الردود على الشبهات

المرأة في نظر القديس كيرلس الكبير – الأب متى المسكين

المرأة في نظر القديس كيرلس الكبير – الأب متى المسكين

المرأة في نظر القديس كيرلس الكبير - الأب متى المسكين
المرأة في نظر القديس كيرلس الكبير – الأب متى المسكين

كيرلس الكبير إمتداد للتقليد الإسكندري:

في الحقيقة حينما نقدم كيرلس الكبير نكون قد جمعنا كل رأي الآباء الإسكندرانيين السابقين، لأن من دأب علماء الإسكندرية اللاهوتيين الأرثدودكس أن يتمسكوا بتقليد الآباء الأوائل ولايضيفون عليه إلا الشرح والتخريج.

لذلك فجدير بنا أن نلخص هنا رأي أكليمندس الإسكندري الذي سبق عرضه بالتفصيل لأننا سنجده في نظرة القديس كيرلس الكبير عن المرأة مشروحاً بأكثر وضوح:

 يقول أكليمندس الإسكندري إنه يستحيل التفريق بين خلقة الرجل وخلقة المرأة على مستوى الطبيعة البشرية!! لأن نفس المرأة كنفس الرجل من حيث الكفاءة الروحية، لذلك فيمكن للمرأة أن تحرز من الفضائل كما يحرز الرجل تماماً- وإن كان هناك إختلاف في تركيب الجسد فهو لكي تقوم بأعباء الحمل والولادة ومسؤولية المنزل.

وهذا الفرق لايمكن أن يمس الطبيعة البشرية لأنه يختص فقط بما هو خاص بالأمومة.

ولكن لايزال الكمال بتمامه مفتوحاً لكل من الرجل والمرأة.

أما القديس أثناسيوس الرسولي فهو يأتي بعد أكليمندس حاملاً تراث الآباء مزيداً له وضوحاً فيقول:

] إن المرأة قد خلقت أيضاَ على صورة الله مثل الرجل تماماَ، إن طبيعتيهما متساويتان في كل شئ وفضائلهما أيضاً على تساوي، وإن كانت هناك فروق ما فهي خارجية لأن نفسيهما متساويتان[(1).

أما القديس كيرلس الكبير فيمكن جمع منهجه الفكري تحت إتجاهين:

الإتجاه الأول: “سيكولوجية المرأة”.

الإتجاه الثاني: الإتجاه اللاهوتي نحو المرأة.

 

سيكولوجية المرأة عند القديس كيرلس الكبير:

وهذا أيضاً يعتمد على نظرتين أساستين تجاه المرأة، فالمرأة هي:

]مثل τύπος  أو رمز σύμβολον  أو إشارة σημειον  لعنصرين نفسانيين في المرأة، الأول: النعومة (الجنس الناعم) ʼασθενεια  أو μαλακἱσμος ، والعنصر الثاني: إحساس اللذة ἡδονή [ (2) .

وهو يقول: ]إن كل شر وزلل إنما يأتي عن طريق هذين العنصرين الكائنين في طبيعة المرأة[ (3).

وكيرلس الكبير يعزو ضعف المرأة إما للطبيعة عامة(4)، أو للتفكير(5)، أو للإرادة(6)، وهذا مما يزيد من سهولة الخطية(7).

ولكن لايشدد كيرلس الكبير على إن هذا الضعف هو حالة عامة أو شاملة لكل النساء، ولا الإحساس باللذة أمر يمكن تحديده بصورة واضحة، إنما هو مجرد خاصية مميزة مبهمة.

وهكذا يتوقف رأي كيرلس الكبير السيكولوجي للمرأة على إن الصفة المعيارية للمرأة هي التي تحدد ماهية المرأة.

فالمرأة بالرغم من أن لها نفس الجوهر الطبيعي الذي للرجل(8)، إلا أن هناك إختلافات بينهما(9).

ومن مظاهر هذا الإختلاف أو التمايز إن المرأة نفسها تفضل أن تلد ذكراً عن أن تلد أنثى، لماذا وهي أنثى؟!(10) هذا يوضح تجذر الإختلاف.

وكيرلس يعتمد على قول بولس الرسول: “إن آدم لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل” (1كو 11: 9)، فيقول إن آدم كان في خلقته قد أكمل بالضرورة (من الناحية السيكولوجية) من المرأة التي خلقت لتكون من أجله(11).        

وفي الحقيقة هناك إشارة أكثر وضوحاً تعزز قول كيرلس الكبير عن هذا القصور الذي أصابها من الله عن عمد عندما عاقبها على المخالفة بقوله: “الى زوجك يكون إشتياقك”. وهذا العقاب أفقدها القدرة أن تكون نداً للرجل دون معاناة!!

وهو يدلل على ذلك أيضاً من الناحية النفسية بقوله:

]إن جنس الأنثى يستسلم دائماً للدموع ويقع في الحزن والنواح بسهولة شديدة، وبالأحص عندما يكون هناك سبب أليم لذلك[ (شرحه لإنجيل يوحنا).

الإتجاه اللاهوتي:

وهو يقوم على رؤيتين للمرأة:

الرؤية الأولى: اللعنة التي إحتملتها المرأةجزاء مخالفتها.

الرؤية الثانية: تقديس المرأة.

ومن هاتين الرؤيتين يتكون عند كيرلس الكبير معنى ومدلول كيف إن المرأة هي على صورة الله؟!

الرؤية اللاهوتية الأولى تجاه المرأة:

يصف كيرلس الكبير المرأة بعدما أثرت على زوجها وأوقعنه في الخطية بإعتبارها ]خادمة أو شماسة διάκονος  الموت[(12).

وهكذا ولهذا أعطاها الرب عقوبة “تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً…” (تك 3: 16).

ولكن يعود كيرلس الكبير ويحلل ويفسر هذا الوضع الجديد الذي للمرأة وهي تحت العقوبة، أي عقوبة “الوجع والأتعاب”، أي الحزن والأسى، بتعبير دقيق محتسباً أن الدافع الأشد والمعذب لهذا الحزن هو أن المرأة تلد للموت εις θάνατον!! وبهذا العقاب صار الميلاد باباً للموت عوض الحياة(13).

هذا هو مضمون التوبيخ الذي أصاب المرأة ومصدر حزنها الحقيقي، وهذا هو سر دخول جنس المرأة في الشعور بالإحتقار حتى مجئ المسيح(14)

ولكن تجسد إبن الله ]لكي يبيد اللعنة التي وقعت للمرأة الأولى[(15). والقديس كيرلس يعطي شرحين لهذا الإجراء اللاهوتي:

الأول: ]حينما كانت تلد المرأة للموت كانت تشعر تلقائياً بضغط الحزن، ولكن حينما ولدت المرأة بالجسد عمانوئيل الذي هو الحياة ذاتها، تحطمت قوة اللعنة، فزال الحزن مع الموت الذي كان رفيق حبل المرأة وولادتها على الأرض[(16).

وبإختصار، وفي جملة واحدة، يقول: قبل المسيح كانت الولادة تعني الموت، أما بعد ميلاد المسيح بالجسد أصبحت الولادة تؤدي الى الحياة. 

الثاني:

وهذا يعود اليه القديس كيرلس مراراً ويعتمد على ]اللطف الفائق والتحية السلامية التي ألقاها المسيح المقام- أول ماألقى- على المرأة. فبقوله: سلام لكما، لاتخافا… يكون قد رفع عن المرأة الخوف ومهد الطريق الى للأيمان، فبتحيته لهن وهو هو الإله الذي أرعد عليهن سابقاً باللعنة، أصبح لجنس الأنثى إنعتاق من التوبيخ والملامة ورفع للعنة[(17).

وهكذا لم يكن بلامعنى أن يكون الرب قد أظهر قيامته أولاً للنسوة، ليكن أول من يشاهد مجده ويسمع صفحه وسلامه، ويتقبل البشارة المفرحة، وفي هذا يقول القديس كيرلس الكبير:

]لكي يشفي الإنسان الذي مرض ويعتقه من الدينونة الأولى، كان من المهم جداً أن تكرم النسوة أولاً بحملهن إعلان البشارة المفرحة بالقيامة (الى الرجال عوض حمل الخطية الأولى الى آدم)، لأنه بما أن المرأة الأولى أغوت آدم ودفعته للتعدي بنفسها متبعة قول الحية، فصارت هي بذاتها علة الموت، لذلك كان أمراً ملحاً إن ذنب هذا السلوك الشنيع تمحوه الدعوة (الإلهية) بحمل هذه الرسالة الرسولية. فيصح قول بولس الرسول أنه حيثما كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً (رو 5: 20)، هوذا قد أعطى الله إنجيل الخلاص للمرأة التي خدمت- كشماسة- الموت سابقاً. وهكذا بلغت المرأة التحية عوض اللعنة التي وضعها عليها في البدء. وهكذا فإن الإجراء الأخير كفر عن الإجراء الأول، والتي دعي عليها بالوجع والمرض نالت الشفاء[(18).

ويعود القديس كيرلس مراراً ليلخص هذا الموقف هكذا: إن إلقاء السلام χαίρετε  على المرأة (لحظة القيامة) كان الترياق الشافي لإلغاء عقوبة الحزن والوجع! فالمرأة التي خدمت الموت تبعاً لهمس المجرب في حديقة عدن، خدمت القيامة بطاعتها لكلام الرب والملائكة في حديقة جثسيماني.

هذه هي الكرامة التي حصلت للجنس (الأنثوي) الذي أمتهن، وهذا هو رجاؤها الصالح وشفاؤها، فالمرأة ختمت قصتها الحزينة بقبول سلام الرب.

الرؤية اللاهوتية الثانية تجاه المرأة:

بالرغم من الإجحاف الملموس الذي أصاب المرأة من تحليل القديس كيرلس الكبير للمرأة من وجهة النظرة الطبيعية والنفسية، إلا إنه لم يكن عدواً لجنس المرأة على الإطلاق، بل المدافع الأكبر عن كفاءة المرأة من الوجهة الروحية “في المسيح”، وهو يحاجج في شرحه لسفر اللاويين 6: 27هكذا:

] أخبرني، هل الناموس أمر أن ترفض المرأة من البركة بإعتبارها جنساً أنثوياً؟ نحن لانقول بهذا أبداً، فإن جنس الأنثى تقدس αγιάζεται بالتمام معنا، والحقيقة هي إن هذه الأمور كانت أمثلة وظلالاً، فالناموس عندما قال: “الجنس المقدس” كان يقصد بفطنة هؤلاء الذين سيصيرون مقدسين في المسيح، وفي المسيح يسوع ليس رجل وإمرأة بعد، بل نصير كلنا من واحد بقدر مانحن نتناول معاً من الخبزة الواحدة [(19) .

ويعود مفسراً سفر يوئيل 2: 28:

]”ويتنبأ بنوكم وبناتكم”. هذا يعلن عمومية نعمة الله والمساواة التامة من جهة هذا الأمر، لأن جنس الأنثى هو في عيني الله ليس شيئاً يمكن طرحه جانباً طالما هو ناشط في عمل مشيئة الله ويختار أن يكون حكيماً، وليس بدون مكافأة أو بدون شركة في التقديس: αμετοχον αγιασμοῦ إذ أختير للإيمان والأعمال الصالحة، لأن جنس المرأة هو معتبر أيضاً أهلاً للنعمة والرحمة من قبل الله: “وصراخ الروح القدس” (2كو 1: 22)، فالمرأة محسوبة ضمن الأولاد[(20).

ويعود القديس كيرلس الكبير ويمزج الرؤيا اللاهوتية للمرأة بالتوجيه الرعوي في موضوع المرأة السامرية:

] وبخلاف الذين جفت مشاعرهم بسبب التمادي في التقوى (الفريسيين) لم يمتنع الرب من الحديث مع المرأة، لكن كعادته منح حبه لجميع البشرية، وهو إعتنى أن يظهر بهذه الحادثة إنه طالما يوجد خالق واحد فيتحتم أن لايكون وقفاً على الرجل فقط حتى ينال الحياة بالإيمان، وهالمسيح هنا يجمع المرأة في شبكته أيضاً- نعم، ليت هذا يكون نموذجاً للمعلمين في الكنيسة، فلا يمتنع المعلم من خدمة النساء، لأنه إن صنع هذا فهو لايتبع ميوله وإنما يخدم منفعة التعليم بالإنجيل κηρύγματα [(21).

المراجع:        

  1. In verb. 1, De Hominis Structure 1, 22-23, P.G. 30, 33-36.
  2. In Zachariam 2, Pusey 2, 353.
  3. In Oseam 1, Pusey 1, 34-35.
  4. Glaph. in Exoduon 2, P.G. 69,374.
  5. Homiliae Paschales 10, 4, P.G. 77,624.
  6. De Oderatione 3, P.G. 68, 300.
  7. De Oderatione 16.
  8. De Oderatione 1.
  9. In Oseam 1, Pusey 1,34-35.
  10. De Oderat. 16.
  11. Thesaurus 34, In Epist. 1 Corinth. 4,4.
  12. In Isaiam 5, 6 (P. G. 70, 1436).
  13. Thesaurus 15, P. G. 75, 257.
  14. In Lucan hom. 24, P. G. 72, 941.
  15. In Lucan hom. 2, P. G. 72, 489.
  16. In Math. 28.9, P. G. 72, 469.
  17. In Lucan hom. 2, P. G. 72, 989.
  18. In Math. 28:9, P. G. 72, 469.
  19.  In Lucan 24:9, P. G.  72, 941.
  20. In Isaiam 3, 1, P. G. 70, 608, In Ioan 12, 1, Pusey 1, 20.
  21. Glaphyra in Levit, P. G. 69, 552,53. (أنظر غل3: 28، 1كو10: 17)
  22. In Ioelem 2, Pusey 1, 339-340.
  23. In Ioannem 2,5, Pusey 1, 287.

 

المرأة في نظر القديس كيرلس الكبير – الأب متى المسكين