يعني ايه المسيح ابن الله؟ – كن مستعد (فيديو)
يعني ايه المسيح ابن الله؟ – كن مستعد (فيديو)



يعلّق الإخوة الأحباء المسلمون على نص تثنية 33: 2:
“فَقَالَ: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة لهم.”
ويقولون إنها نبوءة عن رسول الإسلام، وعن فتح مكة، وفي الترجمة السبعينية جاءت عبارة “ربوات القدس” بمعنى عشرة آلاف قديس، وبالفعل عندما فتح الرسول مكة كان معه عشرة آلاف من أتباعه.
الرد:
أولا: قبل أن أرد بمعنى النص الحقيقي، أريد أن أوضح أمراً لإخوتنا الأحباء المسلمين، وهو أنني أشفق عليكم بسبب محاولاتكم اليائسة لاستخراج أي شيء من كتابنا المقدس، الذي أنتم أنفسكم تحاولون ليل نهار إثبات أنه محرّف، والآن تريدون استخراج أي نص تحاولون إلصاقه بنبيكم، الذي هو نفسه لم يوضح لكم أين تلك النبوءات أصلاً.
كان ينبغي أن يوضح لكم نبيكم، سواء في القرآن أو في الأحاديث، ما هي النبوءات المذكورة في الكتاب المقدس. فهل هي مثلاً نبوءات عن مكان ميلاده، أو عائلته، أو هجرته… إلخ؟ وكان من المفترض أن يقول مثلاً في القرآن أو الأحاديث: “قد جاء عني في سفر كذا النص كذا”، وعلى اليهود والمسيحيين الرجوع إلى تلك النصوص للتأكد: هل هي فعلاً نبوءات عن نبيكم أم لا؟
على سبيل المثال، نرى أن القديس متّى ذكر نبوءة من العهد القديم عن ميلاد المسيح من عذراء، وهي:
“هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره: الله معنا.” (متّى 1: 23)
فإذا رجعنا إلى العهد القديم وجدناها في إشعياء 7: 14.
وأيضاً، عند هروب المسيح إلى مصر، ذكر القديس متّى النص القائل:
“من مصر دعوت ابني.” (متّى 2: 15)
فإذا رجعنا إلى العهد القديم وجدناها في هوشع 11: 1، وهكذا.
فلماذا لم يذكر نبيكم النبوءات التي قيلت عنه في أي حديث من آلاف الأحاديث التي تركها لكم؟ أليس هذا أمراً مهماً يستحق أن يتكلم عنه أكثر من مواضيع أخرى أقل أهمية، ومع ذلك وردت عنها أحاديث؟ وبالمثل، لماذا لم يذكر محمد أي حديث مثلاً عن نبوءة فاران، بدلاً من أن يجعلكم كالباحثين عن إبرة في كومة قش؟! الجواب: لعدم وجود أي شيء عنه.
ثانياً: بعض الإخوة منكم يقولون إن النص الأصلي يقول: “جاء نور الرب”. والرد على ذلك أن النص العبري لا يوجد فيه كلمة “نور”، ولا حتى في السبعينية، فالذي جاء هو الرب نفسه، وليس نبياً.
وإن ادّعى أحدكم أن العهد القديم أحياناً كان يلقب الأنبياء والقضاة بـ “آلهة”، فإننا نرد بأن الله له اسمان في العهد القديم، وهما: إلوهيم (אֱלֹהִ֑ים) ويهوه (יְהֹוָ֣ה). وكان بالفعل من الممكن أن يُطلق على بعض الأنبياء والقضاة “إلوهيم” لبيان أنهم أخذوا سلطانهم من الله، كما في قول الرب لموسى:
“فقال الرب لموسى: انظر، أنا جعلتك إلهاً لفرعون، وهارون أخوك يكون نبيك.” (خروج 7: 1)
وكلمة “إلهاً” هنا هي “إلوهيم” (אֱלֹהִים). فلو جاء النص بـ “إلوهيم” لكان لكم الحق في الادعاء، لكن النص في العبري هو “يهوه”، و”يهوه” اسم خاص بالله إله إسرائيل فقط.
وعندما سأل موسى الرب عن اسمه، أجابه:
“أهيه الذي أهيه. هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه أرسلني إليكم. وقال الله أيضاً لموسى: هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم، وإله إسحاق، وإله يعقوب، أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد، وهذا ذكري إلى دور فدور.” (خروج 3: 15)
وأيضاً:
“وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء، وأما باسمي يهوه فلم أُعرف عندهم.” (خروج 6: 3)
وكلمة “يهوه” مشتقة من “أهيه”، وكلمة “أهيه” بالعبرية (אֶֽהְיֶ֖ה) تتكون من مقطعين: ” אֶֽ” وتعني “أنا”، و”הְיֶ֖ה” وتعني “يكون”. وعندما يقول الله “أنا أكون” فهذا يعني أن الله كائن موجود بذاته، لا يستمد وجوده من غيره، ووجوده دائم الاستمرارية من الأزل وإلى الأبد.
وهذا المعنى يؤكده سفر الرؤيا:
“أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن، والذي كان، والذي يأتي، القادر على كل شيء.” (رؤيا 1: 8)
فالكائن والذي كان أي ذاتيّ الوجود منذ الأزل، ولم يستمد وجوده من غيره. فالسؤال هنا لإخوتنا المسلمين: هل من المعقول أن يُسمّى رسولكم أو أي إنسان باسم له هذا المعنى؟!
ومع أنني أرى أنني بذلك قد نسفت هذا الادعاء من أساسه، إلا أنني سأفسر النص تفسيراً صحيحاً حتى يستفيد الجميع، بمن فيهم إخوتنا الأحباء المسلمون.
النص يبدأ بالآتي:
“وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة لهم. فأحب الشعب، جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك. بناموس أوصانا موسى ميراثاً لجماعة يعقوب.” (تثنية 33: 1-4)
هناك تفسير يهودي للنص يقول: إن الله عرض شريعته على بني إسرائيل، وبني عيسو، وبني إسماعيل، لأنهم كلهم من ذرية إبراهيم، ولم يقبلها إلا بنو إسرائيل. حيث يقول “ترجوم أورشليم”:
and he said: The Lord was revealed from Sinai to give the law unto His people of Beth Israel. He arose in His glory upon the mountain of Seir to give the law to the sons of Esau; but after they found that it was written therein, Thou shalt do no murder, they would not receive it. He revealed Himself in His glory oil the mountain of Gebala, to give the law to the sons of Ishmael; but when they found that it was written therein, Ye shall not be thieves, they would not receive it. Again did He reveal Himself upon Mount Sinai, and with Him ten thousands of holy angels; and the children of Israel said, All that the Word of the Lord hath spoken will we perform and obey. And He stretched forth His hand from the midst of the flaming fire, and gave the Law to His people.[1]
وقال: ظهر الرب من سيناء ليعطي الشريعة لشعبه من بيت إسرائيل، وصعد بمجده على جبل سعير ليعطي الشريعة لبني عيسو، ولكن لما وجدوا مكتوباً فيه: “لا تقتل”، لم يقبلوها. وأظهر نفسه في مجده على جبل ليعطي الشريعة لبني إسماعيل، ولكن لما وجدوا مكتوباً فيه: “لا تسرق”، لم يقبلوها. وأظهر نفسه أيضاً على جبل سيناء ومعه ربوات من الملائكة القديسين. وقال بنو إسرائيل: “كل ما تكلمت به كلمة الرب نفعله ونطيعه”، ومد يده من وسط نار اللهيب وأعطى الشريعة لشعبه.
واما بالنسبة لمقطع ربوات القدس الذي تنسبوه الى عشره الاف صحابي المرافقين لرسولكم، فهو يعود على ملائكة الله، فيهوه عندما جاء واعطى الشريعة لشعبه كان معه ربوات من الملائكة، والكتاب المقدس يوضح ان الله يخدمه ربوات من الملائكة “مَرْكَبَاتُ اللهِ رِبْوَاتٌ، أُلُوفٌ مُكَرَّرَةٌ. الرَّبُّ فِيهَا. سِينَا فِي الْقُدْسِ.” (مز 68: 17)، والقديس اسطفانوس في خطابه أكد تلك المعلومة عندما قال “الَّذِينَ أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ».” (أع 7: 53)، فالله جاء واعطى الناموس لملائكته وهم بدورهم سلموه لموسى.
وبالنسبة لي، هذا كافٍ لهدم الشبهة من أساسها، ولست بحاجة للتكلم بعدها عن موقع برية فاران، لأن باقي أساتذتي في اللاهوت الدفاعي قد تكلموا عنه باستفاضة، ولا أستطيع أنا، العبد الحقير، أن أزيد عليهم.
[1] Seferia: Targum Jerusalem, Deuteronomy 33:3



انتشر بين بعض النقّاد قول يُنسب إلى كليمندس الإسكندري، الفيلسوف واللاهوتي المسيحي من القرن الثاني الميلادي مفاده:
«كل امرأة يجب أن تشعر بالخزي لمجرّد كونها امرأة» ( “Every woman ought to be filled with shame at the thought that she is a woman.”)
تُعدّ هذه العبارة من أكثر الاقتباسات تداولًا في سياق الانتقادات الموجّهة إلى التراث المسيحي فيما يتعلق بالمرأة ومكانتها.
تهدف هذه الدراسة إلى فحص مدى صحة نسبة هذا القول إلى كليمندس الإسكندري، عبر مراجعة دقيقة لمؤلفاته الأصلية، وتحليل السياقات التي تناول فيها المرأة والجنس والجسد. كما تسعى إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تكون نشأت نتيجة تداول هذا الاقتباس خارج سياقه أو بنقل مشوّه.
يتألف البحث من ثلاث اقسام رئيسية:
🔴القسم الأول: دراسة نقدية وتحليلية لنظرة كليمندس الاسكندري وكتاباته فيما يخص المرأة
🔴القسم الثاني: التحقيق في صحة القول المنسوب إلى كليمندس الإسكندري ومطابقته للنصوص الاصلية
🔴 القسم الثالث: تتبع تاريخي وتحليلي لأصل وانتشار هذا الاقتباس المنسوب إلى كليمندس الإسكندري
______________________________________
اولا: نظرة كليمندس إلى المرأة في فكره اللاهوتي والأخلاقي
يُظهر فكر كليمندس الإسكندري (Clement of Alexandria) اتجاهًا لاهوتيًا وأخلاقيًا متزنًا، بل ومتحرّرًا نسبيًا من التصورات السائدة في عصره فيما يخص المرأة. فعلى خلاف النظرة الدونية التي تبنّتها العديد من المدارس الفلسفية والأنظمة الدينية الوثنية تجاه المرأة، والتي غالبًا ما اعتبرتها أدنى طبيعة من الرجل أو مصدرًا للنجاسة، يقدّم كليمندس تصورًا مسيحيًا أصيلًا يقرّ بالمساواة الروحية والأخلاقية بين الجنسين، ويؤكّد على أهلية المرأة الكاملة لممارسة الفضيلة وبلوغ الكمال والخلاص.
يرى كليمندس أن الحياة المسيحية، والتعليم الروحي، وممارسة الفضائل، والخلاص، جميعها متاحة للرجل والمرأة على حدٍ سواء. وهو بهذا يعبّر عن وعي مسيحي مبكّر بمبدأ المساواة الروحية بين الجنسين، في مقابل التقاليد الفلسفية الوثنية التي غالبًا ما قلّلت من شأن المرأة.
وفيما يلي أبرز كتاباته في هذا الشأن:
1- المساواة الكاملة في الفضيلة والخلاص
يرى كليمندس أن الفضيلة لا تُقسّم بحسب النوع الاجتماعي، بل هي واحدة للرجل والمرأة، وأن دعوة الله للخلاص تشمل كليهما بالتساوي. وهو يصرّح بذلك بوضوح في قوله:
🔹«فضيلة الرجل والمرأة هي واحدة ونفس الشيء. لأنه إن كان الله واحدًا، فالمسيح واحد أيضًا؛ كنيسة واحدة، حشمة واحدة، عفة واحدة؛ طعامهما مشترك، والزواج متساوٍ… فالحياة التي تُعاش بالبر ليست حكرًا على الرجال، بل هي للرجال والنساء على السواء.»
(Paedagogus, I.4)
“The virtue of man and woman is the same. For if the God of both is one, the master of both is also one; one church, one temperance, one modesty; their food is common, marriage an equal yoke… For the life that is lived in righteousness is not for men only, but for men and women alike.”
كما يشير إلى وجوب ممارسة المرأة للفضائل تمامًا كما الرجل:
🔹«على المرأة أن تمارس ضبط النفس والبرّ وسائر الفضائل، شأنها شأن الرجل…»
( Stromata, IV.8 )
“Accordingly woman is to practise self-restraint and righteousness, and every other virtue, as well as man…”
تُعد هذه التصريحات لاهوتية متقدّمة بالنسبة لسياقها التاريخي، إذ ترفض التمييز بين الجنسين في ممارسة الفضيلة، وتُرسّخ مبدأ شمولية البر والخلاص للجميع دون تمييز جنسي.
2- المساواة في الطبيعة الإنسانية والروح
يؤكّد كليمندس أن المرأة والرجل يشتركان في طبيعة بشرية واحدة، وبأنه لا يوجد اختلافاً جوهريًا بين الجنسين في ما يتعلق بالنعمة والفضيلة والخلاص:
🔹 «للمرأة نفس طبيعة الرجل، وكلاهما يشترك في نفس الفضيلة ونفس النعمة ونفس الخلاص.»
(Stromata, IV.19)
“For the woman has the same nature as the man, and they share in the same virtue, the same grace, and the same salvation.”
🔹«فيما يختصّ بالطبيعة البشرية، ليست للمرأة طبيعة تختلف عن الرجل، بل هما واحد؛ وكذلك الحال في الفضيلة…»
( Stromata, IV.8 )
“As far as human nature is concerned, woman does not possess one nature and man another … the same virtue is possible for both.”
🔹«لا يجب أن نخجل من أي من الجنسين… لأن اسم “الإنسان” (anthropos) مشترك بين الرجل والمرأة.»
( Stromata, IV.8 )
“We should not be ashamed of either sex… for the name ‘human being’ (anthropos) is common to both man and woman.”
ويذهب أبعد من ذلك في تأكيد وحدة الهدف النهائي بين الجنسين:
🔹«وقد تبيَّن أنّ للمرأة والرجل هدفًا واحدًا ونهاية واحدة من جهة الكمال…»
( Stromata, IV.8 )
“And one aim and one end, as far as regards perfection, being demonstrated to belong to the man and the woman…”
ويشدد على أن كمال الفضيلة متاح للرجل والمرأة على حد سواء، بل يضرب أمثلة من النساء اللواتي فُقنَ الرجال في الشجاعة والإيمان:
🔹«وفي هذا الكمال يستطيع الرجل والمرأة أن يشتركا بالتساوي.… فقد بلغت يهوديت كمالًا بين النساء… وأستير بلغت الكمال بالإيمان… وسوسنة فاقت الرجال في الشجاعة.»
( Stromata, IV.19 )
“In this perfection it is possible for man and woman equally to share. …But Judith too, who became perfect among women… Esther, perfect by faith… Susanna… surpassed men in valor.”
🔹«كثيراتٌ نلن قوّة بنعمة الله، وصنَعْنَ أعمالًا بطولية تُنسب عادةً للرجال.»
(Stromata, IV.19)
“Many women have received power through the grace of God and have performed many deeds of manly valor.”
كليمندس يستشهد بهذه النماذج النسائية البطولية من العهد القديم ليؤكّد أن الكرامة والكمال الخلقي ليسا حكرًا على الرجال، بل هما ممكنان لكلا الجنسين.
3- دعوة المرأة إلى الفلسفة والمعرفة
في سياق اجتماعي وثقافي كان يُقصي النساء عن مجالات التعليم والتفكير الفلسفي، برز كليمندس الإسكندري بموقف لافت، إذ دعا بوضوح إلى إشراك المرأة في الحياة العقلية والفكرية، وعارض الحصر التقليدي لدراسة الفلسفة في الرجال دون النساء.
في كتاب (Stromata)، يُقدّم كليمندس حجة منطقية مفادها أن المرأة، بما أنها قادرة على ممارسة فضائل مثل العفة وضبط النفس، وهي فضائل تتطلّب الحكمة، فلا مبرر لافتراض عجزها عن اكتساب الحكمة ذاتها. ومن هنا، يؤكد أن الفلسفة دعوة موجهة للنساء تمامًا كما هي موجهة للرجال:
🔹«هل يجب على المرأة أن تتفلسف؟ نعم… إذا كانت المرأة قادرة على الحشمة وضبط النفس، وهي فضائل تتطلب الحكمة، فهل لا تكون قادرة على الحكمة نفسها؟… يجب على النساء كما الرجال أن يسعوا إلى الفلسفة.»
(Stromata, IV. 8 )
“Ought the woman to philosophize? Yes… If, then, the woman is able to be temperate and self-restrained, which are virtues that require wisdom, will she not be able to be wise? …Women as well as men are to philosophize.”
يتّضح من هذا النص أن كليمندس لم يكتفِ بإقرار قدرة المرأة على التعقّل والتعلّم، بل طالب بمشاركتها الكاملة في المسيرة الفلسفية، معتبرًا السعي إلى الحكمة أمرًا مشتركًا بين الجنسين.
لم يكتفِ بالمساواة الروحية، بل طالب بالمساواة الفكرية. واستشهد بنساء شهيرات في التاريخ مثل “ثيانو” الفيثاغورية و”أسبازيا” كأمثلة على قدرة المرأة على التفوق الفكري.
4- دور المرأة وتعاليم العفّة عند كليمندس السكندري
تبرز في كتابات كليمندس السكندري، لاسيما في مؤلفه الستروماتا (Stromata), رؤية متّزنة تحترم مقام المرأة وتُعلّي من قيمة العفاف ضمن إطار الزواج المسيحي. فقد وقف كليمندس موقفًا نقديًا من بعض الاتجاهات الغنوصية التي حطّت من شأن الزواج، معتبرًا إياه تشريعًا إلهيًا يهدف إلى إنجاب نسل تقيّ، وليس مجرد انغماس في اللذة. يقول في هذا السياق:
🔹”الزواج طاهر، وإنجاب الأولاد هو عمل مقدس” (Stromata III, 6).
وفي معرض نقده لبعض الاتجاهات الغنوصية التي مجّدت التبتُّل على حساب الزواج، يؤكّد كليمندس أن البتولية ليست فضيلة مفروضة على الجميع، بل هي خيار يليق فقط بمن وُهِب عدم الشهوة، أما من لم يُمنح هذه العطيّة، فالأفضل له أن يتزوّج بحسب الشريعة:
🔹«البتولية لِمن لا يشتهي النساء، أما الباقي فليتزوج حسب الناموس.»
(Stromata III, 15).
كما يبرز احترام كليمندس للمرأة من خلال إشاراته إلى أدوار خدمية وروحية في حياة الكنيسة الأولى. ففي شهادة ينقلها المؤرخ أوسابيوس القيصري، يشير إلى أن كليمندس تحدّث عن نساء رافقن الرسل في مهامهم التبشيرية، ليس كزوجات، بل كأخوات وخادمات للكلمة وهو ما يعكس تأييده لانخراط النساء في بعض الوظائف الكنسية ضمن الحدود التي قررتها التقاليد الرسولية.
🔹«بعض النساء كنّ يرافقن الرسل في خدمتهن الإنجيلية، لا كزوجات بل كأخوات وخادمات للكلمة.»
(Historia Ecclesiastica VI, 14)
ولم يقف عند هذا الحد، بل عمد كليمندس إلى استحضار شخصيات نسائية بطولية كنماذج يُحتذى بها في الفضيلة والقدوة الاخلاقية. ففي موضع لافت من الستروماتا، يسرد قائمة من النساء اللواتي جسّدن الشجاعة والعفّة، من بينهن: يهوديت، وإستر، ودبّورة، وسارة، وكذلك شخصيات وثنية مثل تيموستراتا (زوجة بريكليس)، وكاميلا من الأساطير اللاتينية (Stromata IV, 19). ويعلّق قائلاً:
🔹”النساء قد برهنّ أنهن لا يَقِلَلْنَ شرفًا عن الرجال في مضمار الفضائل”.
(Stromata IV, 19)
كما يلجأ كليمندس أحيانًا إلى استخدام صور رمزية أنثوية في التعبير عن العناية الالهية. ففي احد المواضع التأملية في كتابه (المربّي) يُشبّه محبة المسيح وحنانه بـ”الحليب الذي يخرج من ثديي الآب”، في إشارة إلى الغذاء الروحي الذي يقدّمه الله لمؤمنيه (Paedagogus I, 6). وتُعدّ هذه الاستعارة تعبيرًا عن رقة وحنان العناية الإلهية، وليست تجسيدًا لأنوثة الله أو طابعًا حرفيًا، بل تُجسّد العناية الإلهية الشاملة، حيث تتم رعاية المؤمنين بالكلمة كما يُغذَّى الأطفال بالحليب.
5- شراكة المرأة الروحية والزوجية بوصفها شراكة مقدّسة
رأى كليمندس أن المرأة ليست مجرد معين منزلي، بل شريك روحي فعّال للرجل في درب القداسة والخلاص:
🔹«الزوجة، كما نقول، هي مُعين للرجل. ومن الواضح أنها مُعين في أمور الأسرة والأطفال، ولكن أيضًا وقبل كل شيء، هي شريك له في طريق الحياة إلى الله.»
هذا التصوّر بحسب اكليمندس يرفع من مقام المرأة من كونها مكمّلة اجتماعيًا فقط، إلى شريكة روحيّة في مشروع الخلاص
🔹خلاصة فكر القديس كليمندس السكندري
• مساواة جوهرية: رأى أن الرجال والنساء متساوون في الطبيعة، والروح، والفضيلة، والقدرة على نيل الخلاص.
• احترام فكري: شجع النساء على طلب العلم والفلسفة، معتبرًا إياهن قادرات على الحكمة تمامًا كالرجال.
• رفض العار: فكرته عن “العار” كانت مرتبطة بالسلوك غير المحتشم (للجنسين)، وليس بطبيعة المرأة.
• شراكة مقدسة: اعتبر المرأة شريكًا أساسيًا للرجل في الأسرة وفي الحياة الروحية.
بإيجاز، تكشف كتابات القديس كليمندس السكندري عن رؤية تكرّم المرأة وتمنحها مكانة لاهوتية متساوية مع الرجل في الإيمان المسيحي. فهو لم يكن صوتًا معاديًا للمرأة، بل مثّل في زمنه موقفًا منصفًا ومضادًا لاتجاهات التهميش السائدة.
______________________________________

يتضمن هذا القسم ما يلي:
• أولًا: البحث في مؤلفات كليمندس الإسكندري الأصلية
• ثانيًا: التوثيق من النصوص الأصلية وترجماتها
• ثالثا: تفنيد المزاعم الغنوصية ونسبة الأقوال المشوهة
أولًا: البحث في مؤلفات كليمندس الإسكندري الأصلية
بعد مراجعة دقيقة وشاملة لجميع مؤلفات كليمندس الإسكندري المتاحة، لم يتم العثور على أي عبارة تطابق القول المنسوب إليه حرفيًا: «كل امرأة يجب أن تخجل لأنها امرأة». أقرب ما وُجد هو مقطع وارد في كتاب المربّي (Paedagogus II.2.33.4)، حيث يتناول كليمندس موضوع آداب الشرب ويحثّ كلا من الرجال والنساء على اجتناب التصرفات المخزية، مع توصية خاصة للنساء بالتحلّي بالحشمة والحياء. يقول كليمندس في ذلك الموضع ما ترجمته:
🔹 «لا يليق برجلٍ عاقل أن يصدر عنه تصرف مشين أو صوت غير لائق، وبالأحرى لا يليق ذلك بامرأة، التي يكفيها إدراكها لطبيعتها ووعيها بذاتها لتستلهم الحياء والعفاف.»
وقد ورد النص اليوناني الأصلي كما يلي:
«…ᾗ καὶ τὸ συνειδέναι αὐτὴν ἑαυτῇ, ἥτις εἴη μόνον, αἰσχύνην φέρει.»
وترجمته الحرفية:
🔹”حتى إن وعيها بذاتها، أي بما هي عليه، يورثها خجلًا/حياءً.”
هذا المقطع لا يعني بأي حال أن المرأة يجب أن تشعر بالخزي أو العار لمجرد كونها امرأة، بل يشير إلى الحياء كفضيلة أخلاقية طبيعية ترتبط بأنوثة المرأة، لا سيما في سياقات السلوك العام مثل الشرب والسُّكر. وبالتالي، فإن السياق يدور حول ضرورة التحلّي بالاحتشام والانضباط، لا عن ازدراء طبيعة المرأة أو تحقير جنسها.
علاوة على ذلك، وبعد بحث دقيق في باقي مؤلفات كليمندس مثل (Stromata و Protrepticus) وغيرها، لم يُعثر على عبارة مشابهة أو صيغة تقترب في معناها من هذا القول المنسوب إليه، ما يؤكد غياب أي أساس نصي يدعم هذا الادعاء.
ثانيًا: التوثيق من النصوص الأصلية وترجماتها
عند الرجوع إلى نص المربّي (Paedagogus) للقديس كليمندس الإسكندري، بحسب طبعة Patrologia Graeca, vol. 8, col. 429، بتحقيق Monsignor Jacques-Paul Migne، يتبين أن المقطع المعني يقع في الكتاب الثاني، الفصل الثاني (Book II, Chapter II). وقد تُرجم هذا النص إلى الإنجليزية ضمن سلسلة Ante-Nicene Fathers، كما ظهرت له ترجمة فرنسية حديثة تعكس المعنى التالي:
🔹 «لا يليق برجلٍ عاقل أن يصدر عنه تصرف مشين أو صوت غير لائق، وبالأحرى لا يليق ذلك بامرأة، التي يكفيها إدراكها لطبيعتها ووعيها بذاتها لتستلهم الحياء والعفاف.»
يتّضح من ذلك أن كليمندس يحثّ على الحياء بوصفه فضيلة فطرية إيجابية واخلاقية، لا كإدانة لوجود المرأة أو احتقار لأنوثتها او انتقاص لوجودها. ولا يتضمن هذا النص، ولا غيره من كتاباته أي تعبير صريح أو ضمني يفيد بأن الى انّ “كون المرأة امرأة هو بحد ذاته أمر معيب أو يستوجب الخجل.
ثالثا: تفنيد المزاعم الغنوصية ونسبة الأقوال المشوهة
في كتابه الستروماتا (Stromata)، يورد كليمندس مقولة منسوبة إلى السيد المسيح في أحد الكتابات الابوكريفية وهو ما يعرف بـ «إنجيل المصريين» (Gospel of the Egyptians)، نصها: «قد أتيتُ لأُخرِب أعمال الأنثى.»
غير أن كليمندس لم يتبنّ هذا القول كتعليم مسيحي، بل أورده في سياق نقده الحاد لتطرف بعض الغنوصيين الذين رفضوا الزواج والنسل.
وقد شدّد على أن الخلاص لا يتحقق من خلال “المعرفة الباطنية” الغنوصية، بل من خلال الإيمان البسيط، مؤكّدًا فضائل الزواج والاعتدال بدل الزهد المطلق.
لذا، فإن استخدام هذه العبارة في هذا السياق هو تمثيل لنقده للغنوصية وليس قبولًا أو دعمًا لها، ولا يمكن اعتبار هذه الأقوال تعبيرًا عن فكر كليمندس، بل هي أمثلة على أقوال نقدها ورفضها.
🔹الخلاصة
______________________________________

يتضمن هذا القسم النقاط التالية:
يتناول هذا الجزء الجذر النصي للاقتباس المنسوب إلى كليمندس، وتتبع ظهوره في المصادر الثانوية الحديثة، وتحليل السياقات التي استُخدم فيها بغرض نقد موقف كليمندس من المرأة.
بالنظر إلى أن كليمندس الإسكندري لم يذكر حرفيًا عبارة “كل امرأة ينبغي أن تخجل لأنها امرأة”، يبرز التساؤل حول مصدر هذه الصيغة التي انتشرت في العصر الحديث.
أقدم الإشارات إلى هذه العبارة تعود إلى القرن العشرين، وتحديدًا إلى كتاب Joseph Lewis المعنون The Ten Commandments (1946)، حيث نُسب القول إلى كليمندس مع الاعتماد على مرجع ثانوي.
هذا المرجع الثانوي هو كتاب (Henry Charles Lea) بعنوان History of Sacerdotal Celibacy (طبعة 1907)، إلا أنه عند مراجعة الصفحة 320 من هذا الكتاب تُظهر أنه لا يذكر كليمندس أصلًا، مما يشير إلى وجود خطأ في الإسناد أو انتحال في النقل.
وهكذا، يبدو أن هذه العبارة نشأت عن طريق تحريف أو سوء فهم، وانتقلت عبر كتب ومقالات عديدة دون التحقق من النصوص الأصلية.
1- يرجّح الباحث البريطاني روجر بيرس (Roger Pearse)، وهو باحث معاصر في تاريخ المسيحية المبكرة والأدب الآبائي، وقد عُرف بجهوده الواسعة في نشر نصوص آباء الكنيسة بلغاتها الأصلية، أن العبارة المنسوبة إلى كليمندس الإسكندري “كل امرأة ينبغي أن تخجل لأنها امرأة” ناتجة عن سوء فهم أو ترجمة مشوّهة لمقطع من كتابه المربّي (Paedagogus). ويشير (Roger Pearse) إلى أن هذه الصيغة المحرّفة انتشرت عبر عدة كتب ومقالات دون التحقق من النص الأصلي.
2- يؤكد (Roger Pearse) ان القوائم التي تهدف إلى تشويه السمعة من خلال الاقتباسات غالبًا ما تُهمِل السياق، وغالبًا ما تختلف في الصياغة ونسبتها إلى أصحابها. واقتباسنا هذا لا يختلف عن غيره في هذا الصدد. فبعضهم يقترح أنه مأخوذ من كتاب (Stromateis) أو المنوّعات (الكتاب الثالث) Miscellanies book 3 لكليمندس، لكنه في الواقع ليس كذلك ويُشير (Roger Pearse) إلى أنّ هذه الصيغة المشوّهة انتشرت في عدد من الكتب والمقالات المعاصرة دون الرجوع إلى النص الأصلي والتحقق من سياقه بدقة.
3- على سبيل المثال، يوضح (Roger Pearse) أن العبارة وردت ضمن مقال هجومي مليء بالكراهية بعنوان Twenty disgustingly misogynist quotes from religious leaders (عشرون اقتباسًا بغيضا من قادة دينيين) بقلم فاليري تاريكو (Valerie Tarico) نشر على موقع Salon عام 2014، مع إشارة إلى مقطع من كتابه (Paedagogus 2:33:2)، إلاّ أن (Roger Pearse) يؤكد أن الموقع لا يحتوي على النص المذكور بهذا المعنى أو الصياغة المتداولة.
4- كما يوضّح (Roger Pearse) ايضا إلى أن بعض الكتب الصادرة في الهند تستشهد بالفيلسوف برتراند راسل (Bertrand Russell) كمصدر للاقتباس، لكنه يشير إلى أن هذه الكتب تستند فقط إلى كتيّبه المؤيد للعلاقات غير الشرعية Marriage and Morality (1929)، والذي يخلو تمامًا من أي إشارة إلى كليمندس الإسكندري.
5- أما فيما يخص مصدرًا أكثر تحديدًا، فيُشير (Roger Pearse) إلى مقال بعنوان “الدين بوصفه جذر التمييز الجنسي” (Religion as the Root of Sexism) للكاتبة باربرا ج. ووكر (Barbara G. Walker)، نُشر في مجلة (Freethought Today) عام 2011. في هذا المقال، يُنسب إلى كليمندس الإسكندري قوله إن “على كل امرأة أن تشعر بالخزي لمجرد كونها امرأة”، كما يُربط هذا القول باقتباس منسوب إلى يسوع في إنجيل المصريين يقول فيه: «لقد أتيتُ لأدمّر أعمال الأُنثى».
ويضيف (Roger Pearse) أن باربارا ووكر (Barbara G. Walker) ، مؤلفة موسوعة The Woman’s Encyclopedia of Myths and Secrets (1983) وكتاب The Skeptical Feminist، نسبت هذه العبارة إلى كليمندس وربطتها بإنجيل المصريين، مما عزّز الانطباع الخاطئ بعدائها للمرأة.
1- عند تتبّع مصدر الادعاء الذي اعتمدت عليه الكاتبة باربرا ج. ووكر (Barbara G. Walker)، يتبيّن أنها استندت إلى ما أورده المؤلف ر. بريفو (R. Briffault) في المجلد الثالث من كتابه The Mothers (Vol. 3, p. 373, New York: Macmillan, 1927). ويُلاحظ أن هذا النقل ليس مستندًا إلى أي من النصوص الأصلية لكليمندس الإسكندري، بل يأتي ضمن سلسلة من الاقتباسات غير المباشرة التي تفتقر إلى توثيق دقيق من المصادر الأولية، وهو ما يُضعف مصداقية الادعاء المنسوب إليه.
– في هذا الموضع، يورد بريفو الاقتباس التالي:
🔹«كل امرأة، كما يقول كليمندس الإسكندري، ينبغي أن تشعر بالخزي لمجرد كونها امرأة.»
2- يُحيل بريفو إلى المرجع التالي لتوثيق هذا الاقتباس المزعوم: كليمندس الإسكندري، كتاب “المربّي” (Paedagogus)، الجزء الثاني، الفصل الثاني، وذلك بحسب طبعة ميغن (Migne) ضمن سلسلة Patrologia Graeca، المجلد الثامن، العمود 429.
Clement of Alexandria, Paedagogus (The Instructor), Book II, Chapter II, in Patrologia Graeca, Vol. 8, col. 429 (ed. J.-P. Migne).
3- التحقق من المصدر الأصلي في Paedagogus II.2 (PG 8, col. 429):
أ- النص اليوناني:
«οὐδεὶς γὰρ ψόφος οἰκεῖος ἀνδρὶ λογικῷ, ἔτι δὲ μᾶλλον γυναικί, ᾗ καὶ τὸ συνειδέναι αὐτὴν ἑαυτῇ, ἥτις εἴη μόνον, αἰσχύνην φέρει.»
يعود فعل ψόφος إلى معنى “الصوت” أو “الجلبة”، وغالبًا ما يشير في السياق الأدبي الأخلاقي إلى الضجيج غير اللائق، كالأصوات أثناء الشرب أو تناول الطعام أو حتى حركة غير مهذبة، لذا يُنظر إليها كرمز للتصرف غير المحتشم.
ب- الترجمة في سلسلة Ante-Nicene Fathers (ANF):
“Nothing disgraceful is proper for a man endowed with reason; much less for a woman, to whom even the consciousness of her own nature brings a feeling of shame.”
ج- الترجمة الفرنسية في سلسلة Sources Chrétiennes (SC 108, p. 71):
“Il ne convient pas de faire du bruit (en buvant), ni à un homme raisonnable, ni encore moins à une femme, à qui le fait d’avoir conscience elle-même de ce qu’elle est, suffit à inspirer de la pudeur.”
ومن خلال مقارنة الترجمات المعتمدة (الإنجليزية والفرنسية) مع النص اليوناني الأصلي، نرى أنها تتّفق جميعًا على المعنى التالي:
🔹«لا يليق برجلٍ عاقل أن يصدر عنه صوت مزعج أو تصرف غير لائق، وبالأحرى لا يليق ذلك بامرأة، إذ يكفيها مجرد وعيها بذاتها وطبيعتها لتبعث في نفسها شعور الحياء والعفّة.»
4- الاقتباس الذي ينسبه بريفو إلى كليمندس الإسكندري لا يرد بصيغته تلك في نصه، بل هو تحوير واختزال مجتزأ لعبارة أطول ذات سياق أخلاقي وسلوكي محدد.
5- كليمندس يتحدّث هنا عن الحياء الطبيعي المرتبط بالسلوك بوصفه فضيلة طبيعية لدى المرأة، تنبع من وعيها الداخلي بذاتها، لا عن “الخزي” كموقف دوني من طبيعتها الأنثوية.
6- كما أنه يتناول الحياء الطبيعي المرتبط بالسلوك ضمن سياق الحديث عن اللياقة والاحتشام، لا عن “الخزي” بوصفه حكمًا وجوديًا على طبيعة المرأة.
وبناءً عليه، فإن النقل الذي يفرغ العبارة من سياقها ويحوّلها إلى تصريح عدائي ضد المرأة يُعد تشويهًا صريحًا للمعنى الأصلي.
رابعا: ملخص تحليل الباحث البريطاني والمختص بتاريخ المسيحية المبكرة والنصوص الآبائية، والشهير بنشر النصوص القديمة بلغاتها الأصلية وتحقيقها روجر بيرس (Roger Pearse) حول الاقتباس المنسوب إلى كليمندس الإسكندري
1. يرى الباحث روجر بيرس (Roger Pearse) أن الاقتباس الشهير المنسوب إلى كليمندس الإسكندري، والذي مفاده أن «كل امرأة يجب أن تشعر بالخجل لمجرد كونها امرأة»، لا يعكس مضمون النصوص الأصلية لكليمندس، بل هو نتاج سوء فهم وتحريف للنص الأصلي.
2. سياق النص الأصلي
يشير (Roger Pearse) إلى أن كليمندس، كما سائر آباء الكنيسة، كان يكتب ضمن معايير زمنه، الذي اعتُبر فيه شرب الخمر والسلوك الصاخب للنساء من الممارسات المرفوضة اجتماعيًا.
ويُبرز أن النص الأصلي في كتاب المربّي (Paedagogus) يتناول بالأساس موضوع السلوك غير اللائق في حالة السُّكر، مع تأكيد خاص على ضرورة شعور الإنسان العقلاني بالخجل والحياء من مثل هذا السلوك، وخصوصًا النساء.
بهذا المعنى، كان كليمندس يتحدث عن الحياء الطبيعي المرتبط بالسلوك، لا عن “الخزي” كموقف وجودي يُنقص من مكانة المرأة أو طبيعتها الأنثوية.
3. الهدف الأخلاقي والاجتماعي لكليمندس
يوضح (Roger Pearse) أن كليمندس والآباء الأوائل كانوا يهدفون إلى رفع مستوى كرامة النساء الأخلاقية والاجتماعية، مهاجمين الممارسات الفاسدة والسلوكيات التي تنال من هذه الكرامة، وليس التقليل من شأن المرأة نفسها.
وهذا يتوافق مع خطابهم العام الذي يسعى إلى تحسين مكانة المرأة في المجتمع عبر التوجيه الأخلاقي والروحي.
4. تحريف النص واستخدامه في أجندات فكرية معاصرة
يشير (Roger Pearse) إلى أن ر. بريفو (R. Briffault) أعاد صياغة النص الأصلي بأسلوب أكثر إثارة وصراحة، بهدف استخدامه كأداة في أجندته الخاصة التي تدعو إلى الترويج للانحلال الأخلاقي، مستغلاً الاقتباس ضمن قائمة صادمة من أقوال الآباء.
وهكذا، تحولت العبارة إلى “عبارة واحدة لافتة” تستخدم في نقد موجه للتراث الديني والآبائي، بعيدًا عن سياقها الحقيقي.
5. تحريفات لاحقة وتأثيرها
يشير (Roger Pearse) كذلك إلى أن التحريفات اللاحقة للنص الأصلي أدت إلى تداول صيغ أكثر حدة واستفزازًا، لا أساس لها في النصوص الأصلية لكليمندس.
وهذا يشير إلى وجود مشكلات في منهج تتبع المصادر، حيث كثيرًا ما تعتمد الدراسات الحديثة على مصادر ثانوية غير دقيقة أو اختزالات للنصوص الأصلية.
6. النقد النهائي
يخلص (Roger Pearse) إلى أن مثل هذه التحريفات لا تخدم الدراسة الأكاديمية الموضوعية، بل تندرج في إطار الاستقطاب السياسي أو الثقافي الذي يضر بفهم التراث الديني والآبائي بشكل صحيح.
كما يؤكد أن الخطأ لا يبدأ بالضرورة مع الباحثين المعاصرين، بل قد يكون ناتجًا عن اختزالات أو تحريفات أقدم في المصادر الثانوية.
وبالتالي نستنتج من كتاباته بأنّ:
فقد ورد الاقتباس الشهير «كل امرأة يجب أن تشعر بالخجل لمجرد كونها امرأة» في كتاب (Misogyny) للمؤلف ديفيد غيلمور (David Gilmore)، الذي استند بدوره إلى مصدر ثانوي أقدم، وهو كتاب (The Fear of Women) الصادر عام 1968 لعالم النفس ولفغانغ ليدرر (Wolfgang Lederer). يُعد عمل ليدرر تحليلًا نفسيًا ولا يمثل دراسة نقدية أكاديمية متخصصة في علم الآبائيات (Patristics).
تتجلّى المشكلة المنهجية في هذه الدراسات الثانوية التي تعتمد على مصادر غير دقيقة، حيث لا يتعامل (Wolfgang Lederer) مع النصوص الآبائية الأصلية بمنهج نقدي صارم، بل يستخدم اقتباسات أو ملخصات منقولة غالباً ما تكون خارجة عن سياقها الاصلي. وقد أصبحت اقتباساته، رغم ضعف توثيقها، مرجعًا متداولًا في بعض الأعمال النقدية المهتمة برصد مواقف الكنيسة من المرأة دون العودة الدقيقة للمصادر الأصلية لكليمندس الإسكندري أو غيره من آباء الكنيسة.
1- أما المصدر الذي يُستشهد به خطأ لتبرير صورة سلبية للمرأة في التراث الآبائي، فلا يعود في الغالب إلى كليمندس الإسكندري كما يُشاع، بل يقال انه يعود إلى نص شهير للكاتب المسيحي ترتليان في مؤلفه De Cultu Feminarum (“عن زينة النساء”). وقد استند بعض النقّاد إلى هذا النص تحديدًا في اتهام ترتليان بالعداء للمرأة، لا سيما حين استحضر صورة حواء بوصفها “باب الشيطان”، حيث قال:
🔹«ألا تعلمين أنكِ حواء؟ لا يزال حكم الله معلقًا على جنسك. أنتِ بوابة الشيطان؛ أنتِ أول من خرق ناموس الله؛ أنتِ التي أغويت من لم يكن الشيطان شجاعًا ليهاجمه. لقد دمرتِ صورة الله، الإنسان؛ وجلبتِ الموت إلى العالم.»
Tertullian, De Cultu Feminarum, Chapter 1:
“Knowest thou not that thou art Eve? The judgment of God still hangs over thy sex. Thou art the gate of the devil; thou didst first break the law of God; thou didst seduce him whom the devil was not valiant to attack. Thou hast destroyed the image of God, man; and didst bring death into the world.”
لكن قراءة متأنية تكشف أن هذا الحكم العام غير منصف، لأن هذا الاقتباس غالبًا ما يُنتزع من سياقه الأخلاقي والروحي، ويُحمَّل بدلالات لم يقصدها ترتليان ضمن بنيته اللاهوتية والتربوية.
2- فهم السياق اللاهوتي والروحي
من بين أكثر مؤلفات ترتليان تعرضًا للانتقاد هو كتابه De Cultu Feminarum، إذ يُتهم فيه بأنه يعبّر عن موقف سلبي تجاه المرأة. غير أن هذا التفسير يتجاهل السياق الزمني والأدبي واللاهوتي الذي كُتب فيه هذا العمل، بل ويُخرجه من إطاره المقصود. ترتليان لم يكتب هذا الكتاب بقصد الإهانة أو الإدانة الأخلاقية للمرأة، بل كان دافعه الأساس هو دعوة النساء المسيحيات إلى التواضع والزهد في الزينة المفرطة، وتوجيه أنظارهن نحو ما هو أثمن وأبقى: الإيمان بقيم الملكوت السماوي (De Cultu Feminarum, I.1–2).
3- تحليل قول ترتليان:
لكن هذه الفكرة اللاهوتية، التي تُعدّ خلاصةً لموقف ترتليان، لا يمكن بحالٍ من الأحوال نسبتها إلى كليمندس الإسكندري. فعبارة «المرأة يجب أن تخجل من كونها امرأة» هي تحريفٌ لموقف ترتليان، لا كليمندس، بل وتمثل أيضًا اختزالًا غير دقيقٍ – بل ومشوّهًا أحيانًا – لفكر ترتليان نفسه، كما يظهر في بعض القراءات الحديثة التي عمدت إلى اقتطاع العبارة من سياقها الجدلي واللاهوتي، مما أدى إلى إساءة فهم موقفه الحقيقي.
فالفكرة المركزية التي يُدافع عنها ترتليان هنا هي أن حياة الإنسان، رجالاً ونساءً، ينبغي أن تنسجم مع جوهر الإيمان المسيحي القائم على ترك الأرضيات والتعلّق بالسماويات. صحيح أنه بدأ بأسلوب حاد، لكن الجزء اللاحق من الكتاب اتخذ طابعًا تربويًا، وأبرز صلة أخوية صادقة، خاصة حين خاطب النساء مرارًا بعبارة sorores dilectissimae (“الأخوات المحبوبات جدًا”)، مما يُظهر علاقته الودّية بهن، لا عداءه لهن.
لذا،فإن تقييم هذا العمل ينبغي أن يتم وفقًا لسياقه اللاهوتي والزمني، لا من خلال إسقاطات ثقافية حديثة قد تحرّف مقاصده التربوية. فالأسلوب التوبيخي، وإن بدا قاسيًا بمعايير اليوم، كان مألوفًا في العظات المسيحية المبكرة، ويُوجَّه أحيانًا للرجال والنساء على حد سواء بحسب موضع الضعف أو الخطر الروحي.
4- ترتليان: خطاب متوازن في مواضع أخرى
في المقابل، إننا نجد في كتابات ترتليان الأخرى ما يعكس احترامه للمرأة وتقديره لها، وأوضح الأمثلة على ذلك رسالته Ad Uxorem (“إلى زوجتي”)، التي كتبها بين عامي 197 و206، ويُعد العمل الوحيد الذي يناقش فيه أخلاقيات الزواج. وقد افتتحه بهذه الكلمات:
🔹”رأيتُ أنه من المناسب، يا شريكتي المحبوبة في الرب، أن أوجه إليك من الآن بعض النصائح حول المسار الذي ينبغي عليكِ أن تسلكيه بعد رحيلي عن هذا العالم، إن سبقْتُكِ إليه؛ وأن أستودعكِ أمانة الالتزام بهذه النصائح.”
تتكرر في هذا النص عبارات تعبّر عن مودّة صادقة مثل:
يدل على شركة روحية تقوم على المودّة والإيمان، كما يبرهن على أن رؤيته للمرأة لم تكن دونية جوهرًا، بل تربوية وسياقية، تحكمها ظروف التوجيه والتعليم الروحي.
في المجمل، تكشف القراءة النقدية لأعمال ترتليان مثل:
أن هدفه لم يكن الحطّ من كرامة المرأة، بل توجيهها نحو حياة الفضيلة والقداسة، ضمن معايير روحية صارمة تعبّر عن تصوّره النسكي للإيمان المسيحي.
وبهذا نستنتج ان القول المنسوب إلى كليمندس السكندري غير موثق إطلاقًا في أعماله، بل يُخالف توجهه العام الداعي إلى مساواة جوهرية بين الرجل والمرأة في الطبيعة والفضيلة والخلاص، والفقرات التي نسبها بعضهم إلى كليمندس الإسكندري — والتي تزعم أن “المرأة يجب أن تخجل من كونها امرأة” — لا أساس لها في نصوص كليمندس، بل تمثل إما تحريفًا أو إسقاطًا خاطئًا.
أما النصوص التي يتم الاستشهاد بها من ترتليان، فيجب أن تُفهم ضمن أطرها اللاهوتية والتربوية لا من خلال اجتزاءات حديثة. فترتليان، رغم لغته التوبيخية أحيانًا، لم يكن يكنّ عداءً للمرأة، بل كان يرشدها كأخت في الإيمان نحو حياة القداسة.
يتضح من الدراسة والتحقيق النصي الدقيق أن القول المنسوب إلى القديس كليمندس الإسكندري «كل امرأة ينبغي أن تخجل لأنها امرأة» لا أساس له في كتاباته الأصلية، ولا يتوافق مع توجهه الفكري والروحي الذي يؤكد على المساواة الجوهرية بين الرجل والمرأة في الطبيعة والكرامة والفضيلة.
إن هذا الادعاء، الذي شاع نتيجة لسوء فهم وتحريف لمقاطع نصية، وانتقل عبر مصادر ثانوية غير دقيقة، يُعد مثالاً صارخًا على مخاطر اعتماد الاقتباسات المنزوعة عن سياقها أو المنسوبة خطأً إلى شخصيات تاريخية بارزة دون تحقق علمي. مصدر الخطأ ناتج من سوء فهم أو نقل غير دقيق في مؤلفات تحليلية وتبعه تداول غير نقدي من باحثين آخرين.
ويُظهر تحليل النصوص أن ما ورد في أعمال كليمندس هو دعوة للحياء والفضيلة والأخلاق، لا ازدراء لطبيعة المرأة أو تقليل من قيمتها، وهو موقف يعكس انفتاحًا وتقديرًا مميزًا لمكانة المرأة، لا سيما في ظل الظروف الثقافية والاجتماعية لتلك الحقبة.
لذلك، فإن تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة واستعادة المعنى الحقيقي للنصوص الأصلية أمر ضروري لفهم دقيق للتراث الفكري والروحي، وللحد من انتشار تحريفات تُستغل لإثارة الفتن وتشويه سمعة شخصيات دينية وأدبية بارزة.
كليمندس يُعدّ، في سياق عصره، من أكثر آباء الكنيسة انفتاحًا وتقديرًا لمكانة المرأة على المستويين الروحي والفكري، فلا يجوز نسبة هذه العبارة إلى كليمندس السكندري دون دليل نصي، وهذا يعدّ مثالًا واضحًا على خطر تداول “الاقتباسات المنزوعة من سياقها” أو المنسوبة خطأ لكتّاب لم يقولوها مطلقًا.
——–
David D. Gilmore, Misogyny: The Male Malady, Harvard University Press, 2001, p. 173.
Wolfgang Lederer, The Fear of Women, Harcourt, Brace & World, 1968, pp. 162–163.
Clement of Alexandria, Paedagogus (The Instructor), in The Ante-Nicene Fathers, Vol. 2, translated by William Wilson, Hendrickson Publishers, 1994 (reprint), Book I, Chapter 4; Book II, Chapter 2.
Clement of Alexandria, Stromata (Miscellanies), in The Ante-Nicene Fathers, Vol. 2, translated by William Wilson, Book IV, Chapters 8 and 19.
Sirach 26:25 (Septuagint).
Tertullian, De Cultu Feminarum (On the Apparel of Women), in The Ante-Nicene Fathers, Vol. 4, translated by S. Thelwall, Book II, Chapter 1.
Roger Pearse, “Is the quote ‘Every woman ought to be filled with shame…’ really by Clement?”:
Patrologia Graeca (PG), Vol. 8, col. 429.
Cambridge University Press, Selected translations from Clement of Alexandria’s works.
Tertullian. Greek/Latin texts and translations.
Joseph Lewis, The Ten Commandments, 1946.
Henry Charles Lea, History of Sacerdotal Celibacy, 1907.
Barbara G. Walker, The Woman’s Encyclopedia of Myths and Secrets, 2011.
R. Briffault, The Mothers: A Study of the Origins of Sentiments and Institutions, 1927.
Catholic library
memraayhwh.wordpress.
assets.cambridge
.wikipedia (Clement of Alexandria)
Roger Pearse .. Did Clement of Alexandria say that “Every woman should be overwhelmed with shame at the thought that she is a woman”?
ليكون للبركة
Patricia Michael


من أبرز مزايا التعمّق في دراسة تاريخ المسيحية المبكرة، إدراك أن التحديات التي تواجه الإيمان المسيحي في الزمن المعاصر ليست طارئة أو غير مسبوقة. فعلى الرغم من أن بعض الهجمات الحديثة قد تبدو جديدة في صياغتها أو شكلها—مما يدفع البعض أحيانًا إلى ردود فعل تتّسم بالقلق أو الارتباك—إلا أن الكنيسة الأولى قد واجهت صعوبات مماثلة، بل في كثير من الأحيان كانت أشد وطأة وأكثر جذرية.
ويُعدّ القرن الثاني الميلادي نموذجًا بارزًا لذلك السياق. فقد كانت الكنيسة آنذاك في طور التأسيس، ما تزال فتية وهشّة، شبيهة بمخلوق حديث الولادة على أراضي السافانا، يخطو خطواته الأولى المرتجفة وسط بيئة معادية لا ترحم. إذ لم تكن الظروف السياسية أو الاجتماعية أو الدينية تميل لصالحها، بل كانت الهجمات على المسيحيين تتوالى من كل جانب، بعنف وسرعة.
ومع ذلك، لم تقف الكنيسة موقف الدفاع السلبي أو الانكماش. بل استجابت بمبادرة فكرية ولاهوتية جريئة، حيث صاغ القادة المسيحيون حججًا متماسكة، وبلوروا أفكارهم العقائدية، ودخلوا في حوار نقدي مع خصومهم. ومن ثمّ، أُطلق على تلك المرحلة عن جدارة لقب “العصر الذهبي للدفاعيات المسيحية” (The “golden age” of apologetics)
من بين العديد من المدافعين عن الإيمان المسيحي في العصور الأولى—وكان عددهم كبيرًا—يبرز ترتليان كأحد ألمع الشخصيات وأكثرهم تأثيرًا. هذا الأب الكنسي من شمال إفريقيا كتب مؤلَّفه الدفاعي الشهير (Apologeticum) نحو عام 197م، وقد تميّزت حججه بمستوى رفيع من العمق المنطقي والوضوح الخطابي، حتى إن قارئها اليوم قد يظن أنها كُتبت في زمننا المعاصر.
وقد أشار المؤرخ ديفيد رايت (David Wright) إلى أن جاذبية هذا العمل الدفاعي تكمن في “روعة الحُجّة التي لا تزال، حتى يومنا، قادرة على أن تُلهِم القارئ وتثير إعجابه”.
أما إيفريت فيرغسون (Everett Ferguson)، فقد وصفه بأنه “التحفة الأدبية لترتليان” بلا منازع.
فما الذي جعل استراتيجية ترتليان الدفاعية بهذه الفاعلية؟
يمكن تمييز عدد من الخصائص الجوهرية التي ساهمت في نجاح خطابه الدفاعي، وسنستعرض أبرزها فيما يلي:
في السياق الاجتماعي والسياسي لعصر ترتليان، كانت المسيحية هدفًا دائمًا لسلسلة من الاتهامات العامة التي ألقت على أتباعها اللوم في كل واقعة مأساوية. فبسبب امتناع المسيحيين عن تقديم العبادة للآلهة الرومانية، اعتُبروا سببًا مباشراً لغضب الآلهة، وهو ما فسّره المجتمع الروماني على أنه السبب الكامن وراء الكوارث العامة، من أوبئة ومجاعات وهزائم عسكرية.
وقد أدّى هذا الربط المتعسّف بين المسيحية والكوارث العامة إلى انتشار واسع لأشكال العدالة الغوغائية، حيث كان المسيحيون يتعرضون للاتهام والإدانة دون أي سند قانوني أو محاكمة عادلة. فالاتهام باسم الانتماء الديني وحده كان كافيًا لإصدار الحكم.
أمام هذا الواقع الجائر، سعى ترتليان في دفاعه إلى تفنيد الأسس الظالمة التي بُني عليها الاضطهاد، مطالبًا السلطات الرومانية بتطبيق مبدأ العدالة الإجرائية. فقد شدّد على أن مجرّد الانتماء إلى “المسيحية” لا يُشكّل تهمة بحد ذاته، بل ينبغي أن يستند أي حكم إلى دليل على ارتكاب فعل جُرمي فعلي. وعندما تُخضع التهم الموجّهة إلى المسيحيين للفحص العقلاني، يتّضح – في نظر ترتليان – أنها تفتقر تمامًا إلى أي أساس واقعي أو قانوني.
وفي إحدى صوره البلاغية الرفيعة، يلخّص ترتليان المفارقة بقوله:
“وإنما دليل جهلهم، الذي يُدينهم ويعذرهم في آنٍ معًا على ظلمهم، هو أن الذين كانوا يكرهون المسيحية من قبل، لكونهم يجهلون حقيقتها، ما إن يكتشفوها حتى يُسقطوا فورًا عداوتهم، ومن أعداء يصيرون تلاميذ.”(Apol. 1.6)
بهذا، ينطلق ترتليان في مناشدته للسلطات العامة والجمهور على السواء، داعيًا إلى الإنصاف العقلي والأخلاقي: “لا تدينونا قبل أن تعرفونا”—وهي عبارة تختزل جوهر دعوته إلى معاملة قائمة على الفهم لا التحامُل، وعلى المعرفة لا الجهل.
🔸تطبيق على الكنيسة المعاصرة:
ادعُ حتى أكثر النقّاد عداءً إلى التعرُّف عليك وعلى مجتمعك المسيحي. فكثيرًا ما ندين ما نجهله. ان تقديم وعرض المسيحية من الداخل، لا من خلال مجرد التصورات الخارجية المسبقة عنها، قد يكون استراتيجية مؤثرة وناجحة.
كثيرًا ما يُنظر إلى مفهوم “الحرية الدينية” بوصفه ثمرة تطورات فكرية حديثة، ارتبطت بمرحلة ما بعد التنوير وبالتحولات الفلسفية في الغرب الحديث. غير أن هذا التصور يتعرض للطعن من خلال كتابات آباء الكنيسة الأوائل، وعلى رأسهم ترتليان، الذي قدّم دفاعًا لافتًا عن هذا المبدأ في كتابه (Apologeticum).
فمن اللافت أن استراتيجية ترتليان لم تكن دعوة لإقصاء الأديان الأخرى أو المطالبة بفرض المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية، بل تمحورت حول مبدأ جوهري: وجوب السماح لكل جماعة دينية بأن تعبّر عن إيمانها بحرية، دون خوف من القمع أو الانتقام. لقد نادى بأن تكون العبادة فعلًا حرًّا يصدر عن القناعة الداخلية، لا نتيجة للإكراه أو الضغط.
وتبرز المفارقة حين نعلم أن هذا النوع من الحرية كان مكفولًا فعليًا لسائر الديانات ضمن النظام الديني المتسامح نسبيًا في روما، لكنّه كان يُسلب على نحو خاص من أتباع المسيح. فبينما سُمح لعبدة الأوثان بممارسة شعائرهم، حُرم المسيحيون من أبسط حقوقهم في التعبّد الحر، وكأن عبادة يسوع المسيح وحدها تُمثّل تهديدًا.
وقد عبّر ترتليان عن هذا المبدأ بوضوح حين كتب:
“فليكرّس أحدهم حياته لإلهه، وليقدّم آخر تيسًا ذبيحة. ولكن احذر أن تُضيف سببًا آخر لتهمة عدم التديّن، بأن تُنْتزع الحرية الدينية، وتُمنع حرية اختيار الإله، حتى لا أعود أعبد بحسب ميولي، بل أُجبر على عبادة ما يخالفها.”(Apol. 24.5-6)
العبارة التي قالها ترتليان تعبر عن دفاعه القوي عن الحرية الدينية وحرية المعتقد، وهي تحوي رسالتين أساسيتين:
يقول ترتليان إن لكل إنسان الحق في أن يكرّس حياته لعبادته الخاصة، مهما كان هذا الإله—سواء كان إلهه هو الله الحقيقي الذي يعبده المسيحيون، أو حتى إلهًا من نوع آخر مثل “تيس” (وهو رمز لحيوان يُقدّم في بعض الطقوس الوثنية).
الرسالة هنا أن الحرية في العبادة يجب أن تُحترم بغض النظر عن طبيعة الإله الذي يختاره الفرد.
يحذر ترتليان من أن تُنتزع هذه الحرية، أي أن يُجبر الإنسان على عبادة إله معين ضد رغبته، لأن هذا يُعتبر سببًا إضافيًا لتهمة “عدم التدين” أو الافتقار إلى التقوى من وجهة نظر المجتمع. بمعنى آخر، عندما تُمنع حرية الاختيار الديني، يتحول ذلك إلى ظلم يعزز الاتهامات ضد المسيحيين ويجعل الوضع أسوأ، لأن الإكراه على العبادة يُعد انتهاكًا لحرية الضمير والعبادة.
باختصار: ترتليان يدعو إلى احترام حرية المعتقد والعبادة لكل فرد، وينتقد بشدة أي محاولات لفرض العبادة قسرًا، لأن ذلك يزيد من الظلم والاتهامات ضد المسيحيين.
🔸تطبيق على الكنيسة المعاصرة:
ينبغي أن تعي الكنيسة اليوم أن مهمة الدفاعيات المسيحية لا تكمن في السعي لفرض العقيدة بالإكراه السياسي أو الاجتماعي، بل في المطالبة المبدئية بحق مزدوج: أولًا، الحق في عبادة السيد المسيح بحرية وكرامة دون اضطهاد، وثانيًا، الحق في تقديم المسيح للآخرين بأسلوب مقنع لا يُقابل بالعقوبات أو المنع. هكذا يكون الدفاع عن الإيمان شهادة للحرية، لا وسيلة للهيمنة.
في عالم الدفاعيات المسيحية، تتعدد القضايا والمواضيع التي يمكن تناولها للنقاش والجدال حولها، ولسوء الحظ، قد نسمح للموضوعات الساخنة في آخر الأخبار أن تتحكم في كل حوار نقوم به.
غير أن ترتليان يُذكّرنا بأهمية التمسك بالأسئلة الأساسية والجوهرية التي تقوم عليها الرسالة المسيحية، لأنه حين يُحقق النجاح في معالجة هذه القضايا المحورية، فإن الكثير من المسائل الأخرى ذات الطابع الفرعي أو الثانوية يمكن أن تُحلّ وتتضح في ضوئها لاحقًا.
أما هذه القضايا المحورية بالنسبة لترتليان، فتكمن في نقطتين رئيسيتين:
فيما يخص الكتاب المقدس، قدّم ترتليان دفاعًا متقنًا عن أصالة النصوص، مؤكّدًا أن الكتب المقدسة ذاتها تحمل في طياتها الأدلة الكافية والشهادة على مصدرها الإلهي، إذ يقول:
“فالكتب المقدسة ذاتها تقدم برهانًا على أنها إلهية.” (Apol. 20.1)
أما فيما يتعلق بالمسيح، فقد أولى ترتليان اهتمامًا خاصًا لإثبات ألوهيته، مستعينًا بلغة “اللوغوس” (logos) التي استُخدمت من قبل كتّاب سابقين مثل يوستينوس الشهيد، وخصوصًا كما وردت في مقدمة إنجيل يوحنا.
🔸تطبيق على الكنيسة المعاصرة:
في خضم الحوارات الدفاعية المعاصرة، يجب على المؤمنين أن يحافظوا على تركيزهم الحاسم على حقيقة كلمة الله وهويّة السيد المسيح. إن استقرت هذه الركائز الجوهرية في الفكر، فإن سائر القضايا والموضوعات الدفاعية يمكن بناؤها عليها بثقة وثبات.
على الرغم من أن ترتليان كرس معظم جهوده للدفاع عن المسيحية ضد الانتقادات الموجهة إليها، إلا أنه لم يقتصر على موقف المدافع السلبي. بل على العكس، كان يتخذ أحيانًا موقفًا هجوميًا يظهر من خلاله نقاط الضعف والتناقض في الأنظمة الفكرية والدينية غير المسيحية.
لقد أدرك ترتليان أن المسؤولية في تقديم مبررات للمعتقدات والسلوكيات لا تقع على عاتق المسيحيين فقط، بل ينبغي أيضًا أن تتحملها الأديان الوثنية. فعندما وُجهت إلى المسيحيين تهم باطلة مثل أكل الأطفال والانحلال الأخلاقي في اجتماعاتهم السرية، لم يكتفِ فقط بالنفي، بل كشف أن هذه الانحرافات كانت شائعة في الطقوس الوثنية التي لم يبدِ الرومان أيّة اعتراضات عليها.
وبالنسبة لرفض المسيحيين لعبادة الآلهة الرومانية، لم يكتفِ ترتليان بالمطالبة بالحرية الدينية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليجادل بأن آلهة الرومان لم تكن آلهة حقيقية بالأساس، وبالتالي فلا يمكن لوم المسيحيين على امتناعهم عن عبادتها.
🔸تطبيق على الكنيسة المعاصرة:
لا ينبغي أن تقتصر الدفاعيات المسيحية على الموقف الدفاعي فحسب، بل يجب أن تتضمن أيضًا استراتيجيات وتدابير مدروسة متنوعة. فمن المهم الرد على الاعتراضات، ولكن من الضروري أيضًا اغتنام الفرص لكشف التناقضات أو ضعف التماسك المنطقي في النظم الفكرية والدينية المنافسة.
إذا اقتصر تركيزنا على الهجمات المعاصرة الموجهة إلى الإيمان المسيحي، فقد نقع في وهم الاعتقاد بأننا نواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخ الكنيسة. غير أن نظرة متأنية وسريعة إلى مسيرة الكنيسة وتاريخها ، لا سيما خلال القرن الثاني الميلادي، تكشف لنا أن واقع الأمر مختلف تمامًا.
لقد مثّل القرن الثاني بحق العصر الذهبي للدفاعيات المسيحية، وكان عمل ترتليان بمثابة ذروة هذا العصر وتاجه المضيء. دفاعه اتسم بالعمق والرؤية، إلى حد أنه يبدو كأنه كُتب في زمننا الراهن. فقد دافع بجرأة عن حق المسيحيين في المعاملة العادلة، وحرية المعتقد الديني، ومصداقية الكتاب المقدس، وألوهية المسيح، كما اتسم بشجاعة المبادرة في توجيه النقد الحاد إلى منتقديه من غير المسيحيين، مما مكّنه من قلب الطاولة وموازين النقاش وتحويل الهجوم إلى دفاع حاسم عن المسيحية.
وبينما كانت استراتيجية ترتليان حاسمة وضرورية في زمنه، فإن قيمتها تزداد إلحاحًا في عصرنا الحديث، وربما أكثر من أي وقت مضى.
ليكون للبركة
Patricia Michael
The Brilliant Apologetic Strategy of the Ancient Church And Why We Need It Now More Than Ever – Michael J. Kruger

ترجمة ودراسة: Patricia Michael

يتناول هذا البحث كيفية نسخ ونَقْل مخطوطات العهد الجديد ضمن سياق التوسُّع والنمو الذي شَهِدَتْهُ الكنيسة الأولى، بدءًا من الحقبة الرسوليّة وحتى نهاية القرن الرابع الميلادي، وذلك في ظلِّ ظروفٍ قاسية اتَّسمت بتحديات ثقافية ودينية متعدّدة، فَضْلاً عن تكرار موجات الاضطهاد، وندرة الموارد، والصعوبات اللوجستية المتنوعة.
رغم هذه العوائق والتحديات، واصلت الكنيسة نموَّها السريع والواسع النطاق عبر أرجاء الإمبراطورية الرومانية الأمر الذي أسْفَرَ عن ازدياد الحاجة إلى النصوص المقدسة التي كانت تُنسَخ يدويًا، ويتم تداولها بين الكنائس والمسيحيين الاوائل، ضمن تفاعل متكامل بين الجهود الجماعية للكنيسة والمبادرات الفرديّة للمؤمنين.
يركّز هذا البحث على دراسة آليات النسخ اليدويّ، وتداول المخطوطات وانتقالها بين الجماعات المسيحية، مع إبراز الدور الحيويّ الذي قامت به الكنائس المحلية والمسيحيون الأوائل في حفظ نصوص العهد الجديد، إلى أن بلغ تداول الكتابات المسيحية مستوى غير مسبوق من الانتشار بحلول أواخر القرن الرابع الميلادي.
وتعتمد هذه الدراسة على منهج تاريخي نقدي يستند إلى الشهادات المستقاة من العهد الجديد، إلى جانب وثائق تاريخية مبكّرة ذات موثوقية أكاديمية.
على خلاف الطباعة الآلية للكتب في الأزمنة الحديثة، كانت عملية إعداد وتوزيع كتابات العهد الجديد خلال القرون الميلادية الأولى تعتمد اعتمادًا كليًا على الجهد اليدوي. إذ كانت كل نسخة تُعدّ يدوياً على نَحْوٍ فرديّ، غالبًا على يد مسيحي مُلمّ بالقراءة والكتابة، يقوم بنسخها عن نسخة أصلية، تُسمّى في المصطلحات القديمة “أنتيغراف” (antigraph)، والتي تعني النسخة الأصلية أو النموذجية التي يُعاد نسخها.
في بعض الحالات، كانت الأعمال الأدبية الشهيرة — مثل الإلياذة والأوديسة لهوميروس — تُنسخ بكميات أكبر في وُرَش نسخ جماعية تُعرف باسم “سكريبتوريا” (scriptoria)، حيث يقوم أحد القُرّاء بتلاوة النص بصوت مرتفع على مجموعة من الكتبة الذين يقومون بنسخه في الوقت ذاته. ومع ذلك، لم يكن هذا النمط هو السائد في الكنيسة الأولى، إذ كانت كتابات العهد الجديد خلال القرون الثلاثة الأولى تُنسخ يدويًا بالكامل (per manus)، نسخة تلو الأخرى، إمّا على يد أفراد متعلمين ضمن الجماعات الكنسية، أو بواسطة نُسّاخ شبه محترفين يمتلكون مهارات أساسية في نَسخ الوثائق، إلاّ أنّ هذا النمط من النسخ الجماعي وجد طريقه لاحقًا إلى المجتمعات الرهبانية المسيحية خلال الحقبة البيزنطية.
لم تكن عملية نَسخ المخطوطات وإعدادها وتداولها في الكنائس الأولى موحّدة أو مركزيّة. ومع ذلك، وبرغم غياب البنية المؤسسية، فقد انتشرت كتابات العهد الجديد بكفاءة ملحوظة في أرجاء الإمبراطورية الرومانية. فقد كانت الكنائس في حاجة إلى نُسَخ من الكتابات الرسولية لاستخدامها في التعليم والعبادة والجدال العقائدي واللاهوتي. ورغم أن المسيحيين الأوائل لم يمتلكوا امتيازات وسائل الاتصال الجماهيري، إلا أنهم حافظوا على كلمة الله وقاموا بنشرها من خلال المبادرات الفردية والتفاني الكنسي.
خلافًا للاعتقاد السائد بأن النظام البريدي الروماني كان يسهّل نقل الوثائق بسرعة، فإن الكتابات المسيحية لم تكن تُنقل عادةً عبر هذا النظام، بل كان يتم نقلها عن طريق التسليم اليدوي. فَـ”كُورْسُوسْ بُوبْلِيكُسْ” (Cursus Publicus) – وهو النظام البريدي الذي كانت تديره الدولة الرومانية – لم يكن متاحًا للعامّة وايضا لم يكن موثوقًا للاستخدام الشخصي، لا سيما فيما يخصّ الوثائق المسيحية. فقد كانت المراسلات الحكومية تحظى بالاولوية ضمن هذا النظام، كما ان الاستخدام الشخصي كان غالبا ما يكون مصحوباً بالضرائب الباهظة.
وبدلاً من الاعتماد على هذا النظام الرسمي، كانت المخطوطات تُنقَل بواسطة أفراد موثوق بهم، مثل الاصدقاء، وزملاء في الخدمة، أو المؤمنين المسافرين. ويوثّق العهد الجديد نفسه هذا النمط؛ فرسائل بولس، على سبيل المثال، نُقلت بواسطة رجال مثل تيخيكس (كولوسي 4: 7)، وتيموثاوس (1 تسالونيكي 3: 2)، وأبفروديتس (فيلبي 2: 25). أما سفر الرؤيا، فقد أُرسل إلى الكنائس السبع في آسيا بواسطة سبعة “ملائكة” (سفر الرؤيا 1: 20)، والمقصود بهم ليس كائنات سماوية، بل رسل حقيقيون من البشر.
وهكذا، ضمنت وسيلة التسليم اليدوي – رغم ما تنطوي عليه من مخاطر – أن تبقى المخطوطات في مأمن وأن يتم تداولها بثقة داخل الجماعة المسيحية الاولى.
أثّر نمو الحركة المسيحية في القرنين الأول والثاني بشكل مباشر على توزيع كتابات العهد الجديد. بدأت الكنيسة في اورشليم بـ 120 تلميذًا (أعمال الرسل 1: 15)، وسرعان ما شهدت توسعًا سريعًا بانضمام الآلاف في وقت قصير (أعمال الرسل 2: 41، 4:4، 5: 14). وبحلول منتصف القرن الأول، كانت المسيحية قد انتشرت في جميع انحاء يهوذا والجليل والسامرة وسوريا وأجزاء من العالم اليوناني-الروماني.
كانت كل كنيسة محلية بحاجة إلى نُسَخ مكتوبة من النصوص الرسولية المتداولة آنذاك. ومع بدء انتشار رسائل بولس الرسول (كولوسي4: 16)، أصبح من المعتاد أن تقوم الكنائس بعمل نُسَخ محلية منها. وبحلول عامي 56-57م، كان هناك على الأقل خمس كنائس منزلية في روما (رومية 16: 5 – 15). وفي أعقاب هذا التوسُّع، وخلال فترة اضطهاد نيرون 64-68م، سجّل المؤرخ الروماني تاسيتوس (Tacitus) إعدام “حشد هائل” من المسيحيين في تلك الآونة.
أدى النمو المتسارع للمسيحية إلى ازدياد الطلب على الرسائل الرسولية والأناجيل بما يفوق قدرة الإنتاج اليدوي المحدودة، التي كانت تقتصر على نَسْخ نُسخة واحدة في كل مرة.
برزت عدة مراكز رئيسية ساهمت في نَسخ وتداول هذه النصوص. فالإسكندرية، التي كانت تضم عدداً كبيراً من اليهود، شكّلت مركزًا رئيسيًا مهمّاً، ويستدلّ من حالة أبولوس في (أعمال الرسل 18: 24) الى أنّ المسيحية وصلت الإسكندرية مبكّرًا، ربما عن طريق يهود الشتات الذين آمنوا في عيد الخمسين (أعمال الرسل 2: 10).
أمّا أفسس، فقد اصبحت مركزًا هامًا لنسخ الأناجيل والرسائل، لا سيّما بفضل خدمة بولس الرسول وتيموثاوس (1 تيموثاوس 1: 3-5؛ كولوسي 4: 16).
كما لعبت أنطاكية في سوريا دورًا حاسمًا كمركز للبعثات التبشيرية إلى مناطق متعددة، حيث كانت نقطة الانطلاق لخدمة القديسين بولس وبرنابا ومن تبعهم من المبشرين في إعلان الإنجيل ونشر المسيحية بين الأمم (أعمال الرسل 13: 1-3). وفي أنطاكية، دُعي التلاميذ “مسيحيين” لأول مرة (أعمال الرسل 11: 26). وبحلول أوائل القرن الثاني، كان حكّام مثل بليني الاصغر (Pliny the Younger) يتعاملون مع وجود مسيحي واسع النطاق، حتى في مناطق لم يزرها بولس قَط مثل بيثينية (Bithynia).
ومع اتساع رقعة انتشار المسيحية، اتّسع معها تداول كتابات العهد الجديد. لم تكن هذه النصوص تُوزَّع بكميات كبيرة عبر قنوات تجارية أو مكتبات عمومية، بل حُفِظت ونُسِخت وتناقلها المؤمنون الأُمناء، نسخةً تلو الأخرى، من خلال جهود فردية واعية ومتفانية.
إذا افترضنا أن الكنائس كانت تستبدل أسفارها المجلَّدة كل 20 إلى 25 عامًا بسبب التآكل الناتج عن الاستخدام الليتورجي المتكرر، يصبح من الممكن إجراء استقراء تقريبي لحجم النُسَخ المتداولة. وبالاعتماد على تقدير يشير إلى وجود نحو 100 كنيسة بحلول عام 200م، ومع افتراض دورة استخدام تمتد لـ 25 عامًا، يمكن الوصول إلى التقديرات المتحفظة التالية:
تعكس هذه الأرقام الاستخدام الكنسي العام فقط، أمّا المُلكيّة الفرديّة وعمليّات إعادة النسخ الخاصة، فكان من شأنها أن تُضاعف هذه الاعداد بدرجة كبيرة. فقد كان المسيحيون المتعلّمون، ولا سيّما من الطبقات الثريّة، يطلبون احياناً نُسَخًا شخصية، أو يموّلون انتاج نسخًا لفائدة الآخرين.
وقد شجع آباء الكنيسة مثل إيريناؤس، وكليمندس الإسكندري، وأوريجينوس على القراءة الفردية، مما يشير إلى أن شريحة كبيرة من المؤمنين قد انخرطت في قراءة الكتابات المسيحية المقدّسة على نحو شخصي خارج نطاق العبادة الجماعية.
فعلى سبيل المثال، أشار أوريجينوس مراراَ عن قيام المسيحيين بقراءة النصوص المقدّسة في منازلهم Homilies on Genesis 2.8. كما شجع كليمندس العائلات على القراءة المشتركة (Paedagogus2.10.96; 3.12.87) اما بامفيلوس، العالِم المسيحي والقس في قيصرية، فقد أنشأ مكتبة للنصوص الكتابية التي تُنسخ وتوزَع على المحتاجين، وهو أمر أكّد عليه القديس جيروم (Against Rufinus 1.9).
أدّى الانتشار الواسع لكتابات العهد الجديد إلى جعل الأدب المسيحي هدفًا مباشرًا خلال اضطهاد دقلديانوس الذي بدأ عام 303م. ولأول مرة في تاريخ الإمبراطورية الرومانية، لم يُستهدف المسيحيون بالاعتقال والإعدام فحسب، بل جرت أيضًا محاولات منهجية لتعقُّب نصوصهم المقدسة وتدميرها عمدًا. ففي 23 فبراير من عام 303م، صدر مرسوم إمبراطوري في نيقوميديا (Nicomedia) يقضي بهدم الكنائس وإحراق الكتابات المسيحية. سعى دقلديانوس من خلال ذلك إلى فرض وحدة الإمبراطورية عبر إحياء الديانة الرومانية التقليدية، وجعل من القضاء على الأساس الكتابي للمسيحية محورًا مركزيًا في هذا المسعى.
يروي يوسابيوس، الذي عاصر تلك الأحداث، في كتابه تاريخ الكنيسة:
“لقد أُلقيت الكتب المقدسة الملهمة في وسط الأسواق لتلتهمها النيران” (Ecclesiastical History 8.2.1).
وأكد المؤرخ و. هـ. سي. فريند (Wilfred Howard Charles Frend) شمولية الحملة الرومانية بقوله:
“في جميع أنحاء الإمبراطورية، شرعت السلطات في حرق الكنائس المسيحية وجمع نُسخ الكتابات المقدسة”.
امتثل بعض المسيحيين وسلّموا ما كان لديهم من نُسخ، بينما قاوم آخرون بشجاعة، مفضلين الاستشهاد على التفريط بكلمة الله. ومن هؤلاء، على سبيل المثال، الأسقف فيليكس من ثيبيوكا (Bishop Felix of Thibiuca)، الذي رفض تسليم ما في حوزته من نُسخ مقدسة، مفضلًا الموت على التفريط بها. في المقابل، سلّم آخرون أعمالًا غير قانونية بدلًا من النصوص المقدسة، أو أخفوها في المنازل والكهوف.
تشير بعض الشهادات إلى أساليب حفظ هذه النصوص. ففي مدينة قَفْطَ (كُوبْتُوسَ، Coptos) بمصر، أخفى أحد المسيحيين كتابات فيلو التي تتضمن اقتباسات من الأناجيل داخل فجوة في الجدار. كما وُزّعت المخطوطات في سيرتا (Cirta)، وهي مدينة قديمة في شمال إفريقيا، بين القراء المحليين تفاديًا للمصادرة.
تشهد هذه الروايات على عمق التبجيل والتقدير الذي أبداه المؤمنون تجاه كلمة الله، وحرصهم الشديد على صونها وحمايتها من الاندثار.
على الرغم من شدة الاضطهاد، نجت العديد من المخطوطات. وتشهد مجموعتا برديات بيتي وبودمر (The Beatty and Bodmer papyri collections)، اللتان يعود تاريخهما إلى القرنين الثاني والثالث، على صمود المجتمعات المسيحية وحرصها على حفظ نصوصها المقدسة. وشملت هذه المجموعات مخطوطات كاملة أو شبه كاملة نجت من محاولات الإتلاف والحرق. أما أضخم مجموعة محفوظة من برديات الكتاب المقدس فهي تعود إلى أوكسيرينخوس (Oxyrhynchus) — المدينة المصرية القديمة — والتي تقدم رؤية لا مثيل لها حول انتشار المخطوطات.
أسفرت الاكتشافات الأثرية في مدينة أوكسيرينخوس، وهي مدينة قديمة في مصر، عن العثور على 46 بردية تحتوي على أجزاء من العهد الجديد، يعود معظمها إلى الفترة بين عامي 200 و400 ميلادي، مع وجود بعض البرديات التي يرجع تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي (مثل: P52، P90، P77، P103، P104).
“تعكس هذه البرديات مزيجًا من الاستخدام العام والخاص؛ فبعضها كُتب بوضوح ليتناسب مع القراءات الكنسيّة، من حيث استخدام الحروف الكبيرة وأسلوب الكتابة الرسمي، في حين يُظهر بعضها الآخر طابعًا شخصيًا وغير رسمي، ممّا يشير إلى استخدامات فرديّة.
P1, P5, P15+P16, P23, P30, P39, P48, P77+P103, P90, P95, P104, P108, and P109.
P9, P17, P18, P24, P106, and P107
يشير التفاوت في جودة النَّسخ وتنوُّع الصِّيَغ والأساليب إلى الانتشار الواسع لنصوص العهد الجديد، بما يتجاوز نطاق النُسّاخ المحترفين من رجال الدين أو الرهبان. فقد شاركت الكنائس والمؤمنون الأفراد على حد سواء في عملية نسخ النصوص وقراءتها، والمحافظة عليها، مما يعكس حرصًا جماعيًا دؤوبا في نقل الكلمة المقدسة وصيانتها عبر الأجيال.
بعد مرسوم ميلانو الذي أصدره قسطنطين عام 313م، لم تعد الكتابات المسيحية محظورة بل أصبحت محميّة من قِبَل الدولة. وقد كلّف الامبراطور قسطنطين المؤرخ يوسابيوس بإعداد خمسين مخطوطة كاملة من الكتاب المقدس لكنائس القسطنطينية (Life of Constantine 4.36). وكانت هذه لحظة غير مسبوقة في تاريخ الكنيسة، إذ أصبح إنتاج الكتابات المقدّسة مدعومًا من الإمبراطورية.
بحلول عام 400م ، بلغ عدد الأبرشيات حوالي 400 ابرشية. ووفقًا لتقدير جيه. دوبلاسي (J. Duplacy) فقد تم إنتاج ما بين 1500 إلى 2000 مخطوطة للعهد الجديد باللغة اليونانية في القرن الرابع، أي بمعدل يتراوح بين 4-5 مخطوطة لكل أبرشية. وهذا يُمثّل قفزة نوعية في وفرة المخطوطات وتوحيدها.
في أوائل القرن الخامس، قام ثيودوريتوس القورشي (Theodoret of Cyrrhus) بإزالة نحو 200 نسخة من “الدياطسارون” (Diatessaron) لتاتيان من منطقته، واستبدلها بمخطوطات مستقلّة للأناجيل الأربعة—وهو ما يشير الى أن مخطوطات الأناجيل الأربعة كانت متوفرة على نطاق واسع، حتى في المناطق النائية نسبيًا.
بحلول نهاية القرن الرابع الميلادي، كانت الكتابات المسيحية قد حققت انتشارًا واسعًا وغير مسبوق في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية.
فعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها في بداياتها—من غموض واضطهاد ونقص في الموارد والقيود المادية القاسية—فقد جرى نسخ العهد الجديد وتمَّ تداوله وتقديره من قِبَل الكنيسة المسيحية التي كانت تشهد توسعًا مستمرًا وسريعًا.
لقد ساهم هذا الانتشار، إلى جانب جهود وتفاني المؤمنين الأوفياء الذين تناقلوا هذه النصوص من يدٍ إلى يدٍ، ومن قلبٍ إلى قلبٍ، في ضمان عدم ضياع كلمات السيد المسيح ورسله أو اندثارها.
فمن المدن الصغيرة النائية في آسيا الصغرى، إلى الأوساط النخبوية والطبقات الراقية في القسطنطينية، ومن القرّاء الذين كانوا يطالعون النصوص بطريقة غير معلنة في أوكسيرينخوس إلى القُرّاء في كنائس أنطاكية الذين كانوا يتلون النصوص المقدّسة مجاهرةَ أمام الجماعات المسيحية —كان الحفاظ على كتابات العهد الجديد ثمرة تفانٍ، وإيمان عميق، وقناعة راسخة من المسيحيين الأوائل الذين خدموا الكلمة في ظروف استثنائية.
ليكون للبركة
Patricia Michael
The Distribution of Early Manuscripts: New Testament Transmission, Church Growth, and Textual Preservation


النص الإنجليزي من كتاب ضد الهرطقات
“They, however, that they may establish their false opinion regarding that which is written, ‘To proclaim the acceptable year of the Lord,’ maintain that He preached for one year only, and then suffered in the twelfth month. They are deceived, not understanding the account of what took place. For the Lord came to be baptized, not when He was a child, but when He was already thirty years old, and then He came to Jerusalem, so that He might be properly acknowledged by all, and that He might fulfill the time of teaching, as the Gospel of Luke testifies. Now, Jesus was not only thirty years old when He fulfilled the office of a Teacher, but He was of the age between thirty and forty and even up to nearly fifty years of age, as He still taught, as the Gospel and all the elders testify…”
المرجع:
Against Heresies 2.22.6
الترجمة اللاتينية
“Non autem tantum triginta annorum erat Dominus, cum magistri haberet aetatem, sed et quadraginta annorum fere existens docebat, quemadmodum et omnes seniores testantur, qui in Asia apud Iohannem discipulum Domini convenerunt, testificantes quoniam Iohannes tradidit eis, haec enim causa Dominus multum maior triginta annis apparuit, ut magistri haberet aetatem, non autem ut qui nondum habet eam.”
الترجمة الإنجليزية (Robert M. Grant, public domain):
“But Jesus was not only thirty years old when He exercised the functions of a teacher, but He was also about forty years old, as the elders testify who were conversant with John the disciple of the Lord… the Lord appeared to them not as a young man, but as one advanced in years, as one who had attained the age of a teacher.”
يقول ايرناؤس:
“باختصار الكلام والحديث: لم يكن يسوع فقط ابن ثلاثين سنة عندما بدأ التعليم، بل كان في سن يتراوح بين الثلاثين إلى الأربعين، بل وحتى قريب من الخمسين، لأنه ظلّ يعلّم، كما يشهد الإنجيل وكل الشيوخ…”
فهذا اجتهاد غير ملزم وغير مبني علي موثوقية بل راي اجتهادي منه. إيريناؤس قال إنه ينقل من “شيوخ من آسيا الذين عرفوا يوحنا الرسول”، لكنه:
استنتج هذا من النص الوارد في يوحنا 8: 57 “ليس لك خمسون سنة بعد، وقد رأيت إبراهيم؟ “
وهذا كان استهزاء من اليهود فهم لم يعلموا سنة بل قالوا ان ليس لك خمسون سنة بعد. استنتاج منهم ولكن انجيل لوقا 23: 3 يقول ان يسوع ابتدأ خدمته في سن الثلاثين. ولكنه استنتج هو من هذا النص ان مظهر يسوع لديهم قد يكون بالقرب من الخمسين. والباحثون اليوم يتفقون أن ما قاله إيريناؤس ليس تصريحًا تاريخيًا دقيقًا، بل تصريح رمزي دفاعي ضد الغنوصية. فيمكن اعتماد راية افتراض لاهوتي مبني على ظاهر نص، مش تقرير تاريخي دقيق فكان يريد ان يؤكد ان المسيح مر بالمراحل السنية من الطفولة الي النضوج أي انها مر بكل المراحل العمرية كرد علي الغنوصية التي قالت ان يسوع عاش سنة واحدة.
المرجع: الحوار مع تريفو اليهودي (Dialogue with Trypho), فصل 100
“For He began to be a teacher when He was thirty years old, as Luke has declared; and He was crucified when He was thirty-three years old.”
الترجمة:
“لقد بدأ يسوع تعليمه عندما كان عمره ثلاثين عامًا، كما أعلن لوقا، وصُلب وهو في الثالثة والثلاثين.”
المرجع: الستروماتا Stromata, Book I, Chapter 21
“Our Lord was born in the 28th year before the death of Augustus, and He suffered in the 15th year of Tiberius Caesar… so that He completed His life in the 33rd year.”
الترجمة:
“ولد ربنا قبل وفاة أوغسطس بـ 28 سنة، وتألم في السنة الخامسة عشرة لطِيباريوس قيصر… وبالتالي أكمل حياته في السنة الثالثة والثلاثين.”
المرجع: ضد كلسس (Against Celsus), Book 2, Chapter 10
“Jesus taught for three years and was crucified in the thirty-third year of His life.”
الترجمة:
“علَّم يسوع لمدة ثلاث سنوات وصُلب في السنة الثالثة والثلاثين من عمره.”
المرجع: عن دانيال (Commentary on Daniel), Book 4, Section 23
“For the Lord was born in the 42nd year of Augustus, and suffered in the 33rd year of His life.”
الترجمة:
“لقد وُلِد الرب في السنة الثانية والأربعين لأغسطس، وتألم في سن الثالثة والثلاثين من عمره.”
المرجع: Exposition of the Gospel of Luke, Book 2, Section 56
“He began His work at thirty years of age, and accomplished the work of redemption by the time He was thirty-three.”
الترجمة:
“بدأ عمله في سن الثلاثين، وأكمل عمل الفداء عندما بلغ الثالثة والثلاثين.”

ترجمة وتعليق: آرثر دانيال

يبدأ الفصل بالإشارة إلى التغير الجوهري الذي طرأ على تعريف النص الأصلي للعهد الجديد. فبعدما كان البحث التقليدي يهدف إلى الوصول إلى نص واحد “نص المؤلف” هو نص الكُتّاب الأصلي، تحول الآن إلى البحث في عدة أنواع من النصوص عبر مراحل تاريخية مختلفة مثل:
وقد أطلق إلدون إيب (Epp) هذا التصنيف في مقاله حول “تعدد المعاني لمصطلح النص الأصلي”،[3] معتبرًا أن أي دراسة لتكوين أو تعديل نصي على أي مستوى تدخل ضمن نطاق النقد النصي.[4]
في هذا السياق ظهر منهج Coherence-Based Genealogical Methodالذي أوجد تصنيفات جديدة:
يُعتقد أن النص الأُولَيِّ لا يوجد في أي مخطوطة فعلية، بل يُعاد تكوينه من شواهد متفرقة. ووفقًا لـ Wachtel وMink، فإن النص الابتدائي يهدف إلى استعادة النص الذي سبق نص النموذج الأول ويفترض أن يكون أقرب لنص المؤلف، لكنه يبقى افتراضيًا حتى يُثبت عكس ذلك.
نتائج هذا التحول:
أثر ذلك على الإيمان المسيحي: يحذر الكاتب من أن هذه التحولات لها تبعات خطيرة:
الرد على اعتراضات بارت إيرمان:
عن عصمة الكتاب المقدس:
الدليل على أن الكُتاب كانوا يعلمون أنهم يكتبون كلام الله المقدس:
دور الكنيسة المبكرة:
في الختام:

يبدأ الكاتب بيتر جاري بتأكيد أن نص العهد الجديد هو من أكثر نصوص العصور القديمة موثوقية من حيث التوثيق، إذ وصل إلينا عبر: (1) آلاف المخطوطات اليونانية، و(2) مئات الترجمات القديمة (كاللاتينية، السريانية، القبطية)، و(3) اقتباسات آباء الكنيسة المبكرين.
لكنه يوضح أن هذه الشواهد رغم كثرتها لا تتفق دائمًا، مما يفرض الحاجة إلى منهج علمي نقدي لحسم الاختلافات واستعادة النص الأصلي.
ما هي الانتقائية العقلانية؟
والهدف الأساسي هو استنتاج القراءة الأصلية التي تفسّر كيف نشأت القراءات الأخرى.
المناهج المنافسة:
مثال: في 1 يوحنا 23:2 النص البيزنطي يحذف الشطر الثاني (من يعترف بالابن، يكون له الآب أيضًا) رغم وضوح كونه محذوفًا نتيجة السهو، وقد اختار انصار النص البيزنطي القراءة الأقصر لكون أغلب المخطوطات تدعمها فقط وليس لأي سبب آخر.
الانتقائية الشاملة (Thoroughgoing Eclecticism):
خطرها: الاعتماد المفرط على الحكم الذاتي للنقاد حول أسلوب المؤلف، كما أن النتائج تثبت خطئها، على سبيل المثال: وفقًا للدراسات فإن المخطوطة الفاتيكانية قرائتها صحيحة بنسبة 74%، بينما مخطوطة كـ 044 صحيحة بنسبة 54% وهذه الإحصائية وفقًا للمعاير الداخلية فقط، مما يدحض اعداء أنصار منهج الانتقائية الشمولية أنه لا توجد مخطوطة أفضل من أخرى.
مزايا الانتقائية العقلانية:
الاعتراض الشائع: “نص فرانكشتاين (Frankenstein)”أي نص هجين مركب غير موجود في مخطوطة بعينها: [9]
ينتقد البعض (مثل روبنسون، وهو من أنصار النص البيزنطي) أن الانتقائية العقلانية تنتج نصًا مركبًا لا يوجد في أي مخطوطة واحدة، يدّعي هؤلاء أن ذلك يهدم سلطة النص لأنه تركيب حديث.
الرد:
في النهاية، يدعو الكاتب للابتعاد عن الإفراط في الثقة أو الإفراط في الشك، ويرى أن الانتقائية العقلانية أفضل السبل العلمية لاستعادة كلمات الوحي الأصلية بدقة.

يركّز روبنسون في البداية على أن النقد النصي للكتاب المقدس ليس نشاطًا علميًا مجردًا، بل هو ممارسة روحية تتعامل مع “كلمة الله”، ومن ثم فإن ضبط النص بدقة أمر بالغ الأهمية للاهوت المسيحي.
يحدّد روبنسون ثلاث مدارس رئيسية في النقد النصي: الانتقائية العقلانية (Reasoned Eclecticism)، والانتقائية الشاملة (Thoroughgoing Eclecticism)، وأولوية النص البيزنطي (Byzantine Priority).
ويقول إن نسبة الاتفاق بين النص البيزنطي والنص النقدي هي 94%، مما يعزز الثقة في أن النص الأصلي ما يزال قائمًا بدرجة عالية أيا كان المنهج الذي تتبعه.
يرفض روبينسون تعريف أولوية النص البيزنطي بأنه مجرد تفضيل للقراءة الأغلبية في المخطوطات البيزنطية، بدلًا من ذلك، يطرح أن النص البيزنطي هو النص الأصلي الأسبق زمنًا، وأن بقية النصوص (النص السكندري والنص الغربي) تمثل انحرافات عنه، سواء بشكل واعٍ (مراجعة) أو عن طريق عملية تطور غير موجهة.
ويقول إن المدارس النقدية الأخرى تفترض أن النص البيزنطي هو نتاج متأخر، بينما يرى هو أن النص البيزنطي نشأ قبل القرن الرابع، ويوجد العديد من القراءات البيزنطية (سواء كانت بيزنطية خالصة أو مشتركة مع عائلة أخرى) الموجودة في البرديات القديمة.
ينتقد روبنسون فكرة أن النص البيزنطي هو نتاج عملية تطور بطيئة وغير مركزية، مشيرًا إلى أن:
يوضح روبنسون أن أولوية النص البيزنطي لا تعني دائمًا اختيار القراءة الأغلبية، بل تعني أن هذا الشكل النصي كان موجودًا منذ البداية (النص البيزنطي). النصوص الأخرى بما في ذلك الإسكندرية تمثل انحرافات لاحقة أو مراجعات محلية. هذا التفسير يضع النص البيزنطي كـ “المعيار المرجعي” التاريخي وليس كمجرد نتاج أغلبية عددية.
يناقش أيضا التنوع داخل المخطوطات البيزنطية نفسها، مشيرًا إلى أن هذا لا ينفي وجود إجماع نصي واسع، يوضح أن النص البيزنطي يتكوّن من تيارات متعددة مثل Kx وKr وKc لكنها تحافظ على بنية أساسية مشتركة. فقط عندما يكون هناك انقسام حاد داخل هذه التيارات يُلجأ إلى معايير أخرى لاتخاذ القرار (وها يدل أن النص البيزنطي ليس نصا مسيطرا عليه من الكنيسة، ورغم ذلك هو مستقر)
في النهاية يختم روبينسن بصلاة اقتبسها من ويستكوت:
“أيها الرب المبارك، الذي بعنايتك الكاملة كُتبت كل الأسفار المقدسة وحُفظت لأجل تعليمنا، امنحنا نعمة أن ندرسها كل يوم بصبر ومحبة. قوي نفوسنا بملء تعليمها الإلهي. أبعد عنّا كل كبرياء وعدم توقير. قدنا في أعماق حكمتك السماوية، وبمراحمك العظيمة، قُدنا بكلمتك إلى الحياة الأبدية، بواسطة يسوع المسيح مخلّصنا. آمين.”[12]

منهج ستورز:
يعرض ديفيد آلان بلاك دفاعًا عن منهج ستورز (Harry Sturz) في نقد النصوص، الذي يعتبر محاولة توفيقية بين المدارس المختلفة، خصوصًا بين: منهج الأغلبية (Byzantine Priority) والانتقائية العقلانية (Reasoned Eclecticism)
ويرى بلاك أن منهج ستورز هو الحل الأنسب لمشكلة تحديد النص الأصلي للعهد الجديد.
أمثلة تطبيقية:
(بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ)
تضيف أغلب المخطوطات عبارة “في أفسس” بينمها تحذف أقدم المخطوطات نفس العبارة (مثل السينائية، الفاتيكانية والبردية 46)
لذا القراءة الأفضل هي القراءة الأطول “في أفسس” مع فتح باب للنقاش.
(وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ)
تحذف المخطوطات القدمية كلمة “باطلًا” (مثل البردية 64 والسينائية والفاتيكانية) بينما تضيف أغلب المخطوطات هذه العبارة.
يقول ميتزجر: “رغم أن القراءة التي تحتوي على εἰκῇ (باطلا/بلا سبب) منتشرة منذ القرن الثاني، إلا أن من الأرجح أنها أُضيفت من قبل النُساخ لتخفيف صرامة كلام يسوع، لا أنها حُذفت لأنها غير ضرورية.”[14]
وهذا يعارض رأي الكاتب كما سأوضح.
هذا التوجه ليس غريبًا عن باقي أسفار العهد الجديد، فبطرس في رسالته الأولى (3:17–4:15) يُقر بأن المسيحيين قد يعانون أحيانًا بسبب أخطاءهم، وليس فقط بسبب تمسكهم بالحق. انطلاقًا من ذلك، من غير المستبعد أن يكون يسوع في متى 5:22 قد استخدم بالفعل تقييدًا لعبارته بوجود “سبب” للغضب، كما هو الحال مع استخدامه لعبارة “إلا لعلة الزنا” في متى 5:32 كاستثناء لعدم الطلاق.
بالتالي، هناك احتمال أن أحد النُساخ قد حذف كلمة εἰκῇ من النص، ظنًا منه أن وجودها قد يُفسر بشكل متساهل مع الغضب، فيجعل النص أقل صرامة، مما يتناقض مع أسلوب يسوع المعتاد. وفي هذه الحالة، يكون النص الأصلي قد احتوى على كلمة “بلا سبب”، وأن الحذف جاء في محاولة “لتشديد” العبارة بدلًا من “تليينها”، وهو عكس ما يفترضه بعض النقاد. هذا يُبرز احتمالًا معقولًا أن القراءة الأقصر ليست الأصلية، بل هي نتيجة تدخل تحريري من ناسخ أراد أن يُظهر تعليم يسوع بأقصى درجات الصرامة، حتى على حساب الدقة النصية.
لذا فإن القراءة الأطول (باطلا) هي غالبا القراءة الأصلية.
(وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ)
تحذف المخطوطات المبكرة عبارة “الذي هو في السماء” (مثل السينائية والفاتيكانية البردية 66 و75) بينما تضيف أغلب نفس العبارة.
لذا فالقراءة الأطول “الذي هو في السماء” هي القراءة الأصلية.
أفسس 1:1
|
א2 A B2 D F G K L P (Ψ* illegible) Ψc 075 0150 0278 33 81 88 104 181 256 263 326 330 365 424* 436 451 459 614 629 630 1175 1241 1319 1573 1852 1877 1881 1912 1962 1984 1985 2127 2200 2464 2492 2495 Byz Lect itar itb itc itd itdem itdiv ite itf itg ito itr itx itz vg syrp syrh copsa copbo goth arm eth geo slav Ambrosiaster Victorinus-Rome PsIgnatius Chrysostom Pelagius Theodorelat Cyril Ps-Jerome Theodoret Cassiodorus John-Damascus ς |
τοῖς ἁγίοις τοῖς οὖσιν ἐν Ἐφέσῳ καὶ πιστοῖς
إلى القديسين الذين في افسس والمؤمنين |
|
p46 א* B* 6 424c 1739 Marcionaccording to Tertullian Marcionaccording to Epiphanius Origenvid (Ephraem) mssaccording to Basil |
إلى القديسين والمؤمنين |
متى 22:5
|
p64 א* B Ω 372 1292 1424mg 2174vid 2737 itaur vg ethms Gospel of the Nazarenes Ptolemy Justin Tertullianvid Origen Theodore-Heraclea Chromatius Jerome Theodoreaccording to Apollinaris Augustine3/4 Cassian Ps-Athanasius mssaccording to Apollinaris Greek mssaccording to Augustine |
ὅτι πᾶς ὁ ὀργιζόμενος τῷ ἀδελφῷ αὑτοῦ ἔνοχος
إن كل من يغضب على أخيه يكون مستوجب الحكم
|
|
א2 D E K L W Δ Θ Π Σ 0233 f1 f13 28 33 157 180 205 565 579 597 700 892 1006 1010 1071 1079 1195 1216 1230 1241 1242 1243 1342 1365 1424 1505 1546 1646 Byz Lect ita itb itc itd itf itff1 itg1 ith itk itl itq vgms syrc syrs syrp syrh syrpa copsa copmae copbo goth arm ethTH geo slav Diatessaron Irenaeus Cyprian Eusebius Hilary Lucifer Basil Apostolic Constitutions Ps-Justin Chrysostom Augustine1/4 Cyril Speculum Theodoret mssaccording to Origen mssaccording to Apollinaris mssaccording to Jerome ς |
ὅτι πᾶς ὁ ὀργιζόμενος τῷ ἀδελφῷ αὑτοῦ εἰκῆ ἔνοχος
إن كل من يغضب على أخيه باطلا (بلا سبب) يكون مستوجب الحكم
|
يوحنا 13:3
|
p66 p75 א B L T Wsupp 083 086 0113 33 1010 1241 copsa copbo(pt) copach2 copfay geo2 Diatessaron Origenlat(2/4) Adamantius Eusebius Gregory-Nazianzus Apollinaris GregoryNyssa Didymus Epiphanius3/4 Jerome1/3 Cyril14/16 (Cyril1/16 θεοῦ) Theodoret1/4 |
εἰ μὴ ὁ ἐκ τοῦ οὐρανοῦ καταβάς, ὁ υἱὸς τοῦ ἀνθρώπου.
إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان |
|
(A* omit ὢν) Ac E G H K N Δ Θ Π Ψ 050 (063 l751(1/2) θεοῦ for ἀνθρώπου) f1 f13 28 157 180 205 565 579 597 700 892 1006 1009 1071 1079 1195 1216 1230 1242 1243 1253 1292 1342 1344 1365 1424 1505 1546 1646 2148 2174 Byz Lect ita itaur itb itc itf itff2 itj itl itq itr1 (ite syrc syrpal vg syrp syrh copbo(pt) arm eth geo1 slav Hippolytus Hippolytus Novatian Origenlat(2/4) Origenlat Eustathius Jacob-Nisibis Zeno ὃς ἦν) Ambrosiaster Aphraates Hilary Lucifer Basil Amphilochius Ambrose Epiphanius1/4 Chrysostom Chromatius Jerome2/3 Augustine Nonnus Paul-Emesa Cyril1/16 Ps-Dionysius Hesychius Theodoret3/4 John-Damascus ς |
εἰ μὴ ὁ ἐκ τοῦ οὐρανοῦ καταβάς, ὁ υἱὸς τοῦ ἀνθρώπου ἀνθρώπου ὁ ὢν ἐν τῷ οὐρανῷ
إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء |
[1] Black, D. A., & Shah, A. P. (Eds.). (2023). Can we recover the original text of the New Testament? Wipf and Stock Publishers.
[2] Abidan Paul Shah, “The Current Debate Over the Original Text of the New Testament,” in Can We Recover the Original Text of the New Testament?, ed. D. A. Black and Abidan Paul Shah (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 2023), chap. 1.
[3] Eldon J. Epp, “The Multivalence of the Term ‘Original Text’ in New Testament Textual Criticism,” Harvard Theological Review 92, no. 3 (1999): 245–281.
[4] في رأي الشخصي: الاحتمال الأول لـ “النص الأصلي” الذي هو النص السابق لنص المؤلف (pre-authorial) لا يمكن للنقد النصي أن يتعامل معه أصلا، المقصود بمصطلح “النص السابق لنص المؤلف” هو المصادر التي أعتمد عليها الكتاب لتكوين نصهم، على سبيل المثال في متي ولوقا سيكون هذا النص هو المصدر “Q”، ومثل هذه النصوص لا يمكن للنقد النصي أن يتعامل معها، في الحقيقة هذا اختصاص النقد الأعلى وليس الأدنى. الاحتمال الثاني: نص المؤلف، وهو النص الذي كتبه المؤلف بخط يده، وهذا أيضًا لا يمكن استعادته أو إعادة تكوينه، وهذا لسبب منطقي جدا وهو أن اسفار العهد الجديد كانت تمر بعد تأليفها بعملية تحريرية غالبا على يد تلميذهم، ونحن نعلم أن انجيل يوحنا وأعمال لوقا وأغلب رسائل بولس مرت بهذه العملية، فكيف نعيد نص المؤلف وهو لم ينشر أصلا؟ أو بمعنى أخر كيف يمكننا أن نعيد بناء نص المؤلف ولم تتبق لنا أي مخطوطة له.
والاحتمال الأقرب هو أننا نعيد بناء “النص القانوني” أو النص المُحرر edited text وهو التعريف الصحيح لـ “النص الأصلي” وهو يمكن الوصول إليه.
[5] التقليد النصي للعهد الجديد غني جدًا بحيث يجعلنا شبه متأكدين أننا نعيد صياغة النص الأصلي بدقة، نمتلك مخطوطات يونانية قديمة جدا تقليدها النص يعود لمنتصف القرن الثاني، مخطوطات موزعة جغرافيا بشكل كبير بالإضافة إلى الكم الهائل من الترجمات والاقتباسات الآبائية، كل هذا يجعلنا متأكدين من أن الصياغة الأصلية للعهد الجديد حُفظت هنا أو هناك، ودور الناقد هو الترجيح بينهم.
[6] “First, it is evident that we are dealing with a situation that involves a mixture of both fluidity and stability; a key issue is the relationship between the two. On the one hand, there is evidence of variation (sometimes substantial) in the process of scribal transmission; on the other hand, there are also evident factors favoring the stability of the textual transmission. Second, with the possible exception of the gospel of Luke and of Acts (where the differences between the “Alexandrian” and “Western” textual traditions are considerably greater than they are elsewhere in the New Testament), there is little if any evidence of any major disruption to the text. Third, apart from the endings of Mark and of Romans,68 variation during the time period in view affects a verse or less of the text.69 nearly all In short, we appear to be dealing with a situation characterized by macro-level stability and micro-level fluidity.”
Michael W. Holmes, “The Text of the New Testament in the Second Century: Witnesses and Tendencies,” in The Early Text of the New Testament, ed. Charles E. Hill and Michael J. Kruger (Oxford: Oxford University Press, 2012), 57-58.
[7] Peter J. Gurry, “Reasoned Eclecticism and the Original Text,” in Can We Recover the Original Text of the New Testament?, ed. D. A. Black and Abidan Paul Shah (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 2023), chap. 2.
[8] أي أنه من وجهة نطر أولية النص البيزنطي، كان هناك مخطوطات بيزنطية مبكرة لكن اندثرت، وهذا الزعم لا يقبله باقي المناهج. ووجهة نظر الانتقائية الشمولية فإننا لا يمكننا أن نعرف العلاقات بين المخطوطات، وهذا الزعم ترفضه باقي المناهج.
[9] في الحقيقة هذا الادعاء عارٍ من الصحة، وفقا لبيانات Editio Critica Maior القائمة على CBGM: تتفق المخطوطة الفاتيكانية مع النص الأولي بنسبة 96% في الرسائل الكاثوليكية، وبنسبة 96.5% في أعمال الرسل، وبنسبة 96.8% في مرقس. كما يتفق نص الأغلبية مع النص الأولي في أعمال الرسل بنسبة 91.5%، وفي مرقس بنسبة 88.7%، وفي سفر الرؤيا بنسبة 99.2%. نسب الاتفاق العالي تدحض ادعاءات المشككين وأصحاب فكرة “النص الهجين”.
http://intf.uni-muenster.de/cbgm2/Comp4.html
[10] Maurice A. Robinson, “A Byzantine-Priority Perspective Regarding the Recognition of Autograph Originality,” in Can We Recover the Original Text of the New Testament?, ed. D. A. Black and Abidan Paul Shah (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 2023), chap. 3.
[11] في وجهة نظري هذه الادعاءات خاطئة ولو بشكل جزئي، نعم يوجد قراءات بيزنطية مبكرة تعود للقرن الثاني والثالث، ونعم رسخ منهج ويستكوت وهورت فكرة “احتقار النص البيزنطي” وأننا يجب أن نعيد النظر في أهمية النص البيزنطي وفي ادعاءات ويستكوت وهورت، لكن كل هذا لا يثبت أن النص البيزنطي هو النص الأصلي، في الحقيقة لا يوجد أي بردية نصها بيزنطي ولا يوجد أي مخطوطة نصها بيزنطي في الأناجيل قبل القرن الخامس، ولا يوجد مخطوطة نصها بيزنطي خارج الأناجيل نصها بيزنطي قبل القرن التاسع. لا يمكن في الحقيقة اثبات أن النص البيزنطي (ككتلة واحدة) قديم، وإن اكتشفت بردية تعود للقرن الثاني نصها بيزنطي، فهذا لا يثبت صحة منهج نص الأغلبية، بل هذا يدعم نظرية ستورز (سيتم مناقشتها في الفصل القادم).
[12] Brooke Foss Westcott, “Devout Reverence,” in Some Lessons of the Revised Version of the New Testament (London: Hodder and Stoughton, 1897), 420.
[13] David Alan Black, “A Sturzian Solution to the Problem of ‘Original Text’ as Illustrated by Eph 1:1, Matt 5:22, and John 1:18,” in Can We Recover the Original Text of the New Testament?, ed. D. A. Black and Abidan Paul Shah (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 2023), chap. 4.
[14] Bruce M. Metzger, A Textual Commentary on the Greek New Testament, 2nd ed. (Stuttgart: Deutsche Bibelgesellschaft, 1994), 11.