أبحاث

ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ – ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)

ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ – ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)

ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ - ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)
ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ – ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)

خلال متابعتي المستمرة لكل ما يُطرح من شُبهات ع العقيدة المسيحية والكتاب المقدس، سواء على صفحات منتديات الكنيسة أو مواقع آخرى، لاحظت أحيان كثيرة تكلم بعض السنة الجهل بتواريخ وأشياء لا يعرفون عنها شيئاً، بل أكاد اجزم إنهم لم يقرأوا كتاب أكاديمي واحد عن التاريخ الروماني أو أي تاريخ آخر مُعاصر لعصر السيد المسيح. كل ما وجدته هو تحليلات شخصية لأشخاص لا يستحقون حتى أن نُطلق عليهم مُبتدأين في مجال التاريخ المعاصر للكتاب المقدس.

هناك من يُشكك بأشياء تافهة، منها توقيت ولادة المسيح وموت هيرودس، وهم لا يعرفون كيف ومتى بدأ التقويم الميلادي وعلاقته بتاريخ ولادة السيد المسيح بصورة دقيقة. أحيان أخرى يذهب البعض للتشكيك بترابط إنجيل لوقا أو متى في تحديد تواريخ مُعينة، وهم لا يعرفون شيئاً عن خلفية هذه التواريخ وكيف حُددت وكيف حُسبت.

لهذا بدأت بكتابة سلسة ردود ستشرح وتُحدد وتُبسط التواريخ المذكور في الأناجيل وتناسقها وإتفاقها مع التاريخ والمؤرخين.

سلسلة الردود أبدأها مع السنة الجديدة برد يشرح تاريخ ولادة المسيح تاريخياً من أفضل وأقوى وجهات النظر علمياً، بعدها ومع أعياد الصلب والقيامة المجيدة سأقدم رداً أخر عن تحديد وقت وتاريخ صلب المسيح والشبهات المتعلقة بذلك، لاختم هذه السلسة أخيرا وبعد أعياد الصلب والقيام برد آخر عن حياة المسيح وفترتها بشيء من التفصيل، لأجمع الردود الثلاثة في موضوع (كُتيب صغير) واحد لاحقاً وأعيد التنسيق والإضافة فيه ليكون مساعداً لكل من يبحث للرد على هذه الشبهات.

في ردي هذا اعتمدت التبسيط والابتعاد عن المصادر والأسماء لكي تكون المادة بسيط وسلسة للقارئ، لكن من يحتاج أي مصدر أو توثيق لأي معلومة فليكتب في هذا الموضوع أو يرسل لي رسالة لأقوم بالواجب. المراجع والمصادر والتوثيقات العلمية سأقوم بإضافتها لاحقاً عند جمع الردود الثلاثة لتكون أيضًا سداً في توسيع القراءة في هذا الموضوع.

My Rock​ (2010)

تاريخ ولادة السيد المسيح في التاريخ

المسيحيين الأوائل لم يكونوا منشغلين بمعرفة أو تناقل تاريخ ولادة السيد المسيح وهذا يرجع لاهتمامهم الأكبر بولادة المسيح وحياته أكثر من التواريخ والأرقام. طريقة تفكير المسيحيين الأوائل لا شائبة فيها، لأن حياتهم كانت مُزامنة لأحداث حياة المسيح بصورة شاملة وعاشوا على هذا التأكيد دون الحاجة إلى تواريخ وأدلة، لان شهادة العيان هي أقوى من شهادة التاريخ أو التدوين.

لكن بطبيعة الحال مسألة تحديد تاريخ ولادة المسيح كسبت اهتماما أكبر كلما مر الوقت وزادت الفجوة الزمنية بين ولادته المجيدة. عدم تحديد المسيحيين الأوائل لتاريخ ولادة المسيح وتناقله لا يعني أن المسيح لم يولد، لان أفضل الأدلة التاريخية التي في الإناجيل تُخبرنا عن شخص المسيح وحياته ومعجزاته دون التطرق إلى تحديد ولادته بالتحديد. ​

الأناجيل الأربعة وبالرغم على احتوائها الغزير بأحداث السيد المسيح المتنوعة، من معجزات ووعظات وأمثال، لم تتطرق إلى تحديد أي تواريخ مُحددة كما هي العادة في تدوين الأحداث بدل الأوقات في ذلك الوقت.​

لذلك عند محاولة تحديد تواريخ مُعينة في حياة السيد المسيح، من الضروري أن نأخذ أحداث الأناجيل والتواريخ المؤرخة من مصادر التاريخ الخارجية ومحاولة إيجاد فترة زمنية بين الحد الأدنى (أي ابكر وقت مُمكنtermini a quo) والحد الأعلى (اي أكثر وقت متأخر مُمكنtermini ad quem)​

فكلما ضاقت الفترة بين الحدين (الأدنى والأعلى) كلما حصلنا على إجابة أقرب وأدق لتحديد تاريخ مُعين. لذلك نجد علماء العهد الجديد المُختصين بالتاريخ، لا يكتفون بتحديد حد أدنى وأعلى يحتوي على فجوة زمنية كبيرة، بل يسعون إلى تحديد حدين مُتقاربين بأفضل صورة تُقدمها التواريخ والأدلة الخارجية. كمثال بسيط، جد أن إنجيل متى يذكر أن المسيح ولد قبل موت هيرودس والتاريخ يُخبرنا أن هيرودس تم تعيينه كحاكم في اواخر سنة 40 ق. م. لكن فعلياً اخذ الحكم بمساعدة الجيش الروماني في سنة 37 ق. م. أي بعد 3 سنين من تعيينه.

هذا يعني إنه بالإعتماد على هذا الدليل فقط، يستطيع المؤرخون القول أن المسيح ولد ما بين اواخر 40 ق. م. وربيع 4 ق. م. لكن كما نرى فترة ال 33 إلى 36 سنة هي فترة كبيرة جداً وغير جيدة لتعيين ولادة المسيح بصورة دقيقة، لذلك يتم اللجوء لأدلة تاريخية آخرى، مثل الفصح أو خسوف القمر الخ لتقريب الفترة الزمنية بي الحد الأدنى والأعلى.​

من الجدير بالذكر أن التاريخ مليئ بالتواريخ والأدلة، والباحثون يحتاجون للإعتماد على أفضل الأدلة وأوثقها عن محاولة تحديد حادثة مُعينة، إضافة إلى أن التواريخ في تلك العصور كانت تُحسب بُطرق تختلف عن طريقة التقويم الميلادي الحالية، فلكل عصر ومُجتمع طريقته في حساب الأوقات وتدوينها. أيضًا هناك طُرق مُختلفة لتدوين التواريخ في عصر السيد المسيح، فنرى يوسيفوس مثلاً يؤرخ بناء الهيكل تارة لتاريخ حُكم هيرودس لسنة 40 ق. م. وتارة لسنة 37 ق. م. وذلك لان التاريخ الأول هو لتعيين هيرودس في الحكم والأخير هو لتسلمه الحكم بصورة فعلية وبمساعدة الجيش الروماني لمنطقته. ​

نستنتج من ذلك، إنه لا يُمكن تحديد تاريخ حادثة أو الجزم في تحديد تواريخ بالاعتماد على دليل واحد أو جزء منه، بل يحتاج الأمر لاطلاع كامل على التاريخ والمؤرخين وأعمالهم والعصر المدو فيه، فمثلاً الاعتماد على يوسيفوس كدليل في تحديد تاريخ بناء الهيكل وتوافقه مع حياة المسيح يتطلب منا معرفة التاريخين الذي ذكرهما يوسفوس ومعرفة أوسع بالمحتوى الذي قصده إضافة إلى أدلة تاريخية من مؤرخين آخرين إن أمكن لتحديد حد أدنى وأعلى بصورة أدق. ​

نستنتج من أعلاه أيضًا إ هناك اكثر من طريقة لتحديد تواريخ الحوادث، وخاصة لو ركزنا على أحداث الأناجيل الأربعة التي لم تذكر أن تواريخ في تدونيها لأحداث المسيح كشاهد عيان، هذا يعني أه في بعض الأحيان هناك اكثر من طريقة وأكثر من دليل لحساب تاريخ أي حادثة من الأناجيل، والطريف في الموضوع، بل المُفرح أيضاً، أن الأناجيل تتفق مع أغلب هذه الطرق والأدلة، المقبول علمياً، بل إنها أحيانا لا تُناقض حتى الأدلة المرفوضة من قِبل العلماء لضعفها، وهذا يرجع لكون الكتاب المقدس، والعهد الجديد منه، كتاب لخلاص البشر وليس كتاب تاريخي أو علمي، وبذلك هو سليم بل ومعصوم من أي أخطاء تاريخية كما سنرى بصورة أوسع في باقي هذا البحث.​

ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ - ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)
ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ – ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)

التاريخ الميلادي

من المهم جداً توضيح أن التاريخ الميلادي الحالي لا يؤرخ تاريخ ميلاد المسيح بصورة صحيحة أي أن سنة 1 ميلادية هي ليست سنة ميلاد المسيح. قصة بدأ التاريخ الميلادي ترجع لسنة 525 ميلادية، عندما آمر البابا يوحنا الأول ديونيسيوس الصغير السيثي (من سيثيا الصغرى) بتحضير تقويم للكنيسة الغربية.

قام ديونيسيوس الصغير بالتعديل والإضافة على التقويم الإسكندري المبني من فترة حُكم حاكم الإمبراطورية الرومانية ديوكلتيانوس أو كما يُسمى أيضًا دقلديانوس، أذ كان ديوكلتيانوس مضطهِداً للكنيسة وقاتلاً وملاحقاً للمسيحيين في أخر أيامه بعدما كان مُسامحاً في أولها، لذلك التعديل الذي قام به ديونيسيوس كان ليبدأ التقويم من تاريخ تجسد المسيح بدل من تاريخ هذا الحاكم القاسي القاتل الغير عادل. ​

التواريخ التي أختارها ديونيسيوس غير معروف كيف بناها وكيف وثقها، فلا نعرف بالضبط كيف توصل لتحديد سنة 1 م. ولا يوم 25 من الشهر 12. لن ندخل كثيراً في إمكانيات وتحليلات اختيار ديونيسيوس لهذه التواريخ، لكن سنفترض أن تحديده كان بحسب مُعطياته في ذلك الوقت ولن نخوض بها أكثر من ذلك لعدم أهميتها.​

سنة 1 ميلادية التي عينها ديونيسيوس في تقويمه قابلت سنة 754 بحسب التقويم الروماني الذي كان مبني على بداية تشييد مدينة روما. ​

لذلك التواريخ التي قبل هذا التاريخ لُقبت بقبل الميلاد والتي بعدها بالميلادية، ومن الجدير بالذكر انه الفرق بي سنة 1 قبل الميلاد و1 للميلاد هو سنة واحدة فقط، لأنه لا يوجد سنة 0 للميلاد، بل تحول مباشر من قبل الميلاد للميلاد.​

خلال الصفحات القادمة سنخوض في تحديد تاريخ ميلاد المسيح بالنسبة لأحداث تاريخية مُهمة، مثل هيرودس وكيرينيوس وطيباريوس الخ من الأحداث. في كل تاريخ سنُحدد تاريخ ولادة المسيح مقارنة به ونُحاول لاحقاً ربط الأحداث كلها معاً في سمفونية رائعة تؤكد عصمة الكتاب المقدس، وحقيقة ولادة السيد المسيح وتأكيدها تاريخياً.​

المسيح وهيرودس

كما تم توضيحه سابقاً، المسيح لم يولد في سنة 1 للميلاد بتوقيتنا الحالي، بل وُلد قبل سنة 754 بحسب التقويم الروماني. حسب إنجيل متى 2: 1 ولوقا 1: 5، المسيح وُلد في فترة حُكم هيرودس، أي في أي وقت قبل موت هيرودس. الأدلة التاريخية تُشير إلى أن هيرودس عُين كحاكم في سنة 40 ق. م. وتسلم الحكم في سنة 37 ق. م. ​

يوسيفوس يؤرخ لنا خسوف القمر الذي حصل قبل موت هيرودس بفترة قصيرة، هذا الخسوف تأريخه بين 12 و13 من الشهر 3 لسنة 4 ق. م.

يوسيفوس يذكر لنا أيضًا انه بعد موت هيرودس كان هناك احتفال بأول يوم من عيد الفصح، والذي قابل يوم 11 من الشهر الرابع لسنة 4 ق. م. ​

من هذا نستطيع تحديد أن موت هيرودوس حدث بين نهاية الشهر 3 وأوائل الشهر 4 لسنة 4 ق. م.، أي بين 29 من الشهر 3 إلى 12 أو 13 م الشهر 4 وبطبيعة الحال المسيح يجب أن يكون قد ولد قبل موت هيرودوس لكي توافق الأناجيل التواريخ كما سنراه بصورة أعمق لاحقاً بصورة مُتناسقة جداً. ​

من هذا نستنتج أن المسيح ولد قبل موت هيرودس، أي قبل ربيع سنة 4 ق. م. وغالبية العُلماء يُرشحون أن المسيح وُلد بين شتاء 5 ق. م. وربيع 4 ق. م. لتقارب فترة ولادة المسيح وموت هيرودس والأحداث الباقية.

لكن نظرياً تاريخ ولادة المسيح بين سنة 6 و4 قبل الميلاد لان هيرودوس قتل الأطفال من سنتين فما دون وبالتالي الفارق الزمني بين ولادة المسيح وموت هيرودس لا يتجاوز السنتين بأقصى الحالات، إذ يعتبره الكثيرين حُرص زائد من هيرودس بقتل الأطفال دون السنتين للتأكد من التخلص من الملك الجديد الذي يُهدد حُكمه، وبالتالي لا يعني بالضرورة أن السيد المسيح ولد بالضبط قبل سنتين والا لقتل الأطفال بين السنة والسنتين، لكنه قتل الجميع مما يؤكد احتمالية كون عُمر السيد المسيح أقل من سنتين عندما امر هيرودس قتل الأطفال.​

ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ - ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)
ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ – ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)

المسيح وكيرينيوس​

إنجيل لوقا 2 يُخبرنا عن حُكم كيرينيوس لسوريا في فترة الاكتتاب، لكن البشير لوقا كالعادة لا يخوض في تفاصيل التواريخ ولا طبيعة حُكم كيرينيوس أو مُدتها، لكن هذا لا يعني أن لوقا لم يكن مُلماً بالتاريخ والتواريخ، بالعكس، فغالبية العُلماء يذكرون ويؤكدون لنا أن لوقا كان مُلماً جداً وذكره للتواريخ كان بتتبع وفحص دقيق. ​

يخبرنا يوسفوس أن كيرينيوس حكم بين سنة 6 و7 م. وللأسف الكثير من الغير مُلمين بالتاريخ المُعاصر للسيد المسيح يعتبرون هذا دليلاً على أن الإحصاء أو الاكتتاب حدث بين سنة 6 أو 7 ميلادية، لكن الحقيقة غير ذلك!​

التاريخ يُخبرنا عن عدم استقرار فترات الحُكم، فكان الحاكم يحكم لسنين ومن ثُم يقف ويرجع للُحكم بعد فترة، كما نرى في حجر طبر من أدلة تؤكد أن بعض الحُكام حكموا لفترة وبعدها توقفوا عن الحكم لسنين معدودة ليرجعوا بعدها للحكم من جديد، بل كانوا حتى يحكمون على مناطق مُختلف من فترة لأخرى. هذا يعني أن حكم كيرينيوس في سنة 6 أو 7 م. لا يعني إنه لم يحكم لو يم يكن جزءاً من الحكم سابقاً، بالعكس تعيينه في سنة 6 أو 7 م. تُشير إلى احتمالية قوية جداً بإنه كان مُشتركا بالحكم سابقاً بصورة أهلته لأخذ الحُكم مُجددا وبصورة أكبر في سنة 6 أو 7 م.​

نرجع لحجر طبر ونجد فيه تأكيد على مسألة فترة الحُكم المُتقطعة، فنجد كوينتيليوس الذي حكم سوريا من 6 إلى 4 ق. م. ومجدداً في سنة 2 إلى 1 ق. م. ​

التاريخ الروماني يُخبرنا أن كيرينيوس كان عسكري روماني وكان يقوم ببعثات وتوسيعات عسكرية في شرق الإمبراطورية الرومانية. هذا النفوذ العسكري كان في فترة تزامن أخر سنين حُكم هيرودس وبداية حُكم كوينتيليوس، والتاريخ الروماني وإشارات حجر طبر تُرشح كيرينيوس بكونه مُشرك بالحُكم بصورة حاكم مُساعد لكوينتيليوس وهذا الشيء يُفسره العُلماء أما لكون كوينتيليوس غير موثوق به بصورة كاملة بسبب فشله في الحكم في جزء من المانيا في سنة 7 ق. م. أو بسبب نفوذ كيرينيوس وقُربه من كوينتيليوس. الشهيد جستن يؤكد لنا أن كيرينيوس كان حاكماً عسكرياً ومُشركاً بالحكم كما يؤكده ترتليان في ذلك.​

من هذا نستنتج أن كيرينيوس كان حاكماً وقائداً عسكرياً في فترة ولادة المسيح وبالتالي ما يذكره لنا لوقا هو صحيح تاريخياً بل الأدلة التاريخية تدعمه بأكثر من طريقة والتي ذكرنا منها أهمها وأكثرها قبولاً.​

المسيح وطيباريوس

إنجيل لوقا 3 يُخبرنا عن فترة حُكم طيباريوس المُزامنة لبدأ يوحنا المعمدان خدمته، ففي السنة الخامسة عشر لحُكم طيباريوس بدأ يوحنا المعمدان خدمته، ومن خلال هذا التاريخ نستطيع تحديد تاريخ بدأ المسيح لخدمته ومنها نستطيع تحديد وقت ولادته.​

نحن نعلم من إنجيل لوقا الإصحاح 3 أن يوحنا المعمدان بدأ خدمته في السنة الخامسة عشر لُحكم طيباريوس، وبالتالي السيد المسيح بدأ خدمته بعد يوحنا المعمدان، أي لا يُمكن للمسيح أن يكون بدأ خدمته قبل سنة 15 لُحكم طيباريوس وهذا يُعطينا الحد الأدنى الذي سنستخدمه لاحقاً لتحديد بدأ المسيح لخدمته وولادته، لكن قبل ذلك علينا تحديد تاريخ حُكم طيباريوس بالتقويم الميلادي.​

الشيء الذي يجهله المشككين أن هناك أكثر من طريقة لحساب تاريخ حُكم حاكم مُعين، إذا تعتمد على وقت بدأه في الحكم، تعتمد على أي تقويم تم استعماله لحساب السنين ويعتمد على كيفية حساب السنين بحسب تقاليد الممالك المملوكة. ​

قبل الخوض في الحسابات التاريخية من المهم معرفة أن طيباريوس حكم بعد موت أغسطس، والذي وافق 19 من الشهر 8 لسنة 14 مز وأن يوحنا بدأ خدمته بفترة قصيرة قبل السيد المسيح، أي يُمكننا القول إ المسيح بدأ خدمته بعد شهرين أو ثلاثة. نعرف أيضًا أن السيد المسيح كان بحدود الثلاثينات من عمره عند بدأه لخدمته، فلاحظ أن لوقا ذكر إنه في الثلاثينات وهذا يُعزى بغالبية المفسرين والعلماء بأنه رقم تقديري يٌصد به بين الثلاثين والثالث والثلاثين من عمره.​

هناك ثلاثة طرق مقبولة من قِبل العُلماء لتحديد وقت بدأ خدمة يوحنا المعمدان. الطرق الثلاثة توافق إنجيل لوقا بطريقة رائعة كما سنراه في النقاط الثلاثة:​

بدء الحُكم من تشرين

حُكام الإمبراطورية الرومانية كانوا يُحسبون في الحُكم من أول شهر تشرين (العاشر) كما كانت العادة من عصر أغسطس إلى نيرفا. هذا يعني أن السنة الأولى لُحكم طيباريوس بدأت من 19 للشهر 8 والى الأول من تشرين من سنة 14 م. وبذلك السنة ال 15 لُحكم طيباريوس ستكون من تشرين 27 إلى تشرين 28 م. العُلماء يرجحون هذا الدليل لكون لوقا من أنطاكيا ومُلم بطريقة الحساب هذه. فالقول إن السيد المسيح كان بين ال 30 وال 31 من عمره يتطابق تماماً مع ولادته بين خريف 5 وربيع 4 ق. م.

فبدأ الخدمة من الفصح السابق لسنة 28 م. نطرح منها 31 سنة (لاحظ انه لا توجد لا توجد سنة 0 م. في الحساب)، ف أواخر 27 نطرح منها ال 31 سنة، سنكون في أواخر سنة 5 ق. م. وبالتالي يوافق تحديدنا لتاريخ ولادة المسيح السابق لموت هيرودس في هذا الوقت.​

بدء الحكم بالاعتماد على التقويم اليولياني

الطريقة الثاني هي حساب الحُكم من بحسب التقويم اليولياني الذي يستعمل فترة الدخول للحكم لنهاية السنة التقويمية بسنة حُكم كاملة (non-accession-year) أي أن فترة حُكم طيباريوس في السنة الأولى هي من 19 للشهر 8 ولنهاية السنة في 31 من الشهر 12 وبالتالي السنة 15 لحُكمه هي بين بداية ونهاية سنة 28.​

البعض يعترض على حساب سنة دخول الحكم كسنة مُنفصلة، وهذا لا مانع فيه أيضا، فالحساب يكون أن الفترة من 19 للشهر 8 إلى 31 للشهر 12 لسنة 14 هي فترة الدخول في الحكم لغير محسوبة من وقت الحكم، أي السنة ال 15 لحكم طيباريوس تُقابل أوائل وأواخر سنة 29 م.

سنحسب تاريخ ولادة المسيح في الطرقة الثالثة لتقارب التواريخ.​

بدء الحكم بالاعتماد على حساب سنين الحكم

الطريقة الأخيرة في الحساب هي أن يكون لوقا حسب السنين بصورة عادية، أي من بداية الحُكم، أي سنة الحُكم الأول من 19 للشهر 8 سنة 14 م إلى 18 للشهر 8 سنة 15 م. وبالتالي السنة 15 لحكم طيباريوس تُصادف 18 للشهر 8 سنة 29. بالرغم من اعتراض البعض على هذه الطريقة لكونها طريقة حساب الحُكم بالاعتماد على طريقة غير مُعتمدة في الحُكم الروماني، لكن سنحسبها أيضًا لقربها من الطريقة الثانية.​

فالقول إن يوحنا المعمدان بدأ خدمته في سنة 28 أو 29 يعني أن المسيح بدأ خدمته في نفس السنة لكن بعده بأشهر قليلة، أي بدأ المسيح لخدمته كأبعد تقدير هو ربيع وخريف سنة 29 م. من هذا نستطيع أن نستنتج أن بدأ السيد المسيح لخدمته بعمر ال 32 إلى 33 يعني ولادته بين أواخر سنة 5 وأوائل سنة 4 ق. م. ​

من جديد نرى التواريخ والأحداث تتناسق بشكل رائع، فعلى الرغم من وجود أكثر من طريق للحساب، إلى أنها كلها موافقة للأناجيل المقدسة. ​

الاكتتاب في عهد هيرودس وكيرينوسيوس

هناك أدلة تاريخية التي تؤكد لنا حدوث الاكتتابات في فترات متقاطعة في فترة حُكم أغسطس حاكم الإمبراطورية الرومانية وهذا يرجع حتى لسنة 28 ق. م. لكن لا يوجد مصدر تاريخي يذكر لنا الاكتتاب في أخر أيام هيرودس وبالتعاون مع كيرينوسيوس لك لا يوجد ما يعارض هذا، فالعلماء يرجحون توقيت الاكتتاب الذي جرى في أخر أيام هيرودس.

فالتاريخ يُخبرنا أن هيرودوس كان على خلافات مع أوغسطس بين سنة 7 و8 قبل الميلاد والتي أدت بهيرودس إلى تنفيذ الحكم بأبنائه اليكساندر واريستوبولوس في سنة 7 قبل الميلاد بحجة إنهم كانوا يهددون حياته وملكه، وهو بالفعل ما فعلوه للتنافس في الحصول على كرسي الحكم، فهيرودوس كان كبير العمر وبحالة صحية تعسة، بحيث إنه قام بتغيير وصيته لثلاثة مرات قبل موته، كل هذا تستطيع مراجعته في كتابات يوسيفوس المؤرخ.​

لذلك يُرشح العُلماء أن الوقت الأمثل وبسبب حالة هيرودوس ومشاكل هو بين 6 و4 قبل الميلاد والذي يوافق الدليل الكتابي بقيام الاكتتاب قبل ولادة المسيح. ​

كما ذكرنا فكيرينوسيوس كان مُشركاً بالحكم، بل حتى نجد إ هناك أدلة تاريخية توثق آمر كيرينوسيوس بعمل اكتتاب في مكان أخر ووقت آخر مما يشير إلى خبرة كيرينوسيوس وتجربته لهذه الأمور بصورة سابقة. خلاصة تحديد تاريخ ولادة المسيح واتفاقها مع فترة حياة المسيح بعد بدأ خدمته.

نستطيع بذلك الاستنتاج أن المسيح ولد قبل موت هيرودس بفترة قصيرة، يُسفرها مُعظم العلماء لكونها بين شتاء 5 ق. م. وربيع 4 ق. م.

نستنتج أيضًا أن الحُكام الآخرين المذكورين في الأناجيل والتواريخ المُتعلقة بها تتفق بصورة رائعة مع بعضها البعض، فولادة المسيح بالنسبة لهيرودس وطيباريوس وكيرينوسيوس تتفق مع بعضها، والموضوع يحتاج بعض الإلمام بالتاريخ المعاصر للسيد المسيح لربط الأحداث مع بعضها البعض. ​

تحديد ولادة المسيح من بدأ خدمته التي بدأت بعد خدمة يوحنا بوقت قصير، يعتمد على ما ذكره لوقا في إنجيله 3: 1 أن يوحنا بدأ خدمته في السنة 15 لُحكم طيباريوس والتي قابلت 19 لشهر 8 من سنة 14 م. ​

قدمت أفضل ثلاثة طُرق لحساب السنين، وتحديد السنة التي قصدها لوقا، فهي تتراوح بين 27 و29 م. ​

إن اخذنا 27 وقلنا أن المسيح كان في الثلاثينات عدما بدأ خدمته، في بين 30 و31 على اقل تقدير، سنصل إلى أن المسيح ولدة أيضًا بي خريف 5 وربيع 4 ق. م. وهذا الخيار يُعطينا أيضًا تناسق مرور خدمة المسيح بالفصح ثلاثة مرات، فمن الوارد أن يكون بدأ خدمته قبل الفصح بفترة قليلة ليمر بالفصح ثلاثة مرات خلال سنتي وجزء من السنة الثالثة، أي خدمة المسيح أستمرت تقريب السنتين وربع (بالاعتماد على الأدلة التاريخية والفلكية التي تُحدد صلب المسيح في الشهر 4 لسنة 30 أو 33 لاتفاق بعض الأحداث مع العلم سأتي لها بالتفصيل مع اقتراب فترة الصلب والقيامة المجيدة). ​

إن أخذنا ما بين 28 و29 وقلنا إن المسيح كان بين 32 و33 عند بدأ خدمته، فهذا يوصلنا لنفس تاريخ ولادته في الخيار الأول، أي في خريف 5 وربيع 4 ق. م. وبالتالي سيكون للمسيح فترة ال 3 سنين لخدمته، وهو الخيار المرشح بقوة أكثر من لاعتماده على أقوال الآباء التي ترجع لعهد ميليتس أسقف ساردس ويوسيبوس، أي منذ القرون الأولى للمسيحية وهذا التقليد المنتشر والمتناقل عن فترة خدمة المسيح المُقدرة بثلاثة سنين.​

من هذا كله نستنتج انسجام وتوافق الحوادث التاريخية في الأناجيل الأربعة، وهذا ما يؤكد العصمة الكتابية بذكر أحداث وتواريخ سليمة. ​

الأناجيل كُتبت لتوثيق حياة المسيح بدقة لنقل البشارة للمسكونة اجمع ولا يوجد مُبرر واحد لذكر تواريخ خاطئة أو ملفقة في أي من الأناجيل، فكل الأناجيل كُتبت في وقت مُبكر ومقارب لحياة المسيح، أي أن أي معلومة خاطئة فيه كانت الكنيسة الأولى حددتها وعينتها، لكن هذه التخيلات لا توجد سوى في العقول المهوسة بنقض كل ما في الكتاب المقدس، لكونه اقوى كتب صمد أما أكبر التحديات أو الشبهات خلال الآف السنين. ​

فيبقى الكتاب المقدس الكتاب الفريد الذي كُتب لخلاص الإنسان ويبقى الصخرة التي تتحطم عليها كل الشبهات على عبر العصور، فالمدافع لا يحتاج أكثر من معرفة كتابية ومعرفة بخلفية الشبهات المطروحة ليُفندها حرفاً حرفاً.​

هذه كانت المقالة الأولى في تواريخ حياة المسيح، والتي ستُتبع بمقالة أخرى في فترة الصلب والقيامة المجيدة، بنفس الطريقة والمنهج والأدلة.​

أي إضافة أو استفسار أو سؤال أرحب بطرحها في الموضوع​

سلام ونعمة

My Rock​

تحميل البحث PDF

ولادة المسيح المذكورة في الأناجيل وتناسقها وتوافقها مع التاريخ والمؤرخين​ – ماي روك (منتديات الكنيسة العربية)

تقييم المستخدمون: 4.9 ( 3 أصوات)