الإلحاد بمعناه الواسع هو عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود الآلهة. وبالمعنى الضيق، يعتبر الإلحاد على وجه التحديد موقف أنه لا توجد آلهة. عمومًا يشير مصطلح الإلحاد إلى غياب الاعتقاد بأن الآلهة موجودة. ويتناقض هذا الفكر مع فكرة الإيمان بالله أو الألوهية، إذ أنّ مصطلح الألوهية يعني الاعتقاد بأنه يوجد على الأقل إله واحد.
في هذا القسم نقوم بالرد على أشهر الاعتراضات والافكار الالحادية القديمة والمعاصرة بأسلوب علمي.
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
لقد أثار موضوع نشأة الكون حيرة العلماء والفلاسفة واللاهوتيين على حد سواء لفترة طويلة. غالبًا ما يؤدي اتساع وتعقيد الكون إلى هذا السؤال: هل أوجد الكون نفسه ونشأ هكذا عن طريق أحداث كونيّة عشوائية بدون صانع ذكي (الاله)؟
يقدم الكتاب المقدس إجابة محددة في النص الاول من سفر التكوين ” فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. (تكوين 1: 1). تؤكد هذه العبارة الواضحة أن الله هو مصدر كل ما هو موجود، مما ينفي أي اعتقاد بأن الكون قد اوجد نفسه تلقائيًا أو بالصدفة عن طريق أحداث كونية عشوائية.
ومع ذلك، يقاوم العديد من علماء الفيزياء والطبيعة هذا التفسير، مفضلين النظرية القائلة بأن الكون نشأ من خلال عمليات طبيعية بحتة. إحدى أبرز النظريات هي نظرية الانفجار الكبير، التي تفترض أن الكون بدأ من حالة التفرد، وهي حالة من الكثافة ودرجة الحرارة اللانهائية، ثم توسّع وامتدّ منذ ذلك الحين. ومع ذلك، حتى أنصار هذه النظرية، مثل الدكتور أندريه ليندي Dr. Andrei Linde، يعترفون بأن هذه النظرية لا تفسر كيف نشأ الكون من العدم. في حين ان الكتاب المقدس أوضح لنا أن كل شيء جاء إلى الوجود بكلمة الله: “بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا.” (مز 33: 6)
هل كان للكون بداية؟
لقد أثبتت الاكتشافات العلمية خلال القرن الماضي أن الكون يتمدد ويتوسع، مما دفع العديد من العلماء إلى استنتاج أن له بداية. وهذا يتوافق مع رواية الكتاب المقدس، التي تقول ان هناك نقطة بداية واضحة حددها الكتاب في اول نص من سفر التكوين “فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.” (تك 1: 1).
في عشرينيات القرن العشرين، اكتشف علماء الفلك أن المجرّات البعيدة كانت تبتعد عنا، وهي ظاهرة تعرف باسم “الانزياح نحو الأحمر”redshif”. تشير هذه الظاهرة إلى أن الكون يتمدد ويتوسع، وبذلك تضيف هذه الظاهرة الى الاستنتاج ان الكون له بداية، وهو الاستنتاج الذي أزعج العديد من العلماء لأنه يتناقض مع فكرة الكون الأبدي.
قال السير برنارد لوفيل، Sir Bernard Lovell وهو عالم فلك بارز، ذات مرة: “إذا كان الكون، في مرحلة ما في الماضي، قريبًا من حالة فريدة ذات حجم متناهٍ في الصغر وكثافة لا نهائية، فيجب علينا أن نتساءل عما كان موجودًا من قبل وكيف نشأ وما كان خارج الكون”. إن السؤال عما كان موجودًا قبل الكون وكيف نشأ يشير مباشرة إلى الحاجة إلى خالق.
يكشف الكتاب المقدس أن الله موجود خارج نطاق الزمان والمكان، وأنه خلق كل الأشياء بقدرته الإلهية وحكمته. يقول إشعياء النبي “ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ.” (إش 40: 26).
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
هل الكون مهيأ للحياة؟
يعد الضبط الدقيق للكون أحد أقوى الحجج ضد فكرة أنه جاء إلى الوجود من خلال عمليات طبيعية عشوائية. وقد حدد العلماء أربع قوى أساسية تحكم الكون: الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية، والقوة النووية الضعيفة، وهذه القوى يجب أن يتم معايرتها بدقة وأدنى انحراف من شأنه ان يؤدي الى انهيار الكون وبالتالي يصبح غير صالح للحياة. وهذ ما يطلق عليه علميا (معايرة أو هندسة الثوابت الكونية) وهو وجود ثوابت طبيعية لها مقادير محدده ذات دقه متناهيه لا تخرج عنها. هذه الثوابت الكونية لو اختلفت بمقادير جدا صغيره سوف تتسبب ليس فقط في استحالة ظهور الحياة ولكنها تتسبب في استحالة تركيب الكون من العناصر الكونية وذلك لانهيار هذه العناصر.
وقد حدد العلماء كما أشرنا إلى أربع قوى أساسية تحكم الكون (The Four Fundamental Forces):
قوة الجاذبية – Gravitational Force
القوة الكهرومغناطيسية – Electromagnetic Force
القوة النووية القوية – Strong Nuclear Force
القوة النووية الضعيفة – Weak Nuclear Force
الجاذبية، على سبيل المثال، يجب أن تكون متوازنة تماما. ولو كانت أقوى قليلاً، لاحترقت النجوم بسرعة كبيرة وانهارت، مما يمنع تكوين الكواكب التي تحافظ على الحياة. فإذا كانت الجاذبية أضعف قليلاً، فلن تحترق النجوم بدرجة كافية من الحرارة للحفاظ على الاندماج النووي، وسيمتلئ الكون بمادة باردة خاملة. وبالمثل، فإن القوة الكهرومغناطيسية مسؤولة عن احتجاز الإلكترونات حول نواة الذرات، مما يتيح التفاعلات الكيميائية الضرورية للحياة. وأي تغيير طفيف في هذه القوة من شأنه أن يمنع تكوين الجزيئات، مما يجعل الحياة مستحيلة.
تشير هذه الشروط الدقيقة إلى مصمم خلق الكون عمدًا آخذا بعين الاعتبار وضع الاسس والقوانين لإمكانية الحياة في هذا الكون.
يسأل الله ايوب في سفر ايوب “أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أو مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَارًا؟ سفر أيوب 38: 4-5
إن دقة قوانين الكون وثوابته هي بمثابة دليل دامغ على خلق الله المتعمد.
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
ما هو الدور الذي تلعبه القوى النووية القوية والضعيفة؟
بالإضافة إلى الجاذبية والكهرومغناطيسية، تُظهر القوى النووية القوية والضعيفة أيضًا الضبط الدقيق الضروري للحياة. تربط القوة النووية القوية البروتونات والنيوترونات معًا في نواة الذرة، مما يسمح بتكوين العناصر. ولو كانت هذه القوة أضعف قليلاً، فلن يوجد سوى الهيدروجين، ولن تتشكل أي عناصر أخرى. ولو كان أقوى قليلًا، فلن توجد سوى العناصر الأثقل، ولكان الهيدروجين، وهو مكون أساسي في الماء والمركبات العضوية، غائبًا.
تتحكم القوة النووية الضعيفة في التحلل الإشعاعي وتلعب دورًا في عمليات الاندماج النووي التي تزود النجوم بالطاقة مثل الشمس. وبدون التوازن الدقيق لهذه القوة، ستحترق النجوم بسرعة كبيرة جدًا أو ببطء شديد، مما يؤدي إلى تعطيل إنتاج الطاقة الضروري لاستدامة الحياة على الأرض. يتأمل الكتاب المقدس في عظمة خليقة الله، مؤكداً على حكمته في دعم كل الأشياء: “فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ” (كو 1: 16-17).
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
كيف يدعم موقع الأرض في النظام الشمسي الحياة؟
إن سمات الأرض الفريدة وموقعها داخل النظام الشمسي يوضحان بشكل أكبر الدقة الإلهية التي ينطوي عليها الخلق. تقع الأرض على مسافة مثالية من الشمس، وغالبًا ما يشار إليها باسم “Goldilocks zone” ويعنــي “المنطقة المعتدلة” أو ما يطلق عليه “النطاق الامثل والانسب الذي يصلح للحياة” حيث تكون درجات الحرارة مناسبة للمياه السائلة – وهو عنصر حاسم للحياة. إذا كانت الأرض أقرب إلى الشمس بنسبة 5% فقط، فسوف تتعرض لظاهرة الاحتباس الحراري الجامحة، وتصبح ساخنة بشكل لا يطاق. وعلى العكس من ذلك، إذا كانت المسافة أبعد بنسبة 1% فقط، فسوف تصبح أرضًا قاحلة متجمدة.
بالإضافة إلى بعدها المثالي عن الشمس، يتم أيضًا ضبط دوران الأرض وخصائصها المدارية بدقة. ويضمن دوران الكوكب درجات حرارة معتدلة بين النهار والليل، في حين أن مداره شبه الدائري يمنع التغيرات الموسمية الشديدة. تتيح هذه الخصائص توفير البيئة المستقرة التي تدعم الحياة والتي غالبًا ما نعتبرها أمرًا مفروغًا منه. هذه الدقة ليست من قبيل الصدفة. فهذا يشير مباشرة إلى التصميم المتعمد للخالق. وكما أعلن النبي إشعياء، “لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ.” (إش 45: 18).
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
ماذا يخبرنا القانون الثاني للديناميكا الحرارية؟ The second law of thermodynamics
يشير القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الأنظمة تميل نحو الفوضى مع مرور الوقت. يمكن ملاحظة هذا القانون في الحياة اليومية، حيث تتحلل المباني، وتتعطل الآلات، وتتقدم الكائنات الحية في العمر. ونظرًا لهذا الميل الطبيعي نحو الفوضى، يجب أن يكون الكون أيضًا في حالة من الفوضى المتزايدة. ولكن لا نرى اطلاقا هذه الفوضى في نظام الكون – بل على العكس – ان ما نلاحظه هو ان الكون منظم ومنظم للغاية. تتبع الكواكب مدارات يمكن التنبؤ بها، وتتألق النجوم بثبات لمليارات السنين، وتحافظ القوى الأساسية على التوازن الدقيق الضروري للحياة.
ويقدم الكتاب المقدس تفسيرا لهذا التناقض الواضح. فالله إله نظام وليس فوضى. وكما تقول رسالة كورنثوس الأولى 14: 33 لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ.
إن النظام والاستقرار الملحوظين في الكون هما انعكاس لقدرة الله الداعمة.
وهذا ما تؤكده رسالة العبرانيين أن المسيح الَّذِي، “وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ”. (رسالة العبرانيين 1: 3)
إن وجود الكون ذاته، بقوانينه المضبوطة بدقة وتحدّيه للعشوائية والفوضى يشهد على تدخل الله المستمر في الحفاظ على الخليقة.
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
تلخص هذه الآية وجهة النظر الكتابية للكون. كل جانب من جوانب الكون — من المجرات الواسعة إلى أصغر الذرة — يكشف جلالة خالقه وحكمته. إن الاكتشافات الحديثة في علم الفلك والفيزياء لا تؤدي إلا إلى ان نتعمّق برهبة في دقة كيفية خلق الله لهذا الكون.
العدد الهائل من النجوم في الكون أمر محيّر للعقل. تحتوي مجرة درب التبانة وحدها على أكثر من 100 مليار نجم، وهناك ما يقدر بنحو 50 مليار مجرة في الكون المرئي. ومع ذلك، على الرغم من اتساع الكون، يذكرنا الكتاب المقدس أن الله يعرف خليقته عن كثب: ” يُحْصِي عَدَدَ الْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ “. (مزمور 147: 4). إن الله الذي خلق الكون الواسع يعرف أيضًا كل خليقة من مخلوقاته بالاسم، مما يدل على قدرته وعنايته الشخصية في كل ما صنعه.
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
كيف يفشل التطور الكوني في تفسير تصميم الكون؟
على الرغم من الأدلة الدامغة على التصميم في الكون، إلا أن العديد من العلماء ما زالوا معتقدين بنظرية التطور الكوني، التي تشير إلى أن الكون وكل ما فيه نشأ من خلال عمليات عشوائية وغير موجهة. غالبًا ما يكون هذا الرأي مصحوبًا بالاعتقاد بأن المادة والطاقة يمكن أن تخلق نفسها بنفسها، وهي فكرة تتناقض مع المبادئ العلمية وتعاليم الكتاب المقدس.
تدحض هذه الآية بشكل مباشر فكرة أن الكون يمكن أن يخلق نفسه من مادة أو طاقة موجودة مسبقًا. وبدلا من ذلك، يؤكد أن الله خلق الكون من العدم، وهو مفهوم يُعرف بالخلق من العدم. إن فعل الخلق هذا يتجاوز الإدراك البشري، ولكنه يتوافق مع شخصية الله القدير الذي تكلم عن نشأة هذا الكون.
كما فشل التطور الكوني في تفسير الضبط الدقيق الملحوظ في الكون. كما رأينا، فإن القوى الأساسية والثوابت الطبيعية يتم معايرتها بدقة للسماح بوجود الحياة. إن احتمال اصطفاف هذه القوى عن طريق الصدفة منخفض للغاية لدرجة أنه يتحدى التفسير العقلاني. تؤكد رسالة رومية أن “صفاته غير المنظورة، أي قدرته الأبدية وطبيعته الإلهية، تظهر بوضوح منذ خلق العالم في المصنوعات”. “لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ.” (رو 1: 20).
إن دليل التصميم في الكون واضح ولا يمكن إنكاره، ويشير مباشرة إلى وجود الخالق.
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
هل يستطيع العلم تقديم تفسير كامل؟
العديد من العلماء، الرافضين لفكرة وجود الخالق، يواصلون البحث عن تفسيرات طبيعية لأصل الكون. يشير نموذج الكون التضخمي، الذي اقترحه الفيزيائي آلان جوث Alan Guth، إلى أن الكون شهد توسعًا سريعًا مباشرة بعد الانفجار الكبير. وبينما تحاول هذه النظرية تفسير تطور الكون، إلا أنها لا تأخذ في الاعتبار أصل نشأة الكون. وقد اعترف الدكتور جوث نفسه بأن نظريته «لا تفسر كيف نشأ الكون من العدم». يسلط هذا الاعتراف الضوء على محدودية التفسيرات الطبيعية.
كمسيحيين، نحن ندرك أن العلم له حدوده. في حين أن البحث العلمي يمكن أن يكشف الكثير عن طريقة عمل الكون، إلا أنه لا يستطيع الإجابة على الأسئلة النهائية حول المعنى والغرض والأصل والنشأة. لكن الكتاب المقدس يقدم هذه الإجابات. يقول لنا سفر الامثال ” الرَّبُّ بِالْحِكْمَةِ أَسَّسَ الأَرْضَ. أَثْبَتَ السَّمَاوَاتِ بِالْفَهْمِ. بِعِلْمِهِ انْشَقَّتِ اللُّجَجُ، وَتَقْطُرُ السَّحَابُ نَدًى. (سفر الامثال 3: 19 – 20)
ختاما نقول إن تعقيد الكون ونظامه هما نتيجة حكمة الله وفهمه، وليس الصدفة العمياء أو العمليات الطبيعية العشوائية.
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
ليكون للبركة.
ترجمة: Patricia Michael
Can the Universe Create Itself, or Is There Evidence of a Creator?
هل يمكن للكون أن يخلق نفسه أم أن هناك دليل على وجود خالق؟ ترجمة: Patricia Michael
كتاب إن كان الله ضابط الكل فلماذا؟ PDF – الراهب القس سارافيم البرموسي
كتاب إن كان الله ضابط الكل فلماذا؟ PDF – الراهب القس سارافيم البرموسي
كتاب إن كان الله ضابط الكل فلماذا؟ PDF – الراهب القس سارافيم البرموسي
تعرف على الكتاب
“ذاك هو الشعور المسيحي الواجب؛ أنّنا مسؤولون أمام ضمائرنا أنْ نَبْحَث عن إجاباتٍ من الله للعالم، لنَشْهَد له ضدَّ كلّ شكايةٍ تَرْتَفِعُ ضدّ معرفته الحقيقيّة. أنْ نُعَرِّف أنفسنا للآخرين، تلك هي أولى مراحل الشهادة للمسيح …”
— الراهب سارافيم البرموسي
“إن الله يتدخل ولكن ليس كما يترجى البعض؛ فبينما يريد البعض النقمة الإلهية وإظهار بأس شعب الله من خلال إذلال المقاومين، نجد أن الله يعمل في اتجاه آخر؛ يعمل على جذب الجميع إلى حضنه؛ المٌضطهِد (إن آمن) والمضُطهَد. لكلِّ مكانه في بيت الآب…”
— الراهب سارافيم البرموسي
“إنّ الله هو أب البشريّة كلّها، والبشريّة تتطاحن فيما بينها بسبب تَشَوُّه الطبيعة الذي حَدَثَ بالسقوط الأوّل. لذا فإنّ أي تدخُّل إلهي مهما كان متوازنًا فلن يُلاشي الألم والمعاناة من الواقع الإنساني الزمكاني لأنّه يتعامل مع عناصر متعدِّدة تعمل فيها قوى السقوط. إنّ تدخُّل الله / تأنّي الله دائمًا ما يكون مزدوج الفاعليّة، وهذا لا ينتقص من كونه القدير والصالح على الرغم من نِتاج التدخُّل / التأنّي. لقد عبَّر عن تلك الحقيقة سفر أيوب بشكلٍ مجازيٍّ، وإن كان على لسان أليفاز التيماني حينما قال: ”لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ، يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ“ (أي5: 18).”
— الراهب سارافيم البرموسي
“علينا أنْ نُفَرِّقَ تمامًا بين السماح من جهة، وبين الرغبة / المشيئة الإلهيّة من جهة أخرى. السماح ينطلق من واقع الحريّة الإنسانيّة، ونتاجها الذي شَوَّه العلاقات الإنسانيّة في الوجود، وهو ما يُعَبِّر عن موقفه التدبيري. فهو يسمحُ لأنّ الحريّات واقعٌ، ولها أثرٌ حقيقيٌّ، ولكن هذا لا يُعَبِّر عمّا في قلب الله الذي لا يريد أنْ يرى خليقته مُتَألِّمه بأي حال من الأحوال. في المقابل، المشيئة الإلهيّة / الإرادة الإلهيّة هي التعبير عن طبيعة الله التي هي دائمًا خير. والعالم الذي نحياه، في واقعيّة سقوطه، يحتاج إلى سماحٌ إلهيٌّ تدبيريٌّ تفاعليٌّ ما بين حرياتنا ورغبة الله، من أجل تحقيق المشيئة الإلهيّة الخيِّرة دائمًا.”
— الراهب سارافيم البرموسي
هل فعلاً ربنا ضابط الكل؟ وهل في نظام وسط الفوضى؟ ولو في، ليه مازلت شايف “شر” حواليا؟ هل ربنا عايز يمنع الشر، ولكن مش قادر يمنعه؟ مش ربنا يقدر يعمل أي حاجة؟ هل يقدر يمنعه، ولكن هو مش عايز؟ هل عايزني أتعب؟ طيب لو هو عايز ويقدر يمنعه… ليه فيه شر حواليا؟ وهل من الممكن يبقى فعلاً في صلاح في ظل الشر اللي بأوجهه؟ أو أي معني للألم اللي بأشعر بيه؟!
أسئلة كلها بتخطر على بالنا في كل مرة بنتعرض لوجع، بنواجه أزمة، أو بنصطدم مع حدث فيه شر مش قادرين نفهم سببه في ضوء الأفكار والمفاهيم اللي عارفينها عن الله والعالم من حوالنا… بالمعطيات اللي معانا في معرفتنا لربنا…
من خلال كتاب “إن كان الله ضابط الكل فلماذا الألم؟” بتبدأ رحلة “بحث” مع نفسك، بداية من دوامات الحيرة في كل الأسئلة الشائكة عن وجود الله في ظل الألم والشر اللي بتصطدم بيه، من خلال الكتاب هتبدأ تتحرك لاكتشاف مفاهيم جديدة عن الله وطبيعته ومعاملاته معنا وحبه لينا وتدبيره في الخليقة وفي تبعيتها ليه وفي علاقة البشر ببعضهم البعض، عندها تنهي رحلتك مع الكتاب ويبدأ سؤال: ماذا يفعل الله في ظل الألم والشر؟ ينعكس ببطء جواك لسؤال أعمق وأقوي: ماذا أفعل في مكاني ودائرتي لمواجهة الألم والشر؟
إزاي أفهم إن ربنا عنده كل القدرة ومش بيستعملها علشان يوقف الألم والبؤس في العالم؟ ولو عنده القدرة والإرادة ان العالم يخلص من كل الشر والبؤس؛ ليه ده مش بيحصل؟ ايه السبب اللي بيعطل إرادة الله دي؟ واشمعنى بيبان إنه بيتدخل في حالات وحالات تانية لأ؟
كتاب “إن كان الله ضابط الكل، فلماذا؟” دعوة للتحرك الإيجابي والخروج خارج دائرة التساؤل السلبي لرؤية أعمق تساعدنا على التفاعل مع المشكلة في محاولة فعّالة للشهادة لله وصلاحه وتدبيره ووجوده في العالم…
الأعضاء الضامرة (الآثارية) في جسم الإنسان – د. ALL IN ONE
الأعضاء الضامرة (الآثارية) في جسم الإنسان – د. ALL IN ONE
الأعضاء الضامرة (الآثارية) في جسم الإنسان – د. ALL IN ONE
Vestigial structures
يزعم التطوريون (مناصرى التطور) (الداروينيون) ان وجود الاعضاء الضامرة هي دلائل على التطور في جسم الإنسان يزعم التطوريون ان وجود هذه الاعضاء عند الحيوانات لأنها تستخدمها
يزعم التطوريون انه في إحدي المراحل تطور الانسان- كانت هذه الاعضاء موجودة ويستخدمها الانسان، ثم أدى التطور إلى عدم الحاجة إليها وعدم استخدامها – لذلك أصبحت ضامرة بدون وظيفة – ومازالت بقاياها موجودة في جسم الإنسان
لكن في الواقع هذه الاعضاء لها فائدة وهي ليسن بقايا التطور
هذه الاعضاء هى:
# جهاز جاكبسون (في الأنف) – نتوء داروين (في الأذن) – عضلات الأذن الزائده (في الأذن) – الثنية الهلالية (في العين) – ضروس العقل (أسنان الحكمة) – اللهاة (في الحلق) – الزائدة الدودية (الأعور) (الجهاز الهضمي) – العصعص (الهيكل العظمى) – العضلة الأخمصيه (الجهاز العضلي) – الأظافر – الجينات الخردة
# واضافوا ايضا وجود
نتوءات الأوز (صرخة الرعب) (قشعريرة الجلد) (جووز بومب) …. تحدث عندما نشعر بالبرد أو بالخوف
بالمار ريفليكس…. رد فعل بدائي (لا ارادي) تحدث في حديثي الولادة… قبضة يد قوية (فعل منعكس) عند ملامسة كف يديه
الزغطة (الفواق)
# واضافوا ايضا: مسارالعصب الحنجري الراجع
Recurrent laryngeal nerve
مسار الأسهر….. الأسهر (ينقل الحيوانات المنوية من البربخ الى الخارج)
Vas deferens
# واضافوا ايضا
ان الله مهندس فاشل (حاشا لله)، يزعمون وجود هفوات واخطاء في الخلق (حاشا لله) .. وبرروا هذا بان هذه الهفوات هي نتائج التطور
الرد….كتاب بعنوان: الاعضاء الضامرة (الآثارية) كل منها له وظيفة
Bergman, J. and Howe, G., Vestigial Organs Are Fully Functional
يزعم التطوريون ان: الزائدة الدودية تساعد الحيوانات على هضم جزيئات السليلوز الموجودة في النباتات.
يزعم التطوريون ان: أسلاف الإنسان كانوا ياكلون النباتات والعشب والأوراق الخضراء التى تحتوى على (سليلوز) – وعندما تغير النظام الغذائى للانسان – بدأ الإنسان في تناول أطعمة سهلة الهضم – اصبحت الزائدة الدودية بدون فائدة – بعد ملايين السنين اصبح حجمها اصغر واصبحت من الاعضاء الضامرة (الآثارية).
يزعم التطوريون ان: الزائدة الدودية غير مفيدة للإنسان – بل ايضا هي ضارة – لأنها تلتهب وقد تنفجر وتسبب حالة طوارئ طبية.
مهام ووظيفة الزائدة الدودية حسب الأبحاث الحديثة:
الوظيفة الاولى: تحتوي الزائدة الدودية على أنسجة ليمفاوية – تدعم الجهاز المناعي – تحمى الجسم من الامراض
Immune and lymphatic system
يوجد خمسة أنواع رئيسية من كرات الدم البيضاء – منها الخلايا الليمفاوية
يوجد ثلاثة أنماط من الخلايا الليمفاوية……… الخلايا البائية \ الخلايا التائية \ الخلايا القاتلة الطبيعية
B-Cells, T-cells, Natural killer cells
الخلايا البائية (بى) ….تنتج الأجسام المضادة (انتى بودى) لتدمير مسببات الأمراض (انتى جيين) (الميكروبات المسببة للأمراض)
(عدد غير محود)
الأجسام المضادة (انتى بودى) … متخصصة..اى انه يوجد في الجسم (انتى بودى) لكل مرض… أي ان عددها في الجسم لا حصر له
الخلايا التائية (تى) ….تشكل ذاكرة مناعية – وفي حالة أي عدوى مستقبلية من نفس الميكروب – تقوم هذه الخلايا على الفور برد فعل مناعي قوى……اى انه بسبب الذاكرة المناعية يتم إنتاج الأجسام المضادة بسرعة وكفاءة
يوجد ثلاثة أنواع رئيسية من الخلايا الليمفاوية (تى) ….. القاتلة \ المساعدة \ المنظمة ……..وكل منها له وظيفة محددة
الوظيفة الثانية: تحتوي الزائدة الدودية على بكتيريا نافعة (ميكرو فلورا) – تدعم الجهاز المناعي – تحمى الجسم من الامراض
يحتوي جسم الإنسان على نحو 2 كيلوجرام (خمسة أرطال) من الكائنات الحية الدقيقة المفيدة (أكثر من 100 تريليون)
شائعة في الجلد – الأنف – الفم – المهبل – داخل المجاري البولية والتناسلية – القنوات الهضمية وايضا الزائدة الدودية
وظائف الميكرو فلورا الموجودة في القنوات الهضمية:
تساعد على الهضم (بكتيريا الأمعاء) …تحطيم جزيئات الأغذية النباتية (هي مفتاح هضم جميع الخضروات)
سلالات معينة من بكتريا إشيريشيا القولونية في الجهاز الهضمي تنتج مواد مضادة للميكروبات مثل حمض سودومونيك تساعد في السيطرة على البكتيريا الخطرة
الميكرو فلورا تستغل مساحة كبيرة وتتنافس مع البكتريا الضارة على المكان والغذاء
Escherichia coli
البكتريا النافعة تساعد في إصلاح قرحة المعدة التي تسببها بكتيريا هيلوبوباكتر بيلوري (إتش بيلوري)
تقوم الميكرو فلورا بتغيير ظروف الوسط الذي تعيش فيه… مثلا مستوى (بى اتش) الذي يضبط حموضة أو قلوية الوسط ليكون غير مناسب لحياة البكتيريا المسببة للمرض
PH
ملحوظة…. سوء استخدام المضادات الحيوية (أنتبيوتيكا)، قد تقتل الفلورا النافعة….مما يسبب نمو وغزو الفطريات والميكروبات الضارة. تنتج الميكرو فلورا بعض الفيتامينات المعقدة والتي يتعذر على جسم الإنسان تصنيعها (فيتامين كى – فيتامين بى مركب).
فيتامين ب (المركب) (بي – كومبلكس) …يلعب أدوارًا مهمة في استقلاب الخلية
فيتامين ب1 (الثيامين) …يساعد على التمثيل الغذائي في الجسم …….نقصه يسبب مرض برى برى وامراض الجهاز العصبي
فيتامين ب 2 (ريبوفلافين) …يساعد على تكوين خلايا الدم الحمراء والأجسام المضادة. وعملية التمثيل الغذائي…….نقصه يسبب شقوق في زوايا الفم، الطفح الجلدي، الأنيميا
فيتامين ب3 (نيكوتيناميد، النياسين (حمض النيكوتينيك) …يساعد على صحة البشرة والجهاز الهضمي……. نقصه يسبب إنهاك عام
فيتامين ب 6 (بيريدوكسين) …يساعد على تكوين الأجسام المضادة…….نقصه يسبب أنيميا
فيتامين ب 7 (بيوتين) … يساعد على الاستفادة من الفيتامينات الأخرى…….نقصه يسبب غثيان، تقيؤ، اكتئاب
فيتامين ب 9 (حمض الفوليك) …يساعد على انقسام الخلايا…….نقصه يسبب مرض أنيميا، تشققات في الشفتين
فيتامين ب 12 (سيانوكوبالامين – كوبالامينات مختلفة) …يساعد على تكوين خلايا الدم والتمثيل الغذائي وصحة الجهاز العصبي…….نقصه يسبب مرض انيميا (فقر الدم) وتنكس الدماغ
لا يوجد في المصادر الغذائية النباتية او المنتجات الحيوانية
الكولين…يساعد على انتقال الإشارات العصبية…….نقصه يسبب مرض
اينوزيتول…يساعد على نمو الشعر …….نقصه يسبب تشقق البشرة \ سقوط الشعر
بابا…. يحمي البشرة \ ولون الشعر…….نقصه يسبب تشقق البشرة \ سقوط الشعر
PABA
فيتامين ك…. هام لصحة الجهاز العصبي وتجلط الدم…….نقصه يسبب نزيف واضطرابات عصبية
الوظيفة الثالثة: تساعد الزائدة الدودية في صنع عددًا من هرمونات الجنين والرضيع
الاستنتاج
هي ليست زائدة… بل هي عضو اساسي في الجسم
اشياء طبية كثيرة جدا جدا لم تكتشف بعد.. ربما تتضح في المستقبل
زعموا ان: أسلاف الإنسان كانوا يأكلون الطعام الخشن الصلب واللحوم النيئة وكانوا يتناولون كمية كبيرة وبسرعة
زعموا ان: البشر الأوائل كان لديهم فكين كبيرين ذوات مساحة كبيرة – ومع التطور كبر حجم المخ – وبالتالى صغر حجم تجويف الفم واصبحت مساحته غير كافية لضروس العقل
زعموا ان: الان وبعد تغيير النظام الغذائي اصبحت ضروس العقل ليس لها وظيفة واصبحت من الاعضاء الضامرة (الآثارية) بل تسبب الألم والتهابات
الحقيقة تختلف عن هذه المزاعم وكل شئ صنعه الله بحكمة.
اسنان الانسان
حقائق
حتى قبل أن يولد الطفل، براعم الأسنان قد تكونت تحت لثته
تبدأ الأسنان في النمو قبل 6 أشهر من الولادة
واحد من بين كل 2000 من المواليد لديه أسنان عند ولادته
الفتيات الصغيرات عادة تنبت أسنانهم قبل الأولاد
الأسنان هي الجزء الوحيد من جسم الإنسان التي لا يمكنه إصلاح نفسها
عند عمر 3 سنوات يكون لدى الطفل مجموعة كاملة من الأسنان اللبنية عددها (20)، أي 10 في كل فك.
الأسنان اللبنية هي أكثر لمعانا – أكثر بياضا—وأصغر من الأسنان الدائمة.
عند عمر 12 عام يكون لدى الطفل مجموعة كاملة من الأسنان الدائمة عددها (28)، أي 14 في كل فك.
عند عمر 16-19 عام يكون لديه مجموعة من الأسنان الدائمة عددها (32)، 16 في كل فك (ظهور ضروس العقل) أضراس الحكمة الثالثة.
انواع الأسنان ووظائفها
القواطع: هي الاسنان الأمامية 4 في كل فك 4 (لتقطيع الطعام)
الأنياب: عددها 2 في كل فك (لتمزيق الطعام)
الضروس الأمامية: (الضواحك) عددها 4 في كل فك (طحن الطعام ومضغه)
الضروس الخلفية: (النواجز) عددها 6 في كل فك (طحن الطعام ومضغه) لتسهل عمليه البلع
أسنان الحيوانات
الحيوانات أكلات اللحوم (اللواحم) لديها أسنان حادة
بينما الحيوانات أكلات العشب (العاشبة) لديها أسنان مسطحة
الحيوانات التي تأكل النباتات واللحوم، الأسنان الأمامية حادة والاسنان الخلفية مسطحة
البشر ايضا يأكلون النباتات واللحوم، الأسنان الأمامية حادة والاسنان الخلفية مسطحة
الحيتان البلين ليس لديها أسنان – لديهم لوحات قوية وبها اهداب، (مصنوعة من نفس المادة كما شعرة الإنسان والأظافر) – أنها تتدلى من الفك العلوي لتصيد الأسماك الصغيرة
أسماك القرش تفقد وتغير الأسنان كل أسبوع – على مدار عمر سمكة القرش – تكون قد كونت حوالي 20,000 من الأسنان
التماسيح لديها 60 من الأسنان في فمها في وقت واحد – على مدار عمرها– تكون قد كونت حوالي 3,000 من الأسنان
الثعابين السامة لها أنياب مجوفة لكي تقدف بها السموم
الفيلة لديها أربع مجموعات من الأسنان في حياتهم – انيابها هي أطول الأسنان في العالم (قواطع خاصة)
الدلافين لديها أكثر من 200 الأسنان (الأكثر عددا من الحيوانات الآخرى) ويمكن للعلماء معرفة عمر الدلفين من الحلقات على أسنانه من الداخل
بعض الأسماك لديها المئات من الأسنان
الحبار له أسنان شبيهة بأسنان الإنسان
تولدت الأرانب ولها أسنان مستديمة وتستمر في النمو مدى العمر
الاستنتاج
المسألة ليست موضوع التطور ولكن صنع الله الاسنان بحكمة لتلاءم ظروف المعيشة
وكيف سيفسرون ان: الزرافات لها 32 الأسنان، تماما مثل البشر – وان الحبار له أسنان شبيهة بأسنان الإنسان (تتكون من: اللب \ الجذر \ المينا \ التاج \ الغراء (الاسمنت) يلصق جذور الاسنان مع عظم الفك)
وظيفتة ضروس العقل:
تضم جميع الأسنان وتحافظ على استقامتها وتثبتها
تغلق الفراغات المفتوحة بينها وبين الضروس لعدم تراكم الفضلات الضارة بالفم
البند الثالث……. قشعريره الجلد (نتوءات الأوز) (صرخة الرعب)
Goose bumps
المصطلح يعنى: تشبه جلد الاوزة (تشبه لدغه أوزة وينشستر (تعبيرًا شائعًا عن الإصابة بالزهري)) عندما ننتف ريشها – تشبه لدغه أوزة وينشستر (تعبيرًا شائعًا عن الإصابة بالزهري)
يزعم التطوريون انها رد فعل أثري
يزعم التطوريون انها كانت موجودة ومهمة لأسلاف البشر ووظيفتها هي رفع شعر الجسم، مما يجعل الجسم يبدو أكبر ويخيف الحيوانات المفترسة وايضا لحماية الشخص من البرد (طبقة عازلة حول جسمه)
الحقيقة تختلف عن هذه المزاعم
في الانسان…. اثارة الجهاز العصبي الودي.. افراز الادرينالين (الإيبينيفرين) … تنقبض عضلات صغيرة عند قاعدة كل شعرة….ينتصب الشعر… ايضا يسرع معدل ضربات القلب، والتمثيل الغذائي، ودرجة حرارة الجسم
اسباب انتصاب الشعر (شعرهم يقف)
يحدث كاستجابة للبرد لرفع حرارة سطح الجلد
يحدث كاستجابة للخوف الشديد ة – للغضب الشديد (القتال أو الهروب)
يحدث كاستجابة لتأثيرات عاطفية (عند الاستماع إلى موسيقى – عند تذكر مشاعر قوية بعد الفوز -أثناء مشاهدة فيلم رعب)
تحدث ايضا بشكل لا إرادي عند الدغدغًة \ عند النشوة أو الإثارة الجنسية
قد تحدث دون أي تحفيز خارجي (يحدث معها زيادة معدل ضربات القلب) السبب غير معروف
قد تحدث كأحد أعراض بعض أمراض الجهاز العصبي
قد تحدث كأحد أعراض بعض أمراض الجهاز الجلدية
قد تحدث كأحد الاثار الجانبية لبعض الأدوية والمكملات العشبية مثلا يوهمبين
ليست عند كل الناس
الاستنتاج
هي ظاهرة تلقائيًة، وربما هي فطرية، ولا يمكن تقليدها والاهم انها لا تمت باي صلة الى موضوع التطور
البند الرابع……. قبضة اليد القوية عند الوليد والرضيع
Palmar grasp reflex
هو فعل منعكس = رد فعل (لا ارادي) موجود عند الرضع (في يديهم واقدامهم)
عندما يتم وضع شئ في كف يد الرضيع …. ستغلق الأصابع بشكل انعكاسي (قبضة قوية)
يظهر الانعكاس في الرحم في وقت مبكر من 16 أسبوعًا من فترة الحمل ويستمر الانعكاس لمدة أربعة أشهر من عمر الرضيع
يزعم التطوريون انه رد فعل أثري… اسلافنا الرضع كانوا يقبضون على شعر والديهم – عندما تحمله الأم -والأم بحاجة لاستخدام يديها في شئ آخر (دون الحاجة إلى استغلال يديها في حمل طفلها)
سبب ووظيفة هذا الفعل المنعكس غير معروف طبيا حتى الان
ملحوظة …..عام 1893م أعلن عالم تشريح ألماني دارويني… اعلن عن قائمة تتكون من 86 عضوًا ضامرًا في جسم الإنسان ….و العجيب انه اعتبر الغدد الصماء من ضمن قائمة الاعضاء الضامرة – وبعد فترة من الزمن اكتشف الطب ماهية واهمية الغدد الصماء
ملحوظة …. من المغالطات المنطقية …..مغالطة الاحتكام الى الجهل
عندما لا يوجد ما يثبت أن الطرح خاطئ …هذا يعنى صحة الطرحٍ
Appeal to Ignorance (argumentum ad ignorantiam)
مغالطة السبب الزائف \ الاستنتاج الخاطئ \ التعليل الخاطئ
مقارنة الحواس الخمس عند الحيوانات مع الحواس الخمس عند الإنسان – وجود الله والضبط الدقيق
مقارنة الحواس الخمس عند الحيوانات مع الحواس الخمس عند الإنسان – وجود الله والضبط الدقيق
مقارنة الحواس الخمس عند الحيوانات مع الحواس الخمس عند الإنسان – وجود الله والضبط الدقيق
اولا: الرؤية واستشعار الضوء (الإحساس البصري) (العيون) عند الحيوانات
# عدد العيون…. نجم البحر لديه ثمانية عيون \ قنديل البحر (جيللى فيش) لديه ثمانية عيون \ العقرب لديه 12 عين \ يوجد نوع من الاسماك لديه اربعة عيون (اوعينان فقط، لكن كل واحدة منهما منقسمة) تستطيع ان ترى ما فوق سطح الماء وما تحت سطح الماء في وقت واحد
# حجم العيون…. أكبر العيون هي عين الحبار العملاق (قطرها 38 سنتيمتر) أي حجم كرة السلة او حجم رأس الإنسان \ أكبر العيون في الثدييات هي عين الخيول \ عين النعامة أكبر من دماغها
# حدة الابصار…. أقوى حدة الابصار في جميع المخلوقات هي عيون الصقر والنسر … تستطيع رؤية فريستها من مسافة 3 كيلومترات
# مجال الابصار…. مكان العينين في رأس بعض الحيوانات تسمح لها برؤية مجال ابصار اوسع من الانسان قد تصل الى 300 درجة في وقت واحد (أي رؤية ما خلفهم دون تحريك راسا).. مثلا الحصان – الحمار – الاغنام – الحوت – الأرانب – الببغاوات
الرؤية بكل عين مستقلة (أي يمكنها النظر في اتجاهين مختلفين في نفس الوقت) … مثلا الحرباء (شاميليون)
يدير دورة الرأس دورة كاملة دون أن تحرك جسمها…. البومة
# بصر فائق التطور (عيون معقدة جداً)… الحشرات (مثلا الذباب) لديها عيون سداسية تتكون من آلاف العدسات الصغيرة بحيث تلتقط كل عدسة جزء من الصورة … ثم تتجمع الصور مع بعضها لتكون الرؤية الكاملة
# حركة العيون والاشياء…. الذباب قادرعلى إدراك شيء متحرك بسرعة كبيرة … تستطيع التقاط 200 لقطة في الثانية … مما يسمح لهم بالهروب السريع (لذا لا تستطيع قتلها بسهولة)
# عيون مثل التيليسكوب…. = تستطيع ان تعمل فوكاس (زووم) على جزء ما من شيء تراه (تشبه كاميرا السينما) … مثلا النسور وهي في الجو تستطيع تركيز نظرها (تعمل زووم) على كائن يسير على الأرض … لكي ترى تفاصيله بوضوح
# الجفن الثالث…. لحماىة العين من وهج الشمس ومن الغبار والتراب والرمال… مثلا عيون الطيور والحيوانات
# أهداب العين (الرموش) الطويلة…. وقد تكون ثلاث مجموعات لحماية العين من الغبار والتراب والرمال.. مثلا الجمل
# حدقة العين (الننى) (البؤبؤ) … عند الانسان هي مستديرة… لنها مستطيلة عند الماعز والأخطبوط (غير معروف السبب، قد تكون وقائية للعين)
# البقعة الصفراء في شبكية العين (الماكيولا – الفوفيا) …. عند الانسان هي دائرة قطرها 0. 5 مم … بعض الحيوانات مثلا الفهد (شيتا) هي عبارة عن شريط ضيق طويل أفقي= يمكنها اكتشاف الفريسة في أي مكان داخل شريط الرؤية
ملاحظات
(1) الحواس الخمس عند بعض الحيوانات أفضل (أكثر تطورا) من حواس الانسان (في التركيب الفسيولوجي والكفاءة) لتلاءم طريقة معيشتها وظروفها البيئية … هذا يعنى ان الحواس الخمس عند الإنسان قاصرة وقد تكون خادعة وقد تخطئ (أخطاء في الإدراك الحسي) … مثلا عدم رؤية الشيء (حاسة البصر) بالعين المُجردة لا يعنى عدم وجود الشيء
(2) استقاء المعلومات عن طريق الحواس الخمس (75 % من البصر & 13 % من السمع & 6 %من اللمس & 3 % من الشم & 3 % من التذوق)
حواس خاصة (بصرية) لدى بعض الحيوانات وليست لدى البشر
# رؤية الأشعة فوق البنفسجية (الترا فايلوت)، تسبب رؤية الاشياء أزهى (أكثر تألقا) مما يراها الانسان…. مثلا الطيور والحشرات والأيائل
الطيور مثل الصقور وطيور العوسق تستطيع تحديد موقع الفئران بسهولة … ذلك لان بول وبراز الفار يحتويان على مواد كيميائية تمتص الاشعة فوق البنفسجية
الحشرات (النحل مثلا يرى الزهور أزهى مما نراها)
الرنة (ايائل) في جبال ألاسكا الثلجية.. في موسم الثلوج فرائسها تتوهج بلون أرجواني على ارضية من الثلج الابيض بينما ترى الذئاب تبدو سوداء على ارضية من الثلج الابيض (شيء مدهش جدا).
# استشعار الأشعة تحت الحمراء (انفرا ريد) = (حساسية كشف درجة حرارة فرائسها)
= إدراك عندما يكون كائن حي آخر في مكان قريب
مثلا بعض الثعابين (الأفاعي) خاصة السامة لديها حفر في الجزء العلوي (مثلا بين العينين)
هذه الحفر تحتوي على مستقبلات … يمكنها اكتشاف الحرارة المنبعثة من شخص حولها … إنشاء صورة متعددة الأبعاد. تراها باللونين الأحمر والأزرق …. تتيح لها تحديد مكان الفريسة في جميع مستويات الإضاءة
درجة من الدقة بحيث تتمكن الأفعى استهداف أجزاء الجسم الضعيفة من الفريسة (شيء مدهش جدا)
ملحوظة … الخنافس لديها أجهزة استشعار تكشف عن الأشعة تحت الحمراء الناتجة عن حرائق الغابات على بعد 50 ميل
# الرؤية بالحركة البطيئة…. = رؤية العالم كأنه يتحرك حركة بطيئة = يرى أسرع الحركات فوراً وكأنها حركة بطيئة (كأنه يراها بالتصوير البطيء) … مثلا اليعسوب (فرس النبي) – الذباب
اليعسوب (فرس النبي) …. يرى 500 صورة في الثانية يمكنه تحديد وتتبع أي شيء في 1 \ 500 من الثانية (الانسان يرى 60 صورة في الثانية)
ملحوظة … هذه الحشرة المفترسة تصطاد 95٪ من فرائسها، بينما يصطاد الأسد 40٪ فقط
الذباب يستطيع رؤية الاشياء المتحركة وكأنها بطيئة (مثل التصوير البطيء في الأفلام)
# اكتشاف الضوء المستقطب …. = أي ان الضوء فقط يتأرجح في اتجاه واحد= تستطيع ان تكشف عن الأنماط الدقيقة خاصة في الأيام الملبدة بالغيوم …. مثلا النحل – الحبار – بعض الخنافس – روبيان (جمبري) السرعوف
الأخطبوطات … تحتوي بشرتها على أنماط (غير مرئية للعيون البشرية) تعمل على استقطاب الضوء = مثل النظارات الشمسية المستقطبة
روبيان (جمبري) السرعوف … يمكنه استقطاب الضوء استقطاب دائري = (في اتجاه أو عكس عقارب الساعة)
ملحوظة … روبيان السرعوف هو الحيوان الوحيد على وجه الأرض … يمكنه استقطاب الضوء استقطاب دائري (شيء مدهش جدا)
# التلؤلؤ الذاتى…. = يمكن أن تنتج ضوءها من خلال التفاعلات الكيميائية التي تخلق توهج … مثلا بعض الحشرات – بعض القشريات – الأسماك الكاردينالية
ربما لهذا السبب تخشى الحيوانات التي تفترسها من اكلها حتى لا تتلألأ – وبالتالي تصبح هي مرئية للحيوانات المفترسة الاخرى
# الرؤية الليلية…. = تستطيع الرؤية في درجة اضاءة منخفضة … مثلا الحيوانات الليلية التي تصطاد في الليل
البومة تستطيع الرؤية في درجة اضاءة منخفضة مائة مرة عما يحتاج إليه الإنسان للرؤية ورؤيتها ثلاثية الابعاد
الضفادع تتمتع بقدرة رائعة على الرؤية الليلية، لتتفوق على جميع الحيوانات الأخرى وقادرة على رؤية الالوان في الظلام
الأسماك في اعماق البحار المظلمة مزودة بمصابيح تعكس الضوء الذي يسقط لرؤية الأشياء
ملحوظة …. النمل.. حاسة الرؤية عنده ضعيفة جدا (لا يرى الأشياء) ولكنه يفرق فقط بين الضوء والظلام
# عيون تلمع في الظلام…. مثلا عيون النمر – الشيتا – الأسد – القطط – الكلاب
تحتوي شبكية العين عندها على طبقة تسمى (تابيدم ليوسيدم)…. تعمل كالمرآه وهي مسؤولة عن حدوث بريق عيون (هذه الطبقة لا توجد في الإنسان)
(2) الطيف الكهرمغناطيسي… غير المرئي للإنسان (الاشعة غير المرئية) …. الاشعة فوق بنفسجية \ الأشعة تحت الحمراء \ إشعاع ميكروويف \ موجات الراديو
(3) الحيوانات العمياء (التي تعيش تحت الارض او في اعماق البحار المظلمة) لا تحتاج لحاسة البصر على الأطلاق …. تستخدم مجموعة أخرى من الحواس حتى تتمكن من الحياة
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من أبدع هذا النظام الدقيق؟؟……. ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
ثانيا : حاسة السمع (الإحساس السمعي) (الاذان) عند الحيوانات
# سماع الموجات تحت الصوتية (انفرا سونيك)…. مثلا الفيل – الزرافة – التمساح تستخدمها للتواصل عندما يكونون بعيدين عن بعضهم
الفيل الأفريقي… تتصل بعضها ببعض من مسافة تتعدى 4 كيلومترات \ يمكنهم سماع عواصف رعدية على بعد 500 كم
# سماع الموجات فوق الصوتية (الترا سونيك)…. مثلا الكلب (يدرك اقتراب العاصفة او الزلزال قبل الانسان) – الحصان – الحمار – تارسيوس (قرد صغير) – البومة
# استخدام خاصية الصدى (السونار) لتحديد الموقع…. مثلا الحوت – الدولفين- الخفاش (الوطواط)
تنبعث من حنجرة الخفافيش موجات فوق الصوتية (لا يسمعها البشر)، تبعث من خلال فمهم أو أنفهم … تنتشر موجاتها أمام الخفاش الطائر …. إذا ارتطمت بأي عائق في طريقه … ترتد بعد ذلك … تستقبلها الخفافيش بأذنيها الفائقة التطور … يترجمها بسرعة ويقدر المسافة بينه وبين هذا العائق وسرعته- … تحديد (تحديد مسافة، وسرعة) الأشياء الموجودة حولها … تشبه جهاز سونار اكثر تعقيدا من كل الاجهزة الموجودة في الغواصات الاكثر تطورا
الدلافين: تصدر الموجات فوق الصوتية (سونار) من جهاز في الانف… تستطيع الدلافين تعديل قوة انبعاث السونار منه
يمكنها تفقد الأطفال الجنين داخل رحم النساء الحوامل (سونار)
ملاحظات
(1) تستطيع اذن الانسان ان تسمع تردد ذبذبات الصوت بين 20 و20،000 هيرتز (دورة في الثانية)
(2) اقصى مسافة يسمع منها الانسان (اعلى شدة صوت… انفجار مثلا) حوالى10 كيلومترات
(3) كثير من الحيوانات قادرة على سماع ترددات صوتية اعلى من 20،000 هيرتز موجات فوق الصوتية (الترا سونيك)
(4) كثير من الحيوانات قادرة على سماع ترددات صوتية اقل من 20 هيرتز موجات تحت الصوتية (انفرا سونيك)
اى آذان أكثر تعقيدًا وحساسية من آذان الانسان
(5) بعض الحيوانات لديها قدرات سمعية اخرى ليست عند الانسان مثلا اصدار السونار الحيوى – تحديد الموقع بالصدى
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من أبدع هذا النظام الدقيق؟؟……. ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
ثالثا حاسة الشم (الانف) الرائحة عند الحيوانات
# الدببة…. قدرة الدببة على الشم (خاصة الدب الأسود) أكثر حساسية 7 مرات من الكلاب (= 70،000 مرة أكثر حساسية من البشر)
# الكلاب البوليسية…. قادرة على شم أي شيء من العقاقير إلى السرطان
# الكلاب…. قدرة الكلاب على الشم أكثر حساسية 10،000 مرة من الانسان … أي انها تستطيع شم ما يشمه الانسان اذا خفف 10،000 مرة
# سمك القرش…. لديه حاسة شم قوية وحوالي 40 في المئة من دماغ القرش مكرس للإحساس بالرائحة والشم
# الخلد ذو الانف النجمية (حيوان اعمى) …. لديه حاسة شم قوية جدا جدا تستخدمها لإيجاد الطعام
# الفئران…. لديها حاسة شم قوية جدا تستخدمها لإيجاد الطعام، قدرتها على عزل المعلومات من كل منخر على حده (=كل انف تعمل بشكل مستقل) … يمكن استخدامها للمساعدة في الكشف عن السل والسرطان والألغام الأرضية
# الشامات (موول) (الخلد)…. ذات الأنف النجمي تعيش تحت الأرض، هي عمياء – كل انف تعمل بشكل مستقل … يمكن استخدامها للمساعدة في الكشف عن الألغام الأرضية والمتفجرات الأخرى
# الخفاش مصاص الدماء…. هذه الثدييات تتغذى على دم فرائسها – أنوفها تحتوي على أعصاب حساسة تكتشف للحرارة تسمح لهم بإيجاد فرائسهم في الظلام – تشم الأوردة
# الحشرات…. لديها مستقبلات حاسة الشم على هوائياتها (الانتينا)
ملحوظة …. انثى البعوض انوفيليس تتبع مسار اوردة الانسان لامتصاص الدماء (ترى الاوردة سوداء داكنة واضحة) لأنها تحتاج الكالسيوم لتكوين البيض.. وهنا من الممكن ان يصاب الانسان ب الملاريا
ملحوظة …. ذكر البعوض انوفيليس نباتي لذا لا يقرص الانسان ولا يحتاج الدم
# النحلة القاتلة…. عندما تتعرض للتهديد، فإنها تطلق فرمون … يصل الى المستعمرة بأكملها… يأتي باقي النحل للمساعدة
# الديدان الطفيلية…. تستخدم حاسة الشم للعثور على المضيف الذي ستتطفل عليه (لها روائح جذابة)
ملاحظات
(1) حاسة الشم عند الانسان هي أضعف حواسنا الخمس
(2) لدى الانسان 6 مليون جهاز استشعار للرائحة
حواس خاصة (شمية) لدى بعض الحيوانات وليست لدى البشر
عضو جاكوبسون …. العديد من الحيوانات (الثدييات – الزواحف – الثعابين – السحالي – عث دودة القز) لديها عضو جاكوبسون (عضو مجهري) في الانف او تجويف الفم….. يستخدمه الذكر للكشف عن الفرميونات التي يفرزها الجهاز التناسلي للأنثى لجذب الذكور للتكاثر
ملحوظة …. الثعابين والسحالي… لسانها المشقوق يلتقط جزيئات الرائحة … ويوصلها إلى عضو جاكوبسون
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من أبدع هذا النظام الدقيق؟؟……. ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
رابعا حاسة اللمس = الحسية الجسدية عند الحيوانات
(1) تحتوي بشرتنا على العديد من مستقبلات عصبية تكشف عن الضغط – الحرارة – البرودة – الملمس – الألم
(2) اكثر المناطق التي تحتوي على مستقبلات اللمس هي الشفاه وأطراف الاصابع (= اكثر حساسية)
(3) تشوش الحس…. هو إحساس بالوخز أو وخز أو التنميل في الجلد قد يكون ناتج عن تلف الأعصاب الطرفية
(4) فقدان أو ضعف القدرة الاحساس بشيء نلمسه يسمي التخدير اللمسي قد يكون ناتج عن تلف الأعصاب الطرفية
حواس خاصة (لمسية) لدى بعض الحيوانات وليست لدى البشر
# الشامات (الخلد) ذات الأنف النجمي… تعيش تحت الأرض، هي عمياء… لديها 22 زوائد صغيرة – تحتوي على ما يقرب من 100،000 من الألياف العصبية – (أي ستة أضعاف عدد مستقبلات اللمس التي توجد على يد الانسان)
تتحرك المخالب مثل المكنسة السريعة جدا (أسرع من ان تستوعبها العين البشرية) … تساعدها في العثور على الطعام
# التمساح… المطبات التي تغطي جسام التمساح تساعده على إدراك التغيرات الطفيفة في الضغط والاهتزاز من حوله
من نظم هذا الابداع الدقيق؟ من أبدع هذا النظام الدقيق؟……. ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
خامسا حاسة التذوق عند الحيوانات
الفئران …. لسان الفأر به مستقبلات تذوق أكثر من الإنسان
الأفاعي … لسانها (مشقوق – متشعب) يستخدم للتذوق والشم … تلتقط جزيئات الرائحة وتنقلها عبر قنوات متخصصة في الفم، إلى عضو جاكوبسون
سمك السلور… يعيش في المياه الموحلة (= صعوبة الرؤية) …. لديه ما يقرب من 100،000 براعم تذوق في جميع أنحاء الجسم … تساعده على اكتشاف نكهة الفريسة
الذباب والفراشات …. لديها أعضاء تذوق على أقدامها (= تستطيع الفراشة ان تتوق بأرجلها)
دودة الأرض… المستقبلات الكيميائية تغطي جسمها كاملا … للتذوق ولتكتشف التغيرات الكيميائية
الدجاج….. اقل حيوان لديه براعم التذوق
ملاحظات
(1) براعم التذوق في اللسان تستطيع ان تميز خمسة حواس تذوق أساسية … حلو \ مر \ مالح \ حامض \ لذيذ
(2) حاسة النكهة، وهي مزيج من إدراك الذوق والشم
حواس اخرى خلاف الحواس الخمس موجودة لدى الحيوانات وليست موجودة عند البشر
الاستقبال الكهربائي: اكتشاف الحقول الكهربائية في الماء باستخدام المستقبلات الكهربائية…. مثلا أسماك القرش – الدلافين – العناكب – خلد الماء (منقار البط) – النحل
أسماك القرش …. تمتلك أسماك القرش أفضل موصل بيولوجي للكهرباء في العالم يطلق عليه (لورين زيني جيللى)، ويملأ شبكة من المسام حول وجه القرش
النحل …. تتكون شحنة صغيرة موجبة أثناء طيران النحل، والزهور لها شحنة سالبة – يحدث انجذاب بين هذه الشحنات المعاكسة – وتتغير شحنة الزهرة – لذا لا تذهب النحلات الاخرى الى نفس الزهرة وتبحث عن زهرة اخرى سالبة الشحنة
الاستقطاب الكهربائي
الدلافين …. الثدييات المائية الوحيدة المعروفة بإثبات الاستقطاب الكهربائي
خلد الماء (منقار البط) (بلاتي بوس)… : …. لا يشابهه أي حيوان ثديي آخر في العالم في حدة الإحساس بالانحراف الكهربائي
التدفق الكهربائي
ثعبان البحر (الأنقليس الكهربائي)…….. ينطلق منه شحنات كهربائية
بعض الاسماك (السمك الكهربائي) …. ينطلق منه شحنات كهربائية تصل الى (300 فولت) يمكن ان يقتل حصانا – تتدفق الكهرباء إما دفاعا عن النفس او لالتقاط الفريسة
# الحيوانات الليلية بشكل عام ليست في حاجة إلى التمييز بين الألوان لأنها تصطاد في الليل … لديها قوة شم كبيرة
# في رياضة مصارعة الثيران، تثار الثيران من الحركة وليس من اللون الأحمر (عمى ألوان)
(8) رؤية لونية رباعية الألوان… اربع اقماع (مخاريط) … القمع الرابع لرؤية الأشعة فوق البنفسجية… العديد من فروع مملكة الحيوان، وخاصة الحشرات والطيور
(9) رؤية لونية خماسية الألوان… الحمام (أفضل المخلوقات على وجه الأرض في رؤية الألوان) … يرى الملايين من ظلال الالوان المختلفة
(10) روبيان السرعوف (جمبرى) لديه 12 نوعًا مختلفًا من مستقبلات الألوان
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من أبدع هذا النظام الدقيق؟؟……. ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
الاستنتاج
حواس الانسان الخمسة قاصرة وخادعة وقد تخطئ
إذا المعلومات الواصلة الى المخ عن طريق الحواس الخمس هي قاصرة ايضا
عدم رؤية (حاسة البصر) الشيء بالعين المُجردة لا يعنى عدم وجود الشيء …. مثلا عدم رؤية الكهرباء او المغناطيسية او البكتريا او االفيروسات …. الخ لا يعنى عدم وجودها – عدم رؤية النفس او الروح او الافكار بالعين لا يعنى عدم وجوده
يختلف فهمنا وتأويلنا لما نستقبله بالحواس (أخطاء في الإدراك الحسي)
حواس الحيوانات تفوق الانسان احيانا \ وجود حواس في الحيوانات غير موجودة في الانسان
لماذا لا يمكننا رؤية في الاشعة فوق البنفسجية؟
لان الاشعة فوق البنفسجية ضارة على شبكية العين
لان العين البشرية تقوم بتصفية الضوء فوق البنفسجي لتحسين حدة البصر (لهذا يرتدي المتزلجين نظارات صفراء التي تمنع الاشعة فوق البنفسجية اثناء التزلج لتحسين الرؤية)
ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت — عجيبة هي أعمالك، ونفسي تعرف ذلك يقينا
اشكر حضراتكم واتمنى ان اكون قد وفقت في تقديم هذا الموضوع اليكم
اراكم قريبا ان أعطاني الله عمرا في موضوع اخر
ALL IN ONE
مقارنة الحواس الخمس عند الحيوانات مع الحواس الخمس عند الإنسان – وجود الله والضبط الدقيق
هل فعلا عاش كلاً من نوح وآدم أكثر من 900 سنة؟ ولماذا لا نعيش الآن كل هذه السنوات؟ ترجمة مينا خليل
هل فعلا عاش كلاً من نوح وآدم أكثر من 900 سنة؟ ولماذا لا نعيش الآن كل هذه السنوات؟ ترجمة مينا خليل
هل فعلا عاش كلاً من نوح وآدم أكثر من 900 سنة؟ ولماذا لا نعيش الآن كل هذه السنوات؟ ترجمة: مينا خليل
يعلم الكتاب المقدس بطريقة مبسطه أن الآباء الأوائل في الغالب عاشوا ما يقرب من الف سنة بل وقد انجبوا أطفالا عندما كانوا في عمر أكثر من بعض المئات من السنين.
“عاش متوشالح 900 سنة لكن هذه القصص التي من الممكن أن تقرأها في الكتاب المقدس ليست بالضرورة كذلك. ” هذا ما قاله المؤلف جورج جيرشون.
والعديد من الناس تجد الصعوبة بان تصدق أن متوشالح عاش حوالي 969 عام على اي حال من الأحوال فان الكتاب المقدس يعلم بطريقة مبسطه أن الآباء الأوائل البطاركة في الغالب عاشوا ما يقرب من الف سنة بل وقد انجبوا أطفالا عندما كانوا في عمر أكثر من بعض المئات من السنين!
نفس هذه المقولات عن طول حياة الإنسان قد وجدت في الأدب الدنيوي. العديد من الحضارات القديمة مثل البابلية واليونانية والرومان والهنود والصين ولكن اذا اختصرنا حياة الإنسان لألف سنة فهو امر محزن عندما نؤمن أن الله قد خلقنا في البداية لنحيا للابد.
كما ذكر في الكتاب المقدس أن الله خلق أول زوجين في البشرية ادم وحواء من غير خطية واعطى لهم القدرة على أن يعيشوا للابد اعطى الله الإنسان الأول كل ما يحتاجه لكي يحيا إلى الأبد بالصحة والسعادة الأبدية في جنه عدن ولكنه حظرهم بان لا يأكلوا من ثمار شجرة معرفة الخير والشر والا يموتوا. حقيقي سيموت كل من يأتي من بعدهم (سفر التكوين 2 : 16-17) وعندما جاء الشيطان لكي يخدع حواء كي لا تطيع هذه الوصية نجحت في الخداع ومن ثم ادم لم يطع بكل إرادته (سفر التكوين 3)
فعقولهم وأجسامهم قد تغيرت بشدة. ليس فقط قد أصبحوا عرضة للموت ولكن أول طفل لهم ” قايين ” أصبح أول قاتل في البشرية. بالحقيقة أجرة الخطية هي الموت. جسديا وروحيا. انه من الواقع الحكيم أن يستعرض الكتاب المقدس في صفحات قليلة فقط ما حدث من بدء الخليقة إلى السقوط في الخطية.
لأننا لسنا مستحقين لمحبه الله الذي قد وعد وأرسل المسيح لكي يخلصنا من خطايانا والموت. أنظر (سفر التكوين 3: 15 أشعياء 25: 8 المزامير 49: 14-15 يوحنا 5 -13).
ولمدة 1500 سنة بعد الخليقة عاش الإنسان حياة طويله نسبيه حيث كان معظمهم معاصرين للإنسان الأول ادم أو لشخص كان يعرفه. الآباء البطاركة العشرة الأوائل (باستثناء أخنوخ) كانوا قبل الطوفان وعاشوا متوسط 912 سنة.
لامك مات الأصغر بينهم 777
متوشالح عاش الأطول 969
انظر جدول 1
جدول 1 الآباء من ادم حتى نوح
المرجع الكتابي
العمر
الآباء
التكوين 5 :4
930
ادم
1
التكوين 5 :8
912
شيت
2
التكوين 5 :11
905
انوش
3
التكوين 5 :14
910
قينان
4
التكوين 5 :17
895
مهللئيل
5
التكوين 5 :20
962
يارد
6
التكوين 5 :23
365 ثم اختفى
أخنوخ
7
التكوين 5 : 27
969
متوشالح
8
التكوين 5 : 31
777
لامك
9
التكوين 9 : 29
950
نوح
10
وخلال الألف سنة التالية للطوفان بدا الكتاب المقدس بتسجيل انخفاض رهيب بطول حياة الآباء البطاركة الأولين من أول نوح الذي عاش 950 سنة حتى إبراهيم الذي عاش 175 سنة.
في الحقيقة موسى كان كبير السن بطريقة غير معتادة في زمنه 120 سنة لان هذا يعكس إيجاز الحياة:
ولقد كتبه في الكتاب المقدس ” أيام سنينا هي سبعون سنة، وان كانت مع القوة فثمانون سنة، وافخرها تعب وبلية، لأنها تقرض سريعا فنطير. ” (مز 90 : 10).
جدول 2 أعمار الآباء البطاركة من نوح إلى إبراهيم
المرجع الكتابي
العمر
الاباء
التكوين 11 : 10 , 11
600
سام
11
التكوين 11 : 12 , 13
438
ارفكشاد
12
التكوين 11 : 14 , 15
433
شالح
13
التكوين 11 : 16 , 17
464
عابر
14
التكوين 11 : 18 , 19
239
فالج
15
التكوين 11 : 20 , 21
239
رعو
16
التكوين 11 : 22 , 23
230
سروج
17
التكوين 11 : 24 , 25
140
ناحور
18
التكوين 11 : 32
205
تارح
19
التكوين 25 : 7
175
إبراهيم
20
بعض من الدلائل الخارجية التي تدعم الكتاب المقدس في أن طول حياة الإنسان في سفر التكوين الأول قد وجدت في قائمه ملك السومريين هذه القائمة ذكرت أيضًا الطوفان وأعطت طول عمر الملوك قبل الطوفان يوجد العديد من التطابق بين قائمه ملك السومريين وأحداث سفر التكوين مثل حادثه الطوفان.
الأرقام قد تكون متوازية بين ما قبل الطوفان أعمار البطاركة وبين أعمار الملوك القدماء ويوجد نقص محسوس في مدة حياة الناس بعد الطوفان.
وقد استنتج احد المؤلفين عن هذا الموضوع أنه من غير المحتمل بشدة أن يكون الكتاب المقدس أحداثه قد اشتقت من السومريين وعندما ننظر الاختلاف بينهم نجد انه ملحوظ تمامًا التفوق الرهيب في سفر التكوين أن يسجل بشكل دقيق الأرقام الدقيقة وإتمام الأحداث والمبادئ الأخلاقية والقيم الروحية.
انه من الأكثر احتمال أن يكون قائمه ملك السومريين قد كُتبت باستخدام المعلومات والأرقام من سفر التكوين . ومن الواضح انه اذا استخدم شخص سفر التكوين فان الشخص الذي كتب هذه القائمة يؤمن أن هذه التسجيلات التي وردت في سفر التكوين حقيقة تاريخية وتحتوي على معلومات دقيقة.
هل فعلا عاش كلاً من نوح وآدم أكثر من 900 سنة؟ ولماذا لا نعيش الآن كل هذه السنوات؟ ترجمة مينا خليل
أن الإنسان يعيش اليوم حوالي 120 سنة على الأكثر، ومتوسط عمر الفرد حوالي 70 إلى 80 سنة بالمثل كما كان في وقت كتابه المزمور 90 منذ حوالي 3400 . وهذا الانخفاض بهذا الشكل الرهيب في حياة الإنسان بعد الطوفان يدل على أن شيء ما قد تغير في وقت الطوفان أو بعد قليل منه وهذا كان السبب المسؤول عن هذا الانخفاض.
يوضح الرسم البياني ان هذا النقص يحدث بأسلوب متسارع (على الأساس “أسي “، “لوغاريتمي”). ومثل هذا الانخفاض كان يسمى ” بمعدل الإنحلال الطبيعي” ولان هذا السلوك له أمثلة في الطبيعة.
على سبيل المثال عند رسم خط الإنحلال عندما يتعرض الكائنات الحيه إلى ماده سامه قاتله أو إشعاع. ولأنه من المؤكد أن الناس الذين عاشوا حول وقت الطوفان لم يكونوا على معرفه بهذا “الإنحلال الطبيعي” فمن غير الوارد أن تكون هذه التواريخ مصنعه أو غير حقيقية.
تظهر تسجيلات الحفريات في عصر ما قبل الطوفان إن معظم الأرض كانت من البيئة الاستوائية المدارية ولكن بعد الطوفان والوضح أن طبيعة هذه البيئة قد تغيرت في العصر الثلجي الذي غطي حوالي 30 بالمئة من الأرض. وهذا التغير البيئي قد يكون السبب الذي اثر على طول حياة الإنسان.
الأسباب البيولوجية للشيخوخة (تقدم العمر) ما هو السبب في تقدم العمر(الشيخوخة) في أجسادنا؟
بالرغم من أن ميكانيكية التقدم في العمر (ومحاوله منع الشيخوخة) من أهم المواضيع التي شغلت الأبحاث في البيولوجيا الطبية. ولان ما زال لا يوجد هناك إجابة حتمية على هذا السؤال. في بدايات القرن الماضي كان المتعارف عليه أن التقدم في السن لا يشمل بشكل مباشر في الخلايا الحيه في أجسادنا ولكنه يحدث بسبب ظاهرة من خارج الخلية.
كان المعترف به أن خلايانا الحية الطبيعية ستنمو وتزدهر وتنقسم إلى أجل غير مسمى إذا اهتم بها بطريقة صحيحة خارج أجسادنا. ولكن في عام 1961 قد اثبت خطأ هذه النظرية ليناردو هايفلك الذي اخذ خلايا خارج الجسم ووضعها في وعاء زجاجي يحتوي على كل المواد الغذائية التي تحتاجها، وقد اكتشف أن هذه الخلايا قد ماتت بطريقة طبيعية بعد حوالي 50 انقساما، وهذا يوضح أن حتى خلايا أجسامنا هي معرضة للموت بعيدا عن أي تأثيرات من أجسامنا.
العوامل الوراثية
كل من مدة طول الحياة والشيخوخة قد تتأثر من العوامل الوراثية وهي عمليات متداخلة وفريدة حوالي 20 إلى 30 % من العوامل التي تؤثر على طول مدة الحياة معروف على أنها وراثيه ومتوارث للفرد. فطول مدة عمر الفرد تختلف من شخص إلى أخر بيننا يلعب عامل تقدم السن دورة وهناك أيضًا الكثير من العوامل التي تدخل في الحسابات.
الطفرات وعنق الزجاجة لعلم الوراثة
الطفرات هو أي تغيير يحدث في تسلسل الحمض النووي وكل الطفرات المعروفة تسبب فقد في المعلومات، والنسبة التي تحدث بها كل أنواع هذه الطفرات في جيل واحد مقترح بانها أكثر من 1000. فنحن نورث بعض الطفرات من الوالدين وأيضا نطور هذه الطفرات على طريقتنا الخاصة. وبالطريقة المتتابعة نحن نعطي جزء من هذه الطفرات إلى أطفالنا لذلك فهي متوارثه. فان من الممكن تصور أن رقم كبير جدا من الطفرات قد حدث بين ادم وموسى لزم أن يظهر في كل حياة شخص.
عنق الزجاجة في الوراثة (أو تعداد السكان) تحدث عندما نسبة كبيره من السكان تموت أو نسبة كبيره تصبح منعزلة. مثل هذا قد حدث في عصر نوح والطوفان عندنا نقص التعداد السكان للبشرية إلى ثمانية أشخاص (سفر التكوين 6 – 9) وعنق زجاجه أخرى صغير قد حدث بعد الانقسام في برج بابل (البلبلة) سفر التكوين 11. هذه الأحداث يجب أن تسببت بطريقة رئيسية تقلص في التنوع الوراثي.
لكل (جين) هناك اثنين أو أكثر من نسخه تسمي “الآليات”، وهي طريقة متناظرة مثل اللون الأحمر(الجين) وله درجات مختلفة الأحمر الفاتح أو الداكن (الآليات). وتستطيع الطفرات في الآليات الجيدة أن تغطي على الطفرات في الآليات السيئة. لكن مع التعداد السكاني الصغير يكون التنوع أصعب في الآليات وهذا يكون صعب في التحقق وتكون الطفرات في الآليات المتغيرة تأثير أكبر.
وبالرغم من أن نوح عاش 950 سنة فان أبوه لامك عاش فقط 777 ولكن ليس معلوم اذا كان قد مات بسبب السن. مع ملاحظه أننا لا نعرف كم سنة عاشت زوجه نوح ولكن ابن نوح سام قد عاش 600 سنة فقط مع الأخذ في الاعتبار أن أطول عمر قد سجل لشخص قد ولد بعد الطوفان كان لعابر الذي عاش 464 سنة. ما يبدو عليه أن كلا من الطفرات وعنق زجاجة علم الجينات له التأثير الكبير على التقدم في السن وطول مدة الحياة.
أمثلة على العوامل الوراثية والتأثير على مدة الحياة والتقدم بالسن
على الرغم من أن العديد من العوامل الوراثية قد تؤثر على عوامل التقدم بالسن وطول فترة الحياة إلا أن تفاصيل هذه العملية تظل كلغز. مظاهر التقدم في السن قد تزيد بسبب عوامل الداخلية (كعوامل تلف الحمض النووي) وعوامل خارجية مثل (الإصابة بالأمراض التي تسببها البكتيريا) وقد تتضاعف بسبب نقص الصيانة والتصليح وضعف الأنظمة الدفاعية في الجسم.
على سبيل المثال نظام تصليح الحمض النووي يحمي الجينوم في كل الحمض النووي من التغير (حدوث الطفرات). ولكن هناك خلل (مرض) في الوظائف الجينية يسمى بـ “جفاف الجلد المصطبغ” ويحدث هذا الخلل بسبب نقص في إصلاح الحمض النووي بسبب الطفرات، وهو الذي في الوضع الطبيعي يصلح الطفرات وبسبب الأشعة فوق البنفسجية، فإن الأشخاص المصابون بهذا المرض يجب أن يقللوا تعرضهم لأشعة الشمس.
أن السطح الخارجي للجلد والشفتين يبين أعراض الشيخوخة المبكرة وبينما هذا المثال واضح جدا في أن طفرات تقلل من رفع كفاءة الصيانة في الأنظمة الدفاعية سوف تؤدي إلى سرعة الشيخوخة وقصر مدة الحياة.
التيلوميرات وهو تكرار مقطع طويل للحمض النووي في نهاية كل الكروموسومات في الإنسان. قد تستطيع أن تلعب دور مهم جدا في عمليه الشيخوخة. مع كل انقسام يحدث للخلية هذه التيلوميرات يحدث لها نقص في الطول وذلك لعدم استطاعة الإنزيمات أن تنسخ الحمض النووي بطريقة ميكانيكيه مع التحكم في الجودة.
الخلايا القديمة تكون قد جمعت العديد من التغيرات (الطفرات) في الحمض النووي عندنا تستمر في الانقسام وقد يسبب هذا أمراض مثل السرطانات. فمعظم خلايا الجسم لا تستطيع أن تنقسم إلى ما لا نهاية أو إلى أجل غير مسمى. وهذا يؤدي إلى الشيخوخة ومن ثم الموت لذا التيلوميرات كانت مهمة في تحديد فترة حياة الخلية والذي يؤدي إلى بشكل مباشر إلى الشيخوخة.
انه من الصعب على علم الوراثة التحديد الدقيق لمدة الحياة أو طولها، فبالرغم من أن هناك جينات تحدد بانها تصاحب الأشخاص الذين يعيشون سنين طويله، ولكن السبب الرئيسي في طول فترة الحياة غير معروف.
دراسات علم الوراثة للأشخاص الذين يعيشوا أكثر من مائة عام قد أتت بالعديد من الاحتمالات للأشخاص المرشحين لطول العمر والجينات المسببة لذلك.
أمثلة على ذلك:
أن هناك جين مسمى (ابو لين وبروتين APOE) البروتين الشحمي وهو مهم في تنظيم ويحتوي على بعض التيلوميرات الموجودة بشكل عام في جينات الناس المعمرين فوق المئة. وهذا أيضًا صحيح لبعض التيلوميرات مثل المشابهة للأنسولين وحفظ معامل معدل النمو ((IGF1 ومهمته هي في تكاثر أو موت الخلايا.
وفوق الأكسيد دسميوتزيس (SOD) وهو المسؤول عن تكسير العوامل المؤدية إلى تلف الحمض النووي. وهذه التيلوميرات المصاحبة لهؤلاء الأشخاص الذين يعيشون فوق المائة تعكس كيفيه إصلاح الجينات للفرد على مدي الحياة منذ حوالي 6000 سنة. وأيضا تظهر مدى تأثير التيلوميرات حيث أن أطول فترة يستطيع إنسان أن يعيشها في يومنا هذا هي 120 سنة.
التطور وعلم الوراثة في مدة الحياة والشيخوخة
تواجه نظرية التطور صعوبات لشرح مدة الحياة والشيخوخة. حيث وان الشيخوخة لابد من حدوثها. والجينات قد تختار على أساس كيف تكون نافعة للأفراد في التكاثر وإعادة الإنتاج في السن الصغير(مدة الضمان) وهو الزمن اللازم لكي يحقق الداروينيون غرضهم في مدة الحياة مع شروط حدوث تكرار الإنتاج التكاثر بنجاح لكي تستمر الأجيال مع أن نفس الجينات قد تكون مؤذية بوجه عام مما يؤدي الشيخوخة ثم الموت. فمشكله التطور هي أن الجينات المسؤولة عن إطالة الحياة مختارة. لكي تتعامل مع ما يبدو بانقسام الخلية.
بعض من يؤمن بنظريه التطور اقترح أن الاختيار في الجينات المسببة لا طاله العمر تخدم غرض الأشخاص الذين يعيشون لمدة أطول من أن يهتموا بذريتهم وهو المعروف بـ ” تأثير الجدة”. المشكلة أن أي نظرية مرنة لكي تعطي تفسير لكل شيء أنها ليست نظرية جيد على الإطلاق.
الجينات المختصة بالشيخوخة وطول فترة العمر قد تتأثر بشكل مباشر بسبب من الطفرات أو غير المباشر من عنق الزجاجة في علم الوراثة. الطب الحديث وجلسات العلاج لمكافحة الشيخوخة قد تسبب في بطئ العملية وقد تمد فترة الحياة ولكنها لن تصل إلى القيمة العظمى.
موت يسوع المسيح وانتصاره على الموت كان هو الوعد بالحياة الأبدية لكل من يؤمن به. (رساله روميه 6 :23 10: 9)
العوامل الفسيولوجية
بمعنى آخر، إن معظم المواد التي يتكون منها الجسم لا تستمر بالتقدم في السن خلال حياتنا. فالعديد من أجزاء الجسم باستمرار تتكون من جديد. خلايا البشرة التي تغطي كل سطح الجلد على سبيل المثال لا تتقدم بالعمر. فخلال شهر واحد، خلايا جديده تتكون باستمرار من انقسام الخلية وتتعمق في البشرة بيننا الخلايا القديمة تسقط. والخلايا المكونة للأمعاء تغير نفسها وتتجدد مرة كل أربعه أيام. كرات الدم الحمراء تتبدل بالكامل مره كل 90 يوم وكرات الدم البيضاء تتبدل مره كل أسبوع.
وحتى الخلايا التي لا تنقسم أو نادرا ما تنقسم مثل خلايا عضلات القلب وخلايا المخ فهي لها دورة في الحياة الجزء بالجزء. ويوجد ما يعتقد به أن اقدم الأجهزة في الجسم يظل حوالي عشر سنين فقط ويتجدد. شكرا لدورة حياة الخلية وتبديلها.
معظم الأعضاء التي في جسم الشخص الذي بلغ من العمر 90 عام ربما لا تكون اقدم من نفس الأجهزة لطفل. لذلك، يمكن أن نقول أننا أجسادنا في الحقيقة لا تتقدم في العمر.
إنها تشبه قصه تسمى ” فأس الجد ” كان لشخص لديه فأس قديم معلق بجانب مكان إشعال النار والذي يزعم انه قد توارثه في عائلته منذ أكثر من خمس أجيال. وعندما سأله احدهم كم عمر هذا الفأس؟
لم يكن متأكد وقال أن جد جد جد جد جده قد اشتري هذا الفأس منذ حوالي 300 عام. أيضًا كان يعرف انه عبر هذه السنين هذا الفأس قد غيروا له رأسه برؤوس جديده في سته مرات وغيره أيضًا مقبضه حوالي 12 مره. أجسامنا تشبه ” فاس الجد” فهي باستمرار تتجدد مثل الراس والمقبض. وبهذا المنطق فنحن لا نتقدم في العمر. ومع ذلك فهل من الممكن لاي احد أن يتقدم في العمر ويموت رغم أن الجسم يصلح نفسه باستمرار ويجدد أجزاءه؟
عند هذه النقطة من الممكن أن نريد أن نسأل: لماذا مات متوشالح وهو صغير؟
كيف بالحقيقة يستطيع أي شخص إن يتقدم في السن ويموت اذا كان الجسم باستمرار يصلح نفسه ويجدد أعضاء؟ بالتأكيد حتى سياراتنا ونحن نستطيع أن نفعل لها ذلك ولكننا لا نتوقع أن تستمر للابد.
جزء من الإجابة يكمن في انه بعض الأجزاء من أجسامنا تفشل في التصليح وتجديد نفسها، مثل خلايا عضلات القلب المهمة على سبيل المثال تفشل في التكاثر وإبدال ذاتها بعد الولادة. (وبالرغم من أن كل خلايا العضلات تستطيع أن تكبر في الحجم) ولكن عضله القلب اذا انقطع عنها تدفق الدم خلال الأزمة القلبية يؤدي إلى موت دائم لهذا الجزء من القلب.
معظم الخلايا العصبية في المخ (مع خلايا العين والأذن) تفشل في التكاثر وتصليح ذاتها بعد الولادة وحتى نهاية الحياة. نحن نفقد الف خليه من الخلايا العصبية في كل دقيقة من جهاز العصبي. ولا نستطيع إبدالهم مع التقدم في السن لذلك يسبب هذا فقدان في القدرة على السمع والنظر والشم والتذوق . . . . . . . أم. . . . . . . . . . وشيء أخر لا استطيع أن أتذكر.
النقطة المهمة، أن العلم لا يعطي أملًا في حياة أبدية أوحتى في إطالة العمر بشكل ملحوظ. إنه حتى ولو وجده علاج للأمراض الثلاثة العظمى المسببة للموت (مثل السرطان والأزمات وأمراض شرايين القلب) فان المحتمل إن طالت مدة الحياة لن تطول بالقدر الذي يجعل هؤلاء الناس يعيشون إلى المنتهى. وهؤلاء الناس الذين يعيشون لمدة أطول سوف يتقدمون مع ضعف جسدي مع العمر وأجزاء مهمة من أجسامهم سوف تتدهور حالتها.
لذا يمكن أن نستنتج أن كلمه الله وليس العلم له الحل الكامل لمشكلة الشيخوخة والموت. هذا الحل هو ” وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي ابطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل” (2 تيموثاوس 1 : 10)
هل فعلا عاش كلاً من نوح وآدم أكثر من 900 سنة؟ ولماذا لا نعيش الآن كل هذه السنوات؟ ترجمة: مينا خليل
المرجع:
Did People Like Adam and Noah Really Live Over 900 Years of Age? by Dr. Georgia Purdom and Dr. David Menton
الكثيرون في المجتمع يشعرون بالسعادة من الإمكانيات المحتملة لأبحاث الطب الحيوي في منع أو علاج الأمراض المستعصية، ولكنهم قلقون من أن هذه التقنيات الحديثة قد تقودنا إلى مناطق خطرة. الفرع الذي يعالج تأثير التكنولوجيا الحيوية والطب على البشر يسمى أخلاقيات الطب. في هذا الملحق، سنأخذ أمثلة من بعض المعضلات الأخلاقية التي تثير نقاشاً هاماً في الوقت الحالي، رغم أن هذه الأمثلة لا تمثل قائمة حصرية لهذه النقاشات. سأركز بشكل خاص على التطورات التي تنشأ من التقدم السريع في فهم الجينوم البشري.
الجينات الطبية
قبل بضع سنوات، جاءت امرأة شابة إلى عيادة الأورام في جامعة میشیغان في مهمة يائسة. في ذلك اليوم أدركت أن ثورة حقيقية في مجال الطب الوراثي قد بدأت. جمعني مع سوزان عدة ظروف تتعلق بإصابة أفراد من عائلتها بمرض عضال عندما كنا على وشك اكتشاف مهم في مجال الجينوم البشري. تعيش سوزان (ليس اسمها الحقيقي) وعائلتها في محنة. في البداية تم تشخيص أن والدتها مصابة بسرطان الرحم، وبعد ذلك خالتها، وبعدها أثنين من أولاد خالتها، وبعد ذلك أخت سوزان الكبرى. كانت سوزان في حالة قلق كبيرة، وكانت تراقب نفسها وتجري فحوصات تصوير الثدي بالأشعة السينية بشكل دوري، بينما كانت تتابع أختها وهي تخسر معركتها مع المرض. تم اختيار أحد بنات خالتها للخضوع لعملية استئصال الثديين الوقائية لتجنب نفس المصير، ثم اكتشفت جانيت وهي أخت سوزان المتبقية ورماً جسدها وتبين أنه سرطان.
وفي هذه الأثناء، كنت أقوم وطبيبة زميلة تدعى باربرا ويبر بمشروع في میشیغان في محاولة لتحديد العوامل الوراثية لسرطان الثدي. كانت عائلة سوزان مشاركة في هذا المشروع وكان يرمز لها بالعائلة رقم 15، ولكن في إحدى المصادفات الغريبة، عندما جاءت جانيت لأخذ استشارة بخصوص ورم سرطان الثدي الذي تم اكتشافه في جسمها حديثاً، كانت الدكتورة ويبر في العيادة واستمعت لتاريخ العائلة مع المرض وأدركت العلاقة.
بعد ذلك بعدة أشهر كان المهمة اليائسة لسوزان أن تعرف ما إذا كنت ودكتورة ويبر قد توصلنا إلى معلومات إضافية من البحث تجنبها الخضوع لعملية استئصال الثديين. لم يعد بإمكانها أن تستمر بالتفاؤل لمدة أطول من ذلك، ولذلك قررت إجراء العملية خلال ثلاثة أيام. لقد كان توقيت زيارتها مناسب جداً. كشف البحث الذي قمنا بها خلال الأشهر السابقة بأن من المحتمل جداً أن تكون عائلة سوزان حاملة الطفرة خطرة في جين موجود في الكروموسوم رقم 17. لقد بدأنا البحث مع تفاؤل قليل بأن يؤدي البحث لنتيجة إيجابية سريعة. أما الآن، فنحن نواجه حالة طارئة، ووجدت أنا والدكتورة ويبر أن من غير الأخلاقي أن نخفي هذه المعلومات عن سوزان.
ولكن عندما رجعنا إلى البيانات المختبرية تبين أن سوزان لا تحمل هذه الطفرة الجينية الخطيرة التي تحملها أمها وأخواتها، وبالتالي فإن خطر أصابتها بسرطان الثدي لا يزيد على احتمال إصابة عامة النساء. في ذلك اليوم، كانت سوزان أول شخص في العالم يعرف عن الطفرة الجينية المسماة BRCAl. كانت ردة فعلها مزيجا من الدهشة وعدم التصديق، وقامت بإلغاء إجراءات العملية.
انتشر الخبر بين أفراد عائلتها انتشار النار في الهشيم، ولم يتوقف جرس التلفون عن الرنين. وخلال أسابيع وجدت أنا ودكتورة ويبر نقدم استشارات الكثير من أفراد عائلتها الممتدة، وجميعهم يرغبون في معرفة إذا ما كانوا مصابين بهذه الطفرة الخطرة. كانت هناك لحظات مأسوية، فقد تم اكتشاف أن أبنة خالتها التي تم استئصال ثدييها لم تكن حاملة لهذه الطفرة الجينية. في البداية أصيب بالصدمة عندما علمت بالنتيجة ولكن بعد ذلك أدركت أنها كانت على صواب لأنها قامت بأفضل خيار ممكن في الوقت الذي قررت فيه إجراء العملية. ولكن أكثر اللحظات مأسوية عندما علم أحد فروع العائلة الذي كانت يعتقد أفراده أنهم بعيدون عن خطر الإصابة بالطفرة أنهم متأثرون عن طريق علاقة والدهم بالمصابات بهذا المرض.
لم تبدو فكرة انتقال الجين المؤثر عن طريق الذكور غير المتأثرين بالجين معقولة، ولكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها الجين BRCA1. في الواقع، تبين أن والدهم حامل لهذه الطفرة وقام بنقلها إلى خمسة من أطفاله العشرة. إحدى هؤلاء وهي في التاسعة والثلاثين من العمر أصيب بالدهشة عندما علمت بانها معرضة للخطر. كنت ترغب بأن تعرف نتيجة حمضها النووي، وجاءت النتيجة موجبة. ومباشرة طلبت أن يتم لها عملية استئصال الثديين، وفي ذلك اليوم بالتحديد علمت بأنها مصابة بسرطان الثدي. لحسن الحظ أن الورم كان صغيرة، ولم يكن من الممكن اكتشافه قبل مرور سنتين أو ثلاث قادمة، وعندها لن يكون العلاج مشجعاً.
تم إبلاغ 35 فرد من أفراد العائلة بأنهم معرضون للإصابة بهذه الطفرة الجينية الخطرة، ونصف هذا العدد كانوا من النساء. الحاملات لهذا الجين كانت معرضات لسرطان الثدي والرحم معاً. كانت الآثار الطبية والنفسية المترتبة على ذلك كبيرة. حتى بالنسبة لسوزان التي نجت من خطر المرض مرت بمرحلة عصيبة من الاكتئاب وشعور العزلة عن عائلتها وهو ما يسمى بشعور الناجين بالذنب، وهو الاسم الذي أطلق على الناجين من محرقة الهولوكوست.
كانت حالة عائلة سوزان غير معتادة. ينتقل سرطان الرحم وراثية بين الأقارب بنسبة معينة، ولكن في حالة عائلة سوزان كان أثر الوراثة قوياً. ولكن لا يوجد بيننا عينات مثالية. الانتشار العالمي للطفرات الجينية في الحمض النووي هو الثمن الذي ندفعه مقابل التطور، وهو ما يعني أنه لا يوجد كمال جسدي كما أنه لا يوجد كمال روحي.
أصبح من الممكن قريباً التعرف على مواطن الخلل الوراثية في كل واحد منا التي تجعلنا معرضين للإصابة ببعض الأمراض في المستقبل، وقد تكون لدينا الفرصة، كما حدث مع عائلة سوزان لمعرفة ما يختبئ داخل كتيب تعليمات الحمض النووي الخاص بنا.
ومع بدأ تعرفنا على عواقب التقدم السريع في فهم البيولوجيا البشرية، تبرز الأسئلة الأخلاقية، وهذا ما ينبغي أن يحدث. المعرفة في ذاتها لا يوجد لديها قيمة أخلاقية؛ فالطريقة التي يتم فيها وضع هذه المعرفة موضع الاستخدام هو ما يكسبها بعداً أخلاقياً. وينبغي أن يكون هذا المبدأ مألوفاً في العديد من التطبيقات غير الطبية في تجارب الحياة اليومية. على سبيل المثال، يمكن عمل خليط معين من المواد الكيميائية تضيء السماء في عرض للألعاب النارية لتبهج نفوسنا في وقت الاحتفال، كما أن الخليط نفسه يمكن استخدامه كذلك لإطلاق قذيفة، أو صنع قنبلة تقتل عشرات المدنيين الأبرياء.
هناك العديد من الأسباب المقنعة التي تجعلنا نحتفل بالتطورات العلمية الناتجة عن مشروع الجينوم البشري. في نهاية الأمر، في كل الثقافات طوال التاريخ البشري يعتبر تخليص الناس من الأمراض أمر حسن، بل ربما يكون واجب أخلاقي. ولذلك فإن البعض قد يقول إن العلم يتقدم بسرعة كبيرة وانه لابد لنا أن نضع بعض القيود في تطبيقات معينة حتى يتم دراستها من الناحية الأخلاقية، أجد أن هذه الحجة لا يمكن أن تقنع أب في أمس الحاجة لمساعدة ابنه المريض. إلا بعد التقييد المتعمد للتقدم العلمي الذي ينقذ حياة البشر حتى تستطيع اللحاق به هو في حد ذاته غير أخلاقي؟
الطب الشخصي
ماذا يمكن للمرء أن يتوقع في السنوات القادمة من الثورة الحالية في مجال الجينات في البداية، فهم الفرق البسيط (0,1) في الحمض النووي بين شخص وأخر تقدم بسرعة، ومن المحتمل أن يكشف خلال السموات القادمة عن الخلل الوراثي المشترك التي تعرض الأفراد للإصابة بأمراض السكري والقلب والزهايمر وفي حالات أخرى عديدة. وسوف تسمح لكل واحد منا، إذا كنا مهتمين لذلك في الحصول على قراءات الشخصية توثق المخاطر المستقبلية للأمراض.
قليل من تلك التقارير سوف تكون وخيمة كما هو الحال في عائلة سوزان، وذلك لأن قلة منا سيكون لديهم أخطاء وراثية بهذه الآثار القاسية. هل تريد أن تعرف ذلك؟ كثير من الناس يقولون نعم، إذا كانت التدخلات تحد من المخاطر التي يتعرضون لها، وفي بعض الحالات، أصبح ذلك ممكناً بالفعل. إذا وجد أن شخصا معرض لخطر الإصابة بسرطان القولون على سبيل المثال فإنه يمكنه البدء بإجراء فحص القولون في عمر مبكر لاكتشاف الأورام الحميدة الصغيرة في وقت يمكن إزالتها بسهولة قبل أن تتحول إلى سرطان قاتل. الأشخاص الذين يتم اكتشاف أنهم معرضون لخطر الإصابة بمرض السكري يمكن أن يراقبوا وجباتهم لتجنب زيادة أوزانهم. أولئك الأشخاص المعرضون لخطر جلطات الدم في الأرجل يمكنهم تجنب حبوب منع الحمل حتى لا يصابوا بالشلل لفترات طويلة.
ومن المجالات الأخرى للطب الشخصي أصبح من الواضح أن استجابة الأشخاص للدواء يعتمد بشكل كبير على الجانب الوراثي. لقد أصبح من الممكن في العديد من الحالات تحديد من هو الشخص الذي يأخذ هذا العلاج وبأي مقدار وذلك عن طريق فحص عينة من الحمض النووي لهذا الشخص. هذا الاتجاه في علم الصيدلة أصبح مطبقاً على نطاق واسع وهو ما يؤدي إلى علاج دوائي فعال، والتقليل من حالات الأعراض الجانبية القاتلة.
الإشكاليات الأخلاقية الناتجة عن فحص الحمض النووي
كان للتطورات المذكورة أعلاه قيمة محتملة. ومع ذلك فإن هذه التطورات تواجه أيضا العديد من المعضلات الأخلاقية. في حالة عائلة سوزان، نشأ خلاف قوي حول ما إذا كان من المناسب اختبار الأطفال للكشف عن وجود طفرة BRCA1 لديهم. وبما أنه لم يكن هناك أي تدخل طبي متاح للأطفال، وبما أن التأثير النفسي إذا ما ثبت وجود هذه الطفرة لديهم يمكن أن يكون كبيراً، قمت أنا والدكتورة ويبر وبدعم من غالبية الخبراء الأخلاقيين بالتشاور، وتوصلنا إلى أنه يجب تأجيل مثل هذه التجارب حتى يبلغ الشخص سن الثامنة عشرة. في إحدى الحالات على الأقل، شعر أحد الآباء الحاملين للطفرة بالغضب لأنه لا يمكن اختبار بناته في الوقت الحالي. أحتج الأب بان من واجبه الأبوي أن يعارض قرارنا.
ثار نقاش أخلاقي حول ما إذا كان يحق لطرف ثالث للاطلاع على المعلومات الجينية للأفراد أو استخدامها. سوزان والعديد من أقرباءها كانوا خائفين من أنه أذا ثبت حملهم للطفرة الجينية أن تصل هذه المعلومة إلى شركات التأمين الصحي أو تصل إلى أيدي رؤساءهم في العمل، وعندها سوف يفقدون التأمين الصحي أو وظائفهم. بعد نقاش مستفيض، توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الاستخدام المنحاز لاستخدام المعلومات الجينية مخالف لمبادئ العدالة والإنصاف لأن عيوب الحمض النووي عالمية، وليس باستطاعة أحد أن يختار تسلسل حمضه النووي. ومن ناحية أخرى، إذا علم المؤمن عليهم بأنهم حاملين للطفرة مع جهل شركات التأمين الصحي بذلك فإن ذلك يعد تلاعب على النظام والقوانين. وهذا ما سيكون له تأثير كبير على أنظمة التأمين. ولكن لم يكن من الواضح تأثيرها على التأمين الصحي. ومع ذلك فإن الأدلة رجحت وجوب أن يكون هناك تشريع ضد التمييز الجيني في مجال التأمين الصحي وأماكن العمل. ومع كتابة هذه السطور لا زلنا ننتظر أن يتم إصدار تشريع فعال على المستوى القومي في الولايات المتحدة. سيكون للفشل في إصدار مثل هذا التشريع تأثير سلبي كبير على مستقبل الطب الشخصي الاحترازي، لأن الأفراد سوف يتخوفون من الحصول على المعلومات الجينية مع أنها قد تكون مفيدة لهم.
طرحت في هذه النقاشات مسألة أخلاقية أخرى وهي مسألة الحصول على الرعاية. هذه المسألة بالخصوص تثير الحيرة في الولايات المتحدة، فحتى كتابة هذه السطور لا يزال هناك أكثر من 40 مليون أمريكي ليس لديه تأمين صحي. من بين كل الدول المتقدمة، يبدو أننا في الولايات المتحدة لا نهتم بذلك ونفشل في تحمل مسؤوليتنا الأخلاقية. أحد أكثر العواقب مأسوية أن يتم التركيز على العلاج في غرف الطوارئ بدلا من الاهتمام بالوقاية والتركيز على الكوارث الطبية عندما لا يكون مفر من حصولها. مسألة الحصول على الرعاية الصحية تصبح أكثر إلحاحا كلما تقدمنا في البحث، وخاصة في مجال الجينوم وهو ما يقودنا إلى معرفة طرق أفضل للوقاية من السرطان وأمراض القلب والأمراض العقلية والعديد من الحالات الأخرى.
الأخلاقيات البيولوجية تقوم على أساس القانون الأخلاقي
قبل الخوض في مزيد من المعضلات الأخلاقية، حري بنا النظر في الأسس التي قامت عليها أحكامنا الأخلاقية. العديد من الأخلاقيات البيولوجية معقدة. نقاش هذه الأخلاقيات واتخاذ قرارات بشأنها يعتمد بشكل كبير على خلفية ثقافية ودينية. هل يمكن أن يتفق الناس في مجتمع علماني متعدد على الإجراء الصحيح في مثل هذه الحالات الصعبة؟ في الحقيقة أنني وجدت أنه عندما تكون الأمور واضحة فإنه في أغلب الأحوال تكون النتيجة متشابهة على الرغم من الاختلاف الكبير في الرؤى بين الناس. في حين أنه قد يبدو مثيرة للدهشة، فإنني أعتقد أن ذلك مثال مقنع على أن القانون الأخلاقي عالمي. جميعنا لدينا المعرفة الفطرية فيما هو صائب وخاطئ، ورغم أن ذلك يمكن يصبح غامضاً بفعل سوء الفهم والتشويش، فإنه يمكن التوصل له عبر التأمل الدقيق. حاجج بوشامب وتشلدش أن هناك أربعة مبادئ أخلاقية تمثل الأساس للأخلاقيات البيولوجية وهي مشتركة وتشمل جميع الثقافات والمجتمعات تقريباً، وهذه المبادئ تشمل:
1- احترام الاستقلالية: مبدأ أن من حق الإنسان العاقل أن يتخذ قراره الخاص دون تدخل خارجي.
2- العدالة: توفير العلاج بطريقة أخلاقية منصفة دون تمييز لجميع الأشخاص.
3- الإحسان: معالجة الآخرين بأفضل طريقة تحقق مصلحتهم.
4- عدم إلحاق الأذى: لا تؤذي أحد (كما في قسم أبقراط)
ما هو دور الإيمان في نقاشات الأخلاقيات البيولوجية؟
الشخص المؤمن سوف يجد أن هذه المبادئ موجودة في النصوص المسيحية واليهودية والإسلامية والبوذية وبقية التعاليم الدينية. في الواقع، أنه يمكن العثور على بعض من أكثر العبارات بلاغة لهذه المبادئ في النصوص المقدسة. ولكن المرء لا يحتاج أن يكون مؤمناً حتى يتفق مع هذه مبادئ. فحتى الشخص غير المدرب على الموسيقى يمكن أن يعجب بمقطوعة موتسارت. القانون الأخلاقي يخاطبنا جميعاً، سواء كنا نتفق أو نختلف على أصوله.
يمكن أن نستقي المبادئ الأساسية للقيم الأخلاقية من القانون الأخلاقي. ولكن الخلاف يظهر عندما لا تلبية متطلبات هذه المبادئ في الوقت نفسه، ويختلف المراقبون في إعطاء أوزان لهذه المبادئ حتى يتحقق التوزان. في العديد من الحالات، يكون المجتمع قد توصل إلى إجماع على التعامل مع ذلك، وفي حالات أخرى في مثل الحالة التي سوف نناقشها بعد قليل يختلف العقلاء في تحديد القرار الأخلاقي المتوازن.
الخلايا الجذعية والاستنساخ
ما زلت أذكر بعد ظهر يوم الأحد قبل عدة سنوات عندما اتصل أحد المراسلين الصحفيين بي في المنزل ليسألني عن رأيي حول عدد من مجلة بارزة على وشك أن يصدر يتم فيه الإعلان عن استنساخ النعجة دوللي. لقد كان ذلك تطوراً مذهلاً وغير مسبوق، وكان جميع العلماء تقريباً (بما فيهم أنا) يعتقدون أنه سيكون من المستحيل استنساخ الثدييات. وعلى الرغم من أن هناك كتيب تعليمات للحمض النووي بأكمله من كائن حي في كل خلية من خلايا الجسم، وكان من المفترض أن التغيرات التي تحدث في الحمض النووي تجعل من المستحيل برمجة كتيب تعليمات الحمض النووي بصورة دقيقة بهذه الطريقة.
لقد كنا على خطأ. في الواقع، على مدى العقد الماضي، ومن خلال اكتشاف بعد اكتشاف ظهر بشكل لافت المرونة غير المتوقعة لأنواع من خلايا الحيوانات الثدية. وهذا ما أدى بدوره إلى وقوع الجدل الدائر حالياً حول الفوائد والمخاطر المحتملة لهذا النوع من البحوث، التي تتميز بالتباينات العلنية الشديدة التي لا يبدو أنها قابلة للحل. لقد كان النقاش حول الخلايا الجذعية بالخصوص محتدماً، وكانت المصطلحات المستخدمة غير مفهومة بحيث كان لابد من تكوين خلفية عن الموضوع. الخلايا الجذعية هي تلك الخلايا التي تملك القدرة على التطور إلى أنواع أخرى من الخلايا. على سبيل المثال، يمكن للخلايا الجذعية في نخاع العظام أن ترفع عدد كريات الدم الحمراء والبيضاء وخلايا العظم وخلايا عضلات القلب. هذا النوع من الخلايا يطلق عليه اسم “الخلايا الجذعية الناضجة” للتمييز بينها وبين الخلايا الجذعية التي تؤخذ من الأجنة.
يتكون الجنين البشري من اتحاد للسائل المنوي مع البويضة لتكوين خلية واحدة. وهذه الخلية مرنة وتمتلك القدرة بشكل ملفت على التحول إلى خلية كبد أو خلية مخ أو خلية عضلات أو خلايا أي نوع أخر من الأنسجة المعقدة لجسم الإنسان التي تتكون من 100 تريليون خلية. الدلائل الحالية تشير إلى أن قدرة الخلايا الجذعية الجنينية على التوالد الذاتي والتحول إلى أي نوع من الخلايا يفوق تلك القدرة الموجودة في الخلايا الجذعية الناضجة. وبحسب التعريف فإن الخلايا الجذعية الجنينية يمكن أن تنتج فقط أثناء تكون الجنين عندما يكون الجنينة على شكل كرة صغيرة من الخلايا أصغر من نقطة ضمن النقاط المكونة للحرف أ. ولكن النعجة دوللي لم تنتج عن أي من نوعي الخلايا الجذعية. الشي المثير وغير المسبوق فيما يخص إنتاج النعجة دوللي جاء عن طريق غير مسبوق في الثدييات، وهو أمر لا يحدث في الطبيعة. وكما هو موضح في الشكل 1.A تسمى هذه العملية “نقل نواة الخلية الجسدية” (SCNT) وهي تبدأ من خلية واحدة مستمدة من ضرع النعجة المتبرعة.
تحتوي نواة هذه الخلية على كامل الحمض النووي للنعجة المتبرعة، وبعد ذلك يتم نقلها إلى بيئة مناسبة مليئة بالبروتينات والجزئيات الموجودة في السيتوبلازم لخلية بويضة. ويكون قد تم استئصال نواة هذه الخلية بشكل كامل حتى لا تستطيع نقل التعليمات الجينية، وإنما يتم فقط نقل البيئة الحاضنة لهذه التعليمات. ثم يتم وضع هذه الخلية في رحم النعجة بحيث يعود الحمض النووي لضرع النعجة ومع مرور الوقت يتم مسح جميع التغيرات الحاصلة في الحمض النووي بحيث تصبح خلية خاصة يتم إنتاجها مع الحليب. وبعدها تعود نواة الخلية الضرع إلى الحالة البدائية لها، ومن ثم يعاد زرع الخلية في رحم النعجة لتلد النعجة دوللي التي يكون حمضها النووي مطابق تماما للنعجة المانحة.
اندهش الوسط الطبي والعلمي في العالم بالمرونة غير المتوقعة لكتيب تعليمات الحمض النووي. بناء على هذا الاكتشاف المذهل، يعتبر العلماء أن دراسة الخلايا الجذعية قد تؤدي إلى فرصة حقيقية للتعرف على كيفية تحول خلية واحدة إلى خلية كبد أو خلية مخ. بالطبع فإن كثير من هذه الأسئلة الأساسية تم الإجابة عليها من خلال دراسة الخلايا الجذعية للثديات عندما تكون الهواجس الأخلاقية محدودة جداً. الإثارة الحقيقية فيما يخص الفوائد الطبية من أبحاث الخلايا الجذعية، مازالت في مرحلة الإمكانية، ولم يتم البرهنة عليها لاستخدام هذا النهج لتطوير علاجات جديدة. تظهر العديد من الأمراض المزمنة بسبب موت نوع من الخلايا قبل أوانها. إذا كانت ابنتك تعاني من النوع الأول من مرض السكري فإن ذلك بسبب أن خلايا بنكرياسها التي تفرز الأنسولين عادة تعرضت لهجوم مناعي من الجسم مما تسبب في موتها. إذا كان والدك يعاني من الباركنسون فإن ذلك بسبب خلايا عصبية في مناطق معينة من المخ ماتت في وقت مبكر مما أدى إلى خلل في دوائر العمل الحركية المعتادة. إذا كان ابن عمك على قوائم الانتظار لنقل الكلى أو الكبد أو القلب فذلك لأن هذه الأعضاء قد تعرضت لأضرار شديدة بحيث لم تعد قادرة على إصلاح نفسها.
إذا أمكن إيجاد وسائل تستطيع إعادة إنتاج الأنسجة أو الأعضاء المتضررة فإن العديد من هذه الأمراض المزمنة يمكن علاجها أو القضاء عليها. ولهذا السبب، فإن “الطب التجديدي” يمثل موضوع ذو أهمية كبيرة للأبحاث الطبية. في الوقت، يبدو أن دراسة الخلايا الجذعية توفر فرصة عظيمة لتحقيق هذا الحلم.
ثار جدل اجتماعي وأخلاقي وسياسي حول استخدام الخلايا الجذعية.
العواطف الجياشة والعاطفة من جهات متعددة والاختلاف الشديد في وجهات النظر لم يسبق له مثيل من قبل، لدرجة أن بعض الحقائق العلمية ضاعت وسط هذه العاصفة. أولاً وقبل كل شيء، قلة يجادلون بأن الاستخدام العلاجي للخلايا الجذعية البالغة يمثل تحدياً أخلاقياً جديداً. هذه الخلايا يمكن استخلاصها من أنسجة أفراد على قيد الحياة. السيناريو المطلوب هو في إثبات أن هذه الخلايا بالفعل ضرورية لعلاج هذه الأمراض. إذا عرفنا على سبيل المثال، كيف نحول عدد قليل من خلايا نخاع العظم الجذعية إلى عدد كبير جدا من خلايا الكبد، فإن ذلك يمكن أن يتحقق ببساطة من خلال “زرع” نخاع المريض نفسه.
في حين كانت هناك بعض الخطوات المشجعة في هذا الاتجاه، وتم استثمار ذلك بشكل كبير جداً في متابعة أبحاث الخلايا الجذعية البالغة، فإننا نفتقر في الوقت الحاضر دليل مؤكد على أن الخلايا الجذعية للبالغين كافية لتلبية العديد من احتياجات الناس الذين يعانون من أمراض مزمنة. في حين تعتبر الخلايا الجذعية الجنينية أو استخدام نواة الخلية الجسدية البديل المحتمل لذلك. الخلايا الجذعية الجنينية تمتلك القدرة على التحول إلى أي نوع من أنواع الخلايا. ولكن هنا بالتحديد تبرز التحديات الأخلاقية باعتبار أن الجنين الذي تكون من اتحاد السائل المنوي مع البويضة هو عبارة عن حياة إنسانية محتملة. إنتاج خلايا جذعية من الجنين يعني تدمير لهذا الجنين (على الرغم من وجود نظريات تدعي إمكانية المحافظة على بقاء الجنين).
إذا كان المرء يعتقد بشكل قاطع أن الحياة تبدأ عند الحمل، وأن الحياة البشرية مقدسة من تلك اللحظة فصاعداً، فإن هذا الشكل من البحوث الطبية أو العلاج غير مقبول. الناس العقلاء سوف يختلفون بشدة حول صوابية مثل هذه البحوث وذلك يعتمد على إجابتهم على الأسئلة التالية:
هل تبدأ حياة الإنسان مع الحمل؟
لقد تجادل الفلاسفة ورجال الدين والعلماء لقرون طويلة حول مسألة متى تبدأ الحياة. الحصول على معلومات عن الخطوات الجزيئية والتشريحية التي تتعلق ببداية تكون الجنين لم تساعد في التوصل إلى نتيجة في هذه المسألة، لأن هذه المسألة ليست مسألة علمية. خلال قرون، قدمت الثقافات والديانات المختلفة تعاريف كثيرة لبداية الحياة، وحتى اليوم يوجد اختلاف بين المذاهب الدينية حول النقطة التي تدخل بها الروح إلى الجنين.
من منظور علم الأحياء، الخطوات التي تعقب اتحاد الحيوان المنوي والبويضة تحدث في ترتيب يمكن التنبؤ به بدقة، مما يؤدي إلى زيادة التعقيد، مما يجعل من الصعب وضع حدود فاصلة بين المراحل. وبالتالي فليس هناك خط فاصل بين الإنسان وبين مرحلة الجنين بحيث يمكن القول إنه هنا تبدأ الحياة. البعض يقول إن الوجود الإنساني الحقيقي لا يمكن أن يتم من دون جهاز عصبي، ولذلك فإن نمو الجنين من الشريط البدائي (يبدأ مع تكون الحبل الشوكي في اليوم الخامس عشر تقريبا). يمكن أن يعتبر علامة فاصلة. البعض يرد بالقول إن استعداد الجنين لتكوين نظام عصبي يتم بمجرد حصول الحمل، وبالتالي فإن الأمر لا علاقة له بتكون البناء التشريحي. تم تسليط الضوء على هذه المسألة من خلال توأمين متطابقين والذين نتجا عن تلقيح بويضة واحدة. في المرحلة الأولى للتكون انفصل الجنين إلى جنینین يحملان حمض نووي متطابق. ليس هناك رجل دين يمكن أن يقول إن الجنينين ليس لهما روح أو أنهما يتشاركان في روح واحدة. في هذه الحالات، نجد أن التأكيد على أن الطبيعة الروحية للشخص تتحدد في لحظة الحمل تواجه صعوبة.
هل هناك ظروف تبرر أخذ خلايا جذعية من الجنة البشرية؟
أولئك الذين يعتقدون أن الحياة تبدأ من لحظة الحمل وأنه من تلك اللحظة يصبح الجنين يستحق الاحترام الأخلاقي للإنسان الكامل سوف يجيب بالنفي على هذا السؤال. وبالتالي فإن جوابهم سوف يكون متسق من الناحية الأخلاقية. ولكن تجدر الإشارة إلى أن العديد من هؤلاء سوف ينظرون إلى الأمر من زاوية أخرى، أو على الأقل يتبنون النسبية الأخلاقية في حال كانت هذه الأجنة مدمرة.
هذه هي عملية التخصيب في المختبر (IVF)، وقد أصبحت متاحة على نطاق واسع للأزواج الذين يعانون من العقم، وينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها حلاً لمشاكل مؤثرة. في هذا الإجراء، يتم أخذ البيض من الأم بعد العلاج الهرموني الذي ينتج مجموعة من البويضات في وقت واحد. ويتم تخصيب البويضات في إناء مع الحيوانات المنوية للأب. يتم مراقبة الأجنة لمدة ستة أيام لتحديد أي منها نما بشكل طبيعي وبعد ذلك يتم إعادة عدد قليل من هذه الأجنة (في العادة واحد أو أثنين) إلى رحم الأم على أمل تحقق الحمل.
في أغلب الأحيان يكون عدد الجنة الصالحة لإعادتها إلى رحم الأم أكثر مما هو مطلوب. في العادة يتم تجميد هذه الأجنة. في الولايات المتحدة وحدها، هناك مئات الآلاف من الجنة التي يتم تجميدها في الثلاجات، وهذا الرقم يزداد باستمرار. رغم أن عدد محدود من هذه الأجنة يمكن أن يستفيد منه أزواج أخرين، إلا أنه لا شك في أن أغلب هذه الأجنة يتم التخلص منها. وهنا يبرز الموقف الصارم المعارض لتدمير الجنة، مما يجعله يعارض فكرة التخصيب خارج الرحم. طرحت المطالبة بإعادة كل الجنة الناتجين عن عملية التخصيب إلى رحم الأم، ولكن هذه العملية تزيد من احتمالات حدوث موت الأجنة في عمليات الحمل المتكررة. لا يوجد حل سهل لهذه المعضلة في الوقت الحالي.
هذه الظروف تثير سؤالاً مطروحاً من قبل الكثيرين: إذا أمكن تحديد الإجراءات المطلوبة لضمان عدم تخصيب أجنة في المختبر لأغراض البحث، وإذا كانت الأبحاث الطبية سوف تقتصر فقط على تلك الأجنة التي بقيت بعد التلقيح الاصطناعي والتي من الواضح أنه سوف يتم التخلص منها، هل في ذلك انتهاك للقيم الأخلاقية؟
نقل الخلية الجسدية مختلف جذرياً
الأمر المفرح هنا هو أن النقاشات المحتدمة حول الخلايا الجذعية الناتجة عن الأجنة البشرية ليس من الضروري أن يتم استخدامها، لأن هناك طريق أقل إشكالية من الناحية الأخلاقية يمكن أن يمثل فتحة جديدة من الناحية الطبية. وأنا أشير هنا إلى عملية نقل نواة الخلايا الجسدية التي نتج عنها النعجة دوللي. إنه لمن المؤسف أن إنتاج الخلايا الجسدية أصبح مرادف من ناحية المفهوم ومن الناحية الأخلاقية مع إنتاج الخلايا الجذعية من الأجنة التي تأتي من اتحاد السائل المنوي والبويضة. هذه المعادلة تسللت إلى النقاش العام في مراحله الأولى وأصبحت خادعة لمعظم المشاركين في النقاش، وفي ذلك تجاهل للفرق العميق بين الكيانات الناتجة. الأرجح أن عملية نقل نواة الخلايا الجسدية سوف يكون أكثر فائدة من الناحية الطبية، ولذلك فمن المهم أن نحاول توضيح الخلط الحاصل في فهم هذه العملية.
كما أوضحنا فيما سبق وكما هو مبين في الشكل 1.A فإن عملية نقل نواة الخلايا الجسدية لا تنطوي على اتحاد للسائل المنوي مع البويضة. وبدلا من ذلك، يتم نسخ كتيب تعليمات الحمض النووي من خلية واحدة مأخوذة من جلد أو نسيج أخر حي من الحيوان (في حالة النعجة دوللي تم اخذ الخلية من الضرع، ولكن يمكن أخذها من أي عضو). سوف يتفق الجميع تقريبا أن خلية جلد المتبرع ليس لها قيمة من الناحية الأخلاقية، ففي نهاية الأمر نحن نفقد ملايين الخلايا كل يوم. وكذلك الحال مع الخلية منزوعة النواة التي فقدت كل حمضها النووي وليس لها القدرة على التحول إلى عضو حي، وبالتالي لا تسحق أي قيمة أخلاقية. وضع هذين الكيانين مع بعضهما البعض لا يحدث بصورة طبيعية، ولكن لديه قابلية كبيرة. هل يمكننا أن نسميه إنسان؟ إذا كان هناك من يقول إن توقعات الآثار المترتبة على نقل الخلية الجسدية تستحق التأمل فلماذا لا تنطبق هذه الحجة على نقل الخلية الجسدية قبل أن تتشكل؟ هي أيضا لها القابلية على ذلك.
خلال السنوات القليلة المقبلة من المرجح أن يكتشف العلماء الإشارات المتضمنة في بويضة خلية السيتوبلازم الخلية وهي الإشارات التي تسمح لنواة خلايا الجلد في محو تاريخها وتستعيد قدرتها الرائعة في التحول إلى العديد من أنواع الأنسجة المختلفة. وبالتالي، فمن المرجح أنه في غضون سنوات قليلة أن لا تحتاج هذه العملية لوجود البويضات على الإطلاق، وإنما يتم ذلك من خلال وضع أي نوع من الخلايا من متبرع فردي في خليط مناسب من جزيئات الإشارة. في أي نقطة، في هذه السلسلة الطويلة من الخطوات، يجب تطبيق الاعتبار الأخلاقي على الإنسان؟ ألا تشبه هذه النتيجة الخلية الجذعية البالغة أكثر من الخلية الجذعية الجنينية؟
هذه الضجة حول الخلايا الجسدية مستمدة من حقيقة غرابة اندماج خلية من ضرع نعجة وبويضة منزوعة النواة نتج عنها النعجة دوللي. حدث ذلك فقط لأن المنتج من عملية الخلايا الجسدية الناضجة وضعت بشكل مقصودا مرة أخرى في رحم الأغنام، وهو أمر لا يمكن أن يحدث عن طريق الصدفة. هناك خطوات مماثلة اتخذت في كثير من الثدييات الأخرى، بما في ذلك الأبقار والخيول والقطط، والكلاب.
لقد تم الشروع لمحاولة القيام بما يسمى الاستنساخ التناسلي في البشر من قبل مجموعتين من الأبحاث، واحدة منها يقودها فرد يرتدي سترة من الفضة ويدعي أنه اختطف من قبل أغراب. العلماء وعلماء الأخلاق، ورجال الدين، والمشرعون متفقون من الناحية الجوهرية أنه لا ينبغي تطبيق الاستنساخ التناسلي للإنسان تحت أي ظرف من الظروف.
في حين أن السبب الرئيسي لهذا الموقف يستند إلى اعتراضات أخلاقية ودينية قوية تعارض صنع نسخ من الإنسان بهذه الطريقة غير الطبيعية، في المقابل فإن هناك اعتراضات كبيرة أخرى تستند إلى اعتبارات السلامة، منذ استنساخ كل الثدييات الأخرى وقد تبين أنه جهد غير مجد وعرضة لوقوع كوارث، وخاصة أنه أدى إلى الإجهاض أو موت الرضع في وقت مبكر لمعظم الحيوانات المستنسخة. وفي بعض الحالات القليلة التي نجح فيها الاستنساخ وتجاوز مرحلة الولادة كان الناتج مختلف على نحو ما بما في ذلك النعجة دوللي (عانت من التهاب المفاصل والسمنة).
ونظرا لهذه النتائج، سيكون من المناسب تماما المطالبة بأن لا يتم أبدا زرع نتاج نقل نواة الخلية الجسدية البشري في رحم الأم المضيفة. عمليا يمكن لأي شخص أن يوافق على ذلك. النقاش يدور حول الظروف التي يمكن أن يسمح بها بنقل نواة الخلية الجسدية البشرية عندما لا يكون هناك نية لإنتاج إنسان كامل. المخاطر يمكن أن تكون عالية جداً. إذا كنت على وشك الموت من مرض باركنسون، فإنك لا تحتاج إلى الخلايا الجذعية من جهات مانحة أخرى، وإنما تحتاج إلى خلاياك الجذعية.
عبر عقود عديدة تعلمنا من خلال علم نقل الأعضاء أن زرع خلايا من شخص آخر في المتلقي من المتوقع أن يرفض الجسم تقبلها وهو ما يؤدي إلى نتائج مدمرة، وهو ما يمكن تقليل مخاطره فقط من خلال التأكد بدقة من تطابق الأنسجة بين المتبرع والمتلقي، بالإضافة إلى استخدام الأدوية القوية المثبطة للمناعة والمضاعفات المترتبة عليها.
العديد من السيناريوهات التي تدعو إلى استخدام خلايا جذعية جنينية من أشخاص أخرين لعلاج الأمراض المختلفة تواجه هذه التجربة الطويلة.
سيكون من الأفضل بكثير، أن تكون الخلايا الجذعية متطابقة وراثياً مع الشخص المتلقي. وهذه بالتحديد النتيجة التي قد تحدث بعد نقل نواة الخلية الجسدية البشرية. (وهذا ما يسمى “الاستنساخ العلاجي”). إنه من الصعب بالنسبة لمراقب موضوعي أن يجادل بأن هذا لن يحدث على المدى الطويل، حيث المستقبل واعد في نهاية المطاف بأننا سنصل إلى علاج قائمة طويلة من الأمراض المنهكة والقاتلة. ولذلك حري بنا أن ننظر بعناية فائقة، إلى الاعتراضات الأخلاقية لفوائد هذه العملية وتقييم ما إذا كانت تستحق أن تعطى أهمية في بعض الحالات. أنا أزعم أن الإنتاج الفوري لخلايا الجلد من خلية بويضة منزوعة النواة يبدو مختلفة من الناحية الأخلاقية عن اتحاد الحيوانات المنوية والبويضات. الأول هو خلق في المختبر لا يحدث في الطبيعة، وليس جزءاً من خطة الله الخلق فرد البشري. أما الثاني فمشابهاً جداً لخطة الله خلال آلاف السنين في خلق النوع البشري والأنواع الأخرى.
أنا مثل أي شخص آخر تقريباً أعارض بشدة فكرة الاستنساخ البشري. زرع نتاج نقل نواة الخلية الجسدية البشري الإنسان في الرحم عمل غير أخلاقي بشكل مطلق.
من جهة أخرى، يجري بالفعل تطوير بروتوكولات لإقناع خلية واحدة بتقبل اسُتمدت من نقل نواة الخلية الجسدية البشري لتحويلها إلى الخلية التي تستشعر مستويات الجلوكوز وتفرز الأنسولين، دون الوصول إلى أي من الخطوات الأخرى من التطور الجنيني. إذا كانت هذه الخطوات يمكن أن تؤدي إلى خلايا مطابقة من الناحية النسيجية بحيث يمكنها علاج مرض السكري عند الأحداث، لماذا لا يكون إجراء ذلك مقبولاً أخلاقياً؟
ليس هناك من شك في أن العلم سوف يستمر في التحرك بسرعة في هذا المجال. في حين أن الفوائد الطبية النهائية لأبحاث الخلايا الجذعية يظل غير معروف، فإن الأمل في ذلك يظل كبيراً. إن معارضة جميع هذا النوع من الأبحاث يعني أن الأخلاقية تفوقت على مبدأ تخفيف المعاناة بشكل مطلق. بالنسبة لبعض المؤمنين، قد يكون هذا الموقف دفاعي، ولكن يجب ألا نصل إلى هذا الموقف إلا بعد الأخذ بعين الاعتبار الكامل بالحقائق العلمية. أي شخص يصور هذا القضية باعتبارها معركة بسيطة بين الإيمان والإلحاد يجعل هذه القضايا أكثر تعقيداً.
ما وراء الطب
الجريدة التي أقرأها نشرت تحليلاً للتحديات التي يواجهها رئيس الولايات المتحدة. هذا الأمر يحدث عادة عندما لا تسير كما ينبغي بالنسبة للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهنا أنا أنقل عن صديق للرئيس يعمل كمحلل سياسي “لم أر الرئيس مطلقاً يعاني من الرئاسة. لقد نشأ على مواجهة القضايا الكبرى. هذه القدرة موجودة في حمضه النووي”. قد يكون صديق الرئيس قال هذا الكلام على سبيل المزاح، ولكن يمكن أنه يعنيه تماماً.
ما هو الدليل الحقيقي على وجود التوريث في السلوك البشري وسمات الشخصية؟ وهل ستقودنا ثورة الجينوم إلى أسئلة أخلاقية جديدة بسبب ذلك؟ كيف يمكن للمرء تقييم دور الوراثة والبيئة في خصائص الإنسان المعقدة؟ كتبت العديد من الأطروحات حول هذا الموضوع. ولكن قبل فترة طويلة من داروين، مندل، واتسون، کريك، وبقية العلماء، لاحظ البشر أن الطبيعة وفرت لنا فرصة رائعة لتقييم دور الوراثة في العديد من الجوانب المختلفة للوجود الإنساني، والتوائم المتماثلة مثال على ذلك.
إذا كنت قد صادفت توأمين متماثلين سوف تدرك أنهما يتشاركان في العديد من الصفات الجسمانية وكذلك في خصائص أخرى مثل نبرة الصوت وطريقة التصرف. ولكن إذا كان لك أن تتعرف عليهما عن قرب سوف تجد أن لهما شخصيتين مختلفتين. لقد درس العلماء عبر القرون التوأم المتماثلة لتحديد دور الطبيعة في شخصية الإنسان.
يمكن إجراء تحليل دقيق غير متحيز على التوائم المتطابقة الذين تم تبنيهم في منازل مختلفة عند الولادة، بحيث تكون بيئات الطفولة مختلفة تماماً. هذه الدراسات تسمح بتقدير نسبة توريث سمة معينة دون تحديد التركيب الجزيئي لها. الجدول 1.A يبين نسبة الوراثة في بعض سمات الشخصية في دراسة لتوأم متطابقة. ولكن لا يجب أن تؤخذ هذه النتائج على نحو الدقة.
الجدول 1.A: نسبة الوراثة في بعض الصفات عند الإنسان
الصفة
نسبة الوراثة
القدرة الذهنية العامة
50٪
قوة الشخصية
54٪
مدى التقبل
42٪
الاجتهاد
49٪
الغضب
48٪
الانفتاح
57٪
العدوانية
39٪
التقليدية
54٪
هذه الدراسات توصلت إلى نتيجة مفادها أن الوراثة تعتبر عامل مهم في سمات الشخصية. وهذه النتيجة لن تثير تعجب الأشخاص الذين يعيشون مع هذه العائلات. ولذلك علينا أن لا نصاب بالصدمة من حقيقة بعض تفاصيل الجزيئات في آلية التوريث بدأت بالتكشف من خلال دراسة الجينوم.
عندما كنت زميل أبحاث في مجال علم الوراثة في جامعة ييل في وقت مبكر من ثمانينات القرن الماضي، كان تحديد تسلسل عدة مئات من شيفرة الحمض النووي مهمة شاقة. الوسائل كانت صعبة، وتتطلب العديد من الخطوات التحضيرية، وكانت تتطلب أيضاً استخدام كواشف خطرة باهظة الثمن مثل المواد الكيميائية المشعة، ودليل لصب المواد الهلامية التي كانت دائما ما تعاني من فقاعات وعيوب أخرى. التفاصيل غير مهمة؛ النقطة المهمة هنا أن العمل استغرق وقتا طويلاً جداً وكثير من محاولات التجربة والخطأ، فقط لفرز بضع مئات من حروف الحمض النووي البشري.
على الرغم من كل هذه الصعوبات، إلا أن أول ورقة بحثية قمت بنشرها كانت عن علم الوراثة البشرية على أساس تسلسل الحمض النووي. لقد كنت أبحث في إنتاج نوع واحد فقط من البروتين، وهو الموجود في كريات الدم الحمراء للجنين البشري في رحم الأم، والذي عادة ما يختفي بعد الولادة عندما يصبح الطفل قادراً على التنفس بواسطة رئتيه. البروتين يسمى الهيموغلوبين الجنيني.
الهيموغلوبين هو البروتين الذي يسمح لخلايا الدم الحمراء بتوفير الأكسجين من الرئتين إلى جميع أنحاء الجسم. يستخدم البشر وبعض القردة نوع خاص من الهيموجلوبين قبل الولادة يساعد على استخراج الأكسجين من دم الأم لتغذية الجنين أثناء نموه خلال السنة الأولى من عمر الإنسان، ويتناقص هذا الهيموغلوبين الجنيني تدريجياً، ويقوم البالغين بإنتاج نوع أخر بدلاً من ذلك. ولكن في الأسرة الجامايكية التي كنت أقوم بإجراء التجارب عليها استمرت كميات كبيرة من الهيموغلوبين الجنيني في الظهور في مرحلة البلوغ.
سبب “استمرار الهيموغلوبين الجنيني الوراثي” كان من مثيراً للاهتمام، لأنه إذا تعرفنا على كيفية تحفيز إنتاجه لغرض معين عند أي شخص، فإننا نستطيع تقليل كثير من سلبيات فقر الدم المنجلي. يكفي 20% من الهيموغلوبين الجنيني في خلايا الدم الحمراء من شخص يعاني من مرض فقر الدم المنجلي للتخلص من المشاكل الصحية المؤلمة وتفاقم الأذى الذي يلحق بالأعضاء.
لن أنسى أبدا ذلك اليوم، عندما كشفت محاولتي لفهم تسلسل الحمض النووي عن وجود القاعدة G بدلا من القاعدة C في حالة معينة لأحد الجينات مما أدى إلى إنتاج الهيموغلوبين الجنيني. تغير هذا الحرف الوحيد كشف أنه هو المسؤول عن توقف البرنامج الحيوي عند البالغين. شعرت بسعادة غامرة ولكنني كنت منهكاً، لقد استغرق ذلك مني ثمانية عشر شهراً من الجهد المتعب الاكتشاف حرف واحد متغير في شفرة الحمض النووي البشري.
لقد أثار دهشتي أنني علمت بعد ذلك بثلاث سنوات أن بعض العلماء أصحاب الرؤية الثاقبة قد بدأ بمناقشة إمكانية تحديد تسلسل الحمض النووي لكامل الجينوم البشري، والتي تشير التقديرات إلى أن طوله يصل إلى نحو 3 مليارات زوج من القواعد. وهذا هدف بالتأكيد لا يمكن أن أحققه خلال حياتي.
كنا نعرف نسبياُ القليل حول ما يحتويه الجينوم. لم يكن أحد قد شاهد واقعية القواعد الكيميائية للجينات البشرية تحت المجهر (لقد كانت صغيرة جداً). لقد تم التعرف على بضعة مئات من الجينات، وكانت التوقعات حول العدد الكلي للجينات محل الاختلاف كبير. بل حتى تعريف الجين كان محل اختلاف. اهتزت التعريفات البسيطة التي تعتبر أن الجين يشكل امتداداً لحمض نووي يحمل رموزاً لبروتين معين بعد اكتشاف أن مناطق تشفير البروتين في الجينات يتم التأثير عليها من شرائح في الحمض النووي تسمى انترونات.
اعتماداً على الطريقة التي تقسم مناطق الترميز في نسخة الحمض النووي الريبي، يمكن لجين واحد في بعض الأحيان أن يرمز لعدة بروتينات ذات صلة. وعلاوة على ذلك، كما يمكن أن يركز إلى أماكن في الحمض النووي بين الجينات التي لا يبدو أن مهمة محددة؛ حتى أن البعض كان يشير إلى هذه الأماكن بـ “نفاية الحمض النووي”، على الرغم من القول بأن جزء من الحمض النووي “نفاية” هو نوع من الغطرسة نظراً لجهلنا بذلك.
على الرغم من كل هذه الشكوك، لم يكن هناك شك في أهمية تسلسل الجينوم الكامل. يختبئ بين ثنايا كتيب التعليمات الكثيرة قائمة بالعناصر اللازمة لحياة الإنسان، ونحن نفتقر إلى معرفة عنها وليس باستطاعتنا التعامل معها بشكل فعال. بالنسبة لي كطبيب، تعتبر إمكانية فتح صفحات أكثر الكتيبات الطبية فعالية (الجينوم) أمراً مثير للغاية.
كمبتدئ في الأوساط الأكاديمية وقليل الدراية بالحقائق العملية لهذه المشروع الجريء، انضممت إلى المؤيدين للشروع ببرنامج منظم للتعرف على تسلسل الجينوم البشري، والذي سرعان ما أصبح يعرف باسم مشروع الجينوم البشري. في السنوات اللاحقة ازداد شوقي بشكل كبير لرؤية الجينوم البشري. ومن خلال قيادتي لمختبر بحثي وليد مكون من طلبة الماجستير والدكتوراه الجادين، قررت أن أبحث في أسس أمراض معينة استعصت على العلاج. وأكثر مرض كنت أود التعرف على أسسه هو مرض التليف الكيسي cystic fibrosis الذي يعد أكثر الأمراض الوراثية المميتة في دول شمال أوربا.
هذا المرض عادة ما يكتشف في الطفال حديثي الولادة الذين لا تزيد أوزانهم، والذين يعانون بشكل مستمر من التهابات الجهاز التنفسي. وبعد جمع معلومات من أمهات هؤلاء الأطفال اللاتي كن يقلن إنهن يشعرن بمذاق مالح عند تقبيل أطفالهن، توصل الأطباء إلى تشخيص يشير إلى وجود تركيز عالي من الكلوريد في عرق هؤلاء الأطفال. كنا نعرف أيضا أن لدى مرضى التليف الكيسي إفرازات سميكة ولزجة في الرئتين والبنكرياس، ولكن لم يكن لدينا أية فكرة عن الجين المحتمل المسبب لذلك.
لقد تعرفت لأول مرة على مرض التليف الكيسي عندما كنت طبيباً متدرباً في أواخر السبعينات. في الخمسينات كان الأطفال المصابين بالمرض نادراً ما يظلون على قيد الحياة لسن العاشرة. ومع التطور الذي حصل في التعامل مع أعراض المرض واستبدال الأنزيمات في البنكرياس وعلاج التهابات الرئة والتقدم في مجال التغذية والعلاج الطبيعي تمكن المصابين بالمرض في السبعينات من الوصول إلى مرحلة الجامعة والزواج والعمل.
ولكن على المدى البعيد كانت فرص الشفاء من المرض قائمة. من دون فهم أساسي للخلل الجيني المسبب للمرض كان الباحثون يبدون وكأنهم يتحسسون طريقهم في الظلام. كل ما نعرفه أنه من بين الثلاثة ملايين حرف من شيفرة الحمض النووي هناك حرف واحد تحرك من مكانه.
العثور على هذا الخطأ أمر خارج عن القدرة، ولكن الشيء الأخر الذي نعرفه عن مرض التليف الكيسي هو أنه يتخذ النمط المتنحي في الوراثة. لفهم ذلك، من المهم أن نعرف أن كل جين في أجسامنا له نسختين، الأولى نأخذها من الأب والأخرى نأخذها من الأم. في الأمراض المتنحية مثل التليف الكيسي يصاب الطفل بالمرض فقط إذا كانت كلتا نسختي الجين تالفة.
لكي يحدث ذلك، يجب أن يكون كلا الوالدين حاملا لنسخة تالفة، ولذلك فإن الأفراد الذين يحملون نسخة سليمة وأخرى تالفة لا يشعرون بذلك، هذه الناقلات بشكل عام علم وضعهم (حوالي واحد من كل ثلاثين شخص من أصول شمال أوروبية يكون حامل التليف الكيسي، ومعظمهم ليس لديهم تاريخ عائلي للمرض).
سمح الأساس الجيني لتليف الكيسي بعملية تجسس للحمض النووي مثيرة للانتباه: حتى من دون معرفة أي شيء عن الجين المسؤول، يمكن للباحثين تتبع عملية توريث مئات من جزيئات الحمض النووي من جينوم جميع الأسر ذات الأقرباء المتعددين المصابين بالتليف الكيسي، بحيث عبر هذه العملية يمكن توقع جزيئات الحمض النووي المصابة بالتليف الكيسي وتلك غير المصابة. هذه الجزيئات يجب أن تكون بالضرورة قريبة من جين التليف الكيسي.
بالتأكيد لا يمكننا قراءة الثلاثة ملايين زوج من الأحرف، ولكن بإمكاننا تسليط الضوء على بضعة ملايين منها هنا، وبضعة ملايين هناك، لنرى ما إذا كان لها علاقة بالمرض. كان علينا أن نقوم بذلك مئات ومئات المرات، ولكن الجينوم هو مجموعة محدودة من المعلومات، وإذا أبقينا عليها كذلك فسنكون واثقين من تحديد الجوار المطلوب.
لقد تم التوصل إلى ذلك مما أثار سرور العلماء والعوائل معا وكان ذلك في عام 1985، وتم الكشف عن أن جين التليف الكيسي موجود في مكان ما بين مليوني قاعدة من أزواج الحمض النووي الموجودة في الكروموسوم السابع. ولكن الجانب الأصعب للموضوع للتو بدأ. ولتقريب تصور مدى صعوبة المهمة أشبه ذلك بالبحث عن مصباح تالف في سرداب أحد البيوت في الولايات المتحدة.
كانت الدراسات العائلية بداية ممتازة لأنها مكنتنا من تحديد الولاية والمدينة. ولكن ما زلنا كأننا ننظر من ارتفاع 2000 قدم، وهو ما يعني أن بحثنا قد لا يقود إلى شيء. ما كان مطلوباً هو البحث في البيوت بيتاً بيتاً والبحث بين المصابيح التالفة مصباحاً مصباحاً.
لا يوجد لدينا حتى الآن خريطة للمنطقة نسير عليها. الكروموسوم رقم 7 مثل بقية الجينات لم يكن معروفة في عام 1985. ولإكمال التشبيه، أقول إنه لم يكن لدينا خريطة لشوارع البلدات والقرى، ولا دليل للمباني ولا أي مؤشر لمخازن مصابيح الإنارة. لقد كان العمل قاسي جداً. اخترعت أنا وزملائي في الفريق طريقة تسمى “قفز الكروموسوم”، وهي الطريقة التي سمحت لنا بالتحرك عبر 2000000 قاعدة من الأزواج المستهدفة على شكل قفزات، بدلا من الزحف البطيء على الطريقة التقليدية. وساعدنا ذلك في تفتيش المنازل على شكل دفعات بدلاً من تفتيشها بيتاً بيتاً.
ولكن التحدي لا يزال كبيراً جداً، بحيث اعتقد كثيرون في الحقل العلمي أن هذا النهج غير عملي، وأنه لن يصل مطلقاً لفهم أي مرض بشري. في عام 1987، واجهنا نقصاً في التمويل وكثير من الإحباط، وقام مختبرنا بتوحيد جهوده مع مختبر Chee Tsui وهو باحث مميز حاصل على الدكتوراه في مستشفى لعلاج الأطفال في تورنتو. اندماج المختبرين منحنا طاقة جديدة. البحث كان أشبه بالقصص البوليسية، فنحن نعرف أنه سيتم الكشف عن الغموض في الصفحة الأخيرة، ولكننا لا نعلم كم سيستغرق من الوقت للوصول إليها.
كانت هناك مؤشرات، وكانت هناك أيضا فجوات غامضة. بعد أن تشعر بالأمل لثالث أو رابع مرة لإمكانية الوصول إلى النتيجة تفاجأ باليوم التالي بتلاشي هذا الأمل لظهور بيانات جديدة، ولذلك توقفنا عن التفاؤل بالوصول إلى أي شيء. وجدنا من الصعوبة أن نشرح لزملائنا عدم قدرتنا على العثور على الجين أو التوقف عن البحث. ولكي أبين صعوبة المهمة بطريقة تشبيهية ذهبت إلى مزرعة في ولاية ميتشغان ليتم التقاط صورة لي وأن أمسك بإبرة وأنا جالس فوق كومة من القش.
ولكن في ليلة ممطرة من شهر مايو 1989، جاء الجواب في نهاية المطاف. بدأ جهاز الفاكس الخاص بمختبري ومختبر تشي الذي وضعناه في سكن الطلاب بجامعة ييل حيث كنا نعقد اجتماعاً هناك، بدأ بإرسال بيانات عن العمل الذي قمنا به في الأيام السابقة، حيث تبين بشكل لا لبس فيه أن حذف ثلاثة حروف فقط من شفرة الحمض النووي في الجزء الخاص بتشفير البروتين في الجين الذي لم يكن معروفة من قبل هو سبب التليف الكيسي في معظم المرضى.
بعد فترة وجيزة، كنا وآخرون قادرين على إظهار أن هذه الطفرة بالإضافة إلى أخطاء برمجية في الجين نفسه، أصبحت تسمى CFTR، هي المسؤولة عن جميع حالات هذا المرض. من خلال ذلك تمكنا أن نبين أن العثور على المصباح التالف الذي يسبب المرض يتم من خلال الاقتراب بشكل متواصل من مكان الكروموسوم. لقد كانت لحظة عظيمة. لقد كان الطريق طويلاً وشاقاً، ولكن ارتفعت درجة التفاؤل بأن البحث للوصول إلى علاج المرض أصبح في متناول اليد.
في التجمع اللاحق لألاف من الباحثين في مرض التليف الكيسي وعوائل المرضى والعاملين بالعيادات كتبت نص أغنية للاحتفال باكتشاف الجين. دائما ما تساعدني الموسيقى في التعبير عن أشياء لا أستطيع التعبير عنها بالكلمات. وعلى الرغم من مستواي في عزف الغيتار متوسط إلا أنني شعرت بسعادة عظيمة في تلك الدقائق عندما كان جميع الحضور يرددون كلمات الأغنية بصوت عال. هذه التجربة كانت أقرب للروح منها للعلم. لم أستطع منع دموعي وأنا أرى هذه الشخصيات المميزة تنهض من مقاعدها وتغني مع فرقة الإنشاد:
تجرأ على الحلم تجرأ على الحلم
كل أخوتنا وأخواتنا يتنفسون الحرية
بدون خوف وقلوبنا لا تهتز
حتى تنتهي قصص التليف الكيسي
تبين أن الخطوة التالية أصعب مما كنا نتوقع، وأن قصة مرض التليف الكيسي لم تنته بعد. ومع ذلك فإن اكتشاف الجين كان في الحقيقة أمراً ممتعاً، وبدأ فصل جديد من البحث في المرض التحقيق نصر كامل عليه. إذا أردنا حساب تكلفة 24 فريق عالمي حول العالم يعمل لاكتشاف الجين، فإن ذلك سوف يكون عشر سنوات من الجهد وخمسين مليون دولار لاكتشاف جين واحد المرض واحد. فضلاً عن أن التليف الكيسي كان من الأمراض السهلة لأنه كان من الأمراض الشائعة تقريباً التي تتبع بدقة قوانین مندل الوراثية.
كيف لنا أن نتصور التوسع في العمل لاكتشاف مئات جينات الأمراض النادرة التي تحتاج للكشف عنها بشكل عاجل. والأكثر تحدياً، كيف يمكننا تصور تطبيق نفس الطريقة على أمراض مثل مرض السكري، وانفصام الشخصية، وأمراض القلب، والسرطانات الشائعة، وغيرها من الأمراض التي نعلم أن عوامل الوراثة فيها تلعب دورا مهما، في حين أن الأدلة تشير إلى تأثير عدة جينات في الموضوع، وكل من هذه الجينات لا يلعب دوراً حاسماً في المرض.
في هذه الحالة علينا أن نبحث عن عشرات المصابيح التالفة، وبعضها قد لا يكون تالفاً تماماً، بل قد يكون قد خفتت إضاءته عما يجب أن يكون عليه. إذا كان لنا نأمل بالمضي في ظروف أكثر صعوبة فإنه يجب علينا الحصول على معلومات مفصلة ودقيقة عن كل زاوية وركن في الجينوم البشري. نحتاج لخريطة مفصلة لكل بيت في البلد.
تصاعد الجدل بحدة أواخر 1980 حول الحكمة من المشروع، ففي حين أن معظم العلماء يتفقون على أن المعلومات في الواقع مفيدة، ولكن ضخامة المشروع تجعله يبدو بعيد المنال تقريباً. زيادة على ذلك، أصبح من المعلوم أن جزءًا صغيراً من الجينوم يتبع برمجة البروتين، في حين أن تطبيق ذلك على بقية الأجزاء محل نقاش. أحد العلماء المعروفين جيدا كتب يقول: “أن تسلسل الجينوم قد يكون مفيدا بنفس فائدة ترجمة الأعمال الكاملة لشكسبير إلى اللغة المسمارية، ولكن ليس بالإمكان تفسيرها”. وكتب أخر “ليس من العقل أن يخوض علماء الوراثة في بحر من الهراء للوصول إلى حذاء جاف في جزيرة صغيرة”.
أغلب المخاوف من المشروع تستند إلى فكرة أن التكلفة المحتملة لمثل هذا المشروع قد تسحب التمويل من مشاريع حيوية أخرى. أفضل رد على هذه المخاوف هو في تكبير الكعكة، والبحث عن تمويل جديد للمشروع. تم ذلك في الولايات المتحدة من خلال تعيين مدير جديد للمشروع هو جيم واتسون Jim Watson الباحث المشارك في اكتشاف الحمض النووي الحلزوني المزدوج. كان واتسن في ذلك الوقت النجم الذي لا يضاهي في علم الأحياء، وقد استطاع إقناع الكونغرس للمضي في المغامرة الجديدة.
أشرف جيم واتسون خلال العامين الأولين باقتدار على مشروع الجينوم البشري في أمريكا، وأنشأ مراكز الجينوم ووظف مجموعة من أفضل وألمع علماء الجيل الحالي للعمل في المشروع. ولكن الشكوك حول المشروع ظلت كما هي، وخاصة فيما يتعلق بقدرة المشروع على إنجاز شيء خلال مدته المقدرة بخمسة عشر سنة، وخاصة أن التكنولوجيا المطلوبة لم يكن قد تم ابتكارها.
وحدثت أزمة في عام 1992 عندما ترك واتسن منصبه فجاءةً على أثر خلاف علني مع مدير المراكز الصحية حول جدوى تسجيل براءات الاختراع الخاصة بجزيئات الحمض النووي (والتي كان واتسن معارضاً لها بشدة).
تبع ذلك بحث مكثف لاختيار مدير جديد للمشروع. ولم يكن أحد أكثر مني دهشة عندما توجهت الأنظار لي. عطفاً على كوني كنت مستمتعاً بالوقت الذي كنت أقود فيه مركز الجينوم بجامعة ميتشغان، ولم أكن أتخيل أن أصبح موظفاً فدرالياً، ولذلك أعربت في البداية عن عدم رغبتي بذلك، ولكن في الأخير تم اتخاذ القرار باختياري. لقد كان هناك مشروع واحد للجينوم. سوف يكون مشروع واحد للجينوم في التاريخ، وإذا نجح ستكون تبعاته في الطب غير مسبوقة.
كمؤمن بالله، سألت نفسي ما إذا كانت هذه اللحظة هي من ضمن اللحظات حيث طلب مني أن ألعب دوراً أكبر في مشروع سوف يكون له دور كبير في فهم أنفسنا؟ في هذه اللحظة سنحت الفرصة لقراءة لغة الله، ولفهم تفاصيل الطريقة التي جاء بها البشر إلى الوجود. هل أستطيع أن أهرب من ذلك؟ لقد كنت دائما أشكك في الذين يقولون إنهم أصغوا إلى رغبة الإله في حالات مشابهة، ولكن الأهمية القصوى لهذه المغامرة والتبعات المحتملة على علاقة الجنس البشري بالخالق جعلت من الصعب تجاهل ذلك.
وعندما قمت بزيارة لابنتي في ولاية نورث كارولاينا، أمضيت فترة بعد الظهر في الصلاة في كنيسة صغيرة داعياً الله أن يرشدني للقرار الصحيح. في الحقيقة لم أسمع الله يتكلم، ولم أمر بهذه التجربة. ولكن في هذه الساعات شعرت بأن السكينة حلت داخلي، وبعد عدة أيام قبلت بالعرض المقدم لي. العشر السنوات التالية كانت عبارة عن سلسلة من الخبرات. الأهداف الرئيسية لمشروع الجينوم البشري كانت طموحة جداً، ولكننا وضعنا أهدافاً مرحلية وألزمنا أنفسنا تحقيقها.
لقد كانت هناك لحظات من الإحباط الشديد عندما كنا نعول في التجارب الأولى على طرق تبدو واعدة ثم تبين أنها فاشلة عند تطبيقها على نطاق أوسع. كانت تنشأ بعض الاحتكاكات بين أعضاء الفريق، وكان من واجبي أن أعمل كوسيط لحلها. بعض المختبرات لم تف بوعودها وكان لابد من استبعادها، وكان اللوم يقع على مدراء هذه المختبرات. ولكن كان هناك أيضا لحظات من الانتصار، عندما كنا نصل إلى مبتغانا، وعندما بدأت الأفكار الطبية تتراكم. وفي عام 1996، كنا قد بدأنا تجارب على مستوى واسع على تسلسل الجينوم البشري باستخدام عملية كانت معقدة من الناحية الفنية ومكلفة في الوقت الذي كنا نعمل فيه على جين التليف الكيسي.
في لحظة حاسمة، قررنا نحن المسؤولين على الناحية الإعلامية للمشروع جعل الوصول إلى بيانات المشروع متاحة للجميع شرطاً للمشاركة فيه، واتفقنا على أن لا براءات الاختراع من أي نوع سيتم تقديمها لتسلسل الحمض النووي. لم نكن نملك تبرير ولو ليوم واحد في عدم إتاحة الفرصة للباحثين في جميع أنحاء العالم، الذين يهدفون إلى فهم مشاكل طبية مهمة، أن لا يكون لهم إمكانية الوصول الحر والمفتوح للبيانات التي يتم إنتاجها.
السنوات الثلاثة التالية كانت مثمرة، ومع بدء عام 1999 كنا جاهزين لتسريع العمل. ولكن لاحت بالأفق مشكلة جديدة. لم يكن التعرف على تسلسل الجينوم دفعة واحدة مشجعاً من الناحية التجارية، ولكن قيمة المعلومات التي أصبحت متوفرة بدت أكثر وضوحاً، وبدأت تكلفة التسلسل تنخفض، ولكن المشكلة التي واجهت مشروع الجينوم البشري كانت مع الشركة الخاصة. أعلن کریغ فنتر Craig Venter وهو رئيس الشركة التي سميت فيما بعد Celera أنه سوف يقوم بعملية واسعة لتسلسل الجينوم البشري، وأنه سوف يسجل براءة الاختراع للعديد من الجينات، وسيودع نسخة من التسلسل في قاعدة بيانات للمشتركين مقابل رسوم مرتفعة للاطلاع عليها.
لقد كانت فكرة أن يصبح تسلسل الجينوم البشري ملكية خاصة فكرة مزعجة للغاية. كان التخوف الأكبر منذ بدء طرح الأسئلة ما إذا كان من الحكمة الاستمرار في إنفاق أموال دافعي الضرائب في المشروع، في حين أن من الأفضل أن ينفذه القطاع الخاص – على الرغم من فريق شركة سيليرا لم يوفر أية بيانات حقيقية، وكما أن المنهجية التي أتبعها لم يكن من المرجح أن تصل إلى التسلسل الدقيق. ومع ذلك استمرت الآلة الإعلامية لشركة سيليرا بالادعاء بتحقيق منجزات، وللإيحاء بأن المشروع العام بطيء وبيروقراطي.
وبالنظر إلى أن مشروع الجينوم البشري يجري العمل به في بعض أرقى الجامعات في العالم، من قبل بعض من أكثر العلماء إبداعاً وتخصصاً على سطح الأرض فإنه كان من الصعب القبول بهذه الادعاءات. ومع ذلك، فإن الصحافة تحب الجدل. لقد كتبت الكثير من المقالات عن السباق للوصول إلى تسلسل الجينوم البشري، وعن يخت فنتر ودراجتي النارية. ما هذا الهراء. ما كان يجهله غالبية المراقبين أن النقاش لم يكن حول من ينجز العمل بطريقة أسرع وأرخص. على عكس ذلك، كان صراع المبادئ، هل سيكون الجينوم البشري والذي هو أرث مشترك سلعة تجارية أم فائدة عامة؟
لم يدخر فريق عملي أي جهد. كانت مختبراتنا العشرين الموجودة في ستة بلدان تعمل على مدار الساعة. وخلال 18 شهراً وبعد إنتاج الآلاف الأزواج كل ثانية طوال 24 ساعة وطوال أيام الأسبوع، أصبح 90% من تسلسل الجينوم البشري في متناول اليد. واستمرت البيانات في الوصول طوال الأربع وعشرين ساعة. ومن جانبها أنتجت شركة سيليرا قدرة كبيرة من البيانات، ولكن هذه البيانات ظلت في قواعد البيانات الخاصة بها بعيدة عن متناول الناس.
وعندما أدركت سليرا أنها يمكن أن تستفيد من البيانات العامة توقفت عند نصف كمية الإنتاج الذي كانت تخطط له. وفي النهاية انتقل أكثر من نصف إنتاج سيليرا ليصبح جزءًا من البيانات المتاحة للجميع.
الاهتمام بالسباق أصبح غير لائق، وهدد بتشويه أهمية الهدف. وفي أواخر عام 2000، وعندما كنا وشركة سيليرا على وشك الإعلان عن التوصل إلى نسخة أولية من الجينوم البشري طلبت من صديق مشترك لي ولفنتر أن يرتب لنا لقاءً سرياً. وعلى طاولة من البيتزا وكؤوس البيرة في منزل الصديق المشترك ناقشت مع فنتر القيام بإعلان مشترك عن التوصل لهذا الإنجاز.
وهذا ما حصل بالفعل، وكما أوضحت في الصفحات الأولى من هذا الكتاب، وجدت نفسي واقفاً بجانب رئيس الولايات المتحدة في الغرفة الشرقية من البيت الأبيض يوم 26 يونيو عام 2000، معلنا أنه تم التوصل إلى أول نسخة من كتيب تعليمات الإنسان، وأنه تم الكشف عن لغة الإله.
على مدى السنوات الثلاث التالية، كان لي شرف الاستمرار في قيادة المشروع العام لصقل نسخة التسلسل هذه، وسد الفجوات المتبقية، والارتفاع بدقة المعلومات إلى أعلى مستوى، والاستمرار في إيداع كافة البيانات في قواعد البيانات العامة بشكل يومي. في نيسان من عام 2003، وهو شهر الذكرى الخمسين لنشر واتسون وكريك بحثهم عن الحلزون المزدوج، أعلنا عن الانتهاء من جميع أهداف مشروع الجينوم البشري. كمدير للمشروع، كنت فخورة جداً بالإنجاز الذي حققه أكثر من ألفي عالم، وهو الإنجاز الذي أعتقد أنه سوف ينظر إليه بعد ألف سنة على أنه أحد المنجزات الهامة للبشرية.
وفي الاحتفال الذي تلى نجاح المشروع والذي قامت بتنظيمه مؤسسة تعنى بدعم عوائل المرضى المصابين بأمراض وراثية، قمت بإعادة كتابة الأغنية الشعبية المعروفة ” All the Good People” لتلائم المناسبة، وشارك الجميع بالإنشاد:
هذه الأغنية لجميع الناس الجيدين
جميع الناس الجيدين الأعضاء في هذه العائلة
هذه الأغنية لجميع الناس الجيدين
جمعينا نشترك في خيط واحد
قمت بكتابة نص مشابه عن الظروف التي كانت تمر بها العديد من عوائل المرضى أثناء معاناتهم أو معاناة أطفالهم. هذه الأغنية لأولئك الذين يعانون،
قوتكم وروحكم أثرت في الجميع
استمراركم يمنحنا العزيمة
لأن شجاعتكم تساعدنا على الصمود
وأخيرا أضفت فقرة عن الجينوم
إنه كتيب التعليمات، وسجل التاريخ
وهو كتاب الطب، إنه جميع ذلك
إنه من الناس وإلى الناس
أنه ملكك وملكي
بالنسبة لي كشخص مؤمن كان لاكتشاف الجينوم البشري أهمية إضافية. هذا الكتيب الذي كتب بلغة الحمض النووي بالطريقة التي تحدث فيها الله لإيجاد الحياة. لقد شعرت بالسعادة الغامرة وأنا أقرأ هذا الكتاب الذي هو أهم الكتب الحياتية. نعم، لقد كتب بطريقة يصعب علينا فهمها، وسوف يتطلب فهم أوامرها عقود أو ربما قرون، ولكننا عبرنا الجسر إلى الضفة الأخرى.
مفاجآت من القراءة الأولى للجينوم
لقد كتبت كتب كثيرة عن مشروع الجينوم البشري، وربما أقوم أنا أيضا بتأليف كتاب عن ذلك. وبالطبع ليس هدف هذا الكتاب الغوص في هذه التجربة المميزة، وإنما الهدف هو تسليط الضوء على طرق الفهم الجديدة يمكنها التوفيق بين العلم والدين. وفي هذا المجال، من المشوق التدقيق بالجينوم البشري ومقارنته مع جينوم كائنات أخرى تم تحديد الجينوم لها. عندما نتأمل في الحجم الهائل للجينوم البشري المكون من 3,1 بليون حرف لبرمجة الحمض النووي موزعة على 24 کروموسوم تظهر لنا العديد من المفاجآت.
إحدى هذه المفاجآت هي الكمية القليلة من الجينوم المستخدمة لتشفير البروتين. وعلى الرغم من محدودية طرقنا التجريبية والحسابية فإن هناك ما بين 20000-25000 من الجينات المشفرة البروتين في الجينوم البشري. تصل كمية الحمض النووي المستخدمة في تشفير البروتين إلى 1,5٪ من الكمية الكلية. وبعد عقد من الزمن على توقع اكتشاف ما لا يقل عن 100000 جين سوف يصاب البعض منا بالدهشة من اكتشاف أن الله كتب قصص قصيرة عن الجنس البشري. وهذا بالخصوص سبب للدهشة في إطار حقيقة أن الجين المسؤول عن الكائنات الأخرى مثل الديدان والذباب والنباتات البسيطة له نفس الحجم تقريبا، أي ما يقرب من 20000.
اعتبر بعض المراقبين ذلك فرصة للهجوم على تعقيد الإنسان. هل خدعنا أنفسنا بشأن الوضعية الخاصة لنا في مملكة الحيوانات؟ حسنا، ليس الأمر كذلك، فالقصة ليست كلها مجرد عدد جينات. بكل الاعتبارات، التعقيد الحيوي للبشر أكبر بكثير من الديدان التي تحتوي على 959 خلية، على الرغم من أن عدد الجينات في الحالتين متشابه، وأيضا لعدم وجود كائن أخر تم تحديد تسلسله الجيني. تعقيد تكويننا لا يأتي من عدد حزم التعليمات فحسب، وإنما في طريقة توظيفها. ولعل أجزاءنا قد تعلمت على منهجية العمليات المتعددة Multitask.
لفهم الأمر بطريقة أخرى دعوني استخدم تشبيها لغوية. معدل الكلمات التي يعرفها الشخص المتعلم الناطق باللغة الإنجليزية هو 20000 كلمة. وهذه الكلمات تستخدم في تكوين نصوص مبسطة (مثل كتيب تعليمات السيارة)، أو في أعمال أدبية أكثر تعقيداً مثل James Joyce ‘ s Ulysses. بنفس المعنى، تحتاج الديدان والحشرات والأسماك والطيور إلى عدد 20000 من الجينات لتمارس نشاطها، مع أنها تستخدم هذه المصادر بطريقة أقل تطوراً مما نقوم به.
الميزة الأخرى الملفتة للجينوم البشري تأتي من المقارنة بين مختلف أعضاء النوع البشري. على مستوى الحمض النووي، نجد أن 99٪ من البشر متطابقين. وهذا التشابه ينطبق على أي شخصين في العالم نريد مقارنتهما. ولذلك فالحمض النووي للبشر هو عضو في عائلة واحدة. هذا التمايز الوراثي البسيط يميزنا عن بقية الكائنات على الأرض، حيث التفاوت بينها في الحمض النووي يصل إلى 10 أو ربما 15 ضعف التفاوت الموجود في الحمض النووي البشري. إذا أرسل كائن غريب إلى الأرض لفحص أشكال الحياة فإنه سيجد العديد من الأمور الملفتة للنظر عن الجنس البشري، ولكن بالتأكيد فإن أبرز هذه الأمور سوف يكون في التفاوت البسيط بين أفراد الجنس البشري.
ينظر علماء الوراثة السكانية الذين يختصون باستخدام أدوات الحسابية لإعادة بناء التجمعات السكانية في التاريخ من حيوانات ونباتات، أو البكتيريا، إلى هذه الحقائق عن الجينوم البشري ويستدلون على أنها تشير إلى أن جميع أفراد جنسنا البشري متحدرين من مجموعة مشتركة من المؤسسين، مكونة من ما يقرب من عشرة الآلاف شخص، عاشوا قبل حوالي 100-150 ألف سنة. هذه المعلومات تتناسب تماماً مع السجل الأحفوري، وهو ما يشير إلى أن الموطن الأصلي لهؤلاء المؤسسين كان شرق أفريقيا.
نتيجة أخرى مثيرة للاهتمام العميق ظهرت بعد دراسة جينومات متعددة، ألا وهي القدرة على القيام بمقارنات تفصيلية بين تسلسل الحمض النووي الخاص بنا مع تلك الموجودة في الكائنات الحية الأخرى. باستخدام الكمبيوتر، يستطيع الشخص أخذ مقطع من الحمض النووي الخاص بالإنسان وتقييم ما أذا كان يتشابه مع تسلسل الحمض النووي لكائنات أخرى. إذا أخذنا القسم الخاص بالتشفير في الجين البشري (وهو القسم الخاص بالتعليمات الموجودة بالبروتين) وأجرينا أبحاثاً عليه، فإننا سوف نجد تشابهاً كبيراً مع جينوم بقية الكائنات. بعض الجينات قابل للتمييز، ولكنه لا يتطابق مع الموجود في الأسماك.
البعض الأخر سوف يكون فيه تشابه بين الجينوم البشري وبين كائنات أكثر بساطة مثل ذباب الفاكهة والديدان. وفي بعض الحالات الصادمة قد يصل التشابه إلى جينات الخميرة، بل وحتى إلى البكتيريا.
على الطرف الأخر، إذا أخذنا جزء من الحمض النووي الموجودة بين الجينات فإن إمكانية العثور على تسلسل مشابه في جينوم كائنات مختلفة عنا كثيرة تقل. بالطبع هذه الإمكانية لا تختفي تماماً، فبمساعدة الكمبيوتر يمكن مقارنة هذا الجينوم مع جينوم بقية الثدييات، وتقريباً جميع هذه الكائنات بما فيها الكائنات غير الثدية ينتظم فيها الحمض النووي بشكل جميل.
الشكل التالي يوضح نسب النجاح في العثور على تشابه حسب الأنواع المختلفة. ماذا يعني كل ذلك؟ على مستويين، يمثل ذلك تأييداً قوياً لنظرية داروين في التطور، تأييد لفكرة أننا جئنا من أسلاف مشتركين من خلال عملية انتخاب طبيعي بطريقة عشوائية متغيرة. النتيجة مبينة في الشكل 5.1.
احتمالية وجود تشابه مع الحمض النووي لكائنات أخرى
جدول 5,1: احتمالية وجود تشابه مع الحمض النووي لكائنات أخرى.
تسلسل الجين
الحمض النووي بين الجينات
الشمبانزي
100٪
98٪
الكلب
99٪
52٪
الفأر
99٪
40٪
الدجاج
75٪
4٪
ذباب الفاكهة
60٪
0٪
الديدان
35٪
0٪
ضع في اعتبارك أن هذا التحليل لا يستخدم أي معلومات من السجل الأحفوري أو من الملاحظات التشريحية لأشكال الحياة الحالية. ومع ذلك تتشابه الاستنتاجات المستخلصة من الدراسات المقارنة لعلم التشريح، وكلاهما من الكائنات الحية الموجودة والبقايا المتحجرة.
ثانياً، داخل الجينوم، يمكن لنظرية داروين توقع الطفرات التي لا تؤثر على الوظيفة التي يقوم بها العضو (وهي تلك المناطق التي تقع في نفايات الحمض النووي) سوف تتراكم بشكل مستمر مع مرور الوقت. ومع ذلك، فمن المتوقع حدوث طفرات في منطقة ترميز الجينات مع أنها أقل حدوثاً، لأن معظم هذه الطفرات سوف تكون ضارة، وفي حالات نادرة توفر هذه الطفرات ميزة انتقائية ويتم المحافظة عليها خلال عملية التطور. هذا هو بالضبط ما لوحظ.
الظاهرة الأخيرة هذه تنطبق حتى في التفاصيل الدقيقة المناطق ترميز الجينات. لعلك تتذكر مما مر في الفصل السابق أن الشفرة الوراثية تتناقص: على سبيل المثال، GAA وGAA كلاهما رمز الحمض الجلوتاميك. وهذا يعني أنه من الممكن لبعض الطفرات في منطقة الترميز أن تكون “صامتة”، حيث لا يتم تبديل الأحماض الأمينية المشفرة من خلال التغيير.
عندما نقارن الحمض النووي للكائنات المتقاربة نجد أن الاختلافات الصامتة أكثر شيوعاً في مناطق التشفير من المناطق التي يتغير فيها الحمض الأميني. وهذا بالضبط ما توقعته نظرية داروين. إذا كان هناك من يقول إن هذه الجينومات قد تم خلقها بفعل كائن بكيفية خاصة، فلماذا ظهرت هذه الخاصية؟
داروين والحمض النووي
لم يكن داروين واثقاً تماماً من نظرية التطور. وهذا ما يفسر السنوات الخمس والعشرين التي فصلت بين تطويره لهذه الفكرة وبين نشره لكتاب “أصل الأنواع”. لابد أن داروين تمنى أن يعود ملايين السنين ليتابع كل الأحداث التي توقعتها نظريته. بالطبع لا يستطيع أن يفعل ذلك، ولا نحن كذلك. ولكن ما كان لداروين أن يكون أكثر اقتناعاً بنظريته مثل هذه الأيام التي توصلنا بها إلى دراسة الحمض النووي لعدة كائنات.
في منتصف القرن التاسع عشر لم يكن داروين قادراً على معرفة ما يمكن أن تكون عليه آلية التطور عبر الانتخاب الطبيعي. يمكننا الآن أن نرى التفاوت الذي افترضه داروين وذلك في التطور الذي يحدث في الحمض النووي بشكل طبيعي. هذه التفاوت يمكن أن يحدث بمعدل خطأ واحد في كل 100 مليون زوج في كل جيل (وبما أننا جميعا لدينا 3 بلايين زوج من هذه الأزواج من الأب وأخرى من الأم، فإن لدى كل واحد منا 60 زوج تقريباً قابل للطفرة لم تكن موجودة لا في الأب ولا في الأم).
معظم هذه الطفرات تحدث في أجزاء الجينوم غير الرئيسية وبالتالي فهي قليلة أو عديمة التأثير. أما تلك الأجزاء التي تقع في المناطق الأكثر أهمية للجينوم فإن الطفرات تكون ضارة بشكل عام، لأنها تقلل من اللياقة الإنتاجية. لكن في حالات نادرة، تظهر طفرة من قبيل المصادفة بحيث يمكن أن تحدث درجة طفيفة من الميزة الانتقائية. وعندها ترتفع احتمالية انتقال هذا النوع من التشفير الجديد للحمض النووي إلى النسل المستقبلي.
على مدى فترة طويلة جداً من الزمن، يمكن لمثل هذه الأحداث النادرة المفيدة أن تنتشر على نطاق واسع في جميع أفراد هذه الأنواع، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تغييرات كبيرة في الوظيفة البيولوجية. في بعض الحالات، يلاحظ العلماء التطور في الفعل، والآن أصبح لدينا الأدوات اللازمة لتتبع مثل هذه الأحداث. بعض منتقدي النظرية الداروينية مثل من يقول إنه لا يوجد دليل على “التطور الكبير” (أي، التغيير الكبير في الأنواع) في السجل الأحفوري، وإنما هب مجرد “تطورات أو طفرات صغيرة” (التغيير التدريجي في إطار الأنواع).
لقد رأينا تغيراً في شكل منقار العصفور على مر الزمن، ولكن كما يقولون، ذلك يعتمد على تغير مصادر الغذاء، لكننا لم نر أنواع جديدة من العصافير تظهر.
ينظر إلى هذا التغير على نحو متزايد على كونه تغيراً مصطنعاً. فمثلا، تسعى مجموعة من الباحثين في جامعة ستانفورد بشكل حثيث في محاولة لفهم التنوع الكبير في الدروع الواقية للبدن في سمكة ذات الشوكة fish Stickleback والتي تعيش في المياه المالحة، وعادة ما يكون لها صف من 36 صفيحة مدرعة تمتد من الرأس إلى الذيل، ولكن في الجزء الذي يعيش في المياه العذبة في العديد من أنحاء العالم، حيث تقل الحيوانات المفترسة تفقد معظم هذه الأسماك الدروع الواقية.
يبدو أن الأسماك ذات الشركة التي تعيش في المياه العذبة وصلت إلى وضعها الحالي بدءًا من قبل 10-20 ألف سنة بعد ذوبان الأنهار الجليدية على نطاق واسع في نهاية العصر الجليدي الأخير. المتابعة الدقيقة لجينومات لهذه الأسماك التي تعيش في المياه العذبة مكن من التعرف على جين معين EDA، وهو الجين الذي تغير بشكل مستمر في حالات الأسماك التي تعيش في المياه العذبة، مما أدى إلى فقدان الصفائح لديها.
المثير أن الإنسان لديه أيضا جين EDA والتطور في هذا الجين أدى إلى خلل في الشعر والأسنان والغدة العرقية والعظام. ليس من الصعب أن نرى كيف أنه يمكن تعميم الاختلاف بين الأسماك التي تعيش في المياه المالحة وتلك التي تعيش في المياه العذبة تعميمه على جميع أنواع الأسماك. لذلك يبدو التمييز بين التطور الكبير والتطور الصغير تعسفياً إلى حد ما؛ فالتغييرات الكبيرة التي تنتج في الأنواع الجديدة هي نتيجة لتغيرات تدريجية على شكل خطوات أصغر.
يمكن ملاحظة التطور في تجاربنا اليومية وذلك في التغير السريع للفيروسات والبكتريا والطفيليات المسببة للأمراض، والتي يمكن أن تتسبب في حدوث مشاكل صحية عامة. لقد أصبت بالملاريا في أفريقيا الوسطى في عام 1989 رغم تناولي لعقار prophylaxis المضاد للملاريا. أدت التغيرات الطبيعية التي تحدث عشوائيا في الجينوم الطفيلي الملاريا، نتيجة للانتخاب الطبيعي السنوات طويلة من الاستخدام المكثف للالكلوروكين في مناطق من العالم، في نهاية المطاف إلى ظهور المرض الذي أصبح مقاوما للدواء، وبالتالي أصبح قادرة على الانتشار بسرعة.
وبالمثل فإن التطور السريع في فيروس HIV قد تسبب في تحدي كبير لتطوير لقاح مضاد له، وهو السبب الرئيسي في الانتكاس الكلي للذين يتم معالجتهم بالأدوية ضد مرض الإيدز. وهناك مثال أخر يعرفه عامة، الناس، ويتمثل في المخاوف من حدوث وباء نتيجة لانتشار إنفلونزا من سلالة H5N1 من فيروس أنفلونزا الطيور استناداً إلى وجود احتمال كبير في أن السلالة الحالية، قد تكون مدمرة كما هو الحال بالفعل بالنسبة إلى الدجاج وقليل من البشر المخالطين لها، إذ أنها سوف تتطور إلى شكل يمكن أن ينتشر بسهولة من شخص إلى آخر. يمكن القول إنه ليس علم الأحياء فقط يصبح من الصعب فهمه من دون نظرية التطور، بل حتى علم الطب يصبح صعب الفهم.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لتطور الإنسان؟
تطبيق علم الوراثة على الأسماك الشوكية شيء، ولكن ماذا عنا نحن البشر؟ منذ زمن داروين تحمس الكثيرون في أنحاء متفرقة من العالم لفهم كيف تحدث الإيحاءات الخاصة بالأحياء والتطور الذي يجعل من الممكن أن لهذه الإيحاءات أن تنطبق على جنس معين من الحيوانات، ألا وهو الإنسان. أدت دراسة الجينوم إلى الاستنتاج بشكل قاطع أننا نحن البشر نشترك مع بقية الكائنات في سلف مشترك.
ويتضح بعض من تلك الأدلة في الجدول 5,1 حيث يتشابه الجينوم البشري مع غيره من الكائنات. هذا الدليل لوحده لا يعد بالتأكيد برهاناً على وجود سلف مشترك، فمن وجهة النظر التي تؤمن بالخلق هذا التشابه يدل على أن الإله استخدم مبادئ هذا التصميم الناجح مرات ومرات. كما سنرى فيما بعد، أنه وعلى الرغم من أن مناقشة طفرات «صامتة» في مناطق تشفير البروتين قد طغت على النقاش، إلا أن الدراسة المفصلة للجينوم جعلت من الصعب الدفاع عن هذا التفسير، ليس فقط بالنسبة الكل الكائنات الحية الأخرى، وإنما أيضا بالنسبة لنا.
وكمثال أول، دعونا نلقي نظرة على مقارنة بين الجينومات البشرية والفأر، وكلاهما تم تحديدها بدقة عالية. الحجم الكلي لكلا الجينومات متقارب، ومكان تخزين شفرة البروتين في الجين متشابه بشكل ملحوظ. لكن العلامات الواضحة الأخرى التي تدل على سلف مشترك تظهر بسرعة عندما ينظر المرء في التفاصيل. على سبيل المثال، ترتيب الجينات في الإنسان والفأر بشكل عام يمتد على طول الحمض النووي.
ولذلك، فإذا وجدت ترتيب الجينات في الإنسان على النحو التالي A,B,Cفإن من المرجح أن أجد ترتيب الجينات في الفأر بنفس الترتيب، وإن كانت الفراغات الموجودة فيما بينها قد تختلف بعض الشيء (الشكل 5.2).
في بعض الحالات، هذه العلاقة تمتد لمسافات كبيرة تقريباً، لتشمل كل الجينات على الكروموسوم البشري رقم 17، وعلى سبيل المثال، هو نفس الجين الذي تم العثور عليه في الكروموسوم رقم 11 في الفأر.
بينما يمكن لشخص أن يقول إن ترتيب الجينات أمر بالغ الأهمية من أجل القيام بوظيفتها بشكل صحيح، وبالتالي فإن المصمم قد حافظ على هذا الترتيب في خلقه لهذا الكائن الخاص، إلا أنه لا يوجد دليل في الفهم الحالي للبيولوجيا الجزيئية يدل على أننا نحتاج لتطبيق هذا الإجراء على مسافات طويلة في الكروموسوم. هناك أدلة أخرى مقنعة على وجود سلف مشترك أتت من دراسة العناصر القديمة المتكررة (AREs).
الشكل 5,2: مقارنة بين تركيب الجينات في الإنسان والفأر
هذه العناصر تنشأ من قفزات جينية قادرة على نسخ وإدخال نفسها في مواقع مختلفة من الجينوم من دون أن يكون لها أي دور وظيفي.
يحتوي جينوم الثدييات على العناصر المتكررة، وما يقرب من 45٪ من الجينوم البشري مكون من هذه الجزيئات الهامشية. عندما نقارن أقسام الجينوم البشري مع أقسام جينوم الفأر سوف نجد أن هذه الأجسام في العادة موجودة في نفس المواقع في الحالتين (الشكل 5,2). ربما فقد بعض هذه الجزئيات موقعه في هذا الكائن أو غيره، ولكن الكثير ظل في الموقع الذي ورثه عن أسلافه وظل يحمله منذ ذلك الحين.
قد يجادل أحدهم بالقول إن الخالق هو من وضع هذه العناصر في هذا المكان لسبب مقنع، وأن التقليل من شأن هذه العناصر عطفاً على جهلنا الحالي يعتبر أمرا مضلاً. وفي الحقيقة، أن جزءًا صغيراً منها يلعب أدواراً تنظيمية، ولكن بعض الأمثلة لا تتوافق إطلاقاً مع ذلك. وفي الغالب تلحق عملية التبديل الضرر بالقفزة الجينية. تنتشر هذه الأجسام في جميع أجزاء الجينوم البشري وجينوم الفأر، ولكن لا يبدو أن لها أي دور وظيفي. وفي كثير من الحالات يمكن ملاحظة مثل هذه الأجسام ميتة في كل من الجينوم البشري وجينوم الفأر (الشكل 5,2).
ما لم يكن أحد يريد أن يأخذ دور الإله الذي وضع هذه الأجسام في مكانها الدقيق هذا وافتراض إنه يريد أن يضللنا، فإن النتيجة هي أن الإنسان والفأر يشتركان في سلف واحد. هذا النوع من المعلومات عن الجينوم تشكل تحدياً كبيراً للذين يعتقدون أن جميع الكائنات خلقت من العدم. تموضع الإنسان في شجرة الحياة التطورية يتوثق بمقارنة الإنسان مع أقرب الكائنات إليه وهو القرد. لقد تم الكشف عن تسلسل جينوم القرد، وتبين أنه متطابق بدرجة 96٪ على مستوى الحمض النووي.
وهناك مثال آخر لهذا العلاقة الوثيقة ينبع من فحص تشريح کروموسومات البشر والشمبانزي. الكروموسومات هي الشكل الظاهر من الحمض النووي للجينوم، وهي تظهر في المجهر الضوئي في وقت انقسام الخلية. يحتوي كل کروموسوم على مئات الجينات. الشكل 5,3 يوضح المقارنة بين کروموسومات البشر وكروموسومات الشمبانزي. الإنسان لديه 23 زوج من الكروموسومات، بينما الشمبانزي لديه 24 زوج من الكروموسومات.
يبدو أن الاختلاف في زوج من الكروموسومات بين الإنسان والشمبانزي يعود إلى انصهار اثنين من الكروموسومات البشرية مما كون الكروموسوم رقم 2. فرضية الانصهار يدعمها أنه تبين من دراسة الغوريلا وإنسان الغاب أن لكليهما 24 زوجا من الكروموسومات مشابهة جدا للشمبانزي.
في الآونة الأخيرة، ومع التحديد الكامل لتسلسل الجينوم البشري، أصبح من الممكن أن نحدد الموقع الدقيق الذي حدث فيه انصهار هذه الكروموسومات. التسلسل الموجود وطول الكروموسوم رقم 2 ملفت للنظر. دون الحصول على معلومات إضافية، دعوني أقول إن تسلسلاً خاصاً حدث على حافة الكروموسومات الرئيسية. وهذا التسلسل لا يحدث في العادة. وإنما يحدث عندما نتوقع وجود طفرات، وبالتحديد في الكرموسوم رقم 2. الانصهار الذي حدث أثناء تطورنا من قرد ترك بصمة الحمض النووي في المكان نفسه.
إنه من الصعب فهم هذه الملاحظة من دون افتراض سلف مشترك. هناك حجة أخرى تؤيد وجود سلف مشترك بين الإنسان والشمبانزي من ملاحظة غريبة تسمى “الجين المستعار”. تلك هي الجينات التي لديها ما يقرب من جميع خصائص حزمة تعليمات الحمض النووي الوظيفية، ولكنها من جانب أو أكثر تعاني من مواطن الخلل التي تحول نصها إلى كلام غامض. عندما نقارن بين الشمبانزي والإنسان، يظهر في بعض الأحيان جينات يبدو أنها تعمل وظيفية في نوع ما، ولكنها لا تعمل في أنواع أخرى، وذلك يتطلب حصول طفرات ضارة.
تعرض الجين البشري المعروف باسم 12-caspase على سبيل المثال للعديد من الضربات، ومع ذلك نجده في موقع متشابه نسبية في الشمبانزي. يعمل جين الشمبانزي 12-caspase بشكل جيد، كما هو الحال مع بقية الثدييات بما فيها الفأر. إذا كان البشر وجدوا عبر عملية خلق خاصة من قبل القوة الخارقة فلماذا أتعب الإله نفسه بإدخال جين غير فعال في هذا الموقع؟
يمكننا أيضاً أن نبدأ الآن شرح التفاصيل الدقيقة من الناحية الميكانيكية لنا ولأقرب الكائنات لنا، والبعض من هذه الكائنات قد تلعب دوراً حاسماً بالنسبة للإنسانية. في مثال على ذلك، يوجد جين لبروتين عضلات الفك (MYH16) يبدو أنه قد تحول إلى جين مزيف في البشر. ومع ذلك لا يزال هذا الجين يلعب دوراً هاماً في تطوير وقوة عضلات الفك في الكائنات الأخرى. من الممكن أن يكون تطور الفك الأضعف سمح لجمجمتنا أن تتوسع نحو الأعلى، وتستوعب المخ. من الواضح أن هذا نوع من التخمين، وبطبيعة الحال فإن التغيرات الجينية الأخرى مسؤولة بالضرورة عن كبر القشرة الخارجية للدماغ والتي تمثل عنصراً رئيسياً في الفرق بين البشر والشمبانزي.
وفي مثال أخر، يوجد حاليا اهتمام كبير بجين يسمى FOXP2 لاحتمال أن يكون له دور في عملية تطور اللغة عند الإنسان. بدأت قصة هذا الجين بعد التعرف على عائلة في بريطانيا عانى ثلاثة أجيال منها من صعوبات في النطق. كان هؤلاء يعانون من صعوبة في ترتيب الكلمات وفقا لقواعد النحو أو صعوبة في فهم تركيب الجملة المركبة أو في تحريك عضلات أفواههم ووجوههم ومراكز النطق لإخراج أصوات معينة. في مختبر التجسس الوراثي، وجد أن أفراد هذه العائلة يعانون من خلل في أحد حروف شيفرة الحمض النووي لهذا الجين الموجود في الكروموسوم رقم 7.
هذا يظهر حقيقة أن خطأ بسيط في شيفرة الجين قد تتسبب في قصور لغوي شديد دون أن يكون هناك تأثير آخر، وهذا كان مثيرة للدهشة. ازدادت الدهشة عندما تم الكشف عن أن تسلسل الجين FOXP موجود بشكل لافت في كل الثدييات تقريباً. والاستثناء المثير كان الإنسان، حيث وجد أن تغييرين مؤثرين طرأ على منطقة التشفير في الجين قبل ما يزيد على الألاف السنين على أقرب تقدير. هذه الفرضية دفعت للاعتقاد أن هذه التغيرات التي طرأت على الجين أثرت بشكل ما على تطور اللغة لدى البشر.
في هذه اللحظة، قد يشعر الماديين الملحدين بالفرحة. إذا كان الإنسان وجد من خلال التطور والانتخاب الطبيعي، فلماذا نحتاج إلى الإله ليشرح لنا كيف تكونا؟ هنا أجيب بالقول نعم نحتاج الإله. مقارنة تسلسل كل من الإنسان والشمبانزي لا تجيب على السؤال ماذا يعني أن نكون بشر. إعفاء الإله من مسؤولية الخلق الخاص لا يعني عزله عن أن يكون مصدر في كون الإنسان كائن مميز بالنسبة للكون ككل. هذه الآلية تدلنا نوعا ما على الطريقة التي يتصرف بها.
التطور: حقيقة أم نظرية؟
الأمثلة التي ذكرت هنا من دراسة الجينوم، بالإضافة إلى غيرها من الأمثلة يمكن أن تملأ مئات الكتب وتوفر نوع من الدعم الجزئي النظرية التطور، والتي استطاعت إقناع غالبية علماء الأحياء بأن إطار عمل داروين المبني على التغير والانتقاء الطبيعي مما لا شك فيه صحيح. في الواقع، بالنسبة لأولئك الذين عملوا مثلي في مجال علم الوراثة، يكاد يكون من المستحيل تصور الربط بين كميات هائلة من البيانات الآتية من دراسات الجينوم من دون الاستناد إلى أسس نظرية داروين. وكما قال عالم الأحياء ثيودوسيوس دوبجانسکی Theodosius Dobzhansky في أوائل القرن العشرين “لا شيء في علم الأحياء له معنى إلا على أساس التطور”.
في المقابل من الواضح أن نظرية التطور كانت مصدر عدم ارتياح للمجتمع الديني خلال المئة والخمسين سنة الماضية، ولا يبدو أن هناك أي علامات للتراجع عن هذا الرفض. ولهذا فإننا ننصح المؤمنين بالله بمراجعة الحجم الهائل من المعلومات التي تؤكد على وجهة النظر القائلة بوجود علاقة بين جميع الكائنات الحية بما فيها البشر. وعطفا على قوة الأدلة المقدمة فإنه من المحير جداً أن قدراً قليلاً من القبول لدى الرأي العام قد تحقق في الولايات المتحدة. ولعل جزء من المشكلة يعود إلى سوء فهم لمعنى مصطلح “نظرية”. النقاد مغرمون فقط بالإشارة إلى أن التطور مجرد نظرية، وهي العبارة التي تربك العلماء التي يستخدمون كلمة “نظرية” بعدة معاني.
قاموس Funk & Wagnalls يقدم تعريفين مختلفين لكلمة “نظرية”: (1) وجهة نظر تخمينية أو حدسية لبعض الأشياء؛ (2) المبادئ الأساسية التي يقوم عليها العلم، والفن، وما إلى ذلك: مثل نظرية الموسيقى، نظرية المعادلات”. المعنى الثاني هو الذي يستخدمه العلماء عندما يتحدثون عن نظرية التطور، بالضبط كما يفعلون عندما يتحدثون عن نظرية التطور ونظرية الجرثومة للأمراض المعدية. في هذا السياق، لا تقصد كلمة “نظرية” أن تحمل معنى عدم التحديد، ولذلك فإن العلماء يستخدمون كلمة “فرضية” للأغراض العلمية.
أما في الاستخدام اليومي فإن كلمة “نظرية” تفهم في إطار العلاقة السببية كما هو مذكور في التعريف الأول في معجم & Funk Wagnalls مثل قول أحدهم: “ليندا لديها نظرية بأن بتلر هو من فعل ذلك”. إن من المؤسف جداً أن لغتنا تفتقر إلى الدقة اللازمة للتمييز في مثل هذه الحالات، كما هو واضح من أن الاختلاف البسيط لمعنى كلمة جعل الأمور أسوأ في حوار مثير للجدل بين العلم والإيمان حول كيفية ارتباط الكائنات الحية.
إذا كان التطور حقيقة، فهل بقي شيء للإله؟ كتب آرثر بيكوك Arthur Peacock، وهو عالم بريطاني في البيولوجيا الجزيئية وأصبح في وقت لاحق كاهن الكنيسة الأنغليكانية كتب بشكل مسهب حول التفاعل بين علم الأحياء والإيمان، وقد نشر مؤخرا كتاباً بعنوان التطور: صديق الإيمان المتنكر؟ The Disguised Friend of Faith؟ العنوان الجميل للكتاب يمثل تناولا جديداً للموضوع، ولكن هل هذا سوف يعلن وقف إطلاق النار بين وجهتي النظر غير المتوافقتين؟
أو هل إن عرضنا الآن الحجج التي تؤيد إمكانية وجود الله من جهة، والبيانات المتعلقة بأصل الكون والحياة على الأرض من جهة أخرى، يستطيع التوصل إلى تركيب توافقي سعيد؟
صب التطور الذي حصل في العلم الحديث لصالح الأسباب التقليدية للإيمان بالإله. عندما لا يكون لدينا فكرة عن الكيفية التي وجد بها الكون فإن من السهل نسبة ذلك إلى فعل إلهي، أو مجموعة أفعال إلهية. وبالمثل، فإن وضع كبلر وبرینكوس وغاليليو الأرض في وسط السماء المرصعة بالنجوم بدا وكأنه يمثل حجة قوية لوجود الإله. إذا كان الإله وضع الأرض في الوسط، فلابد أنه بنى كل ذلك من أجلنا. عندما أجبرت العلوم الشمسية على إعادة النظر في هذا المفهوم، اهتزت قناعات العديد من المؤمنين.
لكن الركن الثالث من أركان الإيمان لازال يحظى بقيمة كبيرة: تعقيد الحياة الدنيوية، مما يعني لأي مراقب أن لهذا عمل مصمم ذكي. وكما سنرى لاحقاً، فإن العلم قلب ذلك رأساً على عقب. وهنا كما في الحجتين السابقتين، أريد أن أشدد على أن المؤمن بالإله لا ينكر العلم، وإنما يتبناه. إن الأناقة التي تقف خلف تعقيد الحياة مدعاة للإعجاب والاعتقاد بالله، ولكن ليس بالطريقة المبسطة والمباشرة التي كان يعتقد بها الكثيرون قبل نظرية دارون.
تعود “حجة التصميم على الأقل إلى أيام شيشرون، ولقد تم تقديمها بشكل مؤثر بواسطة ويليم بالي William Paley في كتابه المهم اللاهوت الطبيعي Natural Theology أو براهين الوجودEvidences of the Existence and Attributes of the Deity Collected from the Appearance of Nature. طرح بالی وهو فيلسوف أخلاقي قياساً شهيراً على النحو التالي: “افترض أنه وأثناء مروري بأرض قاحلة أصدمت قدمي بحجر، وسألني أحدهم كيف جاء هذا الحجر إلى هنا، من الممكن أن أجيب بالقول إنه كان هنا منذ قديم الزمان. ولن يكون من السهل جداً إظهار سخافة هذه الإجابة. ولكن افترض إنني وجدت ساعة يد على الأرض وسُئلت كيف وصلت هذه الساعة إلى هنا، هنا من الصعب عليّ أن أفكر بالإجابة على هذا السؤال بنفس إجابة السؤال السابق، لأن القول بأن ساعة اليد كانت هنا منذ القدم يستلزم القول بأن لهذه الساعة صانع: وعليه تكون الساعة وجدت في زمان ما وفي مكان ما، وهناك صانع أو صناع قاموا بصناعتها لهدف معين، وهذا الصانع هو من يعلم تركيبها وقام بوضع كل الدلائل التي تشير إلى صنعها. كل مظاهر التصميم الموجودة في ساعة اليد موجودة في عالم الطبيعة، مع أفضلية لعالم الطبيعة لكونه أكبر، ولأن حسابات تصميمه تفوق كل الحسابات. برهان التصميم كان مقنعة للبشرية طوال التاريخ. داروين نفسه، قبل رحلته على سفينتي بيغل كان معجبا بكتابات بالي، وصرح بأنه مقتنع بهذا الرأي. ومع ذلك فإن هناك عيب في حجة بالي، ويمكن توضيح ذلك باختصار على النحو التالي:
1- ساعة اليد معقدة
2- لساعة اليد صانع ذكي
3- الحياة معقدة
4- لذلك، الحياة أيضا لها صانع
ولكن في الحقيقة كون شيئين يتشاركان في خاصية واحدة لا يستلزم أنهما يتشاركان في جميع الخصائص. لنأخذ المثال المشابه التالي:
1- التيار الكهربائي الموجود في بيتي يتكون من تدفق للإلكترونات
2- التيار الكهربائي يأتي من شركة الكهرباء
3- البرق يتكون من تدفق للإلكترونات
4- لذلك، البرق يأتي من شركة الكهرباء
على الرغم من أن الحجة تبدو جذابة، ولكنها لا تقول القصة بكاملها. لكي تختبر تعقيد الحياة وأصولنا في هذا الكوكب عليك أن تنقب عميقاً في الاكتشافات الرائعة حول طبيعة الكائنات الحية، وهي الاكتشافات التي نتجت عن الثورة الحديثة في علم المتحجرات وعلم الأحياء الجزيئي، وعلم الجينوم. على الشخص المؤمن أن لا يخشى من أن تسقط هذه الاكتشافات العرش الإلهي. إذا كان الله سبحانه وتعالى حقيقة، فسيكون من الصعب أن يتعرض للخطر من قبل مساعينا السقيمة في فهم طريقة عمل عالمه الطبيعي. ونحن كساعين للحقيقة ربما نعثر في العلم على أجوبة مقنعة على سؤال “كيف تعمل الحياة؟” ما لا نستطيع أن نكتشفه بواسطة العلم فقط هي الإجابة على الأسئلة “لماذا توجد حياة. لماذا نحن موجودون؟
أصل الحياة على كوكب الأرض
يبدأ العلم في الإجابة على السؤال عن تعقيد الحياة بجدول زمني. نحن نعلم في الوقت الحاضر أن عمر الأرض يبلغ 14 مليون سنة. قبل قرن من الزمن لم نكن نعلم عمر كوكبنا. ولكن الاكتشاف اللاحق للنشاط الإشعاعي والاضمحلال الطبيعي لبعض النظائر الكيميائية قدم لنا وسيلة أنيقة ودقيقة لتحديد عمر الصخور المختلفة على سطح الأرض. لقد تم شرح الأساس العلمي لهذه الطريقة بشكل مفصل في كتاب برنت داریمبل Brent Dalrymple عمر الأرض The Age of Earth، اعتماداً على معرفة نصف عمر ثلاثة عناصر كيميائية مشعة أنحلت بشكل مطرد، وتحولت إلى عناصر مختلفة ومستقرة: اليورانيوم تحول ببطء إلى الرصاص، والبوتاسيوم تحول ببطء إلى الأرجون، وتحول السترونتيوم الغريب إلى عنصر نادر يسمى الروبيديوم. عن طريق قياس كميات من أي من هذه الأزواج من العناصر، يمكننا تقدير عمر أي صخرة معينة. كل هذه الأساليب المستقلة تعطي نتائج متناغمة بشكل لافت للنظر، وجميعها يشير إلى أن عمر الأرض هو 4550000000 سنة، مع نسبة خطأ قريبة من الواحد بالمئة فقط. أقدم الصخور على سطح الأرض الحالي يعود تاريخها إلى ما يقرب من 4 مليارات سنة، ولكن ما يقرب من سبعين نيزك وعدد من الصخور القمرية يعود تاريخها إلى 4.5 مليارات سنة.
جميع الأدلة المتوفرة حالياً تشير إلى أن الأرض كانت مكاناً غير ملائم تماماً للعيش فيها في الخمسمائة مليون سنة الأولى. لقد تعرض الكوكب لهجوم مستمر ومدمر من كويكبات ونيازك عملاقة، وأحد هذه الهجمات جعلت القمر يخرج عن نطاق الأرض. ولذلك لا غرابة في أن الصخور التي تعود إلى 4 مليارات سنة لا يوجد فيها أي دلائل على الحياة.
فقط في وقت لاحق، أي ما يقارب من 150 مليون سنة، تم العثور على أنواع حياة ميكروبية. ومن المفترض أن هذه الكائنات ذات الخلية الواحدة كانت قادرة ربما باستخدام الحمض النووي على تخزين المعلومات، وكان قادرة على تكرار ذاتها، وقادرة على التطور إلى أنواع مختلفة متعددة. حديثاً، وضع کارل ووز Carl Woese فرضية محتملة لعمر محدد للأرض، وذلك عندما أصبح تبادل الحمض النووي بين الكائنات الحية سهلاً. بشكل أساسي، يتكون المحيط الحيوي للحمض النووي من عدد كبير من الخلايا الصغيرة المستقلة، ولكنها تتفاعل على نطاق واسع مع بعضها البعض.
إذا طور كائن معين بروتين أو سلسلة من البروتينات التي توفر ميزة معينة، فإنه يمكن لهذه الميزات الجديدة الانتقال بسرعة إلى جيرانها. بهذا المعنى، فإن التطور الذي حدث في وقت مبكر كان نشاطاً جماعياً أكثر منه نشاطاً فردياً. تم توثيق هذا النوع من “انتقال الجينات الأفقي” بشكل جيد في معظم الأشكال القديمة من البكتيريا الموجودة الآن على الأرض (العتائق)، وربما أتاح ذلك الفرصة لانتشار خصائص جديدة بسرعة.
ولكن كيف حدث التوالد الذاتي في المقام الأول؟ من المنصف القول إننا لا نعلم في الوقت الحالي كيف حدث ذلك. لا توجد فرضية حديثة اقتربت من تفسير كيف استطاع المكان الذي وجد قبل 150 مليون سنة من بيئة قبل حيوية أن يوجد حياة على سطح الأرض. هذا لا يعني عدم وجود فرضيات معقولة، ولكن الاحتمالات الإحصائية التي يمكن الاعتماد عليها لازالت تبدو بعيدة المنال.
قبل خمسين عاماً، شكلت التجارب الشهيرة التي قام بها ستانلي میلر Stanley Miller وهارولد أوري Harold Urey لخليط من المركبات العضوية والماء ما يمكن أن يكون الظروف البدائية للحياة على الأرض. استطاع هذان العالمان تكوين كميات قليلة من مركبات حيوية مثل الأحماض الأمينية من خلال تسليط شحنة كهربائية. مثل العثور على كميات صغيرة من مركبات مماثلة داخل النيازك القادمة من الفضاء الخارجي، حجة أيضا على أن مثل هذه الجزيئات العضوية المعقدة يمكن أن تنشأ من العمليات الطبيعية في الكون.
بعد هذه النقطة، تصبح التفاصيل ناقصة تماماً. كيف يمكن لجزيء حامل للمعلومات وذاتي الانقسام أن يتكون من هذه المركبات؟ الحمض النووي الذي يتكون عموده الفقري من السكر الفوسفاتي مرتب على شكل طبقات فوق بعضها بشكل منسق على صورة أزواج من الحلزون المزدوج، يبدو وكأن جزئياً قد خرج إلى الوجود كشكل أولي للحياة على نحو غير متوقع، وخاصة أن الحمض النووي لا يملك القدرة على نسخ نفسه، على عكس الحمض الريبي RNA، حيث يمكن للحمض الريبي أن يحمل المعلومات، وفي بعض الحالات يمكن أن يحفز تفاعلات كيميائية، في حين لا يستطيع الحمض النووي ذلك. الحمض النووي مثل الذاكرة الدائمة الموجودة في جهاز الكمبيوتر: إذ أنها يفترض أن تكون وسيلة ثابتة لحفظ المعلومات (وكما هو الحال مع الكمبيوتر يمكن أن يصاب الحمض النووي بالأخطاء البرمجية). على عكس ذلك، فإن الحمض الريبي أشبه بالذاكرة المؤقتة التي بمقدورها أن تقوم بنشاطات بمفردها. وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلها عدد من الباحثين إلا أنه لم يمكن لحد الآن التوصل إلى مكونات الحمض الريبي في تجربة ميلر -أوري، كما لم يمكن تصميم حمض ريبي قادر على التوليد الذاتي.
دفعت الصعوبات الكبيرة في تحديد مسار مقنع لأصل الحياة بعض العلماء، وأبرزهم فرانسیس کريك Francis Crick (الذي أكتشف مع جيمس واتسون الحمض النووي المزدوج الحلزون)، إلى القول بأن أشكال الحياة وصلت إلى الأرض من الفضاء الخارجي، إما عبر جزيئات صغيرة عائمة عبر الفضاء بين النجوم وتقع تحت تأثير جاذبية الأرض أو أن ذلك تم بشكل مقصود أو غير مقصود من قبل بعض المسافرين القدماء الآتين من الفضاء. على الرغم من أن هذا التفسير قد يحل معضلة الحياة على الأرض، إلا أنه لا يقدم شيئا لحل السؤال الجوهري عن أصل الحياة، لأنه يدفع بالحدث المذهل إلى حقبة زمنية أقدم بكثير. وهي نقطة نظام نطرحها في وجه المعترضين على إمكانية الوجود العفوي للحياة على الأرض استناداً إلى القانون الثاني للميكانيكا الحرارية.
ينص القانون الثاني على أنه في نظام مغلق، حيث لا طاقة ولا مادة يمكنهما الدخول أو الخروج، فإن كمية من الاختلال سوف تميل إلى الزيادة مع مرور الوقت. بما أن أشكال الحياة في غاية الترتيب فإن البعض يعتبر أن من المستحيل أن تكون الحياة وجدت من دون خالق خارق القدرة. ولكن هذا ينم عن سوء فهم لمعنى القانون الثاني: الترتيب يمكن أن يزيد في بعض أجزاء النظام، ولكن هذا يحتاج إلى طاقة، وإلى أن لا تقل كمية الخلل في النظام ككل. في حالة أصل الكون، الكون ككل هو النظام المغلق، ويتم توفير الطاقة من الشمس، وبالتالي فإن الزيادة الداخلية المطلوبة ممثلة بالتجمع العشوائي للجزيئات لا يمكن أن يخالف القانون بأي حال من الأحوال.
عدم قدرة العلم حتى الآن على تفسير السؤال العميق عن أصل الحياة دفع بعض المؤمنين بالإله إلى القول بأن ظهور الحمض النووي والحمض الريبي هو تأكيد على القدرة الإلهية. إذا كان هدف الإله من خلق الكون هو خلق البشر، وإذا كان التعقيد المطلوب لبدء عملية الحياة يتجاوز قدرة المواد الكيميائية في الكون في صناعة الذات، ألا يمكن أن يكون الله قد تدخل لبدء هذه العملية؟
قد تبدو هذه الفرضية قوية، عطفاً على عدم قدرة العلماء على الادعاء بأن التفسير الطبيعي لتفسير أصل الحياة في متناول اليد. ولكن هذا التفسير قد يكون مقبولاً في الوقت الحالي، ولكنه قد لا يكون كذلك في الغد. ولذلك لابد أن نكون حذرين في التعامل مع الفعل الإلهي بشكل محدد في هذا المجال أو في مجالات أخرى لازال العلم قاصراً عن الوصول إليها. من كسوف الشمس في الأزمنة القديمة إلى حركة الكواكب في العصور الوسطى، وإلى أصل الحياة اليوم، كثيراً ما يسيء “إله الفجوات” God of Gaps للدين (وبالتالي يسيء للإله). الدين الذي يضع الله في ثغرات الفهم الحالي عن العالم الطبيعي قد يتسبب في أزمة في حال استطاع العلم ملاء تلك الثغرات في وقت لاحق.
في مواجهة عدم القدرة على فهم العالم الطبيعي ينبغي أن يكون المؤمنون بالإله حذرين في الاستناد إلى فرضية التدخل الإلهي في مجالات التي يلفها الغموض حالية، حتى لا تسبب ذلك في ضرر مستقبلي. هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بالله، بما في ذلك وجود المبادئ الرياضية والنظام في الخلق. هذه الأسباب إيجابية وتستند إلى أسس معرفية، وليس على أساس فرضيات تفتقر للدلائل. باختصار، على الرغم من أن السؤال عن أصل الحياة سؤال رائع، وعلى الرغم من عدم قدرة العلم الحديث على تطوير آلية إحصائية محتملة، إلا أن هذا ليس مكان ليمارس الإنسان المؤمن بالإله لإيمانه.
السجل الأحفوري
في حين أن العلماء الهواة والمحترفين توصلوا لاكتشاف الحفريات منذ عدة قرون، إلا أن هذه الاكتشافات بلغت مرحلة متقدمة في السنوات العشرين الماضية. الكثير من الفجوات التي كانت موجودة في فهم تاريخ الحياة على الأرض تم ملؤها بواسطة اكتشاف الأنواع المنقرضة من الكائنات الحية. وأكثر من ذلك، أصبح من المتاح التعرف على عمر هذه الأحافير بناءً على نفس عملية الاضمحلال الإشعاعي التي ساعدت في تحديد عمر الأرض. الغالبية العظمى من الكائنات الحية التي عاشت لم تترك أي أثر يدل على وجودها، لأن الأحافير تنشأ في ظروف غير عادية للغاية (على سبيل المثال، الكائن الذي يقع في نوع معين من الطين أو الصخور، ولا يتم التقاطه من قبل الحيوانات المفترسة تتعفن عظامه ومعظم هذه المخلوقات تتحلل). وعلى ضوء هذا الواقع، يبدو من المدهش أن يكون لدينا مثل هذه الثروة من المعلومات حول الكائنات الحية التي عاشت على الأرض.
الجدول الزمني التي كشفت عنه السجل الأحفوري غير مكتمل تماماً، ولكن يظل مفيد جداً. على سبيل المثال، فقط الكائنات الحية وحيدة الخلية تظهر في الرواسب التي تكونت قبل حوالي 550 مليون سنة، على الرغم من أنه من الممكن أن تكون هناك كائنات حية أكثر تعقيدا كانت موجودة قبل هذا الوقت. قبل ما يقرب من 550 مليون سنة مضت، ظهر فجأة عدد كبير من الأجسام اللافقارية المتنوعة على مخطط السجل الأحفوري.
غالبا ما يشار إلى هذا الحادثة على أنها “الانفجار الكمبري”، وتم تدوين ذلك بشكل مفهوم للغاية بواسطة الراحل ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould وهو أكثر كتاب عصره شاعرية، وذلك في كتابه “حياة رائعة” Wonderful Life. وفي الكتاب تساءل غولد كيف يمكن للتطور أن يكون مسؤولا عن التنوع في مخططات الجسم Body plans التي ظهرت في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن.
كان هناك خبراء آخرون أقل حماسية بكثير للادعاء بأن الانفجار الكمبري يمثل انقطاعاً في عملية تعقيد الحياة، على الرغم من أن كتاباتهم لم تكن معروفة على نطاق واسع للجمهور العام. ما يسمى بالانفجار الكمبري على سبيل المثال يعكس تغيراً في الشروط التي سمحت لكثير من الأنواع بالتحجر والتي كانت موجودة لملايين السنين. في حين بذلت محاولات من قبل بعض الموحدين لتأكيد أن الانفجار الكمبري هو دليل على تدخل قوة خارقة للطبيعة، ولكن الدراسة المتأنية للوقائع لا تبدو أنها تدعم ذلك. هذه صيغة جديدة من حجة “إله الفجوات”. مرة أخرى، من غير الحكمة أن يعلق المؤمنون بالله إيمانهم على مثل هذه الفرضية. تشير الأدلة الحالية إلى أن الأرض ظلت جرداء حتى قبل حوالي 400 مليون سنة، حين ظهرت النباتات على اليابسة مستمدة وجودها من أشكال الحياة المائية. بعد ما يقرب من 30 مليون سنة على نحو التقريب، انتقلت الحيوانات إلى اليابسة، وهذه الخطوة تشير إلى فجوة أخرى: يبدو أن هناك عدد قليل من الأشكال الانتقالية بين المخلوقات البحرية والبرية رباعية الأرجل في السجل الأحفوري. الاكتشافات الحديثة وثقت بشكل مقنع أمثلة على هذا النوع من التحول.
بداية من نحو 230 مليون سنة، هيمنت الديناصورات على الأرض. ويوجد قبول عام لدى الباحثين الآن بأن انقراضها كان نهاية مفاجئة وكارثية قبل ما يقرب من 65 مليون سنة مضت، في وقت اصطدام كوكب الأرض مع كويكب كبير وقع في محيط ما يعرف الآن بشبه جزيرة يوكاتان. تم التعرف على الغبار الدقيق الذي نتج عن هذا التصادم الرهيب في أجزاء مختلفة من العالم. التغيرات المناخية الكارثية التي نتجت على ما يبدو من كمية الغبار الهائلة في الغلاف الجوي كانت أكثر من اللازم لأنواع الديناصورات المهيمنة، مما أدى إلى انقراضها، وارتفاع فرص وجود الثدييات.
إن اصطدام الكويكب القديم هو حدث محير. إنه السبب الوحيد الذي قد يكون أدى إلى انقراض الديناصورات وظهور الثدييات. ربما لم نكن موجودين الآن لو لم يضرب هذا الكويكب المكسيك. معظمنا لديه اهتمام خاص بالسجل الأحفوري للبشر، وهنا أيضا ظهرت اكتشافات في العقود القليلة الماضية كشفت الكثير من الحقائق. تم اكتشاف عظام أكثر من اثني عشرة نوع من أنواع أسلاف الإنسان المختلفة في أفريقيا، مع ملاحظة وجود زيادة مطردة في حجم الجمجمة. تم اكتشاف أول العينات في تاريخ الإنسان قبل ما يقرب من 195000سنة تقريباً.
يبدو أن الفروع الأخرى التي تطورت من أسلاف الإنسان واجهت طريقاً مسدوداً: البشر البدائيون الذين كانوا موجودون في أوروبا حتى قبل 30000 سنة، وحديثا تم اكتشاف “الهوبيت” وهو عبارة عن مخ صغير لأناس عاشوا في جزيرة فلوريس في إندونيسيا حتى انقرضوا منذ ما يقرب من 13000سنة.
رغم أن هناك العديد من العيوب في السجل الأحفوري، ورغم وجود العديد من الألغاز المطلوب حلها، إلا أن جميع النتائج تقريبا تنسجم مع مفهوم شجرة الحياة المتعلقة بالكائنات الحية. يوجد دليل جيد على أشكال انتقالية من الزواحف للطيور، ومن الزواحف إلى الثدييات. الحجج التي تسند إلى نموذج لا يستطيع تفسير وجود بعض الأنواع، مثل الحيتان، يتعرض للسقوط كلما كشفت التحقيقات عن وجود أنواع انتقالية، في كثير من الأحيان في الزمان والمكان الذي تتنبأ به نظرية التطور.
فكرة داروين التطورية
ولد داروين في عام 1809، وقد درس في البداية ليصبح كاهناً في كنيسة إنجلترا، ولكن تولد لديه اهتمام عميق بالطبيعيات. على الرغم من أن داروين الشاب اقتنع في البداية بحجة “ساعة يد” بالي، ورأى أن التصميم الموجود في الطبيعة دليل على وجود مصدر إلهي، فإن وجهات نظره بدأت تتغير عندما سافر على سفينتي بيغل 1831-1836. زار داروين أمريكا الجنوبية وجزر غالاباغوس، حيث درس بقايا متحجرة من الكائنات القديمة، ولاحظ تنوع أشكال الحياة في بيئات معزولة.
بناء على هذه الملاحظات، وعلى أساس عمل إضافي قام به على مدى أكثر من عشرين عاما، طور داروين نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي. في عام 1859، واجه داروين إمكانية أن يسبقه ألفرد راسل والاس إلى النظرية، ولكنه في النهاية كتب ونشر أفكاره في الكتاب عميق التأثير “أصل الأنواع” The Origin of Species.
ومع معرفته بأن الحجج في كتابه هذا من المحتمل أن يكون لها أصداء واسعة، كتب داروين تعليقا في نهاية الكتاب يقول فيه “وجهات النظر التي قدمتها في هذا الكتاب، وكذلك وجهات نظر السيد والاس، بخصوص أصل الأنواع، تمكننا من أن نتنبأ بأن قدراً قليلاً من التقدم لن يؤدي إلى ثورة كبيرة في التاريخ الطبيعي”.
اعتبر داروين أن جميع أنواع الكائنات الحية تنحدر من مجموعة صغيرة من أسلاف أكثر شيوعا، وربما تنحدر من مجموعة واحدة منها فقط. لقد اعتبر داروين أن التنوع داخل النوع الواحد يحدث بشكل عشوائي، وأن البقاء على قيد الحياة أو انقراض كل الكائنات الحية يعتمد على قدرتها على التكيف مع البيئة. لقد عبر داروين عن ذلك بالانتقاء الطبيعي. إدراكاً منه بالطابع الانفجاري لهذه الحجة، ألمح داروين إلى أن هذه العملية نفسها قد تنطبق على البشر، وطور ذلك بقدر أكبر من التفصيل في كتاب لاحق عنوانه “أسلاف الإنسان” The descent of Man.
أثار كتاب “أصل الأنواع” نقاشاً مباشراً ومحتدماً، ولكن ردة الفعل من قبل السلطات الدينية لم يكن بشكل عام سلبية كما يصور في الوقت الحالي. في الواقع، قبل رجل الدين اللاهوتي البروتستانتي المحافظ بنیامین ارفیلد برينستون Warfield of Princeton التطور على أنه “نظرية في الطريق إلى العناية الإلهية، ” بينما تمسك بحجة أن التطور في حد ذاته يجب أن يكون له خالق خارق القدرة. يوجد العديد من الأساطير حول رد فعل الجمهور على داروين. على سبيل المثال، كانت هناك محاورة شهيرة بين توماس هكسليH. Huxley Thomas (المروج المتحمس للتطور) والمطران صموئيل ويلبر فورس Wilberforce Bishop Samuel، وربما لم يقل هكسلي أنه لا يشعر بالعار من أنه من أحفاد قرد، ولكنه سوف يشعر بالعار إذا كان قريباً لأي شخص لا يقول الحقيقة. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من كونه منبوذاً من قبل المجتمع الديني، إلا أن دفن داروين في دير وستمنستر.
كان داروين نفسه يشعر بقلق بالغ إزاء تأثير نظريته على المعتقد الديني، وطوال كتاب “أصل الأنواع” عانى كثيراً ليشير إلى تفسير متناغم ممكن “أنا لا أرى أي سبب وجيه لأن تتسبب الآراء الواردة في هذا الكتاب في صدمة للمشاعر الدينية لأي شخص …. المؤلف الربوبي المشهور كتب لي أنه “لقد تعلمت تدريجياً أن أرى أن ذلك مجرد شعور نبيل للإله خلق أشكال أصلية أصبحت قادرة على تطوير ذاتها إلى أشكال أخرى محتاجة لها، إلى حد الاعتقاد أنه مطلوب عمل جديد من الخلق يؤدي إلى سد الفراغات الناجمة عن قوانينه”.
بل إن داروين ختم كتابه أصل الأنواع بالجملة التالية: “هناك عظمة في هذه النظرة مع وجود قوى عدة، جاءت إلى الحياة بواسطة الخالق على صورة أشكال أو شكل واحد، وأنه بينما هذا يدور الكوكب وفق قانون الجاذبية الثابت، فإنه ومن تلك البداية البسيطة، تكونت وتطورت أشكال لا حصر لها أكثر جمالا وروعة”. ظلت الآراء الشخصية لداروين غامضة، ويبدو أنها كانت متقلبة حتى السنوات الأخيرة من حياته. وفي إحدى المرات كتب يقول “لا أدري هو الوصف الأقرب لوضعي الإيماني”. وفي مرة أخرى كتب يقول إنه شعر بتحدي كبير من الصعوبة البالغة أو ربما استحالة تقبل فكرة أن هذا الكون العظيم الهائل بما في ذلك الإنسان القادر على النظر إلى الماضي وإلى الحاضر على أنه مجرد صدفة عمياء أو على انه ضرورة. عندما يدور ذلك في خلدي أجدني مقتنعاً بأن هناك مسبب أول صاحب عقل ذكي مشابه بنحو ما للإنسان، وأستحق أن يقال لي مؤمن”.
لا يوجد عالم بيولوجي اليوم يشك في قدرة نظرية التطور على شرح التعقيد الرائع لتنوع الحياة. في الحقيقة، علاقة جميع الأنواع ببعضها من خلال آلية التطور هو أساس عميق لفهم علم الأحياء بأكمله، بحيث أنه من الصعب أن نتصور كيف يمكن لأحد أن يدرس الحياة من دونه. ولكن هل يوجد وجهة نظر علمية أثارت الكثير من التصادم مع وجهات النظر الدينية أكثر من نظرية داروين الثورية؟ منذ عرض السيرك “محاولة القرد” ” Monkey trial” في عام 1925 مروراً بالمناظرات التي تعقد في الولايات المتحدة حول تدريس نظرية التطور في المدارس، يبدو أن هذه المعركة حول نظرية داروين لن تنتهي.
الحمض النووي – المادة الوراثية
كانت نظرية داروين أكثر تميزاً في ذلك الوقت، لأنها كانت تفتقر إلى الأساس الفيزيائي. تطلب الأمر جهد لقرن من الزمان لاكتشاف كيف يمكن أن يكون هناك تعليمات للحياة تجعل نظرية داروين تتوافق مع فكرة التغير. كان الراهب الغامض نسبيا جريجور مندل Gregor Mendel، والذي كان يعيش فيما تسمي حالياً بالجمهورية التشيكية، معاصراً لداروين، وكان قد قرأ كتاب “أصل الأنواع”، لكنهما ربما لم يتقابلا. كان مندل أول من أوضح أن الوراثة يمكن أن تنتقل على شكل حزم منفصلة من المعلومات. عبر تجارب مضنية على نباتات البازلاء في حديقة منزله في دير الكنيسة، وقد خلص مندل إلى أن عوامل وراثية تتشارك في سمات على نحو سلس أو متعسف في البازلاء، مما يعني أن ذلك يحكمه قواعد حسابية. لم يكن مندل يعرف ما هي الجينات، ولكنه أوضح أن شيئا ما من قبيل الجينات يجب أن يكون موجوداً.
لقد تم تجاهل أبحاث مندل لمدة 35 سنة. وبعد ذلك، وفي مصادفة عجيبة تحدث أحياناً في تاريخ العلم، تم إعادة اكتشاف نتائج أبحاث مندل بواسطة ثلاثة علماء خلال أشهر في نهاية القرن العشرين. في دراساته الشهيرة على “الأخطاء الوراثية في الأيض، للأمراض النادرة التي حدثت في بعض الأسر أثناء ممارسته للطب، كان أرشيبالد غارود Archibald Garrod واثقاً بشكل قاطع أن قواعد مندل تنطبق على البشر، وأن هذه الاختلالات جاءت كنتيجة لنفس النوع من الوراثة الذي كان مندل لاحظه في النباتات.
أضاف مندل وغارود خصوصية رياضية لفكرة التوريث في البشر، مع أن الخصائص الموروثة مثل الجلد ولون العين مألوفة بالفعل بالنسبة لأي شخص يدقق في الجنس البشري. ظلت الآلية التي تتحكم بهذه الأنماط غامضة، ومع ذلك، لم يقلل أحد من نجاح الأساس الكيميائي للوراثة. افترض معظم الباحثين في النصف الأول من القرن العشرين أن الصفات الموروثة يجب أن تنتقل عبر البروتينات، باعتبار أنها تبدو أكثر الجزيئات الحية تنوعاً.
حتى عام 1944 لم تكن التجارب المكروبيولوجية التي أجراها أوزوالد أفيري، کولن ماكلويد، ومكارتی قد أظهرت أن الحمض النووي، وليس البروتين هو القادر على نقل الخصائص الموروثة. وعلى الرغم من أن وجود الحمض النووي كان معروفاً لما يقرب من مائة سنة، إلا أنه لم يكن يعتبر سوى مجموعة حزم لا أهمية لها. وبعد أقل من عشر سنوات ظهر جواب جميل وأنيق للسؤال حول الطبيعة الكيمائية لعملية التوريث. لقد تم كسب الرهان في السباق المحتدم لتحديد طبيعة تركيب الحمض النووي في عام 1953 من قبل جيمس واطسون James Watson وفرانسیس کريك Francis Crick بالشكل الذي تم تدوينه في كتاب واتسون “مسلية الحلزون المزدوج”. قام واتسون، کريك، وموريس ویلکنز، بتوظيف البيانات التي تنتجها روزالیند فرانکلین Rosalind Franklin، لاستنتاج أن جزيء الحمض النووي له شكل مزدوج الحلزون، على شكل سلم ملتوي، وأن المعلومات الناقلة للقدرة يتم تحديدها من قبل سلسلة من المركبات الكيميائية التي تتكون من درجات السلم. ككيميائي يعرف صفات الحمض النووي الاستثنائية، وحلوله الرائعة لمشكلة ترميز تصميم الحياة، أشعر بالرهبة من هذا الجزيء. دعوني أحاول أشرح لكم مدى أناقة الحمض النووي.
جزيئات الحمض النووي كما هو موضح في الشكل 4.1 لها عدة خصائص مميزة. العمود الفقري الخارجي مكون من جزيئات على شكل أشرطة متراتبة مكونة من سكر الفوسفات، ولكن ما يثير الدهشة ما هو موجود في الداخل. تتكون درجات السلم من مزيج من أربعة مكونات كيميائية، تدعى “قواعد”. دعونا نسميها (بأسمائها الكيميائية الفعلية في الحمض النووي قواعد G, C, A, T، وكل من هذه القواعد الكيميائية لديه شكله الخاص به).
تخيل الآن أن من بين هذه الأشكال، الشكل A يمكنه أن يتلاءم بشكل دقيق فقط مع درجة السلم المجاورة للشكل T، والشكل G يمكنه أن ينسجم إلى جوار الشكل C. هذه هي “ثنائيات القاعدة”. ولذلك يمكنك تصور الحمض النووي على شكل سلم حلزوني، بحيث أن كل درجة فيه تتشكل من زوجين من قاعدة واحدة. هناك أربعة درجات محتملة: A -T , T – A , C – G , G – C إذا تعرضت إحدى القواعد للتلف، فإنه يمكن إصلاح التلف بسهولة من خلال المكمل في التركيب الزوجي: البديل الوحيد للقاعدة T قاعدة أخرى من نوع T. ولعل الأكثر أناقة، أن الحلزون المزدوج يسارع على الفور إلى طريقة للقيام بالنسخ الذاتي، لأن كل قسم يمكن استخدامه كقالب لإنتاج قسم جديد. إذا قسمت جميع الأزواج إلى النصف، وقطعت السلم نزولا إلى أسفل وسط كل درجة، فإن كل نصف من السلم سوف يحتوي على كافة المعلومات اللازمة لإعادة بناء نسخة كاملة من الأصل.
كتقريب للفكرة، يمكن للمرء أن يتصور الحمض النووي على أنه عبارة عن مخطط أوامر، أو إحدى البرمجيات، القابعة في نواة الخلية. لغة الحمض النووي الترميزية تتكون من أربعة حروف فقط. الأمر يتكون الأمر المحدد المسمى جين من الآلاف الأحرف. جميع الوظائف المتطورة للخلية، حتى في مثل عضو الكائن حي مثلنا، يجب أن تلتزم بترتيب الحروف الموجودة في هذا النص.
في البداية، لم يكن لدى العلماء أية فكرة عن كيفية عمل “البرنامج”. ولكن تم حل هذا اللغز بدقة عن طريق تحديد الحمض النووي الريبي الذي يعمل كناقل. يتم نسخ معلومات الحمض النووي التي تشكل نسخة من الجين عبر جزيئات الحمض الريبي، على شكل نصف سلم تتدلى درجاته من جانب واحد. يتحرك نصف السلم من نواة الخلية (مخزن المعلومات إلى السيتوبلازم مزيج هلامي معقد من البروتينات، والدهون، والكربوهيدرات)، حيث يدخل إلى مصنع أنيق للبروتين يسمى الريبوسوم. يقوم فريق من المترجمين المحترفين في المصنع بقراءة قواعد نصف سلم الحمض الريبي الناقل ليتم تحويل المعلومات الواردة في هذا الجزيء إلى بروتين معين، يتكون من الأحماض الأمينية. كل ثلاث درجات من الحمض الريبي تشكل حمض أمينية واحدة. البروتينات هي من تقوم بالعمل في الخلية وتجعلها تحافظ على تكامل تركيبها. (شكل 4, 2)
هذا وصف موجز يتناول قشور من أناقة الحمض النووي، والحمض الريبي، والبروتين، وهو ما يشكل باستمرار مصدر للرهبة والإعجاب. هناك أربعة وستين من المجموعات الثلاثية الحروف G, T, C, A ولكن هناك عشرين حمضاً أمينياً فقط . وهذا يعني أن هناك وفرة داخلية. كشفت التجارب على العديد من الكائنات الحية، من البكتيريا إلى البشر أن “الشفرة الوراثية”، والتي يتم فيها تحويل المعلومات الموجودة في الحمض النووي والحمض النووي الريبي إلى بروتين، موجودة في جميع الكائنات الحية المعروفة. لا وجود لبرج بابل tower of Babel في لغة الحياة. GAG يعني حمض الجلوتاميك في لغة بكتيريا التربة.
مكنت هذه التطورات العلمية مثلت ولادة جديدة لعلم البيولوجيا الجزيئية. اكتشاف الكائنات الكيميائية العجيبة، بما في ذلك البروتينات التي تعمل مثل مقص أو صمغ العلماء مع معالجة الحمض النووي والحمض الريبي من خلال دمج التعليمات الموجودة في كل منهما من مصادر مختلفة. أدت مجموعة طرق التعامل مع الجزيئات الحيوية إلى ولادة حقل جديد هو التكنولوجيا الحيوية، وبمساعدة تطورات في مجالات أخرى بشر ذلك بثورة في مجال معالجة العديد من الأمراض.
الحقيقة البيولوجية وتبعاتها
سوف يجد المؤمن الذي اعتبر أن حجة التصميم حجة مقنعة على دور الإله في خلق الحياة، أن الاستنتاجات التي توصلنا لها في هذا الفصل غير كافية. لا شك أن العديد من القراء الذي يفكرون بشكل مستقل أو الذين نشأوا في بيئة دينية مقتنعون بان جمال الوردة الرائع وطيران النسر لا يمكن أن يوجد إلا من قبل قوة خارقة ذكية تقدر التعقيد والتنوع والجمال. حتى الآن تم عرض آلية عمل الجزيئات وأساليب الوراثة والانتخاب الطبيعي، ولشرح كل ذلك، ربما سيكون لك ميل للصراخ “كفى، إن تفسيراتكم العلمية تخرج السحر الإلهي من عالمنا”.
لا تقلق، فهناك الكثير من السحر الإلهي مازال موجودة. كثير من الذين بحثوا في البراهين العلمية والدينية لازالوا يؤمنون بان الإله خلاق ويقوم بالكثير من العمل. بالنسبة لي، ليس هناك أي شعور بخيبة الأمل في هذه الاكتشافات المتعلقة بطبيعة الحياة، بل على العكس تماماً! ما أروع هذه الحياة المعقدة المدهشة! ما أجمل أناقة الحمض النووي! ما أجمل مكونات الكائن الحي الساحرة بداية من الريبوسوم الذي يحول الحمض الريبي إلى البروتين إلى تحول اليرقة إلى فراشة إلى ريش الطاووس الرائع الذي يجذب إليه رفيقه. التطور مثل الآلية يمكن أن تكون بل لابد أن تكون حقيقة، ولكن ذلك لا يبين طبيعة صانعها. لأولئك الذين يؤمنون بالله، هناك أسباب عديدة لتكونوا أكثر إعجاباً.
قبل أكثر من ۲۰۰ سنة كتب أحد أعظم الفلاسفة على الإطلاق إيمانويل كانت ما يلي “شیآن يملأن قلبي دوما بالإعجاب المتزايد والخشوع وهو شعور لا يفارقني كلما أطلت التفكير: السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي والقانون الأخلاقي في داخلي. لقد ميز السعي لفهم أصل الكون وكيفية عمله كل الأديان تقريبا طوال التاريخ، سواء كان ذلك عبادة للشمس أو نتيجة لظاهرة هامة مثل الكسوف أو لمجرد شعور الانبهار بعجائب الجنة.
هل كانت ملاحظة الفيلسوف امانويل كانط Kant مجرد عاطفة فيلسوف لم يستفد من اكتشافات العلم الحديث، أم أن هناك انسجاما ممكنة بين العلم والإيمان فيما يخص سؤال عميق ومهم مثل السؤال عن أصل الكون؟
إحدى التحديات في سبيل الوصول إلى هذا الانسجام أن العلم ليس ثابت. يتوصل العلماء بصورة مستمرة إلى أفاق جديدة، ويقومون باستكشاف عالم الطبيعة بطرق جديدة، ويغوصون في أعماق المساحات التي ليس لدينا فهم كامل عنها. عندما يواجه العلماء مجموعة بيانات تتضمن ظواهر محيرة وليس لها تفسير فإنهم يفترضون فروض لآلية عمل محتملة للظاهرة ثم يجرون تجارب الاختبار هذه الفروض. العديد من التجارب تفشل، وأغلب الفروض يتبين عدم صحتها. العلم في تطور دائم وهو يصحح نفسه: ليس هناك استنتاج خاطي أو فرضية خاطئة يمكن أن تستمر لوقت طويل، لأن المشاهدات الجديدة سوف تدحض بشكل كامل هذا البناء الخاطئ. ولكن على مدى طويل من الزمن فإن مجموعة مشاهدات متتابعة تؤدي أحياناً إلى إطار جديد للفهم. هذا الإطار يحظى بعد ذلك بتوصيف موضوعي ويسمى “نظرية”- نظرية الجاذبية، والنظرية النسبية ونظرية الأجرام تمثل أمثلة على ذلك.
إحدى الأمنيات العزيزة للعالم أن يجعل ملاحظته تسبب هزة في المجال البحثي. على أمل أن تقدم يوماً ما حقيقة غير متوقعة مما يحتم انتشار هذه النظرية. وهذا ما تمنح جائزة نوبل من أجله. وفي هذا الصدد، فإن أي افتراض بوجود مؤامرة محتملة بين العلماء للإبقاء على نظرية قيد الحياة رغم احتواءها على عيوب جوهرية هو بالتأكيد عمل غير أخلاقي للبحث العلمي الذي لا يكف عن البحث. دراسة فيزياء الفضاء تمثل مثالاً جيداً لهذه المبادئ.
حصلت تحولات عميقة خلال الخمسة عقود الماضية خضع فيها فهمنا للمادة ولتركيب الكون إلى تعديلات جوهرية، ومن دون شك أن هناك تعديلات تنتظرنا في المستقبل. هذه الاختلالات المزعجة قد تقود بعض الأحيان لمحاولة إيجاد تركيب يجمع بين العلم والدين، وبالخصوص إذا كانت الكنيسة قد حددت موقفها المسبق من الأشياء وضمنته في نظامها المعرفي. توافق اليوم قد يتحول إلى انفصال غداً. في القرن السادس عشر والسابع عشر قام كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus وکیبلر وغاليليو Galileo Galilei (وجميعهم يؤمنون بقوة بالله) بالتوصل إلى اكتشافات عظيمة تدل على أنه لا يمكننا فهم حركة الكواكب بشكل أفضل إلا إذا كانت الأرض تدور حول الشمس، وليس العكس. تفاصيل استنتاجاتهم لم تكن جميعها صحيحة، وفي البداية كان العديد من الباحثين في الحقل العلمي غير مقتنعين بها، ولكن في النهاية أقنعت البيانات والتوقعات الصادقة المطردة للنظرية حتى أكثر العلماء تشكيكاً. ومع ذلك ظلت الكنيسة الكاثوليكية معارضة، بل وأدعت أن النظرية تتعارض مع النصوص المقدسة. كان من الواضح أن وجهة نظر النصوص الدينية ضعيفة، ومع ذلك فإن هذه المواجهة استمرت لعقود وأدت إلى كثير من الضرر للعلم وللكنيسة معاً.
لقد شهد القرن الماضي العديد من المراجعات غير المسبوقة لفهمنا للكون. كانت المادة والطاقة تعدان كیانات مختلفة، بينما أظهر أينشتين في معادلته المشهورة E = MC2 أن العلاقة بينهما تبادلية. ثنائية المادة والجسيم تعني أن للمادة خصائص الجسيمات والموجات في نفس الوقت، وهي ظاهرة تتجلى في الضوء والجسيمات الصغيرة مثل الإلكترونات، وهو ما كان غير متوقعاً بالنسبة لعلماء متمرسين. شكل مبدأ عدم التحديد في ميكانيكا الكم لهايزنبرغ والذي جعل بالإمكان قياس إما موقع أو طاقته ولكن ليس كلاهما تبعات مقلقة للعلم والدين معاً. ولكن الأعمق تأثيرا هو أن مفهومنا عن أصل الكون قد تغير بشكل كبير في السنوات الخمس والسبعين الماضية بتأثير من هاتين النظريتين.
غالبية هذه المراجعات لفهمنا للعالم المادي ظلت محصورة نسبيا في نطاق ضيق في دوائر البحث الأكاديمي بعيداً عن نظر الرأي العام. وفي حالات معدودة كانت هناك محاولات نبيلة لشرح تعقيدات الفيزياء الحديثة وعلم الكونيات لعامة الناس ومن هذه المحاولات كتاب ستيفن Stephen Hawking Hawking وهو بعنوان A brief history of Time، ولكن يبدو أن قسم كبير من الخمسة ملايين نسخة التي بيعت من كتاب هوكنغ لم يقرأ لأن غالبية القراء وجدوا أن المفاهيم التي يحتويها الكتاب تستعصي على الفهم.
في الحقيقة، إن الاكتشافات المتعلقة بالفيزياء في العقود الخمسة الماضية قادت إلى رؤى تتعلق بالمادة والطبيعة معاكسة للحدس. قبل ما يقرب من مئة عامة علق عالم الفيزياء ایرنست ریذدفورد Rutherford قائلا ” إن النظرية التي لا تستطيع شرحها لنادل المقهى من المحتمل أنها ليست ذات قيمة. على هذا الأساس فإن الكثير من النظريات الحديثة المتعلقة بالجسيمات الأساسية التي تكون المادة ضعيفة”.
من ضمن المفاهيم الغريبة التي أصبحت موثقة في الوقت الحالي حقيقة أن النيترونات والبروتونات تتكون في الحقيقة من ستة نكهات. بل إن النكهات تصبح أكثر غرابة عندما نعلم أن لكل منها ثلاثة ألوان (أخضر وأحمر وأزرق). الأسماء التي أعطيت لهذه الجسيمات تدل على حس إنساني لدى العلماء. تشكل المجموعة المذهلة للجسيمات الأخرى من الفوتونات إلى الغلونات والميونات عالماً غريباً على تجربة الإنسان اليومية مما يجعل غير العلماء يهزون رؤوسهم غير مصدقين. ولكن كل هذه الجسيمات هو ما يجعل وجودنا ممكنا. بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أن المادية أفضل من التوحيد لأنها ابسط وأقرب للحدس، فإن هذه المفاهيم الجديدة سوف تشكل تحدياً لهم. شيفرة أوكام والتي تنسب إلى فيلسوف القرن الرابع عشر وعالم المنطق الإنجليزي وليام أوكام تعتبر نسخة معدلة من رأي ريذرفورد. هذا المبدأ يعتبر أن التفسير الأبسط لأية ظاهرة هو في العادة التفسير الأصح. في هذه الأيام، يبدو أن شيفرة أوكام وصلت للحضيض بوجهة نظر النماذج الكثيرة من فيزياء الكم.
ولكن لازال ينظر إلى ريذرفورد وأوكام بإجلال، على الأقل لان تعبيرهم الرياضي للظواهر المحيرة المكتشفة حديثاً لازال أبسط، بل وأجمل. عندما كنت طالباً في الدراسات العليا في جامعة ييل Yale كانت لي تجربة مميزة في أخذ مقرر في ميكانيكا الكم النسبية على يد الحائز على جائزة نوبل ویلیس لامب Willis Lamb. كانت طريقته في الشرح عبارة عن استعراض لنظريات النسبية وميكانيكا الكم من بداية مفاهيمها. كان لامب يشرح بشكل كامل معتمداً على ذاكرته، ولكن في بعض الأحيان كان يتجاوز بعض الخطوات ويطلب منا ملأها حتى موعد المحاضرة القادمة. ورغم أني تحولت من الفيزياء إلى علم الأحياء إلا أن تجربة استنتاج معادلات كونية بسيطة وجميلة لوصف حقيقة عالم الطبيعة تركت في نفسي أثراً عميقاً، وبشكل خاص لأن النتيجة النهائية ذات طابع جمالي. هذه التجربة أثارت في نفسي أول الأسئلة الفلسفية المتعلقة بطبيعة الكون الفيزيائية. لماذا تسلك المادة على هذا النحو؟ بتعبير ايغن فينغر Wigner’s ماذا يمكن أن يكون التفسير للتأثير غير المنطقي للرياضيات؟
هل هي مجرد حادثة سعيدة أم أنها تعكس نظرة عميقة لطبيعة الحقيقة؟ إذا كان للشخص أن يقبل مفهوم القوة الخارقة فإن ذلك يعني الغوص في عقل الإله؟ هل واجه أينشتين وهايزنبرغ والأخرين الرب؟ في آخر كتابه A Brief History of Time يكتب هوكنغ ما يلي “يجب علينا كفلاسفة وعلماء وحتى الأشخاص العاديين أن نشارك في نقاش السؤال: لماذا أتينا نحن والكون إلى حيز الوجود؟ اذا استطعنا الوصول إلى إجابة على هذا السؤال فإننا نكون قد حققنا نصرة عظيمة للعقل البشري، لأننا عند ذلك نكون قد وصلنا إلى عقل الإله. هل التوصيفات الرياضية للحقيقة تدل على ذكاء أعظم؟ هل تعد الرياضيات إضافة إلى الحمض النووي لغة أخرى للإله؟ من المؤكد أن الرياضيات قادت العلماء إلى عتبة أكثر الأسئلة عمقاً. وأول هذه الأسئلة كيف بدأ كل شيء في البداية؟
الانفجار الكبير
في بداية القرن العشرين كان معظم العلماء يفترضون أن الكون لا بداية له ولا نهاية له. وهذا الافتراض خلق مفارقات فيزيائية عديدة، ومن ذلك كيف يمكن للكون أن يحافظ على استقراره دون الانكفاء على نفسه بفعل قوة الجاذبية، ولكن الاحتمالات الأخرى لم تكن مقنعة. عندما طور أينشتاين نظريته النسبية في عام 1916 قدم عامل التصحيح لإيقاف انهيار الجاذبية والحفاظ على فكرة حالة استقرار الكون. وفي وقت لاحق اعتبر آينشتاين ذلك أكبر غلطة في حياته.
نظريات أخرى افترضت بديلا لتفسير الكون بدأ عند نقطة معينة، وبعد ذلك اتسع ليصل لحالته الحالية، ولكن بقيت مهمة اثبات ذلك تجريبية على عاتق العلماء الذين يأخذون هذه الفرضية على محمل الجد. بداية هذه المعلومات كانت مع ادوین هابل Edwin Hubble في عام ۱۹۲۹ في سلسلة من التجارب التي تابعت ابتعاد المجرات القريبة منا.
باستخدام تأثير دوبلر وهو نفس المبدأ الذي يسمح لشرطة المدينة تحديد سرعة سيارتك أثناء مرورك بجوار جهاز الرادار أو تلك التي تسبب صفير القطار القادم بنغمة أعلى عندما يمر بجوارك -وجد هبل Hubble أنه أینما نظرنا فإن الضوء في المجرات يدل على أنه ينحسر من جهتنا. وكلما كانت المجرات أبعد فإن المجرات تنحسر بشكل أسرع.
إذا كان كل شيء في الكون يتطاير بعيدة عن بعضه البعض فإن إرجاع مؤشر الزمن يؤدي إلى توقع أنه في وقت ما كانت كل هذه المجرات تشكل كتلة واحدة هائلة جداً. ملاحظة هبل أدت خلال السنوات السبعين الماضية إلى بدأ تجارب عملية، مما دفع نسبة كبيرة من علماء الفيزياء والكونيات إلى استنتاج أن الكون بدأ في لحظة واحدة، وهو ما أصبح يشار إليها بلحظة الانفجار العظيم. الحسابات تدل على أن ذلك حدث قبل 14 مليون سنة.
لقد تم التأكد من صحة هذه النظرية عن طريق الصدفة بواسطة آرنو بینزیاس Arno Penzias وروبرت ولسون Robert Wilson عندما توصلوا إلى ما بدا أنه خلفية مزعجة لذبذبات المايكرويف بغض النظر عن الجهة التي يوجهون لها المجس. وهذا يمثل بدقة نوع الشفق الذي يمكن أن نتوقعه كنتيجة للانفجار العظيم الناشئ عن تدمير المادة والمادة المضادة في اللحظات الأولى من انفجار الكون.
تم التوصل إلى أن هناك أدلة دامغة على صحة نظرية الانفجار الكبير من خلال نسبة عناصر معينة في أرجاء الكون، بشكل خاص الهيدروجين والديوتريوم والهليوم. وفرة الديتريوم بشكل مستمر تمتد من النجوم القريبة منا إلى أبعد المجرات القريبة من أفقنا. هذا الاكتشاف يتوافق مع كمية الديتريوم التي تشكلت تحت درجة حرارة هائلة في لحظة واحدة خلال الانفجار الكبير. إذا كانت هناك عدة لحظات من هذا النوع في أماكن وأزمان مختلفة لما وجد هذا الاتساق.
بناءً على هذا المشاهدات ومشاهدات أخرى، أتفق العلماء على أن الكون بدأ بكثافة لا نهائية ونقطة عديمة الأبعاد من الطاقة الخالصة. وعند هذه النقطة تتهاوى قوانين الفيزياء كنتيجة لذلك، وهو ما يعبر عنه بنقطة “التفرد”. على الأقل حتى وقتنا الحالي لم يستطع العلماء تفسير اللحظات الأولى للانفجار خلال to4310 ثانية. من الممكن القيام بتوقعات للأحداث التي كانت بحاجة أن تقع لينتج الكون الذي نشاهده، بما في ذلك فناء المادة والمادة المضادة، وتشكيل نواة ذرية مستقرة، وفي نهاية المطاف تشكيل الذرات، وفي المقام الأول الهيدروجين، الديوتيريوم، والهيليوم.
السؤال الذي لم يتم الإجابة عليه حتى الآن: هل أن الكون الذي نتج عن الانفجار الكبير سوف يستمر في التمدد إلى ما لا نهاية، أم أن الجاذبية سوف تأخذ زمام المبادرة وحينها تبدأ المجرات بالاقتراب من بعضها، وفي نهاية المطاف تؤدي إلى توقف التمدد. الاكتشافات الحديثة التي دلت على وجود كميات غير معروفة من ما يعرف بالمادة السوداء والطاقة السوداء، والتي يبدو أنها تشغل كمية كبيرة جداً من مادة الكون تجعل الإجابة على هذا السؤال معلقة، ولكن ما لدينا من دلائل تشير إلى أن ذلك سوف يتم تدريجياً، وليس على شكل انهيار كامل.
ماذا كان يوجد قبل الانفجار الكبير؟
فكرة حدوث الانفجار الكبير تقودنا إلى السؤال عن ماذا حصل قبل ذلك، ومن الذي كان يدبر الأمور. هذا السؤال يبين بالتأكيد حدود العلم. النتائج المترتبة على نظرية الانفجار العظيم كبيرة بالنسبة للشخص اللاهوتي. بالنسبة للمعتقدات الدينية التي تعتبر أن الإله خلق الكون من لا شيء يعد الانفجار العظيم أمراً مثيراً. هل تنسجم حادثة فردية مثل الانفجار العظيم مع تعريف المعجزة؟
الشعور بالدهشة لإدراك هذه الحوادث دفع العديد من العلماء اللا أدريين إلى الميل نحو اللاهوتية. في كتابه “الإله وعلماء الفلك” God and the Astronomers كتب عالم الفيزياء الفلكية روبرت جاسترو Jastrow الفقرة التالية في هذه اللحظة يبدو أن العلم عاجز عن إزاحة الستار عن غموض الخلق”. بالنسبة للعالم الذي تعود على الخطوات المنطقية يبدو وكأن قصة الانفجار الكبير تنتهي كحلم مزعج. لقد تسلق جبال من الجهل، وعندما وصل إلى الصخرة الأخيرة باتجاه القمة تم الترحيب به من قبل اللاهوتيين الذين يجلسون هنا منذ قرون”.
بالنسبة لأولئك الذين يودون التقريب بين العلماء واللاهوتيين فإن هناك القليل من الاكتشافات المتعلقة بأصل الكون ما يجعله مساعداً على هذا التقريب. في مورد آخر من كتابه المثير كتب جاسترو يقول “ها نحن نرى كيف أن الأدلة الفلكية عن أصل الكون تؤدي بنا إلى النظرة الدينية. قد تختلف التفاصيل، ولكن العناصر الرئيسية ووجهة النظر الفلكية والدينية لسفر التكوين هي نفسها، وهي سلسلة الأحداث التي جعلت شخص يشرع بعمل ما بشكل مفاجئ في لحظة ما كلمحة من الضوء والطاقة”.
عليّ أن أعترف أن نظرية الانفجار الكبير تحتاج إلى تفسير ربوبي. إنها تجبرنا على نتيجة مفادها أن الطبيعة كانت لها بداية محددة. لا أستطيع أن أتصور طبيعة تخلق نفسها. فقط قوة خارج الزمان والمكان قادرة على ذلك. ولكن ما الذي حدث بعد الانفجار الكبير؟ ما الذي أوصلنا إلى الوجود بعد عشر ملايين سنة من الانفجار العظيم؟
تركيب نظامنا الشمسي وكوب الأرض
في المليون سنة الأولى بعد الانفجار الكبير تمدد الكون وانخفضت درجة الحرارة وبدأت الذرات والجزئيات تتشكل. وبدأت المادة تلتئم إلى مجرات بفعل قوة الجاذبية. واكتسبت حركة دائرية، وفي نهاية المطاف نتج عن ذلك شكل حلزوني للمجرات كما هو الحال مع مجرتنا. وضمن هذه المجرات تشكل مركب من الهيدروجين والهليوم وارتفعت كثافته ودرجة حرارته. وفي نهاية المطاف حدث الاندماج النووي.
عملية اندماج أربع ذرات من الهيدروجين لتشكيل طاقة وذرات الهليوم مما يوفر وقوداً للنجوم. النجوم الكبيرة تحترق سريعاً، وأثناء احتراقها ينتج في محورها عناصر أكثر ثقلاً مثل الكربون والأكسجين. وفي بداية الكون (في أول 100 مليون سنة) تظهر هذه العناصر فقط في محور المجرات المحترقة، ولكن مجموعة من هذه النجوم تتعرض لانفجارات هائلة تسمى السوبرنوفا (باللغة العربية تسمى الطارق الأعظم) لتقذف عناصر أكثر ثقة إلى الغاز الموجود في تلك المجرات.
يعتقد العلماء أن شمسنا لم تتكون في الأيام الأولى من تكون الأرض، بل تكونت في المرحلة الثانية أو الثالثة من تكون النجوم، وذلك قبل خمس ملايين سنة عبر عملية التحام داخلية. وأثناء ذلك أفلتت من عملية الاندماج كمية قليلة من العناصر الثقيلة الموجودة في الجوار وتكون نجم جديد، وبدلا عنه تكونت كواكب تدور حول شمسنا. بما في ذلك كوكبنا، والذي لم يكن صالحا للعيش في الأيام الأولى. في البداية، كان كوكبنا شديد الحرارة مع حدوث انفجارات هائلة متكررة، ولكن الأرض بدأت تبرد تدريجية، وطورت غلاف جوية وأصبح الكون ملائماً للعيش قبل أربع ملايين سنة. وبعد 150 مليون سنة أصبح الكون زاخرة بالحياة.
كل هذه الخطوات التي كونت نظامنا الشمسي أصبحت معلومة تماماً، ومن غير المحتمل أن يتم التعديل عليها على ضوء أية معلومات إضافية. أغلب الذرات في جسمك تم إعدادها في الفرن النووي من السوبر نوفا القديمة -فجسمك مكون في الحقيقة من غبار النجوم.
هل هناك نتائج لاهوتية تترتب على أي من هذه الاكتشافات؟ هل وجودنا فريد في الكون؟ هل ذلك بعيد الاحتمال؟ يمكن المحاججة بأن أصل الحياة المعقدة لا يمكن أن يكون تبلور في أقل من 5-10 ملايين سنة بعد الانفجار العظيم.
منذ الجيل الأول لم تكن النجوم تحتوي العناصر الأثقل مثل الكربون والأكسجين، والتي نعتقد أنها ضرورية للحياة، على الأقل بالمقدار الذي نعرفه. فقط في الجيل الثاني أو الثالث من نظامنا الشمسي والكواكب المتزامنة معه بات من الممكن العيش فيه. وحتى بعد ذلك، استغرق الأمر وقتا طويلا حتى وصلت الحياة إلى درجة الذكاء والحساسية المطلوبتين. وعلى الرغم من أن أنواع الحياة الأخرى لا تعتمد على العناصر الثقيلة فإنها كانت ممكنة الوجود في مكان آخر من الكون، فطبيعة هذه الكائنات الحية من الصعب جدا أن يتم استنتاجه من معرفتنا الكيميائية والفيزيائية الحالية.
هذه الاكتشافات تدعونا للتساؤل عن الحياة التي يمكن أن تكون موجودة في الأماكن الأخرى من الكون. ورغم أنه لا يوجد أحد لديه معلومات حديثة لتأكيد أو نفي ذلك إلا أن هناك معادلة مشهورة تم صياغتها في عام 1961 من قبل عالم الفلك المتخصص في موجات الراديو فرانك دريك Frank Drake سمحت بالتفكير بالاحتمالات الممكنة. تعد معادلة دريك أفضل وسيلة لتوثيق حالة جهلنا بحقيقة وجود كائنات أخرى في الكون. لاحظ دريك بصورة منطقية مبسطة أن التواصل الحضاري في مجرتنا هو نتيجة لسبعة عوامل:
عدد النجوم في مجرة طريق الحليب (تقريباً 100 مليون) مضروبة بـ
جزء من عدد النجوم التي تحيط بها كواكب مضروبة بـ
عدد الكواكب لكل نجم التي يمكن العيش فيها مضروبة بـ
جزء من تلك الكواكب التي يوجد بها حياة مضروبة بـ
جزء من تلك الكواكب التي يوجد بها حياة ذكية مضروبة بـ
جزء من تلك الكواكب التي طورت حياة يمكن التواصل فيها مضروبة بـ
جزء من تلك الكواكب التي يوجد بها حياة ويمكن التواصل فيها مع كواكب أخرى.
لقد استطعنا التواصل مع العالم خارج الكرة الأرضية قبل أقل من عدة مئات من السنين. عمر الأرض يقارب 4.5 بليون سنة، ولذلك فإن معامل دراك لا يعكس سوى جزء بسيط جداً من عدد سنوات وجود الأرض: 0,000000022)).
معادلة دراك جميلة ولكنها عديمة الفائدة لأننا عاجزون بأي مقدار من اليقين تحديد قيمة كل شيء، ربما باستثناء عدد النجوم في مجرة طريق الحليب. ولكن بالتأكيد فإن نجوم أخرى تم اكتشافها مع الكواكب التي تدور حولها، ولكن بقية المعلومات لازالت غامضة. ومع ذلك فإن معهد “البحث عن الذكاء خارج الأرض” (SETI) الذي تم إنشاءه من قبل فرانك دراك نفسه قد بدأ وبمشاركة من علماء فيزياء وفلك وأخرين في السعي للوصول إلى إشارات من بقية الحضارات المحتملة في مجرتنا. لقد كتب الكثير عن الأهمية الدينية لاكتشاف حياة في الكواكب الأخرى إذا ما تم التحقق من ذلك. هل هذه الحقيقة سوف تجعل الجنس البشري على كوكب الأرض أقل أهمية؟ هل وجود حياة في كواكب أخرى يجعل اشتراك الإله في هذه العملية أقل احتمالا؟ من وجهة نظري هذه الاستنتاجات غير مؤكدة. إذا كان الإله موجوداً، وهو راغب في أن يكون له أتباع ككائنات حية مثلنا، وإذا كان قادرا على الاعتناء والتفاعل مع ستة بلايين شخص على هذا الكوكب، وبلايين أخرى سبقتنا، فإنه من غير الواضح كيف أن غير قادر على التعامل مع ملايين من الكائنات المشابهة لنا، وملايين أخرى من الكواكب. إنه من المشوق أن نعرف ما إذا كانت الكائنات في الكواكب الأخرى من الكون لديها قانون أخلاقي أيضاً، عطفاً على أهميته في نظرتنا لطبيعة الإله. من الناحية الواقعية، من غير المحتمل أن نعرف الإجابة على هذه الأسئلة أثناء سنوات عمرنا.
المبدأ الإنساني
الآن أصبح أصل الكون ونظامنا الشمسي مفهوماً بشكل أكبر بالنسبة لنا، كما تم التعرف على مجموعة مبهرة من المصادفات متعلقة بعالم الطبيعة كانت قد حيرت العلماء والفلاسفة ورجال الدين على حد سواء. خذ على سبيل المثال الملاحظات التالية:
1- في اللحظات الأولى للكون بعد حدوث الانفجار العظيم تم خلق المادة ومضاد المادة في الوقت نفسه تقريباً في جزء صغير من الثانية، وانخفضت درجة حرارة الكون مما سمح للكواركات ومضاداتها للتكثف. عندما يحدث أن يتلاقى أي كوارك بسرعة كبيرة مع مضاد الكوارك فإن ذلك ينتج عنه فناء كل منهما وإطلاق فوتون من الطاقة. ولكن التماثل بين المادة ومضاد المادة لم يكن دقيقاً، لأنه عند كل بليون زوج من الكواركات ومضادات الكوارك كان هناك كوارك زائد. هذا الجزء البسيط الذي سبب الكون في البداية هو الذي كون كتلة الكون الذي نعرفه.
لماذا يوجد هذا التماثل؟ يبدو أنه أكثر ملائمة أن لا يكون هناك تماثل. ولكن إذا كان هناك تماثل كامل بين المادة وضدها فإن الكون سرعان ما يتحول إلى إشعاع خالص، وعندها لن يتمكن البشر والكواكب والنجوم والمجرات من الوجود.
2- الطريقة التي تمدد بها الكون بعد الانفجار العظيم تعتمد اعتمادا كلياً على كم كانت كتلة وطاقة الكون في ذلك الوقت، وهو أمر يعتمد أيضا على قوة ثابت الجاذبية. الدقة العجيبة لهذه المعاملات الفيزيائية كانت مصدر إعجاب للعديد من الخبراء. كتب هوكنج قائلا “لماذا بدأ الكون بنسبة حرجة من التمدد الذي فصل النماذج التي انهارت مرة أخرى عن تلك التي استمرت في التمدد إلى الأبد، بحيث أنه بعد عشرة ملايين سنة من ذلك لازالت تتمدد بنفس النسبة؟ لو كان تمدد الكون بعد ثانية واحدة من الانفجار العظيم أقل بحجم أقل من 100 ألف بليون لانهار الكون قبل أن يصل إلى حجمه الحالي”.
من جهة أخرى، لو كانت نسبة التمدد أكبر بجزء من المليون لما كان بإمكان الكواكب والنجوم أن تتكون. النظريات الحديثة توفر لنا تفسيراً جزئياً عن سبب تراجع نسبة تمدد الكون السريع في الأيام الأولى بعد الانفجار العظيم إلى نسبة مقاربة للقيمة الحرجة. ومع ذلك فإن بعض علماء الفلك يقولون إن ذلك يعيد إلى الواجهة السؤال عن السبب الذي جعل الكون يتوفر على مقدار مناسب من الخصائص المطلوبة لحدوث هذا التمدد المتضخم. وجود الكون الذي نعرفه يقف على حافة سكين من الدقة.
نفس الظروف تنطبق على تكون العناصر الأثقل. إذا كانت القوة الذرية التي تجمع البروتونات والنيترونات أضعف بقليل فإن الهيدروجين سيكون هو الناتج الوحيد في هذا الكون. ومن جهة أخرى لو كانت هذه القوة أكبر بنسبة بسيطة لتحول كل الهيدروجين إلى هيليوم بدلا من نسبة 25٪ التي وجدت بعد الانفجار العظيم. ولما كان بإمكان فرن انصهار النجوم أن ينتج عناصر أثقل. بالإضافة إلى هذه الملاحظة اللافتة فإنه يبدو أن القوة النووية تم تعييرها بشكل مناسب لإنتاج الكربون، وهو أمر حاسم لوجود الحياة على الأرض. لو كانت هذه القوة أكبر بنسبة ضئيلة لتحول كل الكربون إلى أكسجين.
هناك 15 ثابت فيزيائي تعجز النظريات الحالية عن التنبؤ بقيمتها. المعطيات المتوفرة هي أن قيمة هذه الثوابت هي القيمة التي يجب أن تكون عليه. هذه القائمة من الثوابت تشمل سرعة الضوء، مقدار الشدة الدنيا والقصوى للقوى النووية، العوامل المختلفة للقوة الكهرومغناطيسية وقوة الجاذبية. فرصة أن تتوفر كل هذه الثوابت الضرورية لاستقرار الكون بحيث يكون قابل للعيش فيه فرصة متناهية الصغر. وهذه العوامل هي بالفعل ما نلاحظه بالفعل. الخلاصة أن كوننا بالغ الدقة.
حتى تكون محقا في الاعتراض بأن هذه الحجة تستلزم الدور: على الكون أن يسير وفق عوامل متناسبة مع ثبات الكون أو لن نكون موجودين للحديث عن الموضوع. هذه المبدأ يشار إليه على أنه المبدأ الإنساني: وهي فكرة أن الكون تم تعييره بشكل يسمح لحياة الناس. لقد سبب ذلك الكثير من الدهشة والتساؤل منذ أن تم الكشف عنه منذ عقود عدة
هناك عدة ردود على المبدأ الإنساني:
1- من المحتمل أن يكون هناك عدد لا متناهي من الأكوان، إما بالتزامن مع كوننا الذي نعيش فيه أو بكيفية أخرى مع قيم مختلفة من الثوابت ، وربما بقوانين فيزيائية مختلفة، ولكننا لسنا قادرون على مراقبة هذه الأكوان. نحن نعيش فقط في كون خصائصه الفيزيائية تسمح بوجود الحياة عليه. ثوابت كوكبنا ليست سحرية، ولكنها نتيجة غير معتادة لمحاولات الصحة والخطأ، وهو ما يسمى بفرضية تعدد الأكوان.
۲- هناك كون واحد وهو ما نعيش فيه. لهذا الكون جميع الخصائص التي تسمح بوجود الحياة الواعية. لو لم يكن الكون كذلك لما كنا نناقش هذا الموضوع. نحن محظوظون جداً جداً.
۳- هناك كون واحد وهو ما نعيش فيه. الإتقان الدقيق لكل الثوابت الفيزيائية والقوانين الفيزيائية لتوفير حياة واعية ممكنة أمر ليس بمحض الصدفة، وإنما يعكس فعل قام به من خلق الكون في المقام الأول.
بغض النظر عن تفضيل واحد من الاحتمالات 1 أو 2 أو 3، لا شك أن المسألة لاهوتية. يشير كتب هوكنج قائلا “الاحتمالات النافية لتشكل الكون من شيء ما مثل الانفجار العظيم هائلة. أعتقد أن من الواضح أن هناك آثار دينية”. يذهب هوكنغ في كتابه A Brief History of Time أبعد من ذلك فيقول “من الصعب جدا تفسير لماذا بدا الكون بهذه الطريقة، إلا إذا كان ذلك فعلاً إلهياً قام به شخص يريد أن يخلق كائنات مثلنا”. عالم فيزياء معروف هو فریمان دایسون Freeman Dyson توصل بعد مراجعة هذه السلسلة من الأحداث إلى ما يلي “كلما تعمقت في اختبار الكون وتفاصيل تصميمه كلما حصلت على براهين على أن هذا الكون كان على علم بقدومنا”. أيضا أرنو بنزیاس Arno Penzias الحائز على جائزة نوبل والذي اكتشف الإشعاعات الخلفية للميكروويف الكوني والتي دعمت بقوة نظرية الانفجار العظيم يقول “المعلومات المتوافرة والتي جاءت تماماً كما توقعتها لن تكون أكثر من كتب موسى الخمسة والمزامير والإنجيل مجتمعة”. ربما كان Penzias يفكر في كلمات داود في المزمور الخامس “عندما فكرت في جنتكم، وبصمة أصابعكم، والأقمار والنجوم، ما هو الإنسان الذي كان في عقلك”.
ماذا يمكن أن نصل إليه في استعراضنا للاحتمالات الثلاثة؟ دعونا نتناول ذلك بشكل منطقي. لنبدأ بالتالي، لدينا مشاهداتنا عن الكون الذي نعرفه بما في ذلك أنفسنا. وبعد ذلك علينا أن نحسب أي الاحتمالات الثلاث أكثر ترجيحة. المشكلة أنه لا يوجد لدينا طريق لحساب الاحتمالات، ربما إلا في الاحتمال الثاني. أما بالنسبة للاحتمال الأول فإنه كلما اقترب رقم الأكوان المتزامنة إلى اللانهاية فإن احتمال أن تكون خصائص هذا الكون ملائمة يكون كبيراً جداً. أما بالنسبة للاحتمال الثاني، فإن نسبة احتمال ذلك سوف تكون ضئيلة جداً. أما نسبة احتمال الاحتمال الثالث تعتمد على الخالق الخارق الذي يهتم بالكون غير المحصن. على أساس نسب الاحتمال، يبدو الاحتمال الثاني هو الأقل. وهذا ما يتركنا مع الاحتمالين الأول والثالث. الاحتمال الأول يمكن الدفاع عنه منطقياً، ولكن عدد الأكوان القريب من اللانهاية يثير العجب. إنه بالتأكيد يخالف نظرية شيفرة اوكام.
أولئك الذين يرفضون بشكل قاطع القبول بالخالق الذكي، سوف يحتجون بأن الاحتمال الثالث ليس أكثر بساطة على الإطلاق، لأنه يتطلب توسط الموجود الخارق. يمكن القول حينئذ أن الانفجار العظيم ذاته يؤشر بقوة إلى الخالق، والسؤال عما حدث قبل ذلك سوف يظل قائماً.
إذا كان هناك من يقبل بحجة أن الانفجار العظيم يستدعي وجود خالق، فإنه ليس من البعيد عليه أن يقبل بأن الخالق وضع جميع المتغيرات الثوابت والقوانين الفيزيائية وما عداها للوصول إلى هدف معين. وإذا كان هذا الهدف يشمل الكون الذي كان مجرد فراغ لا خصائص له فإننا نكون قد وصلنا إلى الاحتمال الثالث.
عند الحديث عن محاولة الاختيار بين الاحتمال الأول والثالث يقفز إلى الذهن تشبيه الفيلسوف جون ليسلي John Leslie. في هذا المثل، يواجه أحد الأشخاص الإعدام رمياً بالرصاص، وصوب خمسون رامية محترفة بنادقهم تجاهه لتنفيذ الإعدام. يصدر الأمر، ويسمع صوت الطلقات، ولكن بطريقة ما جميع الرصاصات لا تصيب الشخص المدان، ويخرج من دون أن يصاب بأذى. كيف يمكن تفسير مثل هذه الحادثة الغريبة؟
يعتبر ليزلي أن هناك نوعان من البدائل الممكنة تتناسب مع اختيارنا البديلين الأول والثالث. في المقام الأول، ربما يكون هناك الآلاف من الموجودات الفاعلة التي خلقت في نفس اليوم، وأفضل الرماة يمكن أن يخطأ أحياناً. ولكن عوامل الفشل جميعها صبت في مصلحة هذا الشخص بالتحديد، والرماة الخمسون فشلوا في إصابة الهدف. الاحتمال الثاني هو أن هناك شيء ما محدد يجري، والخطأ في تصويب للرماة كان مقصوداً. أيهما يبدو أكثر احتمالاً؟
من الأفضل لنا ترك الباب مفتوحاً لجهة قدرة الاكتشافات المستقبلية في الفيزياء النظرية على تحديد بعض من الثوابت الخمس عشرة، والتي تم تحديدها حتى الآن بواسطة المشاهدات التجريبية، حيث يمكن تقييد قيمتها الرقمية المحتملة عبر شيء ما أكثر عمقا، ولكن هذا الأمل لا يبدو قريبة من الأفق. وزيادة على ذلك، وكما هو الحال مع الحجج التي عرضنا لها في هذا الفصل والذي سبقه، ليس هناك مشاهدة علمية بإمكانها الوصول إلى برهان قاطع على وجود الإله. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في التفكير في وجهة نظرهم الدينية فإن المبدأ الإنساني بالتأكيد يوفر حجة مشوقة في صالح الخالق.
ميكانيكا الكم ومبدأ عدم التحديد
اسحق نيوتن كان من المؤمنين، وقد كتب في تفسير الإنجيل أكثر مما كتب في الرياضيات والفيزياء، ولكن ليس كل من يقلده يشاطره الرأي في هذا الاعتقاد. في بداية القرن التاسع عشر قدم الماركيز دي لابلاس marquis de Laplace وهو فيزيائي ورياضي فرنسي معروف وجهة نظر للطبيعة التي تحكم قوانين الطبيعة بدقة (بعضها أكتشف، والبعض الأخر لم يكتشف بعد) وبالتالي فإن الطبيعة لا يمكنها تجنب الانصياع لهذه القوانين. في وجهة نظر لابلاس هذه الحاجة ضرورية حتى في أصغر الجسيمات، وفي أبعد أماكن الكون، وكذلك الحال مع البشر وعملية تفكيرهم.
افترض لابلاس أنه تم إعداد الترتيب الأولي للكون، وكل الحوادث المستقبلية، بما في ذلك المتعلقة بتجربة البشر في الماضي والحاضر والمستقبل بطريقة لا يمكن العودة عنها. هذه النظرة تمثل الصورة المتطرفة من الحتمية العلمية، وهو ما لا يترك أية مساحة للإله (إلا في البداية) أو لمفهوم الإرادة الحرة. لقد أحدثت وجهة النظر هذه ضجة في الأوساط العلمية والدينية (وكما اشتهر عن لابلاس قوله لنابليون عندما سأله عن الإله، “لا أحتاج إلى هذه الفرضية”).
وبعد عقد من ذلك تم الانقلاب على مفهوم لابلاس في الحتمية العلمية، ليس عن طريق حجة دينية، ولكن عن طريق رؤى علمية. في ذلك الوقت بدأت الثورة المعروفة باسم ميكانيكا الكم، كوسيلة للإجابة على الأسئلة غير المجاب عليها في الفيزياء فيما يخص طيف الضوء. استنادا إلى عدة مشاهدات، كشف ماكس بلانك وألبرت آينشتاين أن الضوء لم يأت من أية قوة ممكنة، بل هو عبارة عن قوة مضغوطة في جسيمات طاقة دقيقة تسمى الفوتونات. لذلك، فهو غير قابل للانقسام إلى ما لا نهاية، بل هو عبارة عن سيل من الفوتونات، كما أن تصميم الكاميرا الرقمية لا يمكن أن تكون أدق من بكسل واحد.
في الوقت نفسه، اختبر نیلس بور تركيب الذرة، واندهش من قدرة الإلكترونات في البقاء في مدار الذرة. تجذب الشحنة السالبة لكل إلكترون الشحنة الموجبة لكل بروتون في الذرة، وفي نهاية المطاف ينتج عن ذلك انهيار كل المادة لا محالة. افترض بور مسلمة شبيهة بحجة الكم، مما أدى إلى نظرية تعتمد على مسلمة تقول إن الإلكترونات يمكن أن توجد فقط في عدد متناهي من الحالات.
بدا أن أسس الميكانيكا التقليدية تتهاوى، ولكن أعمق النتائج الدينية لهذه الاكتشافات ظهرت على يد عالم الفيزياء ورنر هیزنبرغ Werner Heisenberg حين أوضح أنه في عالم الكم الغريب في أقصر المسافات وأصغر الجسيمات لا يمكن قياس موقع ومقدار القوة الدافعة بشكل دقيق في نفس الوقت. مبدأ عدم التحديد هذا والذي سطع باسم هیزنبرغ أطاح بحتمية لابلاس بضربة واحدة، لأنه أشار إلى أن أي ترتيب للكون لا يمكن في الحقيقة تحديده بدقة كما كان يتطلب نموذج لابلاس.
النتائج المترتبة على ميكانيكا الكم لفهم معنى الكون كانت موضوعاً لكثير من النقاشات خلال الثمانين سنة الماضية. آينشتاين نفسه، ورغم أنه لعب دوراً مهماً في بدايات ميكانيكا الكم رفض في البداية مفهوم عدم التحديد، وكان له تعبير لافت “الإله لا يلعب النرد”.
يمكن للمؤمن بالإله أن يرد بقوله إن اللعب لن يبدو كنرد بالنسبة للإله، حتى لو كان يبدو لنا كذلك. وكما أشار هوكنج “لازال بإمكاننا تصور أن هناك مجموعة من القوانين التي يمكنها تحديد الحوادث بشكل دقيق لكائن خارق يمكنه أن يراقب الوضع الحالي للكون دون أن يتسبب في إرباكه”.
علم الفلك وفرضية الإله
المراجعة السريعة لطبيعة الكون تقودنا لإعادة النظر في إمكانية فرضية الإله بطريقة أكثر عمومية. أتذكر هنا ما ورد في المزمور 19، حيث كتب داوود “تبرز الجنات عظمة الإله، والسموات تظهر أن ذلك من صنع يديه”. من الواضح أن وجهة النظر العلمية ليست كافية بشكل كامل للإجابة على كل الأسئلة المثيرة المتعلقة بأصل الكون، وليس هناك تعارض جوهري بين فكرة الإله الخالق وبين ما يكشف عنه العلم. في الحقيقة، إن فرضية وجود الإله تجيب على مجموعة من الأسئلة العويصة تتعلق بما حدث قبل الانفجار العظيم، ولماذا هيئ الكون بشكل رائع من أجل أن نعيش فيه.
بالنسبة للمؤمن بالإله الذي وصل من حجة القانون الأخلاقي (الفصل الأول) إلى البحث عن الإله الذي لم يدفع بالكون للحركة فحسب، بل المهتم بالبشر، وهو ما يجعل هذا التركيب ممكناً.
يمكن صياغة الحجة على النحو التالي:
إذا كان الإله موجود فهو قوة خارقة
إذا كان قوة خارقة فهو غير مقيد بقوانين الطبيعة
إذا كان غير مقيد بقوانين الطبيعة فإنه غير مقيد بزمن
إذا لم يكن مقيد بزمن فإنه موجود في الماضي والحاضر والمستقبل
النتائج المترتبة على هذه الاستنتاجات تشمل التالي:
هو يمكن أن يكون موجود قبل الانفجار العظيم، كما يمكن أن يبقى بعد أن يفني الكون
هو قادر على معرفة ترتيب الكون بدقة حتى قبل أن يوجد
يمكن أن يكون على معرفة مسبقة بالكوكب القريب من الحافة الخارجية لمجرة حلزونية متوسطة مناسبة لعيش البشر فيها
يمكن أن يكون على معرفة مسبقة بأن تشكل الكون سوف يؤدي إلى تطوير مخلوقات واعية، من خلال آلية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي.
يمكن أن يكون على معرفة مسبقة حتى بأفكار وأفعال هذه الكائنات رغم أن هذه الكائنات حرة الإرادة.
يمكنني أن أقول الكثير حول الخطوات الأخيرة في هذه الحجة، ولكن الاتساق الملخص بين العلم والإيمان يمكن رؤيته بوضوح. هذه الحجة لا تقصد أن تتستر على كل التحديات أو جوانب القصور. المؤمنين بالإله في بعض أديان العالم يواجهون بالتأكيد صعوبات محددة في بعض تفاصيل أصل الكون الذي تنبأ به العلم.
الربوبين من أمثال آينشتاين الذين يعتقدون أن الإله بدأ خلق الأشياء دفعة واحدة، ولكنه لم يعد مهتمة بما يحدث بعد ذلك، يبدو مرتاحين من الاكتشافات الأخيرة لعلم الفيزياء والفلك، باستثناء مبدأ عدم التحديد. ولكن شعور معظم الأديان الإيمانية بالراحة متغير. ففكرة البداية المحددة للكون غير متوافقة تماماً مع البوذية. ولكن هناك فروع في الديانة الهندوسية لا تواجه تعارض حقيقي مع نظرية الانفجار العظيم. وكذلك أغلب مفسري الإسلام ولكن ليس كلهم.
في التقليد اليهودي -المسيحي، يبدأ سفر التكوين بالعبارة التالية “في بداية الأمر خلق الله السماوات والأرض” وهي تتوافق مع نظرية الانفجار العظيم. وفي مثال لافت، كان البابا بيوس الثاني عشر للكنيسة الكاثوليكية من أشد المؤيدين لنظرية الانفجار العظيم حتى قبل أن يبرز الجانب العلمي للنظرية.
ليست كل التفاسير المسيحية مؤيدة للنظرة العلمية للكون، ومع ذلك فإن من فسروا سفر التكوين بشكل حرفي استنتجوا أن عمر الأرض 6000 سنة فقط، ولذلك فهم يرفضون الاستنتاجات التي ذكرناها. موقف هؤلاء مفهوم من عدة جوانب، فهم يرفضون التفسير الفضفاض وتفريغ النصوص من محتواها. النصوص التي تصف حوادث تاريخية يجب أن تفسر رمزية فقط إذا ما تطلب ذلك.
ولكن هل سفر التكوين من هذا النوع؟ لا شك أن لغته شعرية. هل تعبر هذه النصوص عن هوية شعرية؟ (سيكون هناك الكثير لنقوله عن ذلك في الفصول القادمة). إنه ليس سؤالاً حديثاً، فطوال التاريخ ثار الجدل بين أنصار التفسير الحرفي وأنصار التفسير غير الحرفي. القديس أوغسطينوس Saint Augustine وهو أحد أعظم المفكرين الدينيين كان على وعي بخطورة تحوير النصوص الإنجيلية لتناسب الأطروحات العلمية، فكتب يقول في إشارة خاصة لسفر التكوين في الحقيقة، إن نصوصه غامضة وبعيدة عن متناول فهمنا، فنجد مقاطع في الكتاب المقدس يمكن تفسيرها بطريقة مختلفة دون الانحياز إلى الإيمان الذي تعلمناه. في مثل هذه الحالات، علينا أن لا نستعجل بتهور وأن نأخذ موقف حاسم باتجاه أو أخر، لأنه إذا حصل تطور في البحث عن الحقيقة وقلل من صحة هذا الموقف فإننا سوف نقع معه”.
في الفصول التالية سوف نركز على الجوانب العلمية المتعلقة بدراسة الحياة. سوف نتعرف على التعارضات المحتملة بين العلم والدين، على الأقل من وجهة معلقين معاصرين، ولكن سوف أقول بًنه إذا ما طبقنا نصيحة القديس أوغسطينوس حيث قدمت لنا بشكل جيد قبل الآلاف السنين من وجود أي سبب يدعونا لاعتذار من دارون، سوف نجد توافقاً مرضياً ومتسقاً وعميقاً بين وجهات النظر هذه.
إذا بدأت قراءة هذا الكتاب وأنت من المشككين، ووصلت معي إلى هذه النقطة من الكتاب فلابد أنه بدأ يتكون لديك سيل من الاعتراضات. أنا شخصياً كان لدي مثل هذه الشكوك: أليس الإله هو مجرد حالة من التفكير الفضولي. ألم ترتكب الكثير من الآثام باسم الدين؟ كيف للإله العطوف أن يسمح بالمعاناة؟ كيف لعالم جاد أن يقبل بإمكانية حدوث المعجزات؟
إذا كنت مؤمناً فإن السرد الوارد في الفصل الأول يكون قد أيد موقف نوعاً ما، ولكن بالتأكيد فإن إيمانك سوف يتعارض في جوانب عدة مع قناعات في داخلك أو قناعات ممن حولك.
الشك هو جزء لا يمكن تجنبه في الحياة. وبحسب تعبير بول تيلتش Paul Tillich “الشك ليس مضاد للإيمان، وإنما هو جزء منه”. إذا كان الوضع في مصلحة الإيمان بالإله بصورة محكمة تماماً فإن العالم سوف يكون مليء بالأطباء الواثقين بوجود إيمان واحد. ولكن تخيل عالم تم فيه مصادرة حرية الاعتقاد بصورة تامة. كيف سيكون عليه هذا العالم؟ الإشكاليات بالنسبة للشاك والمؤمن على حد سواء تأتي من عدة مصادر. أحد هذه المصادر تتعلق بالتعارض الظاهري بين الاعتقادات الدينية والمشاهدات العلمية. سوف يتم تناول هذه الإشكاليات الواضحة في حقول الأحياء والوراثة في الفصول القادمة. أما الإشكاليات التي تندرج في الإطار الفلسفي للتجربة الإنسانية فإنها سوف تناقش في هذا الفصل. إذا لم تكن من المهتمين بهذه الإشكاليات فيمكنك الانتقال إلى الفصل الثالث.
عندما أتناول هذه المواضيع الفلسفية فإنني أتكلم بشكل أساسي كعلماني. ومع ذلك فإنني شخصياً مررت بهذه المعاناة. لقد حاصرتني الشكوك من كل جانب، وبشكل خاص في السنة الأولى بعد اقتناعي بوجود الإله الذي يهتم بالناس. وعلى الرغم من أن هذه الأسئلة بدت لي جديدة وغير قابلة للإجابة عليها، إلا أنني شعرت بالراحة عندما علمت بأن أسئلتي ليست جديدة، بل أنها طرحت بقوة أكبر من قبل الكثيرين عبر قرون عدة. لقد شعرت براحة كبيرة لوجود مصادر رائعة تتضمن إجابات جادة على هذه المعضلات. سوف أشير إلى بعض هؤلاء المؤلفين في هذا الفصل مرفقة بأفكاري وتجاربي. عدد من أفضل هذه التحليلات مأخوذة من كتابات لويس C.S. Lewis الذي أصبح مرشدي الأكاديمي في أكسفورد.
على الرغم من أن مجموعة من الاعتراضات سوف تناقش في هذا الفصل، إلا أنني وجدت أن أربعة منها بالخصوص مرتبطة بالأيام الأولى من الإيمان الوليد، وأعتقد أن هذه الاعتراضات العاصفة تواجه أي شخص يريد أن يتخذ القرار بخصوص وجود الإله.
أليست فكرة الإيمان بالإله عبارة عن تلبية للرغبات؟
هل بالفعل هناك إله؟ أم أن البحث عن كائن خارق هو أمر منتشر في كل الثقافات التي تم دراستها، وهو يعبر عن شوق عام من دون أساس لشيء خارج ذواتنا ليعطي معنى لحياة لا معنى لها، ولكي يبعد عنا ألم الموت؟
في حين أن البحث عن المقدس في الوقت الحالي أصبح نوعاً ما أقل وضوحاً في حياتنا المليئة بالمغريات، إلا أن هذا البحث يظل أحد أهم ما يتطلع إليه الإنسان. يصف لويس هذه الظاهرة في حياته في كتابه الرائع Surprised by Joy، فيعتبر أن شعور الشوق القوي برز في حياته على شكل بضعة أسطر من الشعر وهو ما يصفه بالمبهج. يصف لويس هذه التجربة بقوله “إنها رغبة لم يتم إشباعها، وإشباعها أقوى من إشباع أية رغبة أخرى”. أتذكر أنني مررت بهذه اللحظات في حياتي، حيث شعور الشوق الشديد يتوسط ما بين الشعور باللذة والمرارة، وهو ما كان يثير دهشتي ويدعوني للتساؤل من أين أتى هذا الشعور العاطفي وكيف يمكن التعامل مع هذه التجربة.
عندما كنت صبية كنت كثيرا ما أسرح في تجربة النظر من خلال التلسكوب الذي وضعه أحد الفلكيين الهواة على تلة بالقرب من مزرعتنا، حيث كنت أشعر باتساع هذا الكون وأرى البقع الموجود على سطح القمر والضوء الشفاف الساحر للثريا. وفي عمر الخامسة عشر، أتذكر أنه وفي ليلة عيد الميلاد وعندما كانت فرقة الموسيقى تعزف لحناً جميلاً بنغمة مميزة شعرت بنوع من الرعب والشوق إلى شيء ما لا أعرف ما هو. لقد شعرت عندما كنت طالباً ملحداً أثناء الدراسات العليا بنفس شعور الرعب والشوق مع شعور عميق بالآسى عند عزف السمفونية الثالثة لبيتهوفن (Eroicd). وبينما كان العالم في حالة حداد على وفاة مجموعة من الرياضيين الإسرائيليين على يد إرهابيين في أولمبياد عام 1972، عزفت فرقة برلين الموسيقية لحن رثائي في الإستاد الأولمبي يجمع بين الشموخ والفاجعة، بين الحياة والموت. خلال هذه اللحظات خرجت من تصوري المادي إلى حالة روحية عميقة أصابتني بالذهول الشديد.
وقبل فترة قصيرة، وباعتباري عالما يحوز على قدر لافت من التميز نتيجة لاكتشاف أمور لم يسبق إليها إنسان، شعرت بنوع من المتعة مترافقة مع ومضات من البصيرة. من خلال إحساسي بالوصول إلى لمحة من الحقيقة العلمية شعرت دفعة واحدة بالإشباع والشوق إلى فهم الحقيقة بشكل أكبر. في تلك اللحظة، لم يعد العلم مجرد عملية اكتشاف، لقد تجاوزت ذلك إلى الدخول في تجربة تبطل التفسير المادي تماماً.
إذن ما الذي يحدث بحيث يجعلنا نمر بهذه التجارب؟ وما هو شعور الشوق إلى شيء خارج عن ذواتنا؟ ألم يكن ذلك سوى مزيج من نواقل عصبية وقعت على المستقبلات المناسبة مما أدى إلى إنتاج شحنة كهربائية على نحو عميق في بعض أجزاء المخ؟ أم أن هذه التجارب شبيهة بالقانون الأخلاقي الذي وصفناه بالفصل السابق، كنوع من الشك فيما هو موجود هناك، مما يشير إلى شعور عميق في النفس البشرية يتطلع إلى شيء ما أعظم كثيراً من ذواتنا. الموقف الإلحادي يقول إنه لا يمكن أن نعتبر أن هذا الشوق هو إشارة إلى قوة خارقة، فترجمتنا لمشاعر المتعة باتجاه الإله ليست سوى تعبير عن تفكير لتلبية رغبات معينة، في محاولة لابتكار إجابة، لأننا نرغب في أن يكون ذلك صحيحاً. انتشرت وجهة النظر هذه بشكل كبير من خلال كتابات سغمند فروید Sigmund Freud الذي اعتبر أن الأمنيات بوجود إله تبدأ مع تجاربنا في مرحلة الطفولة. يقول فرويد في كتابه Totem and Taboo إن “سيكولوجية كل واحد منا فيما يخص الاعتقاد بالإله تتشكل بطريقة مشابهة السيكولوجية والده بهذا الخصوص، وهكذا الحال بعلاقة والد الأب وأقربائه، وهي تتأرجح وتتغير تبعاً لهذه العلاقة، ولكن في الأساس فإن هذا الإله ليس سوى الأب المبجل.
الإشكالية التي تواجه حجة إشباع الرغبات أنها لا تتماشى مع شخصية الإله في الأديان الرئيسية في العالم. في كتابه الأنيق The Question of God، يقارن أستاذ التحليل النفسي في جامعة هارفرد أرماند نیكولي Armand Nicholi بين وجهة نظر فرويد وبين وجهة نظر لويس. يقول لويس بأن مثل هذا الإشباع للرغبات يتيح المجال لظهور إله من النوع الذي وصف في الإنجيل. ولكن إذا كنا نبحث عن الإله الرحيم اللطيف الحليم فلن نجده هناك. وبدلا من ذلك، ومع بداية تلمسنا لوجود القانون الأخلاقي وعدم قدرتنا الواضحة للوصول إلى مستواه ندرك باننا في مشكلة عويصة وأننا منفصلين بشكل دائم عن صانع هذا القانون. ألا يمر الطفل عندما يكبر بتجربة التردد تجاه والديه، بما في ذلك الرغبة بأن يكون حراً؟ إذا لماذا يعتبر إشباع الرغبات تطلعاً إلى الإله، على عكس التطلع لعدم وجود إله؟
أخيراً، وبتعبير منطقي مبسط، إذا قبل شخص بالقول إن الإله هو شيء يرغب الإنسان به، فهل هذا ينفي أن الإله موجود؟ بالتأكيد لا. أن أحلم بزوجة محبة لا يعني أنها أمر خيالي. حقيقة تمنى المزارع لسقوط المطر لا يجعله يشكك بحقيقة المطر المتساقط.
في الحقيقة، يمكن لنا أن نقلب حجة إشباع الرغبات رأسا على عقب. لماذا توجد هذه الرغبة المميزة المتعطشة، إذا لم تكن هناك فرصة للإشباع؟ مرة أخرى، يعتبر أن ذلك هو النبع: “الكائنات لا تولد برغبات إلا إذا كان ممكنة إشباع هذه الرغبات. الطفل يشعر بالجوع: حسناً، هناك شيء اسمه طعام. البطة الصغيرة تريد أن تسبح، حسنا هناك شيء لذلك هو الماء. الرجال لديهم رغبة جنسية، حسنا هناك شيء اسمه جنس. إذا وجدت أن لدي رغبة لا يمكن إشباعها في هذا العالم، فإن التفسير المحتمل جدا أنني خلقت لعالم أخر”.
هل يمكن لهذا الشوق نحو المقدس الكوني المحير بالنسبة للتجربة الإنسانية ألا يكون مشبعاً للرغبات وإنما مؤشر باتجاه شيء خارج ذواتنا؟ لماذا يوجد داخل قلوبنا وعقولنا “فراغ إلهي” God-shaped Vacuum إذا لم يكن هناك ما يشبعه؟
من السهل جداً في عالمنا المادي أن نفقد البصيرة تجاه هذا الشعور بالشوق. في سلسلة مقالاتها الرائعة Teaching a Stone to Talk تعبر آنی دیلرد Annie Dillard عن الفراغ المتزايد:
لم نعد ساذجين بعد الآن. العالم كله لم يعد مقدساً … لقد انتقلنا كبشر من التوحيد إلى وحدة الوجود …. إن من الصعب جدا أتدارك الأذى الذي أحدثناه، والعودة إلى مكاننا الذي طلب منا أن نغادره. أنه من الصعب أن تدنس مقبرة ثم تغير رأيك. لقد أحرقنا الأعشاب ولم يعد بالإمكان إشعالها مرة أخرى. لقد أشعلنا أعواد الثقاب تحت كل شجرة خضراء. هل تقدر الرياح التي كانت تبكي والتلال التي كانت تصرخ على ذلك؟ لقد انتهى الحديث فيما بين الأشياء عديمة الحياة في الأرض، والأشياء الحية تقول القليل لعدد قليل … ومع ذلك فمن الممكن أينما كانت هناك حركة أن يكون هناك ضجيج، كما هو حال الحوت حينما يخترق ويصفع الماء، وأينما يكون هناك صمت يكون هناك صوت صامت، الإله يتحدث من خلال الريح العاصفة، من خلال أغنية ورقص الطبيعة. ماذا كنا نفعل كل هذه العصور سوى الطلب من الإله بالعودة إلى الجبال. ما الفرق بين الكنيسة ومختبر الفيزياء؟ أليس كلاهما يقول مرحبا؟
ماذا عن كل الشرور التي تحدث باسم الدين؟
إحدى أصعب العقبات التي تواجه طالبي الحقيقة تتمثل في الدلائل الكثيرة طول التاريخ بأن أمورة فظيعة حدثت باسم الدين. وهذا ينطبق بشكل عام على كل الأديان في مرحلة معينة، بما في ذلك تلك التي تدعو للشفقة واللاعنف ضمن مبادئها. أخذا بعين الاعتبار مثل هذه الأمثلة مثل استخدام السلطة التعسفية الصارخة، والعنف، والنفاق، كيف لإنسان أن يلجأ إلى خيمة الإيمان التي يروج لها مرتكبو الشر؟
هناك جوابان لهذه المعضلة. في البداية، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن هناك أشياء عظيمة تم القيام بها باسم الدين. لعبت الكنيسة (وهنا أستخدم هذا التعبير لوصف المؤسسات المنظمة التي تنشر التعاليم الروحية، بغض النظر عن نوع هذه التعليمات في مرات عديدة دوراً حاسماً في دعم العدالة والخير. على سبيل المثال، تأمل في دور القادة الروحيين الذين عملوا لإنقاذ الناس من الظلم، من دور موسى في إنقاذ بني إسرائيل من العبودية، إلى دور وليام ولبر William Wilber في إقناع البرلمان الإنجليزي المعارضة شرعنة العبودية، إلى القس مارتن لوثر كنغ Martin Luther King الذي قاد حركة المطالبة بالحقوق المدنية في الولايات المتحدة، والتي دفع حياته ثمنا لها.
ولكن الجواب الثاني سوف يأخذنا مرة أخرى إلى القانون الأخلاقي، وإلى حقيقة أننا جميعا كبشر ننتهك هذا القانون. الكنيسة مكونة من مجموعة من الناس المذنبين. الماء النقي النظيف للحقيقة الروحية موضوع في حاويات صدئة، ولذلك فإن قصور الكنيسة لقرون طويلة يجب أن لا يلقى على عاتق الدين، كما لو أن الماء هو السبب. لا عجب في أن الناس الذين يقيمون الحقيقة بالدعوة للدين من خلال سلوك كنيسة محددة غالباً ما يجدون أنه من المستحيل أن يتخيلوا أنفسهم منضمين لها. مع بزوغ الثورة الفرنسية كتب فولتير تعبيرا عن عداءه للكنيسة الكاثوليكية الفرنسية ما يلي “هل هناك أي عجب من وجود ملحدين في العالم إذا كانت الكنيسة تتصرف بهذا الشكل القذر؟”
ليس فقط العنف هو من يشوه حقيقة الإيمان الديني. الأمثلة الكثيرة لنفاق رجال الدين ومن خلال تركيز وسائل الإعلام عليها تدفع الكثير من المشككين للاستنتاج بأنه لا وجود لحقيقة موضوعية خيرة في الدين.
الأكثر من ذلك ربما يكون في المظهر الكاذب الشائع على شكل إيمان ميت، إيمان علماني في العديد من الكنائس، تم فيه نزع كل قيم الإيمان التقليدي، وتقديم نسخة من الحياة الروحية عبارة عن مناسبات اجتماعية لا أكثر، ليس فيها أي شيء عن البحث عن الإله.
أليس عجيبا بعد ذلك أن يشير بعض المعلقين إلى الدين باعتباره قوة سلبية في المجتمع، أو بتعبير کارل مارکس Karl Marx “أفيون الشعوب”؟ ولكن لنكن حذرين هنا. التجارب الماركسية العملاقة في الاتحاد السوفيتي والصين والتي أسست مجتمعات تقوم على الإلحاد برهنت على أنها ارتكبت مذابح بشرية وتعسف في استخدام السلطة مثل أسوء الأنظمة في الأزمنة الحالية إن لم يكن أكثر منها. في الحقيقة، إن الإلحاد ومن خلال إنكار وجود أية سلطة متعالية يفسح المجال لنزع أية مسؤولية للبشر في ممارسة الظلم ضد بعضهم البعض.
وإذا كان التاريخ الطويل للاضطهاد الديني والنفاق واقعي بشكل كبير، فإن الباحثين عن الحقيقة يجب أن يتجاوزوا سلوك البشر المشين من أجل الوصول للحقيقة. هل ندين شجرة البلوط لأنه تم استخدام أخشابها لبناء حلبات لصراع الخراف؟ هل نلوم الهواء لأن الكذب ينتقل من خلاله؟ هل نقوم بتقييم مقطوعة موزارت Mozart المسماة The magic Flute على أساس عزف أطفال الصف الخامس لها. إذا لم تكن شاهدت الغروب الحقيقي للشمس فوق المحيط الهادي، هل سوف تعتبر أن كتيب مرشد للسياح سوف يكون هو البديل؟ هل سوف تقوم بتقييم قوة الحب الرومانسي فقط على ضوء سوء المعاملة الزوجية في المنزل المجاور؟ لا. التقييم الحقيقي لحقيقة الإيمان يعتمد على النظر إلى الماء النقي وليس إلى الحاويات الصدئة.
لماذا يسمح الإله الرحيم بوجود المعاناة في العالم؟
قد يكون هناك في العالم من لم يشعر مطلقا بالمعاناة. لا أعرف أحدا من هؤلاء، ولا أعتقد أن أحدا من قراء هذا الكتاب يعرفون أحداً من هذه الفئة. هذه التجربة الكونية دفعت الكثيرين للتشكيك في وجود الإله الرحيم. كما عبر لويس في كتابه The Problem of Pain يمكن وضع هذه الإشكالية على النحو التالي “إذا كان الله يتصف بالخير، فإنه ينبغي عليه أن يعمل على أن تعيش مخلوقاته بسعادة، وإذا كان الإله قادر على كل شيء فإنه قادر على تحقيق رغبته بذلك. ولكن المخلوقات ليست سعيدة. لذلك فإن الإله يفتقر إما إلى الخير أو إلى القدرة أو إلى كليهما”.
هناك عدة إجابات على هذه المعضلة. بعضها أسهل للقبول به من البعض الأخر. في المقام الأول، علينا أن ندرك أن قسما كبيرا من معاناتنا ومعاناة الآخرين هي بسبب ما نقوم تجاه بعضنا البعض. البشرية هي من صنعت السكاكين والسهام والمسدسات والقنابل وكل أنواع أدوات التعذيب التي استخدمت طوال العصور. من الصعب جدا تحميل الإله مأساة مقتل شاب بسبب سائق مخمور، أو تحميله مسؤولية مقتل إنسان بريء في المعركة، أو مقتل فتاة صغيرة برصاصة طائشة في جريمة وقعت في مدينة حديثة. في النهاية، نحن أحرار إلى حد معين فيما نفعل، ونحن نتصرف كما نرغب. ونحن كثيرا ما نستخدم هذه القدرة في عدم إطاعة القانون الأخلاقي. عندما نقوم بذلك ينبغي أن لا نلوم الإله على العواقب.
هل ينبغي على الإله أن يقيد حريتنا من أجل أن يمنع حدوث مثل هذه السلوكيات الشريرة؟ هذا النوع من التفكير سريعاً ما يصطدم بمعضلة لا يوجد لها جواب عقلاني. ومرة أخرى يؤكد لويس على هذا المعنى بشكل واضح بقوله “إذا أخترت أن تقول إن الإله يمكن أن يمنح المخلوقات حرية الاختيار وفي نفس الوقت تريد أن تكبح حرية الاختيار هذه، فإنك عندها لن تكون قد قلت شيئا عن الإله. تركيب من الكلمات التي تفتقر للمعنى لا يمكنها فجاءة أن تعطي معنى للكلام، لأننا ببساطة بدأناها بكلمتين “الله يستطيع”. ما لا معنى له يظل عديم المعنى، حتى لو كان كلامنا عن الإله”.
يظل أن من الصعب قبول الحجج العقلانية عندما يتعلق الأمر بتجربة معاناة قاسية لإنسان بريء. أعرف طالبة كلية كانت تعيش وحدها خلال إجازة الصيف بينما كانت تقوم بأبحاث طبية كنوع من الاستعداد لتصبح طبيبة. استيقظت الفتاة في عتمة الليل لتجد رجلا غريباً يقتحم شقتها. وضع الرجل سكينة على رقبتها، وتجاهل توسلاتها وعصب عينيها ثم أغتصبها. لقد تركها في وضع مأسوي، ومكثت الفتاة سنوات وسنوات لكي تتعافي من هذه التجربة، في حين لم يقبض على الفاعل حتى الآن.
تلك الشابة كانت ابنتي. لم أدرك الشر المطلق إلا في تلك الليلة. ولم أتمنى بلهفة أن يتدخل الإله في شيء كما تمنيت أن يتدخل بطريقة ما لمنع هذه الجريمة البشعة. لماذا لم يوجه الإله صاعقة إلى المجرم؟ أو على الأقل يجعله يؤنب ضميره؟ لماذا لم يضع درعا خفية حول ابنتي لحمايتها؟
لعل الإله يتدخل في البعض الحالات النادرة بمعجزات، ولكن الجانب الأكبر الذي يتم من خلال الإرادة الحرة وعبر نظام الكون المادي هو حقيقة أصيلة. في حين أننا نرغب بأن تتكرر مثل هذه المعاجز فإن ما يترتب على ذلك سوف سيؤدي إلى أن تعم الفوضى.
ماذا عن وقوع الكوارث الطبيعية: الزلازل، موجات التسونامي، البراكين، الفيضانات الكبيرة، والمجاعات؟ وعلى نطاق أصغر ولكن لا يقل تأثيراً، ماذا عن إصابة ضحية برئ بالمرض مثل إصابته بالسرطان في طفولته؟ يشير الكاهن الانجيلكاني والطبيب المميز جون بولكينغهورن John Polkinghome إلى هذه الفئة من الوقائع بأنها “الشر المادي” في مقابل الشر الأخلاقي الذي يقوم به البشر. كيف يمكن تبرير ذلك؟
العلم يكشف عن أن كوكبنا والحياة ذاتها يعمل عبر عملية تطورية. ما يترتب على ذلك يمكن أن يشمل عدم القدرة على التنبؤ بالطقس، أو انزلاق لطبقة في باطن الأرض، أو تشوه في جين السرطان في عملية انقسام الخلية المعتادة؟ إذا كان الإله قد اختار أن يستخدم هذه القوى في خلق البشر فإن حتمية التبعات المؤلمة لذلك تصبح مؤكدة. على الأقل فإن التدخل الإعجازي المتكرر سوف يعد فوضى في المجال الفيزيائي بنفس مقدار التدخل في الأفعال الحرة للإنسان.
هذه التفسيرات العقلانية تعد قاصرة بنظر الساعين للحقيقة في تبرير تجربة المعاناة الإنسانية. لماذا يجب أن تكون حياتنا أقرب إلى دموع الوداع منها إلى حديقة للبهجة؟ لقد كتب الكثير عن هذه المفارقة، والنتيجة ليست بهذه البساطة: إذا كان الإله يحبنا ويريد لنا الخير فإن غايته مثل غايتنا. هذا مفهوم معقد، وخاصة إذا تم تربيتنا بصورة مستمرة على صورة الإله الرحيم، وهو ما يفترض أن الإله يرغب في إسعادنا على الدوام. مرة أخرى نعود إلى لويس حيث يقول ” في الحقيقة ما نرغب به هو أكثر من موقف والد في الجنة، بل هو أقرب إلى موقف جد في الجنة، حيث عطف كبار السن الذين يحبون أن يروا صغار السن يستمتعون بوقتهم، وهم الذين يخططون للكون بطريقة تسمح لهم بالقول في نهاية كل يوم لقد كان وقتا جميلا بصحبة….”.
إذا حكمنا من خلال التجربة البشرية، فإنه إذا قبل شخص بصورة الإله المحب الرحيم فإنه بذلك يرغب بوضوح أن يكون الإله على شاكلتنا؟ أليست هذه في الحقيقة هي تجربتنا؟ هل تعرفت على نفسك بشكل أكبر عندما تجري الأمور لصالحك، أو عندما تواجه بالتحديات والإحباط والمعاناة؟ “الإله يهمس بنا في أوقات سعادتنا ويتحدث إلى ضمائرنا، ولكنه يصرخ عند آلامنا: إنه ميكرفونه عالي الصوت الذي يوقظ العالم الأصم”. بمقدار ما نحاول أن نتجنب المرور بهذه التجارب، ألن نكون ضحلين بدونها، بحيث نكون كائنات تتمحور حول نفسها لتفقد تماما الإحساس بالنبل والحاجة إلى مساعدة الآخرين؟
فكر فيما يلي: إذا كان أهم قرار نتخذه في الأرض هو القرار الذي يخص الدين، وإذا كانت أهم علاقة نبنيها في هذه الأرض هي العلاقة مع الإله، وإذا كان وجودنا ككائنات روحية لا يقتصر على ما يمكن أن نتعلمه أو نراقبه في حياتنا الدنيوية فإن المعاناة الإنسانية سوف تكون في سياق أخر تماما. قد لا نفهم على الإطلاق أسباب تجارب المعاناة، ولكن يمكننا أن نبدأ بتقبل فكرة وجود مثل هذه الأسباب.
في حالتي يمكنني أن أرى وبشكل خافت بأن اغتصاب ابنتي كان تحدياً لي لتعلم المعنى الحقيقي للصفح في الحالات المأسوية. بصراحة كاملة، أنا لا زلت أعمل على ذلك. ولعل ذلك كان فرصة لي لإدراك أنني لا أستطيع حماية ابنتي بشكل كامل من المعاناة والألم. تعلمت أن أفوض ذلك إلى عناية الإله، وإن كنت أعلم أن ذلك لا يعني مناعة من الشر، ولكنه تأكيد على أن هذه المعاناة لن تذهب سدى. في الحقيقة، سوف تقول ابنتي بأن هذه التجربة أعطتها الفرصة والدافع لتقديم النصيحة والسلوى لأولئك الذين مروا بتجربة مشابهة لهذا الاعتداء.
القول بأن الإله يعمل من خلال المحن ليس مفهوماً يمكن قبوله بسهولة، ولا يمكن التعويل عليه، إلا من خلال الاعتماد على وجهة نظر تستند للاعتبار الروحي. في الحقيقة إن مبدأ الترقي من خلال المعاناة مبدأ عام في أديان العالم الكبرى. الحقائق الأربعة لبوذا تبدأ بعبارة “الحياة معاناة”. هذه القناعة قد تصبح مصدر راحة.
تلك المرأة التي اعتنيت بها كطالب طب تحدت إلحادي من خلال تقبلها لمرضها المميت. لقد وجدت هذه المرأة أن مرضها وهي في أيامها الأخيرة يقربها إلى الإله أكثر مما يبعدها عنه. على مستوى تاريخي أوسع، نجد أن ديتريتش بونهوفر Dietrich Bonhoeffer وهو اللاهوتي الألماني الذي عاد إلى ألمانيا من الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية للإبقاء على الكنيسة على قيد الحياة، في الوقت الذي اختارت الكنائس المنظمة في ألمانيا أن تؤيد النازيين، قد تم سجنه بتهمة الاشتراك في مؤامرة لاغتيال هتلر. خلال سنتين من بقاءه في السجن، عانى بونهوفر من الإهانات وفقدان الحرية، ولكن إيمانه أو تقديره لم يتأثر. وقبل وقت قصير من شنقه قبل ثلاثة أسابيع من تحرير ألمانيا كتب بونهوفر هذه الكلمات “الوقت الضائع هو الوقت الذي لا نعيش فيه، هو الوقت الذي لا يعزز تجاربنا، ولا يعزز سعينا الحثيث والاستمتاع والمعاناة”.
كيف لإنسان عقلاني أن يؤمن بالمعجزات؟
في النهاية، خذ بعين الاعتبار الاعتراض الذي يقول بأن الإيمان بالمعجزات يتعارض مع كون الشخص عالم. كيف يمكن للمعجزات أن تتوافق مع وجهة النظرة العلمية؟ لقد قللنا بتعبيراتنا المعاصرة من أهمية كلمة المعجزة. نحن نستخدم تعابير من قبيل “دواء سحري”، “حمية سحرية” أو حتى “فريق كرة البيسبول الساحر”. ولكن بالتأكيد هذا ليس المعنى الحقيقي لكلمة معجزة. المعجزة على نحو دقيق هي الحادثة التي تبدو غير متماشية مع قوانين الطبيعة، وبذلك تكون خارقة في أصلها.
كل الأديان تؤمن بوجود معجزات. قصة عبور بني إسرائيل للبحر الأحمر مع موسي ولحاق رجال فرعون الذين غرقوا فيما بعد قصة مؤثرة تروى في كتاب Ecodus حكاية إنقاذ أتباعه من الهلاك. وكذلك الحال عندما طلب المسيح من الرب أن يطيل في بقاء النهار من أجل الانتصار في المعركة، وهذا ما حدث بالفعل حيث بقيت الشمس طالعة، وهو ما لا يمكن وصفه إلا أنه معجزة.
كيف يمكن قبول هذه الادعاءات في حين أن الشخص إنسان عقلاني متحضر؟ حسنا، من الواضح أنه إذا بدأ أحد من مسلمة أن الحوادث الخارقة للعادة مستحيلة فإنه لا يمكن القبول بالمعاجز. مرة أخرى يمكن أن نعود إلى لويس وذلك في كتابه Miracles لنفكر بشكل واضح في هذا الموضوع. “إي حدث يدعى بأنه معجزة هو في نهاية الأمر شيء ما نشعر به بحواسنا، شيء ما نشاهده ونلمسه ونشمه ونتذوقه. وحواسنا ليست معصومة عن الخطأ. إذا حدث شيء خارق للعادة يمكن دوما أن نقول إننا قد نكون ضحية لنوع من الخداع. وإذا كنا نتبنى فلسفة ترفض وجود الأمور الخارقة للعادة فإن هذا ما سوف نقوله. ما نتعلمه من التجربة يعتمد على نوع الفلسفة التي نقيس عليها هذه التجربة. وبالتالي فإن من غير المفيد التعويل على التجربة قبل أن نستقر على السؤال الفلسفي.
مع خشيتنا من إخافة أولئك الذين لا يرتاحون للتناول الرياضي للمواضيع الفلسفية نقدم لكم التحليل التالي. الكاهن توماس بایز Thomas Bayes كان لاهوتياً إسكتلندياً، ولكنه نادراً ما يذكر لتأملاته اللاهوتية، وإنما كان معروفاً بسبب نظريته في الاحتمالات. توفر نظرية بیز معادلة يمكن للشخص أن يحسب من خلالها احتمالية وقوع حادثة معينة إذا توفرت لديه معطيات أولية ومعلومات إضافية. هذه النظرية مفيدة بشكل خاص إذا كنا بصدد تفسيرين أو أكثر لوقوع حادثة معينة.
لنأخذ المثال التالي. لنفترض أنك أخذت رهينة من قبل رجل معتوه. ولنفرض أن الرجل المعتوه أعطاك الاختيار لسحب ورقتين من أوراق اللعب أو تغييرهما، وإذا خرجت كلتا الورقتين وعليهما صورة البستوني فسوف يطلق سراحك.
ومع أنك كنت تشك ما إذا كانت هذه المحاولة تستحق المحاولة من الأساس قررت أن تجرب، ثم أصابتك الدهشة لأن الورقتين خرجتا بصورة البستوني، فقام المعتوه بفك وثاقك ورجعت إلى البيت. ولأن الديك ميل إلى الرياضيات قمت بحساب فرصة أن تكون محظوظا على الشكل التالي:
52/1 * 52/1 = 2704/1
وهي فرصة نادرا ما تحدث، ولكنها حدثت. وبعد عدة أسابيع وجدت شخصاً عطوفاً يعمل في المصنع الذي ينتج أوراق اللعب، وأخبرك بأنه كان على علم برهان المعتوه معك، ولذلك قام بترتيب أوراق اللعب الاثنين والخمسين كلها مكونة من ورقة البستوني.
إذن محاولتك لم تكن مجرد ضربة حظ. وإنما تدخل شخص عالم ومحب (عامل المصنع) وأنت لم تكن تعرفه عندما كنت محتجزاً ليرفع من نسبة احتمال نجاتك. احتمال أن تسحب ورقة مختلفة في مجموعة أوراق لعب عادية هي 99/ 100، في حين أن احتمال خروج ورقة مختلفة في أوراق اللعب الخاصة تبلغ 99/ 100. إخذاً بالاعتبار نقطتي البداية المحتملتين فإن الاحتمالات الشرطية لسحب ورقتي لعب بصورة البستوني على التوالي تبلغ 1/ 2704 و1 على التوالي. بواسطة نظرية بايز يمكن حساب الاحتمالات اللاحقة، والاستنتاج من ذلك بأن من المحتمل بنسبة 96% بأن مجموعة أوراق اللعب التي تم السحب منها كانت “إعجازية”.
نفس التحليل يمكن أن ينطبق بشكل واضح على حالات إعجازية في حياتنا اليومية. افترض أنك شفيت بسرعة مذهلة من مرض سرطان في مراحله المتقدمة، وكان هذا النوع من السرطان من النوع المميت في كل الحالات تقريباً. هل يعد ذلك معجزة؟ لكي نقوم بتقييم السؤال على ضوء نظرية بايز ينبغي عليك في المقام الأول أن تحدد بشكل مسبق ما هو معيار المعجزة في الشفاء من مرض السرطان. هل هي واحد بالألف؟ هل هي واحد بالمليون؟ أو هي صفر؟ وهنا بالتأكيد سوف يختلف الناس العقلاء بشكل كبير في بعض الأحيان. بالنسبة للمادي الملتزم لا مجال للحديث عن إمكانية للمعجزة منذ البداية. هذه الاحتمالية بالنسبة له تساوي صفر)، وبناء على ذلك فإن الشفاء غير المتوقع على الإطلاق من مرض السرطان لن يعد بالنسبة له دليلا على حدوث معجزة، بل سوف يتم إرجاعه إلى حقيقة وجود حالات استثنائية في الطبيعة. في حين أن المؤمن بالإله سوف يصل بعد فحص الدلائل إلى نتيجة مفادها أن مثل هذا الشفاء لا يمكن أن يحدث من خلال عملية طبيعية، وأن الاعتراف بأن احتمالية وقوع المعجزة وإن كان صغيراً جداً، إلا أنه لا يصل إلى الصفر، وبالتالي يقوم بنفسه بعملية حسابية وفق نظرية بایز لاستنتاج أن حدوث المعجزة أكثر احتمالاً من عدم حدوثها.
كل ما سبق يؤدي إلى نتيجة أن النقاش حول المعجزات سرعان ما يتطور للنقاش حول ما إذا كان الشخص راغب في القبول بإمكانية وجود قوة خارقة. أنا أؤمن بأن هذه القوة موجودة، ولكن في الوقت نفسه أعتقد بأن تدخلها بشكل عام صغير جدا. هذه هي الفرضية التي نحتاج لها لتقديم أي تفسير طبيعي لأية حالة. الحالات المفاجئة لا تعني بالضرورة وجود معجزة.
بالنسبة للربوبي الذي يعتبر أن الإله خلق الكون، وبعد ذلك توجه إلى مكان آخر للقيام بنشاطات أخرى، لا يوجد لديه سبب للقبول بأحداث طبيعية على أنها معجزات، كما هو الحال أيضا بالنسبة للمادي الملتزم. أما بالنسبة للمؤمن الذي يؤمن بإله يتدخل في حياة البشر فإن هناك عدة فرضيات يمكن تطبيقها لحدوث المعاجز، وهذا يعتمد على الفهم الشخصي للحد الذي يتدخل فيه الإله في الأحداث اليومية.
أياً تكن وجهة النظر الشخصية، من المهم تطبيق الشك الإيجابي عند تفسير الحوادث الإعجازية خوفاً من أن تتعرض شمولية وعقلانية وجهة النظر الدينية للشك. ليس هناك شيء يدمر إمكانية حدوث المعجزات بسرعة أكبر من المادية الصارمة سوى الادعاء بوقوع المعجزات في الحوادث اليومية التي يكون لها تفسير علمي في متناول اليد. أي شخص يدعي أن تفتح الوردة معجزة يسيء إلى فهم النمو في بيولوجيا النبات الذي يوضح كافة الخطوات منذ غرس الحبوب إلى تفتح الزهرة الجميلة ذات الرائحة العطرة، وهي الخطوات التي دونت في كتيب تعليمات الحمض النووي. وكذلك الشخص الذي يصف فوزه بورقة اليانصيب بأنها معجزة لأنه توسل في صلاته لكي يفوز، لأنه يقحم سذاجتنا في هذا الأمر. وبسبب الانتشار الواسع لأنواع من بقايا الإيمان في مجتمعنا الحديث فإن من المحتمل أن نسبة كبيرة ممن اشتروا أوراق يانصيب لذلك الأسبوع قد تضرعوا بشكل عابر في صلواتهم للفوز بجائزة اليانصيب. إذا كان هذا هو الواقع، فإن ادعاء الفائز الحقيقي بوجود تدخل إعجازي يبدو هزيلاً.
الأصعب من ذلك هو تقييم الادعاءات بحدوث معجزة أدت إلى الشفاء من الأمراض. كطبيب شهدت حالات شفيت من أمراض بدت غير قابلة للشفاء. لكن لا يمكنني أن أرجع شفاء هذه الحالات إلى حدوث معجزة، لأنه ليس لدينا فهم كامل للأمراض وكيفية تأثيرها على جسم الإنسان. غالبا عندما يتم التمحيص بهذه الادعاءات من قبل متخصص موضوعي يتبين عدم صحة هذه الادعاءات. ورغم الاطمئنان والإصرار على وجود دلائل كثيرة على تلك الحالات، فلن أشعر بالصدمة لحصول هذه المعاجز في حالات نادرة. هذا الاحتمال نادر، ولكنه لا يصل للصفر.
لا تشكل المعاجز تعارضاً غير قابل للتوفيق بالنسبة للشخص المؤمن الذي يثق بالعلم كوسيلة لاستقراء عالم الطبيعة وبأن العالم محكوم بقوانين. إذا كنت مثلي تؤمن بوجود شيء ما خارج هذا العالم فإنه لا يوجد سبب منطقي يمنع من قيام هذه القوة بالتدخل في حالات نادرة. ولكن حتى نتجنب غرق العالم في حالة من الفوضى يجب أن تكون هذه المعاجز نادرة الحدوث. كما كتب لويس قائلا ” الإله لا يبعث بالمعاجز بصورة عشوائية كأنها أتت من الفلفل الناعم. إنها تحدث في حالات عظيمة. في لحظات تاريخية فارقة، ليست في التاريخ السياسي أو الاجتماعي، وإنما في التاريخ الروحي الذي لا يمكن لنا معرفته بصورة كاملة.
وهنا لا نرى بوضوح قوة الحجة التي تقول بندرة وقوع هذه المعاجز فقط، بل ندرك أن لهذه المعاجز غاية ما، وهي ليست مجرد تعبير عن أحداث سحرية خارقة للعادة من أجل إثارة إعجابنا. إذا كان الإله هو المقتدر الخير فإنه لن يلعب دور المحتال. يناقش بولكهورن هذه النقطة بقوله “لا يجب تفسير المعاجز على أنها سلوك إلهي ضد قوانين الطبيعة (فهذه القوانين هي تعبير عن إرادة الإله) وإنما عبارة عن وحي عميق الطبيعة العلاقة الإلهية مع الخلق. لتكون ذات مصداقية، يجب أن تحمل المعاجز فهما أعمق من الفهم الحاصل دون وجودها.
على الرغم من هذه الحجج، فإن المشككين الماديين الذين لا يرغبون بوجود أي أساس لمفهوم الخارق للعادة، أولئك يرفضون حجة القانون الأخلاقي، ويرفضون الشعور الكوني المتطلع للإله، بالتأكيد سوف يجادلون بأنه لا حاجة من الأساس للأخذ بعين الاعتبار بالمعاجز. من وجهة نظر هؤلاء، قوانين الطبيعة تستطيع تفسير كل شيء، بما في ذلك غير المحتمل. ولكن هل يمكن التعويل على هذه الحجة بشكل كامل؟ هناك في التاريخ حادثة عميقة واحدة على الأقل لم يستطع العلماء في جميع التخصصات تقريبا من تفسيرها ولن يستطيعوا مطلقا فهمها، حيث لم تستطع قوانين الطبيعة أن تقدم لنا تفسيرا لها. هل مثل هذه الحادثة معجزة. تابع معنا.