Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير انجيل مرقس 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل مرقس 16 الأصحاح السادس عشر - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل مرقس 16 الأصحاح السادس عشر - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل مرقس 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل مرقس 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح السادس عشر

أحداث القيامة

إن كان القديس مرقس يقدم لنا السيد المسيح خادمًا عاملاً بالحب حتى الصليب إنما ليحملنا معه إلى أمجاد القيامة، لهذا لم يسدل الستار على الصليب، بل انطلق بنا إلى قيامة السيد وصعوده.

  1. الحجر المُدحرج 1-4.
  2. الملاك يكرز بالقيامة 5-8.
  3. ظهوره لمريم المجدلية 9-11.
  4. ظهوره لتلميذي عمواس 12-13.
  5. ظهوره للأحد عشر 14-18.
  6. صعوده 19-20.
  7. الحجر المدحرج

أغلق القديس مرقس الستار عن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وهما تنظران من بعيد أين وُضع جسد الرب، وانفتح ستار القيامة لنراهما مع سالومي يحملن حنوطًا منطلقات نحو القبر ليدهن جسده، فإن من يلتقي مع الرب في صلبه ويرافقه طريق الألم حتى الدفن يحق له التمتع ببهجة قيامته.

“وبعدما مضى السبت

اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسلومه حنوطًا

ليأتين ويدهنه.

وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس.

وكن يقلن فيما بينهن:

من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟

فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج، لأنه كان عظيمًا جدًا” [1-4].

يرى القديس أمبروسيوس[1] أن السيد المسيح قام بعد انتهاء يوم السبت مع نسمات بداية الأحد. كأن النسوة وقد حملن الطيب وانطلقن نحو القبر يمثلن كنيسة العهد الجديد التي انطلقت من ظلمة حرف السبت إلى نور حرية الأحد، تتمتع بعريسها شمس البرّ مشرقًا على النفوس المؤمنة، محطمًا الظلمة. يقول القديس جيروم: [بعد عبور حزن السبت أشرق الآن يوم السعادة الذي صارت له الأولوية على كل الأيام، عليه أشرق النور الأول، وقام الرب غالبًا الموت[2].]

إن كان “السبت” يشير إلى الراحة تحت ظل الناموس، يقدم رمزًا للراحة الحقيقية في المسيح يسوع القائم من الأموات، فقد انتظر الرب نهاية السبت ليقوم في بداية اليوم الجديد، معلنًا نهاية الرمز وانطلاق المرموز إليه. لذلك كتب القديس البابا أثناسيوس الرسولي عن عيد الفصح: [عيد الفصح هو عيدنا… ولم يعد بعد لليهود، لأنه قد انتهى بالنسبة لهم، والأمور العتيقة تلاشت. والآن جاء شهر الأمور الجديدة الذي فيه يلزم كل إنسان أن يحفظ العيد مطيعًا ذاك الذي قال: “احفظ شهر أبيب (الأمور الجديدة) واعمل فصحًا للرب إلهك” (تث 16: 1)[3].]

انطلقت النسوة نحو القبر ولم يكن يفكرن في الجند الحراس للقبر ولا في الختم، لأنهن تركن القبر قبل أن يذهب اليهود إلى بيلاطس يطلبون حراسة القبر وختمه، إنما كن يفكرن في الحجر: “من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟” لقد نسى الكل أمام أحداث الصليب المرعبة أمر قيامته، لذلك كانت النسوة يفكرن في الحجر الذي يغلق باب القبر، ولم يفكرن في ذلك القادر أن يقوم والباب مغلق!

يعلق الأب سفريانوس أسقف جبالة والمعاصر للقديس يوحنا الذهبي الفم، على هذا الحجر فيقول:

[ما هو هذا الحجر إلا حرفية الناموس الذي كُتب على حجارة، هذه الحرفية يجب دحرجتها بنعمة الله عن القلب حتى نستطيع أن ننظر الأسرار الإلهية، ونتقبل روح الإنجيل المحيي؟ قلبك مختوم وعيناك مغلقتان، لهذا لا ترى أمامك بهاء القبر المفتوح والمتسع[4]!]

يقول الأنبا بولس البوشي: [قام الرب والحجر مختوم على باب القبر، وكما وُلد من البتول وهي عذراء كنبوة حزقيال (حز 44: 1-3). وأما دحرجة الملاك للحجر عن باب القبر، فلكي تعلن القيامة جيدًا، لئلا إذا بقي الحجر مختومًا، يُظن أن جسده في القبر[5].]

  1. الملاك يكرز بالقيامة

“ولما دخلن القبر رأين شابًا جالسًا عن اليمين،

لابسًا حلة بيضاء فاندهشن.

فقال لهن: لا تندهشن،

أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب،

قد قام. ليس هو ههنا.

هوذا الموضع الذي وضعوه فيه.

لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم إلى الجليل.

هناك ترونه كما قال لكم” [5-7].

قدم لنا الإنجيليون أكثر من زيارة للنسوة إلى القبر، وصوّر لنا كل منهم أكثر من منظر حتى يُكَمل بعضهم البعض أحداث القيامة. هنا يحدثنا الإنجيلي مرقس عن دخول النسوة إلى القبر ليشاهدن ملاكًا على شكل شابٍ يجلس عن اليمين يلبس حلة بيضاء. هذا الدخول كما يقول القديس أغسطينوس لا يعني دخولهم الفعلي داخل القبر، وإنما اقترابهن منه جدًا حتى صرن كمن في داخل القبر ينظرن كل ما فيه.

وقد رأين ملاكًا في الداخل، مع أنهن رأيناه في وقت آخر خارجه، وكما يقول القديس أغسطينوس أيضًا أن الملائكة كن في داخل القبر وخارجه أيضًا. لقد تحول القبر كما إلى سماء تشتهي الملائكة أن تقطن فيه بعد أن كانت القبور في نظر الناموس تمثل نجاسة، لا يسكنها سوى الموتى والمصابون بالبرص أو بهم الأرواح شريرة. ومن يلمس قبرًا يصير دنسًا، ويحتاج إلى تطهير. وكأن دخول السيد المسيح إلى القبر نزع عنه دنسه وحوّله إلى موضع بركة، يشتهي المؤمنون في العالم كله أن يلتقوا فيه، ويتمتعوا ببركة الحيّ الذي قام فيه.

ظهر الملاك على شكل شاب، وليس على شكل طفل أو شيخ، فإنه إذ يكرز بالقيامة يقدم لنا في شخصه سمة الحياة المُقامة في الرب، الحياة التي لا تعرف عدم نضوج الطفولة ولا عجز الشيخوخة. إنما هي دائمة القوة، لا تضعف ولا تشيخ. أما جلوسه عن اليمين يرتدي حلة بيضاء، فيشير إلى حياتنا المقامة في الرب التي ترفعنا لتوجد عن يمين الله، ونلبس حلة الطهارة والفرح. يقول البابا غريغوريوس (الكبير): [ظهر لابسًا ثيابًا بيضاء ليعلن أفراح عيدنا.] كما يقول القديس جيروم: [الآن صار العدو هاربًا وأُعيد الملكوت. الثوب الأبيض المشرق خاص بالفرح الحقيقي حيث كان ملك السلام يُطلب فيوجد ولا يُنزع عنا. هذا الشاب إذن أعلن طبيعة القيامة لمن يخافون الموت[6].]

أما رسالة هذا الملاك الكرازية فقد حوت الآتي:

أولاً: أعلن رسالة القيامة لطالبات المصلوب: “أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب”، وكأنه لا يستطيع أحد أن يتقبل رسالة القيامة في حياته الداخلية أو يلتقي بالسيد المسيح القائم من الأموات ما لم يطلبه في أعماقه الداخلية.

ثانيًا: مع أن السيد المسيح كان قد قام لكن الملاك يلقبه “الناصري المصلوب”، فكلمة “الناصري” تشير إلى تجسده حيث نشأ في الناصرة، وصار ناصريًا، وكأن قيامته أكدت تجسده، وحققت الرسالة التي لأجلها جاء. أما دعوته “المصلوب“، فإن القيامة لم تنزع عن السيد المسيح سمته كمصلوب، إنما أعلنت قبول ذبيحة الصليب. في القديم أرسل الله نارًا يلتهم الذبيحة التي قدمها إيليا مؤكدًا قبوله إياها، أما في العهد الجديد فجاءت القيامة تعلن مجد ذبيحة الصليب، لا بالتهام الذبيحة بل بإعلان قوة الحياة التي فيها، إذ هي ذبيحة المسيح الحيّ القادر أن يقيم من الأموات.

القيامة جعلت ذبيحة الصليب حاضرة على الدوام تهب قوة قيامة لمن ينعم بالشركة فيها.

ثالثًا: إذ التقين بالقبر حيث المسيح القائم من الأموات تمتعن بقوة الشهادة للسيد المسيح أمام الآخرين: “اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم”. لقد جاءت النسوة يملأ الحزن قلبهن، لكن قيامة السيد حولته إلى فرح، وأعطتهن إمكانية الكرازة بالقيامة لينطلق الكل نحو الجليل يلتقي بالقائم من الأموات حسب وعوده.

رابعًا: جاءت الدعوة أن يلتقي الكل به في “الجليل“، التي تعني “العبور”. فإن كان السيد قام من بين الأموات إنما ليعبر بنا من الموت إلى الحياة، ومن الألم إلى مجد القيامة، ومن إنساننا القديم إلى الحياة الجديدة التي صارت لنا فيه. ويرى القديس أغسطينوس[7] أن الجليل وهي تعني “العبور”، تعني عبور التلاميذ إلى الأمم للكرازة بينهم بعد أن فتح لهم الطريق، بقوله “ها أنا أسبقكم إلى الجليل”.

  1. ظهوره لمريم المجدلية

“وبعدما قام باكرًا في أول الأسبوع

ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين.

فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون.

فلما سمع أولئك أنه حيّ، وقد نظرته لم يصدقوا” [9-11].

تمتعت مريم المجدلية بهذا اللقاء فإنها إذ استراحت من مملكة إبليس التي أقام في داخلها سبعة شياطين التهب قلبها بالتمتع بالقائم من الأموات، يقيم مملكته فيها. بمعنى آخر، لا نستطيع أن ننعم ببهجة قيامته فينا وملكه في أعماقنا ما لم نُسلمه القلب ليطرد ما فيه من شر ويقيم بنفسه فيه.

رأته القديسة مريم المجدلية باكرًا في أول الأسبوع، أي بعد أن تركت ظلام الليل من قلبها، وتمتعت به بعد أن خرج منها الشياطين السبعة. لذلك يقول القديس أمبروسيوس: [إن أردتم أن تجدوه، فالشمس قد أشرقت الآن، تعالوا مثل هؤلاء النسوة، بمعنى ليته لا يكون في قلوبكم ظلام الشر، لأن شهوات الجسد والأعمال الشريرة هي ظلام. من كان في قلبه ظلام من هذا النوع لا يعاين النور ولا يدرك المسيح، لأن المسيح هو نور.

انزعوا الظلام منكم يا إخوة، أي انزعوا عنكم كل الشهوات الخاطئة والأعمال الشريرة، وليكن لكم الطيب الحلو، أي الصلاة بغيرة، قائلين مع المرتل: لتستقم صلاتي كالبخور قدامك(مز 141: 2)… إن أردتم أن تعاينوا الرب وتأتوا إلى بيتكم السماوي يلزمكم ترك الشر مثابرين على الثبات في الصلاح الذي بدأتم إياه[8].]

  1. ظهوره لتلميذي عمواس

“وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم،

وهما يمشيان منطلقين إلى البرية.

وذهب هذان, وأخبرا الباقين، فلم يصدقوا ولا هذين” [12-13].

تحدث معلمنا لوقا البشير عن هذا الظهور في شيء من التفصيل نرجو في الرب أن نعود إليه عند دراستنا لهذا السفر (لو 24: 13-35).

يعبر القديس أغسطينوس عن هذا اللقاء بقوله: [عندما اقترب الرب من الرسولين لم يكن لهما الإيمان… لم يصدقا أنه قام، أو أنه يمكن لأحد أن يقوم… لقد فقدوا الإيمان ولم يعد لهم رجاء… كانا يمشيان معه في الطريق: موتى مع الحيّ، أمواتًا مع الحياةّ. كانت “الحياة” تمشي معهما، غير أن قلبيهما لم يكون ينبضان بالحياة[9].]

  1. ظهوره للأحد عشر

“أخيرًا ظهر للأحد عشر وهم متكئون،

ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم،

لأنهم لا يصدقوا الذين نظروه قد قام.

وقال لهم: “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.

من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدن.

وهذه الآيات تتبع المؤمنين،

يخرجون الشياطين باسمي،

ويتكلمون بألسنة جديدة.

يحملون حيات،

وإن شربوا شيئًا مميتًا لا يضرهم،

ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون” [14-18].

إذ ظهر لهم القائم من بين الأموات قدم لهم إمكانية الكرازة للخليقة كلها، حتى إذ ينعم الرسل بالحياة المقامة في الرب يقدمون لهم “قوة القيامة”…

يلاحظ في حديث ربنا يسوع مع تلاميذه بعد قيامته الآتي:

أولاً: وبخهم السيد على عدم إيمانهم وقسوة قلوبهم، وكما يقول القديس جيروم: [وبخهم على عدم إيمانهم ليحل محله التسليم، ووبخهم على قسوة قلوبهم الحجرية لتحل محلها القلوب اللحمية المملوءة حبًا[10].] هكذا أول عمل في حياتنا خلال قيامة السيد تغييرنا الداخلي الشامل، فنحمل إيمانًا حيًا وقلبًا مملوء حبًا. بمعنى يشمل التغيير الإيمان والعمل ملتحمين معًا، هو يهبنا الإيمان به وهو الذي يعمل فينا وبنا. لذلك يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ألا نلاحظ أنه ليس شيء ما نفعله بدون المسيح[11].]

ثانيًا: إذ تمتعوا بعمل القيامة فيهم فنالوا الإيمان الحي، وتمتعوا بتغيير القلب لممارسة الحياة الفاضلة في الرب صارت لهم الوصية أن يكرزوا في العالم كله وللخليقة كلها. فالقيامة تنزع عن الكارز انغلاق القلب أو ضيقه وترفعه فوق كل تعصب. يرى في نفسه أنه كسائر البشر قد سقط تحت ثقل الموت وقام دون فضل من جانبه، لذا يود أن يقوم العالم كله وينعم بالحياة الجديدة المجانية. لذلك فالأسقف أو الكاهن في عيني القديس يوحنا الذهبي الفم قد [أؤتمن على العالم كله وصار أبًا لجميع الناس[12].]

لقد بدأ الإنجيلي هذا السفر بالصوت الصارخ في البرية، ويختمه بدعوة للرب للكرازة في العالم كله كصوت يدوي في البرية.

يقول البابا غريغوريوس (الكبير): [يمكن أن تفهم “كل الخليقة” بمعنى “كل الأمم”[13]]، كما يقدم لنا لهذا التعبير تفسيرًا رمزيًا بأن “كل الخليقة” تعني الإنسان بكليته، فهو يشترك في جوانب معينة مع الحجارة والجمادات التي لا تحيا ولا تحس، وفي جانب آخر مع النباتات التي تعيش ولا تحس، وفي جانب ثالث مع الحيوانات التي تحيا وتحس لكن بلا تعقل، وفي جانب أخير مع الملائكة العاقلين… فالكرازة للإنسان هي كرازة لكل الخليقة فيه بتقديسه تقديسًا كاملاً.

ثالثًا: المعمودية ملتحمة بالإيمان هو الموضوع الرئيسي للخلاص، خلالها ينعم طالب العماد بالحياة المقامة الجديدة، إذ يقول: “من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن”. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس بأم وأب، ليس باجتماع بشر، ولا بآلام المخاض نولد ثانية، ولكن من الروح القدس تصنع أنسجة طبيعتنا الجديدة، وفي الماء نُشكل، ومن الماء نُولد سرًا كما من الرحم[14].] [في العماد يتحقق عربون ميثاقنا مع الله: الموت والدفن والقيامة والحياة، يحدث هذا كله دفعة واحدة[15].]

يعلن القديس أغسطينوس أهمية العماد إذ يقول: [إن لم يعتمد الأطفال يحسبون في رتبة غير المؤمنين ولا تكون لهم حياة، لأن “الذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله” (يو3: 36)[16].]

رابعًا: أعطاهم إمكانيات ليست من عندهم بل هي عطاياه تسندهم في الكرازة، مثل إخراج الشياطين وعمل الآيات والتكلم بالألسنة، ليكرزوا بين من لا يفهمون لغتهم الخ. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [أعطاهم كل شيء، لكن لا نلمس في هذه العطايا قوة إنسان بل نعمة الله هي العاملة[17].]

  1. صعوده

ختم القديس مرقس الإنجيل بصعود الرب إلى السماء وانطلاق التلاميذ للخدمة، إذ يقول: “ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم، ويثبت الكلام بالآيات التابعة. آمين” [19-20].

إن كان إنجيل معلمنا مرقس هو إنجيل المسيح العامل لحساب الكنيسة، فإنه إذ عمل الكثير من أجل كنيسته الخفية فيه، ارتفع إلى فوق لكي تعمل الكنيسة من أجل المسيح الخفي فيها. ارتفع إلى فوق، وجلس عن يمين الآب، لكي يهب كنيسته الجلوس في حضن أبيه، أو عن يمينه.

يعلق البابا غريغوريوس (الكبير) على صعود السيد المسيح قائلاً:

[لنلاحظ أن إيليا قيل عنه أنه ارتفع في مركبة ليظهر أن الإنسان القديس محتاج إلى عون غيره… لكننا لا نقرأ عن مخلصنا أنه صعد بواسطة ملائكة أو مركبة، فإن الذي صنع كل شيء بسلطانه هو فوق الكل… كان أخنوخ الذي نُقل وإيليا الذي أرتفع إلى السماء رمزين لصعود الرب. كانا بالنسبة له معلنين عنه وشاهدين لصعوده، واحد قبل الناموس والآخر تحت الناموس، حتى يأتي ذاك الذي يقدر بحق أن يدخل السماء[18].]

ويقدم لنا القديس أغسطينوس تفسيرًا لتعبير “يمين الله“: [لا نفهم جلوسه بمعنى جلوس أعضائه الجسدية كما لو أن الآب عن اليسار والابن عن اليمين، إنما نفهم اليمين بمعنى السلطان الذي قبله من الآب بكونه إنسانًا (ممثل البشرية)، لكي يأتي ويدين، ذاك الذي جاء أولاً لكي يُحكم عليه. فإن كلمة “يجلس” تعني “يسكن” كما نقول عن إنسان أنه جلس في هذه الأرض ثلاث سنوات، هكذا نؤمن أن المسيح يسكن عن يمين الآب، إذ هو مطوّب ويسكن في الطوباوية التي تسمى يمين الله[19].]

يؤكد الإنجيلي أن الرب الذي ارتفع في السماوات يعمل مع الكارزين ويثبت الكلام بالآيات، فإن كان قد ارتفع إلى فوق ممجدًا، فقد بقى عاملاً حتى ترتفع الكنيسة كلها معه وفيه تنعم بشركة أمجاده.

[1] In Luc 24.

[2] Catena Aurea.

[3] الحب الإلهي، 1967، ص 623.

[4] Catena Aurea .

[5] الحب الإلهي، 1967، ص 674.

[6] Catena Aurea.

[7] Hermony of the Gospels 3: 25: 86.

[8] PL 17: 671 Ser 34.

[9] القمص متياس فريد: مع المسيح القائم، أبريل 84، ص 27 (عظة 235).

[10] Catena aurea.

[11] In Eph. hom 1.

[12] De Sacerdotis 6:4.

[13] PL 76 In Evan. hom 29.

[14] الله مقدسي، 1967، ص 48.

[15] In loan. hom 25.

[16] On Forgiveness of Sins & Baptism 3.

[17] Conc. Repent. 1:8.

[18] PL 76 In Evan hom 29.

[19] On the Creed.

 

تفسير انجيل مرقس 16 الأصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version