روحياتعام

سرّ يسوع تقديس الإنسان للاتحاد بالله – كخبرة وعلامته في الإنسان (8)

سرّ يسوع تقديس الإنسان للاتحاد بالله
شهادة حية لإيمان مُسَلَّم من جيل إلى جيل
 
سرّ يسوع تقديس الإنسان للاتحاد بالله
سرّ يسوع تقديس الإنسان للاتحاد بالله
من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كو 6 : 17)
سر يسوع تقديس الإنسان أي تأهيل الطبيعة البشرية للحياة مع الله
كمجال حي لنتذوق عمل المسيح الخلاصي في حياتنا
الجزء الثامن:/ التقديس 
والاتحاد بالله كخبرة وعلامته في الإنسان

للعودة للجزء السابع – التقديس والاتحاد بالله امتداد دائم
أضغط هنا.

في الحقيقة الإنجيلية وحسب التسليم الآبائي الرسولي فالتجسد هو باختصار شديد وتركيز: [ الله صار جسداً، حتى كل ذي جسد يتقدس ويصير مقراً صالحاً لسكنى الله وحلوله الخاص ]، وهذا هو ما عبر عنه الآباء بلفظة [ التأله ] أي الاتحاد بالله، أي أن كل واحد فينا يتطبع بطبع جديد سماوي وهو طبع المسيح الرب، أي بمصطلح القديس بولس الرسول: [ خليقة جديدة ] [ إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (2كو5: 17)، [ وأما من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كورنثوس6: 17)، أي باختصار شديد نتغير لصورة المسيح ونصعد لله في الروح القدس، إذ أن الروح القدس روح البنوة الذي يغيرنا إلى صورة الابن الحبيب ومن خلاله نتقدم لله الآب ونقول له أبانا وهذا هو قصد الآباء من كلمة التأله، وبحسب الإنجيل [ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآةنتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كو3: 18)، وهذا هو التعليم الأرثوذكسي (المستقيم) الرسولي الآبائي الصحيح، والذي هو إيماننا الحي بتجسد الكلمة، وفعله فينا بالروح،فمن يقول أني أؤمن بالتجسد يحيا على هذا المستوى ويسعى إليه بكل طاقته، لأن التجسد ليس نظرية ولا فكر ولا مجرد احتفال بالمسيح الله الظاهر في الجسد ونحن بعيدين عنه، لأن الشيطان نفسه بعد موت الرب على الصليب عرفه أنه هو المسيح الكلمة المتجسد، فلو صدقنا فقط أنه الكلمة المتجسد أي الله الظاهر في الجسد، فماذا يفرق عن الشيطان الذي صدق ولكنه لم ولن يستطع أن يلتصق بالرب إطلاقاً ويستحيل أن يتغير إليه او يصير خليقة جديدة …

يا إخوتي، أن المراحل التي جاء بها الابن الحبيب إلينا واتحد بنا حتى الموت لأجلنا، هي المراحل عينها التي بها يضُمنا إليه ويوحَّدنا به، ويقودنا إلى الآب نبع الخيرات السماوية، إلى أن يجعلنا نتشرب بالتمام من حياته فيُحيينا بحياته الخاصة.

وهذه مراحل الطريق الوحيد الذي هو المسيح الرب بشخصه [ أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي ] (يو14: 6)، يكشفها لنا العهد القديم بالصور بروح النبوة والإلهام، ويُحققها يسوع المسيح اللوغوس الكلمة المتجسد فينا بروحه الساكن في أوانينا الخزفية؛ أنها كالآتي وكما أُعلنت: الخلق والوعد، الفصح والخروج، العهد والملكوت، الجلاء والعودة، التجديد وانتظار المنتهى.

فالعهدان، القديم والجديد، واللذان هما عهد واحد في جوهرهم، قد حفرا في قلب التاريخ هذا الفصح العظيم، فصح التجسد المؤلِّه، أي هو سر اتحاد الله بالإنسان، ورفعة الإنسان للمجد الإلهي في المسيح يسوع بعمل روح الله الذي قدسنا وخصصنا لله الحي وهو بذاته يعيش في داخلنا ويطبع فينا ملامحه الخاصة (بصورة نسبية) لنكون صورته لا كفكرة، بل حقيقة دامغة معلنه فينا وواضحة كلما نقرب منه كل يوم ونأخذ من شخصه نعمة فوق نعمة.

فيا إخوتي انتبهوا بقلبكم وركزوا أحاسيسكم في عمل الله باستنارة الذهن بالروح، فالكتاب المقدس بهذه الطريقة الذي نشرحها لا كحرف إنما كخبرة وحياة، فأنه يصير حياة الله فينا بالسرّ، مع ملاحظة أنه لم يعد معرفة السرّ الإلهي مجرد علم وثقافة ومعلومات جديدة وأبحاث، بل هو حدث يحققه الروح القدس ويُتممه فينا بتقديسنا وتغييرنا لشكل وصورة المسيح الرب، وتصير فينا كل يوم إشراق جديد بقوة أعظم طالما نحن نحيا بالتوبة والإيمان ولقاء الله الحي وجهاً لوجه في الصلاة وقراءة الكلمة بانفتاح الذهن المستمر بالنعمة…

عموماً الأمر لا يتعلق بفهم الطرق التي بها يُقدسنا المسيح الرب بروحه الساكن فينا، لأن فهمها يعسُر علينا. فالمهم هو أن نتمكن من أن نحيا على هذا المستوى بقوة الله وعمله في داخلنا

والذي يجعلنا نحيا حياة التقديس والاتحاد بالله أي التأله (كما سبق وشرحنا)، بعمق وكثافة وازدياد هيالإفخارستيا، ويقول القديس مكسيموس المعترف [ يصير الإنسان إلهاً (التقديس والاتحاد بالله)، بقدر ما يصير الله إنساناً ].

فالقداسة المسيحية التي بها نُعاين الرب هي عملية تأليه (ليس مساواة الله طبعاً وقد سبق وشرحنا المعنى بالتفصيل ولن نُعيد ما سبق وشرحناه فرؤجاء للعودة للأجزاء السابقة لكي لا يفهم أحد الكلام خطأ كالعادة) أي الاتحاد بالله في المسيح، وذلك لأننا نشترك، في بشريتنا الواقعية المحسوسة، في بنوة المسيح من جهة أنه زرع نفسه فينا باتحاد غير قابل للافتراق، فأعطانا سمة بنوته وملامحها صارت فينا، (( وينبغي أن أؤكد لكي لا يفهم أحد الكلام خطأ كالعادة، أننا لا نشترك في بنوية المسيح الرب الطبيعية أي المساواة له، بل نحن نأخذ البنوة بالتبني وليس طبيعة، فنحن صرنا بسبب تجسد الكلمة وانتساب الجسد له، منتسبين إليه، لذلك صرنا ابناء لله بالتبني في المسيح يسوع الكلمة الظاهر في الجسد: [ وأما كل الذين قبلوه (قبلوا الله الكلمة المتجسد) فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا (خليقة جديدة – إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة) ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ] (يو1: 12و 13) ))

فنحن نتقدس حينما نزداد اتحاداً بناسوت المسيح ولاهوته اللذان لا فصل بينهما على الإطلاق [ لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين ] (القداس الإلهي): [ وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خُذوا كلوا. هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: أشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ] (مت26ى: 26 – 28؛ مرقس14: 22 – 24؛ لوقا22: 19 – 20)

عموماً نجد بوضوح شديد أن الليتورجية التي هي الإفخارستيا المحتفل بها، تجعلنا نعيش بكثافة، تدبير الخلاص الذي هو تقديسنا في المسيح، من أجل أن نحيا الآن وعلى طول الزمان، هذا الزمان الجديد الذي أُدخلنا يه من قِبَل التدبير حسب مسرة مشيئة الآب: [ مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة و فطنة. إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الازمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الارض في ذاك الذي فيه أيضاً نُلنا نصيباً مُعينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده ] (أفسس1: 3 – 14)

فيا إخوتي نحن في عهد التذكار: [ أصنعوا هذا لذكري Άνάμνησις – anamnesis ]: وهو التذكر الحاضر بملء قوة التدبير. ففي الاحتفال الليتورجي تذكر الكنيسة أحداث الخلاص التي صنعها الله في التاريخ، والتي اكتمل تحقيقها في صليب المسيح الرب وقيامته، وهذا هو الحدث الفصحي الذي لنا في الكنيسة، وهذا الحدث الفصحي الذي حدث في التاريخ الإنساني مرة واحدة ولن يتكرر، هو نفسه قد أصبح الآن معاصراً لكل لجيل، في كل لحظة من حياتنا:

فالمسيح الرب، بكونه قام من بين الأموات، أخترق الزمن المائت، فتحول الزمان إلى أبدية حاضرة مملوءة من حياة الله ومجده، يشعره كل من يقرب من الله ليطلب أن يقدسه ويدخله في حياة الشركة مع شخصه الحي.

عموماً المقصود بالتذكار، هو تذكار من نوع جديد تماماً: فنحن من يتذكر، إلا أن الحقيقة التي نتذكرها لم تعد في الماضي ولا في المستقبل، بل هي حاضرة في ملء قوتها وقوة فعل عملها، وهكذا تُصبح ذاكرة الكنيسة حاضرة حضوراً بهياً وفعالاً نتذوق منها الخبرة ونأخذ ونمتلئ ونحيا بها ونعيش، لذلك يا إخوتي عبارة [ أصنعوا هذا لذكري ] لم تكن عبارة للتفكير أو تذكر ماضي أو أحداث، بل هي قوة حياة ننال منها تقديس فوق تقديس، وقوة فوق قوة !!!

من هُنا نرى أن الاحتفال بسرّ الليتورجية هو المكان والوقت اللذان يتجلى فيهما ويظهر نهر الحياة الجارف في سر التدبير ليتدفق بغزارة على حياة المسيحي ليُقدسها ويربطها بوحدة واحدة مع الكنيسة في الله، وهنا فقط يصبح كل ما للمسيح الرب هو للإنسان كقوة روح وحياة في داخله مسكوبة حسب مسرة مشيئة الله، وهنا لا تصبح المسيحية لنا لغو كلام باطل ولا نظريات ولا معرفة عقلية بل معرفة اختباريه تظهر في حياتنا فيشع منا نور الله فيجذب الجميع إليه فيمجده الكل ويمدح مجد نعمته

 

غنى النعمة ووافر السلام لكم جميعاً في الرب
كونوا معافين باسم الثالوث القدوس
الإله الواحد آمين