهر أن دم المسيح القدوس قد سُفك لأجل العالم كله [ هكذا أحب الله العالم (كله ولم يُستثنى أحدٌ قط) حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك ( أبدياً ) كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ] (يوحنا 3: 16) ، [ بهذا أُظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به ] (1يوحنا 4: 9)

[5] يسلخ المحرقة ويقطعها إلى قطعها (آية 6)

وهذا الشرط أساسي في هذه الذبيحة والمقصود هو فحصها بدقة، وهذه إشارة واضحة إلى الفحص الذي جازه الرب يسوع المسيح في كل أعماله وأقواله وخدمته، بل وآلامه أيضاً التي تألم بها ، وبالطبع هو الله القدوس الحمل الحقيقي الذي بلا عيب [ فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب ] (عب 9 : 14) ، [ بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب و لا دنس دم المسيح ] (1بط 1 : 19) .

[6] يجعل بنو هارون الكاهن ناراً على المذبح ويرتبون حطباً على النار, ويرتب بنو هارون الكهنة القطع مع الرأس والشحم فوق الحطب الذي على النار التي على المذبح. وأما أحشاؤه وأكارعه فيغسلها بماء ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب (من آية 7 إلى 9)

ولنا أن نعلم أنه لا تقدم الذبيحة وتُحرق إلا بنار تُأخذ من على المذبح فقط، فيُأخذ منها لحرق التقدمات على المذبح [ كما رأينا في هذه الآية وممكن الرجوع إلى لاويين 3: 5، لاويين 6: 9 – 13 ]، ومن أجل حرق البخور في المجمرة [ و يأخذ ملء المجمرة جمر نار عن المذبح من أمام الرب و ملء راحتيه بخورا عطراً دقيقا و يدخل بهما إلى داخل الحجاب. و يجعل البخور على النار أمام الرب فتغشي سحابة البخور الغطاء الذي على الشهادة فلا يموت ] (لاويين 16: 12 – 13)، [ و أخذ ابنا هرون ناداب وأبيهو كل منهما مجمرته وجعلا فيهما نارا ووضعا عليها بخوراً وقربا أمام الرب نارا غريبة لم يأمرهما بها. ] (لاويين 10: 1)، [ ولكن مات ناداب وأبيهو أمام الرب عندما قربا نارا غريبة أمام الرب في برية سيناء ] (عدد 3: 4) …

عموماً النار على المذبح ناراً مقدسة لا تُستعمل في أي استخدام عادي، وكانت تعبر عن القبول الإلهي للذبيحة [ أنظر : تكوين 15: 17، لاويين 9: 23 – 24، قضاة 6: 21 ، 1 ملوك 18: 38، 1أخبار الأيام 21: 26، 2 أخبار الأيام 7: 1 ] …

+ ويرتبون حطباً على النار

ونجد أن كان واجب على الكهنة أن يفحصوا الحطب قبل إحضاره إلى المذبح، إذ ينبغي أن لا يكون مُصاباً بأي حشرات أو ديدان أو به أي عيب، وهكذا يرتبونه بعد فحص دقيق للغاية ويضعونه بعناية وترتيب فوق النار، فكل خدمة الرب يجب أن تؤدى بكل حرص وعناية وتوقير وترتيب، ثم يرتبون القطع مع الرأس والشحم فوق الحطب، لأنه ينبغي أن يكون [ كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب ] (1كورنثوس 14: 40)، ثم بعد ذلك يغسلون الأحشاء والأكارع بماء، وهذا أيضاً يتمشى مع الواجب أن تكون كل خدمة الرب بعناية وتوقير، فنرى أنه يتم الغسيل رغم من أنها ستُحرق كلها وتتصفى بالنار.

وطبعاً الإشارة واضحة جداً لشخص المسيح الطاهر والنقي داخلاً وخارجاً، وما قد أجراه الكاهن بالرمز عملياً قد أتصف به المسيح الرب بالفعل والحق على المستوى الذاتي والشخصي، فقد كان بالفعل حملاً كاملاً بلا عيب على الإطلاق وكماله يفوق كل وصف العهد القديم والرمز ذاته….

[7] وفي النهاية [ يوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب ] (آية 9)

وهذه هي نتيجة هذه الذبيحة الهامة للغاية والهدف منها أن تكون [ رائحة سرور للرب – للرضا أمام الرب ] (أنظر لاويين 1: 1 ، 9)، وسبب أن ذبيحة المحرقة صارت وقود رائحة سرور للرب، لأنها اختصَّت كلها لله دون سواه، بينما نجد أن بعض التقدمات والقرابين والذبائح كان للكاهن نصيب فيها، والبعض الآخر كان يتناول منها مُقدم القربان نفسه، أما المحرقة فتمثل تقدمة كاملة تعبر عن الطاعة والخضوع التام لمشيئة الله، لذلك تقدم بكاملها لله فقط بدون اشتراك أحد فيها ….

_______يتبع_______
 

وفي الجزء القادم سنتكلم عن
شريعة المحرقـــــــــة


Exit mobile version