روحيات

اللاهوتى والحب الألهى(خواطر لاهوتية)ج5

اللاهوتى والحب الإلهى

المحتوى

مينا فوزى

 -بداخلنا فجوة عظيمة من الشعور,او قول هِوةٍ عظيمة يصل عمقها الى اللا محدود إذا يِعجز الذِهن أن يخوض فيها,وعجز الذهن هذا يُترجم الى حيرةٍ عجيبة تتمثل فى الشعور بتلك الهوة,فأنا أشعر بها وغير قادر على شرح تفاصيلها.

 

-إنه شعور يفضح عِجز اللغة أن تصفه,فاللغة هيا مجموعة من المفردات والقواعد التى إخترعها الإنسان لكى يكون قادراً أن يعيش ويتعايش مع غيره من البشر, وتبلبلت الألسنة وتعددت اللغات ,وذلك الأختراع تارة يخدم الإنسان وتارة يُخزله,لعل القديس باسليوس شعر بهذا العجز فنجده يقول:ـ[الفكر ضعيف واللسان أكثر ضعفاً,فماذا نتوقع ما نقوله سوى ان نسمع فقر كلماتنا التى تصير موضوع خزينا] [1].

 

-فإن اراد الله ان يُعِبِر عن حُبه للإنسان فلم يجد اى تعبير سليم او تعبير دقيق يقدر ان يُعبر عن حُب الله الغير محدود,فاكتفى بأن ينسب الازلية الى حُبه اذ يقول محبة ابديه احببتك(ار3:31)وهكذا الإنسان لا يجد فى مفردات اللغة او فى قوعدها ما يُساعده او يؤهله ان يصف حبه لله,فيكتفى بالتنهدات تعبيراً عن عجزة فى وصف حُبه الى المُحب الغير محدود.

 

-إن تلك التِنِهُدات فى طياتها أنفاساً تحمل الحُب من القلب الى الذات الألهية,وتُعد تلك التنهدات ذبيحة يُقدمها الإنسان على مذبح قلبه,إنها المُحرقة التى تِنال مِسرة الرب(لا9:1)فالتنهدات هيا مجموعة من المشاعر  التى نقول عنها-بحسب لغتنا العاجزة-الحب,وهذا الحب هو البخور الخارج من المجمرة إذا بأتحاده بالنار يُخِرِج روائح تُعطر  قلب المؤمنين,وتطيب أنفاس المُقربين من هذا القلب,هكذا الحب اذ يِتِحِد بجمر النار الألهية..

 

-فاِذا  إنسكب جمر النار فى القلب فحينها وحينها فقط يتنقى قلبك من الزوان [2],فسكيب النار يتم من خلال عَمِلك وجِهادك لنمو الحنطة,اما انتزاع الزوان فهو  ليس عمل بشرى بل يد الله المُباركة التى تعمل فى حقل القلب.

 

-انها “محبة الله المُنسكبة فى قلوبنا بالروح القدوس”(رو5:5) ).فيض الروح القدوس الذى يُلهب قلوبنا,سكيب النعمة التى تُقد المحبة كالنار فى غابة قلوبنا فتأكل الأفكار الخبيثة [3],فالروح القدوس يُلقى نار-وأى نار تلك؟؟.

 

-انها التى تكلم عنها المسيح(لو12)اذ يقول انه جاء ليُلقيها فى ارضنا اليابسة اذ يقول:ـ”جئت لألقى ناراً على الأرض ,فماذا اُريد لو اضطرمت”فبقوله هذا يُعلن عن إلتهاب الحُب وحرارته الذى يطلٌبه  فينا ,فكما احبنا كثيراً جداً هكذا يُريدنا ان نحبه نحن ايضاً [4],أنها النار التى امسكت بارميا فيصفها الكتاب المقدس بانها(محرقة)فيقول البابا اثناسيوس:ـ”لقد كانت الكلمة فيه كنار,وجاء يسوع المحب للإنسان لكى يلقى بهذه النار على الارض…” [5]إنها هدف وخدمة المسيح ولابد أن يتِمسِك بها كل مسيحى ويكون فتيلته تُساعد على إشعال نار الروح فى قلبه وقلب غيره.

 

-فإن كُنا نتكلم على تعريف الصلاة وقولنا إنها نداء إلهى,فهكذا الحب ايضاً “نداء ودعوة إلهية وإستجابة بشرية,فالله يقول “حب الرب الهك من كل قلبك”(لو17:10),فليس للانسان اى فضل حتى فى حبه لله,فذاك يعود فضله لله فقط .

-فإن كان الحب سُكِبَ بواسطة الروح فى القلب,فهذا يُعنى ان القلب قد إمتلى من الله,وتقدست النفس من مواهب الروح,فالرب قد قِدس وأودع الغرام فى القلب ,وهذا الغرام هو زفرات اضحى بها الانسان مصدوعاً [6].

 

-اذا كان الله هو الألف والياء اذاً فكل شئ يتم بين الألف والياء ,فالرغبة تبداء فِيِه وتنتهى إليه والفكر يبداء منه وينتهى فيه وهكذا الحب يكون بين وفى الألف والياء,فالحب كلمة ليس بدايتها تلك الحروف(ح,ب)بل الحب كلمة تبداء بألف الله ونتنهى بياءه,وان كان الله ليس له بداية ولا نهاية فهكذا الحب ليس له بداية ولا نهاية,فإن حب الله فى القلب هو شئ غير محدود تجاه كيان غير محدود…

 

 

يا آلهي أعمق الحب هواك ++ ياآلهي لي اشتهاء أن أراك
في جمال في بهاء مبهر ++ في جلال وسط قوات سماك
أو أرى حسنك في الابن الذي ++ كل شخص قد رأة قد رآك
أنت ملئ العقل والقلب معا ++ ليس في غربة العمر سواك
أنا وسط الناس اجذبهم لك ++ أنا في الوحدة استوحي نداك
أنت أصل الكون يارب الورى ++ كل مجد الكون صاغته يداك
ياآلهي أنت عوني أنت حصني ++ أنت ربي أنا أحيا في حماك
فيك مايشبع قلبي دائما[7]

________________

Hexamaeron1;11[1]

[2] هو نبات ذو اطراف ليفية كثيرة ينبت كثيراً بين القمح,بدون زراعة وهو عشب سام ويسبب اكله الموت والزوان ترمز الى الاشرار(مت24:13),راجع دائرة المعارف الكتابية المسيحية-شرح كلمة زِوَان.

[3] صلاة للقديس مار افرام السريانى عن الاجبية المقدسة ص160

[4] من اقوال ذهبى الفم-اورده القمص تادرس يعقوب ملطى فى تفسير انجيل لوقا ص382

[5] من تفسير وتاملات الاباء الاوليين ص383

[6] الاستاذ محمد الكيزانى الأدب الصوفى فى مصر ص120 الاستاذ محمد الكيزانى

[7] قصيدة للبابا شنودة الثالث من كتاب انطلاق الروح