آبائياتأبحاث

التوافق أو العمل معا ف7 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

التوافق أو العمل معا ف7 - الفردوس بين يديك - الأب أنتوني م. كونيارس

التوافق أو العمل معا ف7 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

التوافق أو العمل معا ف7 - الفردوس بين يديك - الأب أنتوني م. كونيارس
التوافق أو العمل معا ف7 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

 

 

الفردوس بين يديك

هأنذا واقف على الباب وأقرع

الفصــل الســـــــابع – التوافق أو العمل معًا

 

 

الله والإنسان يتعاونان معًا. فالله يحترم

إرادتنا الحرة، ولا يقتحم الباب.

 

 

العمل معًا

  • في دراستنا المتواصلة لهذه الآية الرائعة، سنُركِّز الآن على معنى كلمة يفتح، «إن سمع أحد صوتي و “فتح” الباب… »
  • كيف نفتح الباب؟ لماذا يرفض الكثيرون فتح الباب للربِّ يسوع؟ كثيرون يشعرون بعدم استحقاقهم فتح الباب، لكنهم بحاجة لتذكر شيء واحد، وهو أن الرب بنفسه يطلب منهم أن يفتحوا الباب. إنه الواحد الذي يقرع, وهو الواحد الذي يريد أن يدخل حياتنا. وهذا يوضح موضوعًا مؤكِّدًا بدرجة كبيرة في اللاهوت الأرثوذكسي وهو موضوع الانسجام أو التوافق في العمل معًا SYNERGY.
  • التوافق في العمل معناه التعاون. والكلمة الإنجليزية Synergy مشتقَّة من الكلمتين اليونانيتين syn & ergon بمعنى “التعاون” أو “العمل معًا”. الله والإنسان يتعاونان، أي يعملان معًا. يقول بولس في (1كو9:3) “فإننا نحن عاملان  Synergoiمع الله”. الله يتعامل معنا كأبناء وبنات، لا كعبيد أو ماكينات. وهذا معناه أنَّه يحترم حريَّة إرادتنا. إنه لا يقتحم الباب, ولا يأتي كسارق بل كمخلِّص, إنَّه ينتظر أن نفتح الباب قبل أن يدخل.
  • وهذا ما كتبه الأب ليف جيليه Lev Gillet:

“إن شركة الإنسان مع المسيح واتحاده مع الله تتطلَّب تعاون قوَّتين غير متساويتين، لكنهما ضروريَّتان بنفس الدرجة, وهما النعمة الإلهية والإرادة الإنسانية”. هل معنى ذلك أنَّنا ننسب لإرادة الإنسان الحُرَّة أكثر ممَّا ننسبه لنعمة الله؟ بالطبع لا! فالذي يقوم به الله من أجل خلاصنا أعظم مما يقوم به الإنسان بما لا يقاس. الله يقوم بنسبة 99.9% من عمل الخلاص, والإنسان يقوم بـ 0.1% فقط, وهذه هي النِّسبة التي نقوم بها بفتح الباب له: 0.1% !

  • هناك بعض المسيحيين يُغلقون الباب على فكرة التوافق، أي تعاون الله مع الإرادة الحرَّة للإنسان, وهم يرفضون عبارة بعض الآباء الأولين أن الله يجذب أولئك المستعدِّين للمجيء, وبدلاً من ذلك يؤمنون أن الله يجعل حتى من غير المستعدِّين, مستعدِّين لعمل إرادة المسيح. المسيحيون الأرثوذكس يؤمنون أن الله لن يقوم بعمل أي شيء ما لم نفتح له الباب.
  • كتب القديس كيرلس الأورشليمي Cyril of Jerusalem:

 “على الله أن يمنح نعمته، وعليكَ أنت أن تقبلها وأن تحرسها.”

  • عبَّر ترانش C.Trench عن ذلك هكذا:

“كل إنسان هو سيِّد بيت قلبه. إنه قلعته، وعليه أن يفتح أبوابها، ويكون لديه الامتياز المُحزِن لرفضه أن يفتح الباب.” لذلك, فإنَّ المسيح يتوسَّل، ويعرض، ويقرع، ويدعو، حتى إنه يموت على الصليب ويقوم ليجذب انتباهنا ومحبتنا، ولكن كل هذا لا فائدة منه ما لم نفتح له الباب وندعوه إلى الدخول.

الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يفعله:

  • كتب الأب جورج فلوروفسكي George Florovsky قائلاً:

“إنَّ عطيَّة الحياة, الحياة الحقيقيَّة وُهِبَت لكلِّ البشر, وما زالت توهَب لهم بصورة مُستمرَّة ومُتـزايدة. إنَّها ما زالت توهَب, لكنها ليست دائمًا تُقبَل”.

الله يقرع إلى الأبد على أبواب قلوب البشر, لكنَّ الإنسان نفسه هو الذي يمكنه إغلاقها. حقًّا فبدون المسيح لا يستطيع الإنسان شيئًا. ومع ذلك هناك شيء واحد يستطيعه الإنسان, ألا وهو الاستجابة للنداء السماوي و “قبول” المسيح, وهذا الشيء الواحد يفشل فيه جدًّا الكثيرون.

إن مصير الإنسان مُحدَّد في قلوب البشر, هل ستكون هذه القلوب مُغلَقَة حتى أثناء قرع الآب السماوي؟ أم سينجح الإنسان في فتحها استجابة لنداء المحبَّة الإلهيَّة؟

قلب كل إنسان بستان:

  • قلب كل إنسان بستان، بستان سرِّي حفظه الله لنفسه بشكلٍ فريد, وهذا البستان مُغلَق كخزانة لها مفتاحان, الله لديه مفتاحٌ، وقلب الإنسان لديه المفتاح الآخر, وهكذا فإنَّ الله لا يمكنه الدخول دون موافقة الإنسان. وهنا يقع الاختلاف العظيم بين الطبيعة والإنسان, فخزانة الطبيعة لها مفتاح واحد فقط وهو في يد الله, ولكن لأن الإنسان يتمتَّع بعطيَّة الحريَّة، فهو يمتلك المفتاح الآخر، ويمتلك معه سُلطة الابتعاد عن الله، وإبقاء الباب مغلقًا. دائمًا ما يكون الله عند باب البستان ومعه مفتاحه, وقد يتظاهر الإنسان أنَّه قد فقد مفتاحه، أو أنَّ المفتاح لا يعمل جيِّدًا، أو أن البستان ليس جميلاً, ولكن طيلة هذا كله يكون المفتاح في يده، وليته يستخدمه. البستان الذي نتحدَّث عنه بالطَّبع هو جنة عدن الجميلة, حيث كان الله يسير مع الإنسان عند هبوب ريح النهار.

لماذا لا نفتح الباب؟

  • لماذا لا يفتح الناسُ البابَ ليسوع؟ هناك أسباب كثيرة لذلك.
  • ذات مرة قال سورين كيركجارد Soren Kierkegaard:

“نحن نختار أن نغلق باب قلوبنا لأننا نريد أن نعيش في بيت ذواتنا المحطَّم, وهذا هو الجحيم.”

  • سبب رئيسي آخر هو أن الناس لا يشعرون بحاجتهم إلى فتح الباب, ويشعرون أنَّه يكفيهم أن يؤمنوا بالله عقليًّا (رغم أن الشياطين أيضًا يؤمنون عقليًّا), يشعرون أنه يكفيهم أن يُعجبوا بتعاليم الله, ويكفيهم أن يقولوا صلواتهم له من الجانب الآخر من الباب المغلق عبر ثقب المفتاح.
  • تخيَّل زوجًا وزوجته يتحادثان معًا من خلال ثقب مفتاح، ويعتبران ذلك علاقة مُرضية, يعتقدان أنه يكفيهما أن يطرحا الأموال أمام الله تحت الباب المغلق عن طريق دفع عطاياهما الكنسيَّة، ومع ذلك نادرًا ما يشتركان في الليتورجية والأسرار, ويكفيهما في تقديرهما الخاص محاولتهما أن يكونا أخلاقيِّيْن مستقيمَيْن صالحَيْن لطيفَيْن, أو يكفيهما أنهما تعمَّدا في الماضي والآن هما مسجَّلان في قائمة عضوية الكنيسة.
  • والآن ربما يشعران أن هذا كله يكفيهما، لكن الرب يسوع لا يكفيه ذلك, إنَّه لا يريد ذلك الباب المغلق بينه وبين أيٍّ من أبنائه, فلا يمكن أن تكون هناك علاقة حقيقيَّة بين البشر الذين يعيشون على جانبَيْ باب مغلق. ليس هناك على الإطلاق بديلٌ عن فتح الباب المُغلَق.
  • آخرون يرفضون فتح الباب ليسوع لأنهم يشعرون أنَّهم غير مستحقين.

قصَّة:

  • هذا يُذكِّرني بقصَّة قرأتها عن خادم حَلِم حلمًا عن زائر واقف على بابه يقرع, فلمَّا تعرَّف الخادم على الزائر أنَّه هو الرب يسوع, تضايق جدًّا, وقال في نفسه: “لا يمكنني أن أسمح له أن يدخل هذا المكان غير المُرتَّب”, ومن ثمَّ فقد أخذ يكنس المكان ويمسح أثاثات البيت من الغبار العالِق, ولكن بقدر ما كان يُنظِّف, بقدر ما كان المكان يظهر أكثر قذارة, وأخيرًا فإنَّه استسلم وقال: “أيُّها السيِّد الرب, لم تعد فيَّ قوَّة لأعمل شيئًا أكثر, فتعالَ أنت إن شئت في هذا المكان غير المُهندَم والقذر”, وللحال دخل الرب يسوع, وللوقت, كما لو كان بفعل عصا سحريَّة, صار المنـزل في غاية النظافة والرَّونق والجمال. عندئذٍ صرخ الخادم: “أيُّها السيِّد, حضورك في الداخل أكمل ما عَجَزَتْ عنه كل قوَّتي, وأكملتَ كل نقصي”, وبعدئذٍ استيقظ الخادم من حلمه وقد صار إنسانًا جديدًا.
  • مهما جاهدنا واجتهدنا, فلن نستطيع أن نُنظِّف بيتنا ليكون لائقًا بحضوره, ولكن حضوره فقط هو الذي يُنظِّفنا ويجعلنا مُستحقِّين, لذلك تعالَ وافتح له الأبواب المغلقة. إنَّنا غير مُستحقِّين بالتمام عندما يأتي إلينا عندما نذهب لننال الجسد المُقدَّس, ولكن مجيئه إلينا ليسكن فينا هو الذي يُنظِّفنا من خطايانا ويجعلنا مُستحقِّين. نحن نأخذ الأسرار الإلهيَّة: “لغفران الخطايا ونوال الحياة الأبديَّة”. إنَّه هو الذي يُطهِّر وينظِّف بيت أرواحنا, وليس نحن. نحن نتوب وهو الذي يغفر ويُطهِّر. نحن مُستحقُّون ليس لأنَّنا أبرار, ولكنَّنا مُستحقُّون لأنَّه هو يحبُّنا.

المسخِّر:

  • بالإضافة للكبرياء، واللامبالاة، والشعور بعدم الاستحقاق، هناك سبب آخر يدعو الناس لعدم فتح الباب ليسوع، وهو أنهم ينظرون إليه كما لو كان مُسخِّرًا قاسيًا.
  • ذات مرة ذهب كاهن إلى بيت امرأة فقيرة بمبلغ مادي لمساعدتها في دفع إيجارها, قرع الباب مرات ومرات، ولم تكن هناك استجابة. كانت السيدة العجوز بالداخل طوال هذه المدة، وقد شرحت فيما بعد سبب عدم فتحها الباب وقالت: “لقد سمعتُ القرع، لكني اعتقدتُ أن الذي يقرع الباب هو المالك قادمًا ليطلب منِّي الإيجار، لذلك لم أفتح الباب.”
  • هو الواحد الوحيد الواقف على الباب ويقرع وهو آتٍ ومعه عطيَّة، لكن هناك كثيرون جدًّا يشعرون أنَّه آتٍ ليطالبهم بالدفع. القرع هو قرع المخلِّص، لكنَّنا كثيرًا ما نعتقد أنَّه قرعُ مسخِّرٍ قاسٍ. إنه آتٍ ليمنحنا الأخبار السارَّة، لا بالثمن المطلوب، بل بالثمن المدفوع, المدفوع عن آخره. إنه آتٍ ليملأ فراغنا الكئيب بملء حياة الله ومحبته. إنَّه آتٍ لا ليفرض علينا الأوامر، بل ليقدِّم لنا دعوة للمائدة السماوية. إنَّه واقف على الباب ويقرع, لا كعدو بل كصديق، كالراعي الصالح، كالواحد الذي أحبَّنا، وبذل ذاته عنَّا، كالواحد الذي افتقر وهو غني، لكي نستغني نحن بفقره. أمَّا لأولئك الذين فتحوا الباب ودعوا الرب يسوع إلى قلوبهم، ويشعرون أنَّه ليست لديهم حاجة لدعوته فيما بعد, فدعني أُصلِّي معهم هذه الصلاة الجميلة التي كتبها القديس أغسطينوس منذ قرون:

يا رب، أُصلِّي حقًّا أن قلبي الذي فيه موطئ قدميك، يقبل منك المزيد والمزيد، حتى يمتلئ كياني بأكمله بكيانك أنت بأكمله, يومًا فيومًا. آمين.

  • كتب واحد يقول:

“يمكننا أن نقبل من الله كما نشاء. فالمسيح يضع مفتاح غرفة الكنـز في يدنا، ويدعونا أن نأخذ منها كل ما نريد. فلو كان إنسان ما مُصرَّح له بدخول خزانة السبائك الذهبية في أحد البنوك، وأتيُحت له الفرصة كاملةً، وخرج منها بسنتٍ واحد، فاللوم كم يقع على هذا الإنسان الفقير؟ وكم من اللوم يقع على المسيحيين عامةً , الذين يمتلكون مثل هذه المقادير الهزيلة من خيرات الله المجانية, بينما كل العطايا مهيَّأة لهم؟”

  • كم نريد من الله؟ هل ما يعادل بنسَيْن؟ أم ما يعادل مِلأَه؟ الأمر كله يعتمد على كم من العمق تفتح له باب الصلاة.

 

التوافق أو العمل معا ف7 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس