Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل أخطأ القديس لوقا تاريخيًّا بشأن الإكتتاب أيام المسيح يسوع والوالي كيرنيوس ؟

هل أخطأ القديس لوقا تاريخيًّا بشأن الإكتتاب أيام المسيح يسوع والوالي كيرنيوس ؟

هل أخطأ القديس لوقا تاريخيًّا بشأن الإكتتاب أيام المسيح يسوع و كيرنيوس؟

نقرا في الأصحاح الثاني لإنجيل لوقا:

Luk 2:1 وفي تلك الأيام، أصدر القيصر أغسطس مرسوما بإحصاء كل سكان الإمبراطورية.

Luk 2:2 كان هذا هو أول إحصاء، وقد تم لما كان كيرنيوس حاكما على سوريا.

Luk 2:3 فذهب كل واحد إلى بلدته ليسجل هناك.

عرض المشكلة

هذه الرواية تتضمن مشكلة تاريخية لدى البعض، وتتلخص أن كيرنيوس، الذي يقول عنه القديس لوقا أنه كان حاكمًا على سوريا، لم يكن واليا على سوريا في زمن هيرودس الكبير، فحسب رواية القديس متى لميلاد المسيح فإن يسوع قد وُلدَ في زمن هيرودس، كما ان التاريخ الروماني لا يَذكر أي شيء عن إكتتاب قد وقع في فترة هيرودس الكبير! فكيف يخبرنا القديس لوقا أن يسوع خضع للإكتتاب المذكور في عهد كيرنيوس الذي يجعله القديس متى أنه تم في عصر هيرودس؟!

بل وأيضًا، يذكر ترتليان أن Saturninus كان واليًا على سوريا في الفترة من بين 9 إلى عام 6 قبل الميلاد[1]، وتولى Quintilius Varus بعده من عام 7 الى عام 4 قبل الميلاد، ويلاحَظ وجود تداخل في عام كامل بين حكمهم على سوريا، وعليه، فكيرنيوس لم يكن واليًا مطلقًا في أي وقت على سوريا حتَّى عام 4 قبل الميلاد أي، عام وفاة هيرودس.

عرض الحل

توجد حلول كثيرة قُدِّمت من المدافعين، إحدى هذه الحلول أن ترجمة الكلمة اليونانية πρώτη يجب أن تكون “قبل” وليس “الأول”، أي يجب أن تكون “الإكتتاب الذي تم قبل ولاية كيرنيوس” بدلا من “الإكتتاب الأول في ولاية كيرنيوس”، فتترجم الكلمة πρώτη إلى “قبل” بدلا من “الأول” وهذا الحل دافع عنه الكثيرون.

على سبيل المثال قال لاجرانج Lagrange إنه لا يوجد مانع بات يتعلق بترتيب الكلمة أو من استخدام المضاف اليه، يحول دون ترجمتها “هذا الاكتتاب وقع قبل أن يصير كيرنيوس واليا لسوريا”[2]

وعلق جون نولاند John Nolland على الحل اللغوي بأنه الآن أصبح من الممكن ترجمة لوقا 2:2 بشكل لا يدعنا في احتياج لأن نبحث عن حكم مبكر لكيرنيوس من الأساس. [3] فهذه الترجمة تقول إن هذا الإكتتاب الاول وقع قبل ولاية كيرنيوس وليس في ولايته وبالتالي لسنا في حاجة لإثبات أن كيرنيوس كان واليًا على سوريا في تلك الفترة لأنه قال “قبل” وليس “أثناء فترة ولايته”.

الا أننا لن نكتفي بهذا الحل اللغوي فقط، رغم انه معقول جدًا، لكن لكي نحسم القضية تمامًا سنبحث في أمور أُخر، ونرى أن إتِّباع التاريخ المتاح لنا، يحل القضية برُمّتها دون الحاجة لإعادة ترجمة النص من الأساس، ومن هنا فيعضد الحل الأول الثاني، والثاني الأول.

إن سِفرا القديس لوقا، أي إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل، كانا في بداية الأمر عبارة عن سفرًا واحدًا، فكان كلا السفرين -المقسمين الآن إلى سفرين- في هما الأصل كتاب واحد، وكاتبهما لوقا، فيقول آدم ميلر Adam W. Miller أن فصل لوقا والاعمال وتمييزهما بأسماء مختلفة جاء نتيجة أن الأناجيل الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا) صرن يتنقلوا معًا في كتاب واحد، لأن السفر الذي نعرفه الآن بإسم “إنجيل لوقا” يتوافق في الشكل والمحتوى مع الأناجيل الثلاثة الأخرى (مرقس ومتى ويوحنا)، فلهذا أصبح مميزًا بنفس الإسم كمثل تلك الاناجيل، بإضافة كلمة “إنجيل”، ولهذا عندما إنتشر هذا الكتاب الذي يحوي الأناجيل الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا)، فقد تم فصل ما نعرفه الآن باسم “سفر أعمال الرسل” عن هذا الكتاب المدمج معه، ألا وهو “إنجيل لوقا”، ونتج عن هذا أن في العهد الجديد اليوم نجد إنجيل يوحنا “إنجيل لوقا” وبين “أعمال الرسل”.[4]

لكن، ما فائدة هذه المعلومة في بحثنا؟

إذا فتحنا سفر أعمال الرسل (5: 37) فسوف نجده يتكلم عن “الإكتتاب”.

Act 5:37 بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب وأزاغ وراءه شعبا غفيرا. فذاك أيضا هلك وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا.

وعلى الأرجح سيكون هذا الإكتتاب المذكور هنا هو الإكتتاب الذي تم في عامي 6-7 قبل الميلاد، الذي ذكره المؤرخ اليهودي يوسيفوس[5]، لكن القديس لوقا في إنجيله ذكر “الاكتتاب الأول” لكي يميزهُ عن الإكتتاب “الثاني” الذي تحدث عنه لاحقا في سفر الأعمال (5: 37) كما قال جون نولاند.[6] وهذا ما نبَّه إليه Gleason L. Archer أنه يجب ملاحظة أن لوقا ذكر هنا “الأول” للدلالة على الإكتتاب الذي حدث تحت حكم كيرنيوس. فكلمة “الأول” تعني ان هناك “ثاني”، فلوقا كان مدركًا للإكتتاب الثاني الذي حدث بواسطة كيرنيوس في سنة 7 وأشار اليه يوسفيوس. ونحن نعرف هذا لان لوقا اشار اليه في سفر الاعمال 37:5[7].

فهنا لدينا معلومة أن سفرا لوقا (الأعمال والإنجيل) كانا في الأصل كاتبًا واحدًا، ذكر فيه القديس لوقا الإكتتابين، ذلك الذي حدث في عهد كيرنيوس والآخر الذي كان في عهد يهوذا الجليلي، وميَّزَ بينهما بكلمة “الأول”. ومن هنا يظهر تساؤل:

إذن، كيف يصف القديس لوقا الإكتتاب الأول بأنه حدث في عهد هيرودس الكبير، بينما لم يكن كيرنيوس واليا في هذه الفترة التي حدث فيها الإكتتاب؟!

ومن هنا ننتقل إلى المشكلة الثانية.

المشكلة الثانية

إذا رجعنا للنص اليوناني الذي كتب به القديس لوقا سفراه (الإنجيل والأعمال) سنجده قد وصف كيرنيوس بلفظ ἡγεμονεύοντος وهذا لم يكن الوصف الرسمي للحاكم الروماني آنذاك فقد كان يوصف بانه legatus فالكلمة التي إستعملها القديس لوقا تعني ببساطة “القائم بأمور” أو “القائم على” أو “القائم بشؤون” ولا تعني “الوالي الفعلي الرسمي” لسوريا، فهي تغني أنه مجرد نائب.[8]

ماذا قال التاريخ الروماني عن كيرنيوس ونشاطه في هذه المنطقة قبل توليه منصبه الرسمي كحاكم على سوريا؟

يقول التاريخ أن كيرنيوس كان منشغلاً بالمشاكل الحدودية مع مرتفعات بيسيديّا، فكان لديه قوات عسكرية كبيرة في الشرق، حتى استدعت هذه المشاكل أن يظل قرابة عشر سنوات، من سنة 12 إلى سنة 2 قبل الميلاد في زمن حكم هيرودس. فمحتملا ان يكون القيصر امر كيرنيوس الذي كان يقوم بمهام عسكرية لحفظ الامن في تلك المنطقة ان يقوم باكتتاب في هذه الفترة الذي قام فيها بمهام عسكرية كوكيل للقيصر في هذه الفترة الموافقة لحكم هيرودس الكبير، فلا يتعارض هذا مع الكلمة التي إستخدمها القديس لوقا في وصفه لكيرنيوس ولا مع الحقائق التاريخية المعروفة عن نفوذه في هذه المنطقة لهذه الفترة من الزمن. [9]

هل هناك إثبات تاريخي بقدرة كيرنيوس للقيام بهذا الإكتتاب؟

من كتاب Chronos, Kairos, Christos: Nativity and Chronological Studies Presented to Jack Finegan لـJerry Vardaman عرض نص نقش مكتوب عليه أن quintus Aemilius secundus بامرا من كيرنيوس صُنع اكتتابا لـ Apamea التي كان بها 117 لألف مواطن، ويكمل Jerry Vardaman ان هذا لهو إثبات واضح أن في حُكم أغسطس قد حدثت إكتتابات محلية عِدة في العالم الروماني.

ويعلق Gerard Gertoux في كتابه Herod the Great and Jesus: Chronological, Historical and Archaeological Evidence صفحة 25 على هذا النقش ويقول إن الاحصاء المذكور في هذا النقش والذى تم بأمر من كيرنيوس ليس هو المشار اليه الذى تم في عهد ارخيلاوس عام 6 ميلاديه والذي كان مخصوص باليهودية فقط وليس سوريا.

مناقشة النقش الثاني Titulus tiburtinus

توصلنا من خلال النقش الأول أن نشاط كيرنيوس في المنطقة اعطى له القدرة على الأمر المباشر لعمل اكتتابات كمثل الإكتتاب الذي أمر بصنعه في Apamea. يجب أن نشير إلى ما ذكره Gerard Gertoux في كتابه، أن تجديد فترات سُلطة المندوبين على بعض المقاطعات في حكم أغسطس لم يكن بالشيء النادر، بل أن هناك 7 حالات سجلت لحكام مقاطعات تم تجديد فترة الحكم لهم مرة أخرى في نفس المقاطعة.

بالنسبة للنص المذكور في نقش titulus tiburtinus فإن إسم كيرنيوس لم يُذكر صراحةً في النقش ولكنه هو الشخصية التي تتوافق مع كل المعطيات الموجودة فيه:

النقش استخدم الكلمة اللاتينية iterum ومعناها تجديد حكم شخص معين على نفس المكان، هذة المعلومة مهمة جدا لان هناك من إفترض أن saturnius ربما يكون هو المقصود به الشخص المذكور في النقش انه حكم سوريا مرتين ولكن بدراسة بسيطة سنعرف انه يستحيل أن يكون هو. لان حينما يجدد لشخص حكمه ولكن في مان مختلف يستخدم التعبير leg.divi.aug . على سبيل المثال Q.varus حكم مرتين واستخدمت العبارة السابقة للإشارة لهذا مع اضافة رقم 2 باللاتينية هذا يستعبد تماما saturnius بكونه الشخص المقصود هنا لان بافتراض انه حكم سوريا مرة ثانية من الفترة من 4 قبل الميلاد الى 1 قبل الميلاد وعليه فسيكون هذا بعد فترة حكمه كمندوب سامي لأسيا في حين أن النقش لا يقول هذا كما انه ليس هو لذى حارب الملك maraboduus .

ويوجد شيء اخر يستعبد تماما saturnius أن كونه الشخص المذكور ان النقش ذكرdivine augustus وهذا التأليه لأغسطس بعد وفاته أي بعد سنة 14 ميلاديًا والشخص المذكور في النقش مات بعد هذا التاريخ في حين ان كل منsaturnius وvarus ماتا قبل هذا التاريخ.

وعلى الرغم من أن كل المعطيات الموجودة في النقش لا تتناسب سوى مع حياة كيرنيوس فأن بعض المؤرخين حاولوا أن يربطوا النقش بأسماء اخرى مثل Lucius ولكن كل المعطيات تشير أن كيرنيوس هو اسم الشخص المشار اليه في النقش وعززت بواسطة الدراسات الحديثة وقالها مبكرا .Mommsen

استبعاد piso pontifex من كونه الشخص المشار

 

فالخلاصة أن الشخصية الوحيدة التى تتناسب مع كل المعطيات الأثرية والتاريخية التى ذكرها النقش بأنه حكم سوريا مرتين هو كيرنيوس، فلا يوجد اى استحالة عملية ان يكون كيرنيوس كان حاكما على سوريا وقت هيرودس الكبير كما أثبتنا انه بسبب مركز كيرنيوس يمكنه القيام بمثل هذه الاكتتابات باوامر من القيصر.

نختم هذا البحث المصغر بكلام جون نولاند:

فى الحقيقة لا يوجد سبب مقنع لإنكار إحتمالية أن التعداد المذكور هو لهذه السياسة العامة للمرسوم لكل تعداد محلى خاص.

Indeed there is no good reason for denying the possibility that reference to such a general policy formed part of the edict for each particular provincial registration (cf. Sherwin-White, Roman Society, 168).[10]

فالسياسة العامة تتبع اغسطس ولكن المرسوم الفعلي لبدأ التعداد تخضع لكل منطقة محلية.

رواية لوقا تنسجم بطريقة جيدة مع ماهو معروف من المصادر الاخرى للتاريخ الرومانى لهذة الفترة

Luke’s account squares well with what is known from other sources of the Roman history of the period[11]

[1] Tertullian, Contra Marcion 4.19

[2]John Nolland, vol. 35A, Word Biblical Commentary : Luke 1:1-9:20, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), 101.

[3]John Nolland, vol. 35A, Word Biblical Commentary : Luke 1:1-9:20, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), 101.

[4]Adam W. Miller, Brief Introduction to the New Testament (James L. Fleming, 2005; 2005).

[5]Flavius Josephus and William Whiston, The Works of Josephus : Complete and Unabridged, Includes Index. (Peabody: Hendrickson, 1996, c1987), Ant 17.354.

[6]John Nolland, vol. 35A, Word Biblical Commentary : Luke 1:1-9:20, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), 101.

[7]Gleason L. Archer, New International Encyclopedia of Bible Difficulties, Originally Published: Encyclopedia of Bible Difficulties. 1982., Zondervan’s Understand the Bible Reference Series (Grand Rapids, MI: Zondervan Publishing House, 1982), 365.

[8] Gleason L. Archer, New International Encyclopedia of Bible Difficulties, Originally Published: Encyclopedia of Bible Difficulties. 1982., Zondervan’s Understand the Bible Reference Series (Grand Rapids, MI: Zondervan Publishing House, 1982), 365

[9]Moisés Silva and Merrill Chapin Tenney, The Zondervan Encyclopedia of the Bible, Volume 5, Q-Z, Revised, Full-Color Edition, 9 (Grand Rapids, MI: The Zondervan Corporation, 2009).

  1. confer, compare

[10]John Nolland, vol. 35A, Word Biblical Commentary : Luke 1:1-9:20, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), 99.

[11]John Nolland, vol. 35A, Word Biblical Commentary : Luke 1:1-9:20, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), 101.

Exit mobile version