أبحاث

ظهور الرب وقت المعمودية – عظة 11 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

ظهور الرب وقت المعمودية – عظة 11 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

ظهور الرب وقت المعمودية – عظة 11 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

ظهور الرب وقت المعمودية – عظة 11 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
ظهور الرب وقت المعمودية – عظة 11 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

 

(لو3: 21ـ 23) “ وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ. وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً “.

 

هيا بنا أيضًا، لكي نركز أذهاننا عن قصد على الكتب الإنجيلية، وذلك لكي ننظر جمال الحق. تعالوا بنا لنوجه عيون عقولنا الفاحصة المدققة نحو سر المسيح، ولننظر بدهشة مهارة التدبير الإلهي العجيب: فإننا بهذا سنرى مجده. وعندما نعمل هذا فإنه يهبنا حياة لنفوسنا كما أكد لنا هو نفسه حينما كان يتحدث إلى الآب السماوي بقوله ” هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (لو17: 3). إذًا فكيف أُرسِل؟ وما هي طريقة مجيئه إلينا؟ لأنه إذ هو بالطبيعة الله الذي يملأ الكل، فكيف كما يقول المبارك يوحنا الإنجيلي، ” إنه كان في العالم” (يو1: 10)، وهو نفسه الرب؟ وكيف أُرسل من الآب، في حين أنه كإله هو خالق كل الأشياء وحافظها؟ لأن المخلوقات قد تأسست بواسطته.

إن الحكيم يوحنا الإنجيلي يعلمنا قائلاً: ” والكلمة صار جسدًا“. ولكن ربما يقول أحد “ماذا إذًا؟ هل كف عن أن يكون هو الكلمة؟” وهل تغيَّر الجسد؟ هل سقط من جلاله؟ وهل جرى له تحول إلى شيء لم يكن عليه سابقًا؟ إننا نقول ليس الأمر هكذا، حاشا من ذلك، لأنه بالطبيعة غير قابل للتغيُّر، لذلك فبقوله ” الكلمة صار جسدًا” (يو1: 14)، فإن الإنجيل يعني أنه صار إنسانًا مثلنا، لأننا نحن أنفسنا أيضًا كثيرًا ما نُدعى جسدًا، لأنه مكتوب: “ويبصر كل جسد خلاص الله” (إش40: 5س)، ويعني به إن كل إنسان سيبصر خلاص الله، لذلك فبينما هو يحتفظ بما كان عليه بدون تغيير، إلا أنه إذ صار في حالتنا فإنه أخذ شبهنا، ولذلك يُقال إنه قد صار جسدًا.

انظروه إذًا كإنسان، وهو يحتمل معنا الأمور التي تختص بحالة الإنسان، انظروه وهو يكمَّل كل بر، لأجل خطَّة الخلاص، وهذا أنت تتعلمه مما يقوله الإنجيل: ” وحدث أنه لما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضًا وصلَّى” فهل كان هو أيضًا في احتياج إلى المعمودية المقدسة. وأية منفعة تحصل له منها؟ إن كلمة الله الوحيد هو قدوس من القدوس. وهكذا يدعونه السيرافيم في تسابيحهم، وهكذا يدعوه الناموس في كل مكان، ومحفل الأنبياء القديسين يتفقون في هذا مع كتابات موسى.

ما الذي نحصل عليه نحن من المعمودية المقدسة؟ واضح أنه غفران خطايانا، ولكن يسوع لم يكن فيه شيء من الخطية “ لأنه لم يفعل خطية ولم يوجد في فمه غش” (1بط2: 22)، كما يقول الكتاب “وهو قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات” (عب7: 26). بحسب كلمات بولس الرسول.

ولكن ربما يقول أحد من غير المتدربين في الإيمان: “هل هو إذًا كلمة الله الذي اعتمد؟ هل كان هو محتاجًا أن يصير مشتركًا في الروح القدس؟” أبدًا بالمرة، لذلك فهذا هو ما نؤكده أن الجسد الذي كان من نسل داود، والذي صار واحدًا معه، هو الذي اعتمد ونال الروح.

إذًا فأنتم الذين تقولون بغير هذا قد قسمتم غير المنقسم، إلى ابنين، وتقولون، لأنه اعتمد في سن الثلاثين سنة فقد صار مقدسًا بواسطة المعمودية. فهل هو إذًا لم يكن مقدسًا إلى أن وصل إلى سن الثلاثين؟ من الذي يوافقكم على هذا، إذ أنتم تفسدون الإيمان المستقيم الذي بلا لوم؟

لأنه يوجد ” رب واحد يسوع المسيح” (1كو8: 6)، كما هو مكتوب. ولكننا نؤكد هذا أنه لم يكن منفصلاً عنه، وكان هو نفسه حينما اعتمد وصار مشتركًا في الروح القدس، لأننا نعرف أنه الله، وبلا عيب، وقدوس من قدوس، لأننا نعترف أننا ” من ملئه جميعًا أخذنا” (يو1: 16). لأن الروح القدس ينبثق حقًّا من الله الآب، ولكنه خاص بالابن أيضًا. وكثيرًا ما يُدعى روح المسيح، رغم أنه منبثق من الآب. وهذا ما يشهد به بولس قائلاً: ” الذين في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله، أما أنتم فلستم في الجسد، بل في الروح إن كان روح الله ساكنًا فيكم، ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس للمسيح” (رو8: 8ـ9).

وأيضًا يقول ” بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا أيها الآب أبانا” (غل4: 6). لذلك فالروح القدس ينبثق حقًّا من الله الآب كما قلت، ولكن كلمته الوحيد، لكون بالطبيعة هو الابن حقًّا، وهو يلمع بأمجاد الآب، فإنه يعطيه (الروح القدس) للخليقة. ويمنحه لأولئك الذين يستحقون. لذلك فقد كان حقًّا ما قاله: “ كل ما للآب هو لي” (يو16: 15).

ولكن فلنرد على أولئك الذين يقلبون الإيمان الصحيح، بهذا السؤال “كيف يستطيع ذاك الذي نال الروح، إن كان هو حسب قولكم إنسانًا منفصلاً بنفسه، كيف يستطيع أن يعمِّد بالروح القدس ويعطي الروح القدس للذين يعتمدون؟” لأن القدرة مع غيرها من الصفات الأخرى هي خاصية مميزة لله القدير وحده، ولكن ذلك الذي أعطى الروح كان إنسانًا، لأن يوحنا الحكيم يقول: “ يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار” (يو1: 3؛ لو3: 16).

فكما أنه غير لائق بالله الكلمة، بصفته الله الكلمة أن يقترب من المعمودية المقدسة ويصير مشتركًا في الروح، هكذا بنفس الطريقة فإنه لا يُصدَّق إطلاقًا، بل بالحرى أنه من المستحيل أن نؤمن بأن القدرة على تعميد الناس بالروح القدس هي من عمل مجرد إنسان لا يزيد عنَّا في أي شيء. 

كيف إذًا يكون السر حقيقيًّا؟ إنَّه لأجل مساعدتنا اتخذ نوعًا من التكيُّف، فالكلمة الإلهي صار إنسانًا، كما يقول بولس الحكيم جدًّا: “الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخذ صورة عبد صائرًا في شبه الناس، ووضع نفسه إلى الفقر”. فابحثوا إذًا، مَن هو ذلك الذي كان أولاً في صورة الله الآب، وهو في الحقيقة مساوٍ له، ولكنه أخذ صورة عبد، وحينئذ صار إنسانًا، وإلى جانب ذلك جعل نفسه فقيرًا. هل هو الذي من نسل داود كما يجادلون، الذي يعتبرونه منفصلاً بنفسه كابن آخر، مختلفًا عن كلمة الله الآب؟

إن كان كذلك فدعهم يبيِّنون متى كان مساويًا للآب؟ دعهم يبيِّنون كيف اتخذ صورة عبد؟ أو ماذا سنقول عن ماهية صورة العبد تلك؟ وكيف أخلى نفسه؟ فهل يوجد ما هو أفقر من الطبيعة البشرية؟ لذلك فالذي هو صورة الله الآب وشبهه والتعبير الواضح عن شخصه، والذي يشع ببهاء في مساواة معه، والذي هو بالطبيعة حُر، ونير ملكوته موضوع على كل الخليقة، هذا هو نفسه الذي اتخذ صورة عبد، أي صار إنسانًا، وجعل نفسه فقيرًا إذ رضى أن يحتمل هذه الأمور البشرية ما عدا الخطية.

إنهم يعارضون قائلين: ولكن كيف اعتمد ونال الروح أيضًا؟ فنجيبهم: إنه لم يكن محتاجاً للمعمودية المقدسة إذ هو كلي النقاوة وبلا عيب، وقدوس من قدوس، كما أنه لم يكن محتاجًا للروح القدس، لأن الروح المنبثق من الآب هو معه ومساوٍ له في الجوهر، ولذلك يجب أن نستمع الآن إلى شرح التدبير أي خطة الله. إن الله في محبته للإنسان زوَّدنا بطريق للخلاص والحياة، لأننا بالإيمان بالآب والابن والروح القدس وباعترافنا بهذا الإقرار أمام شهود كثيرين، فأننا نغسل كل وسخ الخطية ونغتني بالحصول على الروح القدس ونصير شركاء الطبيعة الإلهية، وننال نعمة التبني.

لقد كان ضروريًّا إذًا أن كلمة الآب حينما وضع نفسه إلى الإخلاء وتنازل ليتخذ شكلنا، كان ضروريًّا أن يصير من أجلنا نموذجًا وطريقًا لكل عمل صالح، فالذي هو الأول في كل شيء ينبغي أيضًا أن يضع نفسه مثالاً في هذا. لذلك فلكي نعرف قوة المعمودية المقدسة نفسها والنعمة العظيمة التي نحصل عليها بالإقبال إليها، فإنه يبدأ هذا العمل (المعمودية) بنفسه، وحينما اعتمد صلَّى لكي تتعلموا أنتم يا أحبائي أن الصلاة بلا انقطاع هي أمر مناسب جدًّا لأولئك الذين حسبوا أهلاً للمعمودية المقدسة.

ويقول الإنجيلي إنَّ السماء قد انفتحت كما لو كانت مغلقة طويلاً، وقد قال المسيح “مِن الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان” (يو1: 51)، لأن الجمهور الذي فوق والجمهور الذي تحت قد صارا الآن واحدًا، وصار رئيس رعاة واحدًا للكل، والسماء قد انفتحت والإنسان على الأرض جُعل قريبًا من الملائكة القديسين، والروح أيضًا نزل، إذ كبداية ثانية لجنسنا جاء الروح على المسيح أولاً وقد ناله ليس لأجل نفسه، بل لأجلنا، لأننا بواسطته (المسيح) وفيه نغتني بكل الأشياء.

لذلك فإنه مناسب جدًّا لتدبير النعمة أن يحتمل معنا الأمور الخاصة بحالة الإنسان. وفي أي وضع آخر سنراه في إخلاء، ذلك الذي بطبيعته الإلهية هو الملء نفسه؟ وكيف صار فقيرًا مثلنا إن لم يتطابق مع فقرنا؟ وكيف أخلى نفسه إن كان يرفض أن يحمل مقاييس صغر الإنسان؟

لذلك فإذ قد اتخذنا المسيح كمثال لنا، فلنقترب من نعمة المعمودية المقدسة، ليكما نحصل على دالة الصلاة بلا انقطاع، ونرفع أيادي مقدسة إلى الله الآب، لكي ما يفتح السماء علينا نحن أيضًا، ويرسل علينا الروح القدس، ولكي يقبلنا كأبناء. لأنه تحدَّث عن المسيح في وقت المعمودية المقدسة، كما لو كان قد قَبِل الإنسان بواسطته وفيه إلى البنوة قائلاً: “ هذا ابني الحبيب الذي به سررت“.

فالذي هو الابن بالطبيعة والحق، وهو الوحيد الجنس، فإنه حينما صار مثلنا أعلن خاصة أنه ابن الله، لا كأنه ينال هذا لنفسه، لأنه كما قلت إنَّه كان ولا يزال دائمًا هو الابن ذاته، ولكنه يُعطي المجد لنا نحن، لأنه قد جُعِلَ باكورتنا، والبكر، وآدم الثاني. ولهذا السبب كُتِب أنَّ: ” كل الأشياء صارت جديدة فيه” (2كو5: 15)، لأنَّنا إذ قد خلعنا القِدَم الذي كان في آدم، فقد حصلنا على الجدَّة التي في المسيح، الذي به ومعه، لله الآب المجد والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

ظهور الرب وقت المعمودية – عظة 11 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)