Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير رسالة فيلبي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة فيلبي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة فيلبي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة فيلبي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثاني: فرح في الخدمة الباذلة

تكلفة الخدمة المفرحة: “أخلى نفسه”

لم يشغل السجن ولا القيود فكر القديس بولس، إنما إذ حمل في أعماقه السيد المسيح، واهب الحياة، أشع بروح الفرح على مخدوميه وسط آلامه وآلامهم. لذا تحدث عما اقتناه في داخله من حياة شكرٍ وحبٍ وفرحٍ وشعورٍ بالنصرة وتمتعٍ بالحياة الجديدة مع إدراكه لسرّ القوة، وتحديه لقوات الظلمة. وقد جاء هذا الأصحاح يكشف عن الفرح الذي تمتع به الرسول بالخدمة والبذل بروح الحب والوحدة لحساب ملكوت المسيح، بالرغم من وجود مقاومات ومتاعب كثيرة.

يا له من تخطيط إلهي فائق! من أجل البشرية أخلى الابن الوحيد الجنس ذاته وأخذ شكل الإنسان. احتل رب الكل مركز العبد وتواضع بالأكثر إذ وهو واهب الحياة أطاع حتى الموت. واجه موتًا مشينًا هو موت الصليب، كثمنٍ إلهيٍ لحياتنا الجديدة المفرحة فيه.

خلال هذه الخبرة اقتبس القديس بولس في داخل السجن تسبحة كنسية [1-11] ليتغنى بتواضع المسيح كطريقٍ ملوكي لبلوغ المجد، ويٌحتمل أنه هو واضع هذه التسبحة.

تضم هذه التسبحة ثلاثة عناصر بدائية تشير إلى استخدامها في الليتورجيا الخاصة بالعماد:

  1. حياة جماعية متهللة 1-4.
  2. المسيح القائد والمثل الأعلى 5-11.
  3. أضيئوا في العالم 12-15.
  4. حب وفرح للراعي والرعية 16-30.

1. حياة جماعية متهللة

ختم الرسول بولس الأصحاح السابق بالحث على الجهاد المشترك بروح الحب والوحدة. الآن يقدم لهم السيد المسيح نفسه، خادم كل البشرية مثالاً فريدًا في التواضع والحب الفائق، الذي تمجد ومجد الآب بتواضعه وبذله. وهو في هذا يحث الشعب على الحب العملي المشترك.

“فإن كان وعظ ما في المسيح،

إن كانت تسلية ما للمحبّة،

إن كانت شركة ما في الروح،

إن كانت أحشاء ورأفة” [1].

بقوله: “فإن” تعني أن الحديث هنا هو امتداد للحديث السابق. وبقوله: “إن كان” لا يعني هنا الشك، إنما بالعكس جاء يحمل اليقين أنه ليست “تعزية” أو “كلمة وعظ” إلا في المسيح. وكأنه طالما يوجد وعظ، يجب أن يكون في المسيح. ويقصد بالوعظ هنا التشجيع والإقناع العقلي, ليهذب نفوسنا ويثبتنا في الإيمان.

تأملوا كيف يتعامل هذا الطوباوي مع أهل فيلبي فيما هو لصالحهم.

أنظروا كيف يتحدث بغيرةٍ متقدةٍ وعاطفةٍ شديدةٍ!

إن كانت راحة ما في المسيح” وكأنه يقول إن فعلتم أي شيء لحسابي، وإن أظهرتم لي أي اهتمام، إن كنتم تتقبلون أي صلاح من يدي، افعلوا هذا (في المسيح)… إنه لا يذكرنا بمنافع جسدية بل روحية.

بمعنى إن أردتم أن تقدموا لي راحة في تجاربي وتشجيعًا في المسيح، وأية تعزية للمحبة، إن أردتم إظهار أية شركة في الروح، إن كانت لكم أحشاء ورأفة، فإنكم بهذا تحققون فرحي[1].

القديس يوحنا الذهبي الفم

تسلية ما للمحبة” يقصد الرسول بالتسلية التعزية والمواساة. فإن مخلصنا الصالح عندما يعزينا ينزع آلامنا الخفية مهما كانت قوتها, ويهبنا الراحة الحقيقية التي ما بعدها راحة.

شركة ما في الروح” تجمع الشركة المسيحية أبناء الله، وتربطهم بربط المحبة والبذل. إن كانت شركة بين المؤمنين فهي في الروح القدس.

إن كانت أحشاء ورأفة“… المقصود بالأحشاء والرأفة المشاعر الداخلية الدقيقة والأحاسيس المرهفة النابعة عن المحبة واللطف والوداعة والشفقة والعطف. إن كنتم تتوقعون رأفة الله ومراحمه، فلتقدموا رحمة ورأفة لبعضكم البعض.

“فتمّموا فرحي حتى تفتكروا فكرًا واحدًا،

ولكم محبّة واحدة بنفس واحدة،

مفتكرين شيئًا واحدًا” [2].

القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم[3] أن أهل فيلبي يودون أن يقدموا للرسول راحة وتعزية وشركة في الروح وحنوًا ورأفة. هنا يوجههم أن يمارسوا كل هذه الأمور أولاً كما يليق في المسيح يسوع بطريقة روحية، ثانيًا أن يحملوا وحدة الروح والحب المتبادل فيما بينهم بهذا يتحقق فرحه، وينال كل ما يبغونه له.

يسألهم أن يحققوا له فرحه، الذي لن يتحقق إلا بوحدتهم وحبهم لبعضهم البعض. وكأنه يقول لهم إن كنت أكرز لكم بإنجيل المسيح لخلاصكم، فلتكونوا مصدر فرحٍ كاملٍ لي. حقًا إني مسرور بكم، لكنني محتاج إلى البلوغ إلى كمال الفرح الذي لن يتحقق إلا بأن يكون لكم الفكر الواحد، ولكم ذات الحب. هذه الرسالة هي رسالة فرح, والفرح يمثل الخط الذهبي الذي جُدلت به كلمات الرسالة، لكن كيف نتمم فرح الرسول؟

1- بالفكر الواحد: بأن يفكر كل واحد فينا فيما هو لأخيه، ونكون مستعدين للتنازل عن أفكارنا الخاصة الخاطئة، عندئذ نصل إلى الفكر الواحد. يتحدث بولس الرسول عن اتفاق تلاميذه معًا بأنه يُحسب حنوًا يُقدم له شخصيًا، مظهرًا بهذا مدى الخطورة العظيةم جدًا متى كانوا ليسوا بفكرٍ واحدٍ.

2- بمحبةٍ واحدةٍ: المحبة تستر كثرة من الخطايا، وهي رباط الكمال. عندما نحب الآخرين عندئذ نكون محبوبين منهم وتكتمل صوره المحبة التي أرادها الله لنا. كأنه يقول إن أردتم أن أنال راحة منكم، وتعزية من محبتكم وشركة في الروح معكم، وشركة معكم في الرب، وأجد رحمة ورأفة لديكم فانظروا إلى حبكم بعضكم لبعض. فإنني اقتني هذا كله أن أحببتم بعضكم بعضًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

3- بنفسٍ واحدةٍ: النفس هي مركز المشاعر والأحاسيس. وعندما يكون لنا الفكر الواحد والمحبة الواحدة سيكون لنا المشاعر الواحدة، وبهذا تكتمل فينا صورة الملكوت.

القديس أغسطينوس

“لا شيئًا بتحزّب أو بعجب،

بل بتواضعٍ،

حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم” [3].

جاءت الآيتان 3 و4 مقابل 1 و2 فبعد أن حثهم بوصايا إيجابية خاصة بالتواضع والحب وشركة الروح والحنو والوحدة، حثهم على الوصايا السلبية المضادة ليتجنبوا التحزب أو الانشقاق والكبرياء والأنانية.

لا شيء بتحزب” ينشأ التحزب في الجماعة النشطة حيث يكون لكل عضوٍ طموحاته وخططه. تنشأ من اعتزاز الإنسان بذاته وبرأيه الخاص, ثم التمسك بهذا الرأي، ومحاولة فرضه على الجماعة، وينتهي التحزب بالانقسام، وقد ينتهي بالبدع والهرطقات. “أو بعُجب“… العُجب هو الخيلاء، والكبرياء هو العمل لمجد الذات، هو تجسيم وتجسيد لكلمة “أنا”.

القديس يوحنا الذهبي الفم

نقدر الناس بأكثر مما يستحقون…

فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح“… إنه فكر التواضع. “فليكن فيكم” أي ضرورة وجود هذا الفكر في حياتنا، لأنه هو العمود الفقري لكافة الأفكار المستقيمة, وهو الضمان الوحيد الهروب من التحزب والانقسام والخصام والعجب والكبرياء والمجد الباطل وتمجيد الذات…

لا تظن فيه أنه مجرد أعظم منك، بل هو “أفضل” منك، أي له سمو أعظم جدًا، فلا تستغرب ولا تتألم إن رأيته يُكرم. نعم، حتى وإن عاملك باستخفافٍ، احتمل هذا بنبلٍ، إذ تحسبه أعظم منك. وإن شتمك، تخضع له. وإن عاملك رديًا تحمل ذلك في صمتٍ. لأنه إذ يتأكد الإنسان تمامًا أن الآخر أعظم منه لا يغضب إن عامله رديًا، ولا يسقط في الحسد، لأنه لا يحسد أحدًا أعظم منه بكثير، بل ينسب كل شيء إلى سموه[8].

القديس يوحنا الذهبي الفم

“لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه،

بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضًا” [4].

الأنانية تقتل الحب المسيحي، إذ يليق بالمؤمن أن يحب قريبه كنفسه، ويضع نفسه في موضع قريبه، بل ويعطي الأولوية له عن نفسه.

القديس أمبروسيوس

القديس باسيليوس الكبير

2. المسيح القائد والمثل الأعلى

“فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا” [5].

ما يطلبه الرسول منهم ليس بوصايا نظرية، لكن بالشركة العملية مع السيد المسيح الذي قدم بتجسده مفهومًا فريدًا للحب والتواضع، لا لمصلحة خاصة به، بل لأجل محبوبيه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس غريغوريوس النيسي

“الذي إذ كان في صورة الله،

لم يُحسب خلسة أن يكون معادلاً لله” [6].

لو أن يسوع مخلوق بشري وعادل نفسه بالله لحسب مسلكه هذا خلسة، سرق مجد الله، ونسب لنفسه ما لله. لكنه إذ هو كلمة الله المتجسد، فما فعله هو من قبيل حبه وتواضعه.

إذ كان في صورة الله“… كان المستخدمة هنا تصف الإنسان الذي له مميزات وصفات معينة وهذه الصفات لا يمكن أن تتغير أو تتبدل, فمثلا زكا كان قصير القامة فهي صفة ثابتة فيه لن تتغير.

كان في صورة الله” فهو يقصد أن السيد المسيح كان ولا يزال هو الله في ذات جوهره بلا تغيير ولا تبديل. وليس معنى قول الرسول عن السيد المسيح إنه “كان في صورة الله” إنه فقد هذه الصورة عندما أتخذ صورة العبد. كلا، إنه يملك صورة الله قبل التجسد وبعد التجسد وإلى الأبد. وهنا يثور السؤال: السيد المسيح الذي له صورة عبد هل فعلاً وحقيقة صار عبدًا له جسد بشري وروح بشرية مثلنا؟ نعم وبلا شك إنه صار عبدًا حقيقيًا.

لم يحسب خلسة“: هذا التعبير معناه إن السيد المسيح ليس في حاجة إلى خطف المساواة بالله، لأنه يملكها إذ هو مساوي للآب في الجوهر, وعندما يعتبر نفسه إنه مساوٍٍ للآب فلا يُعد هذا سرقة أو اختلاسًا لأن مساواته للآب وأزليته مع الآب هي حقيقة صادقة.

القديس أغسطينوس

القديس كيرلس الكبير

القديس كيرلس الكبير

كان ميراثه في الواقع في الأماكن التي تُوجد فيها الملائكة والصفوف التي توجد فيها القوات المقدسة.

“دفعت حبيبة نفسي (نفسي الحبيبة) ليد أعدائها”. دفع نفسه لأيدي أعداء النفس، لأيدي اليهود الذين قتلوه، لأيدي الملوك والرؤساء المجتمعين ضده، فإنه: “قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه” (مز 2: 2)[16].

العلامة أوريجينوس

“لكنه أخلى نفسه،

آخذًا صورة عبد،

صائرًا في شبه الناس” [7].

وهو الكلمة الإلهي صار إنسانًا، أخذ ناسوتنا. لم يظهر في مجده، بل أخذ شكل العبد، وصار في شبه الناس، صار إنسانًا حقيقيًا وهو الإله الحق.

1- أخلى نفسه من مجد لاهوته، لأنه أخفى مجد لاهوته داخل ناسوته، وحجب مجده داخل حجاب جسده, إنه أخفى لاهوته عن الشيطان ليكمل لنا الفداء، ولتدور معركة الصليب الرهيبة. أخلى نفسه، فلم يسمح للاهوته بتخفيف الآلام عن ناسوته فجاع وعطش وتعب وبكى وتألم ومات.

2- أخذ صورة عبد: ظهر في صورة نجار بسيط في أسرة فقيرة في بلد حقيرة. اتخذ صورة عبد، فصار هو العبد الوحيد الذي أرضى الله الآب.

3- صار في شبه الناس: ولكنه يختلف عن أي إنسان آخر، لماذا؟

 أ- لأنه هو الإنسان الوحيد الذي بلا خطية.

 ب- لأنه هو الإنسان الوحيد الكامل.

 ج- لأنه ليس إنسانًا كاملاً بلا خطية فقط، بل لأنه هو الله ذاته.

4- وإذ وُجد في الهيئة كإنسانٍ: التشبيه “كإنسانٍ” يعلن لنا إنه ليس مثل أي إنسان. إنه إنسان بالحقيقة، لكنه يختلف عن كل البشر.

5- وضع نفسه وأطاع مشيئة الآب.

6- أطاع حتى الموت: هو البار القدوس الذي لم يفعل خطية جاز في الموت، لأنه حمل خطايانا وآثامنا.

7- موت الصليب: وهو أشر وأقصى أنواع الموت. مات موت اللعنة, موت العار, موت السخرية, مات موت العثرة والجهل, أطاع إلى المنتهى حتى صرخ على الصليب قائلاً: “قد أكمل”. لذلك رفعه الله أيضًا، وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء وعلى الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل إنسانٍ أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”.

كثيرًا ما علق العلامة أوريجينوس علي قول الإنجيلي: “وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس” (لو 52:2)، مؤكدًا أنه إذ أخلى نفسه حقيقة وصار طفلاً، لا نعجب من أنه يتقدم ليس فقط في القامة جسمانيًا، بل وحتى في الحكمة. وقد استشهد بقوله النبي عنه: “عرف أن يرفض الشر ويختار الخير قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير علي الأرض” (إش 15:7-16)[17].

 العلامة أوريجينوس

هل تتعجّبون من أن يكون ابن داود إلهًا له، عندما ترون مريم أمًا لربّها؟

إنه رب لداود “الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله” [7]، وابن داود بكونه “أخلى نفسه آخذًا صورة عبد[22].

وليسأل ذاك القائل: “رأيناه، ليس فيه حُسن ولا جمال” (إش 53: 2 LXX). أنت تقول هذا، أخبرنا أين رأيته؟… “

أخلى ذاته، آخذًا صورة عبدٍ، صائرًا في شبه الناس، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب“. هنا أنا رأيته.

هكذا الاثنان في توافق مملوء سلامًا، كلاهما يتفق معًا.

أي جمال أبرع من الله؟ وأي تشويه أكثر من المصلوب[23]؟

القديس أغسطينوس

الذي عتق يوسف من العبودية وأخرجه من السجن إلى المملكة يفديك من ضيقتك إلى ملكوت السماوات.

يليق بك أن تفرح فرحًا حسنًا، وتعمل وتجاهد بغيرة فإنك لن تفقد شيئًا من جهادك. كل صلاة هي لك. كل مزمور تتغنى به يسجل لك. العفة من أجل الله تُحسب لك[26].

القديس كيرلس الأورشليمي

القديس مقاريوس الكبير

القديس غريغوريوس النيسي

“وإذ وُجد في الهيئة كإنسان،

وضع نفسه،

وأطاع حتى الموت، موت الصليب” [8].

قبل ناسوتنا لكي يعلن حبه بآلامه الحقيقية وطاعته عوض عصياننا، وبكامل حريته. قبل أبشع أنواع الموت وهو الصلب ليحقق مصالحتنا مع الآب. قبل عار الصليب لكي يمجدنا. مارس الحب والتواضع:

* أخلى نفسه، وأخفى مجده الأزلي بتأنسه.

* لم يستنكف من أن يحمل شكل الإنسان وهو الإله الحي.

* قبل أن يحتل آخر صفوف البشرية، إذ صار عبدًا للجميع، يشتهي أن يخدم الكل.

* قبوله الألم حتى الموت.

* اختياره عار الصليب. فالصليب هو الطريق الملوكي لبلوغ المجد: المسيح أخلى نفسه من مجده، وأطاع حتى الموت، فتمجد فوق الكل، وحملنا فيه لنشاركه مجده. ان كان المسيح هو مثالنا فإننا لا نرى صليبًا بدون إكليل. إن كنا نتألم معه فسنملك أيضًا معه.

         هنا نلاحظ الآتي:

  1. يؤكد القديس بولس أن شركة الابن الكاملة في الطبيعة الإلهية ليست نوعًا من الاختلاس؛ أي لم يغتصبها من الآب، بل واحد مع الآب في أزليته، إذ هو واحد معه في ذات الجوهر.
  2. تخليه لا يعني تغير ابن الله في الطبيعة الإلهية، عندما أخذ جسدًا لأجل خلاصنا. لقد أخلى نفسه، لا بتخليه عن الطبيعة الإلهية أو انتزاعها عنه، بل بإرادته حمل ناسوتنا. يتعامل التجسد مع إرادة الابن لا مع طبيعته. لقد صار إنسانا كاملاً، إذ بالحقيقة تجسد، مشاركًا حالنا البشري دون تغير في لاهوته.
  3. أخلى الابن نفسه لكي يملأ فراغنا. صار إنسانًا لنصير أبناء الله. نسأله أن يملأ فراغنا بحلوله في حياتنا، فنسمعه يقول على الدوام: “وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل” (يو 10: 10).
  4. تعبير “عبد” يحمل مفارقة صارخة لكونه في شكل الله، ولقبه “رب” الذي أعلن في نهاية العبارة.
  5. اتسم القديس بولس بالجانب العملي كما بعمق الفكر. إنه لا يتركنا قط كما على سحابٍ. لا يفصل قط المعرفة عن العمل، فالمسيحية في عينيه حياة وإيمان. العقيدة الإيمانية دون الحياة لا ترفعنا إلى شيءٍ. بعد أن قدم الرسول قياس الأعالي في مجد المسيح، لم يود أن يتركنا هناك.

لقد أطاع بكونه الابن لأبيه، لم يسقط إلى حال العبودية، بل بهذا الفعل تظهر بنوته العجيبة فوق كل شيء آخر، بهذا يكرم بقوة الآب. إنه يكرم الآب ليس لكي تحتقروه هو، بل بالحري لكي تتعجبوا منه، وتتعلموا من هذا الفعل أنه ابن حقيقي، بتكريمه لأبيه أكثر من أي شيء أخر.

ليس من أحد يكرم الله هكذا. فبقدر علوه هكذا مارس التواضع الذي حققه. إذ هو أعظم من الكل، ليس من أحدٍ يعادله، هكذا في تكريمه لأبيه فاق الكل، ليس عن إلزام ولا بغير إرادة، بل هذا أيضًا من سموه. نعم، فإن الكلمات لا تسعفني. حقًا، إنه لأمر عظيم لا يُنطق به أنه صار عبدًا، واجتاز الموت، إنه لأمر عظيم للغاية. لكن يبقى شيء أعظم وأكثر غرابة، لماذا؟ ليس كل أنواع الموت واحدة. موته يبدو أكثرهم بشاعة من الكل، مملوء عارًا ولعنة. إذ كُتب: “ملعون من عُلق علي خشبة” (تث 23:21، غل 13:3). لهذا كان اليهود يشتاقون بكل حمية أن يقتلوه بهذه الوسيلة، ليجعلوه في عارٍ.

فإن كان أحد لا يريد أن يتخلى عنه بسبب موته، فسيتركه بسبب طريقة موته ذاتها. ولذات السبب صُلب معه لصين وهو في الوسط، حتى يشاركهما سمعتهما الرديئة، فيتحقق قول الكتاب: “أحصي مع آثمة” (إش 12:53). مع هذا أشرق الحق بالأكثر، وصار أكثر بهاءً. فإنه إذ خطط الأعداء مثل هذه الأمور ضد مجده، أشرق مجده بطريقة أعظم مما توقعوا. ليس بقتله، بل بقتله بهذه الكيفية ظنوا أنهم يجعلوه رجسًا ليؤكدوا أنه أكثر نجاسة من كل البشر، ولكنهم لم ينالوا شيئًا![30]

القديس يوحنا الذهبي الفم

البابا أثناسيوس الرسولي

القديس كيرلس الكبير

يرى العلامة أوريجينوس أن السيد المسيح إذ أطاع حتى الموت، أعلن أنه لم يفعل ذلك عن ضرورة وإلزام، وإنما عن اختيار وحرية إرادة[35].

العلامة أوريجينوس

 القديس باسيليوس الكبير

القديس جيروم

“لذلك رفعه الله أيضًا،

وأعطاه اسمًا فوق كل اسم” [9].

بعد أن سجل معلمنا بولس رحلة التواضع من العرش الإلهي إلى صليب العار، يسجل له رحلة العودة من الجحيم منتصرًا ظافرًا بأعدائه إلى عرش الآب. ترتب على ذلك الآتي:

1- رفعة الله: رفعه من بين الأموات إلى أرض الأحياء، ورفعة من بين الأحياء واصعده إلى أعلى السماوات وأجلسه عن يمينه.

2- وأعطاه اسمًا فوق كل اسم: إنه اسم يسوع ومعناه “يهوه يخلص”.

3- لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة: يجثو باسمه كل كائن مهما كان. فكل مؤمن يجثو عن رضا وحب واشتياق. يجثو له من هم في السماء، أي الطغمات الملائكية. ومن على الأرض، أي النساك والعباد ولباس الصليب والأبرار والصديقون والعاشقون اسمه القدوس. ومن تحت الأرض، وهم هؤلاء الذين سيجثون رغمًا عنهم عندما يكتشفوا حقيقة ألوهيته وسلطانه.

4- ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب: كلمة “يعترف” في الأصل اليوناني تحمل معنى التسبيح والتمجيد وتقديم الشكر. يعترف كل لسان, فلسان الأبرار يسبحه ويمجده ويشكره, ولسان الأشرار أيضا سيعترف بربوبيته.

بتأنسه احتل مركزنا، وصار ممثلاً لنا حتى إذ رفعه الآب وأعطاه اسمًا فوق كل اسمٍ رفعنا معه، كأعضاء جسده المقدس. يقول الرسول: “أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماوات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط، بل في المستقبل أيضًا” (أف 1: 20-21).

حمل اسم يسوع عندما تحقق تنازله بتجسده وتأنسه، وأحصى مع آثمة، لا عن خطية ارتكبها، وإنما ليحمل خطايانا وآثامنا في جسده. هذا الاسم صار سرّ الغلبة والنصرة للمؤمنين به على قوات الظلمة التي غلبها بالصليب وشهر بها.

العلامة أوريجينوس

القديس غريغوريوس النيسي

القديس باسيليوس الكبير

البابا أثناسيوس الرسولي

القديس أغسطينوس

“لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة،

ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض” [10].

صار عمله الخلاصي العجيب موضوع تسبيح السمائيين وخلاص البشريين ورعب الشياطين. أمام اسمه “يسوع” الذي يعني “يهوه مخلص”، يجثو السمائيون والأرضيون وحتى الشياطين.

يجثو السمائيون باسمه، إذ اكتشفوا سرّ الحكمة المكتومة. ويجثو البشريون إذ يشكرونه على مصالحتهم مع الآب. وتجثو الشياطين في رعبٍ ومذلةٍ، إذ فقدوا سلطانهم ومملكتهم التي في قلوب البشر.

ولعله يقصد البشر جميعًا، الذين عبروا إلى الفردوس كما إلى السماء، والذين يجاهدون على الأرض، والذين ماتوا وصاروا في القبور؛ الكل يجثون باسم يسوع الناصري.

الشهيد كبريانوس

“ويعترف كل لسانٍ،

أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” [11].

تعترف كل الخليقة وتشهد أنه الرب صاحب السلطان المطلق، وهو في هذا ليس في تضادٍ مع الآب، لأنه واحد معه في ذات الجوهر. ما يفعله هو باسم الآب أيضا ولمجده الإلهي.

البابا أثناسيوس الرسولي

3. أضيئوا في العالم

“إذًا يا أحبّائي كما أطعتم كل حين،

ليس كما في حضوري فقط،

بل الآن بالأولى جدًا في غيابي،

تمّموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ” [12].

لم يقدم لهم الرسول وصية جديدة، ولا يحثهم على وصية كمن قد كسروها، فهم دومًا حاملون سمة الطاعة، لكنه يطلب المزيد سواء في حضوره أو في غيابه عنهم بالجسد.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“تمموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ”، فالخلاص هو حركة دائمة حية، وسلوك لا يتوقف حتى يتم حين يصيرون على قياس ملء قامة المسيح، فلا خلاص بدون مثابرة وسهر. أما الخوف والرعدة فيشيران إلى الحذر الشديد والجدية الحازمة مع النفس، وإدراك حقيقة المعركة ضد قوات الظلمة.

تمموا خلاصكم“: للإنسان دور في تتميم الخلاص, فالخلاص عمل مشترك بين الله الذي يوجد فينا الرغبة في الخلاص, ويهبنا المعونة للانتصار على الخطية, ويزرع فينا الفضيلة, وبين الإنسان الذي يتمم الخلاص بعمل الأتي:

1- يقبل الخلاص المقدم لنا على عود الصليب.

2- يقبل المعمودية كموتٍ ودفنٍ وقيامةٍ مع المسيح.

3- يقبل سرّ الميرون، ثم ممارسة سر التوبة والاعتراف, وسرّ الإفخارستيا.

4- يترجم الإيمان النظري إلى إيمان عملي، أقصد الأعمال الصالحة، الإيمان العامل بالمحبة.

وبخوفٍ ورعدةٍ” [12]: ليس خوف المهانة والمذلة، ليس خوف العبيد، وإنما خوف الأبناء. الخوف والحذر لئلا تخدعنا الحية القديمة أو الذات الماكرة، فنسقط ونهلك ونُحزن قلب الآب علينا.

من أين ينتج الخوف؟ إن كنا نحسب الله حاضرًا في كل مكان، يسمع كل الأشياء، ويرى كل شيء، ليس فقط ما يُمارس بالعمل وما يُقال، بل أيضًا وما في القلب وفي أعماق النفس، إذ هو يميز أفكار القلب ونياته (عب 12:4). فإن كنا ندرك ذلك، لن نفعل شيئًا أو ننطق به أو نتخيله إن كان شريرًا.

أخبرني، إن كان يلزمك أن تقف دومًا بجوار شخص الحاكم أما تقف بخشية؟ فكيف تقف في حضرة الله وأنت تضحك أو تلقي بظهرك إلى خلف ولا تخف وترتعد؟ لا تستهن بطول أناته، فإنها لكي تجلبك للتوبة، إذ هو طويل الأناة[49].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس مقاريوس الكبير

القديس أغسطينوس

“لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا،

من أجل مسرته” [13].

إنها نعمة الله القادمة أن تقدس الإرادة، وتهب قوة لعمل الصلاح، أي تحقق الإرادة الصالحة بالسلوك العملي. فهو خالق النفس والجسد، واهب الإرادة ومعطي القوة وكل الطاقات التي للإنسان. وهو يقدم هذا من أجل مسرته بالإنسان ليكون أيقونة له.

لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا” [13] هذه الآية تطمئنا، وتوجه نظرنا لله العامل فينا. إنها تهبنا روح الرجاء فعندما نشعر أن الله القادر على كل شيء ليس ببعيدٍ عنا، وإنه قادر أن يصد عنا كل حروب عدو الخير، عندئذ تستريح قلوبنا.

من أجل مسرته” [13]: يسر بأبنائه كما يُسر بابنه الوحيد.

يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم كيف يقول المرتل: “اعبدوا الرب بخوفٍ واهتفوا (افرحوا) برعدةٍ” (مز 2: 11)؟ وإن كان الله هو العامل فينا، فكيف نتمم خلاصنا بخوف ورعدة؟

القديس يوحنا الذهبي الفم

إذ يدعوها هبات، لا يٌضعف من حرية الإرادة، بل يمنحنا حرية الإرادة. فيقول: “العامل فينا أن تريدوا“. لا يحرمنا من حرية الإرادة، بل يُظهر أن بعملنا الصالح ذاته نزيد رغبتنا القلبية في الإرادة. فالعمل يجلب عملاً، وهكذا عدم العمل يجلب عدم عمل. هل تعطي صدقة؟ فان هذا يحثك ان تعطي أكثر. هل ترفض العطاء؟ ستصير بالأكثر غير ميال إلى العطاء[53].

القديس يوحنا الذهبي الفم

“افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة” [14].

يقدم لنا الرسول سبع نصائح هامة تعيننا في تتميم خلاصنا بخوف ورعدة (14-16):

 1- افعلوا كل شيء بلا دمدمة [14].

2- ولا مجادلة [14].

3- تكونوا بلا لوم [15].

4- بسطاء [15].

5- بلا عيب [15].

6- في وسط جبل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم [15].

 7- متمسكين بكلمة الحياة [16].

يحثنا الرسول أن نمارس حياتنا الجديدة ونتمم الوصية بفرحٍٍ، في طاعة تنبع عن أعماق القلب، وليس بترددٍ وتذمرٍ وجدالٍ. قدم الله وصيته لنجد فيها لذة الطاعة له كمحبوبنا، لا لتكون موضوع جدال نظري تفسد سلامنا الداخلي. فإن المنازعات والمجادلات الغبية تفسد العينين عن معاينة الحق والتمتع بعذوبة الشركة في النور.

تشير الدمدمة إلى الشكوى الخفية التي تثور في النفس والتردد. تعتبر الدمدمة المرحلة الأولى من التذمر، وتنتج من ضعف المحبة وقلة الصبر وضيق القلب.

القديس يوحنا الذهبي الفم

المجادلة أي المناظرة والمناقشة بأسلوب يشوبه الكبرياء والتمسك بالرأي، وهذا ضد الحياة المسيحية المقدسة المحبة. والمجادلة هنا جاءت في اليونانية لتعني الشك (1 تي 8:2).هذا و يثور الجدال بسبب تشامخ الإنسان على أخيه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء،

أولادًا لله بلا عيب،

في وسط جيلٍ معوجٍ وملتوٍ،

تضيئون بينهم كأنوارٍ في العالم” [15].

إذ نقبل الإرادة المقدسة من الله، ونتممها بقوته العاملة فينا، ونحيا بلا تذمر ولا جدال، نتمتع بحياة مقدسة تنعكس على أعماقنا الداخلية كما على سلوكنا مع أقربائنا ومع الله نفسه. لهذا يقول: “لكي تكونوا بلا لوم“، أي تحملون قدسية داخلية وطهارة ونقاوة قلب، لا موضع لعيبٍ في أعماقنا. وأما قوله: “وبسطاء” فتعني سلوكًا بسيطًا مع الغير، لا يحمل أذية لأحد. ونكون “أولادًا لله بلا عيب“، أي نكشف عن تمتعنا بشركة الطبيعة الإلهية.

بهذه الحياة بجوانبها الثلاث نصير ككواكبٍ مستنيرةٍ بشمس البرّ ومتلألئة تضيء العالم.

الكلمة اليونانية المترجمة هنا “أنوار” هنا تعني الكواكب المنيرة كالشمس والقمر والنجوم.

بسطاء: أي لا نظهر غير ما نبطن، بعيدين عن كل مكرٍ ودهاءٍ، ولا نخلط الشر بالخير.

أولاد الله هذا شرف وامتياز لنا، لكنه أيضًا مسئولية علينا، لأن الأولاد يجب أن يشابهوا ويماثلوا أباهم في الصلاح. يجب علينا أن نعيش بلا عيب لكي يكون لنا نصيبا مع مصاف القديسين.

في وسط جبل معوج وملتو، تضيئون بينهم كأنوار في العالم: إذا كان الاعوجاج والالتواء أمر طبيعي في حياة أولاد إبليس، فإن النور والإضاءة شيء طبيعي في حياة أولاد المسيح.

القديس كيرلس الكبير

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن أولاد الله يضيئون وسط جيل معوج وملتوي، كما تضيء الكواكب في الليل، في وسط الظلمة، وتُحسب بلا عيب بسبب جمالها. نعم أن الظلمة المحيطة بالكواكب تعكس بهاءً أعظم على الكواكب، هكذا من يسلك باستقامة وسط جيلٍ معوجٍ وملتوٍ.

يرى العلامة أوريجينوس أن أولاد الله الذين بلا عيب يسيرون في وسط جيلٍ معوجٍ وملتوٍ، كما سار بنو إسرائيل في وسط البحر الأحمر، ولم تستطع المياه أن تقترب إليهم وتغرقهم.

العلامة أوريجينوس

القديس غريغوريوس النزينزي

 القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس باسيليوس الكبير

4. حب وفرح للراعي والرعية

“متمسّكين بكلمة الحياة

لافتخاري في يوم المسيح،

بأنّي لم أسعَ باطلاً،

ولا تعبت باطلاً” [16].

سرّ الاستنارة الداخلية والإنارة للعالم هو تمسكنا بكلمة الحياة، أي بالوصية الإلهية التي هي سراج منير تحثنا على خدمة الغير بفرح. يظن البعض أن الرسول بولس هنا يشبه المؤمنين بالأبراج التي على الشواطئ في المواني حيث تُوضع نيران ترشد البحارة خاصة بالليل فلا تضل الطريق.

يقف الرسول متهللاً ومفتخرًا بعمل الله به فيهم وذلك في يوم الرب العظيم، ويحسب أن سباقه لم يضع هباء، وآلامه لم تكن باطلة. سيكونوا إكليله في ذلك اليوم. نحن نقدم كلمة الله للآخرين، واثقين إنها مبعث الفرح لهم.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“لكنّني وإن كنت انسكب أيضًا على ذبيحة إيمانكم وخدمته،

أُسرّ وأفرح معكم أجمعين” [17].

اعتاد البحارة، خاصة حين يتعرضون لعواصف شديدة ويكونون في خطرٍ، عند وصولهم إلى الميناء بسلامٍ أن يقدموا ذبيحة شكر لله يكونوا قد نذروها أثناء ضيقتهم. هكذا يرى الرسول شعب الله وقد بلغ إلى الميناء السماوي بسلام يقدمون ذبيحة إيمانهم، وأما هو فيكون كالسكيب من الخمر الذي يسكب داخل الذبيحة علامة الفرح وسط آلام الذبح.

القديس يوحنا الذهبي الفم

كما أخلى الكلمة الإلهي ذاته من أجلنا يليق بنا من جانبنا نحن أيضًا أن نخلي أنفسنا. فالصليب أو إخلاء الإنسان نفسه هو طريق الحياة الجديدة في السيد المسيح. يقدم لنا الرسول بولس هنا أمثلة لثلاثة أشخاص أخلوا أنفسهم من أجل المسيح:

1. القديس بولس: يشارك ذبيحة السيد المسيح بفرح.

2. القديس تيموثاوس: يطيع ويخدم الآخرين.

3. القديس أبفرودتس: له الحب المقدس والعواطف المقدسة.

  1. القديس بولس: إنه يدرك تمامًا حاجة الشعب إلى َمثَلٍ. يحتاجون إلى مفسرٍ في الجسد، يوضح كيف تتحقق ممارسة الإنجيل عمليًا. لقد سكب نفسه سكيبًا على ذبيحة إيمان الناس. هكذا كان مبتهجًا وفرحًا معهم [17]. في العهد القديم كان الكاهن يسكب الخمر على الذبيحة كسكيبٍ (خر 29: 40). يشير الخمر إلى الفرح الروحي. وقد حسب القديس بولس آلامه اليومية حتى الموت هو الخمر الذي يسكبه السيد المسيح (رئيس الكهنة الأعظم) في حياة الشعب المتألم. إنه يفرح ويهب فرحًا في المسيح. صار بولس بالسيد المسيح مصدرًا للفرح. فهو مع الشعب يشاركون ذبيحة المسيح بالإيمان. وقد اعتبر بولس إيمان أهل فيلبي وآلامهم وخدمتهم ذبيحة حية, وهو ككاهن يقدمها لله.
2. تيموثاوس [19-23]. أخلى نفسه بالطاعة وشارك القديس بولس خدمته. لقد ولد القديس بولس تيموثاوس، كأبٍ أنجب طفلاً، الآن يتبنى الطفل حياة الوالد.

         يشير القديس بولس كيف يندر أن توجد مثل مجموعة السمات المتآلفة التي للقديس تيموثاوس. فبالرغم من ضعف صحته (ا تي 5: 23)، وحداثة سنه (ا تي 4: 12)، واستخفاف البعض به (1 كو 16: 10)، اتسم القديس بقوة البصيرة الداخلية، ولباقته، وحنوه، ونجاحه في مواجهة المجتمعات المتمردة.

         يرى البعض أن كلمة “الطاعة” في العهد الجديد كلمة بولسية (رو 6: 17؛ 16: 19؛ 2 كو 7: 15؛ 10: 6؛ 2 تس 3: 4؛ فل 21؛ عب 5: 8 الخ.)، بينما لم توجد في الأناجيل كلها سوى خمس مرات (مر 1: 27؛ 4: 41؛ مت 8: 27؛ لو 8: 25؛ 17: 6). تجد كلمة “طاعة “جذورها في تعبير “الاستماع“، وقد أصاغ الرسول بولس تعبير “طاعة الإيمان” (رو 1: 5 ؛ 16: 26 ؛ راجع استماع الإيمان غل 3: 2، 5)، وقد عبر بهذا عن الانفتاح على إرادة الله حسب متطلبات الإيمان.

  1. أبفرودتس [25-30]. كان مثلاً رائعًا للعواطف المقدسة كطريقٍ للنمو في النعمة الإلهية. صار أبفرودتس أسقفًا لفيلبي، ومات شهيدًا. كان شريكًا في العمل وجنديًا مرافقًا للرسول بولس [26]. لقد التهبت عواطفه بالحب الأخوي، فحزن جدًا لحزن الشعب عليه بسبب مرضه حيث قارب إلى الموت.

وأسر وأفرح“: إنه صوت الفرح الذي بعثه الرسول من سجنه في روما. فتردد في جنبات مدينة فيلبي, ولا شك أن الفرح يهبنا القوة لمواجهة التجارب، وأن الفرح هو وصية الله لنا.

وبهذا عينه كونوا أنتم مسرورين أيضًا،

وافرحوا معي” [18].

أنه يفرح بخلاصهم وبلوغهم الميناء السماوي بسلام، ويسألهم أن يفرحوا معه، إذ يكون كسكيب الخمر الواهب الفرح لشاربيه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“على أني أرجو في الرب يسوع

أن أرسل إليكم سريعًا تيموثاوس،

لكي تطيب نفسي إذا عرفت أحوالكم” [19].

يعدهم بإرسال ابنه في الرب إليهم بسرعة إن سمح الرب لكي يعود يحمل إليه أخبارهم السارة، فيتهلل معهم ويشاركهم فرحهم.

القديس يوحنا الذهبي الفم

 القديس أغسطينوس

“لأن ليس لي أحد آخر نظير نفسي،

يهتم بأحوالكم بإخلاص” [20].

تيموثاوس شخصية، في عيني الرسول، لا تُقارن بأحدٍ، في خدمته وإخلاصه وبذله. إنه يحمل ذات روح الرسول وقلبه.

يرى القديس أغسطينوس أن الرسول يتحدّث هنا عن كثرة وجود الأُجراء الذين يكرزون بعلّةٍ لصالحهم الشخصي، وندرة وجود الراعي الذي يكرز بالحق، فيطلب لا ما لنفسه بل ما هو ليسوع المسيح[72].

القديس يوحنا الذهبي الفم

“إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم،

لا ما هو ليسوع المسيح” [21].

 هنا يشير الرسول إلى كثرة الكارزين عن حسد وتحزب (15:1). ولعله قال هذا حاسبًا الآخرين هكذا إن قورنوا بشخص تيموثاوس.

القديس أغسطينوس

“وأمّا اختباره،

فأنتم تعرفون أنه كولد مع أبٍ خدم معي لأجل الإنجيل” [22].

يدرك أهل فيلبي العلاقة القوية بين الرسول بولس وتلميذه تيموثاوس في الرب، وخلال خدمة إنجيل المسيح. لقد حسبه ابنه الخاص خدم كابنٍ لا كأجير (أع 16: 1-3؛ 17: 14).

القديس يوحنا الذهبي الفم

“هذا أرجو أن أرسله أول ما أرى أحوالي حالاً” [23].

إذ هو أسير ليس حرًا في حركته لم يستطع أن يحدد الزمن، فهو يود أن يذهب إليهم بنفسه (24)، لكن إذ يود أن يطمئن حاول الإسراع في إرسال تلميذه المحبوب.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“وأثق بالرب إنّي أنا أيضًا سآتي إليكم سريعًا” [24].

القديس يوحنا الذهبي الفم

“ولكني حسبت من اللازم أن أرسل إليكم أبفرودتس،

أخي والعامل معي والمتجنّد معي

ورسولكم والخادم لحاجتي” [25].

إذ يخشى عدم إمكانية إرسال تيموثاوس بسرعة، ولكي يبعث فيهم روح الفرح، شعر بالالتزام أن يرسل أبفرودتس أخاه والعامل والجندي الرفيق في معركة الإنجيل والرسول المتخصص لخدمتهم وخدمته.

هما تيموثاوس وأبفرودتس اللذان قرر بولس أن يرسلهما إلى فيلبي. إنهما ليس من رسل يسوع, ولا هما صانعا آيات ومعجزات ولكنهما خادمان أمينان.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“إذ كان مشتاقًا إلى جميعكم،

ومغمومًا،

لأنكم سمعتم أنه كان مريضًا” [26].

كان أبفرودتس مريضًا، وإذ سمعوا عن مرضه حزنوا، فاغتنم هو على حزنهم، إذ لم يكن يود أن يسمعوا ويحزنوا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“فإنه مرض قريبًا من الموت،

لكن الله رحمه وليس إيّاه وحده،

 بل إيّاي أيضًا،

لئلا يكون لي حزن على حزن” [27].

وسط آلامه في السجن وعجزه عن الحركة وافتقادهم مرض أبفرودتس  حيث صار قريبًا من الموت، فرحمه الله وشفاه حتى لا تزداد أحزان بولس، إذ هو في حاجة إلى مساعدته في الخدمة.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم قد يتساءل البعض: لماذا قال الرسول: “لكن الله رحمه” مع أن الانطلاق ليكون الشخص مع المسيح أفضل؟ يجيب علي ذلك بأنه كما شعر القديس بولس بأنه مُلزم أن يبقى من أجلهم، فإن الله رحمه لأجل الخدمة لكي يربح نفوسًا لله.

“فأرسلته إليكم بأوفر سرعة،

حتى إذا رأيتموه تفرحون أيضًا،

وأكون أنا أقل حزنًا” [28].

يكشف الرسول عن علاقات الحب العجيبة المتبادلة. فمع شدة احتياجه إلى أبفرودتس يرسله بأوفر سرعة ليرده إلى أهل فيلبي الذين حزنوا على مرضه الشديد. وإذ يفرحون يجد الرسول في فرحهم راحة له، فيخفف ذلك من أحزانه.

يرى القديس يوحنا ذهبي الفم أنهم فرحوا إذ سمعوا عن شفاء محبوبهم أبفرودتس، لكن فرحهم يزداد بالأكثر إذ يروه بعد شفائه.

لماذا يقول: “وأكون أنا أقل حزنًا”؟ يجيب القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يقل إنني بلا حزن، بل “أقل حزنًا“، مظهرًا أن نفسه لم تحرر من الحزن تمامًا، إذ يقول: “من يضعف وأنا لا أضعف؟ ومن يعثر وأنا لا ألتهب؟” (2 كو 29:11). متي يكون مثل هذا متحررًا من الحزن؟[83]]

“فاقبلوه في الرب بكل فرح،

وليكن مثله مكرمًا عندكم” [29].

يسألهم أن يقبلوه بكل فرحٍ ليس من أجل صداقتهم له، ولكن من أجل خدمته للرب. يكرموه كخادم أمين يختفي في الرب.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“لأنه من أجل عمل المسيح قارب الموت،

مخاطرًا بنفسه لكي يُجبر نقصان خدمتكم لي” [30].

مرة أخرى يكشف الرسول عن عواطفه المقدسة الملتهبة حبًا، فقد اشتهى كثيرون من أهل فيلبي أن يخدموه في سجنه بروما، لكن حالت الظروف عن تحقيق ذلك، وشعروا كأنهم مقصرون في حقه، لكن إذ بذل أبفرودتس كل طاقته في خدمته حتى تعرض للموت بسببه حسب الرسول أن هذا العمل قُدم من أهل فيلبي جميعهم، لأنهم صاروا كأنهم واحد مع أبفرودتس. فخدمة أبفرودتس وتضحياته حتى قرب الموت من أجل الرسول بولس هو عمل محبة، كأن أهل فيلبي قاموا به.

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم[85] أن أبفرودتس انطلق من فيلبي إلى روما حيث كان بولس في السجن، وقد تعرض لمخاطرٍ كثيرةٍ لكي يلتقي به في السجن ويخدمه ويسد احتياجاته.

 

من وحي فيلبي 2

خورس كنسي عند الجلحثة!

كخورسٍ كنسيٍ متهللٍ ليستقر عند الجلجثة،

أم تحولت زنزانته إلى الجلجثة بعينها؟

يتمتع بكلمة الوعظ، جوهرها تعزيات في المسيح لا تنقطع!

يمارس الكل روح الحب فتذوب الآلام!

وتنفتح أمام الكل  جراحات المصلوب،

 فيدخل الجميع إلى أحشاء حبه وتحننه!

ويمارس الكل الوحدة،

فقد انسجمت أوتار القيثارة المتنوعة،

لتخرج سيمفونية سماوية يهتز لها السمائيون.

وقف الكل أمام المصلوب، وقد طارت الكلمات من أفواههم.

أي حب أنزلك إلينا يا من لا تسعك السماء؟

كيف قبلت ان تصير ابنًا للإنسان يا وحيد الأب؟

كثيرًا ما تئن نفوسنا في داخلنا:

لماذا لنا هذا الجسد الضعيف؟

هوذا خالق الكل صار جسدًا.

شاركتنا في كل شيء ماخلا الخطية!

رفعت من شأننا يا خالق السمائيين والأرضيين!

حبك دفعك لتصير عبدًا،

لتقيم منا نحن العبيد أبناءً لأبيك!

دخلت إلى دائرة لعنتنا بالصليب،

لكي تحطم متاريس اللعنة،

وتدمر أبوابها،

وتطلقنا وتحملنا إلى فردوسك السماوي!

اجتزت بنا وسط جيلٍ ملتوٍ،

فلم تقدر الظلمة أن تخفي نورك فينا.

أقمت منا كواكب بهية وسط ظلمة العالم!

أقمت منا جسدك المتهلل العجيب في حبه!

ماذا نرد لك من أجل حبك وتواضعك وقدرتك؟

[1] Homilies on Philippians, homily 5.

[2] Homilies on Philippians, homily 5.

[3] Homilies on Philippians, homily 5.

[4] Homilies on Philippians, homily 5.

[5] Sermons on N.T. Lessons, 53 :4.

[6] Homilies on Philippians, homily 5.

[7] Homilies on Philippians, homily 5.

[8] Homilies on Philippians, homily 5.

[9] Duties of the Clergy, 3:2:13.

[10] The Long Rules, Question 35.

[11] Homilies on Philippians, homily 6.

[12] Homilies on Song of Songs, 4. ترجمة الدكتور جورج نوّار

[13] Sermons on N.T. Lessons, 38 :6.

[14] letters, 41:16. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[15] letters, 50:14. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[16] Homilies on Jeremiah., Homily 10:7.

[17] Homilies on Jeremiah, homily 1:7.

[18] Homilies on Jeremiah, homily 8:8.

[19] Homilies on Jeremiah, homily 14:9.

[20] Homilies on Genesis, homily 4:5.

[21] Homilies on Genesis, homily 1:13.

[22] Sermon on N.T. lessons, 1:20.

[23] Sermons on N.T. Lessons, 45 :4.

[24] Sermons on N.T. Lessons, 41 :7.

[25] إش 3:11 “فلا يقضى بحسب نظر عينية ولا يحكم بحسب سمع أذنيه”.

[26] مقالات لطالبي العماد 15: 23.

[27] Homilies, 27:5. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[28] Homilies on Song of Songs, 15. ترجمة الدكتور جورج نوّار

[29] Homilies on Song of Songs, 4. ترجمة الدكتور جورج نوّار

[30] Homilies on Philippians, homily 7.

[31] Adv. Arian. 1:11:43. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[32] letters, 55:21. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[33] letters, 55:34. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[34] Hom. on Gen., hom. 4: 5.

[35] Cf. Hom. on Gen., homily 8:6.

[36] Homilies on Genesis, homily 8:6.

[37] Homilies on Exodus, homily 6.

[38] On the Holy Spirit, 8:21.

[39] Homilies on Psalms, homily 29.

[40] Homilies on Luke, homily 14:2.

[41] Homilies on Song of Songs, 2. ترجمة الدكتور جورج نوّار

[42] On the Holy Spirit, 8:17.

[43] Adv. Arian. 4:5. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[44] Sermon on N.T. lessons, 2:13.

[45] Treatise 9 on the Advantage of Patience, 23.

[46] Adv. Arian. 1:11:40. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[47] Homilies on Philippians, homily 8.

[48] Homilies on Philippians, homily 8.

[49] Homilies on Philippians, homily 8.

[50] Homilies, 4:5. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[51] Sermons on N.T. Lessons, 81 :3.

[52] Homilies on Philippians, homily 8.

[53] Homilies on Philippians, homily 8.

[54] Homilies on Philippians, homily 8.

[55] Homilies on Philippians, homily 8.

[56] Homilies on Philippians, homily 8.

[57] Homilies on Philippians, homily 8.

[58] letters, 31:3. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[59] Homilies on Exodus., hom. 6:14.

[60] Homilies on Exodus, homily 6:14.

[61] Homilies on Song of Songs, 2. ترجمة الدكتور جورج نوّار

[62] Oration on Holy Baptism, 38.

[63] Hom. On 1 Tim., hom. 10. ترجمة سعاد سوريال

[64] Concerning Baptism, ch. 2.

[65] Homilies on Philippians, homily 8.

[66] Homilies on Philippians, homily 8.

[67] Homilies on Philippians, homily 8.

[68] Homilies on Philippians, homily 8.

[69] Homilies on Philippians, homily 9.

[70] Homilies on Philippians, homily 9.

[71] On the Gospel of St. John, tr. 46:5.

[72] Sermons on N.T. Lessons, 87 :11.

[73] Homilies on Philippians, homily 9.

[74] Sermons on N.T. Lessons, 52 :10.

[75] Sermons on N.T. Lessons, 40 :6.

[76] Sermons on N.T. Lessons, 1:33.

[77] On the Gospel of St. John, tr. 6:2.

[78] Homilies on Philippians, homily 9.

[79] Homilies on Philippians, homily 9.

[80] Homilies on Philippians, homily 9.

[81] Homilies on Philippians, homily 9.

[82] Homilies on Philippians, homily 9.

[83] Homilies on Philippians, homily 9.

[84] Homilies on Philippians, homily 9.

[85] Homilies on Philippians, homily 9.

تفسير رسالة فيلبي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
Exit mobile version