آبائياتأبحاث

المسيح فصحنا الجديد ج2 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

المسيح فصحنا الجديد ج2 - القديس كيرلس الكبير - د. جورج عوض إبراهيم

المسيح فصحنا الجديد ج2 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

المسيح فصحنا الجديد ج2 - القديس كيرلس الكبير - د. جورج عوض إبراهيم
المسيح فصحنا الجديد ج2 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

 

المسيح هو نور العالم:

          ولَمَا كان النور الإلهي لم يكن قد أشرق بعد؛ لأن الأرض كانت ما تزال غارقةٌ في ظلام الجهل، وقد لوَّث رؤساء هذا الظلام قلوب الجميع. لذلك عندما أتى المخلِّص قال: ” أنا هو نور العالم” (يو8: 12، 9: 5)، وبما أن القديسون يُعتَبرون بمثابة مصابيح العالم التي تشع بكلمة الحياة، لذا كانوا جديرين أن يسمعوا قول المخلِّص: “ أنتم نور العالم” (مت5: 14)، حتى يمكنهم أن ينيروا الذين في الظلمة.

ولسوف تندهش أيضًا عندما يتبين لك أن هذه الأقوال إنما تُشير إلى عملٍ سريٍ آخر. لأنه في اليوم الرابع عشر من الشهر يُذبَحُ الخروف، هذا اليوم يكون فيه القمر مُكتَملُ البهاء، وينير كل المسكونة بنورٍ خافت يأخذ في الأُفول تدريجيًا، إذ أن هناك تلاشيًا اضطراريًا لكل مجد أرضى. يمكننا أن نفهم هذه الأمور رمزيًا من كون الشيطان ـ باعتباره رئيس الليل (المساء)، والمُمجَّد في كل المسكونة (بالمجد العالمي) ـ على مثال القمر (لأن القمر خُلِقَ ليسود على الظلام) (تك1: 16)، وهكذا يضع الشيطان حكمته الزائفة كمثل نورٍ كاذبٍ في قلوب المُضَلَّلين، موهمًا إياهم أن لمعان ذاته كامل، أما المسيح الذى مات لأجلنا ولأجل خلاصنا، فهو الحَمَل الحقيقي الذي رفع خطايا العالم (يو1: 29)، وأبطل مجد الشيطان الزائف. هذا المجد (الشيطانى) لابد وأن يتلاشى رويدًا رويدًا عندما تسير جموع الأمم صاعدةً نحو محبة الله وسلامه بإيمانهم بهذا العمل (السري) الخلاصى.

وقد تغنَّى سفر المزامير بهذا الأمر عندما قال عن المسيح:         “ يُشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر” (مز72: 7). فبتجسد المسيح أشرق البر ـ حقًا ـ بواسطة الإيمان والسلام الوافر بالرجوع إلى الله. ثم أُبطِلَ رئيس الليل، أي الشيطان. لكن عليك أن تلاحظ أنه لم يقُل ـ ببساطةٍ ـ إن القمر سيضمحل من ذاته، لكنه سيضمحل بواسطة آخر؛ لأن الواضح أن الشيطان كان قد فعل نفس الأمر قديمًا وحاول إخفاء بهاء مجد الإنسان.

 

المسيح واحد ولا يقبل الانقسام:

مكتوبٌ أيضًا: ” يأخذون لهم كل واحدٍ شاةً بحسب بيوت الآباء” (خر12: 3)؛ لأن المسيح هو كامل، حسب إيمان كل واحد منا، عندما تكون له شركة الروح القدس، والمسيح لا يُقسَّم كما يقول الرسول بولس (راجع 1كو12: 4). وإن كان هناك بيتٌ عدد أفراده قليلون، ولا يستطيعون أن يأكلوا خروفًا، فليأخذ كل واحدٍ معه جاره الموجود بالقرب منه. أي أن أولئك الذين لا يمكنهم بمفردهم إدراك سر المسيح تمامًا، أو لا يستطيعون استيعاب سر المسيح لضعف عقولهم، عليهم أن يأخذوا جيرانهم كمعاونين ومساعدين لهم في الإيمان. لأن ما يتجاوز قدراتنا الذهنية، يمكننا أحيانًا أن نفهمه بواسطة إرشاد الآخرين. وذلك مثلما فعل الخصي الحكيم الذي سأل فيلبس ليرشده عن النبوة التي كانت تشير إلى المسيح ” مثل شاة سيق إلى الذبح” فقال: ” أطلب إليك عن من يقول النبي هذا. عن نفسه أم عن واحد آخر” (أع32:8ـ34). أرأيت كيف أنه أخذ رأي جاره ـ لأن كل واحد منا هو جارٌ للآخر، إذ أن كلمة الإيمان مشتركة، ونحن جميعًا نؤمن بالواحد ـ وعندما بحث الخصى عن الحقيقة بعمق، صار مشاركًا فى الإيمان “بالحَمَل“، إذ طلب أن يعتمد مباشرةً وقد اعتمد فعلاً.

ويقول الكتاب عن “الشاةِ” أنها: ” تكون صحيحة” أى كاملة. حيث إن المسيح هو كامل إذ هو الله. كما أعلن المُشرِّع أن تكون الشاةُ ذكرًا؛ لأنه هو الزارع الذي يزرع بذور معرفة الله داخلنا وكأنها أرضُ يفلِّحُها، مثل كلام الأنبياء الذي أعدَّ البشريةَ لقبول المخلص الذى بشر به الإنجيليون.

وبالإضافة لكل هذه التعليمات، لابد وأن يكون عمر الخروف عامًا لا أقل، حتى لا يكون ناقصًا، ومن جهة أخرى فإنهم سوف يتممون الاحتفال بالفصح اللائق بالله بعدما يمر عامًا كاملاً على احتفالهم السابق، عندئذٍ يجنون ثمار خيرات الآلام محتفلين بالفصح.

 

المسيح هو الذبيحة التى بلا عيب:

مكتوبٌ أيضًا يأخذون الشاة من الخراف أو الماعز. والخروف بسبب أنه طاهرٌ وبرئٌ يعتبر ذبيحةً بحسب الناموس، بينما يُقدَّم الماعز على المذبح لأجل خطايانا. وهذا هو ما سوف تجده بالتأكيد في المسيح، فهو نفسه كان ذبيحةً بلا عيب إذ قدَّم ذاته لله أبيه كرائحةٍ ذكيةٍ، وكشاةٍ، ذُبِحَ بسبب خطايانا.

 

فاعلية دم المسيح:

كما أمر المُشرِّع أن يدهنوا القائمتين والعتبة العليا للمنازل بدم الحمل، قاصدًا بذلك الإشارة إلى أنه بدم المسيح المقدس والكريم نؤمِّن مسكننا الأرضي، أي الجسد، طاردين منه الموت الذي هو نتيجة العصيان، بالحياة التي نشترك فيها. وفي نفس الوقت نُسبب الاضطراب للشيطان المهلك، إذ بمسحة الدم نطرد بعيدًا الشيطان الذي يريد بنا شرًا طارحين بعيدًا الشهوات والأهواء الجسدية.

أمَّا “أبواب” بيوتنا، فهي حواسنا التي من خلالها نراقب نوعية الأمور التي تدخل قلوبنا، إذ يتسلل داخلنا ـ من خلالها ـ عدد لا يحصى من الرغبات. فلقد دعا النبي يوئيل الحواسَ أبوابًا قائلاً: “يتراكضون في المدينة، يجرون على السور، يصعدون إلى البيوت، يدخلون من الكُوى كاللص” (يؤ2: 9)؛ فى نبوة عن تلك الأبواب التى لم تُدهن بدم المسيح.

 

التناول من جسد المسيح ودمه والتبشير بموت المسيح وقيامته:

كما أمر الكتاب أن تؤكل الذبائح في ذات الليلة، أي هنا في الحياة الحاضرة.لأن بولس قد وصف هذه الحياة هكذا قائلاً: “ قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور” (رو13: 12)، داعيًا بوضوح لهذه الحياة التي ينيرها المسيح نفسه. هكذا يوصي أن نأكل الذبائح أثناء فترة حياتنا في هذا الدهر؛ لأنه بقدر ما نصير مشاركين المسيح بطريقةٍ روحيةٍ ومحسوسةٍ ـ أثناء وجودنا في هذا العالم ـ بتناول الجسد المقدَّس والدم الثمين، بقدر ما نصل إلى يوم قوته كما هو مكتوب (مز110: 3)، وبقدر ما نصعد إلى بهاء القديسين، نتقدس أيضًا بطريقةٍ يعرفها معطي الخيرات العتيدة ومانحها.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإن التناول من جسده المقدَّس، ومن دمه الكريم، يعني الاعتراف بالآم المسيح وموته الذي صار لأجلنا بالتدبير. لأنه هو نفسه قال لعارفيه حين حدَّد نظام السر: “ فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز، وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء” (1كو11: 26).

وباشتراكنا في الأمور التي أشرت إليها توًا ـ أثناء هذه الحياة الحاضرة ـ فإننا بالفعل نكرز بموت الرب، لكن عندما يأتي بمجد الآب، عندئذٍ لا نقدم له اعترافنا بموته، بل سوف نعرف الله بكل وضوح ” وجهًا لوجه” كما يقول الرسول بولس (راجع 1كو13: 12). إذ يقول: “ عالمين أن المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضًا. لا يسود عليه الموت بعد” (رو6: 9)، كما يقول أيضًا: ” إذًا نحن من الآن لا نعرف أحدًا حسب الجسد. وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد” (2كو5: 16). لأننا عندئذٍ سوف نعرفه بأكثر وضوح، ليس من جهة أنه أخلى ذاته عندما صار إنسانًا، لكن إذ هو إلهٍ حقيقيٍ أتمّ تدبير الله الخلاصي. عند ذلك ستكون الأقوال بالأكثر هى عن المعرفة الأسمى، إذ يشرق علينا بمعرفة الخلاص الإلهية من جانبه، تلك التي يعبِّر عنها بواسطة مجده الفائق.

 

ضرورة أن نكون حارين بالروح سالكين بنقاوة القلب:

نقرأ أيضًا أن الخروف يؤكل مشويًا بالنار؛ لأن أولئك الذين يشرعون في فهم سر المسيح، يجب أن يكونوا حارين روحيًا، ولذلك ينصحنا الرسول أن نكون هكذا (راجع رو12: 11).

كما يأمرهم أيضًا أن يأكلوا فطيرًا (خبز بلا خمير) على أعشابٍ مُرةٍ معلنًا بطريقةٍ رمزيةٍ أن الذين صاروا مشاركين للمسيح، عليهم أن يتغذوا على اشتياقات نقية لا خمير فيها، وأن يعتادوا على السلوك بنقاوة القلب الخالي من الشر، غير هاربين من التجارب المؤلمة وفق المكتوب: “ يا بنيَّ، إن أقبلت لخدمة الرب فاعدد نفسك للتجربة. أرشد قلبك وأصبر ولا تكن قلقًا في وقت الشدة” (حكمة يشوع بن سيراخ2: 1ـ2).

 

الإيمان المستقيم بالمسيح:

ويقول أيضًا: ” لا تأكلوا منه نيئًا” (خر12: 9). ماذا يعني بقوله هذا؟ الأكل النيئ لا يمضغ ولا يهضم، وهو يشير إلى الذين لا يفحصون الكلمة بتدقيق ليجدوا المسيح. أمَّا أولئك الذين يبحثون بتدقيق، فإنهم “يطهون” الكلمة ويتذوقونها وفق ما قاله داوود النبي:    “ عند لهجي بكلامك اشتعلت النار” (مز39: 3).

كذلك منعهم من أن يأكلوا اللحم مطبوخًا في الماء، معلنا بذلك أن الفكر الكاذب والمنحل عن المسيح لا يعتبر غذاءً مناسبًا لعقول المؤمنين. وما هو الاعتقاد الكاذب عن المسيح، إلاَّ عدم الإيمان بأنه هو الله بطبيعته، أو أن يحسبوا المسيح ضمن المخلوقات، وهو الأمر الذي لم يتردد البعض في القول به نتيجة جهلهم. وبينما يجمعون ويحرّفون تفسير الشواهد التي قيلت ـ بحسب التدبير ـ عن تأنُّسه، يجعلونها غذاءً لكفرهم الذي يسكن في داخلهم.

ومعنى قوله: ” لا تأكلوا منه نيئًا أو طبيخًا مطبوخًا بالماء، بل مشويًا بالنار” (خر12: 9)، هو أن الكلام عن إلوهيته كلامٌ حارٌ، وليس فيه شئ بارد أو كاذب وفق قول المزمور: “ كلمتك ممُحصة جدًا وعبدك أحبها” (مز 119: 14).

 

الاستنارة بمعرفة المسيح الكاملة:

كما أمر أيضًا أنْ يؤكَل رأسه مع أكارعه وجوفه، مريدًا لهم أن يحتووا داخلهم المعرفة الكاملة لسره.

 لأنه ينبغي ـ قبل كل شئ ـ أن يعرفوا أن الكلمة كان فى الآب ومع الآب منذ البدء إذ أنه هو الله بالفعل، أي كان هو بداية كل سر كالرأس. وثانيًا، وبما أنه الله، فإنه سوف يأتي ثانيةً كديّان لكي يضع نهاية لخطة خلاصه (أى ليتمم خلاصنا)، وهذا هو ما تشير إليه الأرجل التي هي فى نهاية الجسد. أمَّا الجوف، فيشير إلى الكلمة المتأنِّس المختفي فينا (داخلنا). إذن هذه الأقوال تُصِّور الإيمان كله، وبهذه المعرفة يتصوَّر المسيح فينا كاملاً، عندئذٍ يمكنني أن أؤمن بما يقوله يوحنا: “ الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء” (رؤ1: 8).

 

الحث على عدم التباطؤ عن الاستنارة بالروح القدس:

ومن ثمَّ، يأمر المُشرِّع قائلاً: “ ولا تبقوا منه حتى الصباح” (خر12: 10)، مبطلاً بهذا كما يبدو ـ بطريقة رمزيةٍ ـ محاولات التأجيل غير الصالحة التي تُسهم في عدم فهم السر كما يجب من جانب البعض. لأنه يقول لا تؤجِّل المعرفة الحقيقية والتامة عن المسيح، ولا يجب أن يتباطأ البعض في المشاركة التامة في فرح نهاية الأزمنة، فطالما آمنوا فليكملوا شركتهم. وهذا هو ما كان يفعله البعض من أولئك الذين كانوا قد قبلوا كلمة الوعظ وتعليم المسيح، لكنهم كانوا يتكاسلون من جهة نوال الروح القدس ونعمة المعمودية مؤجلين ذلك حتى يكبروا في السن. غير عارفين أن هذا التأجيل يمكن أن يجلب عليهم ضررًا كبيرًا غير متوقع، خاصةً لو نجح المرء منهم في تحقيق هذه الرغبة (أي تأجيل المعمودية حتى الأيام الأخيرة لحياته)، فإن رجاءه سيكون غير آمن. إذن، فمن يأكل حتى النهاية يتقدَّس بالتأكيد، وينال أيضًا غفرانًا لخطاياه، ويقدِّم لسيده الوزنة التي أُعطيت له دون أى لوم.

 

عقائد ثابتة مثل عظام لم تُكسر:

       ويقول: “ والباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار. ولا يُكسرُ له عظم” (خر12: 10س)؛ لأن العظم لا يؤكل بأسناننا، وشيءٌ مثل هذا يذكِّر أذهان البشر بالكلمة الأزلى. إنه الابن، وهو الابنُ بالطبيعة، وقد وُلِدَ من الله الآب، ونحن نؤمن به، دون أن نفتش أو نتشكك فيه وذلك وفقًا لكلام النبي القديس؛ ” لأن من يعرف طريقة ولادته؟ من يصف مولده؟” هكذا صرخ النبي (إش53: 8 س).

إذن، عدم كسر العِظام، يُشير إلى ثبات العقائد التي تفوق العقل. فهذه العقائد (العِظام) يحرِّم المُشرِّع سحقها، لكن الهراطقة، أولئك الذين يحرِّفون الحق قد سحقوها تمامًا في ذواتهم؛ لأنهم ـ إذ يعانون من طيش التفكير وعدم البصيرة ـ مصممون على الانشغال بطريقة الولادة الإلهية غير الموصوفة، ولا يقبلون عقليًا ما كُتِبَ: “من الذي يحصي رمل البحر وقطرات المطر وأيام الأبد؟” (حكمة سيراخ1: 2). هذا ما نتجنبه نحن ـ بحكمة ـ رافضين كسر عِظام الخروف، بل نقبل بالإيمان، تلك التعاليم التي هي أسمى وأعظم من قدراتنا. ومن الأهمية بمكان أن نتذكَّر أن هذا المكتوب قد طُبِّق حرفيًا على مخلصنا، حيث إن جنود بيلاطس لم يكسروا عظامه وفق ما كتبه يوحنا (راجع يو19: 33ـ36).

 

استنارة الدهر الآتى:

          ويقول: ” والباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار“، فالصباح يشير إلى استنارة الدهر الآتي، وقتذاك سنرى وجهًا لوجه ملكنا وإلهنا، ليس مثلما هو الآن في “الحياة الحاضرة” من خلال الرمز والظلال والمرآة كما يقول بولس (راجع 1كو13: 12). إذن، فحرق ما تبقى من الخروف إلى الصباح، يشير إلى تواري وانزواء الطريقة الرمزية والتصويرية بسبب سطوع المعرفة الأكثر لمعانًا.

كذلك أمرهم قائلاً لتكن: ” أحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم، وعُصيكم في أيديكم. وتأكلونه بعجلةٍ. هو فصحٌ للرب” (خر12: 11)، وكونهم يلبسون حزامًا على وسطهم، يرمز إلى سرعة التصرف والحيوية، وذلك مثل ما قاله الله لأيوب البار: ” أشدّد الآن حقويك كرجلٍ” (أيوب 38: 3)، وكما قال لنبي آخر: ” ويكون البر حزام حقويه والأمانة حزام خصره” (إش11: 5 س)، أي ليكون سريعًا وشجاعًا تجاه البر.

 

الاستعداد والصبر والرجاء:

ويرمز الحذاء إلى استعداد الإرادة للسير بدون إبطاء تجاه ما يريده الله. لأن بولس بنفس الروح قال: ” وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام” (أف6: 15). كذلك يقول الله: ” فالآن يا إسرائيل ماذا يطلب منك الرب إلهك إلاَّ أن تتقي الرب إلهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك” (تث10: 12).

والعُصي في الأيدي ترمز إلى الرجاء الذي يعضدنا، وتعطينا الصبر طبقًا لما نجده عند الأنبياء: ” فليتكل على اسم الرب ويستند إلى إلهه” (إش5: 10).

ويأمر المُشرِّع أيضًا أن يؤكل اللحم بعجلة، وهذه إشارة واضحة إلى أن الذى يتبع المسيح لا يجب أن يكون كسولاً، أو عنده لا مبالاة من جهة الأعمال الصالحة، لكن عليه أن يكون قويًا وحارًا من جهة استعداده للأعمال المفيدة والصالحة. تأمَّل ـ من فضلك ـ ما يقوله بولس الطوباوي: ” ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحدًا يأخذ الجعالة. هكذا اركضوا لكي تنالوا. وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أمَّا أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى وأمَّا نحن فإكليلاً لا يفنى” (1كو6: 24-25). وإنى انتهز هذه الفرصة لأقول إن الإنسان الذي تقدَّس بواسطة المسيح، يجب أن يكون نشيطًا لا خاملاً أو غير مبالٍ، بل عليه أن يلبس ملابس الرحالة، وبذلك يشير إلى أمرين: الأول، هو أن هذه الملابس تشير إلى أن الذى يتبع المسيح عليه أن يُسرع تجاه الحق. والثاني، هو الإشارة إلى أنه يجب عليه أن يُسرع إلى عمل الخير والصلاح وممارسة الفضيلة تاركًا ملذات العالم الشريرة.

 

الفصح هو عبور من الحياة الحاضرة إلى حياة الدهر الآتى:

          ويسمي المُشرِّع كل ما قاله بشأن ذبيحة الحمل: ” إنه فصحٌ للرب” (خر12: 11)، أي العبور من الحياة الحاضرة إلى المدينة التي يُسرُّ بها الله. ويُظهِر لهم الفائدة العظيمة التي سوف ينالونها عند إتمام هذه الذبيحة وهى الوعد بأن يحميهم من الهلاك، بينما يُهلك كل بكر من المصريين. وفي الوقت الذي يأكلون فيه الحمل، يكون دمه علامةً يحتمون فيه من الضربات التي ستحل فى أرض مصر. لأن الله يعاقب العنيد والعاصي وكل من لا يشتاق لحياة القداسة التي يمنحها المسيح، بينما يجعل الممسوحين بدم الحمل الحقيقي مستحقين للعناية الصالحة من جانبه، لذا هو لا يدع المؤمنين المقدسين أن يهلكوا مع غير المؤمنين، بل يمنحهم نعمةً فائقةً.

 

حياة النقاوة:

أخيرًا يأمر أولئك الذين أكلوا الحمل المقدس، أن يغتذوا لمدة سبعة أيام بفطير، (أي خبزًا غير مختمِرٍ)، مشيرًا بذلك ـ كما يبدو ـ إلى أن الذين تقدَّسوا بواسطة المسيح سوف يتغذون على رغبات طاهرة ويبتعدون عن أي شرٍ. ويقول: ” ويكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس وفي اليوم السابع محفل مقدس” (خر 12: 21)، لأن زمن الخلق في البداية (قبل السقوط) كان مقدَّسًا؛ لأن آدم الأب الأول لم يكن قد ابتعد بعد عن الفردوس بسبب عصيانه، لكنه كان يعيش الفردوس في داخله، وقد طبَّق الوصية التي أُعطيت له. وزمن الأيام الأخيرة هو أيضًا زمن التقديس؛ لأن المسيح يُبرّرـ في ذلك الزمن ـ أولئك الذين يأتون إليه بالإيمان، ويحضرهم مرةً ثانيةً هناك إلى ما كنا عليه في بداية الخليقة أى فى ذلك الزمن المقدس.

إذن لقد أشارت كل هذه الأقوال مسبقًا لسر مخلصنا يسوع المسيح. لذلك قال المسيح نفسه لليهود: “ لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني” (يو5: 46).

 

المسيح فصحنا الجديد ج2 – القديس كيرلس الكبير – د. جورج عوض إبراهيم

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)