فريق اللاهوت الدفاعي

الوسم: مثل

  • مجتمع الله الجديد : صور من المجتمع الجديد

    مجتمع الله الجديد : صور من المجتمع الجديد

    مجتمع الله الجديد : صور من المجتمع الجديد

    مجتمع الله الجديد : صور من المجتمع الجديد
    مجتمع الله الجديد : صور من المجتمع الجديد

    مجتمع الله الجديد : صور من المجتمع الجديد

     

    “الأمثال” هي بعض من قصص يسوع الأكثر شهرة. مثل قصة السامري الصالح[1]، أو الخروف الضال[2]، أو الزارع الذي خرج ليزرع[3]. ولكن إذا تصفحنا الأناجيل وحصرنا الأجزاء المختلفة من تعليم يسوع والتي وصفت بأنها “أمثال”[4] فلسوف نجد أنها تتضمن ليس فقط هذه القصص التي صيغت على هيئة أمثال[5]، بل سنجد أقوالاً أخرى من الطبيعي أن نصنفها بالأكثر على أنها تتضمن كل وسائل البلاغة مثل المجاز والتشبيه والرمز بل والأحجيات أيضاً[6].

    الأمثال ومعانيها

    والمثل الشعبي مثل “أيها الطبيب اشف نفسك”[7] يسمى مثلاً. وهكذا الحال تقريباً بالنسبة للقول الواقعي “كل ما يدخل الإنسان من الخارج لا يقدر أن ينجسه… إن الذي يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان”[8]. وبعض الأقوال في الموعظة على الجبل[9] من نفس هذه النوعية أيضاً، حيث ترسم صورة حية لشيء مألوف: الملح، النور، المدينة، وبواسطتها يفسر يسوع رسالته.

    وكثير من الصور التي تناولها يسوع في إنجيل يوحنا تستخدم أيضاً نفس النوعية من التشبيهات المجازية لتوضيح رسالته. حيث يصف يسوع نفسه بأنه “الراعي الصالح”[10] أو “الكرمة الحقيقية”[11]، ثم يشبه عمل تلاميذه بجني الحصاد[12]، ويشبه نفسه الخبز وماء الحياة[13].

    وتعليم يسوع مليء بأقوال الأمثال المشابهة لهذا، غير أنه عند مناقشة تعليم يسوع، فإنه من المعتاد ومن المناسب أن نحتفظ بكلمة “مثل” بالنسبة للقصص الحقيقية التي قالها يسوع[14].

    أمثال أم تشبيهات مجازية؟

    الطريقة التقليدية لفهم قصص الأمثال هذه هي اعتبارها تشبيهات مجازية. والتشبيه المجازي هو قصة مفصلة عن موضوع ما، كتبت بطريقة تبدو معها وكأنها شيئاً مختلفاً تماماً. وكتاب “جون بنيان John Bunyan” “سياحة المسيح” يعد مثالاً شهيراً على هذه النوعية من الكتابة. وفي هذا الكتاب يبدو “بنيان Bunyan” وكأنه يروي قصة رجل في رحلة. ولكن الرحلة غريبة جداً، والشخصيات أكبر بكثير من الحياة، حتى إن هذا لا يحدث إطلاقاً في رحلة. فهو يصف الأمور التي وقعت في حياة شخص مسيحي، منذ أصبح مسيحياً وحتى نهاية حياته.

    ونجد مثل هذا التعليم في بعض أجزاء العهد الجديد. ففي إنجيل يوحنا على سبيل المثال، هناك التشبيه المجازي عن الكرمة والأغصان[15]…. وفي هذه القصة يبدو يسوع هنا وكأنه يشرح الوسائل التي من خلالها تثمر الكرمة عنباً، إلا أنه حين بدأ في الكلام عن غصن الكرمة الذي قرر أن يقطع نفسه عن الساق الرئيسي للنبات، أصبح من الواضح أنه لا يعطي درساً عن كيفية زرع العنب، بل كان يتحدث عما يعنيه أن يكون الشخص من تلاميذه.

    وعلى الرغم من أنه لا توجد في الأناجيل إلا أمثلة قليلة من الصور المجازية، إلا أن معظم الحالات نجد أن طريقة فهم الناس للأمثال لا هي أمينة بالنسبة للهدف الأساسي الذي قصده يسوع في تعليمه ولا هي مفيدة بالمرة. لنأخذ على سبيل المثال قصة السامري الصالح، فطبقاً لما قاله لوقا فقد قال يسوع هذه المثل في معرض رده على سؤال “من هو القريب؟”[16] وفي النهاية أخبر يسوع صاحب السؤال بأن يفعل كما فعل السامري في القصة. ومع ذلك، ففي غضون فترة قصيرة كان المسيحيون يفسرون هذه القصة تفسيراً مجازياً، ناسين حقيقة أنها كانت رداً على سؤال عملي.

    أين تجد أمثلة يسوع؟

     

    متى

    مرقص

    لوقا

    مثل الزارع

    13: 1-23

    4: 1-20

    8: 4-15

    الزوان في الحقل

    13: 24-43

       

    حبة الخردل

    13: 31-32

    4: 30-32

    13: 18-19

    الكنز المخفي

    13: 44-46

       

    العبد غير المتسامح

    18: 23-35

       

    السامري الصالح

       

    10: 25-37

    صديق منتصف الليل

       

    11: 5-8

    الغني الغبي

       

    12: 13-21

    الوليمة العظيمة

       

    14: 15-24

    الخروف الضائع

    18: 12-14

     

    15: 1-10

    الابن الضال

       

    15: 11-14

    وكيل الظلم

       

    16: 1-13

    الغني ولعازر

       

    16: 19-31

    قاضي الظلم

       

    18: 1-8

    الفريسي والعشار

       

    18: 9-14

    الفعلة في الكرم

    20: 1-16

       

    مثل الأمناء

       

    19: 11-27

    الكرامين الأشرار

    21: 33-46

    12: 1-12

    20: 9-19

    وليمة العرس

    22: 1-14

       

    العبد الأمين

    24: 45-51

       

    العذارى العشر

    25: 1-13

       

    الوزنات

    25: 14-30

       

     

    الأقوال السبعة في إنجيل يوحنا والتي بدأها يسوع بقوله “أنا هو”، جاءت شبيهة بأمثال وهي:

     

    خبز الحياة

    يوحنا 6: 35-40

    نور العالم

    يوحنا 8: 12-13

    الباب

    يوحنا 10: 7-10

    الراعي الصالح

    يوحنا 10: 11-18

    القيامة والحياة

    يوحنا 11: 17-27

    الطريق والحق والحياة

    يوحنا 14: 1-7

    الكرمة الحقيقي

    يوحنا 15: 1-11

     

    وطبقاً لما قاله أحد مفكري القرن الرابع “أوغسطينوس” فإن الرجل الذي نزل من أورشليم إلى أريحا هو آدم. وأورشليم كانت تمثل مدينة السلام الإلهية التي سقط منها، وأريحا كانت تشير إلى الموت الذي ورثه الجنس البشري نتيجة سقطة آدم. أما اللصوص فكانوا يرمزون إلى الشيطان وملائكته، الذين جردوه من خلوده. أما الكاهن واللاوي اللذان عبرا من الجانب الآخر فيرمزان إلى الكهنوت وخدمة العهد القديم، واللذان لم يقدرا أن يخلصاه. أما السامري الصالح فكان المسيح نفسه، وقيامه بتضميد جروح المسافر يشير إلى كبح الخطية، وأما الزيت والخمر اللذان صبهما على جراحه فيرمزان إلى تعزية الرجاء والتشجيع على العمل بجد. أما الدابة فترمز إلى الجسد الذي جاء به يسوع إلى الأرض، والفندق يشير إلى الكنيسة، وصاحب الفندق هو الرسول بولس. أما الديناران اللذان أعطيا له فهما وصيتا محبة الله ومحبة القريب.

    ولا شك أن هذه القصة ترمز إلى قصة الخلاص بأكملها، ومن باب الأمانة، علينا أن نتذكر أن أوغسطينوس يخبرنا أنه تمتع تماماً بتفكيره في هذا الأمر. غير أننا في المحصلة النهائية علينا الاعتراف بأن مثل هذا التفسير لا يتصل تماماً بقصة السامري الصالح. وهذه “المعاني الروحية” خلعت على القصة ولم تأت منها. وفي تفسير أوغسطينوس لها، لا نجد بأية حال إجابة على السؤال الأساسي الذي طرحه ذلك الشخص على يسوع.

    القصد من الأمثال

    قد تتملكنا الدهشة إلى حد ما حين نكتشف أنه قبل نهاية القرن التاسع عشر لم نكن قد أدركنا تماماً عبثية هذا المنهج من التفسير. وحين بدأ الباحثون يقرأون العهد الجديد كوثيقة تاريخية، أدركوا أنه ربما قد استخدم يسوع الأمثال بنفس الطريقة التي كان يستخدمها معلمون آخرون في العالم القديم. وبعد مقارنة أساليب يسوع في التعليم بالطريقة التي استخدمت فيها الأمثال في الأدب اليوناني، أشار مفكر ألماني هو “أدولف جوليكر Adolf Julcher” أن يسوع استخدم الأمثال مثلما يستخدم الوعاظ في العصر الحديث الرسوم التوضيحية. ولم يكن يقصد أن يصل بها إلى معنى خفي في كل تفصيلة، بل كان بكل بساطة يصور ويوضح نقطة معينة.

    وهكذا فإن النقطة الرئيسية في مثل السامري الصالح هي أن الشخص الذي أثبت أنه قريب حقيقي لم يكن أحد المتدينين اليهود بل واحد من السامريين المحتقرين المكروهين. وجميع التفصيلات الأخرى التي تضمنتها القصة مثل الدابة، والفندق، والزيت والخمر، ما كانت إلا تصويراً مجازياً رائعاً للمشهد لإضفاء الواقعية والإثارة على القصة. ولم تكن لها علاقة بالنقطة الأساسية لما كان يسوع يحاول قوله.

    وإذا ما أدركنا هذه الحقيقة، فلسوف نتخلص من بعض مشاكل التفسير الحقيقية. ذلك أنه في بعض الأمثال نجد أن الشخصيات الرئيسية ليست في الواقع من نوعية الناس الذين يشعر المسيحيون بأنه ينبغي تقليد تصرفاتهم. فعلى سبيل المثال، هناك وكيل الظلم الذي حصل على ثناء سيده عندما تلاعب في الحسابات لمصلحته. فهل يسوع يمتدح حقاً مثل هذا التصرف؟

    الإجابة هي لا بالطبع. وحين ندرك أن الغرض الرئيسي من المثال هو أننا ينبغي أن نتمثل ببعد نظره في أن يكون مستعداً لمواجهة أي كارثة في الحياة، هنا نستطيع أن نعرف أن بقية القصة ما هي إلا مجرد تصوير واقعي لموقف تم تخيله.

    وتواصلاً لأفكار جوليكر الهامة بدأ مفكرون آخرون في محاولة اكتشاف المعنى الحقيقي لأمثال يسوع، ومن أشهرهم بروفسور “دود” في إنجلترا، وبروفسور “يواكيم جيرمياس” في ألمانيا، وكلاهما يتفقان مع “جوليكر” في أن الأمثال بوجه عام لا تتضمن سوى درس واحد، على الرغم من أنهم رأوا أيضاً أن موضوع الأمثال لا يتضمن أحد الحقوق الأخلاقية التي يتم تعميمها (كما كان جوليكر يعتقد) بل أن موضع الأمثال هو مجيء مجتمع الله الجديد. ومع ذلك اقتبس “دود” و”جيرمياس” عن “جوليكر” افتراضات معينة كانت عرضة للتشكيك منذ عهد قريب من قبل الباحثين الآخرين للعهد الجديد:

    ç رغم أنه صحيح بوجه عام أن كل مثل من أمثال يسوع كان يتضمن نقطة رئيسية واحدة، إلا أن الأمر يكون مضللاً عند الإصرار على القول بأنه لم يكن هناك مثل على الإطلاق كانت له أكثر من نقطة واحدة رئيسية. فمن الواضح تماماً أن بعض الأمثال كانت تتضمن أكثر من درس واحد تعلمه.

    ففي مثل الوزنات[17] – على سبيل المثال – يبدو أنه كان على الأقل يتضمن نقطتين بسيطتين. فالقصة تتحدث عن رجل مسافر قسم نقوده بين عبيده بغية الاحتفاظ بها في أمان. وحين يعود يكافئ العبيد بطرق مختلفة طبقاً لاستخداماتهم المتباينة التي استغلوا فيها نقوده. فالنقطة الأساسية لهذه القصة يجب أن تكون على تأكيد الصلة بين المسؤولية الفردية والدينونة الأخيرة. ولكننا نجد تشديداً آخر يمكن أن يكون له أهمية مماثلة، لأن السيد لم يتقيد بالتزامه القانوني أو الأدبي، فقد كان كريماً إذ استأمن عبيده على ممتلكاته. أما مثل وليمة العرس، يبدو أنه يدور تماماً حول نفس هاتين النقطتين، ومن الطبيعي أن كلاً منها كان يشكل جزءاً هاماً من تعليم يسوع عن طبيعة أبيه[18].

    ç على الرغم من أنه لا يجب تفسير معظم الأمثال تفسيراً مجازياً، إلا أن كثيرين من المفسرين يدركون الآن أن هذا لا ينطبق على الأمثال كافة. ومثل الزارع يتضمن معنى مجازياً: فنوعيات التربة المختلفة قيل إنها تمثل أنماطاً مختلفة من الناس الذين يسمعون رسالة يسوع[19]. وكثيراً ما يثار جدل بأن هذا التفسير لا يعود إلى يسوع نفسه، بل نشأ في الكنسية الأرضية، في وقت كان المسيحيون يحاولون فيه تفسير السبب في أن أناساً قليلين هم الذين يتجاوبون مع وعظهم. ولا شك أن مَثَل كهذا يساعد في الإجابة على سؤال كهذا[20]. إلا أنه إذا حذفنا تفسير المثال هذا على اعتبار أنه لا يتضمن سوى معنى ثانوي، ربما أضيف في وقت لاحق، فإنه ستظل أمامنا مشكلة تفسير النقطة الرئيسية بحسب ما تحدث عنها يسوع لأول مرة. والحقيقة هي أنه من الصعب جداً معرفة ما هو المعنى الآخر الذي يمكن أن يتضمنه.

    وهناك مثل أكثر من هذا يلفت النظر نجده في حالة مثل الكرامين الأشرار[21]. والقصة تتحدث عن رجل قام بتأجير كرمه لكرامين نظير إيجار يتضمن جزءًا من محصول العنب السنوي. ومع ذلك، عندما أرسل عبيده ليتسلموا نصيبه من المحصول قام المستأجرون بضربهم وقتلهم. وبعد أن تكرر حدوث هذا عدة مرات، أرسل الرجل ابنه، معتقداً أنه سيقابل باحترام أكبر. ولكنه لاقى أيضاً نفس المصير. ولذلك حين جاء صاحب الكرم أخيراً إلى الكرم، كان من المحتم أن يهلك هؤلاء الكرامين الأشرار. وفي هذه القصة فإن التفسير المجازي يبدو أنه المعنى الوحيد الممكن. وإذا لم تكن إسرائيل هي الكرم، والأنبياء لم يكونوا هم العبيد الذين أرسلهم سيدهم (الله)، ويسوع نفسه هو الابن، فلسوف لا يكون للمثل كله أي معنى.

    وعلى هذا فيبدو أنه من الحكمة تبني موقفاً أكثر مرونة، وندرك أنه برغم أن الأمثلة لا تحتاج عادة إلى تفسير مجازي، إلا أن بعضها قد يحتاج إلى ذلك.

    ç يؤكد كل من “دود” و”جيرمياس” أهمية فهم الأمثال في سياقها التاريخي الأساسي. ولأنهما يصران على هذه النقطة فقد بذلا جهداً كبيراً لمحاولة اكتشاف المعنى الحقيقي لأمثال يسوع لسامعيه، وبعد ذلك بالنسبة للمسيحيين الذين كانوا أول من كتبوها. إلا أن مفسرين آخرين بدأوا الآن يدركون أن هناك بعداً مخفياً في الأمثال يعطيها مذاقاً مميزاً لا نجده في بقية العهد الجديد.

    وبصفة عامة نستطيع أن نقول إنه قبل أن يكون بمقدورنا أن نتأكد ما الذي يعنيه العهد الجديد بالنسبة لنا في أيامنا هذه، نحن في حاجة إلى معرفة ما الذي كان يعنيه بالنسبة لأولئك الذين قرأوه أولاً. ولكن الأمر في الحقيقة ليس هكذا بالنسبة للأمثال. لأنها تشبه عمل إنسان عظيم بأكثر مما هي عمل لاهوتي واع بذاته. ثم إن سماتها وأوضاعها لها في المقابل طابع شامل يمكن أن يفهمه أي شخص، ذلك أنها تتناول الاحتياجات الضرورية للإنسان. ولسنا بحاجة إلى أي بصيرة خاصة لفهم مثل الابن الضال، أو الوزنات، أو العمال في الكرم. فإن معناها ودعوتها تتضح لنا عند قراءتها.

    الأمثال ورسالتها

    ولكن ما هي رسالة الأمثال ودعوتها؟ في معناها الأوسع، موضوع الأمثال هو مجيء مجتمع الله الجديد، أو “الملكوت”. وهذا ما تشير إليه بوضوح كثير من الأمثال التي تبدأ بعبارة “يشبه ملكوت السماوات….”[22] وبسبب هذا، فإن المعنى الدقيق الذي نراه في الأمثال يعتمد إلى حد ما على ما نعتقده بالنسبة لما سيكون عليه المجتمع الجديد. فإنا ما اعتقدنا – مع ألبرت شويتزر – أن تدخل الله المثير والعاجل في شؤون المجتمع الإنساني هو أهم شيء فيها، فمن الطبيعي والحالة هذه أننا سنرغب في فهم التعليم التي تقول به الأمثال في هذا السياق. ومن ناحية أخرى، فإننا إذا اتبعنا منهج “دود” فإننا نجد صعوبة في أن نجد في الأمثال آثارً لأمور أخروية قد تحققت.

    إلا أن رسالة الأمثال الحقيقية هي أكثر تعقيداً من أي من هذه البدائل. فإذا ما تأملنا معاً كمجموعة فسوف يتضح أن رسالتها تهتم بأربعة موضوعات رئيسية، كل منها يفسر بعض الحقائق الهامة عن مجتمع الله وتأثيره في حياة أولئك الذين يشكلون جزءًا منه.

    المجتمع وسيده

    معظم المجتمعات تتأثر تأثيراً كبيراً بشخصية قائدها أو قادتها. فالحاكم المستبد لن يجد صعوبة في حمل شعبه على تبني نفس المواقف. أما القدوة التي توجد في حاكم متحرر رحوم فهي دائماً ما تشجع شعبه على أن يشاركوه في وجهة نظر مماثلة. والمجتمع الجديد الذي أقامه الله ينطبق عليه هذا الكلام. فهو يستمد طابعه وشكله من الله الذي هو سيده.

    وعلى هذا، فلا تأخذنا الدهشة حين نجد أن عديداً من الأمثال تخبرنا بأمور هامة عن طبيعة الله نفسه. فقصة الخروف الضال[23] تشرح لنا الحقيقة الجوهرية وهي أن الله إله نعمة: فهو يأخذ المبادرة في إيجاد وإعادة أولئك الذين بسبب الخطية أصبحوا في تنافر مع مشيئته. وهو يهتم بكل واحد من مخلوقاته ضل طريقه في الحياة، وتراه يبحث عن هذا الضال حتى يستعيده. والأمثال الأخرى في لوقا 15 – الدرهم المفقود والابن الضال[24] تؤكد أيضاً محبة الله للخطاة. ومحبته التي لا نستحقها عظيمة جداً حتى إن الله يعمل كل ما في وسعه كي يجدنا، ولن يقنع حتى يستعيدنا تماماً، مثل الابن الضال.

    ويتضح مدى كرم الله على وجه الدقة في قصة عمال الكرم[25]. حيث يتحدث فيها يسوع عن سيد استأجر رجالاً ليعملوا في كرمه. وقد بدأوا العمل في أوقات مختلفة في النهار. وحين جاء وقت استلام أجورهم لم يكن بعضهم قد عمل سوى ساعة واحدة، في حين أن آخرين قد عملوا النهار كله، ولكن السيد أعطاهم كلهم نفس الأجر. ولم يغش أحداً منهم، لأن أولئك الذين بدأوا العمل من أول النهار وافقوا مقدماً على الأجر الذي سيتقاضونه. لكن السيد كان كريماً مع الذين بدأوا العمل في ساعة متأخرة من النهار. وقال يسوع إن ملكوت السماوات يشبه هذا. والله بالطبع، هو سيد هذا الملكوت، وهو كريم بلا حدود. والذين ينضمون إلى مجتمعه في اللحظة الأخيرة يلقون ترحيباً كبيراً مثل أولئك الذين كانوا أول من طرقوا بابه.

    وقد يبدو لنا من هذا أن الله غير عادل إلى حد ما، لأنه من المؤكد أن الذين جاءوا مبكراً يستحقون أكثر من الذين بدأوا العمل في وقت متأخر من النهار.

    وهذا هو السؤال الذي حاول جوليكر أن يجيب عليه حين قال إن المثل في العادة لا يدور إلا حول نقطة واحدة – وفي حالة المثل الذي نحن بصدده لا شك أنه كان على حق – لأنه توجد أقوال أخرى كثيرة ليسوع تبين أن الله يستجيب دون حدود لحاجات كل شعبه. وهناك – على سبيل المثال – قصة الصديق الذي جاء ليطلب طعاماُ في منتصف الليل[26]، والتي استخدمها لوقا ليؤكد أن الله راغب تماماً في الاستجابة لصلواتنا. “اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم”[27]. وهناك مثال آخر نجده في قصة قاضي الظلم والتي تؤكد نقطة مماثلة[28].

    ثم إن هناك الأقوال التي تضمنتها الموعظة على الجبل، والتي برغم أنها ليست قصة أمثلة، إلا أنها دون شك تعد أمثلة بكل ما في الكلمة من معنى “انظروا إلى طيور السماء. إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها… ولماذا تهتمون باللباس. تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل… فإن كان عشب الحقل… يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جداً يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان”[29]. فالله يهتم بشعبه، بل ويهتم حتى بأقل التفاصيل. لأنه أبوهم.

    وهذا التأكيد على العلاقة الشخصية الوثيقة بين الله والذين يقرون بسيادته على حياتهم، يشكل واحداً من أكثر الأجزاء الرائعة الأساسية في تعليم المسيح. ويسوع نفسه يخاطب الله باعتباره أباه[30]. وفي إنجيل يوحنا، كثيراً ما استخدمت علاقة الله بيسوع، والتي هي علاقة أب بابن لتأكيد طبيعة يسوع الإلهية، غير أنه في الأناجيل الثلاثة الأخرى كثيراً ما يتم التشديد على طبيعة هذه العلاقة[31]. فالله أب ليسوع ولذلك يمكن أن يخاطب ويعرف بنفس الأسلوب الوثيق الذي يخاطب به الابن أباه الجسدي. فيسوع كان يخاطب الله على هذا النحو. وقد بدعاه “أبا” الآب، وهي الكلمة الآرامية بمعنى “أب” والتي تستعمل في البيت، وقد سمح لتلاميذه أن يفعلوا نفس الشيء حين يخاطبون الله في الصلاة[32].

    وهذه الطريقة في مخاطبة الله هي طريقة جديدة تماماً. وعلى الرغم من أن اليهود كانوا يخاطبون الله أحياناً “كأب”، إلا أنهم لم يستعملوا اللغة المألوفة التي كان يستعملها يسوع، وكانوا في العادة يبررون ذلك بالإشارة إلى قداسة الله وعظمته. لكن “إله” أمثلة يسوع ليس بعيداً أو خارج نطاق الاتصال بالعالم، ومن المؤكد أنه “قدوس”، وهو مختلف تماماً عن البشر في طبيعته. ولكنه الله الذي نستطيع أن نعرفه في علاقة شخصية كأبينا. والأكثر من ذلك أنه “أب” محب. وهو يسهر على كل الذين ينتمون إليه، ويهتم بأقل التفاصيل في حياتهم.

    المجتمع والفرد

    وإن نكون جزءًا من المجتمع الجديد الذي تحدث عنه يسوع، لا يعطينا ميزة معرفة الله بطريقة وثيقة وشخصية فقط، بل إن ذلك يضع علينا كذلك بعض المسؤوليات. وهناك عدد من القصص التي قالها يسوع تؤكد على نوعية الاستجابة المطلوبة إذا كان لنا أن “ندخل الملكوت”.

    في بداية إنجيل مرقص نجد أن الاتجاه الرئيسي لتعليم يسوع لخص في الشعار “فتوبوا وآمنوا بالإنجيل”[33] ثم إن كثيراً من القصص التي رواها يسوع تؤكد أهمية الابتعاد عن الخطية أي ممارسة التوبة كي تصبح عضواً في مجتمع الله. وقصة الابن الضال[34] – على سبيل المثال – لا تؤكد فحسب على صلاح الآب وكرمه بل أنها تبرز أيضاً أهمية أن يدرك الابن حماقته، وأن يكون راغباً في تغيير أسلوب حياته.

    ولم تكن التوبة أبداً فكرة رائجة، لأنها تتطلب منا إقراراً بأننا ارتكبنا خطأ. وتعني وجود قدر معين من الخجل، وفقداناً لشيء من مكانتنا الأدبية. لكن يسوع أوضح تماماً أن أولئك الذين هم ليسوا مستعدين لتقبل هذا لا يمكن أن تكون لهم صلة حية مع الله. وأمامنا قصة الفريسي والعشار[35] اللذين توجها للصلاة في الهيكل في نفس الوقت. وقد أخذ الفريسي يفتخر بإنجازاته الأخلاقية والدينية – قال هذا لله. ومن ناحية أخرى، نجد أن العشار كان مدركاً تماماً لعدم استحقاقه أن يتكلم إلى الله، وكل ما استطاع أن يعمله هو أن يصرخ قائلاً: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ”، ولكن يسوع قال إن “العشار” وليس الفريسي، هو الذي “نزل إلى بيته مبرراً” من الله، لأنه أدرك أنه خاطئ، وجاء إلى الله دون أية ادعاءات روحية. وقد وضح يسوع نقطة مماثلة في الغني الغبي، الذي اعتقد أن ثروته ستجعله في موقف طيب أمام الله[36]. وقد جعل تعليم هذه الأمثال واضحاً تماماً في قوله إن سيادة الله على حياتنا يجب أن نتقبلها في ثقة الأطفال “من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله”[37].

    لكن التوبة والمغفرة ليستا نهاية المطاف. والواقع أنهما ليسا سوى بداية حياة تقضى تحت سيادة الله نفسه. لأنه في مجتمع الله الجديد نتمتع بنوع جديد من الحياة – “حياة أبدية”[38] – أو الحياة الأفضل كما كان يسوع يطلق عليها في بعض أقواله التي سجلها إنجيل يوحنا. فالحياة في مجتمع الله هي حياة يوجهها الله ويسيطر عليها[39]. والذين دخلوا الملكوت بالتوبة ومغفرة خطاياهم يتوجب عليهم أن يحبوا الله من كل قوتهم[40]. ويجب أن يخدموه على أنه سيدهم الوحيد حتى إلى درجة إعطائه السيطرة المطلقة على حياتهم[41]، لأن هناك نتائج عملية هامة سوف تظهر في طريقة حياتهم اليومية، ذلك أنهم يهتمون برأي الله وليس برأي الناس فيهم[42]. وهذا نراه بصفة خاصة في مواقفهم تجاه الأمور الدينية[43]. وعلى الرغم من أن البعض قد يقبلون سيادة الله على حياتهم على مضض[44]، إلا أن إخلاصهم أفضل من ذاك الذي يأتي أمام الناس بمظاهر كثيرة على عظم عبادته لله مع أنه في الحقيقة هو على خلاف ذلك.

    وشعب الله يجب أن يعبده بروح تلك الأرملة التي وضعت في الخفاء فلسها الأخير في صندوق التقدمات في الهيكل[45]، فلا يجب أن يسلك في مظاهر زائفة حتى يراهم الآخرون ويمتدحون صلاحهم[46]. فهم يصلون ويصومون في الخفاء “فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية”.

    ç ولكن هذا ليس حجة لئلا تعمل شيئاً[47]. فالذين يقبلون سيادة الله في حياتهم، يجب أن يحسنوا التصرف فيما أعطاه الله لهم[48]. عليهم التصرف كملتزمين، فيستعملون الخير الذي أعطاه الله لهم بطريقة ترضي الله[49]، وعلى مثال وكيل الظلم، عليهم أن يكونوا مستعدين للقاء سيدهم[50].

    ç والواقع أن طموحهم الأساسي في الحياة يجب أن يتعلموا المزيد عن الله وطرقه[51]. وهناك اثنان من أقصر الأمثلة يوضحان ذلك، وهما المثلان اللذان يتحدثان عن الكنز المخفي واللؤلؤة كثيرة الثمن[52]. فالإنسان الذي يجد حقلاً فيه كنز مخفي لن يتراجع عن بيع كل سلعة كي يشتري هذا الحقل. وعلى مثال ذلك، إذا كان يبحث عن لآلئ جيميلة، وتصادف أن رأى لؤلؤة رائعة فريدة، فلسوف يضحي بكل شيء كي يحصل عليها، وملكوت الله تشبه ذلك، فهي تستحق التضحية بكل ما نملك حتى نستمتع بعمل الله الحقيقي في حياتنا.

    وهذا ما قصده يسوع حينما قال لتلاميذه: “ها ملكوت الله داخلكم”. فقد مارس الله فعلاً سلطانه على حياة أولئك الذين عرفوه كأب[53]، والمجتمع الجديد يمكن أن يكون حاضراً في حياة الشخص الذي يعرف حقوق الله في حياته.

    المجتمع والشركة

    وفي ذات الوقت نكون مخطئين لو اعتقدنا أن رسالة يسوع قاصرة على النواحي الشخصية من ناحية معتقدات الفرد وحياته الدينية. فإن جزءًا كبيراً من تعليمه يتناول علاقة شعب الله بالعالم ككل، وببعضهم البعض[54]. والواقع أنه في مثل العبد غير المتسامح يبدو أن يسوع يشير إلى أن الطريقة التي يتعامل بها الله معنا تعتمد من ناحية ما على الطريقة التي نعامل بها الآخرين[55]. وهناك أيضاً قول يسوع بأن محبة القريب تأتي في المرتبة الثانية في الأهمية بعد محبة الله.

    وهذا معناه أن الذين يقبلون سيادة الله على حياتهم عليهم أن يسلكوا مثل أبيهم الذي في السماوات. وكَرم الله يشمل حتى المنبوذين في المجتمع، ويجب على أتباعه ألا يسلكوا بطريقة مختلفة. عليهم أن يسلكوا مثل السامري الصالح في المثل الذي قاله يسوع[56]. وقد طبق يسوع هذا بنفسه، إذ حمل رسالة الله إلى المنبوذين في المجتمع. وهذا ما جعل التلاميذ يدركون أن ملكوت الله كان في واقع الأمر حالاً في شخصه، وأن بوسعهم أن يتمتعوا ببركاته الآن في الحياة الحاضرة.

    وبالنسبة لأولئك الذين قبلوا بالحقيقة سيادة الله على حياتهم، فإن هذا الاختيار الجديد ينتظرهم. فهم لا يشاركون في علاقة جديدة مع الله نفسه، بل أنهم يلتزمون أيضاً كل تجاه الآخر في شركة من الاهتمام والمحبة المتبادلين.

    المجتمع والمستقبل

    وأخيراً يشير عدد من الأمثال إلى مجيء ملكوت الله في المستقبل. وهي تشير إلى مجيء يسوع كابن الله السمائي ذي القدرة الخارقة للطبيعة، كما تتحدث عن دينونة الإنسان الأخيرة. وقد ظن البعض أن هذه لم تكن سوى طريقة رائعة لتقديم التحدي الذي تمثله رسالة يسوع حين يسمعها الناس لأول مرة. إلا أنه بالنظر إلى اللهجة الرؤوية القوية التي تتسم بها غالبية اللغة التي استعملت، فإنه من الصعب عدم استنتاج أن يسوع كان يفكر في وقت ما في المستقبل حين يباشر الله سلطانه وحقيقته كملك بطريقة مرئية. وفي ذلك الحين، سيكون هناك يوم عظيم للحساب. فالذين يعلنون فقط أنهم يخدمون الله ولكنهم في واقع الأمر لا يفعلون ذلك سوف يفرزون ويبعدون عن أولئك الذين ينفذون حقاً مشيئة الله. وهذا هو الدرس الأساسي الذي نتعلمه من أمثلة شبكة الصيد المطروحة في البحر. مثل الحنطة والزوان، ومثل الخراف والجداء.

    وفي أمثال أخرى صورت الذروة المستقبلية للملكوت كوليمة. وهذه نوعية من اللغة المجازية كثيراً ما كان اليهود يستخدمونها لوصف البركات الآتية في العصر المسياني. لكن صور المسيح الخاصة بالملكوت، توضح أنه ليس كل أحد سيستطيع الدخول. والواقع أن مثل العشاء العظيم يشير إلى أن المبتدئين التقليدين لن يكون لهم مكان فيه على الإطلاق[57]. فالذين سيشاركون في بركاته سيأتون من الشوارع وليس من المقادس.

    وهناك تأكيد عظيم في إنجيل متى على المسؤولية الملقاة على عاتق أولئك الذين يعلنون أنهم شعب الله. وبالنظر إلى أنه ما من أحد يعرف اليوم أو الساعة التي سيتم فيها ذلك، علينا أن نكون في حالة استعداد دائم مثل العذارى اللواتي انتظر وصول العريس[58].

    وهذا العنصر في تعليم يسوع يسمو على الفروق الحادة التي نحب أن نصورها بين ما سيحدث في المستقبل وبين ما هو قائم الآن بالفعل.

    وبالنظر إلى أن يسوع قد جاء، فقد أقبل أيضاً مجتمع الله الجديد بالفعل. وأولئك الذين يقبلون سلطان الله يشكلون الآن جزءًا من ملكوته. وأياً كان ما يُكشف عنه في المستقبل من أمور أخرى، فهو لن يكون بداية جديدة، يقدر ما سيكون تنفيذاً نهائياً لمضامين شيء سبق أن وجد هنا بجوهره. وعلى الرغم من أن مجتمع الله الجديد كانت له بدايات صغيرة ضئيلة، إلا أنها هي نفس نوعية البداية التي لا بد وأن تؤدي إلى نمو مذهل، ونموه سيكون على مثال حبة الخردل “وهي أصغر البذور” في العالم، ولكنها متى نمت تكون أكبر البقول[59].

    الأمثال وسامعوها

    قضى بعض الباحثين وقتاً طويلاً محاولين اكتشاف الموقف الحياتي (Sitz im Leben) لكثير من الأمثال، حيث كانوا يعتقدون أن عملهم هذا سيسهل لهم الوصول إلى معانيها المباشرة. غير أنه في معظم الحالات لم يكن في الإمكان التعرف بدقة على المواقف الحقيقة التي قال فيها يسوع بعض قصص معينة. لأنه، وعلى مثال الأجزاء الأخرى من الأناجيل، سُجلت الأمثال ليس باعتبارها جزءًا من سيرة يسوع الذاتية، تم ترتيبها ترتيباً زمنياً، بل سجلت كرسالة تفسر تعليم يسوع واستمرارية علاقته لاحتياجات العالم والكنيسة.

    وفي كثير من الأحيان تأتي الأمثلة وقد تضمنت كل منها قصة، وقد يشلك هذا إشارة ما إلى وضعها الحياتي الأصلي في خدمة يسوع. ولعله لا يتشكك أحد في أن مثل السامري الصالح قد قيل إجابة للسؤال “ومن هو قريبي” والذي وجهه إلى يسوع أحد القادة الدينين اليهود. وهكذا أيضاً نجد أن المثال الذي قيل عن العبد غير المتسامح قاله يسوع رداً على سؤال بطرس عن عدد المرات التي يسامح فيها شخصاً أساء إليه[60]. كما أن يسوع قال أيضاً قصة الغني الغبي رداً على سؤال حول أفضل طريقة لتقسيم الميراث.[61]

    وهناك أمثلة قيلت في سياقات مختلفة وأناجيل مختلفة. فمثل الخروف الضال نجده في إنجيل لوقا إلى جانب مثلي الدرهم المفقود والابن الضال[62]، وكان ذلك في معرض الرد على شكاوى الفريسيين من أن يسوع يخالط الأشرار[63]. وفي إنجيل متى ذكر نفس المثال لتشجيع التلاميذ على أن يكونوا “رعاة” أمناء للكنيسة. ومن الطبيعي أن يكون مفهوماً أنه ربما قال يسوع نفس القصة أكثر من مرة، واستخلص دروساً مختلفة في كل مناسبة منها. وكثيرون من الوعاظ يعيدون استخدام التوضيحات الجيدة.

    ولكن الحقيقة هي أن هذه الأمثال تتميز بعدم وجود أية معلومات عن خلفيتها. فلا نعرف شيئاً عن الظروف التي قال فيها يسوع معظم الأمثال لأول مرة. وهذا ما تؤكده حقيقة أنها ذكرت في مجموعات في الأناجيل المختلفة. فإنجيل متى يضم أصحاحاً كاملاً خصصه كله للأمثال وإنجيل مرقص يحتوي على مجموعة مماثلة (برغم أنها ليست مطابقة) في حين أن لوقا يخصص جزءًا كبيراً تسود على غالبيته الأمثال[64].

    بل وليس من المفيد حقاً، أن نحاول اكتشاف كيفية استخدام الأمثال في الكنيسة الأولى. فطلاب ما يسمى “بنقاد التنقيحات” وهو علم دارسة السبب الذي من أجله كُتبت الأناجيل. فحصوا الطرق التي استخدمت بها الأمثال المتباينة في الأناجيل المختلفة. وعلى سبيل المثال، يمكننا أن نعرف أن إنجيل متى يحتوي على عدد من الأمثال التي تشير إلى مجيء ملكوت الله في المستقبل – وأننا نظن أن هذا الموضوع كانت له بعض الأهمية في الكنائس التي كان متى يكتب لها. ومن ناحية أخرى يحتفظ لوقا بعدد من الأمثال، لا نجدها في الأناجيل الأخرى تتحدث عن مكان الشعوب غير اليهودية (الأمم) في مجتمع الله الجديد. والملاحظات التي من هذا القبيل بوسعنا أن نعرف منها أشياء قيمة عن متى ولوقا وقراء كل منهما. غير أنها تخبرنا القليل من ناحية أصل الأمثال نفسها أو معناها.

    والمعنى الحقيقي للأمثال يجب أن يكون مرتبطاً بشكل وثيق بالدعوة التي توجهها لأولئك الذين يقرؤونها أو يسمعونها. فيه تعطينا صورة عن الله ومجتمع الجديد، وهي تدعونا إلى أن نكرس أنفسنا دون قيد أو شرط لتقبل مشيئته. وحين نعرف أننا نشبه الخروف الضال، أو المستأجرين الأشرار، أو الرجل الذي اكتشف كنزاً مخفياً في حقل، هنا فقط نكون قد شعرنا بتأثيره الكامل فينا. وفي التحليل الأخير، نجد أن الأمثال لا تخرج عن أن تكون التعبير عن حق الله في حياة البشر. فهم يحتاجون إلى الميل إلى الفهم، والإرادة للطاعة.

    ماذا علم يسوع بالأمثال

    هناك قول في إنجيل مرقص (مرقص 4: 11-12) يبدو أنه يوحي بأن يسوع قال الأمثال وكان يتعمد أن يأتي تعليمه في أسلوب غامض بالنسبة لأولئك الذين لم يصبحوا بالفعل تلاميذه، وذلك على مثال ما قاله إشعياء “لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم”. وهذه الفكرة تأتي على النقيض من كل ما نعرفه عن يسوع، ومن ثم يتطلب الأمر بعض التوضيح. وهناك اقتراحات كثيرة قدمت في هذا الصدد تقتصر على ذكر اثنين منها.

    ç طبقاً لما يقترحه “دود” (وآخرون ممن يتبنون آراءه)، هذا القول لم يصدر حقاً عن يسوع. بل أضافته الكنيسة الأولى لبيان سبب رفض الشعب اليهودي ليسوع. وكان – كما يقولون – جزءًا من حكمة الله نفسه، وعنايته الإلهية حيث قصد لهذا أن يحدث دائماً، ومع ذلك هناك حجتان ضد هذا الرأي.

    أولاً: من المحتمل أن الجيل الأول من المسيحيين هم فقط الذين كانوا يهتمون اهتماماً بالغاً برفض اليهود ليسوع. ولم تكن المسحة اليهودية ظاهرة في الكنيسة إلا في مرحلة مبكرة جداً من نموها، وبعد دمار أورشليم على يد الرومان سنة 70م، اختفى المسيحيون اليهود تقريباً من الكنيسة. ومن المؤكد أن ذلك لم يكن له إلا تأثير بسيط على الكنيسة بوجه عام. وهذا معناه أن المشكلة كان في أقصى حدتها ليس بعد الأحداث التي شهدها يسوع في حياته بالجسد بوقت طويل. وكلما اقتربنا من فترة حياة يسوع نفسه، قلت الفرصة المتاحة للكنيسة للقيام بإضافات وتغييرات في تعليمه.

    ثانياً: يتضمن إنجيل متى قولاً مماثلاً، حيث اقتبس نفس الفقرة من إشعياء، وبالنظر إلى معرفتنا أن متى كان بصفة خاصة مهتماً بالوضع النسبي لليهود والمسيحيين، فكنا نتوقع منه أن يحتفظ بنفس الكلمات تماماً مثل مرقص، إذا كان هذا القول يتعلق بالفعل برفض اليهود ليسوع. ولكن الحقيقة أن هذا القول في إنجيل متى له مضمون مختلف بشكل طفيف. فهنا يقول يسوع: “من أجل هذا أكلمهم بأمثال. لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون”. (متى 13: 13).

    ç وهناك تفسير ثان يتناغم مع هذا القول في إنجيل متى. وعلى أساس هذا الفهم لنا أن نفترض أن الكلمة المترجمة “لكي… يبصروا” في إنجيل مرقص، قصد بها في الواقع أن تكون بداية قول حقيقي، تماماً مثلما جاءت في متى. والدليل الذي يؤيد هذا الرأي يمكن استخلاصه من مقارنة اللغة اليونانية التي كتب بها مرقص، بالأقوال الآرامية التي ربما كانت في خلفيتها. وهكذا فإن هذا القول لا يصف “الغرض” من التعليم بأمثال، بل العواقب التي لا بد أن تحدث نتيجة عمل ذلك. فقد كان يسوع يشير إلا أن الأمثال لا بد وأن تفصل بين أولئك الذين ينصتون إليها ببصيرة روحية عن أولئك الذين هم عميان من الناحية الروحية.

    وهذا هو التفسير المرجح لأنه يتناغم مع ما رأيناه في أصحاح سابق عن موقف يسوع من حفظ مسيانيته سراً. كان أنه يتسق تماماً مع طبيعة الأمثال نفسها. فعلى الرغم من أنها لا تتطلب مجهوداً ذهنياً كبيراً، إلا أنها تتطلب درجة معينة من الالتزام وذلك لفهم ما يقوله يسوع.

    والأمثال ليست أقوالاً فلسفية عن الحقائق المتعلقة بالله. فهناك معنى تخفى فيه الحقيقة، لأن الأمثال تدعو سامعي يسوع إلى أن يفكروا بأنفسهم ما هي مضامين رسالته. وأولئك الذين لم يكونوا مهتمين بصفة خاصة، كان يمكن أن يسمعوا المثل، ثم لا يفهمون منه شيئاً سوى أنه قصة. إلا أنه إذا فكرنا قليلاً، فإن نفس القصة يمكن أن تكون صورة لله ومعاملاته مع البشر في المجتمع الجديد الذي جاء يسوع ليقيمه.

    هل قصد يسوع تأسيس الكنيسة

    كثيراً ما تساءل الناس ما إذا كان يسوع قد قصد إقامة كنيسة. ونجد بالفعل في إنجيل متى قولين يبدو أنهما يشيران إلى أنه فعل ذلك (متى 16: 18-20؛ 18: 17). غير أن بعض الباحثين يعتقدون أن هذه الأقوال وضعها متى نفسه، ولم تأت مباشرة من تعليم يسوع. “فألبرت شويتزر”، على سبيل المثال، وجد أنه يستحيل عليه التفكير في أن يسوع قصد أن يقيم كنيسة، لأنه كان يعتقد أن يسوع كان يتوقع نهاية سريعة للعالم. لكن، حتى هؤلاء الذين لا يشاطرونه هذا الرأي كثيراً ما عارضوا فكرة أن يسوع كان مصمماً على أن يشرع في تأسيس كنيسة. أما “أدولف فون هارناك Adolf Von Harnack” واللاهوتيون التحرريون، فكانوا يرون أن يسوع مجرد معلم أخلاقي بسيط. ولأنهم يعتبرون أن مفهوم الكنيسة لا يتناغم مع هذا، فقد انتهوا إلى أنها إقحام غريب تم في وقت لاحق على الإنجيل الذي كان في أساسه بسيطاً. وبالرغم من أن قليلين في يومنا هذا هم الذين يوافقون على وجهة النظر هذه، إلا أنها تلفت بالفعل انتباهنا إلى حقيقتين هامتين يتطلب الأمر أن نتذكرهما حينما نتحدث عن يسوع والكنيسة:

    ç “الكنيسة” لا تعني بالضرورة نوعية الهيئة الدينية التي برزت في القرن الثاني والتي نألفها اليوم في المسيحية كمؤسسة، ولقد تحدث يسوع عن شخصين أو ثلاثة باسمه (متى 18: 20).

    ç وبالمعنى الدقيق، فإن وجود “الكنيسة” أثناء حياة يسوع يشكل مفارقة تاريخية. فالكنيسة في أسفار العهد الجديد ليست مجرد تجمع من أناس لهم فكر متماثل نظموا كمجتمع ديني. إنها شركة حية لأولئك الذين يشاركون في الخلاص الذي أعده الله من خلال حياة وموت وقيامة المسيح نفسه.

    ولذلك هناك معنى ظهرت فيه الكنيسة إلى الوجود، ولكن بعد موت يسوع وقيامته.

    ويصف العهد الجديد انسكاب الروح القدس يوم الخمسين، على أنه اليوم الحقيقي لتأسيس الكنيسة (أع 1: 8؛ 2: 1-4).

    ولذلك نحن في حاجة إلى إثبات صحة أي قول عن قيام يسوع بتأسيس الكنيسة. غير أنه توجد في الوقت ذاته دلائل قوية في الأناجيل بأنه من المؤكد أنه قصد تكوين جماعة من أولئك الذين كانوا يتبعونه.

    ç كل الأناجيل تصف يسوع بأنه الشخص الذي تحققت فيه كل الوعود المسيانية التي في العهد القديم، فالمسيا الذي تحدث عنه العهد القديم قد جاء في المسيح. وهناك عنصر له أهميته في تطلعات العهد القديم تمثل في الاعتقاد بأنه حين يأتي المسيا فلسوف يقيم مجتمعاً جديداً، وفي هذا المجتمع يتمتع شعب الله بعلاقة جديدة ووثيقة بسيدهم وببعضهم البعض. وكما سبق ورأينا هناك مبرر قوي للاعتقاد بأن جوهر ادعاءات المسيح على الأقل يمكن أن نرجعه إلى تعليم يسوع نفسه، وإذا كان قد رأي في نفسه أنه المسيح فلسوف يكون من الطبيعي جداً أن يتصور تأسيس ما يمكن أن يطلق عليه صفة “مجتمع” بين أتباعه. والاسم الذي اعتاد يسوع أن يطلقه على نفسه باستمرار وهو “ابن الله” يحتوي أيضاً على هذا المعنى. وقد لا يكون من الصواب القول – كما يفعل البعض – أن كل مرة استخدم فيها يسوع هذا الاسم كان يقصد أن يضم تلاميذه معه. غير أن ليس هناك شك أنه في سفر دانيال في العهد القديم نجد أن “ابن الإنسان” لم يكن فرداً بل كان عضواً يمثل “قديسي العلي” (دانيال 7: 13-18).

    ç حين نتأمل طرق وصف يسوع لعمله، وعمل ملكوت الله، كثيراً ما توحي كلماته أنه يتحدث عن جماعة من الناس ارتبطوا ليس بالله فقط، بل ومع بعضهم البعض أيضاً. فهو – على سبيل المثال – يتكلم عن نفسه كراع، الأمر الذي يستشف منه أنه لا بد وأن يكون له قطيع (يوحنا 10: 1-18، لوقا 12: 32). وحين شبه نفسه بالكرمة وتلاميذه بالأغصان كان من الواضح أنه يقصد أن يشير إلى أن الأغصان لها علاقة بين بعضها البعض، وأيضاً مع الساق الرئيسية (يوحنا 15: 1-11). وكثير من الأشياء التي يقولها يسوع عن الملكوت ستكون صعبة الفهم ما لم نفترض أنه كان يدور في ذهنه صورة لمجتمع ما ظاهر مرئي (متى 23: 23؛ لوقا 16: 16). ومن الثابت أن تعليمه الأخلاقي يختص بالحياة بين أتباعه في إطار شركة أو جماعة (متى 5: 22؛ 7: 3-5).

    ç أما الأكثر روعة، فهي حقيقة أن بعض الأمثال توحي بأن ملكوت الله لن يكون مجتمعاً جديداً فحسب، بل سيكون مجتمعاً مرئياً أيضاً. فأمثال من قبيل مثل حبة الخردل (مرقص 4: 30-32)، والحنطة والزوان (متى 13: 24-30)، شبكة الصيد (متى 13: 47-50)، العمال في الكرم (متى 20: 1-16)، ووليمة العرس (متى 22: 1-14) من الواضح أنها توحي بمجتمع منظم.

    وعلى هذا يبدو من المعقول أن نستنتج أنه كان يدور بفكر يسوع تكوين مجتمع مستمر من أتباعه، وأن نوعية الكنائس التي جاء الحديث عنها في بقية العهد الجديد، أعطت صورة للمجتمع الذي قصد يسوع أن يقيمه.

     

    [1] لوقا 10: 25-37.

    [2] متى 18: 12-14.

    [3] لوقا 15: 1-7.

    [4] متى 13: 1-9.

    [5] مرقص 4: 1-9.

    [6] لوقا 8: 4-8.

    [7] لوقا 4: 23.

    [8] مرقص 7: 15-16.

    [9] متى 5-7.

    [10] يوحنا 10: 1-18.

    [11] يوحنا 15: 1-11.

    [12] يوحنا 4: 31-38.

    [13] يوحنا 6: 35.

    [14] يوحنا 7: 37-39.

    [15] يوحنا 15: 1-11.

    [16] لوقا 10: 25-37.

    [17] متى 25: 14-30؛ لوقا 19: 11-27.

    [18] متى 22: 1-14؛ لوقا 14: 15-24.

    [19] متى 13: 1-9؛ مرقص 4: 1-9؛ لوقا 8: 4-8.

    [20] متى 13: 18-23؛ مرقص 4: 13-20؛ لوقا 8: 11-15.

    [21] متى 21: 33-45؛.مرقص 12: 1-12؛ لوقا 20: 9-19.

    [22] متى 13: 24، 31، 33، 44.

    [23] متى 18: 12-14؛ لوقا 15: 1-7.

    [24] لوقا 15: 8-10؛ 11-32.

    [25] متى 20: 1-16.

    [26] لوقا 18″ 1-8.

    [27] لوقا 11: 5-8.

    [28] لوقا 11: 9.

    [29] متى 26: 6-30.

    [30] مرقص 14: 32-36.

    [31] يوحنا 1: 14، 18؛ 5: 43؛ 8: 19.

    [32] متى 6: 9؛ لوقا 11: 2

    [33] مرقص 1: 15.

    [34] لوقا 15: 11-32.

    [35] لوقا 18: 9-14.

    [36] لوقا 12: 13-21.

    [37] مرقص 10: 15؛ لوقا 18: 17.

    [38] يوحنا 3: 15؛ 6: 54؛ 10: 28؛ 17: 3.

    [39] متى 22: 37-38.

    [40] مرقص 12: 29-30.

    [41] متى 6: 24؛ لوقا 16: 13.

    [42] متى 16: 24-26.

    [43] لوقا 9: 23-25.

    [44] متى 21: 28-32.

    [45] مرقص 12: 41-44؛ لوقا 21: 1-4.

    [46] متى 6: 5-6؛ 16-18.

    [47] متى 6: 4.

    [48] متى 25: 14-30.

    [49] لوقا 19: 11-27.

    [50] لوقا 16: 1-8.

    [51] متى 13: 44.

    [52] متى 13: 45.

    [53] لوقا 17: 21.

    [54] متى 18: 21-35.

    [55] متى 22: 39؛ مرقص 12: 31.

    [56] لوقا 10: 25-37.

    57 متى 13: 24-30؛ 47-50؛ 25: 31-33.

    [57] لوقا 14: 15-24؛ متى 22: 1-14.

    [58] متى 24: 36-44؛ قارن مرقص 13: 32-37؛ وانظر أيضاً متى 25: 1-13.

    [59] متى 13: 31-32؛ مرقص 4: 30-34؛ لوقا 13: 18-19.

    [60] متى 18: 21-35.

    [61] لوقا 12: 13-21.

    [62] لوقا 15: 1-7.

    [63] متى 18: 12-14.

    [64] متى 13؛ مرقص 4؛ متى 13: 18 – 16: 31.

  • الأمثال – أمثال المسيح – ما هي وما هي أنواعها وكيفية فهمها؟ – بحث مفصل

    الأمثال – أمثال المسيح – ما هي وما هي أنواعها وكيفية فهمها؟ – بحث مفصل

    الأمثال – أمثال المسيح – ما هي وما هي أنواعها وكيفية فهمها؟ – بحث مفصل

    الأمثال - أمثال المسيح - ما هي وما هي أنواعها وكيفية فهمها؟ - بحث مفصل
    الأمثال – أمثال المسيح – ما هي وما هي أنواعها وكيفية فهمها؟ – بحث مفصل

    الأمثال – ما هو وما هي أنواعه وكيفية فهمه ؟ – بحث مفصل

    المبدأ الإرشادي: قم بتفسير الأمثال بدقة بحسب المبادئ الخاصة التي يتطلبها هذا النوع من الأساليب الأدبية.

    عندما صار الكلمة الأزلي بشراً، ظهر إعلان الله عن ذاته في كل من أعمال وأقوال يسوع المسيح. ومع ذلك كان من اللازم أن يتم تفسير أعماله بالكلمات – سواء كلماته هو أو كلمات الأشخاص الذين اختارهم لكي يتحدثوا عنه، أي الرسل. لذلك فإن تواصل المسيح اللفظي مع الناس هو أمر جوهري لفهم الله وحقه. وقد اختار المسيح أن يكون الكثير من تواصله اللفظي مع الناس عن طريق الأمثال. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان أن نفهم هذا النوع الخاص من الصيغ الأدبية.

    المثل هو قصة قصيرة من قصص الحياة الواقعية، وهو مصمم لتعليم حقيقة ما أو للإجابة على سؤال معين. وفي تعاليم يسوع، كان للمثل هدف إضافي، فقد أخبرنا، كان رأينا، أنه من إحدى أهدافه إخفاء الحق عن الأشخاص غير المتجاوبين، بينما جعله واضحاً للمستجيبين. وقد لاحظنا في الفصل الأخير أن المثل هو جزء من صيغة أدبية مميزة تسمى “تشبيه المقارنة”. وهو يشبه الاستعارة، لأن المقارنة عادة ما تكون ضمنية أكثر مما تكون مذكورة بوضوح.

    ولا بد أن نقوم بالتمييز بين المثل والحدث التاريخي. فكثيراً ما تستخدم الأحداث التاريخية كشرح توضيحي، لكن المثل هو صياغة في صورة قصة تهدف خصيصاً إلى تعليم حق معين. ورغم أن المثل، تعريفياً، ليس تسجيلاً لحدث تاريخي، ولكنه لكي يكون مثلاً لا بد وأن ينطبق على الحياة الواقعية. لذلك فالمثل يختلف عن تشبيهات المقارنة الأخرى، مثل المجاز والرموز النبوية، التي قد تنطبق على الحياة أو لا تنطبق عليها.

    سوف نقوم هنا باستكشاف ستة إرشادات أساسية لفهم الأمثال، وهي: ابدأ بالسياق المباشر القريب، تعرف على الهدف المحوري، حدد التفاصيل غير ذات الصلة بالموضوع، حدد التفاصيل ذات الصلة بالموضوع، قارن بين المقاطع المتشابهة والمتضادة، وابن العقيدة أو التعليم على مقاطع حرفية واضحة.

     

    ابدأ بالسياق المباشر

    في مثل الابن الضال (لوق 15: 11-32)، ترى من هو الشخصية الرئيسية؟ ما الأمر الذي تعتبره هو الهدف الأساسي من القصة؟ بالتأكيد يشير العنوان الذي أعطيناه للمثل إلى الشخصية الرئيسية في نظر معظم المسيحيين. لكن هناك من يعتبرون أن الأب هو الشخصية الرئيسية. لكن هذا المقطع يستخدم عادة لتوصيل تلك الرسالة التبشيرية: أنه مهما كان بعدك و ضلالك، ارجع إلى بيت أبيك السماوي، وهو سوف يقبلك.

    لكن هل هذا هو الغرض الذي كان في ذهن يسوع في الأصل عندما روى هذا المثل؟ أول وأهم مبدأ إرشادي لفهم الأمثال هو فحص السياق المباشر. فعادة ما يوجد في المثل عنصران جوهريان في السياق، وهما: المناسبة التي قيل فيها المثل، وتفسير معناه.

     

    المناسبة التي قيل فيها المثل

    كل الأمثال تقريباً لها مناسبة تاريخية واضحة هي التي أدت إلى رواية القصة. وعلى الرغم أنه قد يكون من المقبول أن نطبق مثل الابن الضال (لو 15) بطريقة تبشيرية، إلا أن الموقف الذي كان يسوع يتحدث بشأنه في الأساس يشير بوضوح تام إلى هدف آخر. كان يسوع يتحدث إلى أشخاص متدينين اعترضوا على قبوله السريع والمرحب بالخطاة. لذلك يمكن للمرء أن يستنتج أن الشخصية الرئيسية في القصة هي الابن الأكبر.

    بالتأكيد كان الفريسيون الذين يمثلون “الأخ الأكبر”، هم الذين يخاطبهم يسوع بالمثل. والحقيقة أن الهدف من القصة كان هو التضاد بين الأخ الأكبر والأب المحب الغفور كما يتمثل في يسوع نفسه. ويكون سياق المثل في تلك الحالة، كما في كل حالة، له أهمية أساسية في اكتشاف المناسبة والتعرف على الهدف من المثل.

    في بعض الأحيان يتم تفسير معنى المثل في شكل تطبيق. ونجد مثل هذا التطبيق في متى 24: 44، “لذلك كونوا أنتم مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان”. وفي متى 25: 13، “فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان”.

    إلا أنه ليست كل الأمثال يكون هناك تفسيرات لمعناها. لكن عندما يقوم يسوع بتفسير معناها أو عمل تطبيق لها، يكون هذا هو العامل المتحكم في التفسير. فيجب عندنا ألا نقحم معان أخرى على المثل.

     

    التعرف على الهدف المحوري

    بعد مثل الابن مباشرة، يسجل لوقا المثل الخاص بوكيل الظلم في لوقا 16: 1-15. من الواضح في هذا المقطع أن الخلفية يتم وصفها قبل وبعد المثل، مصحوبة بتفسير للمثل نفسه. فما هو الهدف من المثل؟ حيث أنه يقال عن يسوع في نهاية مثل الابن الضال، “وقال أيضاً لتلاميذه”، يمكن أن يظهر أن لوقا كان يقصد ربط تلك القصة بالمواجهة التي قام بها مع الفريسيين في المثل السابق.

    ويتضح هذا الأمر أكثر في نهاية الرواية، حيث يكتب لوقا، “وكان الفريسيون أيضاً يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به” (ع 14). لذلك فالمواجهة مع الفريسيين لا تزال مستمرة، لكن ما هو الهدف؟ هل كان يعلم الناس أن يغشوا؟ هل كان يعلم تلاميذه أن يستغلوا الآخرين؟ لقد اجتهد كينيث تيلور في تفسير هذا القسم، ثم توصل إلى استنتاج الترجمة التالية:

    “لكن ترى هل أقول لكم أن تنصرفوا بهذه الطريقة، أن تشتروا الصداقة عن طريق الخداع؟ هل هذا يضمن لكم الدخول إلى البيت الأبدي في السماوات؟ كلا! لأنه إن لم تكونوا أمناء في الأمور الصغيرة، فلن تكونوا في الأمور الأكبر. ولو غششتم ولو قليلاً، فلن تكونوا أمناء في المسؤوليات الأعظم”. (لوقا 16: 9-10، TLB).

    لقد قام المترجم هنا بتفسير المقطع ليعني عكس تماماً ما يبدو أن المقطع يقوله. هذا المقطع بلا شك مثير للارتباك بالنسبة للكثيرين. لذلك فإن التعرف على الهدف المحوري الذي يقصده التركيز عليه هو أمر أساسي في هذه الحالة ويقود المرء إلى الحل سريعاً. والهدف المحوري من هذا المثل واضح، لأن المسيح شرحه بوضوح في السياق. فهدف المثل ليس له علاقة بموضوع الخداع أو الغش.

    ففي هذا المثل، لم يتم مدح وكيل الظلم بسبب خداعه، بل لقد تم مدحه لأنه “بحكمة فعل” بمعنى أنه استخدم موارده الحالية في التخطيط لأجل المستقبل، وهذه تعتبر حكمة. واستكمل يسوع بالشرح أن تلاميذه عليهم أن يستغلوا مواردهم الحالية للتخطيط للمستقبل “أبناء النور” في الحقيقة لم يقوموا بذلك، ولهذا السبب لم يكونوا حكماء. فقد كانوا يستخدمون مواردهم المادية الحالية لكي يعيشوا بها فقط، بينما كان يجب عليهم أن يستخدموها بحكمة للإعداد للبركات الأبدية في السماء. إذاً فإن يسوع يفسر بالتفصيل لماذا يجب مدح هذا الوكيل الحكيم.

    إن الهدف المحوري هو السمة الرئيسية التي تميز المثل عن القصة الرمزية. ففي القصة الرمزية يقصد أن يكون هناك عدد من التشابهات المهمة بين القصة وحق روحي معين. أما في حالة المثل، فليس من المشروع ان نتعامل مع كل واحد من التفاصيل باعتبار أن له تطبيق روحي.

     

    التعرف على التفاصيل غير ذات الصلة بالموضوع

    تحوي الأمثال العديد من التفاصيل التي لا يقصد منها تعليم حقائق روحية على الإطلاق، إذ ليست لها أهمية روحية. هذه التفاصيل يجب التعرف عليها ووضعها جانباً. فإن أية محاولة لتفسيرها يمكن أن تضلل الإنسان وتبعده عن المعنى الذي كان يقصده المسيح.

    “ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى يقول له إذا دخل من الحقل تقدم سريعاً واتكئ، بل ألا يقول له أعدد ما أتعشى به وتمنطق واخدمني حتى آكل وأشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت. فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أمر به. لا أظن” (لو 17: 7-9).

    لو أنك رأيت هذه القصة يتم تصويرها في التليفزيون فكيف ستشعر بشأنها؟ هل كان المسيح هنا يقدس العبودية؟ هل كان يقوم بإرساء مبادئ العلاقة بين العامل ومديره؟ هل كان يعلم عن مواصفات السلوك الطيب والعطوف والمهذب؟ كلا، ليس لأي من هذه المفاهيم أهمية في المعنى المقصود من المثل. لقد قام المسيح بإنشاء قصة تتفق مع الحياة الواقعية في زمنه لكي يوضح هدفاً واحداً بعينه.

    بفحص السياق سنجد أن المسيح كان يعلم التلاميذ عن توبيخ الأخر الذي يخطئ والغفران له عندما يتوب. فالهدف من القصة هو أننا لا نستحق الفضل أو المدح عندما نقوم بعمل الصواب. لذلك فإن هذه التفاصيل الأخرى لا علاقة بها بهذا الهدف المحوري، ويجب وضعها جانباً.

     

     التعرف على التفاصيل ذات الصلة بالموضوع

    التفاصيل ذات الصفة بالموضوع هي تلك المقصود بها أن تعلم حقيقة ما، ولذلك يكون من المشروع تفسيرها وتطبيقها. لكن كيف يمكن للمرء أن يعرف أية تفاصيل هي التي لها صلة بالموضوع وأي منها ليست له صلة بالموضوع؟ التفاصيل ذات الصلة بالموضوع هي التي تدعم دائماً الهدف المحوري.

    ففي مثل الاين الضال، حقيقة أن الأب بقي في البيت، ولم يذهب للبحث عن ابنه، هي أمر ليس له علاقة بالموضوع. فيسوع لم يكن يعلن أن الأب لا يسعى لعودة الخطاة، لأنه قد أوضح عكس ذلك الأمر بالفعل في المثلين السابقين، الذي فيها قامت الأرملة بالبحث عن الدرهم المفقود، وذهب الراعي للبحث عن خروفه الضال. لكن إسراع الأب لملاقاة ابنه هو أمر له علاقة بالموضوع، ولذلك فإن له أهمية روحية.

    كيف نعرف ذلك؟ لأنه يدعم الهدف المحوري، الذي كان يعبر عن إظهار ما في قلب الأب. وحقيقة أنه كان ينتظر الابن بشوق، وأنه لاقاه بفرح وقبول هو واحد من التفاصيل المهمة كذلك. عندما نفكر في هذا المبدأ الإرشادي، قد يكون من المفيد أن نقارن بين منهج الأمثال والأحداث التاريخية من ناحية، وبين الأمثال والاستعارات من ناحية أخرى.

     

    الأمثال والأحداث التاريخية

    هناك اختلاف كبير ما إذا كانت قصة الغني ولعازر (لو 16: 19-31) هي تسجيل لحدث تاريخي أم مثل. يعتقد البعض أن تاريخية القصة يجب الحفاظ عليها، خشية أن يضعف الحق الخاص بالجحيم والعقاب الأبدي نوعاً ما. لكن هذا معناه إساءة تفسير اللغة المجازية عامة والأمثال على وجه الخصوص. فالحق الذي يتم توصيله من خلال مثل ما هو في مثل حقيقة وأهمية الحق الذي يتم توصيله من خلال الصيغ الأدبية الأخرى.

    ومع ذلك فمن المهم أن نميز بين الأحداث التاريخية والأمثال، لأن الإرشادات التي تستخدم لتفسير كل منها تختلف عن الأخرى. كما أن تطبيق القصة سيختلف في حالة الرواية التاريخية، وذلك لأن كل عبارة حرفية هي حقيقة ويجب قبولها باعتبارها هكذا، كما أن لها أهمية مستقلة عن كل الحقائق الأخرى في القصة. لكن هذا ليس معناه ان كل حقيقة لها أهمية روحية أو يمكن تطبيقها على الظروف الحالية. فالمؤلف الكتابي أو الرب يسوع نفسه قد يستخدم الحدث التاريخي كشرح توضيحي، ويقوم بتحديد التطبيقات المناسبة له.

    فلو كانت قصة الغني ولعازر حدث تاريخي، يكون لكل التفاصيل فيها معنى. مثلاً، إن الأشخاص الذين في السماء، على الأقل في بعض الأحيان، يعرفون حالة الناس الذين في الجحيم ويستطيعون أن يتواصلوا معهم. هذا الفعل له معنى لاهوتي عميق. ومن ناحية أخرى، حقيقة أن هناك رجل غني وآخر فقير قد لا يكون لها أي معنى روحي أو لاهوتي.

    إنها مجر حقيقة تاريخية أن الرجل الغني يتعذب في الجحيم والفقير الذي كان يستعطي ذهب إلى السماء. لكن بالطبع، إذا كنت تعتقد أن كل الأغنياء يذهبون إلى السماء، كما كان الكثيرون يؤمنون بذلك بالفعل، فإن حقيقة أن واحداً فقط ذهب إلى الجحيم يكون لها أهمية عظمى.

    من ناحية أخرى، إذا كانت القصة مثلاً، فإن حقيقة أن هناك رجل غني وآخر شحاذ هي بلا شك من التفاصيل المهمة. لقد تم رواية هذه القصة بعد مواجهة الفريسيين مع المسيح مباشرة حور موضوع محبتهم للمال، والسلوك غير الحكيم بأن ينفق المرء موارده الحالية دون التفكير في الأبدية. ففي هذا السياق، يقول المسيح شيئاً إضافياً عن الثروة والإعداد للمستقبل. وهكذا، فباعتباره مثلاً، يكون للتفاصيل الخاصة بالثروة والفقر معنى معيناً.

    كل من الروايات التاريخية والأمثال يمكن أن يحوي تعبيرات مجازية وأيضاً حرفية. فمثلاً، سواء تم اعتبار القصة السابقة حدث تاريخي أو مثل، فإن وجود لعازر في حضن إبراهيم ليس من الضروري أن يفهم باعتباره وضعاً جسدياً يصرخ فيه عبر الهوة التي تفصل بينه وبين الغني. في كلتا الحالتين يمكن أن يكون هذا تعبير مجازي عن “مكان المباركين”.

    أما السؤال الخاص بما إذا كان أي من التفاصيل له أهمية روحية أو لاهوتية فهو أمر سيتم تقريره على أسس مختلفة، بحسب ما إذا كانت القصة تاريخاً يتم استخدامه للتوضيح أو أنه تمت صياغتها لتعليم حق معين. قد يكون من المفيد أن نذكر كل التعاليم المتعلقة بالجحيم التي يمكن أن نتعلمها من هذا المقطع لو كان مثلاً، وكل التعاليم عن الجحيم التي يمكن أن نتعلمها لو كانت القصة حدثاً تاريخياً. لكننا سنكون متيقنين بشأن العديد من التفاصيل الأخرى عن الوضع في الجحيم لو كانت هذه القصة حدثاً تاريخياً.

    والآن، هل قصة الغني ولعازر مثل أم رواية تاريخية؟ يبدو أنها تحمل سمات المثل. فالعدد الأول من لوقا 16، يقول، “وقال أيضاً لتلاميذه كان إنسان غني”. ثم تبعها بقصة وكيل الظلم وفي عدد 19 يقول مرة أخرى، “كان إنسان غني” وتبعه قصة الغني وهو في الجحيم ولعازر وهو في “حضن إبراهيم” يجادل البعض بأن ذكر اسم لعازر أمر لا ينطبق على المثل.

    لكنه افتراض غريب بالحق أن نعتقد أن المثل لا يمكن أن يحتوي على أسماء للشخصيات، إذ أن المثل هو قصة تم بناؤها بصورة متعمدة، كما أنها تشبه الحياة اليومية، لذلك فإن الشخص الذي يرويها له كل الحرية في أن يستخدم أية عناصر يجدها ضرورية لتوضيح هدفه. وفي هذه الحالة، فإن اسم لعازر الذي يعني “الذي يساعده الله”، ربما يكون واحداً من تلك التفاصيل التي تدعم التعليم الأساسي. (ستتم دراسة الإرشادات الخاصة بتطبيق الأحداث التاريخية على المواقف المعاصرة في الفصل 20).

    على أية حال، من المهم أن نلاحظ أن تفسير القصة كمثل يجب ألا يضعف من معناها. فالمثل ليس خرافة أو قصة أسطورية، بل هو قصة مشابهة لما يحدث في الحياة الواقعية يتم بناؤها لتعليم حق كامل. في هذا الحالة، ربما يكون الحق هو استكمال للحق الموجود في الجزء الأول من الأصحاح، بأن المرء يجب أن يستغل موارده الحالية لكي يكون مستعداً للمستقبل وأنه إن لم يفعل ذلك، فإنه سيعاني بالفعل من الضياع الأبدي.

     

    الأمثال والاستعارات

    يمكن للأمثال والمجاز أو الاستعارة أن تتداخل معاً (انظر الرسم في الفصل 11)، من حيث أن كل منهما تم تصميمه لكي يعلم حقيقة روحية، عن طريق مقارنة شيء ما بحقيقة روحية. لكن على الرغم من تداخلهما، فإنهما يختلفان من ناحيتين:

    1 – المثل يكون واقعياً، ولكن المجاز قد لا يكون كذلك. ففي المجاز، يمكن للمسيح أن يكون باباً أو كرمة؛ ويمكن للمؤمنين أن يكونوا خرافاً أو أغصاناً.

    2 – رغم أن كلاً منهما قد يكون له موضوع أو هدف محوري، فإن المثل يتم صياغته للتركيز على هدف أساسي واحد، بينما تقوم الاستعارة غالباً بتعليم العديد من الحقائق المرتبطة أو حتى غير المرتبطة بها.

    عندما يتضح التمييز بين المثل والاستعارة، من المهم أن نتبع الإرشادات المختلفة لتفسير كل منهما. نجد في متى 13: 1-23 وفي مرقص 4: 1-20، المثل الذي قدمه المسيح عن أربعة أنواع من التربة (مثل الزارع). وهو يطلق عليه مثل، ولكنه لا يتفق مع استخدامنا الفني لمصطلح المثل، ويمكن أن يكون استعارة. الحقيقة أنه في تفسير المسيح للأربعة أنواع من التربة يقوم بعمل تطبيق روحي على كل نقطة في القصة تقريباً.

    فالبذور هي الكتاب المقدس، والطيور هي الشيطان، والتربة المحجرة هي القلب الحجري. لكن كيف يمكننا أن نتأكد من ذلك؟ لأن يسوع نفسه قام بتفسير القصة بهذه الطريقة. ومع ذلك فإن السياق الذي يتبع يشير بوضوح إلى موضوع واحد: بأن خلاصة حياة الإنسان تعتمد على استجابته لكلمة الله. هناك الكثير من التفاصيل التي يتم تصميمها عن عمد لتدعيم تلك الرسالة المحورية.

    ورغم أن العديد من تفاصيل القصة لها أهمية روحية، إلا أن ذلك لا يعني أن جميعها له تلك الأهمية. فعندما نستخدم الاستعارة أو المثل بهذه الطريقة، فإننا نسيء استغلالها وتفسيرها. فعلى سبيل المثال، يقول أحد المفسرين عن مثل الزارع:

    هل تعلمون أن حوالي 25٪ فقط هم الذين سيحصلون عليها؟ لكن يحصلون عل ماذا؟ على السماء… لكن 25٪ من ماذا؟ من أولئك الذين يسمعون بشارة الإنجيل، الأخبار السارة بموت يسوع عن الخطاة، ودفنه، وقيامته من القبر. فقط 25٪ منهم سيذهبون للسماء. نعم، هذه هي الحقيقة، بحسب ما ورد في مثل الزارع وأنواع التربة. ارجعوا لكتبكم المقدسة وتأكدوا من هذا الأمر.[1]

    لكن لا توجد أية إشارة في المثل أو في تفسيره على أنه تم التنبؤ بنسبة الاستجابة، لكن فقط بأن هناك استجابات مختلفة يمكن توقعها. لذلك يجب أن يكون السياق هو المتحكم في المعنى، لأنه لا توجد تقريباً أية حدود للتفسيرات الخيالية، إذا تركنا الأمر لخيال المفسر الجامح.

    في حالة الاستعارة شديدة الوضوح، يكون من المناسب أن نستنتج العديد من التشابهات بين نقاط الاستعارة. فمثلاً، استعارة الراعي الصالح (يوحنا 10) مبنية بهدف أن يكون هناك العديد من نقاط المشابهة. فالراعي، والسارق، والأجير، والذئب – يمكن أن يتم تشخيصهم جميعاً والتعرف عليهم في الحياة المعاصر. والعلاقة الموصوفة بين الراعي والخراف يمكن تطبيقها بالكامل على استجابة كل من المؤمن وغير المؤمن لدعوة الله اليوم. وكل من التفاصيل تقريباً يكون له معنى. هذه هي الطريقة التي يتم بها فهم الاستعارة.

     

    المقارنة بين المقاطع المتشابهة والأخرى المتعارضة.

    هذا المبدأ الإرشادي العام سوف نقوم بدراسته فيما بعد، لكن المقارنة بين المقاطع المتشابهة والمتعارضة هو أمر مفيد أيضاً في دراسة الأمثال. بعض الأمثال تكون مشابهة لبعضها البعض بحيث يمكن مقارنتها معاً.

    يحوي لوقا 19: 11-23 مثل الإمناء: إنسان شريف، إذ يسافر إلى بلد بعيد، يعطي لكل من عبيده العشرة نفس كمية النقود، ثم يكافئهم بنسب مختلفة عند عودته، عندما يكتشف أن بعضهم قد ربح أكثر من الآخرين. كما أن متى 25: 14-30، من ناحية أخرى، يحكي عن مثل الوزنات الذي فيه يتسلم ثلاثة عبيد كميات مختلفة من المال. أما المكافآت بحسب سير المثل، فلا تختلف إلا بالنسبة للعبد الذي لم يكن أميناً، وكما حدث في المثل الأول، كان الحكم عليه قاسياً.

    نجد تعاليم أخرى خاصة بالعبيد والاستعداد لمجيء الرب في متى 24: 45-51، والتي فيها يتم التضاد بين العبيد الأمين المستعد وبين العبد الذي كان يظن أن سيده سيبطئ في مجيئه، فلم يكن أميناً. نفس هذا التعليم يتم تقديمه بتفاصيل أكثر في لوقا 12: 35-48، حيث الوكيل الأمين الذي استعد يتناقض مع العبد الذي لم يستعد وكان بالفعل غير أمين.

    وهكذا يظهر موضوع محوري في المقارنة بين الأمثال الأربعة، وهو: كن مستعداً. لكن كلاً من هذه الأمثال يعلم حقائق مختلفة أيضاً. فمثلاً، يعلم مثل الأمناء أن الشخص الذي له أمانة عظيمة سوف يُعطى مسؤولية أكبر. وهناك مكافآت مختلفة لدرجات الأمانة المتباينة. أما قصة الوزنات فتؤكد لنا أن المكافأة لا تعتمد على قدر النجاح وذلك بسبب قدراتنا المختلفة. وهناك مثل خامس عن العاملين في الكرم (متى 20: 1-16)، والذي يؤكد لنا أن الرب يكافئ بالحياة الأبدية كل من يأتون إليه، سواء أتو إليه مبكراً أو في أواخر حياتهم.

     

    المبدأ الأساسي لدراسة المقاطع الحرفية الواضحة

    يمكن أن يسهم المثل في فهم المبدأ الكتابي؛ ولكن المبدأ الكتابي يجب أن يبنى على مقاطع حرفية واضحة. وعندما يتم تفسير مثل ما، يمكن أن يتم استخدامه بصورة مشروعة كأي مقطع كتابي حرفي واضح في تأسيس المبدأ والتعليم الكتابي. لكن بصفة عامة، لا تعتبر اللغة المجازية هي أفضل عنصر لبناء المبدأ التعليمي.

    على سبيل المثال، سيكون من الخطأ أن نأخذ مثل الحنطة والزوان (متى 13: 24-30)، والذي فيه تلقى العبيد في الحقل تعليمات بأن يدعوا الحنطة تنمو مع الزوان حتى الحصاد، ونستنتج منه أن التأديب الكنسي خاطئ. وهذا لأن مبدأ التأديب الكنسي لا بد أن يبنى على تعاليم أخرى من الكتاب المقدس. لكن الأمر الصحيح هو أن المسيح فسر هذا المثل وأوضح أنه في يوم الدينونة سيكون هناك فصل عظيم بين الأبرار (الحنطة) وفاعلي الإثم (الزوان)، الأعداد 40-43.

    كما أن المسيح في تفسيره للمثل أوضح كذلك أن الحقل هو العالم (ع 38)، وليس الكنيسة. على أية حال، لا المثل نفسه ولا تفسيره، يقدم أي تعليم مباشر عن الموضوع من الذي يجب أن يعتمد، أو ما إذا كان يجب أن يكون هناك تأديب لمن يخطئون في الكنيسة.

    إنه لخطأ فاحش أن نستخدم المثل، كما يفعل الكثيرون، لكي نعلم أن كل من يرغب في المعمودية يجب أن يعمد دون تمييز، وأنه يجب ألا تبذل أية محاولة لتقييم من يتقدمون لعضوية الكنيسة، أو لتأديب من يخطئون في الكنيسة، مهما كانت خطاياهم خطيرة. لكن المسيح علم بدلاً من ذلك أن هناك أناس صالحون وأناس أشرار في العالم، وأنه في يوم الدينونة الأخيرة سوف يتم تصفية كل الحسابات.

     

    دراسة حالة

    دعونا نأخذ المثل الموجود في لوقا 11: 5-13، ونطبق عليه الإرشادات الستة التي درسناها:

    “ثم قال لهم من منكم يكون له صديق ويمضي إليه نصف الليل ويقول له يا صديقي أقرضني ثلاثة أرغفة لأن صديقاً لي جاءني من سفر وليس لي ما أقدم له فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني البال مغلق الآن وأولادي معي في الفراش لا أقدر أن أقوم وأعطيك. أقول لكن وإن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج” (لوقا 11: 5-8).

     

    البدء بالسياق المباشر

    كان المسيح قد علم التلاميذ للتو نموذجاً للصلاة رداً على طلبهم. والأكثر من ذلك، في الآيات التي تلي المثل مباشرة، قدم يسوع تفسيراً لمعناه: “وأنا أقول لكم أسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم. لأن كل من يسأل يأخذ. ومن يطلب يجد. ومن يقرع يفتح له” (لو 11: 9-10).

    في حالة هذا المثل، توجد فرصة لرواية القصة وشرح معناها.

     

    التعرف على الهدف المحوري

    إن فحص القصة بجانب التفسير، يكشف عن أنها رويت لكي تعلم أن الله يستجيب الصلاة، خاصة الصلاة التي تكون بلجاجة. فالشخص الذي يستمر ويثابر على الطلب هو الشخص الذي سيأخذ، والشخص الذي يستمر في السعي هو الذي سيجد. (لاحظ أن زمن الفعل له أهمية في فهم هذا المقطع المحدد: “Keep on asking” أي في الزمن المستمر، وهذا هو زمن الفعل في اليونانية، وليس الزمن البسيط الذي فيه يتم الطلب مرة واحدة فقط.)

     

    تحديد التفاصيل غير ذات الصلة بالموضوع

    رغم أن الصديق لم يستجب في البداية، بسبب أمور شخصية أنانية، إلا أن هذا لا يكشف عن شيء يتعلق بالله أو باستجابته لنا. وتوجد تفاصيل أخرى أيضاً غير ذات صلة بالموضوع، مثل حقيقة أن هذا الطلب قد تم في منتصف الليل، وأن الصديق طلب ثلاثة أرغفة وليس أربعة؛ وأن هذا الخبز كان لأجل شخص آخر غيره. هناك الكثير مما يقال عن هذه النقاط، ولكنها ببساطة تم إدراجها كجزء من القصة لاستكمال حبكتها.

    تحديد التفاصيل ذات الصلة بالموضوع

    من ناحية أخرى، توجد حقائق أساسية. فاستمرار الجار في الطلب هو في الحقيقة جوهر القصة. فلن يفيد أن نطلب من الله ببساطة أمراً ما مرة واحدة فقط، ونترك الأمر بعد ذلك، أو أن نعلم أننا يجب ألا نكرر الطلبة أمام الله. إن تفسير المثل يوضح أننا يجب أن نلح ونستمر في طلب الله لتسديد احتياجاتنا.

     

    مقارنة المثل مع المقاطع المشابهة والأخرى المناقضة

    يوجد مقطعان يمكن مقارنتهما بهذا المثل، سواء من ناحية التشابه او الاختلاف. فحيث أن خلفية هذا المثل هو طلب التلاميذ من المسيح أن يعلمهم الصلاة، ورده عليهم كان بنموذج للصلاة (11: 1-4)، فمن الطبيعي جداً أن نقارن هذا المقطع بمتى 6: 7-15، الذي يقدم الصيغة الأكثر شيوعاً للصلاة الربانية. ففي متى، علمهم يسوع أن يصلوا هكذا، بدلاً من تكرار الكلام باطلاً. وهكذا بمقارنة المقطعين معاً، نركز على حقائق يكمل بعضها البعض.

    فالصلاة بإلحاح ومثابرة ليس معناها التكرار الباطل لنفس الطلبة. ومن ناحية أخرى، رغم أن التكرار الباطل محظور، فهذا لا يعني أن الشخص يجب ألا يصلي بلجاجة. وهكذا يقوم المقطعان بتفسير أحدهما الآخر.

    بعد تفسير المسيح لمثل الثلاثة أرغفة، قدم أيضاً شرحاً آخر للمثل:

    “فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزاً أفيعطيه حجراً. أو سمكة أفيعطيه حية بدل السمكة. أو إذا سأله بيضة أفيعطيه عقرباً. فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه” (لو 11: 11-13).

    نجد هنا حقيقة إضافية تقدم لنا بخصوص الصلاة. فمثلاً لو أن القارئ قد استنتج من قصة الأرغفة الثلاثة أن الله يسمع بامتعاض لصلوات أبنائه، فإن هذا التعليم الإضافي سوف يضع حداً بسرعة لسوء التفسير هذا. والأمر المهم هو أن الشيء الوحيد الذي نحتاجه أكثر من أي شيء آخر يتم تعريفه ليس هو خبز الجسد، بل هو شخص الله الروح القدس نفسه، وهذا هو أكثر ما يبعث على الاطمئنان.

     

    بناء المبدأ على مقاطع واضحة

    بالنظر إلى السياق ومقارنته بالمقاطع الأخرى، نجد أن التعليم الذي يقدمه هذا المثل له مكانته في المبدأ التعليمي العام للصلاة. ففيه يتم تعليم العديد من العناصر المفتاحية للتعليم الخاص بالصلاة. وكما رأينا، سيكون من الخطأ أن نبني تعليماً عن الصلاة على قصة الأرغفة الثلاثة. ولكن الحقيقة المركزية في المثل هي عنصر مشروع يمكن إدراجه مع غيره من التعاليم الكتابية في بناء التعليم الكتابي عن الصلاة، وهي، استمر في الصلاة وسوف يستجيب الله.

     

    ملخص

    كانت الأمثال دائماً مصدراً لبركات لا توصف في تنوير شعب الله بالحقائق الروحية. وفي نفس الوقت، كانت الأمثال أيضاً مصدراً لارتباك لا يوصف في كل من العقيدة والممارسة والتطبيق في الكنيسة. ويجب ألا يدهشنا هذا الأمر، حيث أن المسيح نفسه أخبرنا أن الأمثال ستقوم بكل من التنوير والإرباك لسامعيها. لذلك فإن المطلب الأول لفهم معنى الأمثال، هو بالطبع أن يكون الشخص منتمياً ليسوع المسيح وملكاً له، وأن تكون لديه استنارة الروح القدس في ذهنه المتجدد.

    ومع ذلك، فإن هذا بمفرده لن يضمن الفهم الواضح والتفسير الدقيق للأمثال، كما يشهد بذلك تاريخ التفسير. لذلك فإن المبادئ الإرشادية البسيطة التي حددناها هنا ستفيد الدارس الجاد للكتاب المقدس في استخدام الأمثال بطريقة سليمة وفعالة.

     

    مراجع مختارة لمزيد من الدراسة

    – بلومبرج، كريج إل. Interpreting the Parables. Downers Grove, III. InterVarsity، 1989.

    – كابون، روبرت فارار. The Parables of Grace, Grand Rapids: Eerdmans,،  1988.

    – _______ The Parables of the Kingdom. Grand Rapids: Eerdmans. 1985.

    – _______ The Parables of Judgment. Grand Rapids: Eerdmans 1986.

    – جيريمياز، جوشيم. The Parables of Jusus، طبعة ثانية. London: SCM، 1963.

    – كيسترماكر، سيمون. The Parables of Jesus. Grand Rapids: Baker، 1980.

    كيسنجر، وارين إس. The Parables of Jesus: Metuchen, N. J.: A History of Interpretation and Bibliography, Scarecrow، 1979.

    – لوكير، هيربرت. All the Parables of the Bible. Grand Rapids: Zondrvan، 1963.

    – ماكويلكين، روبرت سي. Studying Our Lord’s Parables. طبعة ثانية 1935. Grand Rapids: Zondervan، 1980.

    – بنتيكوست، جي داويت. The Parables of Jesus. Grand Rapids: Zondervan، 1982.

    – ترينش، ريتشارد سي. Notes on the Parables of Our Lord. 1861 طبعة ثانية. Grand Rapids: Baker، 1979.

    – وينهام، ديفيد. The Parables of Jesus. Downers Grove, InterVarsity، 1989.

    [1] أرني ميفز، Only 25% Will Make It, Come, نوفمبر – ديسمبر 1975، صفحة 5.

    انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان

    مختصر تاريخ ظهور النور المقدس

    هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

    الأمثال – ما هو وما هي أنواعه وكيفية فهمه ؟ – بحث مفصل

  • مثَل حقل الكرْم وبنوة المسيح الإلهية الفريدة!

    مثَل حقل الكرْم وبنوة المسيح الإلهية الفريدة!

    من الأسباب التي دعت إلى قتل يسوع ,حسب ما يقول عالم العهد الجديد كريج ايفانز إن

    “السبب الثالث أن يسوع قد قوبل بالمعارضة هو قوله لمثل “حقل الكرم” (مر 1:12-12). فهو قد روى هذا المثل كإجابة غير مباشرة للسؤال الذي وُضِع أمامه بواسطة الكهنة المسيطرين وأتباعهم, والذين طلبوا منه أن يعرفوا بأي سلطان قد فعل يسوع ما فعل في المنطقة المحيطة بالمعبد(الهيكل).(مر27:11-33). وهذا سيء بشكل كافٍ أن يسوع قد بنى مثَلَه هذا على مثَل اشعياء لحقل الكرم , والذي فيه تم تحذير إسرائيل بقرب حدوث الدينونة بسبب فشلهم في تطبيق العدالة.(اشعياء 1:5-7). وما جعل مثل يسوع مزعجاً على وجه التحديد للكهنه ذوي النفوذ أن مثَل اشعياء أصبح يُفهم على أنه موجّه بشكل أوليّ  ضد تأسيس المعبد (الهيكل). نستطيع أن نرى هذا المنظور في إعادة صياغة نص اشعياء بالآرامية , في التفاسير الرابانية اللاحقة , وأيضاً في لفافة من قمران (4Q500) والتي تؤرخ إلى القرن الأول ق.م. النقطة التي يشير إليها يسوع من الصعوبة أن تفوَّت , بسبب تمردهم على الله , وخصوصاً كما يُرى من تآمرهم لقتل ابنه , فالكهنة المسيطرين قد واجهوا الحكم.فهذا التهديد ,معاً والتهديد المُتضمن قبل قليل عندما استخدم يسوع ارميا 7 , قد حثّ الكهنة ذوي النفوذ ليسعوا وراء حياة يسوع.”[1]

    والآن كيف يشير هذا المثل إلى فهم يسوع كونه ابن الله ؟

    يجيبنا وليم لين كريج :” في هذا المَثَل , مالِك الحقل (الكرْم) يرسل عبيده للمُستأجرين في حقل الكرم ليجمعوا ثماره..فالحقل يرمز إلى إسرائيل (اشعياء 1:5-7), والمالك هو الله , والمستأجرين هم قادة اليهود , والعبيد هم الأنبياء المُرسلين من الله , يقوم المستأجرين بضرب ورفض عبيد المالِك . وأخيراً, يصمم المالِك بأن هناك واحد فقط بقي ليقوم بإرساله :ابنه الوحيد المحبوب !, “إنهم يهابون ابني” قد قال . ولكن بدلاً من ذلك , فإن المُستأجرين يقتلون الابن لأنه وارث الحقل!”[2]

    وحتى لا يخْرُجَ علينا أيٌ من مدعين العلم , فإن هذا القول قد قبله أكثر علماء العهد الجديد تشكيكاً كمدرسة يسوع الليبرالية المُتطرفة! لوجود هذا المثَل في نص “إنجيل توما” ” أحد مصادرهم المُفضلة”[3] على حد قول وليم كريج وبالتالي له برهان مُتعدد , وكما قُلنا سابقاً فإن هذا النص له إعادة صياغة في الترجومات الآرامية لأشعياء 5 , لذلك كما يقول كريج ايفانز فإن هذا القول:”أنه تم تأصيله ليسوع , وليس مع الكنيسة الأولى”[4] على حسب معيار التباين.

    فحتى لو افترض أحدهم أن شخص “الابن” هو إضافة لاحقة على النص , فلن يكون للنص أي فائدة منه ويخسر هدفه!!

    فهذا المَثل يُخبرنا أن يسوع اعتقد في نفسه ابن الله الوحيد , ومميزاً عن جميع الأنبياء , والمُرسل الأخير من قِبل الله , بل ووارث إسرائيل نفسها!

    ولذلك يعلّق الأب متى المسكين على هذا النص في شرحه لإنجيل مُرقس: “لكن لو تأمل القارئ يجد أن هذا المثل إذ يشير إلى إرسال الأنبياء بوضوح ثم إرسال الابن الوحيد المحبوب , فإنما يوضّح أنه الله الآب , وكما أرسل الأنبياء أرسل ابنه . وهنا ردّ غير مُباشر إنما قوي على سؤال السنهدريم عن “بأي سلطان تفعل هذا” فهذا يوضّح  المسيح أنه مُرسل من الآب كابن وحيد ومحبوب لديه لمهمته العظمى في كرم الآب الذي هو بحسب اشعياء :”والكرم هو بيت اسرائيل ” فسلطانه هو من الآب ,الله أبيه.”

     

    [1] Craig A. Evans, N.T Wright,(2009) Jesus The Final Days What Really Happened, Westminster John Knox Press,pp.7-8

    [2] William Lane Craig,(2008)Third ed., Reasonable Faith, Crossway Books Wheaton, Illinois,pp.310-11

    [3] Ibid,p.311

    [4] Craig A. Evans, Fabricating Jesus (Downers Grove, Ill.: InterVarsity, 2006), 132–35.

  • شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور

    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور

    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور

    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور
    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور

    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور

    يقول المعترض الذي لم يقرء الكتاب المقدس من الاصل هذة الشبهة السازجة

    اقتباس:

    هل تعلم ان الكتاب المقدس يقول ان النسور لها شعر؟؟
    (الفانديك)(دانيال)(Dn-4-33)(في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذناصّر فطرد منبين الناس واكل العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى طال شعره مثل النسورواظفاره مثل الطيور)

    نرد ونقول له ونعطيه نصيحة ان يقرء الكتاب المقدس كلمة الله الحية والفعالة فهو الكتاب الوحيد بين كتب الامم الوثنين

    فالآيات تتكلم عن نبوخذ نصر الذي رفض ان يتوب على الرغم من اعطاء الله سنة ليتوب ويصور لنا شكل الانسان الخاطئ البعيد عن الله والمصر على ذلك وما فعلة به الخطية وقد أصيب الملك بحالة جنون أفقدته وعيه كإنسان، صار كحيوان البرية يأكل العشب. ربما أُصيب بمرض الاستئذاب، وهو مرض فيه يتوهم من يعاني منه أنه مُسخ ذئبًا

    لكن نرجع لشبهة الكتاب يقول طال شعرة مثل النسور

    نعلم ان الشعر في الانسان كالريش في الطائر

    فالريش هو كسوة الطائر وزينته، وهو له بمنزلة الشعر

    وهذا اصلا ما قال به الاسلام ان الريش كالشعر

    المغني كتاب الطهارة (3 من 391)

    الريش كالشعر فيما ذكرنا لأنه في معناه

     

    http://www.al-eman.com/feqh/viewchp.asp?BID=308&CID=3

     

    ونلاحظ ان الكتاب المقدس لم يقل اطال شعرة مثل شعر النسر

    بل قال مثل النسر ولم يذكر ان للنسر شعر ولا اعلم من اين اتي المعترض ان النسر له شعر هل يتوهم؟!

    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور
    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور

    الكتاب يقصد

    فحتى شَعرِه نُمِى طال مثل ريشِ النسورِ بالإهمالِ والسهو الطويلِ

    فريش النسر عندما يطيل يسمر ويكون حاد وسميك فشعرة نتيجة لإهماله وسهوة سيكون مثل هذا الريش

    فذكر الكتاب ان شعر نبوخذ نصر طال هل تريدون ان يقول الكتاب ان ريش نبوخذ نصر طال مثل النسر هو نبوخذ نصر له ريش ؟!ام ان جهلكم عماكم فالكتاب قال طال شعر نبوخذ نصر مثل النسر لأني نبوخذ نصر انسان له شعر ولم يذكر الكتاب ان النسر له شعر بل قال مثل النسر اي مثل ريش النسر كما وضحنا ان الريش كالشعر

    والطيور تتميز بطول اظافرها

     

    لكني اقول بيت الشعر للشبهة الساذجة

    وإذا بُليتُ بجاهلٍ متحاملٍ ******* يجدُ المُحَالَ من الُأمُورِ صَوَاباَ أوْلَيْتُهُ مِنِّي السكُوتَ وَرُبّمَا ***** كانَ السُّكُوتُ عَلَىه جواب لكن نحن نرد لنوضح مدي هذه العقليات التي كأنها وجدة خطا

     

    فريش النسور الاسود يتميز بانة قوي وسميك وانه يتجدد

    مثلما قالت الآية

     

    يجدد مثل النسر شبابك

     

    لان ريش النسر يتجدد باستمرار

    وكان القدماء يعتقدون ان لريش النسر قوة عجيبة، فقد ذكر بليني (الذي كان في العاشرة من عمره وقت صلب المسيح) أنه إذا وضع ريش النسر في صندوق مع ريش غيره من الطيور، فإن ريش النسر يبتلع ويلتهم سائر الريش فهذا الطفل اعتقد هذا لأنه راي قوة الريش وسمكة بالمقارنة مع ريش الطيور.

    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور
    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور

    تفسير القمص انطونيوس فكري (28-33)

    “كل هذا جاء على نبوخذناصّر الملك. عند نهاية اثني عشر شهراً كان يتمشى على قصر مملكة بابل. وأجاب الملك فقال أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي. والكلمة بعد بفم الملك وقع صوت من السماء قائلا لك يقولون يا نبوخذناصّر الملك أن الملك قد زال عنك. ويطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس وانه يعطيها من يشاء. في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذناصّر فطرد من بين الناس وأكل العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى طال شعره مثل النسور وأظفاره مثل الطيور.”

     

    الله أعطاه الإنذار ودانيال أعطاه النصيحة. ثم أمهله الله سنة لعله يتوب ولكنه مثل كثيرين يميلون أن ينسبوا العظمة لهم وليس لله. وصدر الحكم من السماء فحين تصوَّر أنه ليست قوة قادرة أن تأخذ منه شيء حُرَم حتى من كرامته كإنسان، وفقد عقله وأصيب بمرض يسمى ليكانثروبى وهو يجعل الإنسان يتصور نفسه حيواناً ويقال مرض الإستذئاب (يتصور المريض نفسه ذئباً) ويفضل المريض أن يسكن مع الحيوانات. حقا فالله يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة. وغالباً فلقد ملك إبن نبوخذ نصر وهو أويل مردوخ مكانه في فترة جنونه هذه.

    تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

    “في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذنصَّر، فطُرِدَ من بين الناس وأكل العشب كالثيران، وابتل جسمهُ بندى السماء، حتى طال شعرهُ مثل النسور وأظافرهُ مثل الطيور.

    وعند انتهاء الأيام أنا نبوخذنصَّر رفعت عينيّ إلى السماء، فرجع إليّ عقلي، وباركت العليّ وسبحتُ وحمدتُ الحيّ إلى الأبد، الذي سُلطانه سُلطان أبدي وملكوته إلى دور فدورٍ” [33-34].

    في كبريائه نسب لنفسه بابل بأسوارها وحدائقها العامة ومعبدها للإله بعل والقصر الملكي. ينسب هيرودت بابل إلى سميراميس Semiramis ونيتوقريس Nitocris، بينما يذكر بيروسوس Berosus وأبيدنس Abydenus أن البابليين، أي نبوخذنصَّر، أضافوا إلى المدينة القديمة الكثير فبنى نبوخذنصَّر قصرًا فخمًا وأسوار المدينة. يُستشف من نيتوقريس أن زوجة نبوخذنصَّر قامت بتجميل المدينة.

    هاجم النُقاد هذا النص [30]، بالقول بأنه تاريخيًا لم يبنِ نبوخذنصَّر بابل، لكن في الاكتشافات الحديثة وُجدت آلاف من الطوب في بابل نُقش عليها من أسفل “نبوخذنصَّر بن نبوبلاسر”. هذا وأن كلمة “بناء” هنا لا تعني مجرد التأسيس، إنما تستخدم أيضًا في التوسيع والإضافة [115]. ولا ننسى أن كثيرًا من الملوك اعتادوا أن يدفنوا أمجاد السابقين، وينسبوا كل شيء إلى أنفسهم، بمجرد تغيير شكل الشيء أو الإضافة إليه.

    * لو لم يرفع عينيه نحو السماء لما استعاد عقله السابق.

    علاوة على هذا بقوله: “رجع إليه عقله” أظهر أنه لم يفقد مظهره الخارجي بل عقله فقط [116].

    القديس جيروم

    بقوله “دور فدور” لا يعني فقط الأجيال المقبلة وإنما كما يقول القديس جيروم أنه إذ عاد إليه عقله أدرك سرّ ملكوت الله الذي يعبر من الناموس إلى الإنجيل [117].

    “حُسبت جميع سكان الأرض كلا شيء،

    وهو يفعل كما يشاء في جند السماء ولا يوجد من يمنع يدهُ أو يقول له ماذا تفعل” [35].

    كثيرًا ما يحسب الطغاة أن الله حبيس السماء، لا دور له في شئون البشر؛ وهم يفعلون ما يشاءون كآلهة وليس من يُقاومهم. الآن يرى الملك أن إله السماء يُحرك البشر، ويقود ويُدبر كما يشاء، والأرض في قبضة يده كما السماء تمامًا!

    في ذلك الوقت رجع إليّ عقلي،

    وعاد إليّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي،

    وطَلَبني مُشيري وعُظمائي،

    وتثبت على مملكتي، وازدادت ليّ عظمة كثيرة [36].

    لم يتب نبوخذنصَّر بالرغم من أن الله قد تركه اثني عشر شهرًا، أي عامًا كاملاً بعد الحلم. إنما على العكس ضُرب الملك بالعجرفة فتحقق فيه الحلم.

    لم يتحقق الحلم إلاَّ بعد سنة، مقدمًا الله للملك فرصة طويلة لمراجعة نفسه والتوبة، فيترفق بالأسرى ويهتم بالمحتاجين، لكن كبرياءه كان يتفاقم بالأكثر.

    أصيب الملك بحالة جنون أفقدته وعيه كإنسان، صار كحيوان البرية يأكل العشب. ربما أُصيب بمرض الاستئذاب، وهو مرض فيه يتوهم من يعاني منه أنه مُسخ ذئبًا[118].

    * بعد أن نُزع عن ذلك الملك البابلي الشكل البشري في سنيه السبع البائسة وصار مُهملاً بسبب عصيانه للرب، فإنه إذ احتمل الألم الجسدي لم يسترد مملكته فحسب، وإنما ما هو بالأكثر حقق مسرة الله [119]…

    العلامة ترتليان

    الله الذي حرك نبوخذنصَّر لتأديب شعبه إلى حين بسبيّهم، الآن يُعلن له أن كل الأمور تسير بسماح منه. لقد سمح أن يطرده رجاله من الحكم ويُقيدوه بسبب جنونه، الآن يُحركهم ليردوه إلى المُلك دون أن يُدركوا يدّ الله الخفية.

     

    إغريغوريوس

     

    شعر النسور؟ حتى طال شعره مثل النسور واظفاره مثل الطيور