دوريات مسيحية

محاضرات دورة اللاهوت الدفاعي – المستوى الأول

محاضرات دورة اللاهوت الدفاعي – المستوى الأول

محاضرات دورة اللاهوت الدفاعي - المستوى الأول
محاضرات دورة اللاهوت الدفاعي – المستوى الأول

دورة اللاهوت الدفاعي – المستوى الأول

 

المقدمة:

سلام رئيس السلام، ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، يكون معكم، اليوم سنبدأ معاً دورة اللاهوت الدفاعي – المستوى الأول – في منتدى الكنيسة العربية، وقبل البدء في آيّةُ تفاصيل أود أن أقول إننا جميعا إخوة نحب بعضنا جداً وهذا هو الرباط الأسْمى بيننا جميعاً، هذه الدورة لا أريد أن تكون بنظام التعليم التلقيني، الذي يعتمد على إدخال المعلومات إلى الذاكرة ولو كانت غير مفهومة.

 

هذه الدورة ليس بها أستاذ وتلاميذ، هذه الدورة ليس فيها من له أي ميزة عن غيره، اللهم إلا الخبرة لبعضنا (ويوجد مشتركين لديهم خبرة كبيرة جداً)، هذه الدورة يشترك فيها الكبير (عُمْراً) والصغير وربما يكون بعض الأعضاء أكبر مني أنا شخصياً، ليس هناك أي تمييز لأي طائفة على أخرى.

 

لهذا فأرجو أن تكون الدورة مفيدة للكل في كل الجوانب التي سيتم النقاش فيها، والغرض من هذه الدورة هو تدريب كوادر مسيحيّة دفاعية تستطيع أن تجيب عن كل الأسئلة أو تعرف إلى أي مكان تذهب لمعرفة معلومة ما، باختصار.

 

الغرض هو خلق أو تنشيط الفكر نقدي دفاعي عند كل المشتركين، وعندها سيتم اختيار أعضاء منكم قد ثبت نشاطهم وقدرتهم وحبهم لهذه الخدمة ليكونوا من أعضاء فريق اللاهوت الدفاعي.

 

التعلم، ربما يكون هذا هو الدافع الثاني، فكل من أعضاء فريق اللاهوت الدفاعي عندما ينظر إلى بدايته، كيف بدأ، وما الأسئلة التي كانت تدور في فكره قبل أن يجد الطريق الصحيح ويبدأ في التعلم، فعندما ينظر أي من أعضاء الفريق إلى هذه الأسئلة الأولى يرى كم كان بسيطاً وكم كانت أسئلته يسهل الإجابة عليها.

ربما يعتقد البعض منكم أن هذا يعد من الذكريات التي يجب نسيانها، ولكن هذا الفكر فكر خاطئ تماماً، لماذا؟، لأن الذي يصعد إلى قمة جبل فقد صعد من سفح الجبل إلى قمته، ولولا اجتيازه هذا السفح لما وصل إلى القمة، فكُل سؤال، وكُل جواب، وكُل حوار، وكُل متابعة، وكُل شغف، وكُل مناظرة، ..إلخ، تقرأها أو تسمعها تضيف إليك شيء ما، ربما تضيف إليك تساؤل، ربما تضيف إليك فخر، ربما تضيف إليك موثوقية في إيمانك القويم، ربنا تضيف إليك حيرة وشك، ربما تضيف إليك قدرة على النقد اللحظي، ربما تحذف منك خوف ما، ربما تجعلك أكثر إدراكاً للأمور العقيديّة واللاهوتية، ..إلخ، لذا فعلم اللاهوت الدفاعي علم سهل على من يتقنه، ولكنه يحتاج إلى خبرة ويحتاج إلى استمرارية، فأرجو من الجميع أن يعتنق هذا العلم.

 

علم اللاهوت الدفاعي، في اعتقادي الشخصي، هو أهم العلوم المسيحيّة، وذلك لأسباب، فالذي يخدم في مجال اللاهوت الدفاعي يستخدم كل العلوم الأخرى تقريباً، حتى العلوم غير المسيحيّة، فمثلا يستخدم علم الآباء في أقسام مثل النقد النصي والقانونية وتفسير الكتاب المقدس ودراسة المسيحيات المبكرة، ويستخدم علم التاريخ الكنسي في معرفة المراحل التي مرت بها الكنيسة عبر كل هذه العصور الطويلة، وفي معرفة المسيحيات المبكرة أيضاً، ويستخدم علم التاريخ المجرد في معرفة الظروف المحيطة بالأحداث الكتابية وفي فهم أعمق للكتاب وبيان مدى موثوقية الأحداث التاريخية في الكتاب المقدس، ويستخدم علم الآثار، ويستخدم علم النقد النصي في معرفة تاريخ انتقال النص ومدى موثوقية نص الكتاب المقدس، ويستخدم أيضا علوم الخطوط والتأريخ في المخطوطات، …إلخ، ويستخدم علوم الإخوة المسلمين في معرفة مدى موثوقية نص الكتاب المقدس عن طريق معرفة مدى موثوقية نص القرآن والمقارنة بينهم، وتاريخ انتقال النصين، القرآني والكتابي، على ما أعتقد، فإنه يستخدم كل العلوم الموجودة تبعا لنوع البحث الذي يكتبه، لهذا فأن هذه الدورة هي في المستوى الأول، وعند انتهاء هذا المستوى سنحدد ما إذا كانت المؤشرات تساعدنا في بداية المستوى الثاني، والذي بدوره سيكون مستوى تخصصياً، فأنت هنا ستدرس كل ما يمكن أن تتعرض له من نقد أو سؤال بشكل عام، وليس بشرح علم قائم بذاته، ولكن سيظهر لنا أو بحسب اختياركم، من منكم يميل إلى أي علم، وعليه فسنبدأ بالمستوى الثاني والذي سيكون لشرح علوم بحد ذاتها، والذي يحدد هذا القرار، أنبدأ أم لا، هو جديتكم ومدى حبكم للخدمة.

 

كعادة أي علم، في البداية يكون صعب، أو يكون غير مفهوم، والحل لهذه المشكلة، أن يعتنق الشخص منا هذا العلم، بمعنى أن يجعله هو النشاط المحبب له، هو الهواية، هو الذي اقضي فيه وقت عملي فضلا عن فراغي، يكون هو شغلك الشاغل، في هذه الأحيان، أقوم أنا (مولكا) بتدريب بعض الشباب الصغير، الذي لم يتجاوز عمر أكبرهم عن 15 عاماً!، وأدرس لهم علم النقد النصي، تخيلوا؟!

 

هذا السن صغير نسبياً ولكن مع اختياري لهم فالمختار يصلح تماماً لهذا العلم، إذن وبعد كل هذا، ما الغرض من هذا العلم؟ ما فائدته؟ كيف سأستخدمه في حياتي؟ لماذا أنتم في هذه الدورة إخوتي الأحباء؟، هل أنتم هنا لمحاورة المسلمين مثلا والرد عليهم؟! هل أنتم هنا لإفحامهم؟، هل أنتم هنا لتكونوا أصحاب علم وخبرة تتفاخرون به على من لا يملكهم؟ هل أنتم هنا لتتفاخروا على أصحابكم؟ لماذا أنتم هنا؟ يجب أن نعرف أمراً هاماً، نحن هنا لغرض واحد صريح، فهم عقيدتنا بشكل صحيح، انطلاقا من هذه القاعدة تستطيع أن تفعل كل شيء.

 

فإن كنت تعرف عقيدتك بشكل صحيح، ستعرف كيف ترد بهذا الـ” صحيح ” على أي فكر “خاطئ”، مهما كان، لان الظلام لا يزاح إلا بالنور، فليس عليك أن تبذل مجهود كبير في إزالة الظلام، بل عليك فقط أن تنير هذا الظلام بمصباح، فلا يوجد فيما بعد ظلاماً، عن طريق فهم عقيدتك يتضح لك كيف هي قوية كالصخر وقويمة ولا يمكن نقضها، يجب أن يعرف كل مِنا أن هذا العلم رسالة يحملها كل شخص فينا إلى من بعده إلى مجيء رب المجد يسوع المسيح، الإيمان نقله إلينا الرسل وحفظه الآباء إلى يومنا هذا، وهذا ما سننقله، ونحن لن نهاجم أحد، فقط سننير لهم الطريق.

 

ما هي المهارات المطلوب تنميتها؟، أول مهارة هي مهارة النقد، وهي عبارة عن التفكير الإمتحاني، فلكي تستطيع التفكير بذهن صافٍ فلابد من الدراسة النقدية، المهارة الثانية هي مهارة اللغة، فبعض منا يتحدث العربية، وبعض منا يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وبعض منا يتحدث الألمانية، بعض منا يتحدث الفرنسية، وبعض منا يتحدث الآرامية والكلدانية، وبعض منا يتحدث العبرية …إلخ، اللغة الأم هي الإنجليزية بطبيعة الحال، نظرا للكم الضخم من الكتب والمراجع التي نمتلكها بهذه اللغة، في شتى المجالات البحثية، بالفعل لن نستخدم كل المراجع والكتب، بل بعض منها وحسب الحاجة وحسب البحث نفسه، لذا فالمهم تطوير النفس في اللغة الإنجليزية أولا، ثم التوجه للغات أخرى كتابية، مثل العبرية واليونانية والآرامية، ثالث مهارة، هي مهارة التركيز في الأسس، فمثلاً، تجد أحد المسلمين يقولون لك، ” أنا أريد كلام يسوع وليس كلام بولس ويوحنا ..إلخ ” ماذا تفعل معه هذا الكائن؟ هو يقصد أنه يريد كلام المسيح بلسانه عندما كان على الأرض جسدياً متأنساً، ما المشكلة التي تواجهك هنا؟ هل إحضار كلام المسيح؟!! لا، في الحقيقة ليست هذه المشكلة، المشكلة هي في عقل هذا المسلم الذي يفرق بين كلام المسيح بلسانه عندما كان على الأرض جسدياً متأنسا وبين كلام الرسل، فمن الخطأ أن ترد عليه بكلام المسيح، لا لشيء إلا لأن المبدأ مغلوط، فكلام العهدين هو كلام المسيح، لان المسيح هو الإله، فالكل كلام الإله، فهذا كلام الإله بحسب متى وهذا كلام الإله بحسب لوقا وهذا كلام الإله بحسب مرقس وهذا كلام الإله بحسب يوحنا وهذا كلام الإله بحسب بولس وهذا كلام الإله بحسب ….إلخ فيجب أن تبدأ معه من هذا المنطلق، إن كل الكلام هو كلام المسيح له كل المجد، ولا يوجد تفضيل لكلام عن كلام، رابع مهارة هي، عدم التشتت، فأحياناً يقوم المحاور المسلم بالتشتيت، للهروب من نقطة ما، أو لضعفه فيها أو لقلة أدلته فيها (إن جاز أن نسميها ” أدلة “) فهنا يجب على المسيحي ألا يسمح بهذا، ويستمر في مناقشة تلك النقطة ولا يخرج عنها تحت أي سبب حتى إن كانت النقطة التي سيخرج إليها يعرفها وسهلة..، المهارة الخامسة، هي مهارة بعد الرؤية، وهذه المهارة سنكتسبها مع الوقت وتكرار بعض الأسئلة، فيجب على المحاور أن يكتب مشاركته أو بحثه ويكون عالماً ما هي النقاط التي يمكن أن يُرَد عليها أو التي ستكون محل نقاش، وما هو هذا الرد الذي سيأتي عليها، وما هو رده عليها، لأن هذه المهارة تعطي نهاية لأي شبهة مهما كانت، المهارة السادسة هي مهارة الشمولية والدقة، فعندما تكتب بحثا أو رداً على شخص، فيجب ألا تشخصن البحث لتجعله ردا على شخص بعينه فقط (ولكل قاعدة شذوذ) فيجب أن تجمع كل الأفكار والأطروحات التي قيلت في هذا الموضوع الذي تكتب بحثاً أو رداً عليها، لكي تأتي بكل الشبهات المختصة بهذا الموضوع وترد عليها فيكون ردك كامل (نسبياً) وقوي ويعطيك الخلفية الكاملة للرد عليها فتنتهي الشبهة تماماً وحتى إن بقيت فستظل إما تكراراً لا فائدة منه أو نقد بسيط يمكن سحقه تماماً، المهارة السابعة، وهي مهارة غاية في الأهمية، حيث أن علم اللاهوت الدفاعي عن طريق الممارسة العملية هو علم تراكمي، فيجب أن يكون الشخص منا شغوفاً بالردود الجديدة والقديمة، بكل أنواعها، سواء مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، فكلها أفكار تدخل إلى عقلك وتعرف الرد عليها ومع الوقت تثبت في عقلك بمجرد أن يسأل فيها أي شخص يكون الرد حاضرا لديك، المهارة الثامنة، وهي مهارة خدمية، كل منا (تقريبا) يملك حساباً على “فيس بوك” أو “تويتر” أو “ياهو” أو “هوت ميل” أو خلافه، وكل منا يعرف أصدقاء يختلفون عن من يعرفهم الآخر، لذلك يجب أن نشارك في نشر هذه الردود الموجودة، فالشبهات محدودة والردود كثيرة، ولكن ما الفائدة إن ظلت تلك الردود في أماكنها بدون قراءة؟ يجب نشر الردود على الفيس وتوتير وعلى الصفحات الخاصة بنا ودعوة الأصدقاء للقراءة، ربما يكونوا غير مهتمين بهذا الأمر، ولكن ربما (جداً) أن يواجههم سؤالاً في الخدمة أو في الكلية، أو حتى على الفيس بوك من أحد المسلمين، فلو كان يعرف ” أين يجد الرد على هذا السؤال ” يتجه مباشرة إلى هذه الأماكن ويبدأ البحث فيها، أو إن لم يجد الرد جاهزاً فيستطيع أن يسأل ونجيبه، ولكن كيف سيعرف هذه الأماكن وقتها إن لك يكن يعرف كيف يدخل إليها ويكون قد دخل إليها فعلا؟!

لهذا يجب نشر الردود بكل صورها، فمثلا، هذا الموضوع نفسه، هل فكرت وأنت تقرأه الآن، أن تقوم بنشره؟ لماذا لم تفكر في هذا الأمر؟! أليس هذه معلومات يجب معرفتها؟ رجاءً قم بنشر الموضوع، ولن يكلفك هذا إلا 5 ثواني!، فيمكنك عمل ” شير ” على الفيس بوك في ثانية واحدة ستجعل بها الرد يقرأه كل أصدقائك. المهارة التاسعة وهي مهارة تشمل كل هذه المهارات وتفوقهم، وهي معارة التعلم، فطالما أنت إنسان فأنت ستتعلم إلا أن نذهب إلى إلهنا الحنون، فجيب ألا تستكبر من العلم وتتعلم، والأكثر من هذا، يجب أن تكون أنت نقطة انطلاق لتعليم الآخرين، فتنقل مواضيعا إلى حسابك الشخصي – مثلا الفيس بوك – وتقوم بمناقشتها مع البعض وإن استعصى عليك سؤال فلك إخوة يمكن أن يساعدوك فيه، وهؤلاء الإخوة أنفسهم هناك من علمهم ومن مازال يعلمهم ويرجعون إليه هم أيضاً فلا يوجد احد كاملا في علمه مِنّا، المهارة العاشرة والأخيرة الآن، هي مهارة النفس الطويل، فبعض مِنّا يشعر بالرهبة لمجرد أنه رأى مقالاً طويلا عريضاً منمقاً به ألفاظا لا يفهمها، فيقول أن الآخر هذا قوي لأنه فعل هذا!، هذا الفكر خاطئ، فالبحث – جدلا – الإسلامي خصوصاً يتميز بثلاثة عوامل رئيسية، الأخطاء المنطقية والمعرفية، التفسير الشخصي، ضعف الأدلة (إن وجدت)، فما الذي يجب أن تقع عينيك عليه في كل هذا البحث (جدلا)؟ كل ما يجب أن يقع عليه عينيك هو النقاط الأساسية في البحث والتي تم بناء عليها نقاط أخرى، فأن نقضت هذه النقاط الأساسية فلا يوجد فرعية!، فعليك أن تستخرج نقاط محاورك في ورقة خارجية مثلا أو عقلا أو على الكمبيوتر مثلاً وتسأل نفسك، ما الذي يريده من هذه النقطة وكيف أرد عليها (وليس عليه).، فاللغة هي وسيلة تواصل بين الشعوب، واللغة لا قيمة لها في حد ذاتها إلا أنها تحمل أفكارا يتم إيصالها للآخر عن طريق هذه اللغة، فيجب أن تركز على الأفكار المنقولة وليس على وسيلة نقلها، وفي كل الحالات لا تخف، فكل شبهة ضعيفة.

 

مهارات إضافية، هذه المهارات هي مهارات ثانوية، فهناك مِنا من يجيد التسجيل الصوتي، ومنا من يستطيع مونتاج الفيديوهات، ومنا من يستطيع استخدام البرامج لتجميع الشبهات في كتاب الكرتوني ومنا من يعمل على الفوتو شوب …إلخ، كل هذه المهارات سنحتاجها فيما بعد لإيصال كل الردود إلى الكل بكل الطرق.

 

من أين أحصل على الكتب والمراجع؟، هذا السؤال سابق لأوانه جداً فيجب أن تعرف كيف تستخدم الشيء ثم تستخدمه فعلاً، الكتب موجودة والمراجع موجودة، سنؤجل هذا الحديث إلى نهاية الدورة بكاملها وعن طريق الدورة ستعرف تحديدا إلى أي كتب ومراجع تحتاج، لدينا كتب كثيرة للغاية تقدر بمئات الآلاف، فلا تشغلوا عقولكم بهذا الآن.

ما هي ضرورة دراسة هذا العلم؟، الضرورات كثيرة، منها فهم أعمق للكتاب المقدس، كيف وصل إلينا الكتاب المقدس؟ كيف نرد على دعاوى التحريف الحديثة؟ كيف نفهم الكتاب المقدس تاريخياً؟ كيف أرد على إبني في البيت؟ كيف أرد على المخدومين في خدمتي؟ كيف ألقي درساً في مدارس الآحاد؟ كيف أرد على من يسألني؟ كيف أرد على شبهة؟ كيف أصل للمعلومة بسهولة وبدقة؟ كيف أُفرق بين التعليم الصحيح والخاطئ؟ دراسة كلمة المسيح.

 

في النهاية، لسنا أساتذة وطلاب، كلنا إخوة، نتعلم ونتشارك جميعنا، نحن سنتعلم من أسئلتكم وحواراتكم ومناقشاتكم المفيدة، سنفيدكم بمعرفتنا وبخبرتنا، وأنتم تفيدونا بالنقاش المثمر، وفي النهاية أُذكّر الجميع بأننا مأمورين بالبشارة لكل العالم فيقول الكتاب المقدس” فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ” ويقول أيضاً ” فدعا عشرة عبيد له وأعطاهم عشرة أمناء وقال لهم: تاجروا حتى آتي ” ويقول أيضا ” صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوما “، وليكن دائما حاضراً لدينا، أن الإيمان الذي وصل إلينا قد وصل عن طريق بحور دماء سالت بداية من الرب يسوع نفسه الذي اشترانا بدمه وصولا إلى كل شهيد يقتل لأنه ” مسيحي “، فحافظوا على هذا الإيمان الغالي.

سلام رئيس السلام..

فريق اللاهوت الدفاعي

23-2-2012

 

 

 

المحاضرة الأولى: أساسيات الأيمان المسيحي 01

 

للأسف الشديد، فإن على مر أربعة عشر قرناً من الزمان قد تأثرنا كثيراً بالثقافة العربية الإسلامية، فنتيجة لاختلاط الشعوب المسيحيّة (في مصر وسوريا والعراق وفلسطين ..إلخ) فالعرب، تخالطت اللغات ومع مرور الوقت استعمل المسيحيون اللغة العربية بدلا من لغاتهم التي كانت قبل ” الفتوحات ” الإسلامية، وفي نفس هذا الخط الزمني كانت الفجوة الزمنية بين صعود رب المجد يسوع المسيح وبين العصر الحالي تزداد اتساعا فكانت اللغات التي استقرت لزمن يصل إلى ستّة قرون بدأت في الاندثار نتيجة عدم استعمالها ودخول اللغة العربية للحياة اليومية، ومع مرور أجيال صارت اللغات التي استُعملت من قِبل الآباء هي اللغة الثانية ولم تَعُد تُستَخدم إلا في الصلوات الليتورجية والتي كانت قد استقرت بالفعل في وجدان الكنيسة، والتي مازال منها الكثير إلى يومنا هذا يتم تفعيله في الصلوات الليتورجية، ومع مرور الزمن، ودخول اللغة العربية الركيكة بشكل كبير في كل شيء فقد اضطر الآباء في هذه الفترة لاستخدام مصطلحات وتعابير يحاولون بها إيصال المعنى الذي يتم شرحه لعامة الشعب وغيرهم، فحاولوا بقدر الإمكان اتخاذ مصطلحات يضعونها كتعبير عن المصطلحات الأصلية (مثل كلمة ” أقنوم “، تعبر عن ” هيبوستاسيس “) ومع مرور الوقت وضعف التعليم الآبائي نظراً للظروف المختلفة التي تمر بها كل دولة وكل شعب داخل كل دولة فأصبحت هذه الكلمات العربية (مثل أقنوم) هي المستخدمة بشكل شِبة مطلق وبدون شرح دقيق للأصول التي تعبر عنها هذه الكلمات، فاختلط المعنى على كثير من الناس، هكذا كل المصطلحات تقريباً، والحاصل الآن أن نسبة كبيرة من المسيحة لا يعرفون المعاني الصحيحة التي تقف خلف كل مصطلح بل يكاد لا يعرفون المصطلح الأصلي نفسه، هذه واحدة، الأخرى، أن التعليم الصحيح الآبائي نفسه لم يعد مُفعّل بكثافة، بل صار في أغلب الأحيان يُدرس في الإكلريكيات والكليات والمعاهد اللاهوتية فقط ومع تزايد أعداد الشعب المسيحي وقلة عدد الكهنة صار الكاهن منهمك ما بين خدماته طوال النهار وبين الصلوات والعظات ..إلخ، فقلت كثافة التعليم وقل المتعلمين، ومن هنا لكي نستطيع أن نرد على كل مخالف، لابد أن نعرف أولا، ما هي النقاط المخالفة، ولكي نعرف النقاط المخالفة لابد أن نعرف طرفي الخلاف، ولكي نعرف طرفي الخلاف لابد أن نعرف ما نؤمن به أولاً ثم الطرف الآخر سنعرفه فيما بعد، ومن هنا فهذا الجزء في هذه الدورة مختص بتصفية المعارف المسيحة في عقولنا مما علق بها من شوائب عربية وسنتكلم عن بعض هذه المعارف في إيجاز شديد.

بمن نؤمن؟، إن حقيقة الإيمان المسيحي كله يرتكز على المسيح نفسه شخصياً، فيبدأ من العهد القديم وبداية من سفر التكوين، وسقوط الجنس البشري، قد وعد الرب الجنس البشري بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحيّة، واستمر الزمان وتوالت النبوات عن هذا ” النسل ” الذي سيسحق رأس الحية، وتوالى الأنبياء واحداً تلو الآخر يتنبأون عن هذا المنتظر (المسيح) إلى أن جاء رب المجد يسوع المسيح إلى عالمنا بحسب الجسد، ثم صُلِب وقُتِل بمشورة اليهود وتنفيذ الرومان، ثم خرج الرسل والتلاميذ وملأوا العالم بشارة بيسوع المسيح وإياه مصلوباً ونمت الكرازة في وقت قليل جداً وانتشرت بشدة في العالم أجمع وتم تأسيس كنائس ورسامة أساقفة وقسس وشمامسة حتى كتب البشير يوحنا سفر الرؤيا والذي فيه قد كتب بطريقة رائعة كيف أعاد الرب الإنسان إلى مجده الأول والقارئ المدقق للكتاب المقدس سيلاحظ أنه بدأ بسقوط الجنس البشري ثم انتهى بعودة الجنس البشري الصالح إلى الملكوت مرة أخرى (رجاء بجدية قراءة الأصحاحات الثلاثة الأولى من سفر التكوين وبعدها مباشرة قراءة الأصحاحات الثلاثة الأخيرة من سفر الرؤيا)، وبين هذا وذاك يوجد من قسم التاريخ، يوجد من تنبأ عنه الأنبياء، وأخبر بمجيئه وتحقيق النبوات عنه التلاميذ والرسل الأطهار، وبين من كَتب عن مجيئه الأنبياء وبين من كَتب عن رسالته الرسل، هذا الشخص هو شخص الرب يسوع المسيح له كل المجد، فالكتاب المقدس ليس هو الغاية في حد ذاته، ليست حروفه هي الغاية، الحروف هذه هي وسيلة لشرح وإيصال رسالة البشارة والخلاص لكل العالم، لكن ليست هي نفسها حجر الزاوية، هي تبشر بحجر الزاوية ولكنها ليست هي حجر الزاوية، فكل ارتباطنا هو بالمسيح لأن ليس بأحدٍ غيره الخلاص، فالتلاميذ هم تلاميذ الرب يسوع المسيح، والرُسل هم رسل الرب يسوع المسيح، وبولس الرسول هو رسول يسوع المسيح، وفي الليتورجيا نتعامل بالطقسِ مع الرب يسوع المسيح، ومريم العذراء هي أم يسوع المسيح ونحن أبناء يسوع المسيح والكتاب المقدس هو رسالة خلاص يسوع المسيح ..إلخ، فنجد أن حجر الزاوية هو الرب يسوع المسيح نفسه.

 

كيف نؤمن؟، يقول القديس بولس الرسول أن ” الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله “، فما هي ” كلمة الله ” المقصودة هنا؟ يستطيع أي شخص منكم أن يقول بكل سهولة، كلمة الله أي الكتاب المقدس أو يوجد غيرها كلمة الله؟، هذا الفهم صحيحاً ولكنه منقوصاً، لماذا؟، دعونا نقرأ ما قاله بالترتيب، ” فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ». لكِنْ لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا الإِنْجِيلَ، لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟» إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ ” فهل مازال جوابك هو نفسه الجواب الأول؟ دعونا نوضح شيئاً، من المعروف أن الكنيسة منذ صعود المسيح قد ظلت فترة بلا أي أسفار للعهد الجديد، إلى أن بدأ الرسل يكتبون الرسائل والبشائر، فكيف كانت الكنيسة في هذه الفترة؟ في الحقيقة كانت الكنيسة تعيش في هذه الفترة على التعليم المباشر بالكرازة من فم الرسل أنفسهم، حيث كان أكثرهم على قيد الحياة وكانوا يتنقلون هم بأنفسهم شرقاً وغرباً، شمالا وجنوباً، كارزين ببشارة الملكوت وخلاص يسوع المسيح، ثم بعد ذلك كتبوا رسائل إلى هذه المدن التي كانوا قد زاروها وأسسوا فيها كنائس ورسموا فيها أساقفة وقسس، فهل الذين انتقلوا من هذا العالم في هذه الفترة – أي قبل كتابة أي بشارة أو رسالة – كانوا يؤمنون؟ وبمن وبماذا كانوا يؤمنون وهم ليس معهم ” عهد جديد “؟ هل من مات منهم على بشارة خلاص يسوع المسيح قد دخل الفردوس؟ بالطبع نعم، لماذا؟ لأن البشارة كانت تنتقل بانتقال المبشر أو الرسول أو أحد تلاميذه، فكانت الكرازة الشفهية هي العمدة في الإيمان، الآن يمكننا أن نعيد قراءة ما كتبه القديس بولس الرسول بدقة، ” ” فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ». لكِنْ لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا الإِنْجِيلَ، لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟» إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ “، فهل عرفتم ما هي كلمة الله المقصودة هنا أم لا؟ كلمة الله المقصودة هنا هي البشارة نفسها، البشارة التي جال الرسل والتلاميذ يحملونها للخليقة كلها والتي كان الفرد المؤمن يكون قد آمن بها حتى بدون إنجيل مكتوب، فكما قلنا إن الرب يسوع المسيح نفسه هو حجر الزاوية، والكتاب المقدس هو وسيلة مكتوبة لإيصال بشارة يسوع المسيح للعالم، لذلك نجد الرسول بولس يقول ” كَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ ” فالإيمان كان بالكرازة والكرازة كانت بالإرساليات والذين أطاعوا البشارة قد آمنوا بالخبر وهذا الخبر – أي البشارة – هو كلمة الله، فـ”كلمة الله” المقصود بها البشارة بيسوع المسيح نفسه سواء كان شفهياً (أي ما تكلم به التلاميذ والرسل شفهياً) أو بالكتاب المقدس (أي ما كتبه التلاميذ والرسل)، ونلاحظ هنا أن بولس الرسول نفسه لم يكتب إنجيلاً بالمعنى المتعارف عليه الآن، لكن بالرغم من هذا فهو بشارة ورسائله تبشر بيسوع المسيح، وهو ما قلنا عنه في المحاضرة السابقة حين تكلمنا عن المسلم الذي يقول ” أنا أريد كلام المسيح وليس كلام بولس ” فكلام المسيح نُقِلَ إلينا عن طريق الرسل والتلاميذ (البشارة) سواء كان في الأناجيل أو في الرسائل أو في الأسفار الأخرى، وهذا يتضح من كلام الرب يسوع المسيح عندما قال ” وينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم ” وأيضاً ” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ” ومن المعروف بداهةً أنه لم يكن هناك إنجيلاً في حياة الرب يسوع المسيح بحسب الجسد، ومن المعروف أيضا أن كلمة ” الإنجيل ” تعني ” البشارة السارة ” وهذه البشارة السارة هي الخلاص بدم يسوع المسيح، فالأصل في الإيمان هو ” التبشير والقبول ” لذلك فإن ” كلمة الله ” أي البشارة بيسوع رباً ومسيحاً وبخلاصه للبشرية كلها بدمه المقدس.

 

من يسبق من؟، هل الكرازة الكتابية (أي التي يستخدم بها الكتابة) تسبق الكرازة الشفهية؟ أم العكس هو الصحيح؟، بالطبع وبدون أدنى شك، من يعرف كيف كانت حياة الرسل يعرف تماماً أن البشارة كانت في الـ ـ30 عاماً تقريباً الأولى كانت البشارة فيهم عن طريق اللسان والسفر الفعلي لكل تلميذ أو رسول إلى المكان الذي ينتوي البشارة فيه، ومن هنا يأتي ما نعرفه اليوم باسم ” التقليد “، فما هو التقليد؟ التقليد هو كل ما وصلنا من الرسل عن طريق كتاباتهم أو تعليمهم، أي أنه ينقسم إلى قِسم منقول شفاهةً وقِسم منقول كتابةً، وكل منهما له سلطته الرسولية في كنيسة الرب، ولكن مع مرور الزمن صار التقليد المكتوب (الكتاب المقدس) يُنظر إليه بصورة مُغايرة عن النظرة التي يُنظر بها إلى التقليد الشفاهي، وهذا له عوامل كثيرة لا نناقشها الآن، فما فائدة هذه النقطة إذن؟، التقليد المكتوب ينقل لنا “بعض” تعاليم المسيح وبعض أفعاله وأقواله، وبالطبع لا ينقلها كلها، فهذا يوحنا تلميذ الرب يسوع المسيح يقول ” وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه ” ويقول أيضاً ” وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة “، فهذا ما كتبه يوحنا الرسول عن المسيح له كل المجد، وهناك آخر كتب أشياء أخرى، وجميعهم لم يكتبوا كل شيء قاله أو فعله الرب يسوع المسيح ولكن عن طريق حياتهم وتلمذتهم لتلاميذ والكرازة ورسامة الأساقفة والقسس والشمامسة، صاروا يعلموهم ما فعله وما قاله رب المجد يسوع المسيح، بل أن هذا كان هو السابق، فكتابة البشائر الأربعة والرسائل قد جاءت بعد الكرازة الشفهية، ومن هنا يأتي أهمية التقليد الشفاهي حيث أن الرسل مع انهم يملكون السلطة الرسولية فقد بشروا بالإيمان شفاهه وسَفَراً وتَلمذةً ورِسامةً وفيما بعد كتبوا البشائر الخاصة بهم والرسائل، ومن الواضح جدا حتى داخل الكتاب المقدس نفسه أهمية التقليد الرسولي، فيقول بولس الرسول ” الأمر الذي دعاكم إليه بإنجيلنا، لاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح فاثبتوا إذا أيها الإخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا “، فقد جاءت كلمة ” التعاليم ” الموجودة في ترجمة الفانديك في اللغة الأصلية اليونانية παραδοσεις والتي تعني في الإنجليزية tradition أي ” التقليد ” بالعربية، وينص القدي بولس صراحة وحرفيا على مساواة التعليم الرسولي هذا والرسائل (أي التقليد المكتوب حيث أن القديس بولس كان يكتب هنا في الرسائل) فقال حرفيا ” سواء بالكلام أم برسالتنا ” فوضع ” الكلام ” على نفس مستوى ” رسالتنا “، ويقول أيضاً القديس بولس الرسول ” وما تعلمتموه، وتسلمتموه، وسمعتموه، ورأيتموه في، فهذا افعلوا ” فهُنا يرشد القديس بولس الرسل إلى ما تعلموه وما تسلموه وما سمعوه وما رأوُه، ويأمرهم بأن يفعلوا مثله، وهذا يدل صراحة على سلطة التقليد الرسولي، ويكمل أيضاً القديس بولس الرسول ويقول ” ثم نوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم الذي أخذه منا ” فهنا يأمرهم أن يتجنبوا كل أخ لا يسلك بحسب التعليم الذي تسلموه منهم (أي من الرسل)، وأيضاً يكرر القديس بولس بشدة أهمية ما تسلموه منهم فيقول ” فأمدحكم أيها الإخوة على أنكم تذكرونني في كل شيء وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم ” وهنا يوجد لفتة جميلة ففي الرسالة هذه (الأولى إلى أهل كورنثوس) وهي من التقليد المكتوب يمدحهم بأنهم يحفظون ” التعاليم ” أي التقليد المنقول شفاهه، وهذا يعطي دلالة واضحة على أهمية التقليد المنقول شفاهه بنفس القدر تقريباً مع التقليد المكتوب، وفي عبارة أراها قوية لدرجة لا يتخيلها إلا المدقق يقول القديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية ” ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن «أناثيما» ” والتدقيق هنا يكون على النحو التالي، فإن القديس بولس سلمهم تعاليم، فيقول لهم، حتى إن بشرناكم نحن (أي الرسل) بتعاليم غير هذه التي بشرناكم بها بالفعل سابقاً فلنكن أناثيما، أي ملعونا، ولم يستثن الرسل أنفسهم بل ولا حتى الملائكة، بل ولم يذكر أي صنف آخر من المخلوقات، فلم يذكر مثلا تلاميذهم أو البشر العاديون، وهذا يوضح بشدة مدى أهمية وحرص الرسل أنفسهم على التقليدات التي سلموها في كل كنيسة ومكان كانوا يبشرون فيه باسم الرب يسوع المسيح، وحرصهم الدائم القوي على صحة هذه التعاليم ومواجهة كل تعليم خاطئ يخرج عن الإطار الرسولي للتعليم الصحيح، ويقول القديس إيريناؤس “إذا فرضنا أنّ الرسل لم يتركوا لنا كتاباتهم، ألم نكن مضطرّين أن نعتمد على التعاليم التي في التقليد كما سلّموها للذين وضعت الكنائس في عنايتهم؟” بل يقول المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري “إن أولئك الرجال العظماء اللاهوتيين حقّاً -أقصد رسل المسيح- أذاعوا معرفة ملكوت السموات في كل العالم، غير مفكّرين كثيراً في تأليف الكتب” ومن هذين القولين يتضح بشدة أن التقليد الرسولي له أهمية قصوى وبالغة في التعليم الكنسي إذ أن لو لم يكن هناك ” عهد جديد ” كانت الكنسية ستعتمد فقط على التقليد الرسولي المحفوظ إلى يومنا هذا بل أن يوسابيوس يقول أن الرسل اهتموا بنشر رسالة خلاص الرب يسوع المسيح ولم يفكروا في تأليف الكتب، أي أن التقليد والتعليم كان هو العامل الأهم والشغال بالنسبة لهم، وباختصار نستطيع أن نقول بأن كل رسول من الرسل كان يعتبر ” إنجيلاً متنقلاً يقرأهُ من يذهب إليه ” ليوصل إليهم رسالة وبشارة وخلاص المسيح له كل المجد، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته لأدلفوس الأسقف المعترف ضدّ أريوس “إيماننا صحيح يبدأ من تعاليم الرسل وتقليد الآباء ويتأكد بالعهد الجديد والعهد القديم (أي أنّ الإيمان “يتأكد بالعهدين” وليس “يتكوّن بالعهدين”) “. ويلخّص أهميته فيقول “علينا أن نعتبر هذا التّقليد، الذي هو تعليم وإيمان الكنيسة الجامعة منذ البدء، الذي أعطاه الرّب، وكرز به الرسل، وحفظه الآباء، والذي عليه تأسست الكنيسة وقامت، ومن يسقط منه فلن يكون مسيحيَّاً ولا ينبغي أن يُدعى كذلك فيما بعد”

 

ما دور التقليد في اللاهوت الدفاعي؟، هذا هو السؤال الذي لأجله كتبت هذه المحاضرة، فإن كنا نعرف كل هذا ونؤمن به ولا غبار عليه ولا مشكلة فيه، فكيف سيفيدنا هذا التقليد عملياً في اللاهوت الدفاعي؟، الحقيقة الفوائد كثيرة للغاية، فعلى سبيل المثال، عندما نتناقش مع أحد الإخوة المسلمين، إلى مَن يكون حق التفسير؟ بالطبع المسلم خارج إطار النقاش أنه ليس له أي حق في التفسير المزاجي لكتابنا، وكلامه يساوي عدمه، فهل للمسيحي حق في التفسير؟ نعم، للمسيحي حق في التفسير ولكن تحت ضوابط معينة، أهمها هنا هو عدم مناقضة التقليد الرسولي الراسخ في التفسير، لماذا؟ كما قلنا منذ قليل، التقليد كان سابقاً للكتابة، وعندما جاءت الكتابة كان هناك تقليد موجوداً بالفعل في قلوب وعقول وأنفس الكنيسة الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية، فكان التقليد هذا يُفسِّر ما جاء في الشق الآخر من التقليد وهو ” العهد الجديد ” في حياة الرسل أنفسهم، فهذا التقليد المكتوب (العهد الجديد) جاء مؤكدا على الإيمان الموجود بالفعل، وموثقاً له في كُتب ومن هنا نتجه للتقليد الرسولي في التفسير، أو لو أردنا نحن التفسير فينبغي علينا ألا نعارض هذا التقليد الرسولي، لماذا؟ لأن هذه الكتابات لم تُكتَب في 2012 بل منذ قرابة الـ 20 قرناً من الزمان، فالظروف جميعها تغيرت تقريبا، فلم نصبح نستخدم اللغات الأصلية للكتاب المقدس (العبرية واليونانية) ولا لغات الآباء (القبطية، اليونانية، السريانية، اللاتينيّة ..إلخ) بل وتأثرنا بثقافات عربية غريبة علينا ولكن هذا التقليد في لم يتأثر في أصله، بل صار كما هو خصوصاً لمن يدرسون علم الأبائيات (الباترولوجي) وهذا التقيد من نفس الزمن الرسولي أو الآبائي كحد أقصى، وهو نفسه مُسَلَّم من أباء للآباء عن آباء عن آباء، فالنصوص المكتوبة بالأحرف كانت تفهم بالتقليد، أي أن التقليد المكتوب (العهد الجديد) كان موثقاً بالكتابة لما هو موجود بالفعل من إيمان بالبشارة الشفهية، لذلك، فلا يُسمح لأي شخص داخل كنيسة الله بالتفسير المناقض لهذا التقليد، أو التفسير المزاجي، وهذا كله فضلا عن أن يفسر مُسْلِم كتابنا، بل يصح الاستشهاد بالتقليد بحد ذاته في الحوارات نفسها، كان هذا استخداما أولاً عملياً للتقليد في اللاهوت الدفاعي، العامل الثاني وهو عامل هام أيضاً للغاية، وهو عامل القانونية، فكيف سنعرف من كتب أي سفر في العهد الجديد؟ وكيف سنعرف الظروف المحيطة بكل كاتب من هؤلاء؟ وكيف سنعرف قانونية السفر؟ وكيف سنعرف الكتب المنحولة وغيرها من الكتب؟ كل هذا نجده في كتابات الآباء الأوائل ومن هنا جاءت الأهمية القصوى لهذه الكتابات، فعلى الرغم من أنها كتابات إيمانية، أي تُسَلِّم التقليد من جيل إلى جيل إلا أنها تعبر بالنسبة للباحثين حتى من غير المسيحيين كتابات تاريخية مهمة لدراسة لغة وثقافة وحضارة هذه الفترة الزمنية وهذه الأماكن من العالم، هذا كان الاستخدام الثاني، وأما عن الثالث، ففي النقد النصي، فعلماء النقد النصي، قالوا بأن الآباء قد اقتبسوا تقريبا كل العهد الجديد (إلا آيات قليلة جداً، تقريباً 8) وقال بعض العلماء أنه لو لم يكن لدينا أية مخطوطات اليوم ولا آية ترجمات لاستطعنا جمع كل العهد الجديد من كتابات الآباء فقط، وهذا كله مع الملاحظة أن ليس كل ما كتبه الآباء وصلنا، بل وصلنا كميات قليلة مما كتبوه، فالآباء كتبوا في الردود على شبهات عصرهم، وكتبوا رسائل رعوية، وكتبوا للشرح والتفسير، وكتبوا لليتورجيا، وكتبوا أشياء أخرى كثيرة، ومن هنا فقد عاشوا الإنجيل حياةً وليس فقط قراءةً، بالطبع هُناك استخدامات أخرى سنعرفها فيما بعد خصوصاً لمن سيكمل إلى المستوى الثاني فسيتعامل مع هذه الكتابات عملياً بلغاتها الأصلية وترجماتها.

 

نكتفي بهذا القدر أملاً في أن تدرسوا هذا الكلام وتقرأوه بعناية وترون ما وراء الأسطر، وتتفكرون فيه، ونسعد بتلقي أسئلتكم ومناقشاتكم..

 

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

23-2-2012

 

المحاضرة الثانية: أساسيات الأيمان المسيحي 02

 

تكلمنا في المقالة السابقة عن أحد شقي التقليد ألا وهو ” التسليم الرسولي ” وقلنا أن مصدره واحد وهو الرسل، وهو نفس مصدر الشق الآخر للتقليد وهو ” العهد الجديد “، وقلنا أن التقليد الرسولي الشفوي هو الإيمانيات الأساسية في البشارة، مثل الثالوث والتجسد والفداء ولاهوت المسيح ومساواة الأقانيم في الجوهر ..إلخ، هذه العقائد الأساسية هي العمود الفقري للبشارة الرسولية، والتي كان عند قبولها من المُبَشَرين وتعميدهم يصبحوا مسيحيين مؤمنين كأي مسيحي اليوم، وهذا الإيمان قد آمن به ومات عليه (انتقل) مجموعة كبيرة من المؤمنين، وتكلمنا أيضاً عن أن البشارة الرسولية الشفاهية قد سبقت البشارة الكتابية (المكتوبة)، وقلنا أن التقليد المُسَلّم مرة للقديسين يساوي في جوهره التقليد المكتوب، ودللنا على هذا من القليد المكتوب نفسه وبالطبع التقليد الشفوي يؤكد على ذلك كثيراً وذكرنا أمثلة قليلة من شهادات الآباء، وما سنتكلم عنه اليوم هو يعتبَر أبسط وأسهل مما سبق نظراً لشيوع التعليم فيه وإن كنّا سنتكلم فيه من جهات متعددة ربما لا تكن معروفة لدى البعض، وسنلخصها في أسئلة.

 

توجد طرق كثيرة يعلن بها الاله عن نفسه للخليقة ومن ضمن هذه الطرق التي لا حصر لها هي كلمته المكتوبة فهو يحوي الإعلان الإلهي الدائم والدستور التي ترجع إليه الكنيسة لكي تُكَيِف حياتها على حسب ما علمته هذه الكلمة المكتوبة ومع التقليد المسلّم فهما يمثلان الأساس لكل إيمان تؤمن به الكنيسة، لذلك حفظ بداخل كنيسة المسيح دون أن يتغير قالبه الأساسي ولا رسالته وحُفظ بشكل عجائبي بداخل الكنيسة كمحافظه له وعليه وكمفسرة له.

 

لماذا تأخّرَ الرسل في كتابة البشائر الأربعة والأسفار الأخرى؟، الحقيقة هي أن لكي نجيب على هذا السؤال فعلينا بسؤال آخر يسبق هذا السؤال وهو: هل كان على الرسل أن يكتبوا فور صعود رب المجد جسدياً؟، وأهمية هذا السؤال هو الرد على سؤال آخر وهو ” لماذا تأخر الرسل في كتابة الأسفار هذه؟ “، فهو سؤال لا معنى له في ظل الإجابة على سابقه، فالحقيقة – كما قلنا – أن الرسل كانوا يقومون بالفعل بنشر الإنجيل في كل العالم، وفي وقت قصير جداً كان الإيمان المسيحي صار منتشراً في مساحات كبيرة جدا من العالم، وبالتالي لم يكن على الرسل حينها أن يفكروا في الكتابة لأن غرض الكتابة هو البشارة، فطالما أنهم بالفعل يبشرون، فلماذا يكتبوا حالاً؟ والفكرة في هذا الجواب هو أن الرسل بالفعل قد عاشوا وعرفوا أن ما يبشروا به هو بالفعل ما كتبوه فيما بعد لأنه نفس المصدر الرسولي المقدس، هذا كان السبب الأول الذي أدى لعدم الكتابة في بادئ الأمر وهو أنهم بالفعل يبشرون فلماذا يكتبون وهذا يوضح ما قاله بولس الرسول كما بينّاه في المحاضرة الأولى، وأما السبب الثاني وهو سبب مركب، فهو لاننا من جهة نعرف أن أغلبية الرسل كانوا أُناساً بسطاء وليسوا من الطبقات العليا في الشعب اجتماعيا وبالتالي ربما يكون المعظم كان يفضل التعليم الشفهي بصورة كبيرة على الكتابي لأنه أسرع ولن يحتاج منه لصياغات كثيرة قد تُبطيءُ من سرعة انتشار البشارة، ومن جهة أخرى أن التعليم في ذلك الوقت كان عبارة عن تعليم ” تلمذي ” أي عبارة عن تعليم ” معلم ” لــــــــ ” لتلاميذ ” وكان عادة يكون هذا التعليم شفهي حيث يتم تكرار الأمر 100 مرة من المعلم للتلميذ لكي يحفظ كلام معلمه ويردده التلميذ، وإذا لم يكن قد حفظها من هذه الـ100 مرة فيكررها معلمه 100 مرة أخرى له، بالطبع أنا لا أقول أن هذا ما كان يحدث من المسيح لتلاميذه ولكني أُؤصّلُ لثقافات في هذا الزمن، ومن هنا فَضّلَ الرسل التعليم الشفاهي ونشروه في كل العالم نتيجة حفظه ونتيجة سرعة انتشاره، فنجد أن القديس بطرس في أول عظة له بعد حلول الروح أنه قد وعظ وجاء إليه جمع غفير جداً بالنسبة لعظة واحدة، فكان الرب يعمل في الكنيسة بشكل عجيب، ومن هنا نعرف أن السؤال القائل ” لماذا تأخر الرسل في كتابة الأسفار هذه؟ ” هو سؤال ليس دقيقاً بسبب أنه افترض أن الرسل كانوا يريدون الكتابة أو كان من المفترض عليهم أن يكتبوا ولكنهم لم يكتبوا، فهذا افتراض خاطئ نتج عنه سؤال ضعيف.

 

فلماذا كتب الرسل إذن؟، الجواب المختصر هو لسببين رئيسيين، أولهما أن الرسل بدأوا يموتون (ينتقلون) وبالتالي كان يجب توثيق هذا المبشر به بين الأمم في وثائق تظل محفوظة وتقرأ على الشعب في الكنائس كأنَّ الرسول بنفسه موجودا بينهم، ويتم إمرار هذه الأسفار على عدة كنائس لتنسخ منها نُسخ وترسلها لكنائس أخرى وهكذا، فيكون الرسول قد بَشّرَ في كل هذه الكنائس عبر وثيقة مكتوبة، كما نفعل نحن الآن، فبدلا من أن نذهب لأصدقائنا الـ 10 لنخبرهم بأمر ما، فنقوم بإرسال رسالة مكتوبة إليهم جميعاً دفعة واحدة، فتظل الرسالة تحوي كلامي حتى بعد مماتي، هذا السبب لا يعبر فقط عن انتقال الرسل (موت) بل يمكن أن يكون أيضاً تقدم العمر للرسل، فلم يُصبحوا قادرين على الذهاب في رحلات طويلة بأساليب سَفَر بدائية، فكانوا يكتبون أو يُملون على تلاميذهم فيكتبون ويرسلون رسائلهم أو أسفارهم للكنائس المختلفة في كل العالم، والسبب الثاني هو أن بعض المشاكل بدأت تظهر في حياة الرسل أنفسهم في الأماكن التي بشروا بها قبلاً سواء كانت من داخلهم (أي من داخل المؤمنين في هذه الأماكن) أو من خارجهم عن طريق الفئات المحيطة بهم من يهود ووثنيين فكانوا يكتبون للرد عليهم أو توجيههم لأمر ما، أو للفصل في نزاع ما، فهذه الأسباب من وجهة النظر العلمية المجردة (أي التي لا تؤمن بالوحي ولكن فقط تقيس الأمور بالأحداث التاريخية وقراءة ما وراء السطور) وعندما بدأ الرسل في الكتابة قبلت هذه الوثائق في الكنيسة كتعليم الرسل أنفسهم ولكن فقط في صورة مكتوبة موثقة يُرجَع إليها كمستند قانوني كالتعليم القانوني، وهذا يؤكد ما قيل عن التقليد الرسولي نفسه.

ما هو الوحي؟، في الحقيقة هذا هو محور الموضوع الرئيسي اليوم، فقد تأثرت المجتمعات الشرقية المسيحة بالمفهوم الإسلامي عن الوحي، والذي يُعد شركاً بالإله في حد ذاته عند التدقيق فيه، فالمُسلم يقدس الحرف، ويعتقد أن القرآن غير مخلوق (المسلمين السُنّة) بل ويكفر من يقول بخلق القرآن!! فهذا هو أوضح تعريف للشرك!، ولكن ليس هذا فقط ما تأثرنا به – للأسف – فهم يقدسون الحرف ويعبدونه (تقريباً)، ولكن قبل أن نناقش هذا الأمر لابد أن نعرف أمرا واحداً وهو سؤالاً لابد أن يكون محفوظاً مع إجابته لديكم، لماذا لم ينزل الإله (المسيحي) كتاب من السماء على الرسل أنفسهم؟، هل فكرتم لماذا اختار الرب في العهدين ألا تكون هذه هي الطريقة التي يتعامل بها مع البشر كنوع وحي؟ بل أذكركم بشيء ما يُسَهّل عليكم الإجابة، لماذا لم يعرف بنو إسرائيل مكان دفن موسى النبي؟، أعتقد أنكم تعرفون الجواب، لأن موسى كان عظيماً جدا عند اليهود جميعا بل حتى إلى مجيء المسيح نفسه كان عظيماً فكم وكم بالأكثر كان عظيما في حياته وعند موته، فكان جائز جداً أن يقوم بني إسرائيل بعبادة موسى أو بتوقيره لدرجة كبيرة تخالف ما يريده الرب منهم، فخفاه، ونعود فنسأل، لماذا لم ينزل الله كتابا من السماء على الأنبياء أو على الرُسل؟ بل سأصعب عليكم الأمر أكثر وأكثر لنفتح آفاقاً في الفكر، لماذا لم يكتب المسيح نفسه إنجيلاً؟ بدلا من أن يقوم الرسل بالتبشير أو الكتابة؟، الجواب المباشر على هذا السؤال والآخر هو ما قلناه في المحاضرة الأولى وهو أن المسيح هو ” حجر الزاوية “، هو المُتَكَلَّمُ عنهُ من جميع الأنبياء، والمبشر به من جميع الرسل، هو مفصل العهدين، هو أساس الخلاص هو ” رأس الخلاص “، ولعل ما قرأتموه في ” الواجب ” السابق يوضح لكم هذا بشدة، فبدأ سفر التكوين بخلقة العالم ثم البشر، ثم سقط الجنس البشري، ثم يكمل فيكمل إلى أن أعاد الرب الإنسان الذي سقط بإرادته، أعاده بإرادته (أي بإرادة الإنسان) أيضاً إلى الملكوت ولكن بالخلاص بدمه المقدس، فالرب يسوع المسيح هو البشارة نفسها فكيف يكتب المُبَشر به بشارته؟، هذا يجعلنا نعرف أننا لا نقدس حروف الكتاب المقدس كحروف مقدسة، فنحن لا نقدس جمادات، هذا على الرغم من أن الكتاب المقدس هو أوثق كتاب من العالم القديم وصل إلينا الآن، فأنا الآن لا أتحدث عن مدى موثوقية حروف العهد الجديد، هذا ليس موضوعي الآن، انا أتكلم عن مبدأ تقديس الحرف ومبدأ تقديس الإيمان، فالإيمان مقدس نعم، لماذا؟ لأنه إيماننا بالقدوس، لكن الحروف؟ هل الحروف مقدسة؟ هل نعبد حروفاً؟ لنعطي مثالاً عملياً، هل لو لم يكن الرب يسوع المسيح قد قال ” أنا والآب واحد ” هل لم نكن لنعرف أن الإبن والآب واحد في الجوهر؟ هل لو لم يقل الكتاب المقدس عن الرب يسوع المسيح أنه هو الـ ” مونوجنيس ” هل لم نكن لنعرف أن بنوتنا للإله بنوة تبني بالنعمة وبنوته للإله بنوة من ذات الجوهر (الطبيعة)؟، هل كنا نحتاج لهذه ” الحروف ” لنعرف هذا الإيمان؟ أم أن الإيمان هذا عملياً قد تعلمناه شفاهاً في كل الكنائس الرسولية في كل العالم قبل أن نعرف أن نقرأ ونكتب؟، باختصار، هل تقدسون الحروف أم الإيمان المُعَبّر عنهُ بالحروف؟، لنصعب المسألة أكثر فأكثر حتى يتضح منتهى الطريق الفكري، لماذا نقول عن الكتاب المقدس الموجود بين أيدينا في نسخته العربية ” فانديك ” أنه هو ” الكتاب المقدس “؟، الرسل لم يكتبوا الـ ” فانديك ” هذه!، ولا يعرفون ” العربية ” من الأساس، فلماذا نقول عنه انه ” الكتاب المقدس “؟ لنصعب السؤال أكثر وأكثر، هل الأصول المكتوبة بأيدي الرسل أو تلاميذهم (بإشراف الرُسل) هي المقدسة، أم أن المخطوطات من نفس اللغة (اليونانية) التي نقلت عن هذه الأصول هي أيضاً مقدسة؟، أكثر وأكثر، هل الأصول المتمثلة في نبات البردي أو الرقوق المصنوعة من جلود الحيوانات مقدسة أم لا؟ باختصار، هل كتب الرسل ” تعويذات ” (بالمفهوم العربي) للكنائس لكي يتم توقيرها نفسها؟، من جهة أخرى، لو افترضنا أن سفراً ما كتبه أحد الرسل وتمت نساخته كما هو حرفاً بحرف تماماً، هل يتم اعتبار النسخة هذه (المنسوخة) هي كلام ” الإله ” أم لا؟ فإن اعتبرتها كلام الإله فأنت تعرف أنك لا تقدس البردي ولا الجلود ولا الحبر المستخدم بل تقدس الإيمان المُعَبر عنهُ بهذه الحروف (هذا بغض النظر عن أن النصوص نفسها محفوظة، فهذا ليس ما أتحدث فيه الآن)، وإن لم تعتبرها كلام الإله، فقل لي، لماذا لم تعتبرها كلام الإله على الرغم من أنها تحوي نفس ما كتبه الرسل حرفياً؟، هذا بدوره يعيدنا إلى نقطة هامة في تعريف ” التقليد الرسولي ” وهي أن التقليد الرسولي هو ” الإيمان الأساسي ” فمثلا لو افترضنا مثال (وهو مثال حادث بالفعل) في النص الوارد في (يوحنا 1: 18) والذي نحفظه منذ طفولتنا، والذي يقول ” الله لم يره أحد قط، الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر ” بحسب ترجمة الفانديك، ففي أدق المخطوطات واقدمها وأوثقها، يوجد النص بهذا الشكل ” الله لم يره أحد قط، الله الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر “، فهنا نسأل عدة أسئلة، الأول، ما الذي اختلف ” إيمانياً ” من كلمة ” الإبن الوحيد ” إلى ” الإله الوحيد ” بالنسبة للمسيحي؟ هل يوجد مسيحي لا يؤمن بأن المسيح هو الإبن الوحيد؟ وهل يوجد مسيحي لا يؤمن أن الإله واحد (وحدانية جامعة) وفي نفس الوقت أن المسيح هو الإله؟ فكل هذا نؤمن به بالفعل، سواء كان النص يقول ” الإبن الوحيد ” أو ” الإله الوحيد ” أو حتى لم يكتب على الإطلاق من القديس يوحنا، فالعقيدة تؤخذ من كل التقليد ” سواء المكتوب أو المسلم ” وليس من نص أو آخر، فالكتاب المقدس هو توثيق إيمان الخلاص.

 

ما هو الوحي المسيحي؟، الوحي المسيحي ببساطة هو أن الرب يختار أُناساً يكتبون عنه ويعصمهم بالروح القدس، فمميزات الرسل الأساسية في الكتابة هي أنهم إما شهود عيان بالإضافة إلى الوحي الإعلاني، أو أنهم يكتبون بالوحي الإعلاني فقط، فهناك رسلا لم يعاصروا المسيح جسدياً مثل بولس الرسول مثلاً ولكنه كان يتكلم بإعلان الرب كما قال هو نفسه وكما شهد له الرسل الآخرين، ودور الروح القدس هنا هو العصمة من أي خطأ أو ذلل وليس إملاء حروفاً وكلمات على الرسل ليكتبوها، فالروح القدس ليس قارئ لحروفٍ وكلماتٍ على الرسل، بل أن كل رسول يكتب بحسب خلفيته الثقافية والعلمية ويعصمه الروح القدس من الخطأ فالرب لم يُرِد أن ينزل كتابا من السماء لا نفهمه كما يحدث مع الآخرين – بل أراد أن يكون تقليد الرسل المنقول شفاهاً هو نفسه الموثَق كتاباً، ولهذا كان هناك البعض أثناء المناقشات يستصعب مسألة أن التقليد الرسولي وحي، فهذا من تأثير الثقافات الإسلامية علينا، فيجب التخلص من هذا الفكر.

ما هو معيار الوحي؟، إن معيار الوحي يمكن أن نلخصه بسهولة في أنه ” أنفاس الإله “، ولعلنا هنا نسأل، من المعروف أن ليس كل ما قاله أو فعله المسيح قد سجله لنا الوحي المقدس المكتوب، فهل هذا يعد انتقاصا من الوحي وبالتالي يكون التقليد المكتوب (العهد الجديد) محرف لهذا السبب؟! بالطبع لا، لان تعريف التقليد هو انه ” الإيمان الأساسي المسلم مرة للقديسين ” فهل انتقص الإيمان؟، لكي تجرب بنفسك، حاول أن تستثني أي نص في الكتاب المقدس يكون يقول بعقيدة معينة، وحاول أن تفكر في الطرق الأخرى لهذه العقيدة – سواء كانت داخل الكتاب نفسه أو في التقليد الشفهي – فهل توجد عقيدة واحدة أساسية في الكتاب المقدس ستزول بعدم أخذك بهذه الآية؟ الحقيقة لا توجد ولا عقيدة واحدة أساسية تعتمد على آية واحدة في الكتاب المقدس، ولهذا نقول إن العقائد الأساسية هي في كل الكتاب وليست في آية واحدة، على كلٍ، لن أطيل عليكم، واترك الباقي للمناقشة لأنها الأهم بالنسبة لي.

 

 

 

 

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

25-2-2012

 

 

المحاضرة الثالثة: أساسيات الأيمان المسيحي 03

 

بعد أن تكلمنا في المحاضرتين السابقتين عن شقي التقليد الرسولي وقلنا إنهم بنفس المستوى السلطوي (أي ذا السلطان على كل مسيحي)، وجب الآن وفقاً لأسئلتكم أن نُعرّف أمراً هاماً آخر، وهو، ما هي المصادر القانونية للإيمان المسيحي؟، بالطبع تكلمنا عن أول شقين، وهما شقين في مرتبة الوحي المقدس لأنه من الرسل أنفسهم، واليوم سنتكلم ببساطة عن المصادر الأخرى التي شغلتكم في المحاضرتين السابقتين.

 

المجامع الكنسية، المجامع الكنسية هي عبارة عن اجتماعات طارئة لمجموعة من قيادات الكنيسة في زمن محدد لمناقشة أمر محدد، والمجامع الكنسية تنقسم إلى ثلاثة أقسام (والبعض يقسمها إلى إثنين فقط)، قسم يُعرَف بـ ” مجامع مسكونية ” وآخر بـ ” مجامع مكانية ” وآخير يعرف بـ ” مجامع محلية ” والمقصود بالمجامع المسكونية، هي تلك المجامع التي تُعقَد عالمياً لمناقشة أمر طاريء، وأما المجامع المكانية فهي عبارة عن اجتماع الأسقف بالكهنة وبالشمامسة لمناقشة أمر ما داخليا داخل هذه الأُبروشيّة، وأما المجامع المحلية (ويطلق عليها أيضا ” المجامع الإقليمية “) فهى التي يجتمع فيها البابا مع أساقفته على مستوى كنسية (طائفة)، والمجامع كانت في عصر المسيح له المجد نفسه، ففي (متى 26: 3) جاء ” حينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذي يدعى قيافا ” وفي (مرقس 15: 1) جاء ” وللوقت في الصباح تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله فأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس ” وأيضاً في (أعمال الرسل 5: 27 – 42) مع الرسل، وأيضاً مع أول الشمامسة إستفانوس (أعمال الرسل 6: 9)، ثم بعد ذلك عقد الرسل أنفسهم بعقد مجمع في أورشليم في عام 49 ميلادية، أي في حياة كل الرسل تقريباً، ونرى أنه في نهاية المجمع قد قال الرسل (15: 28) ” ‎لانه قد رأى الروح القدس ونحن ان …. “، وهذا يوضح قيمة قرارات الرسل فقد تشاركت مع الإله على نفس المستوى، وهنا يوضح أيضاً قيمة القرارات التي تخرج من المجامع أنها قرارات إيمانية ملزمة لكل مسيحي (هذا إن كان المجمع مسكوني)، على كلٍ، ليس هذا ما نناقشه الآن، المهم أن نعرف أن المجامع (وخاصة المسكونية) غير المختلف عليها قوانينها ملزمة لكل مسيحي بحسب نوع المجمع، فلا ننسى أن الرب قد اعطى الرسل سلطان الحِل والربط حين قال لهم ” الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء. وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولا في السماء ” (متى 18: 18)، الأمر الهام الآخر هو أن نعرف أن المجامع لم تخترع شيئاً، المجامع فقط قننت شيئاً بصورة رسمية أي وثقته، وجعلت إطاراً على هذا الشيء، من يتعداه فقد خرج خارج الأيمان المسيحي ويتم الحكم عليه بالفصل عن جسد المسيح الذي هو الكنسية الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية، يجب هنا التنبيه إلا أمرا هام، هذه المجامع ليست وحياً بالمعنى المتعارف عليه، فهي للرسل فقط (باستثناء مجمع أورشليم)، ولكن قرارات هذه المجامع (غير المختلف عليها) هي داخل إطار التقليد الرسولي، فكل ما عملته هذه المجامع هو وضع خطوط فاصلة صريحة بين ما هو صحيح وما هو خاطئ، فالمجامع لم تخترع شيئاً لا أصل له بل فقط أظهرت ما كان عليها أن تظهره من التقليد المسلم لها لذلك يقول القديس أثناسيوس ” إيماننا صحيح يبدأ من تعاليم الرسل وتقليد الآباء ويتأكد بالعهد الجديد والعهد القديم “.

 

الليتورجيات، تعني هذه الكلمة الصلوات الدورية في الكنيسة، سواء صلوات القداس نفسها أو الصلوات الأخرى المرتبطة بالكنيسة ويدخل معها الطقوس ومعانيها مثل العِماد والميرون ومسحة المرضى، هذه الليتورجيات ليست هي نفسها التقليد الرسولي بشكل مباشر، ولكنها تحوي التقليد الرسولي سواء التقليد الشفهي أو التقليد الكتابي، فنجد مقاطع من القداس الإلهي من الكتاب المقدس، ونجد تعاليم التقليد الرسولي أيضاً فيه، فترى الثالوث وترى التجسد وترى الفداء ..إلخ، فيمكن أن نقول إن الليتورجيا هي التفعيل العملي للتقليد الرسولي في حياة المؤمن المسيحي.

 

تفاسير الآباء، هذه التفاسير هي امتداد التقليد الرسولي نفسه، ليست هي نفسها التقليد ولكنها امتداد التقليد، فالتقليد الرسولي قد سُلِمَ مرة للقديسين، ونقله لنا الآباء وحافظوا عليه، واستخدموا التقليد المنقول شفاهاً في تفسير التقليد المنقول كتابةً، فالتقليد محفوظ أيضاً داخل تفاسير الآباء حيث تم تفعليه في التفسير، فيمكن أن نقول أن المحتوى العام الإيماني للتفسير الآبائي هو التقليد الرسولي المنقول إلينا والذي حُفِظ على مر العصور، لا يعني هذا أن تفاسير الآباء غير التقليد الرسولي لأنها هي امتداده ومزيج بين شقيه (الشفاهي والكتابي)، لذلك ففي نقاشنا مع غير المسيحيين فمعيار التفسير هو الآباء لأنهم حصلوا على فرعي التقليد، خصوصاً الآباء اليونان (أي الذين يتحدثون اليونانية) لأنهم يقرأون العهد الجديد بلغتهم اليونانية أيضاً فلا يكون هناك اختلافا في اللغة، بالإضافة إلى قربهم من العصر الرسولي، بالإضافة إلى عدم دخول ثـقافات أخرى عليهم بالإضافة إلى التقليد المسلم إليهم من آبائهم، فكل هذه عوامل ترفع من شأن التفاسير الآبائية وقد بدأت منذ سنوات محاولات عديدة لترجمة أقوال الآباء إلى اللغة العربية من دارسين متخصصين فيها، هذا النوع من التقليد يطلق عليه البعض ” التقليد الأبوي “، ويمكن أن نطلق على كل الأعمال الأبوية (من غير الآباء الرسل) سواء كانت تفسيرية أو تأملية أو دفاعية .. إلخ، الأدب الآبائي.

 

 

طبيعة المسيح، من هو المسيح؟ هل هو الإله فقط؟ هل هو الإنسان فقط؟ لا، المسيح هو الإله الكلمة المتجسّد فهو يحوي كل طبيعة اللاهوت وكل طبيعة الناسوت إلا الخطية وحدها، والطبيعة الإلهية متحدة اتحاد تام حقيقي دائم بغير انفصال ولا امتزاج ولا تغيير، ونقصد بهذا أن هذا الإتحاد لم يجعل الناسوت لاهوتاً ولا اللاهوت ناسوتاً، ولا اختلط اللاهوت بالناسوت ولا ابتلعت إحدى الطبيعتين الأخرى بحيث تتلاشى واحدة منهم فكل ما فعله المسيح كان بـ”الإتحاد” بين الطبيعتين، وهنا يجب شرح أمراً هام فلتتذكروه عند بداية التعليق على سلسلة المحاضرات للمسلم التي سنرد عليها جميعاً حيث ستجدون العجب العجاب فيها بشأن هذه الأمر، فعندما نقول مثلا أن المسيح هو الذي مات على الصليب، فهل الذي مات هو اللاهوت أم الناسوت؟ يطرح المسلم هذا السؤال بغرض التشكيك والفاهم منهم (جدلاً) بغرض التفاخر، ويفكر بالطريقة الآتية: إن قال “النصراني” إن الذي مات هو اللاهوت فيكون قد ” كفر ” لان الله لا يموت وهكذا ينص الكتاب التقليد المكتوب دائماً، ولو قال “النصراني” أن الناسوت هو الذي مات فيكون الفداء لم يتم لأن الفداء يلزمه ذبيحه غير محدودة للتكفير عن الخطية، فهنا يقف المسلم متفاخرا ويقول ” هه هزمت النصراني! ” وفي حقيقة الأمر السؤال مضحك، وخاطئ ولكن لكي نرد عليه لن نبدأ بتصحيح السؤال بل سنعطيه إجابة صحيحة على السؤال الخاطيء، فالإجابة الصحيحة هي ” الناسوت المتحد باللاهوت ” فالفعل نفسه يقع على الناسوت لأنه من صفات الناسوت، لكن هذا الناسوت متحد دائماً اتحادا حقيقياً باللاهوت، فهنا الفداء تم بفعل اللاهوت والناسوت، الناسوت وقع عليه ” فِعل الموت ” واللاهوت أعطى لموت الناسوت عدم محدودية لخلاصه (أكرر، عدم المحدودية للخلاص وليست للناسوت!) ويوجد مثال جميل لشرح هذا الفداء، فعندما يتم تسخين قطعة حديد إلى حد الاحمرار ويتم الطرق بعد ذلك على الجزء الملون باللون الأحمر نتيجة النار، فالطرق نفسه لا يؤثر في النار ولو لقينا نطرق لعامين!، ولكنه يؤثر بسرعة على قطعة الحديد نفسها، ولكن هذا التأثير في قطعة الحديد تعطيه النار المتحدة به إمكانية للتشكيل بسهولة جداً، هكذا الأمر ما الفارق بالطبع، فعندما نقول أن المسيح فعل هذه بالناسوت لا نقصد أن الناسوت كان منفصلا عن اللاهوت عندما فعل هذا الأمر، وعندما نقول إن المسيح فعل هذه باللاهوت فلا نقصد انه فعل هذه باللاهوت منفصلا عن الناسوت، فكل طبيعة متحدة بالأخرى اتحاد حقيقي كامل منذ اللحظة الأولى للتجسد، وعندما سنتقدم للمرحلة الثانية من الدورة سنتعمق عملياً في هذا الموضوع.

 

 

الثالوث، ما هو الثالوث؟ هل هو جعل الإله ثلاثة؟ هل هم ثلاث آلهة بجانب بعضهم؟ أم ماذا؟ دائماً أقول عبارة يمكن أن تشرح الثالوث ببساطة، الثالوث ليس خروج عن جوهر الله الواحد فنعدده إلى آلهة بل دخول إلى جوهر الله الواحد فنعرفه أكثر، وهذا الإعلان هو بحسب ما أعلنه لنا التقليد المقدس سواء المنقول شفاهاً أو كتاباً، ومن التعاليم الأساسية التي غفلناها عبر الزمن نتيجة التسطيح في دراسة الكتاب المقدس والتقليد المقدس هو أننا عندما نقول مصطلح ” الله الآب ” فإننا بهذا اللفظ نتضمن الله الإبن والله الروح القدس، لان الكتاب يعلن بوضوح (حتى بدون التقليد المقدس) أن الروح القدس منبثق من الآب، وأن الإبن في حضن الآب، فطالما قلنا أن ” الآب ” هو الله فقد تضمّنّا الإبن والروح القدس لأننا لا نتحدث عن ثلاث آلهة منفصلين نؤله واحد بعيدا عن الآخر، الثالوث القدوس يتساوى في كل شيء جوهرياً، فنحن نؤمن بـ ” جوهر واحد ثلاثة أقانيم “، وكلمة هيبوستاسيس في اللغة اليونانية تعني ” ما يقوم عليه الشيء ” وهي المقابل اليوناني للكلمة الآرامية ” قنوما ” المعربة إلى ” أقنوم “، يمكن شرح الثالوث بطريقة بسيطة أيضاً كالآتي، الآب هو الإله من حيث الجوهر وهو الأصل (أي المنبثق والمولود منه) من حيث الأقنوم والإبن هو الإله من حيث الجوهر وهو المولود من حيث الأقنوم، والروح القدس هو الإله من حيث الجوهر وهو المُنبثق من حيث الأقنوم، ولتوضيح هذا الأمر للمسلم يمكن أن نشرحها من جهة الأقنومية نفسها بشكل أبسط من السابق، فنقول:

 

الله موجود بذاته ……. الآب

الله ناطق عاقل بذاته …. الإبن

الله حي بذاته ……….. الروح القدس

 

ويمكن شرح الثالوث بصورة بسيطة أيضاً ولكن من جهة واحدة فقط، فنقول، لو مثلنا الثالوث بزوايا المثلث الثلاثة، فكل زاوية من الثلاثة ليست هي الزاوية الأخرى ولكن كل زاوية من الثلاثة يمكن من خلالها تمثيل المثلث، فنقول الزاوية أ ب ج تعبيراً عن المثلث بالزاوية ب، ونقول المثلث ب ج أ تعبيرا عن المثلث بالزاوية ج، ونقول المثلث ج أ ب تعبيرا عن المثلث بالزاوية أ، فكل منهم يعبر عن هذا المثل كاملاً حيث أن كل زاوية تكون بين ضلعين وهميين يكونان شكل المثلث وفي نفس الوقت هو مثلث واحد، انا شخصياً مقتنع أنه يمكن شرح الثالوث القدوس بأمثلة، بالطبع ليست مطابقة، ولكنها تقريبية، وأيضاً في شرح وجه واحد من الأوجه وليست كل الأوجه، وهذا رأي شخصي لي، ويوجد آراء أخرى تقول بعدم شرح الثالوث بالأمثلة.

 

 

هل الله اتخذ ولد؟!، ما الفرق بين بين أن لله ولد وان الله أتخذ ولد وبين مصطلح ” إبن الله “؟، القول بأن الله اتخذ ولد هو قول لا علاقة له بالمسيحة على الإطلاق، حيث أن اللفظ يقول بأن الله ” اتخذ ” ولداً، فهذا يعني أنه لم يكن متخذه قبل أن يتخذه وبالطبع هذا ينافي عقيدة المسيحيين، فالمسيح هو إبن الله الوحيد أي من ذات الله، وهذه الولادة ليست ولادة زمنية بحيث لم يمر أي وقت ولا غير وقت لم يكن فيه الإبنُ ابنًا ولا الآبُ آباً، ومن هنا يظهر الفرق، أما مصطلح ” إبن الله ” فهو ينفي كل الأنواع المعروفة البشرية للولادة، فهي ولادة غير زمنية ولا جسدانية، الولادة المقصودة هنا هي ولادة من ذات الجوهر في ذات الجوهر أي أن الإبن من جوهر الآب ومولود أقنوميا داخل الجوهر الإلهي، هل القرآن يرفض البنوة المسيحية؟ في الحقيقة القرآن لا يوجد به ولا نص واحد يرفض عقيدة الولادة المسيحة كما تقول بها المسيحية، فما يرفضه القرآن هم أن الله يتخذ صاحبة ومنها ولداً، وهذا نتفق فيه معه، فالله لا يفعل هذا الأمر ولا نؤمن بهذا على الإطلاق، فعلام يعترضون؟

 

 

هل الثالوث هو ما يطلق عليه البعض” ثالث ثلاثة “؟، في الحقيقة هذا الكلام لا علاقة له بالعقيدة المسيحة من أي وجه، فالقرآن يقول عن ” ثالث ثلاثة ” أي ” الثالث من ثلاثة ” ويقول إن أحد الثلاثة هو ” الله “، وفي مواضع أخرى يشرح أن الثلاثة هم ” الله ” تزوج ” مريم ” وأنجب منها ” عيسى “، فهل هذا ثالوث المسيحية؟ أو هل هذا هو فكر الإبن في المسيحية؟، هذا الكلام لا علاقة له بالمسيحة على الإطلاق، فالثالوث المسيحي هو ” الآب والإبن والروح القدس” وليس به ” زوجة ” وليس به لفظ ” الله ” كأقنوم، وليس به ” عيسى “! فما علاقة هذا بنا!، هل القرآن يرفض الثالوث؟ الحقيقة هي ” لا ” لأن القرآن في كل نصوصه يتكلم عن ثالوث آخر مختلف عن ثالوث المسيحيين المعروف، وبالتالي فلم يتكلم عنه من الأساس وبالتالي لم يرفضه.

 

ما هي خطة الله لخلاص البشر؟ خلق الله الإنسان وأعطاه وصية أن يأكل من جميع شجر الجنة إلا شجرة واحدة، ولكن الإنسان بغواية الحية قد أكل وسقط فحُكِم عليه بالموت الذي كان قد نبهه الرب له أنه العقوبة في حالة الأكل من الشجرة، ولكنه أكل وأصبح محكوم عليه بالموت، ففي ملء الزمان تجسد الله متأنساً من الروح القدس ومن العذراء مريم، فهل يؤله المسيحيون إنساناً ويعبدونه؟ أم يعبدون الله الظاهر في الجسد؟، المسيحيّة لا تعرف تأليه البشر بل هي تعبد الإله الحقيقي وحده، هل الذي تجسد هو ” جزء ” من الله هو ” الإبن “؟ بالطبع لا، فالابن ليس جزء من الآب، فهو كل الإله وليس قِسم منه، فالذي تجسد هو الله وأقنوم الظهور الإلهي هو أقنوم الإبن، كما كان يظهر في العهد القديم بصور كثيرة، وفي آخر الأيام ظهر لنا آخذاً صورة عبدٍ، فنحن لا نؤله إنساناً بل نُعلن عن ألوهية الإله.

 

 

أين قال المسيح انه جاء ليفدينا من الخطية الأصلية؟، ما هي الخطية الأصلية أولاً؟ هل هي خطية الأكل من الشجرة؟ أم هي عصيان أمر الله بالأكل من الشجرة؟ أم هي التكبر؟ الخطية الأصلية هو تعبير يطلق على الفساد للطبيعة البشرية في البداية، أي في الأصل، فلذلك الرب يسوع المسيح لم يأت لفدينا من خطية آدم وحدها، بل جاء ليطلب ويخلص ما ” قد هلك “، وأتي ليكون لنا ” حياة ” فلهذا لم يتكلم المسيح عن ” الخطية الأصلية ” لان من ضمن الخطايا ومن ضمن ما قد هلك ستكون هذه الخطية، فهو يخلص الكل في كل زمان ومكان، كل من آمن به يخلص.

 

كيف ينسب الكتاب المقدس الذنوب للأنبياء؟، يجب هنا أن نعلم من هم الأنبياء، الأنبياء مثلنا تماماً، لا يتميزون عنا في أي شيء إلا أمر واحد، وهو أمر الوحي، ففيه فقط هم معصومين، ولكن في غير الوحي غير معصومين، فلماذا ينسب لهم الكتاب المقدس الزنا والكذب ..إلخ؟ يجب أن نسأل سؤالاً سيوضح لنا ما هو الرد، هل الكتاب المقدس نسب إليهم الخطايا أم ذكر أنهم قد أخطأوا؟ بالفعل قد ذكر انهم أخطأوا، فقد ذكر خطأهم، ليعلمنا أنه كتاب لا يحابي لأي شخص، لانه كتاب القدوس، فلا قداسة لأحد إلا له، فلهذا ذكر ما فعله الأنبياء فعلا ولم يدعِ عليهم ما لم يفعلوه، الغريب والعجيب أن من يعترضون على هذه الخطايا في الكتاب المقدس، الأنبياء لديهم قد أذنبوا أيضاً!!

 

 

 

تحريف الكتاب المقدس!، فكما عرفنا أن الوحي هو تعامل الله مع الإنسان بأساليب وطرق مختلفة وتظهر في مواهب متعددة والكتاب المقدس هو الوحي النقلي أي المدون وهو جزء من التقليد المسلم من الرسل القديسين، والكثير من غير المؤمنين، المسلمين تحديدا يتهمون الكتاب المقدس بالتحريف ولكن دون أي دليل أو برهان فالذي لا يستطيع أن يواجه الحقيقة يهرب منها وهذا هو أسلوب الهرب من الحقيقة الواضحة أي الكتاب المقدس، والشيطان له أسلوب معروف هو التشويش، فطالما لم يستطع أن يواجه الكتاب المقدس فإنه يقوم بالتشويش على المؤمنين به، أما إلهنا هو اله سلام ونظام، فهل يُعقل تحريف الكتاب المقدس؟، الكتاب المقدس هو الجزء المدون من التقليد الرسولي، والتقليد الشفاهي لا يتعارض مع الكتاب بل يشهد لصحته، وأقوال جميع الآباء من القرن الأول تشهد للكتاب المقدس.

 

       هناك 25000 مخطوطة وقصاصة ترجع بعضها للقرن الأول جميعها تشهد للكتاب المقدس فهل يعقل أن يكون التحريف في جميع نسخ الكتاب على مستوى العالم كله؟

       اليهود والمسيحيون يشهدون لصحة الكتاب المقدس فان حرف طرف منهم شيء سيفضحه الطرف الآخر فمن الذي حرف الكتاب؟ وأين التحريف؟

       لا يوجد قصاصة ولا مخطوط ولا برديه للإنجيل والتوراة الوهمية في أذهان المسلمين فهل يعقل وجود إنجيل آخر غير الذي في أيدينا؟

       لا يوجد ما يُقاس عليه بأن الكتاب محرف،، فاين النسخة غير المحرفة التي استدلوا منها على تحريف الكتاب المقدس ليقارنوها بالمخطوطات الموجودة؟

       قد يلجأ البعض الي علم النقد النصي على انه ضد الكتاب المقدس والعكس هو الصحيح فالنقد النصي يشهد لصحة الكتاب المقدس وقد يلجأون إلى الاختلافات بين المخطوطات على أنها تحريف وحتى إن سلمنا وجود هذه الاختلافات، فلا أي اختلاف منهم يضر العقيدة المسيحية بالرغم من كونها اختلافات ترجع إلى أخطاء النساخ وليس خطا الوحي، فلا يوجد خطأ نسخي واحد يؤثر على أي عقيدة في المسيحية، وأنا (مولكا) شخصياً درست علم النقد النصي إلى الآن دراسة أستطيع أن أقول عليها مستفيضة جداً وقد تأكد لي قوة هذا الكتاب الجبار، فلا يمكن نقد المسيحة سواء عن طريق الكتاب المقدس أو عن طريق التقليد المقدس، فأبواب الجحيم لن تقوى عليها.

 

 

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

28-2-2012

 

 

المحاضرة الرابعة: القراءة النقديّة للشبهة 01

 

تكلمنا في المحاضرات السابقة عن بعض الأساسيات اللازمة، والتي سنستخدمها في الردود الفعليّة على الشبهات، واليوم تُعد هذه المحاضرة بداية للجزء الثاني من الدورة وهو الخاص بالتدريب على نقد الشبهة قبل بدء الرد الفعلي، أي أن المطلوب من هذه المحاضرة هو التدريب على القراءة النقدية للشبهة، وهذه الخطوة مهمة جداً ففي البداية ستعرف منها أن أكثر من 85% من شبهات المسلمين لا يرقى لمستوى القراءة أصلاً أي أنك لن تُكمل قراءة الشبهة إن كانت ضمن هذه النِسبة من الشبهات، ومن هنا تظهر أهمية هذه المحاضرة، فنحن في غنى عن الرد على مثل هذه الشبهات الساذجة، لانها بلا قيمة، ولكن لكي نعرف أي من الشبهات تقع داخل هذه النسبة وأيهما لا تقع، لابد أن نتدرب على كيفيّة تقييم الشبهة، في البداية ما هي الشبهة؟ الشبهة هي عبارة عن شيء يراه الآخر سيء في دينك (انا هنا أتكلم عن المعنى الاصطلاحي للمسيحين) مثل “التناقض”، “الخطأ العلمي”، “الخطأ التاريخي”، “التحريف”، “القانونية”، “ألوهية المسيح”، “الثالوث القدوس”…إلخ، بعد هذا نريد أن نعرف مبدأ الرد على الشبهة، فما هو مبدأ الرد على الشبهات؟، الرد على الشبهات بشكل عام هو مقابلة الفكر الخاطيء بالفكر الصحيح، هذا الفكر الخاطيء يختلف من شخص لشخص، من حيث المادة (أي محتوى الشبهة) ومن حيث العمق (أي تأصيل الشبهة) ومن حيث الاتساع (أي مشابكة العلوم المختلفة في بعض) ومن حيث الدقة ومن حيث الهدف ومن حيث الترتيب ومن حيث العلم ..إلخ، كيف سنتعامل مع هذه الأنواع؟ كل شبهة لها سمات مُعينة لابد أن يعرفها المدافع ثم يستخرجها ثم ينقدها أثناء القراءة، هذه السمات هي:

 

  1. العمود الفقري للشبهة: كل شبهة لها هدف واضح صريح (إلا ما ندر)، مثل التشكيك في ألوهية المسيح أو الثالوث أو قانون الكتاب المقدس (القانونية) أو ما إلى ذلك، يجب أولا تحديد هذا العمود، ولعل أحدكم يفكر في أن هذا أمرًا طبيعيّاً لم يكون هناك حاجة لكتابته في المحاضرة، وهذا خطأ، لماذا؟ لأن المسلمين متخصصون في التشتيت، فتجد موضوع به عمود فقري واحد وتجد معه مواضيع جانبية لا علاقة لها بهذا الموضوع أو خيالات أو أوهام أو آراء ولعدم التشتيت يجب أن يعرف كل مِنّا ما هي الشبهة التي يرد عليها تحديداً في هذا الموضوع.
  2. التفريق بين الأدلة والاقتباسات، هناك فرق بين “الدليل” و”الاقتباس” وهذه نقطة هامة وخطيرة، كما قلنا إن المصادر القانونية في الكنيسة – إلى الآن في الدورة – هي شقي التقليد (المنقول شفاهاً والمنقول كتابةً)، وفقاً لهذا التعريف فإن كل ما عاداه هو قابل للفحص، بمعنى هل الاستشهاد – مثلا – بكلام قاله “الدكتور” كذا أو “القمص” كذا، أو “القس” كذا أو حتى – في بعض الأحيان – “القديس” كذا في غير التقليد، هو امر مُلزم؟ بالطبع لا، كل هذه الكتابات مع الأهمية القصوى العظمى الأساسية لكتابات الآباء، فهي تُعرض على التقليد الرسولي ومع الخط العام للآباء، لنرى هل هذا تفسيراً منفرداً أو مخالفاً (أتكلم هنا عن الكل إلا الآباء) أم أن هذا التفسير هو التفسير المُنتشر والمقبول في كل أرجاء الكنيسة (العالمية)؟ إن كان منتشراً – بالأدلة – في كل أرجاء الكنيسة فهو دليل، وإن كان غير منتشر في الكل فهو استشهاد يخص فكر شخصي أو فكر مجتمعي، وبالتالي فلا مشكلة في رفضه، فمثلاً عندما يأتي لي شخص ويقول ” أنت تخالف كلام القمص الذي قال … “، فماذا لو كان رأيه غير صحيحاً في وجهة نظري؟ الرد هو: الرفض، لماذا؟ لانه ليس ملزم لي، لماذا؟ لأنه خارج التقليد، ربما يفهم البعض بالخطأ أني أتكلم عن تفاسير الآباء، هذا الكلام لم اقله وهو خاطئ، انا أتكلم عن التفاسير في غير العقيدة، مثلاً، عندما يكون هناك زمن ما في مجتمع ما كانت فيه العادة هي ارتداء ما يشبه الحجاب على الشعر بالنسبة للمرأة، ونجد أن قديس ما أمرَ بارتداء هذا الحجاب، فهل يحق لمسلم أن يستشهد بهذا القول لهذا القديس لنرتدي هذا الحجاب كأمر من قديس؟ بالطبع لا يحق، لماذا؟ لان هذا أمر مجتمعي بحت ولأن ” كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط عليّ شيء ” فالقيد هنا هو “الموافقة” و”عدم التسلط” وأيضاً لأن التقليد المكتوب يقول لنا ” امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن “، فالمسيحيّة لا تعرف تأليه البشر ولا تعرف العصمة المطلقة الآباء، لماذا انا تكلمت هنا عن الآباء؟ لكي تعرفوا أنه إذا كانت كتابات الآباء في الأمور المجتمعية ينبغي عرضها على التقليد فكم وكم كتابات “العالم” فلان، أو “القس” أو “القمص” أو “البطريرك” ..إلخ، فالحياة المسيحية بسيطة ولا يتسلط علينا شيء (إلا التقليد بالطبع فهو إيماننا القويم)، لماذا كتبت هذه النقطة من الأساس؟!، كتبتها لأني وجدت بعض المسيحين يجدون حرجاً في رفض اقتباس قدّمه مسلم من أحد هذه “الألقاب” فهو يظن – أي المسلم – أن طالما الاقتباس مسبوقاً بإحدى هذه الألقاب فهو “حجة على النصراني”!، وهذا كلام خاطئ تماماً كما أوضحنا، السبب الثاني هو أني وجدت بعضً آخر يقتنع بالاقتباس طالما قدّمه “لقب” وبالطبع هذا خطأ آخر كما قلنا يستغله المسلم في الحوار ويجب علينا معرفته، ما هي أهمية هذه النقطة للإطالة فيها هكذا؟ أهميتها وببساطة أنك ستجد شبهات بكاملها قامت على اقتباس من إحدى هذه المصادر مع ندرة الاستشهاد بالآباء لأن الاستشهاد بهم من قبل المسلم سينهي على الشبهة أثناء كتابته لها!

 

  1. ليس من حق المسلم التفسير!، هذه نقطة تكلمنا عنها سابقاً، وهي أن المسيحي من حقه التفسير مادام لم يعارض التقليد بشقيهِ لكن المسلم ليس من حقه التفسير في الأساس، فهو ليس كتابته، وهو خصم حواري ومُغرِض، ومن هنا ما الذي يجب ملاحظته أثناء قراءة الشبهة؟ أي تفسير شخصي لمسلم هو غير قابل للنقاش أصلاً، حتى ولو كان صحيحاً فالمبدأ هو أن تستشهد بما يخصني وليس أن تفسر على هواك، ومن هنا يجب الالتفات إلى هذه التفاسير الشخصية بغرض طلب تأكيدها من مصادر مسيحيّة ويكون هذا هو الحد الأدنى الذي يبدأ على أساسه الحوار وليس إضاعة الوقت في تفسير شخصي لمسلم، هذا المبدأ مهم للغاية، ويجب على المدافع ألا يمر عليه ويتساهل فيه، فلا ضرر إن استمر الحوار لسنوات ولكن أن يكون مفيد، ولن يكون مفيداً بالتفسيرات الشخصية للمسلم، لماذا؟ دعونا نفترض، المسلم قام بالتفسير، وأنت قمت بالتفسير، من الذي يحكم في صحة التفسير؟ في هذه الحالة طالما أن المسلم لم يستعن أصلا بالتقليد ولا بالآباء ولا بالبطارقة ولا بالأساقفة ولا بالقمامصة والقسوس ولا بالعلماء، فهو قد رفض الحوار العلمي أساسا وبالتالي فلا غاية من الحوار إلا ضياع الوقت وهذه تسمى مناقشات غبية والتقليد المقدس المكتوب قد نهى عنها، كيف سيساعدنا هذا بشكل عملي على المستوى القريب والبعيد؟ على المستوى القريب سيساعدنا في الرد على أكبر كم من الشبهات في زمن قياسي صغير، لانه كما قلت إن الغالبية من الشبهات تكون هكذا وبالتالي، مجرد طلب الدليل ينهي الشبهة تماماً، وأما على المستوى البعيد، فهو سيجعل المسلم نفسه أكثر علمية وأكاديمية ومنطقية وبحثية وبالتالي لن يكتب مثل هذه الشبهات الساذجة، فلن يقتص صورة من هنا ويقوم بتلوينها ليخدع بها البسطاء، بل سيعرف أصول البحث العلمي الحر.

 

  1. مراد طارح الشبهة، كل من يكتب شبهة له غرض مُعيّن، وكلهم لهم غرض كبير ثابت، وهذا الغرض هو إثبات أن المسيحيّة ليست هي “الديانة” الصحيح – بحسب فكره -، هنا يجب التعامل مباشرة مع هذا الـ”غرض”، فإن رددت على الشبهة في هذا الغرض فقط فأنت أنهيت على الشبهة، مثلاً، شبهة أن مجمع نيقيّة هو من قام بـ”تأليه” الرب يسوع المسيح، يمكن أن تجد شبهة تتكلم في وقائع المجمع وما الذي دار فيه، واقتباس من هنا ومن هناك وتلوين من هنا وهناك وقول لهذا وذاك، لكن، ما الغرض من كل هذا؟، هذا هو الدافع وراء كتابة هذه الشبهة حتى وإن كانت مكتوبة في آلاف الصفحات، لكن لها غرض رئيسي تريد أن تصل له، ومن هنا، فالغرض هو أن المسيح لم يكن إلها وقام المجمع بتأليهه، فهنا على سبيل المثال، كيف يمكن الرد من منطلق “مراد طارح الشبهة”؟ الرد يكون بعكس ما أراده صاحب الشبهة وبأضعف الاقتباسات، بكلمات أخرى، أليس هو يريد أن يثبت أن المسيح لم يكن إلها قبل مجمع نيقية؟ حسناً، سأثبت أنا باستخدام ” الاقتباسات ” في إثبات أن المسيح كان هو الإله قبل مجمع نيقية بل ومن وقائع مجمع نيقية نفسها أو في كتابة بحث عن لاهوت المسيح بل مجمع نيقية، وبهذا يكون كل “بحثه” لا قيمه له لان مراد البحث تم الرد عليه.

 

  1. استخراج الاستشهادات أو الأدلة من البحث، هذه النقطة مهمة في بدايات المدافع المسيحي، فغالبا ما تكون الشبهات الإسلامية عبارة عن “حشو” لا قيمة له في أي شيء، ويتم كتابة شبهة طويلة عريضة مبنية على “استشهادين” أو أكثر، ولكن يتم كتابة قبل وبعد كل استشهاد مجموعة من الكلمات التي توجه عقل القاريء لفهم الاقتباس بطريقة مُعينة يريدها صاحب الشبهة، ومن هنا يجب على الكل في البداية التدريب على استخراج الاستشهادات ثم قراءتها بمفردها أو التوجه مباشرة داخل الشبهة إلى الاقتباسات هذه، ثم إعادة قراءة الشبهة، وغالبا الذي يحدث بعد هذه العملية هو سؤال المسلم ” من قال لك أن هذا الاقتباس يعني كذا؟ ” سأخبركم بشيء طريق، منذ عدة سنوات كان المسلم لا يجرؤ أن يذهب لتفسير مسيحي ليقتبس منه لأن التفسير المسيحي في الغالب لن يضع ما يريده المسلم لأنه ما يريده المسلم هو شيء خاطئ وبالتالي لن يجده في أغلب التفاسير، ومع تقدمنا العلمي الكبير (أقصد المسيحيين فقط) اضطروا للاستشهاد بتفاسير المسيحيين ولكن فعلوا أشياء طريقة جداً ستجدونها بأنفسكم، فعلى سبيل المثال، أصبحوا لا يفهمون التفسير نفسه! أي انهم يحتاجون إلى تفسير لتفسير التفسير الذي يُفسّر الكتاب المقدس! أو أنهم يقومون ببتر التفسير نفسه بما يوافق هواهم! صدقوني هذا يحدث بالفعل! وهذا ما يدفعنا للحصول على الكتب التي يستشهدون بها حتى نرى السياق العام للفهم وهل قاموا ببتر أي جزء من التفسير أم لا.

 

  1. عدم التخصص!، وهذا خطأ شائع يقع فيه كلهم إلا نسبة قليلة جداً، حيث يقومون بالاستشهاد بـ” أسقف ” مثلاً على شيء في علم النقد النصي فمع تقديرنا لرتبته الكنسية الكهنوتية ولكن هذه الرتبة للرعاية وليست للتقييم العلمي، فما علاقة ” القس ” فلان أو ” القمص ” أو الأسقف ” أو ” البابا ” فلان بالنقد النصي كعلم خاص؟ أو بالقانونية؟ من هنا يأتي عامل ” التخصصية “، وربما يتضح لدى الأقباط أكثر، فعلى سبيل المثال، كيف يصبح الشخص كاهناً؟ أو كيف يصبح الشخص راهباً؟ أو كيف يصبح الراهب ” أسقفا “؟ أو كيف يصبح الراهب أو الأسقف ” بطريركا “؟ هل بسبب علمه!! هل الرتب الكهنوتية هي رتب علمية بحسب الشهادات والمعرفة العلمية أم أنها درجات كنسيّة رعوية خدمية؟ فمثلا، الشخص يتم انتخابه من شعب الكنيسة ليكون ” قسّاً ” فهل اختاروه لأنه ” عالم ” أم لصفات أخرى رعوية؟ هل الشخص عندما يريد أن يعيش في حياة الرهبنة ويتم قبوله كراهب، هل يقبلونه لانه من فطاحل العلماء!!؟ وهل عندما يختار ليكون أسقفاً هل يكون هذا لأنه نبغ في العلوم وحصل على شهادات عالمية .. إلخ؟ بالطبع لا، فإذا كان الجواب هو ” لا ” فكيف يستدل المسلم بكلامهم علينا بحجة انهم ذو ” لقب “..! فهل اللقب دليل؟ أو هل اللقب يعطي “عصمة” لكلمات صاحب هذا اللقب؟!، بالطبع لا، ومن هنا فلا أهمية ضرورية للقبول بقول ” اللقب ” مادام غير متخصص.

 

 

 

 

 

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

7-3-2012

 

 

المحاضرة الخامسة: القراءة النقديّة للشبهة 02

 

تكلمنا في المحاضرة السابقة عن بعض النقاط المهمة التي يجب ان نتحلى بها أثناء قراءة الشبهة، واليوم سنتكلم عن بعض الأمور الأخرى اللازمة قبل البدء في الرد وسنضع هذه الأمور على هيئة عناوين جانبية.

 

الدقة وعدم التشتت، كنت أمس في حوار مع أحد الأشخاص من غير المسيحيين ووجدته في البداية يستشهد بنصوص من كتاب للبابا شنودة ويقول بعدها ” البابا شنودة يقول إن اللاهوت مات “! فدخل أحد المسيحيين وبدأ يقول له أن النصوص لا ” تعني ” ما تقله بأن البابا قال إن ” اللاهوت مات ” وكانوا على هذا الحال منذ3 أيام تقريباً هو يدعي أن البابا قال ” اللاهوت مات ” والمسيحيين يجيبوه بأن النصوص هذه لا تعني ذلك المعنى، فدخلت انا وبدأت الحوار معه، هل تتوقعون كيف بدأت الحوار معه؟ لم أبدأ معه بأن أفسر له أن أقوال البابا هذه لا تعني أن ” اللاهوت مات “، لا، لم يحدث هذا، بل سألته سؤالا بسيطاً وقلت له، استخرج من كتاب البابا شنودة نص حرفي يقول فيه “اللاهوت مات” فظل يهرب من السؤال ووضع نفس النصوص التي وضعها قبل دخولي للحوار والتي تعني – بحسب وجهة نظره – أن اللاهوت مات! فلم التفت إليها ووضعت له نفس السؤال فظل يهرب ولا يجيب، فلم التفت إليه وكررت له السؤال، أكثر من 50 مرة!، هذه القصة أشرح لكم ما أريد التركيز عليه فيها..

 

أولاً: الدقة، كان يمكنني هنا أن أشرح له أن فهمه خاطئ وان هذا الكلام لا يعني أن اللاهوت مات – كما تخيل هو – ولكنه لن يقبل شرحي طالما أنه يفهم الكلام بطريقة معينة خاطئة، لذا كان من الواجب أن أفهمه وأحاصره حوارياً بأن يأتي لي بالنص الحرفي من كلام البابا بدون أن يفهم نصوص أخرى على أنها تعطي هذا المعنى (وهذا خطأ)، فهنا هو تعلم درس الدقة ولن يكرر هذا الأسلوب مرة أخرى إلا مع مسيحي متساهل يجيبه رغم خطأه، فلكي أُسس له علم صحيح وأعلمه لابد أن انزع عنه الأخطاء التي يقع فيها، وفي حالة الأعضاء الذين يشعرون انهم “أقوياء” خصيصاً، لأنه أتى بفهم مسبق يعتقد انه “صحيح”.

 

 

ثانياً: عدم التشتت، ربما أثناء حوارك يحدث أن غير المسيحي يحاول تشتيتك بذكر لك شبهات أخرى داخل الحوار الأول، هنا يجب ألا ترد عليها إلا عندما تنتهي من الشبهة الأولى، مع ملاحظة أن أغلب هذه الشبهات تكون سهلة إلى حد التفاهة، وهذا يكون مُتِعَمّد بسبب تشتيت المسيحي عن السؤال الأول أو الشبهة الأولى وإدخاله في عديد من الشبهات والتي في النهاية حتى لو أجبت عليها كلها عزيزي المسيحي لن يشعر هو بأنه تم الرد عليه لأن كل شبهة يتكلم فيها في شبهات أخرى وكل شبهة من الشبهات الأخرى يتكلم فيها في شبهات أخرى ..وهكذا، فلا فائدة من الحوار له ومن الخطأ أن تجيبه فلن يدرك الإجابة لأنه يحمل إليك عديد من الشبهات، وأيضاً لن تشعر أنت نفسك بالفائدة الحوارية من هذا الحوار بل ستشعر بإجهاد فقط وعدم أهمية لهذه الحوارات، وهذا لا نريده فأمامنا شبهات نريد أن نرد عليها.

 

الانضباط الحواري، عندما تتحاور مع شخص ويكون كلامه لا يوجد به إلا سباب، سواء لك أو لدينك أو لأحد الرتب الكنسية أو لشخص المسيح نفسه، فلا تكمل الحوار مهما كان إلا باعتذار المسيء وعدم تكرار هذا الفعل مرة أخرى وفي حالة تكراره عليك بمغادرة الحوار لأننا لا يجب أن نتحاور في حوار به هذه الألفاظ أو هذه الأفعال، من ضمن هذا الانضباط أن ترفض أن يحاورك شخص كلامه عبارة عن “هههههههه” بدون ردود أو مناقشة موضوعية تهتم بالموضوع المثار حوله النقاش، ربما يسألني شخص ويقول ما فائدة هذه النصائح في الدورة؟، والرد يعرفه كل ذي خبرة في هذا المجال، فالفكرة لا تكمن في احترام نفسك ودينك والرتب الكنسية أو الكتاب المقدس والمسيح فقط، لا، الفكرة تكمن في أن من يفعل هذه الأشياء لا يكون شخصية تهتم بالحوار ولا بخلاص نفسها من الجحيم الأبدي، وهذا هدف اللاهوت الدفاعي كله، هو الدفاع عن العقيدة التي توصل البشر للخلاص الأبدي الذي بيسوع المسيح وحده والحوار مع من يبحثون عن خلاصهم، فإن رأيت الحوار يتجه إلى هذا المنحنى فلا تكمله واستثمر وقتك في ردود على شبهات أخرى في أبحاث أو ردود على أشخاص أخرى تستحق وقتك، فالعمر قصير وأمامنا مهمات ليست بصغيرة، فحافظ على وقتك الذي ستُسأل عنه واستخدمه في خلاص النفوس.

 

عدم الشخصنة، يحاول أغلب غير المسيحيين الشخصنة، بوصفك جاهل أو بوصفك لا تعرف عقيدتك أو خلاف ذلك من الأمور التي قد تثيرك وتجعلك غير مرتاحٍ في ردك أو في الحوار بشكل عام، هنا يجب الانتباه لأمر هام، قد يكثر عدد من يطرحون الشبهة، وقد يصل لآلاف، لكن المهم ليس هو عدد الذين يطرحون الشبهة الواحدة، بل المهم هو هل يوجد جديد عند من يطرح الشبهة؟ فعندما تدخل حواراً لا داعي – خصوصا في بداياتك في الردود – أن تلتفت لمحاولة شخصنة غير المسيحي للحوار وأن تُركز على الأفكار التي يطرحها في الشبهة وترد عليها بموضوعية أيضًا، ففي هذا ردٌ على من أثار الشبهة ومن سيثيرها فيما بعد، لاننا رددنا على الشبهة نفسها والتي سيكررها الآخر فيما بعد، أما في حالة الشخصنة فسوف ترد على كل شخص يطرح الشبهة وهذا مضيعة للوقت والجهد، نقطة أخرى، عندما تتحاور مع عدم أشخاص في نفس الوقت، لا تركز عليهم جميعاً لان كل شخص له عقلية وأسلوب وشبهات، فيجب أن تأخذ شبهة شخص واحد ثم عند النهاية تعود للآخر وهكذا، وسترى أثناء الحوار أن الآخرين الذين أجّلْتهُم للنهاية يحاولون الشخصنة والتشتيت لجعلك تنزلق في الشخصنة والتشتيت ولكن لا تتأثر بهذا الضغط واجعل عينك لا ترى إلا هدفك والذي هو شبهة الشخص الذي اخترته للرد عليه دون أن تلتفت للآخرين.

 

إلى هنا نكون قد انتهينا من الملاحظات التي علينا مراعاتها عند قراءة الشبهة أو الحوار مع شخص ما والتي تذكرتها إلى الآن، والآن علينا أن نعرف كيف نفكر في بدء الرد عند قراءة شبهة ما أو حوار ما لشخص ما.

 

توضيح نقاط الخلاف، في البداية يجب أن تعرف ما هي نقاط الخلاف الأساسية للشبهة والتي سوف نرد عليها فيما بعد، ويتم فتحت ملف doc أو تكتب في ورقة خارجية عناصر الشبهة التي سترد عليها فيما بعد أو التي عليك البحث فيها أو مناقشتها مع أحد الأساتذة لأخذ رأيهم أو لخبرتهم في هذه الأمور، هذه الخطوة مهمة لعدم تشتيتك في وسط الكلام الكثير الذي ليس له أهمية في الشبهة فكما قلنا أن الشبهة يكون لها أهداف واضحة وعمود فقري واضح، فلكي يكون ردك على كل النقاط لابد أن يتم إيضاح كل هذه النقاط، وانا خصيصا أميل إلى أسلوب جمع كل النقاط في كل الشبهات الخاصة بهذا الموضوع ثم ترتيبها ثم تكوين مشهد للرد في عقلي وكيف سيسير الرد ثم أرد رداً على كل ما أثير في هذا الموضوع لأُنهي على الشبهة نفسها.

 

الاتجاه لتفاسير، عندما تقرأ الشبهة وترى شيء لا تفهمه في الشبهة أو شيء تعترض عليه في تفسير غير المسيحي للنص، اتجه للتفاسير واقرأ ما قالته هذه التفاسير، وإن لم تجد شيء في التفاسير تريد فهمه فتوجه لأحد الأساتذة لسؤالهم عما تريده.

 

اتجاه الرد، يجب أن يكون الرد على الشبهة، بداية من الفكرة الأساسية إلى الأفكار الفرعية، فالفكرة الأساسية لو تم الرد عليها رد قوي مُحكَم ستنتهي معها الأفكار الفرعية، بل ويمكن أن يكون الرد على النقطة الأساسية ردا على النقاط الفرعية، فيجب أن يتعود كل مِنّا على قراءة نقدية للشبهة فهي ستريحنا جداً فيما بعد.

 

عدم الرهبة، يجب على كل مسيحي أن يعرف أمراً هاماً، أن الغالبية العظمى القصوى (أقول هذا لأني لا أحب التعميم على الرغم من إمكانية أن تكون كل الشبهات بالفعل) من الشبهات تم الرد عليها مرارا، فيجب على أي مسيحي ألا يخشى من أي شبهة، فكل شبهة ضعيفة ويوجد من يردها بل يفتتها ويعوزك فقط البحث عن الرد أو الرد بنفسك أو دراسة الموضوع، فعدم الرهبة ستجعلك تركز بهدوء، أقول هذا لأن هناك مسيحيّن يخشون من السؤال أو يتشككون بمجرد طرح الأسئلة عليهم، ينبغي ألا يكون موجودا هذا الخوف، فكل الشبهات لها رد.

 

لا تنقل رداً لشخص لم تفهمه، عندما يسألك شخص عن شبهة معينة فبدلا أن تبحث وتضع له اللينك، فقم بالبحث والقراءة والفهم وافهم وخد وقتك في الفهم ثم أعطه اللينك لكي لو سألك في الرد تستطيع المناقشة فيه.

لا تبدأ من الصفر، تقريبا لا يوجد شبهة إلا وتم الرد عليها، وما يحدث هو إما أن يكون الشخص الذي قام بالرد يوجد في رده ثغرات يستغلها المسلم في التشكيك مرة أخرى، أو يوجد رد على هذا الرد أو أن يكون هناك نقاط جديدة لم تكن مطروحة في الشبهة القديمة وبالتالي لم يرد عليها، فكل المطلوب منك هو دراسة هذا الرد القديم، والبحث عن ردود أخرى وجمع هذه الردود في رد واحد ثم أن تبدأ ردك في النقاط الجديدة أو سد الثغرات إن كانت هناك ثغرات، والبحث عن كل الكتابات الموجهة في هذه الشبهة من المسلمين وتلخصيها في نقاط محددة والرد عليها بكل قوة، لكن لا تبدأ من الصفر بالرد، بل ابدأ من حيث انتهى الشخص السابق.

 

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

12-3-2012

 

 

المحاضرة السادسة: أقسام الشبهات والغرض منها 01

 

تحدثنا في المحاضرات السابقة عن بعض الإيمانيات الأساسية التي ستساعدنا في الرد على نوع معين من الشبهات أو الأسئلة وتحدثنا أيضًا عن كيفية قراءة الشبهة بعين نقدية وكيفية تحليلها واستكشاف نقاط الضعف والقوة بها وكيفية استخراج الأخطاء أثناء القراءة، وكيفية تكوين عقل نقدي وعين نقدية، واليوم سنبدأ مرحلة جديدة وستكون هي المرحلة الأخيرة قبل التطبيق العملي، وهذه المرحلة اليوم ستكون عن أقسام الشبهات وتعلم كيف يجب أن يفكر العقل عندما يقرأ أي نوع من هذه الشبهات، بداية من الذهاب إلى “من” وصولا إلى تمام الرد، ودعونا نبدأ.

 

لاهوت المسيح، هذه الشبهات مهما كثرت فهي من منبع واحد وفكرة واحدة ولها هدف واحد، هذا النوع من الشبهات أنا أعشقه، حيث أنه تخصصي الأول وأحبه كثيراً، هذا النوع من الشبهات لا يحتاج اندفاع في الرد، خصوصا للأخوة والأخوات الجدد في مجال الدفاعيات، فيجب –كما قلنا – فهم ما يرمي إليه السائل أو طارح الشبهة قبل الرد، هذا الأمر قد يكون صعباً أو غير عملي في البداية، لكن بعد فترة ستجدون أنفسكم مع تكرار الشبهات في هذا الموضوع، تعرفون كيف وبماذا تبدأوا في الرد على مثل هذا الكلام، يوجد طرق أساسية للرد على هذا الموضوع بشكل عام:

 

الطريق الأول: التفسيري

في هذا الطريق لابد قبل البدء أن يكون العضو المسيحي يعرف نصا أو أكثر (2، 3، 4 ..إلخ) ويكون هذا النص مؤيَد بعدد ضخم جداً من أقوال الآباء والعلماء ورجال الكنيسة الذين يتكلمون العربية، بعد هذا يتم طرح هذا النص فقط، ثم تفسيره بواسطة العضو المسيحي بحيث يكون هذا التفسير هو الذي يقول به الآباء والعلماء، ولكن لا نضع الآباء والعلماء في البداية بل نضع تفسيرنا نحن على أساسهم، وفي هذه الحالة سيقوم العضو غير المسيحي بالاعتراض ويقول تفسيره الشخصي، وهنا يبدأ ما قلناه في المحاضرات السابقة، حيث يُمنع منعا باتاً أن يفسر غير المسيحي الكتاب المقدس، وأيضاً يجب الثبات على هذا الموقف وعدم التشتت عنه، فمهما حدث وطال الحوار فهذا مبدأ للحوار العلمي الصحيح، فلا تتخلوا عنه، ربما يحدث في هذه الأحيان أن يقول لكم العضو غير المسيحي أنك أنت أيضا قمت بتفسير “النص” من عندك، وهنا سيندفع أغلبكم لطرح التفاسير! وهذا خطأ، حيث أنك تملك أفضلية كونك مسيحي، فالمسيحي له أحقية عن غير المسيحي لتفسير كتابه (بالطبع بما لا يخالف التقليد كما قلنا) فحتى تفسيرك الشخصي طالما لم يخالف التقليد فهو مسموح به كونك أنت مسيحي وتفسر كتابك، لكن هو غير مسيحي فتفسيره غير مقبول حتى وإن كان صحيحاً في بعض الأحيان، فالمبدأ ثابت، على كلٍ فلنعُد، بعد طرحك لتفسيرك عليك بطلب “دليل” يضاد تفسيرك أنت (المبني أصلاً على الآباء والعلماء) وتلزمه بوضع هذا الـ”دليل”، وهنا غالبا ما يتهرب غير المسيحي وإن لم يتهرب سيضع كلاماً بدون أدلة، فكرر له طلبك للدليل، فإن وضع (وهذا احتمال ضعيف) فإبدا أنت بوضع أضعف تفسير لديك (وغالبا ما تكون التفاسير العربية) ويكون تفسير واحد فقط وليس أكثر، ثم طالبه بوضع دليل ينافي هذا الدليل وبالطبع لا يكون من مخُيلته بل من تفسير مسيحي معتمد، وبالطبع لأن النص الذي اخترته أنت من البداية كان سبب اختيارك له – كما ذكرنا – ” يكون هذا النص مؤيَد بعدد ضخم جداً من أقوال الآباء والعلماء ورجال الكنيسة الذين يتكلمون العربية ” فمن الطبيعي أنه حتى إن وجد كتب تقول بما يريد ستكون قليلة جداً وأنت سيكون معك ادلة اقوى واعمق وأكثر، ثم تباعاً تضع له تفسير فآخر فآخر، وإن لم تحتاج لأقوال الآباء فلا تضعها وابدأ بالتفاسير الأضعف فالأقوى فالأقوى.

 

الطريق الثاني: الحرفي

بعض من غير المسيحيّن يتشدقون بالـ”حرف”، هؤلاء أيضاً لهم نوع من الرد ولكن يجب على من يستخدمه أن يكون له خبرة أكبر قليلاً في كيفية إدارة الحوار وطول “النَفَس” وعدم الملل سريعاً، هنا في هذه الطريقة يجب أن نسأل المحاور غير المسيحي أصلاً هل تريد دليل حرفي بمعنى انك هل تريد دليل سنسير فيه بالمنطق الحرفي؟ فإن وافق سنعطيه نصا حرفياً، قد يكون هذا النص أصلا له معنى روحي أعمق يفسره الآباء والعلماء بهذا التفسير الروحي وليس الحرفي وقد يكون هذا التفسير مخالفا للتقليد المقدس ولكن نحن الآن نستخدمه من باب الحوار وليس الإيمان بهذا التفسير الحرفي له، فعلى سبيل المثال (وهذا المثال كررته مرات قبل الآن)، النصوص الموجودة في بشارة القديس متى، فإن ذهبنا إلى (متى 4: 1) ” ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس “، إذن، هنا، حرفيا، من المُجَرَّب؟ حسب النص حرفياً هو “يسوع”، وهذا ممتاز، نذهب إلى (متى 4: 7) ” قال له يسوع: «مكتوب أيضا: لا تجرب الرب إلهك» ” هنا نجد أن النص حرفيا يقول “لا تجرب الرب إلهك”، أي أن “يسوع” قال “لا تجرب الرب إلهك” في الوقت الذي يقول فيه النص أن “يسوع” هو الذي يجَُرّب، إذن، من هنا حرفياً، فيسوع هو “الرب إلهه” أي إله الشيطان أي انه هو الإله، على الرغم من أن هذا النص له تفسير مختلف تماماً عن هذا المعنى وأعتقد إنكم جميعا تعرفوه، ولكن هنا ستجدون غير المسيحي يحاول تفسيره بأي شكل آخر، فما عليك أنت إلا رفض التفسير كلياً لأننا اتفقنا من البداية على استخدام النصوص الحرفية فلا مجال لأي تفسير، هذه الطريقة يتم تطبيقها فقط كرد فعل وليس فعل، بمعنى أن يكون هناك شخص يسألك، وتكون أنت المجيب وليس العكس، وهذه الطريقة يمكن تطبيقها مع نصوص أخرى أيضاً، ولكن يجب الانتباه إلى أن هذه الطريقة نقدية بحتة، بمعنى أنه لابد على من يستخدمها أن يكون ذا طابع نقدي قوي وليس شخص يريد انتهاء الحوار بسرعة.

 

الطريق الثالث: الطريق الكتابي

هذا الطريق سهل ومُمتع في نفس الوقت وانا أحبه جداً رغم أني لا استخدمه كثيراً، فمثلاً يأتي إليك شخص ويقول لك “أين قال المسيح أنا الله فأعبدوني؟” فتقوم أن بوضع نص لا يكون المسيح هو المتكلم به من فمه في فترة التجسد، فمثلا تضع نص من أي رسالة أو من سفر الأعمال أو الرؤيا أو حتى من كلام البشائر الأربعة، فستجد أن غير المسيحي يقول لك أن هذا ليس كلام المسيح بل كلام “بولس” أو “متى” أو “يوحنا” ..إلخ، فيكون الرد هنا بتذكير غير المسيحي أن كل الكتاب المقدس بعهديه هو كلام المسيح لأن المسيح هو الإله، والكتاب المقدس هو كلام الإله فحتى كلام المسيح نفسه في البشائر الأربعة مثلا نقله إلينا “الرسل” فكل الكتاب نقله لنا الأنبياء أو الرسل، فلا حجة في قبول بعض كلام الرسل على لسان المسيح ورفض كلام الرسل أيضاً، فكل الكتاب قد كتبه (كعامل بشري) الرُسل فغير منطقي أن أرفض كلام الرسل في أجزاء وأقبل كلام الرسل في أجزاء أخرى، ومن هنا فيكون كل قول يؤكد لاهوت المسيح من كل الكتاب مسموح به حوارياً.

 

الطريق الرابع: طريق الصِلة

هذا الطريق يعتمد في الأساس على أساليب دفاعية يمكن استخدامها هجومياً (أي إثباتاً)، بكلمات أخرى، فعندما يأتي إليك شخص ويقول لك “الآب مذكور عنه حرفيا “الله الآب” ولكن الإبن غير مذكور عنه هذا اللفظ مطلقاً” أو يقول لك “أين قيل عن الإبن لفظة “الله الإبن”؟” فتقول له مثلاً أن طالما الآب قيل عنه أنه “الله الآب” فقد قيل عن الإبن والروح القدس كذلك، بسبب أن الإبن هو في حضن الآب وأن الروح القدس ينبثق من الآب، فعندما يتم إطلاق لفظة الألوهية على “الآب” فقد تم إطلاقها أيضاً على الأقنومين الآخرين لأن الأقنومين الأخرين غير منفصلين عن الآب، فإعطاء أي أقنوم لقب “الله” يكون إعطاء للأقنومين الآخرين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، على سبيل المثال، يتم ربط الأقانيم ببعضها حوارياً، بمعنى أن يأتي إليك شخص من غير المسيحيين فيثبت لك أي صفة للآب، فتقوم أنت بطلب المزيد من الصفات وفي نهاية عرضه لما يسميه “صفات الله الآب” قدم له نص واحد، مثلاً “أنا والآب واحد” أو ” كل ما للآب هو لي “وقل له أن كل ما قدمته عن الآب هو أيضاً عن الإبن كذلك، باختصار، هذا الطريق يتلخص في ربط كل الصفات بالأقانيم الثلاثة، فما يطلقه غير المسيحي على أي أقنوم جوهرياً هو للأقانيم الأخرى أيضاً.

 

 

 

الطريق الخامس: طريق النقد

يعتمد هذا الطريق على قلب (عكس) المسار الفكري للحوار، فمثلاً تقول أنت “لماذا المسيح ليس هو الله؟” ومن هنا تبدأ المحاورة الفكرية، فمثلا أحد الردود سيكون “لأنه إنسان”، فيكون ردك “نعم هو إنسان، ولكن لماذا المسيح ليس هو الله؟”، رد آخر يقول “لأنه لا يستطيع أن يعمل من نفسه شيئاً” فيكون ردك “نعم، لا يستطيع أن يفعل من نفسه شيئاً لأنه غير منفصل عن الآب والروح القدس، فلا يوجد شيء يفعله أي أقنوم منفصلاً عن الأقانيم الأخرى” رد آخر يقول “لأنه لا يعلم الساعة” فيكون ردك “قال هذا عندما كان في فترة إخلاء المجد وليس بحسب مجده الإلهي”، وهكذا.

باختصار، هذه الطريقة تعتمد على الرد على مبررات غير المسيحي في عدم ألوهية المسيح، هذه الطريقة تخرج عنها طريقة أخرى لها فكرة مقاربة لها ولكن تطبيق مختلف قليلاً، وهي أن تقوم أنت بوضع نص وتقوم بطلب هذا النص لأي إنسان بشكل حرفي، بكلمات أخرى، قم بوضع نص مثل “أنا والآب واحد” ثم قبل أي نقاش أو أي حوار بأي شكل” أطلب منه أن يحضر لك أي شخص آخر في الكتاب المقدس قال عن نفسه “أنا والآب واحد” غير المسيح، وبعدها مباشرة قل له “طالما أن الآب ذُكر عنه “الله الآب” والمسيح قال “أنا والآب واحد” إذن فقد قال “أنا والله واحد”، وعليه فالمسيح هو الله” ستجد غير المسيحي هنا يقول لك أحد هذه النقاط، النقطة الأولى، أن المسيح واحد مع الله (الآب) في الهدف أو في الدعوة! أو في أي شيء آخر يختاره غير المسيحي ليحاول نفي ألوهية المسيح فيقول لك انه واحد مع الله في الهدف الدعوي مثل كل الأنبياء، فهنا لا ترد عليه رد مباشر، بل حاصره، كيف؟ بأنك تقول له ” طالما أن هذا الأمر أمر نبوي يخص الأنبياء وأن الفهم الصحيح لهذا النص أن المسيح والله واحد في الهدف، فأعطنا أي نبي قال نفس هذا اللفظ حرفياً” وبالطبع لا يوجد مثل هذا القول حرفياً لأي نبي آخر، ومن هنا لا يكون التفسير صحيحاً لأنه لم يأت عن أي نبي آخر، هذا بالطبع تجاوزاً عن أنه قد فسر تفسيراً مزاجياً لا قيمة له، ولكني هنا أنشئ فيكم كيفية النقد في الحوار، وكيفية رسم خطة للحوار قبل أن تبدأ أول رد فيه.

 

الطريق السادس: قلب الطاولة

هذا الطريق فكري بحت، بحيث أن عقلية غير المسيحي قد تكونت في الحوار في هذا الموضوع خصيصاً (لاهوت المسيح) على أنه يأتي ليرفع الآب جداً أوصافاً وألقاباً وأفعالاً ثم يبدأ بالسؤال عن نفس هذه الـ”أوصاف” والـ”ألقاب” وال”أفعال” عن المسيح، ولكن هنا سنقلب هذه الطريقة للجهة العكسية، فعلى سبيل المثال سنقول له أن الكتاب يقول “فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا” واسأله أنت “أين قيل عن “الآب” أنه يحل فيه كل ملء اللاهوت؟ وهل عدم وجود نص حرفي يقول هذا عن الآب يجعل أنه لا يحل فيه كل ملء اللاهوت؟ ومثلاً النص الذي يقول ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله” فقل له أنت، اعطني نص حرفي يقول “في البدء كان الآب” وهل هذا يعني أن الآب لم يكن في البدء؟، بالطبع هذا يبدو لأي مسيحي انه ساذج، لانه منطق حرفي فقط، ولكن علينا أن نتذكر أن هذا الأسلوب للحوار فقط وليس لفهم النصوص الكتابية بطريقة صحيحة، ففي هذه المحاضرة نحن نتعلم بعض طرق الحوار وهذا لا يعني أني أؤمن بكل ما قلت، بمعنى أني لا أؤمن بهذا الأسلوب الحرفي في فهم كتابي كمولكا، ولكن للحوار فقط، ولن اكثر من أمثلة هذه الطريقة ونتركها لكم، فانا أعطيكم الفكرة ومع الوقت سيتم إتقانها تماماً.

 

كيفية تكوين فكر نقدي لهذه الشبهات:

في البداية علينا دوام القراءة في كتابات الآباء، وخصوصا القديس أثناسيوس الرسولي والبابا كيرلس السكندري والقديس يوحنا ذهبي الفهم، فهذه الكتابات تعطينا فهما صحيحاً عن كيفية فهم النصوص الكتابية اللاهوتية لإرتباط هؤلاء الآباء زمنيا بكتابات الرسل وتعليمهم وأيضاً لأن أغلبهم يعرفون اليونانية وبالتالي ستكون المعاني واضحة جداً لديهم بحيث لا يمكن تفسير نص إلا بطريقة معينة لغوياً وهو الأمر الذي قد لا يتحقق مع لغة ضعيفة للغاية مثل اللغة العربية وأيضاً لأن هؤلاء الآباء أنفسهم في بعض كتابات لهم كانوا يردون فيها على بدع وهرطقات ويشرحون الإيمان الصحيح ولأسباب أخرى كثيرة يجب أن نداوم على قراءة كتابات الآباء (في المرحلة القادمة سنتعرف كيف نحصل على المصادر التي نقرأ فيها)، بعد هذا لاد على كل منا أن يكون لديه حصيلة تراكمية كبيرة في هذا الموضوع، فيجب على كلٍ مِنا أن يقرأ الردود على هذا النوع من الشبهات والأسئلة ويقرأ الردود على الردود ويقرأ الردود على الردود التي هي على الشبهات، ثم يبدأ في تلخيصها ومعرفة كيف يستخدم غير المسيحيين النصوص وما هي أفكارهم وما هي مشاكلهم معها، كل هذا سيعطي أي منا حصيلة تراكمية فكرية كبيرة، فيجب ألا نبدأ من الصفر بل نبدأ من حيث أنتهى الذين سبقونا لنصل إلى مستوى من النضج في هذا النوع من الشبهات تمكنا من الرد على الشبهة في اسرع وقت وبأقوى قوة وبدون جدال كبير، كان هذا كله خطوات عامة علينا إتباعها في هذا النوع من الشبهات وهذه الخطوات مهمة بسبب أن الشبهات أو الأسئلة في هذا الموضوع تقريبا انتهت ولم يعد هناك جديد يُذْكر، بعد هذا، على أي منكم يجد أن أمامه شبهة لا يعرف كيف يرد عليها أن يرسلها لي على الخاص ونتحاور فيها، أو إن لم يقتنع أحدكم برد ما على شبهةٍ ما فعليه أيضا بمراسلتي، هذه هي الخطوات الأولى لتكوين العقلية النقدية في هذا النوع من الشبهات، وبعد هذا نبدأ في الخطوات العملية، في البداية على أي منا أن يذهب لقراءة تفسير كل نص يتكلم فيه غير المسيحي ليرى ما هو التفسير المسيحي لهذا النص، ثم بعد هذا عليه بتكوين فكرة شاملة للرد وأن يكون هذا بمساعدة الأفكار التي أخبرنا عنها في المحاضرة الخاصة بـ”القراءة النقدية للشبهة”، ثم فيما بعد سنعرف كيف ندخل إلى المراجع ونستخرج منها ما نريد وكيفية كتابة الرد.

 

معلومات جانبية:

  • نحن لا نُنشئ ألوهية المسيح من الكتاب المقدس، بمعنى أننا لم نبحث في الكتاب المقدس فاكتشفنا أن المسيح هو الله فقلنا أن المسيح هو الله بناء على اكتشافنا هذا، لا، هذا خطأ، التقليد المكتوب (الكتاب المقدس) كما سنعرف فيما بعد هو بنسبة كبيرة توثيق للتقليد المنقول شفاههً ويوازيه، فنحن لم نخترع شيئاً بل أن التقليد (المنقول شفاههً والمنقول كتابةً) الرسولي يعلن عن ذلك بوضوح شديد، كان يجب لفت الانتباه لهذه الفكرة التي قد تغيب عن البعض، فنحن لا ندافع عن أفكارنا في لاهوت المسيح بل ندافع عن التقليد الرسولي الذي يقول بالفعل بلاهوت الرب يسوع المسيح له كل المجد.
  • لا تقبل الفصل بين الأقانيم في أي حوار، بمعنى – كما سنرى – ستجد أن بعض من غير المسيحيين يقولون “لنبدأ في البحث عن إله العهد القديم وإله العهد الجديد ولنرى” ثم تراهم يضعون نصوصاً من العهد القديم تقول “أنا الله” ويكون المتحدث فيها هو “يهوه” أو عبارة “الرب هو الله” ثم يقولون أنه يوجد صريحاً أن الرب هو الله، ثم يذهبون إلى العهد الجديد ويأتون بـ”الله الآب” ويقولون أنه لا يوجد “الله الإبن” ولا يوجد “الله الروح القدس” وعليه يقولون أن “إله العهد القديم هو إله العهد الجديد هو يهوه وهو الآب”، هذا الكلام صحيحاً لكن لو تم إضافة لهذه الجملة أي تعبير يوحي بأن الآب فقط هو إله العهد القديم فتصبح الجملة خاطئة مثل “إله العهد القديم هو إله العهد الجديد هو يهوه وهو الآب فقط”، لماذا؟، أولاً: قلنا أن إطلاق لفظ الله على الآب فهو إطلاق أيضاً على الإبن والروح القدس لأن الإبن كائن في حضن الآب والروح القدس ينبثق منه (أي كائن فيه أيضاً) فكيف يقولون “فقط”؟، ثانياً: هناك تعابير كثيرة في العهد الجديد تقول عن الإبن انه أيضاً الله مثل ” وأمّا عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور ” وأكثر، ثالثاً: من الذي قال أن إله العهد القديم هو الآب “فقط”؟، وهكذا فإن أي محاولة لفصل الأقانيم ثم البحث في ألوهيتها هي محاولة خاطئة من البداية لأن الأقانيم غير منفصلة فكيف يفصلها ثم يبدأ البحث عنها؟
  • كل قول يخالف التقليد المقدس فلا قيمة لها مهما كان صاحب هذا القول، حتى أنا نفسي لو وجدت نفسي قد قلت قولاً وثبت خطأه وفقا للتقليد فهو خاطئ وليس حجة على أي مسيحي.
  • في حوارك مع شخص أو عند ردك على شبهة من شخص فيجب أن تكون هادئ جداً لأن شبهاتهم تكون مركبة بطريقة خاطئة بحيث أنك لو أحسنت وضع يدك على المكان الصحيح ستنهار كل الشبهة، فكما قلنا أن الشبهة يكون لها عمود فقري ولو أحسنت توجيه الردود إله لن يصبح هناك شبهة، لهذا يجب أن تكون هادئ بالرغم من أن بعض الشبهات تدعونا للضحك أحياناً وأحيانا أخرى للغضب وأحيانا الشفقة.

 

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

26-3-2012

 

المحاضرة السابعة: أقسام الشبهات والغرض منها 02

 

تحدثنا في المحاضرة السابقة عن نوع من أنواع الشبهات وكان هذا النوع هو “لاهوت المسيح” وأظن أنني تكلمت باستفاضة عنه، واليوم سنتكلم عن عدة أنواع أخرى من أشهر الشبهات، فدعونا نبدأ..

 

التناقضات، هذا النوع من الشبهات يلجأ إليه طارح السؤال أو الشبهة وهو يقول في نفسه أن لو كان الكتاب المقدس من عند الله لكان لا يوجد فيه أي تناقض لأن “كتاب الله” غير متناقض، فدعونا نتعرف على أساليب هذه الشبهات وكيفية الرد عليها.

بدايةً، ما هو التناقض؟ أو كيف يثبت أن هناك تناقضاً بين أمرين؟ التناقض هو أن نجد خلافين أو أكثر لا يمكن الجمع بينهما بأية صورة، ويثبت هذا التناقض عندما لا يوجد أي طريقة للجمع بينهم أو تفسير يوضح لماذا هذا الاختلاف الظاهري ويفسر الأمور جميعها بحيث تتناسب جميعها ويختفي هذا التعارض الظاهري، وفي هذه المحاضرة سأكتبها عن طريق بعض النقاط لزيادة التركيز فيما أريد إيصاله.

 

عوامل حل شبهات التناقض:

  • العامل التاريخي، الكتاب المقدس كتبه أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس ولم يكتبه شخص واحد فقط ولم يكتب في يوم وليلة بل على مدار 1600 عام تقريباً والكتبة مختلفين في ثقافاتهم وعاداتهم ولغاتهم وطرقهم في الكتابة..إلخ، لذا فالعامل التاريخي في حل شبهات التناقض عامل هام جداً، فعلى سبيل المثال، لو سألني شخص في عام 2010 عن تعداد السكان في مصر كنت سأقول له 80 مليون تقريباً، لكن لو سألني شخص نفس السؤال الآن سأقول له قرابة الـ85 مليون نسمة، فإذا جاء شخص وسجل كلامي هذا بالرقمين المختلفين (80 و85) ووضعهم في كتاب واحد وجاء شخص آخر بعد 10 سنوات (فقط!) وقرأ كلامي هذا ربما يسأل نفسه، كيف يتناقض مولكا في كلامه ويقول في مكان في كتابه أن عدد المصريين 80 ومرة أخرى في مكان آخر أن عددهم 85؟ أليس هذا تناقضاً؟ في الحقيقة ليس هو تناقضاً على الإطلاق كما يظهر لحضراتكم الآن، لان كل من الرقمين صحيح، فهذا الرقم في زمن معين وهو عام 2010 والآخر في 2012 فالرقم نفسه متغير وليس ثابت، كيف استطعنا أن نحل هذه الشبهة؟ عن طريق إدراك معلومة أن هناك اختلاف يحدث زمنيا في تعداد السكان، هذا المثال يمكن أن نطبقه على أمور كثيرة أثناء الرد على الشبهات من هذه النوعية.
  • العامل اللغوي، يجب أن يعلم كل منا أن الكتاب المقدس لم يكتب بالعربية، ولم يكتب باليونانية الحالية أو العبرية الحالية، قد كتب بالعبرية القديمة واليونانية القديمة، لذا فيجب البحث في هذه اللغات عن المعاني العربية (أو الإنجليزية) التي قد تتضمنها الكلمة اليونانية أو العبرية داخلها، فقد تكون هناك كلمتان يونانيتان لهما ترجمة عربية واحدة، ولكن في اليونانية تعني معنيين مختلفين، أو معنيين لهما تدرج مختلف، أو زمن مختلف (أي أن هذه الكلمة تعني فعل الفعل بسرعة والأخرى تعني التمهل في فعله)..إلخ، لذا فالعامل اللغوي مهم جداً، والترجمات مهما كانت دقيقة فتظل مجرد “ترجمات” وليست باللغة الأصلية، لهذا يجب – مع الوقت – أن نتدرب على استخدام المراجع اللغوية وكيفية استخراج المعاني منها، فعلى سبيل المثال، كلمة “إبن” في الكتاب المقدس بلغاته الأصلية أحيانا يقصد بها الإبن الفعلي للشخص أي الذي أنجبه بنفسه، أو الإبن من النسل، أي مثلا، أنا إبن جدي فيقال مثلا، أن الجد ولد مولكا، على أساس أني من نفس النسل، وأحيانا أخرى يكون هذا المعنى ينطلي تحت الإبن الجسدي والإبن الشرعي، فعند اليهود إن تزوج رجل من امرأة ولم ينجبا ومات الرجل يأخذ امرأته أخوة ليقيم له نسلاً ويسمى هذا النسل باسم الأخ الذي مات على الرغم من انه ليس هو الذي انجبه، فان وجدنا شخصاً يسمى باسم أب ما في مكان ما في الكتاب المقدس، ووجدنا نفس هذا الشخص ولكن منتسب لشخص آخر كأب له في مكان آخر من الكتاب المقدس، فمن القصور أن نحسب هذا تناقضاً!
  • العامل الثقافي، يخطئ من يظن أن الكتاب المقدس كُتبَ في مجتمع واحد لهُ ثقافة واحدة، فالكتاب المقدس لم يكتب في مجتمع واحد ولا ثقافة واحدة ولم يكتب لشخص واحد بل لفئات متعددة وبالتالي يجب أن نعرف أن هناك تعبيرات قد نفهمها نحن اليوم بغير مفهومها الحقيقي في حينها، فعلى سبيل المثال لو قلت أنا لشخص مصري عبارة “هؤلاء يدفعون أموالاً من تحت التربيزة” فهو سيفهم المعنى الذي أقصده وهو “أن هؤلاء الذين نتكلم عنهم يدفعون أموالاً بشكل خفي وغير شرعي” لكن لو قلت هذه الجملة لشخص أمريكي مثلاً وقلت له تعبير ” Under the table ” سيفهم أني أقصد أن هناك تربيزة بالفعل وهناك أشخاص يضعون يدهم تحتها ويدفعون أموالاً لبعضهم البعض! فهل انا قصدت هذا الكلام؟ وقِس على ذلك الكثير والكثير، فعلى سبيل المثال نجد انه في العهد القديم كان يمكن أن يملك الإبن مع أبيه لفترة زمنية ثم يملك الإبن فقط، ومن هنا فهذه معلومات تاريخية يجب أن نعرفها وقد تكون غير موجودة الآن لذا فالعامل الثقافي مهم جداً
  • العامل الحرفي والعامل المجازي، وهذا عامل يطول فيه الكلام ويصعب حصر كل الذي ينبغي أن نقوله هنا، لأنه يعتمد في الأساس على كل نص منفرداً، ولكن كأمثلة سريعة، عندما نعرف أن سفر نشيد الأنشاد هو سفر “شعري” فلا ينبغي أن نأخذ الكلام الموجود فيه بشكل حرفي بالإضافة إلى أن الكلام نفسه يرفض أن يؤخذ بشكل حرفي، مثال آخر، تعبير مثل “جلس عن يمين الآب (أو الله)” فهل هذا يؤخذ بشكل حرفي؟ بالطبع لا، لماذا؟ لان الله ليس له يمين ويسار فاليمين دائما ما تشير إلى القوة والعظمة والمجد (مثلما يقول شخص لشخص، جعلت ذراعي اليمين!) فالمقصود هنا أن الإبن بعدما كان في حالة إخلاء المجد وظهوره في الضعف البشري قد عاد إلى كمال مجده كالآب تماماً، مثال آخر، تعبير مثل الذي ورد في هوشع 1: 2 “الأرض قد زنت زنى تاركة الرب” فهل هنا المقصود المعنى الحرفي؟ فهل الأرض تزني؟ وتزني مع من؟ مع المريخ؟ بالطبع هنا لا يمكن أخذ المعنى بالشكل الحرفي بل أن الرب نفسه يفسر هذا “الزنى” بانه “ترك الرب”، وهذا النص بالمناسبة هو محل شبهة من غير المسيحيين، حيث يقولون إن النص يقول “أول ما كلّم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لان الأرض قد زنت زنى تاركة الرب “فيقولون إن الرب يأمر هوشع بأن “يزني” مع امرأة!! مع أن نفس النص وبعد هذه الكلمات بكلمات قليلة تدون تفسير معنى “الزنى”! وعجبي!
  • السياق، أحيانا تتشابه الألفاظ ولكن يكون السياق مختلف وبالتالي تكون الكلمات في المرة الأولى لها معنى أخر غير المعنى الذي لها في المرة الثانية، فتجد أن غير المسيحي يأتي إليك بطريقة “الاقتطاع” ويضع لك نصاً من هنا ونصا آخراً من هناك ويقول أن هذا النص يناقض هذا النص!، وهذا خطأ في طريقة عرض الشبهة وإن مرت على صاحب الشبهة فيجب ألا تمر عليكم إخوتي الأحباء، فالسياق يحكم الكلام ومعانيه، فيجب علينا أن نعود للسياق أولاً ثم نرى عن ماذا الكلام، وللأسف لا يحضرني الآن أيّة أمثلة، ولكن ربما نجدها في التطبيقات العملية.
  • التقسيم والإجمال، قد يكون الكتاب المقدس يتكلم عن شيء في مكان ما بإجمال ونفس الشيء تكلم عنه في مكان آخر بإجمال، ففي الإجمال ربما يترك بعض التفاصيل لا يتكلم عنها ولكن في التفصيل يعود إليها ويذكرها، فعلى سبيل المثال يقول الكتاب المقدس في سفر أخبار الأيام الثاني 36: 9، عن يهوياكين أنه ملك “ثلاثة أشهر وعشرة أيام” بينما يقول الكتاب المقدس في سفر الملوك الثاني 24: 8 أنه ملك ثلاثة أشهر! فمن الصحيح؟ بالطبع كلاهم الصحيح، فالأول يذكر الفترة تفصيلاً والثاني إجمالاً بدون حساب هذه الأيام، فمن الغريب أن يأتي شخص ويقول أن هذا تناقضاً!
  • نقطة البداية، وهذه النقطة تكون واضحة جدا في الأسفار التاريخية في العهد القديم، حيث أن الكتبة المؤرخين لهذه الأحداث يستخدمون أحياناً نقاط لبدء العد مختلفة، وبالتالي سيختلف الرقم المعطى لنا، هذه واحدة، الأخرى أن بعضهم أحيانا يحسب الزمن من بداية جلوس شخص ما كملك وليس لتاريخ معين آخر قد يكون يختلف عن أسلوب تأريخ كاتب آخر في الكتاب المقدس، فمن العجيب أن يعتبر هذا تناقضاً فضلا عن أن نرد عليه.
  • الترتيب الزمني، إن قلت لكم اليوم أني لم أكل مطلقاً، وبعد هذا الكلام بفترة زمنية، قلت لكم أني أكلت، فهنا سيتعرفون أني أكلت في هذه الفترة الزمنية، هذه الفترة الزمنية قد لا تكون واضحة في الكتاب المقدس في بعض الأحيان، ولكن هل عدم ذكرها يثبت عدم وجودها؟ بالطبع لا، فالكتاب لا يذكر كل شيء على الرقم من أن كل ما يقوله صحيح تماماً، لكن إن وجدنا مثلا في الكتاب أن الملك الفلاني لم يدخل مدينة كذا، وقرانا في مكان آخر انه دخل هذه المدينة، فهل هذا تناقض أم انه لم يكن قد دخل إلى هذا الزمن ولكن دخل هذا المكان بعد فترة معينة من الزمن، فيجب أن نعرف إن الكتاب أمامنا الآن دفعة واحدة نقرأ منه ما نشاء في أي وقت، لكن هذه الأسفار في أوقاتها لم تكتب في يوم وليلة بل كل كاتب يذكر ما الذي حدث في وقته هو.

 

ملاحظات:

  • أثناء حوارك مع غير المسيحي في هذا النوع من الشبهات، يجب ان تعرف لماذا أنت تتحاور أساساً؟ أنت تتحاور لشيء أساسي وهو إيضاح أن هذه النصوص لا تناقض بها عن طريق تقديم تفسير أو أكثر يجمع بين النصين، عند هذا الحد ينتهي دورك.
  • يمكن بعد هذا أن يسألك صاحب الشبهة أو المحاور ويقول لك، ما الدليل على هذا التفسير؟ (يقصد تفسيرك للنصوص) هنا يوجد ردود كثيرة، ومنها رد أحب أن أبداً به، وهو طريقة قلب الطاولة التي قلنا عليها في المحاضرة السابقة وهي كالآتي، هنا هو يسألك عن الدليل في تفسيرك، فتقلب عليه السؤال وتقول له، ما الدليل أنه يوجد تناقض هنا؟ وغالبا ما يكون رده عبارة عن “النصوص واضحة التناقض” أو ما شابه من كلام يعطي نفس المعنى، فهنا عليك بتضيق الحصار أكثر وأكثر حوارياً وتقول له “أنا أقرأ النصوص ولا اجد بها أي تناقض” فــ”ما الدليل أنه يوجد تناقض هنا؟”، ويجب أن نستعير شيء مما قلناه سابقاً وهو عدم التشتت والثبات على الكلام، فلا تخرج عن سؤالك على الإطلاق إلا لو وضع دليل تناقض (وهذا مستحيل لأن التناقض هو أمر فهمي بحت، فانا مثلا أستطيع التوفيق بين أي نصين عن طريق التفسير) لكن، الذي وجد هذا الـ”تناقض” لم يستطع الجمع بين الشيئين، فسريعا وعلى سبيل المثال، يأتي إلينا سؤال ساذجاً جداً يقول “هل المسيح هو الله أم إبن الله؟”!، فهو وبالطبع الجواب معروف وسهل وبسيط، هو إبن الله أقنومياً وهو الله جوهرياً (أي بالجوهر)، ولكن ليس هذا المطلوب الآن، المطلوب منكم أن تعرفوا السبب الأصلي الذي أنشأ هذا السؤال والسبب الحقيقي هنا هو أنه اعتقد أنه طالما المسيه هو “الله” فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون “إبن الله”! ومن هنا جاء الخطأ وبالتالي السؤال، لكن لان المسيحي يعرف هذه المعلومة جيداً فلم يأتي في ذهنه هذا السؤال، وهذا ما أريد إيضاحه، أن الأصل هو عدم التعارض، والغريب هو التعارض، لذا عندما يأتي إليك شخصاً ما بهذا النوع من الشبهات فتكون المشكلة الرئيسية لديه هي انه لم يستطع التوفيق بين النصين أو الفكرتين لذا فدورنا هو توضيح هذا التوفيق وأقصد هنا الشرح الذي يجمع بين النصين، ومن هنا فلا يوجد تناقض، لكن عندما يسأل عن الدليل لهذا التفسير، فهنا هو قد وصل له خطأ فهمه ويريد أن يغير مسار الحوار، فمثلا في المثال الذي قلناه سابقاً فعندما يترك تفسيرك الذي قلت له فيه “أن المسيح هو إبن الله أقنومياً وهو الله جوهرياً” ويسألك، وما الدليل أن المسيح هو الله!، فهنا هو يترك “حل” التناقض الوهمي ويلجأ لمناقشة “ألوهية المسيح” نفسها. ومن هنا فالجواب قد وصل إليه.
  • العهد القديم والجديد لم يكتبا منذ فترة قريبة، بل على الأقل 2000 عاماً والذين كتبوا هذه الأسفار كتبوها في عصورهم هم وليس عصورنا نحن، لذا فهم يكتبون تبعا لما يعرفوه ويفهمه أبناء عصرهم، لذا فيمكن عبر هذه الفترة أن نفقد بعض من كل المعلومات التي كان يعرفها كاتب السفر في زمنه وبالتالي يصبح أمامنا معلومتان منفصلتان فقط عن حدث ما، مثل قصة موت يهوذا، هل هو مات مخنوقاً كما يقول القديس متَّى أم سقط وأنشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كما يقول القديس لوقا، هنا لا يوجد ربط مباشر صريح بين النصين إلا في كلمة “سقط” فالذي يشنق نفسه يكون معلقاً على شجرة -مثلا- فإن “سقط” فيمكن أن ينشق من الوسط وتنسكب أحشاؤه خصوصاً إذا علمنا أن طبيعة هذه المنطقة تسمح بهذا فعلاً، فهنا استطعنا الجمع بين النصين عن طريق النصين فقط على الرغم من أن كُتّاب هذه الأسفار يعرفون هذا لكونهم معاصرين لهذه الحدث، وفي نفس هذه القصة، قال القديس متى أن رؤساء الكهنة هم من اشتروا الحقل، ولكن يقول القديس لوقا أن يهوذا هو من اقتنى هذا الحقل، فمن هنا الذي اشترى؟ هل يهوذا أم رؤساء الكهنة؟ الحقيقة أن الذي اشترى هم رؤساء الكهنة بأموال يهوذا، فنسب هذا الشراء ليهوذا لأنها أمواله، وهذا يوضحه النص ” فاخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لانها ثمن دم” فهنا نجد أن على الرغم من أن يهوذا أعاد لهم الأموال وألقاها في وجوههم إلا أنهم لم يعتبروها أموالهم لانها ثمن دم وبالتالي فهي ليست لهم بل لصاحبها “يهوذا” ولهذا فقيل أن يهوذا هم من اشترى لانها أمواله سواء ردها أو لم يردها، فهنا الكتاب يكمل بعضه بعضاً، ونحن نضع الربط (أي التفسير الذي يجمع بين كلاهما) الذي ربما يكون قد فُقِدَ عبر الزمن.
  • قد يكون هناك أكثر من تفسير أو رد لشبهة تناقض وهمية ما، كل هذه الاحتمالات بها ما هو قوي وبها ما هو ضعيف نسبياً، كل هذه التفاسير تدحض هذه الشبهة، وهذا هو هدفنا، فليس هدفنا التفسير لأجل التفسير بل هدفنا إيجاد التفاسير التي تبين أنه لا تناقض على الإطلاق، يمكن هنا أن يسألك غير المسيحي ويقول لك، لو كان تفسيرك صحيح لكان لا يوجد إلا هذا التفسير، أو يمكن أن يقول لك أيضًا، الـ”عالم” فلان يقول برأي أخر غير رأيك، أو تفسير آخر، هنا ترد عليه وتقول له مبتسماً “هذا لضعف شبهتك الواهية”، لأنها لو كانت قوية لما استطاع احد التفسير مرة واحدة فضلا عن مرات كثيرة بأشكال عديدة، فكل تفسير من هذه التفاسير تبين لك انه لا تناقض وقل له أيضاً “اختر أي من هذه التفاسير ما يحلوا لك ورد به على شبهتك الواهية”.
  • لا يشترط أن يقول النص كل ما نريده نحن اليوم بشأن إيضاح الأحداث، فالكتاب المقدس لم يكتب لكي يعلمنا بأمور تاريخية وليس هو بكتاب تاريخ على الرغم من دقة المعلومات التاريخية الواردة فيه، لذا فالعامل التفسيري مهم للغاية، يجب الانتباه إلى أنه في الأمور اللاهوتية فيجب أن الذي يرد على شبهة ما في هذا المجال ألا يكتفي فقط بأنه يعرف الرد على هذا النوع من الشبهات، ولكن يجب أيضاً ألا يخالف التقليد كما قلنا مرارا وتكراراً، فيمكن وضع تفسير بين نصين ولكن لا يكون هذا التفسير صحيحاً ويتعارض مع التقليد، فهذا مرفوض.

 

خطوات الرد على التناقضات المزعومة:

 

  • في البداية – وهو أمر مضحك – يجب أن يكون طارح الشبهة يعرف أين هو التناقض أساساً! ، فهناك من لا يعرفون أصلا في أي شيء يوجد تناقض! وهنا أطلب من طارح الشبهة أن يشرح فهمه لهذه النصوص بحيث يحقق هذا الشرح تعارضاً (تناقضاً) في النصوص.
  • بعد هذا اسأله سؤالاً وقل له “هل هذا يعني أنك لا تجد أي طريقة للجمع بين النصين وأننا لو وجدنا تفسيراً يجمع بين النصين أكون قد رددت على الشبهة؟” فإن قال لك “نعم” فضع تفسيرك (الذي سنعرف من أين تحصل عليه فيما بعد) الذي يجمع بين النصين وبهذا لا يوجد تناقض حتى لو تعددت التفاسير بل حتى لو اختلفت، وإن قال لك “لا” فقل له “فمتى تنتهي الشبهة إذن؟، إذن ضع لي ما يثبت أن هناك تناقضاً” وهنا لن يجيب على طلبك الثاني بل سيرد على الأول فقط، ورده هنا يمكن أن يختلف من شخص لآخر ومع الوقت سنعرف كيف نرد على كل نوع، وبالطبع لو كان ممن يقولون “لا” فهذا يعني انه لا يريد أن يفهم ولا يبحث عن الحق.
  • الذهاب إلى الكتب المخصصة بالرد على الشبهات، حيث تقوم أغلب هذه الكتب بعمل فهرس لآيات الكتاب المقدس بعهديه وتقوم بوضع كل الشبهات على كل آية فيه ثم تقوم بالرد عليها بشكل مفهرس، وبالتالي يسهل الوصول إلى أي رد على أي شبهة (سنعرف ما هي الكتب ونعرف كيف نستخدمها في آخر قسم من هذه الدورة) فهذه الكتب تعطينا تفسيرات سريعة وملخصة قام بها علماء وأشخاص قبلنا لنتعرف على ما وصلوا إليه، بعد هذا النوع من الكتب إن كنتا في احتياج (وبعضنا يريد التوسع في الدراسة سواء كان في احتياج أو لا) للتوسع فيجب أن نذهب لكتب التفاسير سواء العربية أو غير العربية لنتعرف على عدد أكبر من التفاسير والآراء.
  • يمكن بعد كل هذا ألا يقتنع الشخص مِنّا بهذه التفسيرات ولكنه يقتنع بتفسير شخصي له، فعلى الرحب والسعة ولكن عليه دراسته مع نفسه ليعرف هل هو قوي أم ضعيف وماذا سيكون الرد عليه في حالة ان هناك رد ليعرف كيف يصيغ رده في أسلوب محكم وكلمات دقيقة.
  • سؤال ذوي الخبرة في هذا المجال ليتم النقاش حول هذا الرد ومن ثم يكون قوي.

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

5-4-2012

المحاضرة الثامنة: أقسام الشبهات والغرض منها03

 

في المحاضرتين السابقتين تحدثنا عن نوعين من أنواع الشبهات الأساسية التي سنواجهها فيما بعد، واليوم سنستكمل مع الأنواع الرئيسية الأخرى، وسوف أتكلم عنها في إيجاز شديد لأن هذه ستكون المحاضرة الأخيرة في الجزء النظري حيث سنبدأ مباشرة الجزء العملي، فصلوا لأجلنا..

 

الأخطاء العلمية والتاريخية، هذا النوع من الأخطاء يحتاج وقت كبير ولكنه لا يحتاج إلى جهد يذكر، ويحتاج إلى بعض من التخصصية، ولكن بشكل عام، معظم الشبهات المتعلقة بالأخطاء العلمية، إمَّا تكون خطأ من طارح الشبهة نفسه في فهم النصوص، فيتخيل أن النص يقول شيء ويقول أن هذا الشيء (الذي فهمه هو) خاطئ علمياً، في حين أن يكون النص لا يتحدث أصلا عن معلومة علمية بل عن حالة وصفية لأمر ما أو من وجهة نظر ما فلا يكون هناك خطأ علمي من الأساس لأنه لا توجد معلومة علمية من الأساس، أو أن يكون النص يتحدث عن أمر رمزي فيأخذه صاحب الشبهة ويحوله إلى حقيقة علميه ويبدأ في نقده!، وأما الفرع الثالث هنا فهو احتمالية أن يكون خطأ الشبهة ناتج عن عدم الترجمة الدقيقة أو عدم فهم المعنى الدقيق للنص أو للكلمة، فيفهم منه شيء لم يقله النص في حقيقته، فيبدأ في كيل الاتهامات للنص، وكل هذه الأخطاء يتم تصحيحها عن طريق تحديد نوع الخطأ الذي وقع فيه صاحب الشبهة، ثم البحث عن الردود السابقة على نفس هذه الشبهة ودراستها بحيث يتم التأكد أن هذا الرد يدحض هذه الشبهة فعلاً، وبين هذه الخطوة وتلك يجب الرجوع إلى المراجع اللغوية للتيقن من المعاني الموجودة في اللفظ الأصلي، فاللفظ قد يكون يحمل معنى آخر غير المعنى الظاهر في الترجمة، وأخيرها هنا، من الأفضل أن يكون الشخص متخصص في نوع علم الشبهة، فمثلا لو كانت الشبهة تتعلق بشق علمي طبي، فمن الأفضل أن يكون صاحب الرد طبيب، أو على الأقل يتم الاستعانة بطبيب لتوضيح ما قد يخفى على الشخص العادي، وأما عن شبهات الأخطاء التاريخيّة فهي قليلة جداً وأيضا لابد من إتباع التنبيهات السابقة.

 

 

القانونية، نقصد هنا بكلمة القانونية أي الأسفار التي لها الصفة السلطوية على المؤمنين في الكنيسة فهي على سبيل المثال في العهد الجديد 27 سفراً، وهذا النوع من الشبهات يعتمد غالبا على أن الكنيسة كانت مدققة اكثر فأخذت بعض الوقت الذي يستغله المشتبهون في القول أن الكنيسة “اختارت” الأسفار بدون ضوابط أو معايير، وبعض النسبة الباقية من هذه الشبهات يعتمد في أن الكنيسة كانت في هذا الوقت مضطهدة اضطهاد كبير فلم يكن من السهل الاجتماع بالإضافة إلى صعوبة المواصلات في هذه الفترة، وأغلب هذه الشبهات يكون الغرض منه ليس التشكيك في الكتاب المقدس بصورة مباشرة بل يكون الهدف الرئيسي منه التشكيك في سلطة الكنيسة ونظامها ودقتها، ولكبر شرح هذه الشبهات والرد عليها فسوف نؤجلها للمستوى الثاني لبيانها بشكل أكبر.

 

النقد النصي، النقد النصي هو علم وفن استرجاع النص الأصلي أو أقرب صورة للنص الأصلي لأي عمل أدبي لا يوجد بين أيدينا اليوم مخطوطاته الأصلية عبر آليات وقوانين ومعارف، هذا النوع من أكثر الشبهات إثارة في الآونة الأخيرة، حتى أني أعتقد أنه قد طغى على شبهات “لاهوت المسيح”، وبرغم كثر العدد إلا أنها شبهات تصل في سخفها إلى مستوى أني أحيانا أبحث عنها لأضحك على الذين كتبوها في سذاجتهم، حتى معلميهم سُذَج أيضاً، ولأن هذا النوع قد يطول شرحه فسأجعله مع شبهات القانونية في المستوى الثاني، وعلى أي منكم عندما يحصل على أي شبهة في القانونية أو النقد النصي أن يعطيها لي ونتحاور فيها عبر الرسائل الخاصة إلى أن نصل للمستوى الثاني ونبدأ في الشرح باستفاضة، ولكن لشرح نوع هذه الشبهات كما يطرحها غالبيتهم، فإنهم يأتون بنص من ترجمة معينة ونفس النص من ترجمة أخرى ويقولون لك: هذه الآية محرفة لانها غير موجودة -مثلا- في الترجمة الأخرى، أو يقولون لك أن الآية محرفة لأنها لا توجد في المخطوطة الفلانية، وبهذا يكون الكتاب المقدس محرف لديهم! وعلى الرغم من أن هذا العلم كبير نسبياً وهناك كتب من أساتذة أفاضل كتبوا فيه وهناك أبحاثاً منهم للرد على شبهات محددة، إلا أننا سوف نؤجل شرحه للمستوى الثاني، فالعهد الجديد هو الكتاب الوحيد عالميا الذي يحتل مكانة لا يمكن لأي كتاب آخر في العالم القديم أن يقترب من التفكير في الوصول إليها، فلدينا ما قارب الـ25 ألف مخطوطة، هذا مع قرابة المليون اقتباس من الكتب التي مازالت موجودة من كتب الآباء ناهيك عن المفقودة إلى الآن، ناهيك على انتشار العهد الجديد والبشارة في أغلب بقاع العالم بسرعة رهيبة مما أدى إلى كثرة عدد المخطوطات للكتب المقدسة باللغات المختلفة اللازمة لكل هذه الأماكن ذات اللغات المختلفة، هذا مع تأكيد علم النقد النصي على دقة نص العهد الجديد، وهذا ما لا يحلم به أي كتاب آخر من العصور القديمة، بل ولا يمكنه أن يفكر في هذا الحلم، فهذه المكانة الفريدة هي للكتاب الفريد ألا وهو “الكتاب المقدس”.

 

آباء، ظهرت في الآونة الأخيرة شبهات تتعلق بالآباء، مثل شبهات تقول بأن الأب الفلاني لم يعرف ألوهية المسيح أو لم يعرف الثالوث أو لم يعلم شيئاً عن الفداء، هذا بالطبع بالإضافة إلى بعض الشبهات التي تقول أن الأب الفلاني كان لا يؤمن بقانونية السفر الفلاني، أو يؤمن بقانونية سفر ليس بين الـ27 للعهد الجديد أو نظيرهم للعهد القديم، وأخيراً ظهرت شبهات تقول بأن الأب الفلاني كان يهين المرأة!، كل هذه الشبهات تتطلب دراسة أطول في الوقت لأنه يجب مراجعة كل ما وصل إلينا مما قاله هذا الأب ومراجعة سياق كلامه ومراجعة تكراره لنفس الكلام وأشياء أخرى تختلف باختلاف نوع الشبهة الآبائية.

 

اقتباسات، هناك نوع من الشبهات يكون عبارة عن أن يسألك شخص عن اقتباس في العهد الجديد يكون مكانه أصلا في العهد القديم أو نبوة يستشهد بها كاتب في العهد الجديد ولا يجدها صاحب الشبهة في العهد القديم فيسألك، أين نجد هذه النبوة؟، هذا النوع من الشبهات قليل ولكنه يحتاج إلى دراسة متأنية وواسعة قليلاً، فينبغي دائما أن نتذكر أن الذي كتب في العهد الجديد لم يكتب في 2012 بل من آلاف السنين وبالتالي فكانت ثقافه عصره وطريقة الاقتباس مختلفة عن الآن وتقسيم العهد القديم مختلف عن الآن، والطريقة التي يتعامل بها اليهود مع العهد القديم مختلفة أيضاً عن الآن، وبالتالي يكون من الخطأ أن نحكم الآن على الاقتباس بأنه موجود أو غير موجود بطريقة الآن، هذه واحدة، النقطة الأخرى أن هذه الاقتباسات غالباً ما يتدخل فيها عامل اللغة، فهل الاقتباس مأخوذ من الترجمة السبعينية أم من العهد القديم بلغته الأصلية العبرية؟ وما هي قيمة السبعينية في ذلك الوقت؟ هذه ثانية، وأما ثالثاً، فهو نوع الاقتباس نفسه أو النبوة نفسها، فأحياناً يكون الاقتباس أو النبوة مركباً بمعنى أنه يكون ليس اقتباسا واحدا أو نبوة واحدة من العهد القديم، بل أكثر من اقتباس أو نبوة تم دمجهم معاً، وبالتالي فطارح الشبهة يمكن أن يستغل هذه النقطة ليسألك عن “المقتبس” بكامله أن يجده كله في مكان واحد في العهد القديم، فلابد على الذي يريد على الشبهة أن يكون على علم بنوع هذه الاقتباسات من العهد القديم، ويمكن أن يكون الكاتب في العهد الجديد قد نسب الاقتباس المركب من أكثر من شخص في العهد القديم إلى شخص واحد فقط في العهد القديم، وهذا فرع أخر، وغالباً ما يخص التقسيم في العهد القديم ووضع هذا السفر في العهد القديم ونبواته وعددها ووضوحها، كل هذا يمكن أن نقابله في هذا النوع من الشبهات.

 

الألفاظ الخادشة للحياء!، لأن هذا المجتمع الذي نعيش فيه نحن المسيحيون مشحون تماماً بالثقافات الجنسية والشكليات التي لا تغني والذهن النجس، والعورات، فصار هذا المجتمع متخصص في الجزء الأسفل فقط من الإنسان، حتى طغى هذا الجزء الأسفل على العقل فصار العقل مع مرور الوقت “أسفل” و”أسفل” وبالتالي كان لابد أن نجد صدى لهذا الانحطاط الأخلاقي والفكري على الشبهات، فتجد شبهات معينة تتكلم في الألفاظ القبيحة -بحسب رأيهم- في نشيد الأنشاد، وفي سفر حزقيال وخصوصاً الأصحاح 23 وفي أماكن متفرقة أخرى، والشيء الغريب أنك كلما ترد على هذه التفاهات التي لا ترتقي لمستوى الشبهات يكررونها وكأنهم لا يسمعون، وهناك نوع آخر من هذه الاتهامات وهو كوميدي نوعا ما، فتجدهم مثلا يأخذون سِباباً من شخص لشخص آخر، وقد ذكر الكتاب المقدس سبابهم عليهم ولم يؤيدهم فيأتي لك هذا المشتبه ليقول لك “الكتاب المقدس به ألفاظ بذيئة”!!، وكأن الكتاب المقدس هو الذي يذكرها من نفسه وليس يؤرخ لما فعله هذا وذاك!، بل وربما يأخذ هذا المشتبه هذه الكلمات ويوجهها لك ويسبك بها ويقول لك أن الكتاب المقدس هو الذي قال هذا!!! فالكتاب المقدس لم يقل هذا، إنما هو “نقل” ما قالوه هؤلاء.

 

قواعد عامة أخيرة:

  1. على طارح الشبهة أن يثبتها، بمعنى أن أحيانا تكون الشبهة تقوم على رأي شخص (كان من كان) أو على افتراض، أو على “عدم وجود دليل” فيجب على طارح الشبهة بذل قصارى جهده في إثبات شبهته أصلا قبل أن نرد عليها، ويجب على الذي سيرد على الشبهة ألا يضيع وقته في الرد على “افتراضات”، ويجب أن يطلب من طارح السؤال أو الشبهة أن يثبت كلامه أصلاً.
  2. الطريق الأول للرد لا يبدأ من الرد، بل من نقد الإثبات نفسه للشبهة نفسها، فقد يكون إثبات الشبهة واهٍ جداً بل ومضحك للغاية، أو قد يكون ركيك عن طريق استنباط صاحب الشبهة شيئاً من مكان قد لا يعني هذا المعنى الذي فهمه، فيجب أولا نقد فهمه للنصوص ثم في النهاية البدء في الرد.
  3. لا تتسرع في الرد على شبهة، وحاول أن تدقق في كلامك، فالذي يكون “غالبا” قل عليه “غالبا” ولا تقل عليه “كل” والذي يكون بعضا لا تقل عنه إلا “بعضا”، وبشكل عام لا تعمم أمرا ما.
  4. كل الشبهات ضعيفة، ولكن تعتمد الشبهة على فكر، فكر يخلقها وفكر يدفنها، فإن أردت إنهاء شبهة فعليك أن تسد كل الثغرات وكل الأسئلة وكل الاحتمالات وبهذا تكون أنهيت على الشبهة.
  5. عندما تكون تتناقش في شبهة فلا تلتفت لشبهة أخرى حتى ولو كانت هذه الأخرى لها علاقة بالأولى، فعلى سبيل المثال، لو كنت تتناقش في ألوهية المسيح، واستشهدت بنص في رسائل القديس بولس الرسول للشهادة للألوهية، فأحيانا تجد طارح الشبهة أو المحاور بشكل عام يقول لك أنا لا اقبل كلام بولس لأنه ليس من تلاميذ المسيح! أو مثلا لأن بولس “كذاب” (حاشا)، أو بسبب أن هذه الرسالة العالم الفلاني يقول إن بولس لم يكتبها، فهنا في أي حالة ستخرج عن الموضوع الأساسي وهو “ألوهية المسيح” وهذا ما يريده هو وبالتالي فلا تسمح به أنت، وأقول لكم، بل حتى ولو كان هذا التشتيت سهلا أن يتم الرد عليه، فلا ترد عليه ولا تلتفت له لأن كل تشتيت سيضع فيه تشتيت وبالتالي لن تخرج بنتيجة في أي من هذه المواضيع.

 

 

سلام رئيس السلام ..

فريق اللاهوت الدفاعي

26-4-2012

 

 
 

محاضرات دورة اللاهوت الدفاعي – المستوى الأول