آبائيات

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس6 – عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس6 - عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس6 – عيد القيامة

 

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس6 - عيد القيامة
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس6 – عيد القيامة

 

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي الرسالة الفصحية السادسة بمناسبة عيد القيامة

 

 

الرسالة السادسة

كتبت بمناسبة عيد القيامة

12 برمودة سنة 50 ش ـ 7 إبريل 334م

فهرس الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس:

(1)

مفهوم العيد

          والآن يا أحبائى، قد أتى بنا الرب إلى موسم عيد الفصح مرة أخرى، وبمحبته الحانية وصلنا إلى فترة تجمعنا لأجل هذا العيد. لأن الله الذى أخرج إسرائيل[1] من أرض مصر، هو يدعونا إلى العيد حتى هذا الوقت، قائلاً على لسان موسى النبى: “ احفظ شهر الثمار الجديدة[2] (شهر أبيب)، واعمل فصحًا للرب إلهك[3].

وقال بصوت النبى “عيدى يا يهوذا أعيادك، أوفى للرب نذورك[4]. فإن كان الله نفسه يحب العيد، ويدعونا إليه، فلا يليق إذن يا إخوتى أن نؤجل الاحتفال به أو نحتفل به بتراخ، بل يجب أن نُعيِّده بسرور وغيرة، حتى إذا بدأنا هنا فرحين تشتاق نفوسنا للعيد السماوى. لأننا إذا احتفلنا بالعيد باجتهادٍ هنا، فإننا بلا شك ننال الفرح الكامل الذى فى السماء، إذ يقول الرب: “ شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم، لأنى أقول لكم إنى لا أكل منه بعد حتى يكمل فى ملكوت الله[5]

          والآن نحن نتناوله، إن كنا نسلك كما يليق بنعمته، مدركين سبب العيد، ومعترفين بالمخلص، كقول بولس الرسول: ” إذن لنعيد ليس بخميرة عتيقة. ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق[6]. لأن الرب مات فى تلك الأيام، حتى لا نعود بعد نعمل أعمال الموت.  لقد بذل الرب حياته، لكى نحفظ حياتنا من فخاخ الشيطان. 

          والأكثر عجبًا، أن الكلمة صار جسدًا، لكى لا نعيش بعد فى الجسد، بل بالروح نعبد الله، إذ هو روح. ومن لا يسلك هكذا، يسئ استخدام الأيام، ولا يحفظ العيد، بل يلوم نعمة الله، كإنسان جاحد، ويبالغ فى إكرام الأيام، غير متضرعٍ إلى الرب، الذى خلّصه فى مثل تلك الأيام. 

          فليسمع بكل اهتمام حتى وإن كان يتوهم حفظ العيد ـ الصوت الرسولى موبخًا إياه: “ تحفظون أيامًا، وشهورًا، وأوقاتًا، وسنين: أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثًا[7]

 

(2)  

فصح الرب، وفصح اليهود:

          نحن نحتفل بالعيد ” لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا[8]، فالعيد لم يُرتب بسبب الأيام، بل من أجل الرب، الذى تألم حينئذ من أجلنا. وكما قال موسى النبى عندما كان يُعلم إسرائيل، أن لا يعتبروا العيد مُتعلقًا بالأيام، بل بالرب، إذ ” هو فصح للرب[9]. كان عيد الفصح بلا جدوى بالنسبة لليهود لأنهم اضطهدوا الرب، ولو ظنوا أنهم كانوا يحفظون الفصح. لأن ذلك العيد كان لا يحمل بعد اسم الرب، حتى حسب شهادتهم أنفسهم.

فلم يكن فصحًا للرب، بل فصح اليهود[10]. لقد دُعى الفصح باسم اليهود (أى فصح اليهود) يا إخوتى، لأنهم أنكروا رب الفصح. لأجل هذا حول الرب وجهه عن تعاليمهم هذه قائلاً: “رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسى” (إش1: 14). 

 

 

(3)

لنشكر الرب ونمجده:

          لذلك، فأولئك الذين يحفظون الفصح على هذا المنوال (الخاص باليهود)، يوبخهم الرب أيضًا، كما وبخ أولئك البرص الذين طُهِّروا. فإنه إذ أحب الأبرص الذى شكر، كان مُستاءً من الآخرين الجاحدين، لأنهم لم يعترفوا بجميل من أنقذهم، بل فكروا فى الشفاء من البرص، أكثر من تفكيرهم فى الرب الذى شفاهم: ” فواحد منهم لما رأى أنه شُفى رجع يُمجد الله بصوت عظيم، وخر على وجهه عند رجليه شاكرًا له. وكان سامريًا. فأجاب يسوع وقال أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة ؟ ألم يوجد من يرجع ليعطى مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس[11]؟.

          ولهذا أعطى الرب للذى شكر أكثر مما أعطى للباقين. لأنه بعد أن طهر من برصه سمع الرب يقول له: “ قم وامضى. إيمانك خلصك[12]. لأن من يشكر، ومن يمجد، تكون لهم عواطف متشابهة، لأنهم يباركون الرب الذى ساعدهم، من أجل ما نالوه من فوائد. لذا حَّث الرسول كل البشر على هذا قائلاً: ” مجدوا الله فى أجسادكم[13].

ويوصى النبى قائلاً: ” اعطوا مجدًا لله[14]. ومع أن قيافا شهد ضد فادينا، واليهود استهزأوا به، وبيلاطس حكم عليه بالموت فى تلك الأيام، إلا أن صوت الآب الذى جاءه كان مجيدًا جدًا: ” مجدت وأُمجد أيضًا[15]. لأن تلك الأشياء التى احتملها من أجلنا قد انتهت، أما تلك التى تتعلق به كمخلص، فإنها تبقى إلى الأبد.

 

(4) 

لنعِش فى نور المسيح القائم:

          وإذ نحتفل بذكر هذه الأمور الخاصة بمخلصنا، يا إخوتى، ليتنا لا ننشغل باللحوم، بل لنمجد الرب، ولنصر أغبياء من أجل ذاك الذى مات من أجلنا، كما قال القديس بولس ” إن كنا أغبياء (مختلين) فلله، أو كنا عاقلين فلكم..، لأنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذن ماتوا (لله). وهو مات لأجل الجميع، كى يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم، بل للذى مات لأجلهم وقام[16]. 

          فينبغى إذن أن لا نعيش فيما بعد لأنفسنا، بل كعبيد للرب. ويجب أن لا نقبل النعمة  باطلاً، لأن الوقت وقت مقبول[17]، وقد أشرق يوم الخلاص، أى يوم موت فادينا ومخلصنا[18]. فمن أجلنا نزل “الكلمة”، ولكونه (خالد) غير قابل للموت، لبس جسدًا قابلاً للموت، لأجل خلاصنا جميعًا، الأمر الذى كان بولس واثقًا منه إذ قال: ” لأن هذا الفاسد (القابل للموت) لابد أن يلبس عدم فساد[19]. وقد ذبح الرب أيضًا لكى يُبطل الموت بدمه.

ووبخ الرب بحق أولئك الذين اشتركوا باطلاً فى سفك دمه، فى حين أنهم لم يستفيدوا أنفسهم من جسد “الكلمة”، قائلاً فى المزامير: ” ما الفائدة من دمى إذا نزلت إلى الفساد[20]. هذا لا يعنى أن نزول الرب (إلى الجحيم) كان بلا فائدة، فإنه بنزوله ربح العالم كله. لكنه يعنى بالحرى أنه رغم أنه تألم هكذا، يُفضل الخطاة أن يخسروا حياتهم، بدلاً من أن يستفيدوا من هذا النزول إلاّ أنه اعتبر خلاصنا مسرة، وربحًا عظيمًا، وبعكس ذلك ينظر إلى هلاكنا كخسارة كبيرة. 

 

(5) 

لنتاجر بالوزنات:

          يمدح الرب فى الإنجيل أيضًا أولئك العبيد الذين ضاعفوا النعمة التى أخذوها، كلٍ ممن تاجر بالخمس وزنات وجعلها عشرة، ومن جعل الوزنتين أربعة، لأنهما ربحًا محققين بالوزنات حسابًا جيدًا.

أما العبد الذى خبأ الوزنة، فقد طرحه السيد خارجًا كشخص غير كفء، قائلاً له: “ أيها العبد الشرير أما كان ينبغى أن تضع فضتى عند الصيارفة؟! فعند مجيئى كنت آخذ الذى لى مع ربا. فخذوا منه إذن الوزنة، وأعطوها للذى له العشر وزنات. لأن كل من له يُعطى، ومن ليس له فالذى عنده يؤخذ منه. والعبد (البطال) غير النافع اطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان[21]

          لأن الله لا يريد أن تكون النعمة التى نلناها منه غير نافعة، لكنه يطالبنا أن نحتمل أتعابًا، لكى نقدم له ثماره اللائقة، كما يقول الطوباوى بولس: ” وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام[22]. لذا إذ كانت للرسول هذه العزيمة المستقيمة، ولم يكن مديونًا لأحد بأى شئ، صار معلمًا للمبادئ الصحيحة، قائلاً: “ اعطوا الجميع حقوقهم[23]. لقد كان الرسول مثل أولئك الذين أرسلهم (صاحب الأرض) رب البيت ليتسلموا ثمار الكرم من الكرامين[24] لأنه كان ينصح كل البشر لكى يردوا الجميل لله.

          أما إسرائيل فقد ازدروا بالمرسلين، ولم يقوموا برد الجميل، بل والأكثر من هذا قتلوا أولئك المرسلين إليهم، ولم يخجلوا حتى من رب الكرم بل قتلوه هو أيضًا. ولما جاء حقًا ولم يجد فيهم ثمرًا لعنهم عن طريق شجرة التين قائلاً: ” لا يكن منك ثمر بعد[25] فماتت شجرة التين وصارت عديمة الثمر، حتى تعجب التلاميذ عندما يبست. 

 

(6)

تحقيق النبوات عن خراب إسرائيل

          عندئذ تم ما قيل بالنبى: “ وأبيد منهم صوت الطرب وصوت الفرح، صوت العريس وصوت العروس، رائحة المر ونور السراج، وتصير كل الأرض خرابًا[26]. لأنه قد بطلت كل خدمة الناموس من عندهم، وهكذا يبقون بغير عيد منذ ذلك الوقت وإلى الأبد. ولم يعودوا يحتفلون بعيد الفصح. وكيف كان يمكنهم هذا؟ إذ لم يعد لهم مكان مستقر، بل صاروا مشتتين فى كل مكان.

وهم يأكلون فطيرًا (خبز غير مختمر) بخلاف الناموس، طالما كانوا لا يستطيعون أولاً ذبح خروف الفصح، لأنهم كانوا قد أُمروا أن يذبحوا (الخروف) عندما يأكلون فطيرًا لكنهم كانوا يتعدون الناموس فى كل مكان، ويحفظون أيام الحزن عوض أيام الفرح، حسب ما قضى به الله عليهم.

          وكان صلبهم للرب سبب هذا القضاء، إذ أنهم لم يوقروا الابن الوحيد الجنس. هكذا كان حال الهراطقة الأشرار والمنشقون الأغبياء. فالأولون ذبحوا الله الكلمة، والآخرون مزقوا ثوبه. وهو أيضًا لا يزالوا محرومون من العيد، لأنهم يعيشون بغير تقوى ولا معرفة، وهم يقلدون موقف اليهود من قضية باراباس اللص، الذى أراد اليهود إطلاقه بدلاً من المخلص.

لذلك لعنهم الرب فى رمز شجرة التين. ومع ذلك فقد استبقاهم الرب فى محبته المترفقة، فلم يبدهم نهائيًا، لأنه لم يستأصلهم. إذ أنه لم يلعن جزر الشجرة، بل قال لا يأكل منه أحد ثمرًا بعد الآن. 

          وعندما فعل الرب هذا، أبطل الظل إذ جعله ييبس، لكنه أبقى الأصل، حتى [لا][27] نطعم نحن فيه: “ وهم أيضًا إن لم يثبتوا فى عدم الإيمان، سيطعمون فى زيتونتهم[28]. وحينما لعنهم الرب بسبب إهمالهم، نزع عنهم رؤوس الشهور، والحمل الحقيقى، وكذلك نزع عنهم الفصح الحقيقى.

 

(7)

لنفرح بالعيد

          أما بالنسبة لنا، فقد جاءنا العيد، إذ أتى أيضًا يوم الفرح، الذى فيه يجب علينا أن نُبوق داعين إلى العيد[29]، مكرسين أنفسنا للرب بالشكر، معتبرين أنه عيدنا الخاص[30]. لأنه يجب علينا الاحتفال به، ليس لأنفسنا بل للرب وبأن نفرح فيه، لا فى أنفسنا، بل فى الرب، الذى حمل أحزاننا، قائلاً “ نفسى حزينة جدًا حتى الموت[31]. فالأمم (الوثنيون) وكل الغرباء عن إيماننا، يُعَيِّدون حسب إراداتهم الذاتية، وليس لهم سلام، إذ يرتكبون الشر نحو الله.

          أما القديسون، فإنهم إذ يعيشون للرب، هكذا يعيدون له، قائلين:    ” أبتهج بخلاصك” و” أما نفسى فتفرح بالرب[32]. ” فالوصية لهم جميعًا: افرحوا أيها الصديقون بالرب[33]. حتى إذ يجتمعون معًا يترنمون بذلك المزمور الخاص بعيد الفصح: “هلم نفرح فى الرب[34]، وليس فى أنفسنا.

(8) 

ذبح اسحق وذبح المسيح:

          لأنه هكذا تهلل أب الآباء (البطريرك) إبراهيم ليرى لا يومه، بل يوم الرب. وإذ تطلع إلى الأمام ” رآه وفرح[35].

وعندما جُرِّبَ قدم إسحق بالإيمان، جاعلاً ابنه الوحيد، الذى به قبل المواعيد ذبيحة. وفى تقديم ابنه ذبيحة، قدم العبادة لابن الله. وعندما منعه الرب من ذبح إسحق، رأى المسيا فى الكبش[36]؛ الذى قُدم لله ذبيحة عوضًا عن إسحق. لقد جُرِّبَ أب الآباء فى إسحق، مع أنه لم يتم تقديمه ذبيحة، لكن (الابن) الذى ذُبِحَ، هو الذى أشار إليه إشعياء النبى: “لقد سيق إلى الذبح كشاه (حمل)، وكنعجة صامته أمام جازيها، فلم يفتح فاه”[37]. إنما رفع (حمل) خطية العالم.

          وعلى هذا الأساس مُنع إبراهيم من مد يده على الغلام، لئلا يتخذ اليهود من ذبح إسحق فرصة لرفض الإعلانات النبوية عن مخلّصنا، كل الإعلانات وبخاصة تلك التى نطق بها صاحب المزامير قائلاً:    ” بذبيحة وتقدمه لم تُسر (يا الله) لكن هيأت لى جسدًا[38]. ولئلا يظنوا أن كل هذه (الإعلانات) تشير إلى ابن إبراهيم.

 

(9)

فرح العيد ممتد إلى السماء:

    لم يُقصد بالذبحية إسحق، بل إبراهيم الذى قدمها، والتى بها قد اُمتحِن إيمانه. وهكذا قبل الله نية مقدم الذبيحة، لكنه منعه من تقديم ابنه ذبيحة. لأن موت إسحق لم يكن ليهب الحرية للعالم، بل موت مخلّصنا وحده، الذى بجلداته (جراحاته) شُفينا جميعًا[39]. لأنه أقام الساقطين، وشفى المرضى، وأشبع أولئك الجياع وسدَّ أعواز المحتاجين، والأعجب من كل هذا أنه أقامنا نحن جميعًا من الموت. وإذ أبطل الموت أخرجنا من الحزن والتنهد إلى راحة وفرح هذا العيد، ذلك العيد الذى يمتد إلى السماء.

          ولسنا نحن وحدنا الذين نتأثر بهذا (العيد)، بل حتى السموات تفرح به معنا، وكل كنيسة الأبكار المكتوبين فى السماوات[40]. يفرح الكل معًا، كما يُعلن النبى قائلاً: ” ترنمى أيتها السماوات لأن الرب قد صنع رحمة مع إسرائيل، اهتفى يا أسافل (أساسات) الأرض. أشيدى أيتها الجبال ترنمًا، الوعر وكل الأشجار التى فيه، لأن الرب قد فدى يعقوب، وفى إسرائيل تمجد[41]. ويقول النبى أيضًا: “ ابتهجى وترنمى أيتها السموات، لتذوب الجبال (لتشد) بالترنم، لأن الرب قد رحم شعبه وعزى بائسيه[42].

 

(10)

تسبحة الغلبة والنصرة:

          كل الخليقة تُعَيِّد، يا إخوتى، وكل نسمة فلتسبح الرب[43]، كما يقول المرنم بسبب هلاك الأعداء، وخلاصنا. وهذا عادل بالحقيقة، لأنه إن كان هناك فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب[44]، فكيف لا يكون فرح عظيم بإبطال الخطية، وقيامة (جميع) الموتى؟! 

آه، يا له من عيد، وياله من فرح عظيم فى السماء!

          كيف يجب أن تفرح وتتهلل كل الطغمات السمائية، كما يفرحون إذ يراقبون اجتماعاتنا التى تُعقد باستمرار، وخاصة بمناسبة عيد القيامة؟! 

          لأنهم يتطلعون إلى الخطاة أثناء ممارستهم للتوبة، وإلى الذين يحولون وجوههم بعيدًا (عن الخطية)، عندما تجددت حياتهم. وإلى الذين يذللون الآن أنفسهم بالأصوام وضبط النفس، بعدما كانوا يصّرون على الشهوة والخلاعة. 

    وأخيرًا ينظرون إلى العدو (الشيطان) وهو مطروح ضعيفًا بلا حياة، مربوط القدمين واليدين، لكى نسخر منه قائلين : ” أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية[45] (أين غلبتك يا موت، أين شوكتك يا هاوية). إذن فلنرنم للرب تسبحة الغلبة والنصرة.

 

(11)

من يقودنا إلى شركة مع الملائكة كهؤلاء؟ 

          من يقول ـ وهو يُقبل مشتاقًا نحو العيد السماوى، واليوم الملائكى مثل النبى: إننى أمر إلى مكان الخيمة العجيبة، إلى بيت الله، بصوت ترنم وحمد، بهتاف الذين يُعيِدون[46]. ويشجعنا أيضًا القديسون على سلوك هذا الطريق قائلين: ” هلم نصعد إلى جبل الرب، إلى بيت إله يعقوب[47].

          لكن هذا العيد ليس للدنسين، ولا يصعد إليه الخطاة، بل الطاهرين والمجتهدين والذين يَحيُون حسب قصد القديسين، لأنه: “من يصعد إلى جبل الرب، ومن يقوم فى موضع قدسه؛ إلا الطاهر اليدين والنقى القلب، الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل، ولا حلف كذبًا لقريبه“، كما يكمل المرنم قائلاً: “ ينال (يحمل) بركة من عند الرب[48].

          لأنه واضح أن هذه تشير إلى ما يمنحه الرب للذين عن يمينه قائلاً: ” تعالوا يا مباركى أبى، رثوا الملكوت المعد لكم[49]. أما الإنسان المخادع، وغير النقى القلب والذى ليس لديه أى شئ طاهر كما يقول سفر الأمثال: ” الرجل المخادع ليس لديه شئ صالح[50]. فإنه يُعتبر غير مستحق لأكل الفصح بكل تأكيد، لأنه غريب، ومن جنس مختلف عن (جنس) القديسين، لأن: “ الغريب لا يأكل منه[51]

          لذلك، فإن يهوذا بينما كان يظن أنه قد حفظ الفصح، كان قد تغرب عن المدينة السماوية، وعن شركة القديسين، لأنه تآمر على المخلص. لأن الناموس أمر أن يؤكل الفصح بما يليق به من حرص. لكن يهوذا بينما كان يأكل الفصح غربله الشيطان ([52]) الذى كان قد دخل نفسه.

(12)

كيف نعيد فرحين فى الرب؟

          لذا يجب أن نحتفل بالعيد كما لو أننا فى السماء مع الملائكة، وليس بطريقة أرضية. لنمجد الرب بحياة العفة والبر، مع باقى الفضائل. 

          ولنفرح فى الرب، لا بأنفسنا، حتى نكون ورثة مع القديسين.

          ولنحتفل بالعيد مثل موسى النبى، ولنسهر مع داود النبى الذى كان ينهض للصلاة سبع مرات، وفى نصف الليل كان يُقدم الشكر لله على أحكامه العادلة.

          ولنبكر كما قال داود النبى: ” بالغداة تسمع صوتى، بالغداة (فى الصباح) أقف أمامك وترانى[53]. ولنصم مثل دانيال النبى.  

          ولنصلِ بلا انقطاع، كما أوصى بولس الرسول، ولنحرص كلنا على وقت الصلاة، خاصة المتزوجين بوقار، لكى نستطيع أن ندخل فرح المسيح[54] فى ملكوت السموات، إذ نكون قد اختبرنا هذه الأمور، وهكذا عَيَّدنا.

          وكما أن إسرائيل عندما كان صاعدًا إلى أورشليم، تنقى أولاً فى البرية، متدربًا على نسيان العادات المصرية (الوثنية). بهذه (النقاوة فى البرية) كان “الكلمة” يرمز إلى صوم الأربعين يومًا المقدسة، فلنتطهر نحن أولاً ونتحرر من الدنس، حتى إذا صُمنا بتدقيق، فإننا عندما نرحل من هنا يمكننا أن نصعد إلى العلية مع الرب، لنتعشى معه، ونكون شركاء فى الفرح السماوى. فإنه بدون الحرص على صوم الأربعين، لا يمكننا أن نصعد إلى أورشليم، ونأكل الفصح هناك.

(13)

موعد العيد:

          نبدأ صوم الأربعين فى اليوم الأول من شهر برمهات (25 فبراير)، ونستمر فيه حتى اليوم الخامس من شهر برمودة (31 مارس)، باستثناء أيام السبوت والآحاد[55]. وبعد هذا الصوم، نبدأ أيام البصخة المقدسة، فى السادس من شهر برمودة (أول إبريل). ونتوقف فى الحادى عشر من نفس الشهر (6 إبريل)، فى عشية الأحد[56]، حيث يطلع علينا الأحد المقدس، فى الثانى عشر من برمودة (7 إبريل). الذى فيه تشرق علينا نعمته المنيرة، بأشعتها الممتدة إلى سبعة أسابيع الخماسين (البنديكستى) المقدسة.

    وهكذا نستريح فرحين فى ذلك اليوم بعيد القيامة، فى المسيح يسوع ربنا، الذى به يليق للآب المجد والسلطان إلى الآبد آمين.

    يهديكم السلام جميع الإخوة الذين معى سلموا الواحد على الآخر بقبلة مقدسة. 

 

(هنا تنتهى الرسالة الفصحية السادسة

للقديس أثناسيوس اللابس الروح)

[1] خروج إسرائيل من مصر كان صورة رمزية لانعتاق الإنسان من عبودية العالم، وإذ تم هذا الخروج بذبح خروف الفصح، هكذا ذبح الحمل الحقيقى عنا، فبطلت الذبيحة الأولى، وهكذا انتفت عن جماعة اليهود صفة إسرائيل، والشعب المختار.

[2] اعتاد اليهود الاحتفال بما يليق بهذا العيد، فى شهر أبيب، أى شهر الثمار الجديدة حسب الناموس(انظر الرسالة الأولى: 9) .  

[3] تث16: 1 سبعينية.

[4] ناحوم1: 15.

[5] لو22: 15ـ16.

[6] 1كو5: 8.

  (7) غل4 : 10 و 11 .

(8) 1كو 5: 7.

(9) خر 12: 11 .

(10) ( يو6: 4) “وكان الفصح عيد اليهود قريباً” .

[11] لو17: 15 – 18.

[12] لو17: 19.

[13] 1كو6: 20.

[14] إش42: 12، مت65:26.

[15] يو12: 28 .

[16] 2كو5: 13ـ15.

[17] 2كو 6: 1ـ2 .

[18] انظر القديس كيرلس العظة الفصحية 24 ، 1كو 15: 53.

[19] 1كو15: 53.

[20] مز30 : 9 .

[21] مت 25: 26-30.

[22] غل5: 22.

[23] رو 13: 7. 

[24] مت 21: 33.

[25] مت21: 19.

[26] إر25: 10ـ11.

[27] ” لا ” هنا وُجِدت فى النص السريانى.

[28] رو11: 23.

[29] انظر الرسالة الأولى من رسائل القيامة للقديس كيرلس الجزء الرابع.

[30] لم يعد الفصح بعد عيدًا لليهود، بل المسيحيون يحتفلون به كعيد للرب القائم، انظر هذه الرسالة (السادسة) : 2.

[31] مت 26: 38.

[32] مز9: 14، 35: 9.

[33] مز 33: 1.

[34] مز95 : 1.

[35] عب11: 18، يو8: 56 .

[36] تك 22: 15 وفى الترجمة السريانية جاءت كلمة كبش (ram) تحت اسم الجنس العام خروف. وهى نفس الكلمة المستخدمة فوراً بعد ذلك ، فى النص المستخدم بسفر إشعياء، تحت كلمة حمِل (شاه)N.P. N. Fathers Vol.4 , P.522. Lamb. .

[37] إش53 : 7.

[38] مز 40: 6 ، عب 10: 5.

[39] إش53: 5.

[40] عب12: 23.

[41] إش44: 23.

[42] إش49: 13.

[43] مز150: 6.

[44] لو15: 7.

[45] 1كو15: 55. من هنا جاءت أيقونة القيامة القبطية الطقسية.

[46] مز42: 4.

[47] إش2: 3.

[48] مز 24: 3ـ5.

[49] مت 25: 34.

[50] أم 13 : 13 سبعينية.

[51] خر 12: 43.

[52] لو 22: 31.

[53] مز 5 : 3.

[54] قد حُفظ هذان السطران باللغة اليونانية الأصلية، فى مخطوطة قزمان.

[55] كانت أيام السبوت والآحاد خلال فترة الصوم الكبير لا يُصام فيها انقطاعيًا، فيما عدا يوم السبت الذى يسبق عيد القيامة مباشرة (أى سبت النور)، وذلك كما هو متبع حتى الآن. جاء هذا عند القديس امبروسيوس أيضاً ، عن الأعياد الجزء الأول صـ545 .

[56] انظر البابا ديونيسيوس الأسكندرى N.P. N. Fathers Vol.4 , P.522.

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس6 – عيد القيامة