Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير انجيل مرقس 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل مرقس 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل مرقس 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل مرقس 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثالث عشر

علامات المنتهى

دخل السيد المسيح إلى أورشليم ليعلن حبه لنا عمليًا بالصليب، لكي يدخل بنا إلى أورشليمه السماوية وينعم علينا بأمجاده الأبدية.

في الأصحاحات السابقة تلمسنا عمل السيد المسيح الذي جاء ليهدم الإنسان القديم الترابي، ويقيم فينا الإنسان الجديد الروحي الذي على صورة خالقه. بنفس الروح إذ يتحدث عن مجيئه الأخير يكشف عن هدم الأبنية القديمة لننعم ببناء أبدي غير مصنوع بيد. أما علامات المنتهى الواردة هنا، فقد سبق شرحها خلال فكر الآباء عند دراستنا لإنجيل متى (ص 24)، وقد جاءت هنا بذات الترتيب والفكر:

  1. هدم الهيكل القديم 1-2.
  2. ظهور مسحاء كذبة 3-6.
  3. قيام حروب وحدوث كوارث 7-8.
  4. حدوث مضايقات 9-13.
  5. رجسة الخراب 14.
  6. وصايا للدخول في الملكوت 15-18.
  7. الضيقة العظمى 19-20.
  8. ظهور أنبياء كذبة 21-23.
  9. انهيار الطبيعة 24-25.
  10. مجيء ابن الإنسان 26-27.
  11. مثل شجرة التين المخضرة 28-29.
  12. تأكيد مجيئه 30-31.
  13. عدم معرفة الساعة 32.
  14. الدعوة للسهر 33-37.
مقدمة

جاء هذا الحديث الخاص بعلامات المنتهى في جلسة خاصة للسيد مع تلاميذه وحدهم، في لقاء هادىء بعد دخوله أورشليم وتطهيره الهيكل ولعن شجرة التين، خاصة وأن أحداث الآلام والصلب كانت قد اقتربت جدًا، فما غاية هذا الحديث؟

يمكننا أن نتعرف على غاية هذا الحديث الودي من خلال قراءات يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة (أسبوع الآلام)، حيث ركزت الكنيسة نظر أولادها في هذا اليوم على مجيء السيد المسيح الأخير.

أولاً: لعل ما يلفت نظرنا في قراءات الساعة الأولى من هذا اليوم ما أعلنه الله في سفر الخروج (ص19) أنه حمل شعبه كما على أجنحة النسور لا لينقلهم من أرض العبودية وينطلق بهم إلى أرض الموعد، بل ينقلهم إليه هو شخصيًا، إذ يقول: وأنا حملتكم على أجنحة النسور، وجئت بكم إليّ (خر 19: 4).

لعل التلاميذ إذ رأوا السيد المسيح حازمًا كل الحزم في تطهير الهيكل، وفي لعنه شجرة التين تملكهم روح اليأس، وخشي كل منهم لئلا يكون نصيبهم كشجرة التين، لهذا جاء حديثه هنا يطمئن التلاميذ، أنه يعد لهم سماواته مقدمًا لهم علامات مجيئه، وإن كانت مرة لكنها مطمئِنة. إن كان قد حمل آباءهم كما بأجنحة النسور ليجيء بهم إليه، فإنه يرسل لهم روحه القدوس ليحملهم فوق كل الأحداث لينعموا بلقائه الأخير على السحاب.

يؤكد لنا السيد:أنتم من أسفل وأما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، وأما أنا فلست من هذا العالم[1] (يو 8: 23). كأنه يؤكد لنا أننا غير قادرين بذواتنا أن نرتفع إليه لنلتقي معه على سحاب السماء، لكنه هو من فوق يقدر أن يضمنا إليه، فيجعلنا حاملين سمته: لست من هذا العالم. به ترتفع قلوبنا التي تصير ليست من هذا العالم، أي تحمل سمته، فتدخل معه في شركة أمجاده. لعله أيضًا أراد أن يعلن بعلامات المنتهى المرة أنه سمح بها لكي يدفعنا دفعًا إلى الانطلاق من هذا العالم، أي نخلع عنا محبة الزمنيات، ونترك سمتنا أننا من هذا العالم، فنقدر أن نلتقي مع ذاك الذي ليس من هذا العالم.

حقًا إن العلامات التي قدمها لتلاميذه مرهبة جدًا، لكن إشعياء النبي يقول: لولا أن رب الجنود أبقى بنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة[2](إش 1: 9). وكأن التلاميذ هم البقية الصغيرة التي تعجز عن الخلاص بذاتها لكن مراحم رب الجنود تترفق بها. بمعنى آخر ملكوته السماوي قد أُعد للبقية الصغيرة التي يهتم الله نفسه بها، إذ يقول: لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سرّ أن يعطيكم الملكوت (لو 12: 32).

هكذا أبرزت القراءات اهتمام الله نفسه بتقديم الملكوت. ولعل سرد السيد المسيح لتلاميذه علامات مجيئه بما تحمله من مرارة إنما ليعلن لهم أنه يعرف أن الطريق ضيق للغاية وكرب، لكنه في يديه، أو هم في قبضة يده يحفظهم حتى يجتاز بهم وينطلق بهم إليه.

ثانيًا: عرض السيد المسيح لعلامات المنتهى على تلاميذه ليس فقط يؤكد لهم دور الله نفسه واهتمامه بملاقاتهم معه على السحاب، وإنما دور المؤمنين أيضًا. جاءت هذه العلامات تحمل في مجملها هدمًا تامًا للحياة الزمنية بل وللطبيعة إعلانًا لحياة أفضل أبدية.

حملت قراءات الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة تحذيرًا من الشبع من هذا العالم والاهتمام ببناء بيوت جميلة (تث 8)، تدفعنا نحو اختيار طريق خدمة الرب حيث تنتظرنا التجارب (ابن سيراخ 2: 1)، وتؤكد لنا أنه لا يُترك حجر على جدر إلا ويُنقض (مت 24). كأن الكنيسة وهي تقدم لنا علامات المنتهى ترسم لنا الطريق الإنجيلي للتمتع بالمسيح القادم على السحاب فتطالبنا ألا تمتليء بطوننا الداخلية بسكر هذا العالم وملذاته، ولا يرتبك ذهننا ببناء بيوت أرضية ونزينها كمن يستقر على الأرض أبديًا، إنما بالحري نمسك بصليب ربنا يسوع المسيح لنحمل التجارب بقلب متسع، ونهدم كل حجر في داخلنا، ليقيم الله فينا بناءً جديدًا يليق بنفوس منطلقة نحو أورشليم العليا، تتحد بعريس سماوي.

ثالثًا: السيد المسيح في حديثه مع تلاميذه عن علامات المنتهى، بالرغم مما قدمه من طريق طويل وشاق للغاية لكنه بسلطان ألهب قلوبهم غيرة للدخول فيه؛ لهذا السبب تقدم لنا الكنيسة في قراءات يوم الثلاثاء من البصخة قصتين غاية في الأهمية: لقاء إيليا مع الله وسماعه صوته الإلهي لا خلال الريح العاصف الشديد ولا الزلزلة ولا النار بل خلال النسيم الهادئ اللطيف (1 مل 19: 4-9)، وتمتع نوح بالخلاص في الفلك وسط الطوفان.

تمثل قصة إيليا الحاجة إلى الغيرة المقدسة للقاء مع الله، لكنها غيرة ملتهبة داخلية تقوم خلال النفس الهادئة في الرب، التي تحمل سماته حيث لا يصيح ولا يسمع أحد صوته في الشوارع (إش 42: 2؛ مت 12: 19). أما فلك نوح فيلتحم بغيرة إيليا ليترجم أعماقنا الداخلية واشتياقنا القلبي لملاقاة الرب إلى عمل جاد، فنقبل صليب الرب عمليًا كمن يدخل الفلك مع عائلته وحيواناته وطيوره لينعم باللقاء مع الله وسط هياج العالم الشديد والطوفان المهلك للكثيرين. هذا الفلك يمثل البيت الجديد الذي نقطنه هنا فيحملنا، مرتفعًا بنا فوق المياه، لذلك جاءت القراءات تحدثنا عن بيت الحكمة (أم 9: 1-11) المؤسس على الأعمدة السبعة التي هي أعمال الروح القدس.

بمعنى آخر، لكي نلتقي بربنا يسوع القادم على السحاب يليق بنا ونحن هنا على الأرض أن نتدرب بالروح القدس الذي فينا أن نسكن الفلك الذي يرفعنا إلى فوق، وأن نقطن الجبال العالية، إذ يقول النبي: أصعد على جبل عال يا مبشر صهيون(إش 40: 9) كما جاء في نبوات ذات اليوم، حينئذ ننعم مع دانيال (ص 7) برؤية السيد القادم على السحاب.

رابعًا: أخيرًا لكي تلهب الكنيسة شوقنا للتمتع بهذا اللقاء الأبدي تحدثنا عن بهاء المجد الذي ننعم به حينذاك، فتقتبس في قراءاتها ما قاله إشعياء: نور القمر كنور الشمس (إش 30: 26)، وما قاله السيد نفسه: كل من له يعطى فيزداد (مت 25: 29). بمعنى آخر ما نناله من بهاء داخلي هنا يكون عربونًا لبهاء أعظم أبدي، فإن صرنا بالرب قمرًا نصير هناك شمسًا، وإن صار لنا مكافأة داخلية فإن ما يُعطى لنا هنا يزداد هناك.

بجانب هذا الفكر الكنسي تجاه ما ورد في هذا الأصحاح نود أن نوضح سمات أخرى لهذا المقال:

أولاً: يُعتبر ما ورد في هذا الأصحاح أحد المقالين الطويلين للسيد المسيح في هذا الإنجيل، الأول ورد في الأصحاح الرابع (1-34). وقد لاحظ بعض الدارسين في المقال الذي بين أيدينا أنه اختلف في طابعه عن بقية أحاديث السيد المسيح، فدعاه البعض “الرؤيا الصغيرة Little Apocalypse” وإن كان البعض الآخر رفض تمامًا هذه التسمية، متطلعًا إلى المقال أنه لم يقم على رؤيا معينة، إنما هو حديث مفتوح خاص بين السيد المسيح العالم بالأسرار وتلاميذه.

ثانيًا: لا يستطيع القارئ المعاصر – مهما كانت قراءاته أو معرفته – أن يدرك أثر هذا الحديث على نفسية الإنسان اليهودي في أيام السيد المسيح من جهة خراب الهيكل، فقد كان الهيكل هو كل شيء في حياته، يمثل ملكوت الله وعلامة حلول الله في وسط شعبه ورضاه عليه. يتعلق اليهودي بالهيكل تمامًا، ويحسب أي مساس به علامة غضب الله الشديد نحو شعبه كله! لهذا كان لائقًا أن يكشف الرب عن دمار العالم المادي كله كطريق تمهيدي لمجيء المسيح الأخير على السحاب، ودمار الهيكل المادي لإقامة هيكل الرب الروحي.

ثالثًا: هذا المقال في حقيقته لم يقدمه السيد لنتعرف على الأزمنة والأوقات، ولا كعملٍ نبوي به نتعقب الأحداث، لكنه مقال يكشف عن أسرار المستقبل جاء بقصد عمل رعوي، فيه يحث السيد المسيح كنيسته على الجهاد المستمر وتخطي العقبات التي تقوم على الدوام حتى مجيئه، كما يحذرنا من المسحاء والأنبياء الكذبة، ويوصينا بالسهر الدائم ترقبًا لمجيئه!

رابعًا: أخيرًا يرى كثير من الدارسين أنه “حديث ختامي” أو “وداعي” قدمه السيد المسيح لأربعة من خاصته، كما اعتاد بعض آباء وأنبياء العهد القديم أن يفعلوا هكذا قبيل موتهم مثل إسحق (تك 27)، ويعقوب (تك 49)، وموسى (تث 31: 28 الخ، 32)، ويشوع (يش 24)، وصموئيل (1صم 12)، وداود (1أي 28-29)، وطوبيا (طو 14).

هذا الحديث الوداعي الخاص – إن صح تسميته – بجانب حديثه الوداعي العام لتلاميذه (يو14-16) يختلف تمامًا عن كل حديث وداعي قديم قدمه أحد الآباء أو الأنبياء قبل موته. فاسحق ودّع ابنيه في شيخوخته وهو فاقد البصر لا يميز يعقوب من عيسو، أما يسوع رب المجد فيحدث تلاميذه قبل الصلب بقوة معلنًا أن قوات الظلمة لن تحطم خطته لخلاص البشرية، فاتحًا بصيرتهم الداخلية لمعاينته قادمًا على السحاب ليحملهم إلى مجده.

ويعقوب يتحدث مع أبنائه لتأسيس شعب الله على الأرض، أما رب المجد فيعُلن تأسيس ملكوته الأبدي. وموسى يوصي شعبه بعد أن حُرم من الدخول معهم إلى أرض الموعد، أما يسوع المسيح فيأتي ليحملهم إلى مجده الفائق. وهكذا بقية الآباء والأنبياء، ما قد عجزوا عن تقديمه لأنفسهم اشتهوه لإخوتهم وأولادهم وشعبهم، أما السيد المسيح فهو الرأس المنطلق إلى أمجاده ليحمل مؤمنيه جميعًا إلى حضن أبيه في قوة.

الآن نعود إلى النص الإنجيلي راجيًا الرجوع إلى تفسير الأصحاح الرابع والعشرين من إنجيل معلمنا متى البشير منعًا من التكرار، مشتاقًا أن يلهب الرب أعماقنا جميعًا لشهوة الالتقاء معه عند مجيئه إلينا في اليوم العظيم.

  1. هدم الهيكل القديم

“وفيما هو خارج من الهيكل، قال له واحد من تلاميذه:

يا معلم، انظر ما هذه الحجارة؟ وما هذه الأبنية.

فأجاب يسوع وقال له: أتنظر هذه الابنية العظيمة؟

لا يُترك حجر على حجر لا يٌنقض” [1-2].

هذا السؤال قدمه أحد التلاميذ فيما كان السيد المسيح يخرج من الهيكل، فقد كانت أبنية الهيكل العظيمة بملحقاته تشغل ذهن اليهود كعلامة رضا الرب عنهم. لقد بدأ بناء الهيكل الثاني في عهد زرُبابل بسماح كورش ملك الفرس الذي أحسن لليهود وسمح لهم بالعودة من السبي والبدء في بناء الهيكل في القرن السادس ق.م، وقد امتاز الهيكل الجديد عن القديم بضخامته وإن كان أقل منه في الفخامة. وفي أيام هيرودس قبل ميلاد السيد المسيح، حوالي سنة 20 ق.م. بدأت عملية ترميم ضخمة بقيت حتى حوالي سنة 60م أي قبل خرابه بحوالي سبع سنوات كما يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس[3]، موقعه حاليًا الحرم الشريف أو قبة الصخرة في مدينة أورشليم القديمة.

تم هذا التساؤل فيما كان السيد “يخرج” من الهيكل، أما سرّه فغالبًا أن هذا التلميذ أراد أن يسمع من فم معلمه ما جال في خواطر التلاميذ أن السيد جاء ليطهر الهيكل حتى يجعله مركز مملكته وقصره الملوكي، من خلاله يملك على العالم. فجاءت إجابة السيد المسيح تحطم خواطرهم المادية تمامًا، على نقيض ما كانوا يتوقعون، فقد استغل السيد المسيح هذا السؤال ليعُلن لتلاميذه عن إزالة الهيكل تمامًا، وخراب أورشليم، بل ونهاية العالم المادي كله حتى يسحب قلوبهم إلى الملكوت الروحي والمجد السماوي الأخروي.

يقول القديس كيرلس الكبير: [توقع (التلاميذ) أن يُعجب بالمنظر حين يراه، لكنه هو الله، عرشه السماء. أقول في لطفه لم يعطِ اهتمامًا للأبنية الأرضية بكونها تافهة بل وتُحسب كلا شيء تمامًا، إن قورنت بالمواضع العلوية. لقد أوقف الحوار الخاص بهذه الأبنية ووجهه إلى ما هو لازم لنفعهم. إن كان الهيكل بالنسبة لهم يستحق أن ينال كل الإعجاب، لكنه في الوقت المناسب يُخرب من أساساته حين يهدمه الرومان وتُحرق أورشليم بالنار، فينال إسرائيل جزاءه لقتله الرب، فقد حلت بهم هذه الأمور بعد صلب المخلص[4].]

لكن السيد وهو ينطق بهذا لا يطلب الانتقام، ولا يشتهي خراب مقاوميه، إنما بكونه كلمة الله يُعلن حقيقة الأحداث حتى يكشف لتلاميذه معالم الطريق. فمن جهة يلزمهم ألا يربطوا قلوبهم بحجارة وأبنية بل بهيكل روحي داخلي يسكنه الرب ويقيم فيه ملكوته ومن جهة أخرى يلزم هدم الحجارة من الفكر الحرفي فلا نسلك بالناموس حرفيًا بل ننعم به بالروح خلال هدم الحرف القاتل.

أخيرًا فإنه يلزم أن ننعم بهدم هيكل إنساننا القديم تمامًا ولا يترك عمل من أعماله أو حجر على حجر إلا وينقض. هذه هي خبرتنا في مياه المعمودية حيث يحطم روح الله القدوس إنساننا القديم لكي لا يكون له أثر في حياتنا. فإن سلكنا بروح الله يقوم في داخلنا البناء الروحي الجديد الذي من عمل نعمة الله المجانية، أما إن عادت قلوبنا تطلب ما هو وراء يصير في داخلنا هيكل الخطية القديم وتتحول حياتنا إلى عمود ملح كامرأة لوط ونفقد بهاء ملكوت الرب فينا وأمجاده الفائقة.

يقول القديس أمبروسيوس: [تشير هذه الكلمات إلى هيكل سليمان وهدمه بواسطة الأعداء قبل زمن الدينونة، لأنه لا يوجد عمل لأيدينا إلا ويتآكل ويُقاوم فيهلك أو تلتهمه النيران. وتشير أيضًا إلى مجمع يهودي… حيث يُهدم الهيكل المادي المنظور الذي للناموس المادي، وأيضًا الفصح المادي المنظور… ويصبح الهيكل روحيًا، والناموس روحيًا، والفصح أيضًا روحيًا[5].]

  1. ظهور مسحاء كذبة

“وفيما هو جالس على جبل الزيتون تجاه الهيكل،

سأله بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس على انفراد:

قل لنا متى يكون هذا؟

وما هي العلامة عندما يتم جميع هذا؟

فأجابهم يسوع وابتدأ يقول: انظروا لا يضلكم أحد.

فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أني أنا هو،

ويضلون كثيرين” [3-6].

كان حديث السيد المسيح عن خراب الهيكل فرصة ليتحدث مع أربعة من تلاميذه على انفراد حديثًا خاصًا، هؤلاء الأربعة هم الذين اختارهم السيد ودعاهم للتلمذة قبل بقية التلاميذ، دعاهم اثنين فاثنين. وكما سبق فرأينا[6] أنهم يمثلون الفرس المنطلقة بالمركبة الإلهية نحو السماء، أي المرتفعة بالكنيسة كمركبة نارية ملتهبة تنطلق من مجدٍ إلى مجدٍ نحو الحضن الإلهي. أو يمثلون أربعة حجارة حية أقامها السيد لبناء كنيسته الحيةّ. ولعل هؤلاء الأربعة يشيرون إلى الفضائل الأربعة اللازمة للكنيسة لتتمتع بمعرفة أسرار مجيئه الأخير: بطرس يشير إلى صخرة الإيمان، ويعقوب أي التعقب يشير إلى الجهاد أو المصارعة بلا توقف، ويوحنا أي الله حنان يشير إلى نعمة الله وحنانه، وأنداروس يعني “الجدية” أو “الرجولة” يشير إلى الانطلاق نحو الأبدية في جدية بلا تراخي. بمعنى آخر تمتع هؤلاء التلاميذ الأربعة بهذا الحديث الإلهي الخاص بمجيئه حتى ننعم نحن به إن كان في داخلنا هؤلاء الأربعة: الإيمان الذي يرفعنا عن الأرضيات نحو المسيّا المخلص، الجهاد العملي النابع عن إيماننا بالذي أحبنا، نعمة الله التي تتكئ عليها لتنقلنا من الأرضيات وترفعنا إلى الأبديات وأخيرًا الجدية في الطريق، إذ لا يعمل الله في المتهاونين.

وقد تم هذا الحديث حين كان السيد المسيح جالسًا على جبل الزيتون تجاه الهيكل، ولم يكن هذا بلا معنى، فجبل الزيتون هو الجبل الذي يقف عليه الرب بقدميه في يوم الرب ليبيد الشر (زك 14: 4)؛ وهو الجبل الذي شرقي المدينة، عليه رفع الكاروبيم أجنحته وانطلق بالمركبة الإلهية لتفارق لا الهيكل وحده وإنما كل مدينة أورشليم (حز 11: 22-23). على هذا الجبل أعلن الرب مفارقته للهيكل القديم رافعًا أنظارنا إلى الهيكل الجديد الذي يقوم هو نفسه ببنائه في داخلنا، حيث يقيم ملكوته السماوي داخلنا.

جبل الزيتون أيضًا هو كنيسة الله المقدسة التي يُغرس فيها المؤمنون كأشجار زيتون في بيت الرب، فيها يجلس الرب نفسه مع مؤمنيه ليحملهم إلى أسراره الإلهية الفائقة. يكشف لهم عن هدم الهيكل القديم، وقيام هيكل جديد في داخلهم لا يقدم ولا يشيخ، بل يتجدد على الدوام بروحه القدوس.

أول علامة لمجيئه هي ظهور مسحاء وأنبياء كذبة لخداع البشرية، فيقيمون مملكة إبليس تحت ستار المسيح أو اسم الله. لعل السيد بدأ بها لخطورتها، ففي كل جيل يعمل عدو الخير بطرق كثيرة لخداع الكثيرين وسحبهم عن مملكة الله والتمتع بخلاصه.

قدم لهم هذه العلامة في بداية حديثه عن نهاية الأزمنة وإعلان ملكوته الأبدي ليكشف لهم أن طريق الملكوت ضيق للغاية، يتطلب جهادًا لا ينقطع مع قوات الظلمة. فإن كان التلاميذ قد حزنوا حين سمعوا بخراب الهيكل تمامًا ونقض كل حجارته، فتساءلوا عن الزمان الذي يتحقق فيه ذلك، لعلهم ينعمون مع السيد في ملكوته ويكون لهم نصيب معه في الهيكل قبل خرابه الشامل سحب السيد المسيح قلوبهم من الحزن على هدم حجارة وأبنية إلى الاستعداد لمقاومة عدو الخير نفسه الذي يطلب هدم ملكوت الله في كل نفس. لذلك يقول معلمنا بولس الرسول: أخيرًا يا إخوتي تقوّوا في الرب وفي شدة قوته، البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات(أف 6: 10-12).

كأن السيد المسيح يحذر تلاميذه طالبًا منهم ألا يرتبكوا بهدم الهيكل، بل بالحري يحذروا خداعات العدو الشرير الذي يقاوم تحت ستار اسم المسيح نفسه، مؤكدًا: “انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو، ويضلون كثيرين”.

قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن مزورين كثيرين وسحرة جذبوا إليهم كثيرين إلى البرية يخدعونهم، فمنهم من جنّ، ومنهم من عاقبه فيلكس الوالي. من بينهم ذلك المصري الذي ذكره الأمير حين قال لبولس الرسول: أفلست أنت المصري الذي صنع قبل هذه الأيام فتنة، وأخرج إلى البرية أربعة الآلاف الرجل من القتلة؟ (أع 21: 38).

إن كان كلمة الله يقدم كل الحب عمليًا ليجتذب النفوس إليه بالحق لتنعم بالاتحاد معه، فإن عدو الخير يخدع الكثيرين، ويضللَّهم بإرساله كثيرين يدعون التقوى ليضلوا النفوس، بل وأحيانًا يحملون اسم المسيح نفسه.

يحذرنا الشهيد كبريانوس ليس فقط من عدو الخير الذي يختفي أحيانًا تحت اسم المسيح للخداع، وإنما من أنفسنا لئلا نحمل نحن اسم المسيح دون قوته، قائلاً: [كما أنه يخدع بالاسم وهو ليس المسيح حقيقة، هكذا من (يحمل الاسم) ولا يسكن في حق إنجيله والإيمان به لا يكون بحق مسيحيًا.]

  1. قيام حروب وحدوث كوارث

“فإن سمعتم بحروب وبأخبار حروب فلا ترتاعوا،

لأنها لابد أن تكون.

 ولكن ليس المنتهى بعد.

 لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة،

وتكون زلازل في أماكن وتكون مجاعات واضطرابات.

هذه مبتدأ الأوجاع” [8].

هذه العلامة تسبق هدم الهيكل على يدّي تيطس الروماني، فقد التهبت المملكة الرومانية بنيران الحروب في الفترة ما بين صعود السيد المسيح وخراب الهيكل، منها الحرب التي اشتعلت في الإسكندرية حوالي عام 38م بين المصريين واليهود المقيمين فيها، والحرب التي نشبت في سلوكية وقُتل فيها خمسون ألفًا من اليهود. كما حدث هياج شديد بين اليهود والسامريين، وحدثت مجاعات كالتي تنبأ عنها أغابوس (أع 11: 28) وحدثت عام 49م. وتفشى وباء في روما عام 65م مات به ثلاثون ألفًا، كما حدثت زلازل في كريت عام 46م، وفي روما عام 51م، وفي أفاميا سنة 53م وفي لاذقية فريجية عام 60م، وفي أورشليم سنة 67م الخ.

هذه العلامة من ظهور حروب وانقسامات وزلازل ومجاعات واضطرابات تسبق أيضًا نهاية العالم ومجيء السيد المسيح، فكلما اقترب اليوم الأخير شعر عدو الخير بانهيار مملكته وقيام ملكوت الله الأبدي في كنيسته السماوية يبذل كل طاقاته لسحب النفوس إليه وجذبهم عن السيد المسيح فيربكهم بأعمال بشرية محطمة للإنسان كالحروب وهياج الطبيعة نفسها كالزلازل والمجاعات، أما النفس الثابتة في المسيح فلا تضطرب، بل ترتفع فوق كل الأحداث الزمنية لتنعم بعربون ملكوته وتختبر سلامه الفائق.

بنفس الفكر لا يطيق عدو الخير لقاءك مع مخلصك، فيثير حولك الكثير من الأحداث ليشغلك عنه ويحرمك من تجليه في قلبك. ليتك لا ترتبك بالحروب التي في داخلك ولا بالمجاعات والزلازل، بل ثق في السيد المسيح واهب السلام والشبع والراحة الحقيقية.

يقول القديس أمبروسيوس: [بجوار الأوبئة والحروب والمجاعات نجد حروبًا أخرى يتعرض لها المسيحي هي حروب مختلف الشهوات والصراع بين الرغبات… فتارة تثيرنا الشهوة، وأخرى تشتعل العاطفة، وتارة يرعبنا الخوف، وأخرى تحاول أجناد الشر التي في السماويات (أف 6: 12) أن تخيفنا، أما الإنسان الشجاع فيقول: إن قام عليّ جيش لا أخاف لأنك أنت معي (مز 26: 3).

يقف حتى وإن قام ضده جليات العملاق ليفترسه، يقوم وسط رعب الآخرين كداود المتواضع الذي ألقى أسلحة الملك على الأرض (1صم 17) وأمسك بمقلاع الإيمان الحقيقي، ليضع فيه حجر الإيمان الطاهر، به يكسر تجّبر المضطهد ويستهين بتهديداته، ولا يخشى سلطانه، فاستحق أن يتحدث عنه المسيح… يتقدم هذا الغالب الذي ضرب جليات بسيفه هو. يقبل الموت من أجل المسيح، فيهرب أمامه الفلسطينيون وتتقدم الفتيات كالنسور، وهن يقلن: ضرب شاول ألوف وداود ربوات(1 صم 18: 7). هذا دليل على أن الذين يغلبون هذا العالم سيسبقون الملوك[7].]

  1. حدوث مضايقات

لا تقف العلامات عند الضيقة الخارجية العامة من حروب ومجاعات وأوبئة وزلازل، لكنها تدخل إلى ضيقة خاصة بالمؤمن نفسه، ليحمل صليب الرب، إذ يقول: “فانظروا إلى نفوسكم، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وتُجلدون في مجامع، وتقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم. وينبغي أن يُكرز أولاً بالإنجيل في جميع الأمم. فمتى ساقوكم ليسلموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أُعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا، لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس. وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده. ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي، ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص” [9-13].

“المضايقات” بالنسبة لمؤمن ليست مجرد علامة وسط علامات كثيرة لمجيء السيد، إنما هي المناخ الحيّ الذي فيه يتجلى الرب المصلوب داخل القلب. فالضيق هو قبول صليب ربنا يسوع المسيح ليُعلن ملكوته داخلنا. الضيق ليس بالأمر العارض في حياة المؤمن لكنه يلازم المؤمن على الدوام حتى يعبر من هذا العالم كما من الضيقة العظيمة (رؤ 7: 14). هذا ما أعلنه لنا الرب بوضوح، وكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [نطق بهذا لكي بسماعهم عنه يستعدون لاحتمال الاضطهادات والشرور بصبر عظيم.]

ويلاحظ في هذا الحديث الإلهي الآتي:

أولاً: يقول الرب: “انظروا إلى نفوسكم”، بمعنى آخر مهما اشتدت الضيقة، وأيا كان مصدرها سواء من أصحاب سلاطين كالولاة والملوك أو من المقربين جدًا كالآباء والأبناء أو الإخوة فإن سرّ القوة أو الضعف يتوقف على أعماق النفس الداخلية. إن نظرنا بالإيمان إلى نفوسنا الداخلية نجد فيها رب المجد مالكًا بمجد داخلي وبهاء فلا تستطيع الضيقة أن تجتاز إلى نفوسنا بل تبقى في الخارج! يمكننا أن نقول إن انفتحت بصيرتنا على السماء الداخلية لا تقدر الأرض بكل خداعها وإمكانياتها أن تلحق بنا، بل يرفعنا الروح القدس فوق التراب ويحملنا أعلى من التيارات الزمنية ويحفظنا في سلام إلهي فائق.

ثانيًا: إن كان الضيق يحل بالضرورة، فالكرازة بالإنجيل أيضًا لن تتوقف. وكأن ربنا يسوع يطمئننا أن عمل الله على الدوام يُقاوم، لكنه بالمقاومة يزداد قوة ويتجلى بأكثر بهاء.

ثالثًا: يتحول الضيق إلى شهادة للمضايقين أنفسهم، ففيما يحسبون أنهم قادرون أن يكتموا صوت الحق بالسلطان الزمني والعنف، إذا بالحق يتجلى أمامهم، ويزداد صوته وضوحًا في فكرهم. هذا ما رأيناه حين أراد هيرودس أن يكتم أنفاس القديس يوحنا المعمدان، فصار صوت يوحنا يدوي في أذنيه حتى بعد استشهاده.

رابعًا: إن مصدر الضيق الحقيقي ليس البشر، وإنما الحرب القائمة بين الله وإبليس، لهذا يليق بنا ألا نهتم بما نتكلم به، بل كما قال السيد: لستم أنتم المتكلمون بل الروح القدس. روح الله هو قائد الكنيسة الذي أرسله الابن الصاعد إلى السماوات من عند أبيه ليتسلم تدبير الكنيسة وقيادتها.

  1. رجسة الخراب

يقدم لنا السيد المسيح “رجسة الخراب” التي تحدث عنها دانيال النبي (دا 12: 11، راجع 9: 27، 11: 31) كعلامة خراب الهيكل، وأيضًا علامة من علامات نهاية الأزمنة ومجيء السيد المسيح الأخير. ويمكننا تلخيص الآراء في رجسة الخراب هكذا:

أولاً: يرى بعض الآباء والدارسين أن رجسة الخراب تشير إلى دخول العدو بجنوده إلى الهيكل وتدنيسه قبل هدمه وحرق المدينة بالنار. يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [ربما يعني برجسة الخراب دخول الأعداء إلى المدينة بالقوة.]

ثانيًا: جاء في سفر المكابيين الأول (1: 54) إلى تحقيق رجسة الخراب هذه عندما أقام أنتيخوس ابيفانيوس تمثال زيوس أولمبياس على مذبح المحرقة في الهيكل عام 167 ق.م[8] (راجع أيضًا 2 مك 6: 2). ويرى البعض أن هذه الرجسة تكررت، فوضع بيلاطس تمثال قيصر في الهيكل، وحاول كالجولا Caligula أن يقيم لنفسه تمثالاً في هيكل أورشليم عام 40م تقريبًا، كما أقيم أيضًا تمثال لأدريان في قدس الأقداس نفسه لوقت طويل.

ثالثًا: رفض فريق من المفسرين الرأيين السابقين إذ يروا أن النص اليوناني لا يشير إلى رجسة خراب خلال إقامة تمثال أو دخول جنود وثنيين، إنما إلى ظهور شخص حقيقي ضد المسيح يقيم نفسه إلهًا في الهيكل كقول الرسول بولس في الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي. وكأن هذه العلامة تشير إلى ظهور ضد المسيح الذي يقيم نفسه في هيكل الرب معبودًا.

  1. وصايا للدخول في الملكوت

إذ قدم السيد لكنيسته علامات المنتهى من حلول ضيقات كالحروب والمجاعات والأوبئة والزلازل، وحلول مضايقات خاصة من أجل الكرازة بالإنجيل، وأعلن عن ظهور أنبياء كذبة ومسحاء خاصة ضد المسيح، وهبها وصايا خاصة تسندها في هذا الجو الصعب حتى يجتاز الضيقة المستمرة وتعبر به إلى ملكوته. سبق لنا الحديث عن هذه الوصايا في دراستنا لإنجيل متى الإصحاح الرابع والعشرين، لكننا نقول هنا أن هذا النص يحمل معنيين:

أولاً: المعنى الحرفي، فقد قيل أن المسيحيين إذ رأوا علامات اقتراب خراب الهيكل هربوا من اليهودية وانطلقوا إلى الجبال كوصية سيدهم، فخلصوا من محاصرة تيطس لأورشليم ولم يسقطوا تحت الضيق الذي تمرر به اليهود.

ثانيًا: المعنى الرمزي وهو لقاؤنا مع السيد المسيح القادم إلى قلوبنا ليتجلى كما على سحاب السماء، فيلزمنا أن ننطلق من يهودية الحرف القاتل إلى جبال الروح، لنعيش في حرية الإنجيل لا عبودية حرف الناموس. إن كان الرب يعلن لتلاميذه انه لا جدوى من مقاومة الرومان ولا من مسالمتهم ولا يمكن الاختفاء منهم في مدينة بل يلزم الهرب منهم على الجبال، هكذا يليق بنا إذ تشتد حروب الشيطان علينا ألا نقف أمامه ولا نهادنه بل نهرب إلى الرب نفسه بكونه الجبل المقدس الذي يحملنا فيه.

في نص منسوب للقديس جيروم جاء: [هروبنا إلى الجبال يعني الصعود إلى أعالي الفضيلة حتى لا نهبط إلى أعماق الخطية.]

هكذا من ارتفع إلى السطح، أي صعد على سلم الفضيلة، وصار على السطح، يرى مع الرسول بطرس الملاءة النازلة من السماء (أع 10: 11) لا يعود ينزل إلى الطبقات السفلى، ولا يطلب السفليات. بمعنى آخر من ارتفع فوق الأعمال الجسدانية وعاش في الروحيات يتنسم هواء الحرية النقي ويرى السماوات مفتوحة أمام عينيه فلا ينزل إلى مناقشاته القديمة ولا يطلب شهوات الجسد وأمور هذا العالم الزمني.

هكذا من انطلق إلى حقل الكرازة فلا يرجع عن الخدمة ولا يعود يهتم بثوبه، أي بالجسديات.

أما عن قوله “ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام”، فيقول الأب ثيؤفلاكتيوس أنه يشير إلى ما فعلته اليهوديات في ذلك الوقت إذ طبخ النساء أطفالهن من شدة الجوع. ولعل الحبالى والمرضعات يشرن إلى النفوس التي لا تنضج بعد ولا أنجبت ثمار الروح، فلا تحتمل الضيقة ولا تقدر على الهروب بل تكون مثقلة كالحامل أو المرضعة.

يُطلب منا أن نصلي ألا يكون هربنا في شتاء، وكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [يلزمنا أن نتجنب الخطية بحرارة لا ببرود وخمول.]

  1. الضيقة العظمى

“لأنه يكون في تلك الأيام ضيق

لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون.

 ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد،

ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم قصّر الأيام” [1920].

حقًا إنها الضيقة العظمى التي يشهدها العالم بظهور ضد المسيح مقاومًا الكنيسة في العالم، لكنها ضيقة بسماح من الله لا تفلت من عنايته. يقصرّها الله من أجل مختاريه حتى لا تنهار نفوسهم.

في العهد القديم كان الله يسمح بالضيقات تشتد لأجل توبة الساقطين، لكنه يعود فيترفق حتى لا تنحل الباقية التي التصقت بالرب وسط جيل ملتوٍ وشعب معاند. وفي أيام خراب الهيكل اشتدت الضيقة جدًا وقد وصفها المؤرخ يوسيفوس المعاصر لها بكلمات مرة وقاسية فذكر أن الرومان كانوا يأتون باليهود ويصلبونهم بالمئات في هزء وسخرية حتى ضاقت الساحات بالصلبان، واشتد الجوع بالنساء حتى طبخن أطفالهن.

وكانوا يلقون بالكهنة عراة في الوحل ويقدمونهم طعامًا للحيوانات المفترسة. وقد قصرّ الرب الأيام من أجل المسيحيين الهاربين من اليهودية إلى الجبال حتى لا تلحق بهم. أما في أواخر الأيام حين يأتي ضد المسيح، فيحارب الكنيسة في كل موضع ولا يسمح لمؤمن أن يبيعٍ أو يشتري ما لم يضع سمة الوحش على جبهته أو يده اليمنى. ويقصرّ الله أيضًا الأيام من أجل المختارين.

بنفس الروح في حياة كل واحد منا يسمح الله لنا بالضيق يشتد حتى الهزيع الأخير وحين نظن أنه لا نجاة، يتجلى على المياه محطمًا الأمواج، معلنًا ذاته لنا كمخلص للنفس والجسد معًا.

  1. ظهور أنبياء كذبة

“حيئنذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هوذا هناك فلا تصدقوا.

لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة،

ويعطون آيات وعجائب لكي يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا.

 فانظروا أنتم، ها أنا قد سبقت وأخبرتكم بكل شيء” [21-23].

هذا هو مركز الحديث، أن عدو الخير لا يتوقف عبر الأزمنة عن مقاومة ملكوت الله بكل قوة، خاصة في الأيام الأخيرة، مستخدمًا كل وسيلة للتضليل، كما فعل السحرة في أيام موسى. في الأيام الأخيرة يتفنن عدو الخير في عمل الآيات والعجائب لكي يضل لو أمكن المختارين، لكن الله يحفظ مختاريه.

الأب ثيؤفلاكتيوس

 القديس أغسطينوس

البابا غريغويوس (الكبير)

  1. انهيار الطبيعة

“وأما في تلك الأيام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم،

والقمر لا يعطى ضوءه.

ونجوم السماء تتساقط،

والقوات التي في السماوات تتزعزع” [24-25].

 يرى كثير من الآباء أن هذه الأمور تتحقق بطريقة حرفية قبيل مجيء السيد المسيح على السحاب، فينهار العالم المادي تمامًا ليظهر الملكوت السماوي الأبدي.

جاءت هذه الصورة معلنة في سفر إشعياء النبي (ص 13: 9-13) تعلن عن يوم الرب القريب كيومٍ قاسٍ بسخط وحمو غضب، يبيد كل ما هو أرضي وما هو مادي! ولعله إذ يربط خراب الأرض وزعزعتها بزلزلة السماوات وفقدان كواكبها نورها، يود أن يعلن أن الذين في مجدهم حسبوا أنفسهم قد صاروا شمسًا أو قمرًا أو كواكب متلألئة لن يفلتوا من غضب الرب وإدانته لهم. هذا الفكر واضح ليس في إشعياء وحده ولكن في كثير من الأنبياء:

“فإن نجوم السماوات وجبابرتها لا تبرز نورها. تظلم الشمس عند طلوعها، والقمر لا يلمع بضوئه، وأعاقب المسكونة على شرها والمنافقين على إثمهم، وأبطل تعظم المستكبرين وأضع تجبر العتاة… لذلك أزلزل السماوات، وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود” (إش 13: 10-13).

“ويفنى كل جند السماوات، وتلتف السماوات كدرج، وكل جندها ينتثر كانتثار الورق من الكرمة والسُقاط من التينة” (إش 34: 4).

“وعند إطفائي إياك أحجب السماوات، وأظلم نجومها، وأغشي الشمس بسحاب، والقمر لا يعطي ضوءه، وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة، وأجعل الظلمة على أرضك يقول السيد الرب” (حز 32: 7-8). لعله هنا يشير إلى المؤمن وقد رفض نعمة الله بإصراره على الشر وقبوله خداعات العدو الشرير لم يعد مستحقًا أن يتمتع بنور شمس البرّ أي عمل المسيح فيه، ويحرم من نور القمر وضوئه أي من البركات الكنسية، كما يفقد التمتع بأنوار نجوم السماء إذ لا ينعم بشركة مع السمائيين أو القديسين. هكذا يفقد كل بركة وكل استنارة وتتحول أعماقه كما إلى أرض مظلمة لا ترى بصيصًا من النور السماوي.]

“يكون في ذلك اليوم، يقول السيد الرب، إني أغيب الشمس في الظهر، وأقتم الأرض في يوم نور.وأحوّل أعيادكم نوحًا وجميع أغانيكم مراثي” (عا 8: 9-10).

“قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء. الشمس والقمر يظلمان، والنجوم تحجز لمعانها” (يؤ 2: 10).

على أن الأحوال إذ يظهر السيد المسيح شمس البرّ، والكنيسة عروسه القمر السماوي، والمؤمنون كواكب أبدية، تختفي الشمس وتظلم القمر وتحجز النجوم لمعانها أمام هذا المنظر السماوي الأبدي الجديد.

في نص منسوب للقديس جيروم يرى انهيار الطبيعة هنا هو انهيار روحي للنفوس التي قبلت ضد المسيح وسقطت تحت سلطانه الشرير ففقدت في حياتها كل استنارة داخلية، إذ يقول: [تظلم الشمس بسبب برود قلوبهم كما في فصل الشتاء، ولا يعطى القمر ضوءه بصفاء في ذلك الوقت، ونجوم السماء تحجز ضوءها عندما يختفي كل نسل إبراهيم الذي يشبّه بنجوم السماء (تك 22: 17)، وقوات السماء تثور للانتقام عندما يأتون مع ابن الإنسان في مجيئه.]

  1. مجيء ابن الإنسان

“وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيًا في سحاب بقوة كثيرة ومجد،

فيرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الأربع الرياح

من أقصاء الأرض إلى أقصاء السماء” [27].

إذ ينحل العالم المنظور المادي يُعلن العالم الجديد غير المنظور السماوي وذلك بحضور كلمة الله المتجسد في سحاب بقوة كثيرة ومجد. يرى القديس أغسطينوس[11] أن مجيئه في السحاب إنما يعني مجيئه في كنيسته كل يوم التي حملت السمة السماوية وارتفعت عن الفكر الزمني فصارت سحابًا سماويًا. يأتي الرب محمولاً على سحابة القديسين التي تحدث عنها الرسول بولس، قائلاً:لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا (عب 12: 1).

يأتي رب المجد مع ملائكته كحصّادين يجمعون الثمار من أربع جهات المسكونة، ويرى القديس أغسطينوس أن الرب يجمع بملائكته آدم الذي سبق فتشتت في العالم فصار في المشارق والمغارب والشمال والجنوب، فكلمة آدم في اليونانية تحوي أربعة حروف هي الحروف الأولى للجهات الأربع:

الشرق Amatole، الغرب Dysis، الشمال Arctos، الجنوب .Mesembria

كأن الله يرى آدم وقد صار مبعثرًا في كل جهات المسكونة يجمعه ليرده لا إلى جنة عدن وإنما إلى الملكوت السماوي الأبدي[12].

من كلمات الآباء عن هذا المجيء:

 القديس أغسطينوس

 القديس كيرلس الكبير

  1. مثل شجرة التين

إذ قدم لنا العلامات الخاصة لمجيئه شبهها بأوراق شجرة التين التي متى ظهرت نعرف أن الصيف قريب. ما هو هذا الصيف الذي يقترب منّا إلا الأبدية التي تلتهب بنيران الحب الإلهي، ولا يعرف البرود الروحي له فيها موضعًا؟

فهم كثير من الدارسين منذ عصر مبكر أن هذه الشجرة التي متى اخضر ورقها نعرف أن الصيف قريب هي الشعب اليهودي الذي صار كشجرة التينة التي سقطت تحت اللعنة بسبب جحودها (مر 15: 13-14). فإذ تعود إليها الحياة خلال عودتها للإيمان مرة أخرى في أواخر الدهور نعرف أن الزمان قد اقترب. هذا التفسير قام على كلمات الرسول بولس:إن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم، وهكذا سيخلص جميع إسرائيل (رو 11: 25-26).

جاءت أحداث وتصريحات كثيرة في الكتاب المقدس تعلن عن عودة اليهود في نهاية الأزمنة إلى قبول السيد المسيح بعد أن يكتشفوا خطأهم بصلبه ورفضهم إياه. فمن تلك الأحداث عودة مريم أخت موسى وهرون إلى المحلة بعد أن أصابهم البرص وبقيت سبعة أيام خارج المحلة ولم يرتحل الشعب حتى أُرجعت مريم (عد 12: 15). ففي رأي العلامة أوريجينوس أن مريم هنا تشير إلى الشعب اليهودي الذي أُصيب ببرص عدم الإيمان فصار خارج المحلة، حتى يعود في أواخر الدهور إلى المحلة من جديد مع كنيسة الأمم في العالم كله!

  1. تأكيد مجيئه

أكد السيد المسيح مجيئه بقوله: “الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله. السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول” [30-31].

تحقق قول السيد حرفيًا إذ شاهد بعض السامعين إن لم يكن جميعهم الأحداث الخاصة بخراب الهيكل وتحطيم أورشليم. أما بقية الأحداث فقد تحققت فعلاً بقبول الأمم للسيد المسيح في حياتهم وأنه قد جاء يعلن مجده في داخلهم.

عبارة السيد المسيح التي بين أيدينا ألهبت الكنيسة في عصر الرسل، إذ حسبوا أنهم يعيشون في آخر الأزمنة بمعنى أنهم يشاهدون مجيئه على السحاب. وكان لهذا الإحساس أثر على حياتهم وسلوكهم وعبادتهم كما على مشاعرهم وأحاسيسهم، فعاش الغالبية بفكر إسخاتولوجي أي انقضائي؛ عاشوا على الأرض بأجسادهم أما قلوبهم فكانت في السماء.

  1. عدم معرفة الساعة

قبل أن يختم حديثه بالدعوة للسهر أراد أن يوجه أنظار تلاميذه إلى عدم الانشغال بمعرفة الأزمنة والأوقات، إنما بالاستعداد بالسهر المستمر وترقب مجيئه، لهذا قال: “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب” [32].

هل يجهل السيد المسيح الساعة؟

أولاً: يقول القديس أمبروسيوس[16] أن السيد المسيح هو الديان وهو الذي قدم علامات يوم مجيئه لذا فهو لا يجهل اليوم. هذا وإن كان يوم مجيئه هو “السبت” الحقيقي الذي فيه يستريح الله وقديسوه فكيف يجهل هذا اليوم وهو “رب السبت” (مت 12: 18)؟

ثانيًا: يرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح لا يجهل اليوم، إنما يعلن أنه لا يعرفه، إذ لا يعرفه معرفة من يبيح بالأمر. لعله يقصد بذلك ما يعلنه أحيانًا مدرس حين يُسأل عن أسئلة الامتحانات التي وضعها فيجيب أنه لا يعرف بمعنى عدم إمكانيته أن يُعلن ما قد وضعه، وأيضًا إن سُئل أب اعتراف عن اعترافات إنسان يحسب نفسه كمن لا يعرفها. يقول القديس أغسطينوس: [حقًا إن الآب لا يعرف شيئًا لا يعرفه الابن، لأن الابن هو معرفة الآب نفسه وحكمته، فهو ابنه وكلمته وحكمته. لكن ليس من صالحنا أن يخبرنا بما ليس في صالحنا أن نعرفه… إنه كمعلم يعلمنا بعض الأمور ويترك الأخرى لا يعرفنا بها. إنه يعرف أن يخبرنا بما هو لصالحنا ولا يخبرنا بالأمور التي تضرنا معرفتها[17].]

كما يقول: [قيل هذا بمعنى أن البشر لا يعرفونها بواسطة الابن، وليس أنه هو نفسه لا يعرفها، وذلك بنفس التعبير كالقول: لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم (تث 13: 3)، بمعنى أنه يجعلكم تعلمون. وكالقول: قم يا رب(مز 3: 7)، بمعنى “اجعلنا أن نقوم”، هكذا عندما يُقال أن الابن لا يعرف هذا اليوم فذلك ليس لأنه لا يعرفه وإنما لا يظهره لنا[18].]

بنفس الفكر يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بقوله “ولا ملائكة” يسد شفاهم عن طلب معرفة ما لا تعرفه الملائكة، وبقوله “ولا الابن” يمنعهم ليس فقط من معرفته وإنما حتى عن السؤال عنه[19].]

هكذا أيضًا قال الأب ثيؤفلاكتيوس: [لو فقال لهم أنني أعرف الساعة لكنني لا أعلنها لكم لأحزنهم إلى وقت ليس بقليل لكنه بحكمة منعهم من التساؤل في هذا الأمر.] وقال القديس هيلاري أسقف بواتييه: إن السيد المسيح فيه كنوز المعرفة، فقوله إنه لا يعرف الساعة إنما يعني إخفاءه كنوز الحكمة التي فيه[20].

ثالثًا: يرى القديس إيريناؤس أنه وإن كان السيد المسيح العارف بكل شيء لم يخجل من أن ينسب معرفة يوم الرب للآب وحده كمن لا يعرفه، أفلا يليق بنا بروح التواضع أن نقتدي به حين نُسأل في أمور فائقة مثل كيفية ولادة الابن من الآب أن نُعلن أنها فائقة للعقل لا نعرفها.

  1. دعوة للسهر

ختم السيد المسيح حديثه عن مجيئه الأخير بدعوة تلاميذ لحياة السهر ترقبًا للقاء معه: “انظروا. اسهروا وصلوا، لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت. كأنما إنسان مسافر ترك بيته، وأعطى عبيده السلطان، ولكل واحد عمله، وأوصى البواب أن يسهر. اسهروا إذًا لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت، أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحًا. لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا” [33-36].

يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [يعلمنا أمرين: السهر والصلاة، فإن كثيرين منا يسهرون لكنهم يقضون الليل في الشر.]

يطالبنا السيد أن نسهر الليل كله لئلا يأتي السيد بغتة فيجدنا نيامًا، هنا يقسم الليل إلى أربعة أقسام كل قسم عبارة عن 3 ساعات (مساء، نصف الليل، صياح الديك، صباحًا)، وإن كان اليهود في فلسطين يفضلون تقسيمه إلى ثلاثة أقسام[21] (لو 12: 38). على أي الأحوال واضح أن السهر الذي يسألنا السيد إياه يعني يقظة القلب الداخلي، ليقول المؤمن:أنا نائمة وقلبي مستيقظ”.

[1] قراءات الساعة الأولى من يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة.

[2] نبوات الساعة السادسة من يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة.

[3] Jewish War 5: 5: 1-6, Antiq 15: 11: 1-3.

[4] In Luc. Ser. 149.

[5] In Luc 21: 5-36.

[6] راجع تفسير مر 1: 16.

[7] In Luc 21: 5-36.

[8] Jerom Bib. Comm. 51.

[9] City of God 29: 19.

[10] In Ezek. lib. 1: 9.

[11] Ep. 199: 11.

[12] In loan tr 10: 12.

[13] Ep. 199: 11.

[14] De trin. 1: 13.

[15] In Luc. Ser. 139.

[16] Of Christian Faith 5: 4.

[17] On Ps. 37.

[18] On Ps. 36.

[19] In Matt. hom 77.

[20] De Trinit. 9.

[21] Jerome Bib. Comm. P 52.

تفسير انجيل مرقس 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version