Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير كورنثوس الأولى 15 – الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير كورنثوس الأولى 15 – الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير كورنثوس الأولى 15 – الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير كورنثوس الأولى 15 – الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

الباب الخامس

مشاكل أخروية

(القيامة من الأموات)

15

الإصحاح الخامس عشر

القيامة من الأموات

يرى البعض أن هذا الإصحاح هو أهم جزء في الرسالة، بل ويحسبونه من أهم ما كتبه الرسول بولس، حيث قدم لنا مقالاً يجيب علي تساؤلات الكثيرين بخصوص الحق الانجيلي الرئيسي، وهو التمتع بالقيامة من الأموات خلال المسيح بكر الراقدين. إنه يرفع نظرتنا لأنفسنا من كائنات ضعيفة تعيش في العالم حيث تبدو بعض الخلائق الأخرى كالحيوانات أكثر منا قوة لنرى أنفسنا في المسيح أجمل خليقة اللَّه في المسكونة، نتحدى الموت لنبقى معه في مجده أبديًا.

يرتبط تقديس الكنيسة ككل وكأعضاء في كل جوانب الحياة بالفكر الإنقضائي أو الأخروي، حيث ننتظر قيامة الأموات واللقاء مع ربنا. لهذا جاء ختام قانون الإيمان يؤكد ترقبنا بيقين القيامة من الأموات. فإن غاية إيماننا هو أن نقوم ونوجد مع إلهنا أبديًا. إيماننا بالقيامة من الأموات يتحدى الزمن والقبر، بل والطبيعة، لننال ما هو فائق للطبيعة.

إذ أنكر بعض الكورنثوسيين قيامة الجسد وتساءل البعض عن مدى إمكانية تحقيقها قدّم لنا الرسول قيامة السيد المسيح كتأكيد وباكورة لقيامتنا من الأموات، باكورة الحصاد بين الموتى، واشتراك الجسد مع النفس في المجد الأبدي. كما أجاب في هذا الإصحاح على أربعة أسئلة هامة:

جاء تعليم الرسول عن القيامة يحمل اتجاهات إيجابية قوية منها:

أولاً: قدم التعليم بروح متهللة بالمسيح القائم من الأموات مع فرحٍ شديدٍ بروح النصرة على آخر عدو وهو الموت.

ثانيًا: أبرز أن القيامة أمر فائق للعقل لكنه تعليم مقبول، وعلى العكس إنكارها لن يقبله المنطق البشري السليم، إذ يجعل من الإنسان أشبه بحيوانٍ يعيش إلى حين لينتهي إلى الأبد.

ثالثًا: أكد الرسول أن القيامة تقوم على تدبير ونظام إلهي دقيق، فالمسيح بكر الراقدين، والمؤمنون الأبرار بعده، ويُعاقب إبليس وجنوده أبديًا لتكون النهاية. هذا ومن جانب آخر فإنه لكل مؤمنٍ مجده المتميز قدر ما تجاوب مع نعمة اللَّه الفائقة.

لقد أجاب الرسول في رسائله على السؤالين التاليين:

ماذا لو لم يقم المسيح؟

ماذا لو لم توجد القيامة من الأموات؟

  1. قيامة المسيح وقانون الإيمان 1-11.
  2. قيامة المسيح أساس قيامتنا 12-19.
  3. قيامة المسيح ضمان لقيامتنا 20.
  4. قيامة المسيح علاج إلهي لسقوطنا 21-23.
  5. القيامة وتحدي الموت 24-26.
  6. وضعنا الأبدي 27-28.
  7. قيامة المسيح والدوافع الجديدة 29-34.
  8. الجسد المُقام 35- 44.
  9. نلبس صورة السماوي 45- 50.
  10. البوق الأخير 51- 58.

1. قيامة المسيح وقانون الإيمان

إذ يعالج الرسول بولس موضوع القيامة من الأموات لا يرى في القيامة عنصرًا هامًا فحسب من عناصر قانون إيماننا، إنما هو عصب الإيمان. فإن غاية الإنجيل هو التمتع بالقيامة التي تحققت بموت المسيح من أجل خطايانا، ليعلن أنه أعظم من خطايانا وأقوى من الموت، واهبًا إيانا القيامة بقيامته. هذا هو إنجيل خلاصنا وقيامتنا ومجدنا السماوي.

لقد أنكر بعض الكورنثوسيين القيامة من الأموات، ربما ظنوا أن الحديث عنها إنما حديث رمزي، كما فعل هيمينايس وفيليتس، فقالا: “إن القيامة قد صارت” (2 تي 18:2). وكما نادى بعض الهراطقة بأنها ليست إلا تغييرًا في طريقة الحياة. ولعل البعض أنكرها تمامًا لأنه لا يمكن للعقل أن يقبلها ولا للعلم أن يجد تبريرًا لإمكانية حدوثها. كانت القيامة من الأموات حجر عثرة للفلاسفة القدامى، ولا زالت بالنسبة للحركات الفكرية المعاصرة، مثل أصحاب الفكر الإنساني Humanist.

لقد سمح اللَّه بوجود هذه الفئة من منكري القيامة لكي يقدم لنا الرسول صورة حيّة لأهمية الإيمان بالقيامة من الأموات على أساس حيّ، وشهادة صادقة تسند الأجيال المتتالية.

وأعرفكم أيها الاخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به،

وقبلتموه، وتقومون فيه” [1].

القديس يوحنا الذهبى الفم

ما يقدمه لهم الرسول ليس بالتعليم الجديد إنما يذكرهم بما سبق أن بشرهم به وقبلوه، إذ هو الذي أسس الكنيسة هناك (أع 18: 1). يؤكد لهم الرسول بولس أن ما يقدمه لهم هو ذات الإنجيل الذي استلمه وسلّمه إليهم سابقًا. فكرازته تقوم على كلمة اللَّه التي لا تتغير، الحق الأبدي. هذا هو الأساس الثابت الذي يقومون فيه، إن نُزع عنهم فقدوا ثباتهم وسقطوا. الإيمان بالقيامة من الأموات هو أساس المسيحية، إن تشكك أحد فيها سقط كل بنيان نفسه وإيمانه باللَّه ورجاؤه في السماء. لقد قدم لهم “الإنجيل” كبشارةٍ مفرحةٍ، بدأت بمجيء المسيح الأول ليقدم الخلاص وتكمل بمجيئه الأخير وقيامتنا لننعم بثمر عمله الخلاصي أبديًا.

القديس يوحنا الذهبى الفم

الإنجيل الذي يكرز به الرسول بولس هو: “مات المسيح عن خطايانا، ودُفن، وقام في اليوم الثالث”.

وتقومون فيه” إن كان موضوع إنجيلنا أو كرازتنا هو التمتع بالقيامة من الأموات، فإننا إن ثبتنا فيه نقوم فيه ولا نسقط، ويصير قيامنا في الإنجيل عربون القيامة الأبدية. بقوله “تقومون فيه” يظهر الرسول دهشته كيف بعد أن قبلوا هذا التعليم وعلي أساسه قامت كنيستهم ورجاؤهم ونموهم الروحي عادوا ينكرونه. أنهم يهدمون كل ما قد بناه الرسول وغيره، بل وما جاهدوا من أجله وما تمتعوا به من نعم إلهية وبركات.

“وبه أيضًا تخلصون

إن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به

إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثًا” [2].

لم يقل “خلصتم” بل “تخلصون“، وكأن الخلاص هو عمل حاضر ومستمر نتمتع به مادُمنا نتذكر إيماننا المستقيم، ونمارسه عمليًا.

الأب أمبروسياستر

بيلاجيوس

فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا

أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب” [3].

لم يقل الرسول: “ما قد علمتكم إياه” و”قد تعلمته” بل قال “سلمتكم” و”ما قبلته“، فإن تعليم القيامة بل وكل المسيحية ليست مجرد مجموعة تعاليم عقلية نقتنع بها أو نؤمن بها لكنها حياة نستلمها ونقبلها بقلوبنا وعقولنا ومشاعرنا مترجمة في كلماتنا وسلوكنا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يلاحظ القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول لم يقل “ما قد تعلّمته” بل “ما قد تسلّمته” مؤكدًا أمرين: الأول أنه لا يتحدث بشيء من عنده، والثاني أن ما نتعلمه أو نعلمه إنما يصوّر خلال العمل لا الكلمات المجرّدة. لقد أكد الرسول أن مصدر التعليم هو المسيح نفسه وليس من إنسان[6].

ما قد تسلمه الرسول وأودعه لديهم هو أن المسيح أُسلم لأجل معاصينا وقام لأجل تبريرنا (رو 25:4). فقد قدم نفسه ذبيحة لغفران خطايانا، وأعلن الآب بالقيامة قبولها ورضاءه عنا. هكذا موت المسيح على الصليب وقيامته هما جوهر الحق الإنجيلي.

“حسب الكتب”:

 إذ أوضح الرسول أن القيامة من الأموات هو عصب إيماننا أكد حقيقة القيامة بتأكيد أن موت السيد المسيح وقيامته من الأموات تحقيق لما ورد من نبوات العهد القديم [1- 4]، ومن شهادة شهود العيان [5 – 11]. هذه الحقيقة سبق فتنبأ عنها رجال العهد القديم وقدم لنا العهد القديم رموزًا لها مثل يونان في جوف الحوت (مت4:12) وذبح اسحق (عب 19:11)، فجاء إنجيلنا متناغمًا ومكملاً لما ورد من نبوات ورموز وظلال للحق الإنجيلي. فبقوله “حسب الكتب” يوضح أن موت المسيح كذبيحة كفارية وقيامته من أجل تبريرنا ليس بالأمر الجديد، إنما اشتهاه رجال العهد القديم وترقبوه بشوقٍ شديدٍ وتنبأوا عنه ( راجع مز22؛ إش 53 ؛ دا 9: 26؛ زك 12: 10؛ مز 16؛ لو 24: 26، 46).

الأب أمبروسياستر

القديس كيرلس الأورشليمي

القديس كيرلس السكندري

القديس يوحنا الذهبي الفم

وأنه دفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب” [4].

دفن السيد المسيح في القبر، ولم يكن القبر بالنسبة له موضعًا للفساد بل كان طريقًا للحياة (أع 2: 26- 28).

يشير هوشع النبي إلى قيامة السيد المسيح في اليوم الثالث (هو 6 : 2).

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس هيلارى أسقف بواتييه

شهادة شهود العيان

بعد أن قدم شهادة الأنبياء وأحداث العهد القديم، الآن يُقدم شهادة شهود عيان كثيرين لقيامة المسيح أو للمسيح القائم من بين الأموات. يقدم خمسة ظهورات سبقت ظهور السيد المسيح له شخصيًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر” [5].

 أشار إلى التلاميذ بالإثني عشر، وقد جاءت في بعض الترجمات كالسريانية والسلافونية والفولجاتا وفي بعض كتابات الآباء “الإحدى عشر”.

تعبير “الإثني عشر” لا يعني العدد رقم 12، إنما يحمل إشارة إلى التلاميذ كجماعة معًا، وقد دعوا هكذا حتى بعد خيانة يهوذا، حيث اختير فيما بعد الثاني عشر، وكان شاهدًا لقيامة السيد المسيح. غالبًا ما كان متياس الذي اختير فيما بعد عوض يهوذا الأسخريوطي حاضرًا معهم (أع 1: 22- 23).

لم يشر الرسول إلى كل شهود العيان للقيامة، لكنه اكتفي بمن يثق فيهم الكورنثوسيون، وكان أغلبهم لازالوا أحياء حتى يمكن التحقق منهم بما رأوه. بدأ بالقديس بطرس الرسول ثم بالاثني عشر تلميذًا، ولم يذكر المريمات حتى القديسة مريم والدة الإله لأنهم سوف لا يلتقون بهن.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخٍ أكثرهم باقٍ إلى الآن،

ولكن بعضهم قد رقدوا” [6].

في مت 28: 10 طلب السيد المسيح القائم من الأموات أن يذهب تلاميذه إلى الجليل هناك يرونه، ولم يشر أحد من الإنجيليين إلى هذا اللقاء. هناك في الجليل قضى أغلب فترة خدمته العلنية، وهناك اختار أغلب تلاميذه.

غالبًا ما حدث هذا علي جبل تابور في الجليل كما جاء في التقليد الكنسي، حيث تحققت أكثر ظهوراته العلنية كوعده السابق (مت 26: 32؛ 28: 7، 10، 16). وقد عيّن هذا الموضع بعيدًا عن أورشليم حتى يمكن للمؤمنين أن يجتمعوا هناك في أكثر أمانٍ. إذ لم يكن ممكنًا لمثل هذا العدد أن يجتمع معًا للقاء معه في العاصمة بعد أحداث الصلب.

أمبروسياستر

تعبير “قد رقدوا” يشير إلى موت القديسين، فمن جانب يستقبلون الموت كراحةٍ مؤقتةٍ تدخل بهم إلى الراحة الأبدية. يموتون وهم في سلامٍ عميقٍ وهدوءٍ كمن يدخلون إلى أسرتهم ليناموا ويستريحوا. ويحمل هذا التعبير الرجاء في القيامة، وكأنها استيقاظ من النوم (يو11: 11 ؛ 1 كو 11: 30).

القديس يوحنا الذهبي الفم

“وبعد ذلك ظهر ليعقوب

ثم للرسل أجمعين” [7].

لم يذكر الرسول أين تم هذا الظهور ولا ما هي مناسبته، لكنه واضح أنه يتحدث عن يعقوب وكان لا يزال حيًّا. ويعقوب الأصغر، أخ الرب (غلا 1: 19). جاء في الإنجيل بحسب العبرانيين المزيف أن يعقوب أقسم ألا يأكل خبزًا منذ اللحظة التي شرب فيها كأس الرب (في خميس العهد) حتى يراه قائمًا من الأموات.

عند كتابة الرسالة كان يعقوب الآخر قد رقد (أع 12: 1). أما علة ذكره ليعقوب فهو لأنه سمع الشهادة بقيامة الرب من شفتيه، إذ يقول الرسول أنه لم يرَ أحدًا آخر من التلاميذ بعد عودته من العربية سوي يعقوب (غلا 1: 19).

القديس يوحنا الذهبي الفم

أما قوله: “للرسل أجمعين” ربما يقصد هنا السبعين رسولاً (لو 10) بجانب الإثني عشر تلميذًا. ربما يشير إلى لقائه معهم عند بحر الجليل (يو21: 14). غالبًا ما كان يظهر لهم في الأربعين يومًا من قيامته إلى صعوده وهم مجتمعون معًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا” [8].

القديس كيرلس الأورشليمى

يتكلم بكل هذه الأمور كمن ينطق بتواضعٍ…

فلو أنه قال: “يلزمكم أن تصدقوني أن المسيح قام من الأموات، إذ رأيته، وأنا أكثر من الكل أهلاً للثقة، إذ تعبت أكثر منهم جميعًا”، لصدّ السامعون آذانهم.

لكنه الآن إذ عالج المواضيع والاتهامات، ثم نزع عنهم كل ما يزعجهم بخصوص هذا الأمر هيأ الطريق لكي يؤمنوا بشهادته[20].

القديس يوحنا الذهبي الفم

وجد الرسول كعادته فرصة ليمارس تواضعه، فحسب نفسه كالجنين الميّت في لحظات لقائه مع القائم من بين الأموات. لم يكن قد هيّأ نفسه للإيمان بل حتى تلك اللحظات كان يقاوِم ويضطهِد ويفتري. دُعي إلى العمل في وقت لم يكن يتوقعه وبطريقة لم تخطر على ذهنه، فحسب نفسه كالسقط الذي كان يلزم الخلاص منه، لكن القائم من الأموات وهبه الحياة الجديدة والميلاد الجديد. دعي نفسه “السقط” ربما لأن السقط يحدث فجأة بطريقة غير متوقعة وقبل زمن الولادة، هكذا تم تحوله إلى الإيمان المسيحي فجأة في طريقه إلى دمشق علي غير موعد وبلا توقع منه أو من الكنيسة أو من اليهود.

أورد لقاءه مع المسيح القائم من الأموات الذي تم بعد صعوده لتأكيد أن الذي رآه التلاميذ والرسل بعد قيامته لم يكن خيالاً ولا رؤى بل رأوا شخصه الحقيقي، وهو بنفسه بعد صعوده بذات الجسد الذي قام به ظهر لبولس الرسول وتحدث معه. ظهوره له لم يكن رؤيا في حلم، بل رؤية حقيقية لشخص المخلّص الصاعد إلى السماوات.

أمبروسياستر

ثيؤدورت أسقف قورش

القديس يوحنا الذهبي الفم

لأني أصغر الرسل،

أنا الذي لست أهلاً لأن أدعى رسولاً،

لأني اضطهدت كنيسة اللَّه [9].

حسب نفسه آخر الرسل وأصغرهم. في أعماقه كان يشعر أنه ليس أهلاً لهذه الدعوة، ولا لهذا اللقب. وفي نفس الوقت لا يتجاهل عطايا اللَّه له ومواهبه التي تمتع بها من يدي مخلصه وجهاده وأتعابه وآلامه من أجل الخدمة، بهذا “لم أنقص شيئًا عن فائقي الرسل” (2 كو 5:11). بمعنى آخر كان الرسول يذكر على الدوام ماضيه حتى يسلك بروح التواضع، ولا ينسى إحسانات اللَّه معه حتى يقدم ذبيحة شكر دائمة. وكأنه في كل يوم يقدم ذبيحة القلب المنسحق الذي لا يرذله اللَّه، المرتبطة بذبيحة الشكر الدائم التي تفتح أمامه أبواب السماء لينال بغير كيلٍ.

حسب نفسه ليس أهلاً أن يُدعي رسولاً لأنه كان مضطهدًا خطيرًا ضد كنيسة اللَّه، أي كنيسة المسيح، الأمر الذي لم يفعله قط أحد من الرسل.

مع أن اضطهاده للكنيسة كان عن جهلٍ منه، وقد غفر اللَّه له ذلك واختاره رسولاً، لكن كان الرسول يجد صعوبة شديدة أن يغفر لنفسه ما قد ارتكبه.

يشير الرسول إلى جريمته التي لم يستطع أن ينساها، إذ كان يضطهد كنيسة اللَّه. فهو ليس أهلاً أن يُدعي رسولاً ليس عن عجزٍ في سماته كرسول، ولا في إمكانية الشهادة له، وإنما من أجل هذه الجريمة الكبرى التي ارتكبها، فإنه لا يفارقه قط الشعور بالذنب عن الماضي. وقد سمح له اللَّه بذلك لكي يُولد فيه روح التواضع والشعور بعدم الاستحقاق. إشارته إلى ذلك تعطي قوة لشهادته الشخصية، فهو المقاوم للحق الانجيلي والمُضطهد لشخص المسيح في كنيسته، ما كان يمكنه أن يتحول للشهادة دون أن يتيقن من قيامة السيد وصعوده إلى السماء!

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

أمبروسياستر

القديس يوحنا الذهبي الفم

“ولكن بنعمة اللَّه أنا ما أنا،

ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة،

بل أنا تعبت أكثر منهم جميعهم،

ولكن لا أنا، بل نعمة اللَّه التي معي” [10].

لا يجحد الرسول عطايا اللَّه له، فما هو عليه إنما فعلته النعمة الإلهية فيه. نحن كلا شيء، لكن اللَّه بنعمته جعلنا هكذا أبناء اللَّه مملوءين غيرة مقدسة، ملتهبين بالروح، عاملين بروح القوة لا الفشل. نال الرسول نعمة الرسولية ليس خلال حكمته ولا بتخطيطٍ من عنده، إنما كهبة مجانية من خلال النعمة الإلهية التي رافقته ووهبته إمكانية العمل الرسولي.

تكراره “نعمة اللَّه” في نفس العبارة يؤكد مدى انشغاله بها. فإنه ليس من موضوعٍ يشغل ذهن الرسول بولس في كل كتاباته مثل “نعمة اللَّه“، العلة الوحيدة لتحوله المعجزي الفائق للفكر، التي قدمت له خلاص اللَّه المجاني العجيب، وجددت طبيعته، ووهبته النمو المستمر، وسندته في احتمال الأتعاب والآلام من أجل اللَّه أكثر من جميع الرسل. الآن إذ يشير إلى نفسه وإلي الرسل كان لابد الإشارة إلى نعمة اللَّه التي لها كل الفضل فيما هو عليه.

إذ وُهبت له النعمة الإلهية قَبِلَ صلب الأنا تمامًا، فيقول “لا أنا“، لتعمل النعمة التي معه وفيه، تهبه إرادة جديدة قوية وإمكانية عمل فائقة.

نعمة اللَّه لم تسلبه دوره الحي للجهاد، فقد كان أكثر اجتهادًا من غيره في الكرازة واحتمال المشقات المستمرة والتجاوب العملي معها. هذا ما تكشفه سجلات حياته. هذه الحقيقة لا تدفعه إلى الكبرياء والاعتداد بنفسه، فإنه دومًا يذكر ماضيه السيء، لا ليحطم نفسيته، وإنما لكي بالتواضع يعمل بأكثر قوة، ولكي يحول كل نجاح في حياته إلى تسبحة شكر للَّه.

أمبروسياستر

القديس باسيليوس

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس باسيليوس الكبير

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

الأب شيريمون

فسواء أنا أم أولئك هكذا نكرز وهكذا أمنتم” [11].

يؤكد لهم الرسول أنه ليس وحده الذي كرز بذات الإنجيل في كل وقت وفي كل مكان، إنما هو ذات الإنجيل الذي كرز به سائر الرسل. الكل قدّموا ذات الحق، ذات القصة، كرزوا بصلب السيد المسيح وموته وقيامته. الكل لهم ذات الإيمان الذي به يعيشون وفيه يموتون. هذا هو الإيمان الرسولي الذي كرز به الرسل وقبله المؤمنون. فمن يكرز بغير هذا لا يمارس العمل الرسولي.

الموضوع الرئيسي هو تثبيت الحق الإنجيلي الخاصة بقيامة المسيح من الأموات، أما من الذي يُبشر به فهو أمر ثانوي، لأن الجميع يبشرون بذات الحق.

لم يقل “كرزنا” بل إلى الآن “نكرز“، “وهكذا آمنتم” لم يقل هنا “تؤمنون” بل “آمنتم”. فإنهم إذ اهتزّوا في الفكر يعود بهم إلى الأزمنة السابقة مضيفًا شهادتهم هم أنفسهم[43].

القديس يوحنا الذهبي الفم

2. قيامة المسيح أساس قيامتنا

بعد أن أكد قيامة المسيح كتحقيقٍ لما ورد في الكتب وخلال شهود العيان الآن يؤكد القيامة خلال إبراز عدم قبول التعليم المناقض للإيمان بالقيامة موضحًا خطورة هذا التعليم:

أولاً: عدم الإيمان بالقيامة يستلزم إنكار قيامة المسيح [13].

ثانيًا: إنكار قيامة المسيح يجعل كرازتنا باطلة وإيماننا بلا نفعٍ [14].

ثالثًا: هذا التعليم يحمل اتهامًا ضد الرسل كشهود زور وأشرار، إذ يكرزون بالقيامة [15].

رابعًا: بدون قيامة المسيح يغلق الكورنثوسيون أبواب الرجاء في نوال غفران خطاياهم [16-17].

خامسًا: بدون القيامة يُحسب كل أصدقائنا القديسين مفقودين [18].

سادسًا: بدونها يكون المؤمنون أشقى جميع الناس [19].

سابعًا: بدونها يكون الإيمان بالمعمودية باطلاً، لأنها تصير دفنًا مع المسيح دون قيامة [29].

ثامنًا: يصير احتمال أتعاب الكرازة والاستشهاد بلا فائدة [30 – 32].

ولكن إن كان المسيح يكرز به أنه قام من الأموات،

فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة أموات؟” [12]

إن كنا نحن جميعًا (الرسل) نكرز بالقيامة كشهود عيانٍ لها، فكيف يتجاسر بعض الكورنثوسيين وينكرون القيامة من الأموات؟ حديث الرسول يوضح أن أهل كورنثوس كانوا يدركون بالأدلة القاطعة قيامة السيد المسيح، لكن قومًا منهم كانوا كانوا يظنون أن القيامة من الأموات أمر مستحيل. هؤلاء القوم إما أنهم من أصل يهودي لازالوا يكنون شيئًا من الالتزام بالاحتفاظ بفكر الصدوقيين منكري القيامة، أو من الأمم تأثروا ببعض الفلسفات الغنوصية التي أفسدت تعاليمهم.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أمبروسيوس

“فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام” [13].

إذ شاركنا كلمة اللَّه المتجسد في اللحم والدم، وقد وعد بإقامة البشرية من الأموات بقيامته، فإنه إن كان الأموات لا يقومون يكون المسيح أيضًا لم يقم.

إن لم تكن توجد قيامة عامة للأموات بالتبعية لا يمكن أن توجد قيامة للمسيح، إذ تكون بلا معنى ما لم تقدم لنا إمكانية القيامة. فما يتمتع به الرأس يناله بقية الجسم. قيامتنا مرتبطة بقيامته، لا تنفصل عنها (1 كو 15: 20، 22 ؛ يو 14: 19).

بيلاجيوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

وإن لم يكن المسيح قد قام،

فباطلة كرازتنا، وباطل أيضًا إيمانكم” [14].

بإنكار قيامة المسيح يصير كل التعليم باطلاً بلا نفع ولا لزوم للإيمان.

كلمة “باطل” هنا معناها “فارغ” أو “غير حقيقي”، أو “بلا نفع”.

القديس يوحنا الذهبي الفم

ونوجد نحن أيضًا شهود زور للَّه،

لأننا شهدنا من جهة اللَّه أنه أقام المسيح،

وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون” [15].

إذ شهد الرسول ومن معه بقيامة المسيح فإن رفض قيامة الأموات هو توجيه اتهام ضد الرسل إنهم شهود زور للَّه. وإن كان الرسل يشهدون زورًا، فهل يمكن أن يتفق الخمسمائة علي شهادة زور في حدث رأوه كلهم معًا دفعةً واحدةً؟ ولو أن هذا صحيح ألم يوجد بينهم شخص واحد يكشف عن تزوير شهادتهم؟ لهذا فإن الشهادة لقيامة المسيح حقيقة ثابتة لا يمكن جحدها.

لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام” [16].

وان لم يكن المسيح قد قام،

فباطل إيمانكم،

أنتم بعد في خطاياكم” [17].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس كيرلس الأورشليمي

“اذَا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا” [18].

بهذا كل الذين استشهدوا أو ماتوا وهم في الإيمان بالمسيح يسوع قد هلكوا، لأن رجاءهم لا أساس له، وإيمانهم لا يقوم علي الحق. أجسامهم تنحل في الأرض ولا يتحقق وعد السيد المسيح أنهم يقومون في اليوم الأخير (يو 5:25، 28-29؛ 11: 25-26).

عندما يتحدث عن المسيح يقول: “مات” ليؤكد الرسول حقيقة آلامه وصلبه وموته، وعندما يتحدث عن المؤمنين يقول: “رقدوا في المسيح” ليؤكد أنهم خلال شركتهم معه كأعضاء جسده صار لهم رجاء القيامة، فهم أشبه بالراقدين حتى يستيقظوا. بالنسبة للسيد المسيح قد تحققت القيامة فعلاً لذا لم يخجل من القول بأن المسيح قد مات، إذ صار موته مجيدًا بقيامته، أما بالنسبة لنا فستتحقق قيامة أجسادنا خلال الرجاء، لهذا يستخدم تعبير “الرقاد” لتطمئن نفوسنا.

أما قوله “هلكوا” فيشير إلى نفوسهم التي فُقدت في شقاء العالم غير المنظور.

من الصعب أن يقبل الإنسان عدم قيامة الأموات عندما يرقد أحد أقربائه أو أصدقائه ويكون مقدسًا للرب، لأنه بهذا يكون قد حسبه مفقودًا إلى الأبد. من يقدر أن يقبل تعليمًا يحمل هذه النتيجة المرة؟!

أمبروسياستر

إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح،

فإننا أشقى جميع الناس” [19].

إن كان رجاؤنا في المسيح يقف عند الحياة الحاضرة نكون مخدوعين لأننا نحتمل آلامًا أكثر من غيرنا؛ ونمارس الإماتة اليومية، ونُضطهد‍.

إن كان الوثنيون بلا رجاء (أف 2: 12؛ ا تس 4: 13) فإننا نصير نحن أكثر بؤسًا منهم، لأننا لا نتمتع أيضًا بالملذات الحاضرة (كو 4: 9). رجاؤنا ليس في انفصال النفس عن الجسد وإنما اتحاد النفس بالجسد القائم من الأموات.

ظن بعض الدارسين أن الرسول يتحدث هنا عن الرسل، لكن واضح أن حديثه يشمل كل المؤمنين الصادقين في إيمانهم وجهادهم. فمن جهة لم تكن العبارات السابقة خاصة بالرسل وحدهم، ومن جهة أخرى فإن جميع المؤمنين الحقيقيين مدعوون لحمل الصليب والدخول من الباب الضيق والطريق الكرب لمشاركة المسيح آلامه وصلبه.

إن كان المسيحي الحقيقي يشعر أنه أسعد كائن علي وجه الأرض إنما خلال اتحاده بالمسيح القائم من الأموات، وخلال انفتاح أبواب السماء أمامه مترجيًا كمال المجد أبديًا. بدون القيامة من الأموات يصير أكثر الناس بؤسًا، لأنه يحتمل آلامًا مرَّة، ويدخل طريقًا ضيقًا ينتهي بالانحدار في القبر بلا عودة. يتعرض هنا للاضطهادات ويحرم جسمه من الملذات بإرادته لأنه ينعم بعربون المسرات السماوية.

القديس أمبروسيوس

أمبروسياستر

القديس يوحنا الذهبي الفم

مكسيموس أسقف تورين

3. قيامة المسيح ضمان لقيامتنا

بعد أن عدد الرسول نتائج عدم الإيمان بقيامة السيد المسيح وبالتالي عدم قيامتنا من الأموات، وذكر أن هذا يُفسد الكرازة ويحطم الإنجيل وينسب للرسل أنهم شهود زور للَّه، ويغلق أبواب الرجاء في السماء ويحول الحياة المسيحية إلى شقاء مرير يصرخ بروح القوة: “الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين“. إنها حقيقة لا يُشك فيها! أمر لا يحتاج إلى برهان! فتحت لنا أبواب الرجاء، وحولت حياتنا إلى فرحٍ مجيٍد لا يُنطق به!

ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات،

وصار باكورة الراقدين” [20].

تؤكد البكور وجود المحصول، وتؤكد قيامة المسيح تحقيق قيامتنا. يليق بدعوة قيامة المسيح بكرًا لقيامتنا، لأنه حسب الطقس اليهودي كان الفصح أولاً، واليوم الذي يليه هو السبت العظيم، وفي اليوم التالي تُقدم البكور. هكذا مسيحنا هو فصحنا الذي صلب، واليوم التالي لصلبه هو السبت، ثم تقُدم البكور في يوم الأحد، اليوم الأول من الأسبوع حيث قام البكر من الأموات.

يمتاز البكر بأنه السابق للكل، وأفضل الكل، والمكرس للَّه، وبه يتقدس المحصول كله. من جهة الزمن لم يكن السيد المسيح هو أول القائمين من الأموات، فقد قام الميت الذي لمس عظام أليشع النبي، وأقام السيد المسيح الصبية ابنة يايرس، والشاب وحيد أمه الأرملة، ولعازر أخ مريم ومرثا، لكن جميعهم قاموا إلى حين وماتوا. أما المخلص فقام بسلطانه كبكرٍ فائقٍ لا يعود يموت. إنه السنبلة الأولى الناضجة التي يمسك بها الكاهن ويلوح إعلانًا عن أنها مكرسة للَّه، بها يتقدس كل الحصاد.

أمبروسياستر

إن كانت القيامة من الأموات يُقال أنها تتم خلال إنسانٍ، والإنسان الذي نعرفه خلالها هو الكلمة المولود من اللَّه، خلاله تحطمت قوة الموت[56].

القديس كيرلس الكبير

4. قيامة المسيح علاج إلهي لسقوطنا

فإنه إذ الموت بإنسانٍ،

بإنسانٍ أيضًا قيامة الأموات” [21].

يقصد بالإنسان هنا آدم، بعصيانه دخل الموت إلى العالم، أو حلّ بالطبيعة البشرية. لذا كان لزامًا أن يتحقق علاج هذا الأمر بنفس الطريق، خلال إنسان قادر أن يمحو هذا العصيان، ويجدد الطبيعة البشرية، ويدخل بها إلى القيامة أو الخلود. هكذا أدخل الإنسان الفساد إلى العالم، وشفى الإنسان هذا الفساد.

جاءت القيامة بإنسانٍ آخر، هو الكلمة الإلهي المتأنس الذي في سلطانه أن يهب القيامة للموتى، ويرد للبشرية سلامتها وكرامتها وسلطانها، فلا تعود تموت بعد القيامة.

في آدم لم يتحقق الموت فورًا لأنه لم يكن كل نسله قد ولدوا لكنه حلّ بالطبع البشري، وصار له سلطان على كل البشرية القادمة. الآن في المسيح يسوع نالت البشرية بالإيمان سلطانًا فلا يقوى عليها الموت بل صار طريقًا للعبور حتى يتمتع الثابتون فيه بالقيامة المجيدة.

بسقوط آدم حلّ الموت الروحي أيضًا علي الطبيعة البشرية وبقيامة المسيح تحل القيامة الأولى أو الروحية بالمؤمنين به والمتحدين معه، الحاملين برَّه. فتتحقق قيامتنا بسبب اتحادنا به؛ وليس لنا فضل فيها.

صار المسيح واحدًا منا، حمل ناسوتنا حتى كما بإنسانٍ سقطنا تحت الموت بإنسانٍ صارت لنا القيامة. إذ جلب بكرنا الأول علينا لعنة الموت جلب الثاني لنا مجد القيامة.

البابا أثناسيوس الرسولي

القديس باسيليوس الكبير

القديس أمبروسيوس

القديس كيرلس الكبير

القديس يوحنا الذهبي الفم

لأنه كما في آدم يموت الجميع،

هكذا في المسيح سيحيا الجميع” [22].

جاء الموت بآدم وتحقق الخلود بالمسيح. كما خضع الكل بالطبيعة للموت بواسطة آدم، فبالنعمة ينالون القيامة بالمسيح يسوع.

العلامة ترتليان

يستخدم الرسول كلمة “جميع” في العبارتين لأنه لا يموت أحد في جسد طبيعي إلا آدم، هكذا لا يصير أحد حيًا مرة أخرى في جسد روحي إلا في المسيح[66].

القديس أغسطينوس

سفيريان أسقف جبالة

أمبروسياستر

القديس أغسطينوس

ولكن كل واحد في رتبته:

المسيح باكورة

ثم الذين للمسيح في مجيئه” [23].

يشير الرسول إلى ثلاث رتب: الأولى المسيح الذي قام بسلطانه كبكرٍ للأموات، ثم الذين للمسيح يقومون لينالوا الخلود والمكافأة الأبدية عند مجيئه الأخير في يوم الدينونة، وأخيرًا تتحقق النهاية حين تُعلن هزيمة عدو الخير، إبليس وجنوده.

قام السيد المسيح أولاً باكورة الراقدين، ثم تقوم البشرية كلها في يوم الدينونة، لكن يبدو أن المؤمنين يقومون معًا كعروسٍ واحدةٍ مقدسةٍ مفرزةٍ من الأشرار، ويقوم الأشرار أيضًا لكنهم يرون مجد الأبرار وفرحهم في لقائهم بالرب، أما هم فيُحرمون منه، بل وينالون عقوبةً أبديةً. لذا جاءت أمثلة السيد المسيح عن القيامة دائما تبدأ بمكافأة الأبرار يليها عقوبة الأشرار.

ففي القيامة يقوم الكل في لحظة في طرف عين، لكن كل واحدٍ في رتبته ينال مكافأته، أما إبليس وجنوده والذين قبلوا البنوة له فهم آخر الكل.

جاءت الكلمة العبرية المترجمة “رتبته” كاصطلاح يُستخدم عادة في التنظيم العسكري وفرق الجيش. كأن الرسول يتطلع إلى موكب القيامة كموكبٍ عسكريٍ تمتع بالغلبة علي العدو، وها هو يدخل عاصمة الدولة وتستقبلهم الجماهير بالأغاني والتهليل. هكذا يدخل قائد الموكب السيد المسيح الغالب لإبليس ومملكته ووراءه جنوده الغالبون كل حسب درجته في الإيمان العملي وتمتعه بالنصرات.

إذ هو باكورة الراقدين فتح أبواب الرجاء أمام الموتى لكي يقوموا. صار الموتى أشبه بالمحصول اليهودي الذي يتبارك ويُحسب كله تقدمة مقبولة لدى اللَّه بتقديم البكور. تأكدت الكنيسة كلها خلال رأسها القائم من الأموات أنها تتمتع بالقيامة معه. إذ قام الرأس سيحضر معه كل الراقدين (ا تس 14:4). هكذا صارت قيامته عربونًا لقيامتنا إن كنا نؤمن به ونتحد معه.

العلامة أوريجينوس

القديس أمبروسيوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

5. القيامة وتحدي الموت

وبعد ذلك النهاية متى سُلم الملك للَّه الآب،

متى أُبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة” [24].

أعلنت قيامته مملكته بسلطانها في السماء وعلى الأرض (مت 18:28)؛ صار له اسم فوق كل اسم حتى تسجد له كل ركبة ويعترف كل لسان أنه رب (في9:2-11). يمسك القائم من الأموات بزمام المملكة حتى يُبطل القوات المقاومة، ويخضع أعداءه تحت قدميه [25]، وينحل آخر عدو وهو الموت [26].

ربما يتساءل البعض: أليس الكلمة الإلهي هو رب وملك وصاحب سلطان حتى قبل تجسده؟ نجيب أنه بتجسده وصلبه وقيامته أقامنا ملوكًا وأصحاب سلطان. لقد ملك بالقيامة، إذ جعلنا نحن أعضاء جسده ملوكًا، وحطّم العدو تحت قدميه لأنه وهبنا روح النصرة والغلبة، وأبطل الموت لأننا فيه ننال القيامة. بقيامته أُعلن مُلكه كرب الأحياء والأموات (رو 9:14)، ويحضر شعبه بأمان إلى مجده، ويحطم تحت أقدامهم العدو وبهذا تتحقق النهاية [24].

ربما تطلع الرسول بولس إلى النظام الروماني حيث كان الملوك والولاة متى انتهت مدة ملكهم أو ولايتهم يسلمون أمور الحكم في يدي الإمبراطور. هكذا مع الفارق فإن رئيس أو والي هذا العالم الشرير مع كل قوات الظلمة وجنود الشر الروحية تُنزع عنهم كل سلطة، وتنتهي مملكتهم لتُعلن كمال مملكة اللَّه السماوية. لا يعني هذا أن النهاية تأتي بعد القيامة، إنما بحدوث القيامة تتحقق نهاية العالم في ذات اللحظة.

كلمة “نهاية” تشير إلى وضع حدٍ للشيء أو تحقيق نهاية غايته. فالنهاية هنا تشير إلى تحقيق كمال عمل الخلاص حيث يتمتع المؤمنون بالمجد، ويلتصق كل المؤمنين باللَّه كأبناء وأصدقاء وأعضاء في جسد المسيح الممجد. أيضًا النهاية هنا تعني نهاية الحياة البشرية علي الأرض، ونهاية ممالك هذا العالم.

كلمة “الآب” تُستخدم أحيانا لتشير إلى الأقنوم الأول، وتارة تشير إلى اللاهوت بكونه اللَّه هو محتضن الكل وضابط الكل والمعتني بالجميع.

العلامة أوريجينوس

القديس باسيليوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

لأنها تحكم وتسيطر على أممٍ مختلفة، ولها تأثيرها على أرواح أقل منها، وعلى شياطين، وقد شهدت الأناجيل عن وجود “لجيئون”.

فما كان يمكن دعوتهم أرباب ما لم يوجد من يمارسون عليهم الربوبية،

ولا يدعون قوات وسلاطين ما لم يكن لهم من يمارسون عليهم هذا السلطان.

فالفريسيون في تجديفهم على السيد المسيح قالوا: “ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين” (لو 15:11)، كما دُعيت الشياطين: “ولاة العالم على ظلمة” (أف 12:6)، ودُعي أحدهم: “رئيس هذا العالم” (يو 30:14). ويتحدث الطوباوي بولس عن هؤلاء الرئاسات والقوات كيف يبطل سلطانهم على هذا العالم حين يخضع الكل للسيد المسيح فيقول: “متى سُلم المُلك للَّه الآب متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة” (1 كو 24:15)[79].

الأب سيرينوس

لأنه يجب أن يملك،

حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه” [25].

يملك السيد المسيح على كنيسته الممجدة، جسده في السماء. ويكون ملكه إلى الأبد (رؤ 15:11)، يملك على بيت يعقوب أبديًا ولا يكون لملكه نهاية (لو 33:1)، ملكه أبدي لا يزول (دا 14:7؛ مي 7:4).

لأنه يجب“، لأن الكتاب المقدس سبق فأخبر عنه كحقيقة لابد أن تتحقق. وبقوله “يجب أن يملك” يشير إلى استمرار ملكه.

تطلع المرتل إلى المسيّا ليري ذلك اليوم المفرح الذي فيه يجلس الابن الوحيد الجنس بكنيسته المقدسة الغالبة عن يمين العظمة، وتنحل كل قوات الأعداء وتسقط تحت قدميه (مز 110: 1). إنه واحد مع الآب، إنما ما يتحقق في ذلك اليوم لكنيسته، جسده المقدس، يُحسب له. بينما ينهار العالم ويسقط إبليس وكل جنوده يملك السيد المسيح ملك الملوك ويقيم من شعبه ملوكًا وكهنةً للَّه أبيه (رؤ 1: 6).

القديس جيروم

القديس غريغوريوس النزنيزي

القديس كيرلس الأورشليمي

القديس أغسطينوس

“آخر عدو يبطل هو الموت” [26].

لقد هزم السيد المسيح الموت بموته المحيي علي الصليب، لكن يتحقق بطلانه تمامًا بقيامة كل المؤمنين وتمتعهم بالملكوت الأبدي.

الأعداء الآخرون يبطلون قبل النهاية، حيث تتحطم عداوة القلب البشري للَّه بالكرازة بالإنجيل، وينكسر قضيب ملك إبليس ويُنزع عنه. سيملك اللَّه روحيًا في كل موضع، ويصير الكل خاضعًا له. ستنتهي مملكة الخطية وطغيانها.

بقيامته قدم لنا القيامة من الأموات فصرنا في أمان، بعيدًا عن أية مخاوف. لا نعود بعد نخشى أي عدو، ولا نعود نموت بعد.

العلامة أوريجينوس

الآن نحن نسود على الخوف بالإيمان، لكن ستتحقق السيادة بالحب بالرؤيا[86].

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

6. وضعنا الأبدي

لأنه أخضع كل شيء تحت قدميه،

ولكن حينما يقول إن كل شيء قد أخضع

فواضح أنه غير الذي أخضع له الكل” [27].

كوسيط لدى الآب يتقدم ليُخضع الكل له، ذاك الذي جلس مع أبيه على عرشه (رؤ 12:3). جلس ليمارس وساطته الإلهية الملوكية، ويُحسب هذا مكافأة له عن تقديم نفسه كفارة عن الإنسان بذبيحة الصليب (في 6:2–12).

بصعوده إلى السماء صار رأسًا على كل شيء لحساب كنيسته، له سلطان أن يحكم ويحمي الكنيسة من كل أعدائها، وفي النهاية يحقق الخلاص الكامل للمؤمنين به إذ يشاركونه مجده.

إذ يقول “كل شيء” يحوي أيضًا الموت (أف 1: 22؛ في 3: 21؛ عب 2: 8؛ 1 بط 3: 22). بقوله “أخضع” يتحدث بلغة اليقين كحقيقةٍ لا توجد فيها أي احتمال آخر.

لقد وضع كل شيء تحت قدميه خلال وعده له وخطته الإلهية إذ أقامه رأسًا لكل شيء (مت 28: 18؛ يو17: 2 ؛ أف 1: 20 – 22). وقد وُجد هذا في مزمور 8: 6 بخصوص الإنسان، حيث أُعطي للطبيعة البشرية أن يكون لها سلطان علي كل شيء، وهذا لن يتحقق لها إلا بالمسيح يسوع ربنا.

لماذا قال: “غير الذي أُخضع له الكل؟” ليتجنب إمكانية إثارة اعتراضات تافهة، لئلا يفهم البعض “كل شيء” بما فيه الآب يخضع له، وذلك كما كان عند الأمم حيث يعتقدون أن جوبتر يُروي عنه أنه استبعد والده من عرشه ومن السماء. لكي تمنع الظن بأن بولس في حديثه عن سلطان الابن قد بالغ فيه حتى صار أعظم من الآب. فإن كان الابن قد تجسد وخضع كابن الإنسان للآب، فبعد القيامة واتمام عمل المسيح الشفاعي تظهر مساواة الآب والابن بوضوح كما قبل التجسد.

العلامة أوريجينوس

القديس باسيليوس

القديس هيلاري أسقف بواتييه

لا يتحدث الرسول عن المسيح في لاهوته بل في ناسوته، حيث أن كل المناقشة هي عن قيامة الجسد. إنه في ناسوته يخضع حيث تخضع كل البشرية للاهوت[92].

ثيؤدورت أسقف قورش

أوكيمينوس Oecumenius

اللَّه الكل في الكل

 ومتى أخضع له الكل،

فحينئذ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكل”،

“كي يكون اللَّه الكل في الكل” [28].

أولاً: خضوع الابن كرأس الكنيسة:

ماذا يعني يخضع الابن، ويصير اللَّه هو الكل في الكل. صار كلمة اللَّه المتجسد الذي هو واحد مع أبيه ومساوٍ له في ذات الجوهر إنسانًا، لكي يكون وسيطًا بين اللَّه والناس. الآن إذ انتهي دور الوساطة فلا يعود يشفع عن أناسٍ جدد كإنسانٍ يخضع للآب، فهو رأس الكنيسة. خضوع الابن هنا ليس كخضوع الخليقة، إنما خضوع ذاك الذي هو واحد معه ومساوٍ له في ذات الجوهر. فالابن الذي قام بدور الوسيط وقدم نفسه ذبيحة حب عن البشرية وصار رأسًا للكنيسة يعلن خضوعه للآب كتكريمٍ متبادل فيما بينهما. فالابن يكرم الآب، كما أن الآب يكرم الابن. والكل يكرمون الابن كما يكرمون الآب (يو 5: 22- 23 ؛ عب 1: 6).

خضوع الاقنوم الثاني للأقنوم الأول ليس كمن هو أقل منه، إنما إذ قبل أن يتجسد ويموت ثم يقوم كرأس وبكر الراقدين يخضع للآب باسم الكنيسة كلها ولحسابها. هذا لا يعني انفصال اللاهوت عن الناسوت، فإنه مع إشراق بهاء اللاهوت الكامل علي الناسوت يخضع الابن.

يتحدث الرسول بطريقة عندما يتكلم عن اللاهوت وحده، وبطريقة أخرى عندما يتكلم عن التدبير الإلهي. كمثال إذ وضع النص الخاص بتجسد ربنا لا يعود يخشى بولس من الحديث عن أعماله المتواضعة الكثيرة، فإن هذه ليست غير لائقة بالمسيح المتجسد، حتى وإن بدت واضحة أنها لا يمكن أن تنطبق على اللَّه.

في النص الحالي عن أي الأمرين يتحدث؟

إذ أشار إلى موت المسيح وقيامته، وكلاهما لا ينطبقان على اللَّه فمن الواضح أنه يتحدث عن التدبير الإلهي للتجسد، الذي فيه خضع الابن للآب بإرادته. ولكن لاحظ أنه قدم تصحيحًا بقوله أن الذي أخضع كل شيء له قد استثنى نفسه من هذا الكل. هذا يعني أنه يذكرنا بأن المسيح الكلمة هو اللَّه الحقيقى[93].

القديس يوحنا الذهبي الفم

العلامة أوريجينوس

القديس أغسطينوس

ثانيًا: الخضوع لا يقلل من شأن الابن

القديس أمبروسيوس

أمبروسياستر

القديس غريغوريوس النزنيزي

ثالثًا: قيل هذا بسببنا

مادمنا في العالم لا نبلغ الكمال كما ينبغي لهذا، يُقال حتى القديسون لا يدركون بالكامل أن اللَّه هو الكل في الكل. أو بمعني أدق لا يتحقق فيهم هذا بالكامل ماداموا في الجسد في هذا العالم، حتى متى حلت القيامة يتحقق فيهم هذا، فيشعر كل واحدٍ منهم أن اللَّه هو الكل بالنسبة له!

هنا لا يقول: “يصير الآب هو الكل في الكل”، لأنه إذ يتمتع المؤمنون بالمكافأة الأبدية لا يعودوا يتطلعوا إلى كل أقنوم بأن له عمل خاص، فإن الآب الذي وضع خطة الخلاص والابن الذي قدم حياته ذبيحة حب لخلاصنا، والروح القدس الذي وهبنا الشركة لكي نتمتع بالاتحاد مع اللَّه ونحمل أيقونة الكلمة المتجسد… الآن كل هذه الأعمال الإلهية قد تحققت، فنقف لنري اللَّه “الثالوث القدوس”.

 العلامة أوريجينوس

العلامة أوريجينوس

هذا هو النضوج الذي نسرع اليه[101].

القديس غريغوريوس النزنيزى

القديس جيروم

القديس أغسطينوس

الأب بطرس خريسولوجوس

هذا هو التفسير السليم لقول الرسول: إن اللَّه يكون الكل في الكل [28]. سيكون نهاية كل رغباتنا التي ستُرى بلا نهاية، ويُحب بلا حدود ويُسبّح بلا ملل. هذا التدفق للحب والخدمة ستكون الحياة الأبدية عينها المقدّمة للكل[105].

القديس أغسطينوس

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

الأب سيرينوس

الأب اسحق

القديس يوحنا كاسيان

الثالوث القدوس هو الكل في الكل

بقوله “اللَّه الكل في الكل” يعلن أن الثالوث القدوس هو الكل في الكل، فقد قيل عن المسيح أنه الكل في الكل (كو 3: 11؛ زك 14: 9). يري كثير من الدارسين أن تعبير “يكون اللَّه الكل في الكل” لا يشير إلى الآب وحده بل اللاهوت الخاص بالثالوث القدوس دون الإشارة إلى أقنومية كل واحدٍ منهم.

[1] In 2 Corinth. Hom. 38:2.

[2] In 2 Corinth. Hom. 38:2.

[3] CSEL 81:164.

[4] PL 30:763

[5] On 1 Cor., hom. 38:2.

[6] CF. In 1 Cor., hom 38:2.

[7] CSEL 81:164-65.

[8] Catechesis 13.

[9] Letter 41:11.

[10] In 1 Cor., hom 38:2.

[11] In 1 Cor., hom 38:4.

[12] Trinity 10:67.

[13] In 1 Cor., hom 38:5.

[14] In 2 Corinth. Hom. 38:5.

[15] CSEL 81:166.

[16] In 2 Corinth. Hom. 38:5.

[17] In 1 Cor., hom 38:5.

[18] In 2 Corinth. Hom. 38:5.

[19] Lect. Catechesis 14:22.

[20] In 1 Cor., hom 38:6.

[21] CSEL 81:167.

[22] Comm. On 1 Cor., 266.

[23] In 1 Cor., hom 38:5.

[24] In 2 Corinth. Hom. 38:5.

[25] In Ephes., hom. 7.

[26] Sermons on New Testament Lessons, 27:3.

[27] On Repentance 5:29.

[28] In 2 Corinth. Hom. 38:6.

[29] In Ephes., hom. 11.

[30] In Titus, hom. 3.

[31] Unto the End 19:5.

[32] City of God 14:9.

[33] In 2 Corinth. Hom. 38:7.

[34] Concerning Almsgiving and the Ten Virgins 3:22.

[35] In Galat., hom. 1.

[36] On Humility, 20.

[37] Baptismal Instructions, 4:10.

[38] In 1 Cor., hom 38:7.

[39] In 1 Cor., hom 38:8.

[40] Proceeding of Pelagius, 14:36.

[41] Letter from Alypius and Augustine to Paulinius, 186.

[42] Cassian: Conferences 13:12.

[43] In 1 Cor., hom 39:1.

[44] On 1 Cor. Hom., 39:2.

[45] On His Brother Satyrus, 2:103.

[46] Comm. On 1 Cor., 15.

[47] In 1 Cor., hom 39:2.

[48] In 1 Cor., hom 39:3.

[49] In 1 Cor., hom 39:3.

[50] In 1 Cor., hom 39:3.

[51] Catechetical Lectures, 13.

[52] CSEL 81:170.

[53] On His Brother Satyrus, 2:124.

[54] In 1 Cor., hom 39:4.

[55] Maximus of Turin: Sermons 96:1.

[56] Letter 17:11.

[57] Letter 50:14.

[58] On the Incarnation, 10.

[59] Letters, 261, to the Citizens of Sozoplis.

[60] On His Brother Satyrus, 2:91.

[61] Letter 55:34.

[62] On 1 Cor. Hom., 39:5.

[63] On the Soul 43:10.

[64] To Jerome 167:21.

[65] Against Julian 24.

[66] City of God 13:23.

[67] To Honoratus 140:9.

[68] CSEL 81:171.

[69] To Hilarius 157.

[70] Sermons on New Testament Lessons, 40:7.

[71] The Literal Meaning of Genesis (ACW), 6:27:37.

[72] In Genesis, hom. 2.

[73] On His Brother Satyrus 2:92.

[74] In 1 Cor., hom 39:5.

[75] In 1 Tim., hom. 15.

[76] De Principiis 1:8.

[77] On Ps. 48, hom. 19.

[78] On 1 Cor., hom 39:6.

[79] Cassian: Conferences 8:14.

[80] Against Helvidius 6.

[81] Theological Orations 30, On the Son, 4.

[82] Catechetical Lectures 15 :29.

[83] Question 69 :8.

[84] Sermon on the Mount 1:11:30.

[85] De Principiis 3 :6 :5.

[86] Letter to Janarius. 55.

[87] In 1 Cor., hom 39:6, 8.

[88] De Principiis 3 :6:9.

[89] De Principiis 3 :5 :6.

[90] An apology to the Caesareans, Letter 8.

[91] Trinity 11:36.

[92] Comm. On 1 Cor. 271-72.

[93] On 1 Cor., hom 39 :7.

[94] In Levticus 7 :6.

[95] The Trinity 1 :12 :28.

[96] The Holy Spirit 1:3:49.

[97] Theological Orations, 4 On the Son 30 :5.

[98] In Levticus 7 :4.

[99] De Principiis 3 :5 :7.

[100] De Principiis 3 :6 :3.

[101] Theological Orations, 4 On the Son 30 :7.

[102] Against the Pelagians, 18.

[103] City of God 17 :12

[104] Fr. Peter Chrysologus: Selescted Sermons (Frs. of the Church), 67.

[105] City of God 20:30.

[106] Sermons on New Testament Lessons, 5:4.

[107] Easter Sermons 255 :8.

[108] On the Soul and the Resurrection.

[109] Cassian: Conferences 7:6.

[110] Cassian: Conferences 10:6.

[111] Institutions 5:4.

تفسير كورنثوس الأولى 15 – الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version