الردود على الشبهات

أسئلة صعبة عن الهندوسيّة والتأمّل التجاوزي | إل. تي. جياكاندران L.T. Jeyachandran

أسئلة صعبة عن الهندوسيّة والتأمّل التجاوزي | إل. تي. جياكاندران L.T. Jeyachandran

المحتوى

أسئلة صعبة عن الهندوسيّة والتأمّل التجاوزي | إل. تي. جياكاندران L.T. Jeyachandran

أسئلة صعبة عن الهندوسيّة والتأمّل التجاوزي | إل. تي. جياكاندران L.T. Jeyachandran
أسئلة صعبة عن الهندوسيّة والتأمّل التجاوزي | إل. تي. جياكاندران L.T. Jeyachandran


أسئلة للتأمّل والمناقشة:

  1. ما هي بعض الامتحانات التي يقدّمها الكتاب المقدَّس لفضح امر النبي الكذاب؟ كيف يمكنك تطبيق هذا المفهوم الكتابي للرد على بعض المعتقدات الخاصة بأنبياء معيّنين؟
  2. ما هي بعض الدلائل الداخلية والخارجية على اكتمال الأسفار الكتابية القانونية؟ وبالتحديد، كيف اكّد يسوع احتمال كلّ من العهدين القديم والجديد وسلطانهما؟
  3. بعد أن قرأت هذا الفصل، أعدد مخططًا تمهيديًا للطريقة التي بها يمكنك الشروع فى الرد على أتباع عقيدة المورمون فى ما يتعلّق بسلطان كتاب المورمون ومدى موثوقيته، بالمقارنة مع سلطان الكتاب المقدَّس وموثوقيته.

يواجه المسيحيون فى الغرب ثقافة متأثّرة وبشكل متزايد بفلسفات وممارسات دينية شرقية عديدة مثل “العصر الجديد” New age. كما ان تبنّى العديد من الشخصيات المشهورة لأنماط الحياة وأنظمة الاعتقاد المتطرّفة هذه، على سبيل المثال، شيرلي ماكلاين Shirley MacLaine والعديد غيرها؛ أدّى الى تزايد الانجزاب الى هذه الظاهرة. ديباك شوبرا Deepak Chopra، وهو طبيب من أصل هندى يمارس الطب فى الولايات المتحدة فى الوقت الحالي، يقوم بتطوير تقنيّات التأمّل لخفض نسبة ضغط الدم، وتخفيف درجة التوتر عند أولئك الذين يعيشون حياة مملوءة بالتوتر والاضطراب. ويمكن الحصول على كتبه من أية مكتبة. رايكى Reiki، وهي تقنية يابانية للشفاء تستخدمها حركة “العصر الجديد” توحى بإمكانية تركيز قوة الكون اللامتناهية على ورم خبيث ما، لكي يحصل الشفاء، شريطة اعتماد المنهجية الصحيحة لذلك. وإنّ العديد من التعاويذ التى تدّعى حيازتها على قوى سحرية، متوافرة الآن للطلب عبر البريد، كما أن العديد من مشاهير الصحف اليومية تخصّص بعضاً من أعمدتها للتنبؤات الفلكية. وفى الفصلين التاليين، سأتناول أسئلة متعلقة بالهندوسية، والبوذية، ووجهات نظر شرقية مُتعلّقة بنظرية “الكلّ هو اللّه” Pantheism، فى محاولة لتسليط الضوء على كيفية فهم هذه الآراء والرّد عليها.  

لا يقتصر الهدف من هذا الكتاب على مساعدة القارئ على تحديد الأخطاء فى وجهات النظر التى تتحدّى حقائق العقيدة المسيحية التاريخية فحسب، بل لتجهيزه ايضاً بمقاربة تمكّنه من مشاركة المسيح مع مناصري وجهة النظر هذه. وفى هذا الإطار، من المفيد أن نحدّد العلاقة بين الحق والباطل، و بين ماهو أصلى و مزوّر.

قد يكون من المفيد أن نذكر بأن كلّ خطإ يحوى عنصرًا من الحق. مثالٌ بسيط على ذلك من علم الحِساب، سيساعد على توضيح هذه النقطة. بالنسبة إلى ناتج جمع 2+2، إن الإجابة الصحيحة هى 4. ولنُشِر إليها بواسطة الحرف (س). يوجد جواب صائب واحد، ولكن نظرياُ يوجد عدد لامتناهٍ من الأجوبة الخاطئة، مثلاً 5، فستلاحظ كيف أنها بطريقة أو بأخرى، وعلى الرغم من أنها خاطئة، تعتمد على الإجابة الصحيحة: هذه الإجابة الخاطئة، لا وجود لها فى الأساس، غير أننا نحصل عليها من خلال إضافة 1 على س، أى س+1. وبالطريقة عينها، فإنّ إجابة خاطئة أخرى، 3، هى س ناقص واحد أى س-1. إذاً، بإمكاننا القول، مع أن الإجابة الصحيحة هى مطلقة، غير أنّ الإجابة الخاطئة هى ذات صلة بالصحيحة لاأنها ناشئة من إضافة رقم أو حذف رقم من الإجابة الصحيحة. فلا عجب إذاً إن جاء الكتاب المُقدًّس ينصحنا بعدم إضافة أو حذف أىّ شىء مما أعلنه الله لنا (رؤيا يوحنا 18:22 و19)!

هذه ليست بنظرية فارغة لا مخزي لها. و لننظر إلى انعكاسين مباشرين لما سبق:
1 > الخطأ ما هو إلا جسم طفيلي على الحقيقة. لذلك لدى مواجهتنا كلّ ما هو مزوّر أو مُزيّف، يجب أن نسأل: “ما هو الأصل المسيحي لهذا الزيف؟”  والإجابة عن هذا السؤال هي في غاية الأهمية، لأنها ستُظهر حقيقة وجهة النظر المسيحية حول القضية المدروسة، ما سيساعدنا بدوره على إيجاد الردّ المناسب على ما هو زائف. الحق الذي لا تواجهه التحديات، يصبح عقيدة نتبتّاها من دون أى انتقاد. ينبغى لنا أن نستغلّ وفرة الأضاليل التى تغمرنا اليوم، لنعود المسيح     ونتعلّم من جديد إيماننا من زوايا متعددة؛ وبالتالى تثبيت رسالة الإنجيل والدفاع عنها أيضًا (فيلبي 7:1).

2 > كما سنكتشف أيضاُ أنّ التزوير حصل جرّاء تحريف الحقيقة عند نقطة هامة. وبعبارة أُخرى، كلّ خطإ فيه عنصر من الحق. وعنصر الحق المشترك هذا، سيساعدنا على بناء جسور مع خصومنا لتأييدهم فى كلّ ما هو حق فى وجه نظرهم.  بعد ذلك، يجب أن نصح قادرين على إظهار (بوداعة وخوف-1بطرس 15:3) النقطة الجوهرية التى عندها حصل الإنحراف الذي أدى إلى النتيجة النهائية الخاطئة.

الإجابات عن الأسئلة اللاحقة، تتبع المنهج عينه من دون شرحه بالضرورة فى كلّ خطوة من الحجّة. كما سنعرض موجزاَ عن الردّ الإنجيلى فى بعض الأماكن المناسبة لذلك، كى لا تبدو هذه الفصول نظرية فقط (مع أنّ ذلك فى غاية الأهمية)، ولكن يمكن أيضاً الإستفادة منها فى المحادثات. وفى نهاية مجموعة الأسئبة هذه، إيماننا بفرادة المسيح سيزيد صلابة، كما أننا سنكون أكثر تقهّماً مع الذين يؤمنون بما يخالف هذا.

ما هو سبب اهتمام الغربيّين الشديد بالديانات الشرقية؟

إن الحدث الأكثر بروزاً والذي مهّد لدخول الفكر الهندوسي إلى الغرب، كان زيارة سوامي فيفكانندا Swami Vivekananda إلى الولايات المتحدة عام 1893، حين حقّق نجاحًا ساحقًا في المؤتمر العالمي للأديان World Congress on Religion، المنعقد في شيكاغو Chicago. ابتدأ خطابه بالعبارة غير المنحازة “إخوتى وأخواتى”، والتى قُوبلت بدقائق عديدة من التصفيق الحار. ثم راح يشرح عن الوحدة الضرورية لجميع الأشياء والكائنات وهي عنصر جوهري في ال Pantheism الهندى أى، “الكلّ هو اللّه”. (انظر السؤال التالى للحصول على شرح لكلمة Pantheism). أثارت هذه المقاربة الإعجاب الشديد لدى الحركات التوفيقية فى المؤتمر، لأنها توحي بأنّ اللّه يقبل الجميع (لأنّ كل مقاربة إلى اللّه هى حقّه كأى مقاربة أخرى) وبالتالى فإنّ الجميع إخوة وأخوات.

سوامى فيفكانندا، وفى أثناء تفاعله مع المسيحين فى هذا المؤتمر، أنكر وجود الخطيّة، فما دام الواقع بأكمله واحداً، لايمكن إيجاد طريقة نهائية للتمييز بين الصواب والخطأ. ويُعتقد أنه صاحب العبارة الشهيرة التالية: “أنت ترتكب خطيّة عندما تقول عن إنسان إنه خاطىء.” هذا وقد دعم موقفه بفرضية الوحدة المطلقة لكل الأشياء، بما فيها تلك الآراء التى تبدو متضاربة أو متناقضة.

وفى زمن أقرب إلى عصرنا، ظهرت حركة الهيبيّين (Hippie movement) فى الستينيّات من القرن الماضى كنقطة تحول فى حياة أهل الغرب بعد غزو الفكر الديني الشرقي للعديد منهم. هذا يفسر ظاهرة انطلاق عدد لا بأس به من جيل الشباب، وغالبيّتهم من بيوت مسيحية، فى اتّجاه الشرق بحثاً عن تحقيق للذات. هؤلاء فهِموا المسيحية التى كانوا قد نشأؤا عليها، أنها عقلانية بحتة وعاجزة عن تلبية إحتياجات قاوبهم الحميمة والذاتية. كما رأوا فى إله المسيحية شخصيّة متسلّطة، إلها مستبداً وقاسياً. وهكذا شعروا بأن أسلوب التأمل الشرقي، سيمكّنهم أكثر من الإتصال مباشرةٌ مع من يتجاوزهم. فالطبيعة الغربيّة للمعتقدات والممارسات والطقوس، عرضت تغييراً عن المسيحية العديمة اللون التي كانوا قد اختبروها.

قام بعضٌ من أوائل معلّمي حركة العصر الجديد الذين وصلوا إلى الغرب مثل ماهريشي ماهش يوغى Maharishi Mahesh Yogi، بتغليف المعتقدات والممارسات الهندوسية بحيث تكون مقبولة اجتماعياً وفكرياً فى الغرب. قام يوغى بنشر تعاليمهم فى بعض المدارس الأمريكية العامة تحت عنوان علم الذكاء الخلاّق Science of creative Intelligence. (لكن، فى عام 1977، اعتبرت المحاكم الأمريكية هذه الأقسام الأكاديمية غير دستورية بسبب تدريسها للدين). وقد زاد حالياً، أشخاص مثل ديباك شوبرا من شعبية تقنيّات متنوعة تابعة لحركة العصر الجديد، وذلك لتخفيف التوتر داخل مجتمع صناعى، غنى ويطغى عليه طابع التنافس الشرس.

على المسيحين ألا يكتفوا بالنظر إلى الإجابات اللاهوتية والفلسفية التى تقترحها حركة العصر الجديد، بل يجدر بهم أيضاً تقصّي الجذور الوجودية التى نبعت منها هذه الإجابات. فى سياق بحثنا، سنرى أيضاً كيف يمكننا أن نعالج هذه المجالات من وجهة نظر مسيحية. وبقصد الإيجاز، سألخصها ضمن الفقرات التالية.

ليس من الصعب علينا أن نرى كيف أنّ حركة العصر الجديد تزدهرعلى كلّ ما هو شخصي وغير موضوعى. من جهة أخرى، يميل الإيمان المسيحي، وخاصة من أجل الدفاع عن نفسه ضد الهجمات العلمانية الملحدة والحركة النسبية التابعة لوقت سابق، إلى التشديد على الموضوعية. وفى الواقع، تمّ تأسيس علم الدفاعيّات عن المسيحية على حتمية الطبيعة الموضوعية للإيمان المسيحى. وبذلك، يبدو أننا فقدنا الاتّصال مع الأجوبة الذاتية التى تقدِّمها المسيحية للباحث. وهذه حقيقة تبرز بوضوح فى الشعبية التى قوبل بها كتاب المدافع المسيحى رافى زكارايوس Ravi Zacharias “صرخات القلب” Cries of the Heart.

نحن في حاجة إلى تقديم أبعاد الإنجيل الذاتية بلا خجل، وذلك من دون التخلّى عن الحاجة إلى الموضوعية والتاريخية كخاصّتين من خصائص الحق. “ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب” (المزمور 8:34). كما أنّ كلّ تصريح موضوعى للحق كما يعلنه يسوع، ولا سيّما مجموعة تصريحات “أنا هو” الشهيرة فى إنجيل يوحنا، بدعوات إلى التزامها واختبارها على صعيد ذاتى.

يمكن أن يترافق التركيز على البُعد الشخصى فى كثير من الأحيان مع “الهروب من المنطق”، هذه العبارة التى شكّلت عنوان آخر كتاب من ثُلاثية فرانسيس شيفر Francis Schaeffer. ففى هذا الكتاب النبوي العائد إلى أوائل السبعينيات من القرن العشرين، تمكّن شيفر من رؤية انتشار حركة العصر الجديد فى الغرب بشكل مرفقة، بشكل خاص، بظاهرة التخلّي عن العقلانية. إنّ حركة ما بعد الحداثة Post Modern Movement، فى رفضها لكلّ ما هو عصرى وجديد، وفّرت أرضًا خصبة لانتشار الحركات الشرقية. (وفى الواقع، قد يكون من المناسب ملاحظة كيف أنّ الهند كانت من زاوية فلسفية، قد اجتازت فى مرحلة “مابعد الحداثة” ما لا يقل عن أثني عشر قرناً، قبل أن بدأت رحلتها الحالية على طريق الحداثة!)

إنّ ملاحظة بولس المعرفية فى 1 كورنثوس 10:2، والتى مفادها أنّ الحكمة الحقيقة مصدرها الإعلان الداخلي للروح، هو موضوعٌ ينبغي تطويرة كجزء من دفاعياتنا المسيحية. ذلك لأنّ اختبارنا الذاتى المتعلّق بالمسيح، متأصّل فى الواقع الموضوعى والتاريخى الله فى المسيح. لذا، يمكننا فقط من خلال إعتماد هذا المنهج بثبات في كنائسنا، أن نضمن تلبية الاحتياجات الذاتية للناس، من دون التخلى قط عن المباديء العقلانية إنّ تعليم الإيمان بأنّ المسيحية هى صحيحة، ينبغى دائماَ أن يكون مصحوباً بالدعوة إلى الإيمان بشخص المسيح القادر وحده أن يُشبع أشواقنا الذاتية والشخصية.

الإلحاد، والذي كان رائجاً قبل بضعة عقود، ترك وراءه نهجاً مجزّءًا للتوصل إلى الحق، لأنه افتقر إلى العامل الموحّد، ألا وهو اللّه الخالق. ثم جاءت حركة العصر الجديد لتملأ هذه الفجوة من خلال افتراض الوحدة الأساسية لجميع الأشياء، ضمن كيان غير شخصي لانهائي. براهمان Brahman، هو المصطلح الذي تستخدمه الفلسفة الهندية المتعلّقة بال Pantheism، المعروفة باسم “أدفايتا” Advaita، أو اللاثنائية Nondualism. أسلوب الشفاء اليابانى رايكى Reiki، يستدعى وحدة طاقة الكون غير المحدودة، والتى يمكن للبشر تحريكها باستخدام أساليب مختلفة. إنّ زن البوذية Zen Buddhism، تدعو إلى إستخدام تقنيات التأمّل (تماماً كما تدعو الهندوسية التى تدين بال Pantheism، إلى ممارسة التأمّل التجاوزى Transcendental Meditation)، بقصد الإندماج والإنصهار بالوعي اللامتناهي للكون. إنّ ألفاظاً مثل الطاقة والوعي تملأ قائمة مفردات العصر الجديد. فالتوجة الأساسى هو إلى اعتبار أنّ التجزؤ لا يمكن التغلب عليه إلا من طريق الارتفاع والارتقاء فوق التنوع أو تجاوزه. من هنا نشأ التأمّل التجاوزى (انظر “ما هو التأمّل التجاوزى” صفحة 218). فظاهرة التنوع هذه هى التى تملأ وجودنا بأشياء مركومة بلا نظام. من هنا، رغبة الفرد في الاندماج مع الواقع اللانهائى.

ينبغي أن يكون الجواب المسيحى عند هذا الحدّ مركّزَا بشكل متساوٍ على الوحدة والتنّوع. إنّ كيان الله المثلث الأقانيم، والجامع للوحدانية والتثليث في آن، هو الذي خلق هذا الكون. نحن فى حاجة إلى أخد هذه العقيدة من رفوف الأكاديميا المستقيمة الرأى، وجعلها أساساً للتعريف المسيحى الحقيقي بالواقع. كما أنّ الفصل الأول من التكوين هو وصفٌ لكونِ الانسّجام بين مختلف جوانب الواقع، وليس ما تقدّمه حركة العصر الجديد من إلغاء التنوع، لصالح الوحدة المطلقة.

ما هي العقائد الأساسية للهندوسية؟

الهندوسية هي مزيج من المعتقدات المعقدة، وعلى مايبدو، المتناقضة أيضاً. ويتّهم الكثير من علماء الهندوس المسيحين (وهم على حق جزئياً فى ذلك)، بأنهم يبسّطون تعقيدات الديانة الهندوسية إلى درجة تسمح لهم بنقدها. أودّ أن أقترح نموذجاً لن أسعى من خلاله جاهداً لاستيعاب المعتقدات الهندوسية المعقدة فحسب، ولكنه سيوفر أيضًا إطار عملِ للشهادة عن المسيح لأولئك الذين تبنّوا أنظمة معتقداتها.

النموذج الذي أقترحه هو ذو قطبين: الهندوسية المتعدّدة الآلهة من جهة، والتى تتضمّن عبادة الكثير من الآلهة والإلاهات، وفى الجهة الأخرى الهندوسية ال Pantheistic، والتى تدعم فكرة وجود واقع لانهائي غير شخصى وموحّد، وكلّ ما عداه وهميٌ تمامًا أو مجرّد واقع ثانوي. إن الكلمة Polytheism مشتقة من لفظين يونانيّتين – polus= “تعدّد” وTheos= “الله”. Pantheism مشتقة من الصفة Pas بمعنى “كلّ” أو “جميع” ملحقة بكلمة Theos. والفكرة هى أن الكلّ هو الله والله هو الكلّ، أى ليس هناك واقع آخر. فالواقع المادي، الذي هو بالنسبة إلى المسيحى الواقع المخلوق، يُعدّ فى نظر المؤمن بنظرية الكلّ هو الله Pantheism، إمّا أمرًا وهميًا بالكلية، وإمّا ينبغى أن يُعامَل كواقع من مستوى أدنى. وهذا الأمر الأخير يدخل فى قلب معظم معتقدات العصر الجديد وممارساته. أمّا هندوسية تعدّد الآلهة، والتى يمكننا تسميتها الهندوسية الشعبية، فلديها الكثير من أوجه الشبه مع ظاهرة تعدّد الآلهة، كما عرفها العالَمان اليوناني والروماني، هذا مع الإختلاف الكبير فى السياق الحضارى بينهما. من ناحية أخرى، ال Pantheism مبني على فلسفة تكهّنية ترتقي وتسمو إلى أعلى المستويات الفكرية وتشكّل العمود الفقري لحركة العصر الجديد.

تاريخيًا، تسبق الهندوسية التي تؤمن بتعدّد الآلهة، نظريتها التى تدين بال Pantheism. إنّ الكتابات المقدَّسة القديمة الهندويسة والمدعوة فيداس Vedas، بمعنى تجسيدات المعرفة، تُلمح فى بعض أجزائها إلى شيء من الإيمان بالله الواحد. أمّا عبادة العديد من الآلهة والإلاهات فى الوقت الحاضر، فكانت قد بدأت كتبجيل لقوى الطبيعة، كما كانت حال ديانة تعدّد الآلهة فى اليونان وروما. تطوّر هذا إلى تجسيد هذه القوات وتأليهها مع إرفاقها بقصص شبه تاريخية. ولا بدّ من الاعتراف بأنّ داخل بانوراما تعدّد الآلهة الواسع، يمكن للفرد أن ستخرج خيوطًا من عبادة الإله الواحد. قام العالِم الألمانى فريدريك ماكس مولير Friedrich Max Müller، الاختصاصي في علم تطوّر اللغات من القرن التاسع عشر، بصياغة المصطلح “أحد الآلهة” henotheism للدلالة على عبادة إله واحد، حيث يُعبد أحد الآلهة على أنه يمتلك السلطة الأسمى. هذا الجانب من العبادة الشخصية لإله شخصى يجب ألاّ يغيب عن الأنظار في تصنيفاتنا للهندوسية المؤمنة بتعدّد الآلهة، واعتبار أنها وثنية. إنّ ما يُظهره الهندوسى من وقار ومهابة فى عبادته، قد لا نجد أىّ نظير له فى إطار الاحتفالات العديمة اللون، التى تُعدّ عبادة نقدّمها للخالق المستحق كلّ شيء. ونحن نعمل حسنًا إن تعلّمنا من بولس الذي، وبالرغم من حزنه على رؤية الأصنام فى أثينا، استطاع أن يستشفّ الحنين الباطني إلى التعبّد عند أهل أثينا. (يستخدم ذلك كجسر فى محاضرته المذهلة أمام آريوس باغوس، انظر أعمال الرسل 17: 22 و23). انظر أيضًا طريقة التعامل مع الجمعية الدولية للوعي كريشنا Krishna على الصفحات 226-232.

إنها لَحقيقة مشهود لها بأن الذبائح الحيوانية شكّلت جزءًا هامًا من الطقوس الهندوسية القديمة، حيث كان الهدف من التضحيات إسترضاء إله قد أُهين. صحيح أنّ الكتابات الهندوسية، لا تسهب قط فى الكلام عن عقيدة الخطيّة وعن الذبائح الكفارية كما هى الحال فى العهد القديم، إلا أن نقاط التشابه هذه تصلح كمدخل لتقديم الإنجيل. والجدير ذكره أنّ البراهمييت الذين هم الآن نباتيون بصرامة، كانوا هم الكهنة الذين قدّموا هذه الذبائح وأكلو من القربان عربون قبوله من قِبل الإله. (قد يكون من المناسب ملاحظة كيف أنّ جميع الديانات القديمة كانت قائمة على الذبائح، وهذا يشير إلى إدراك فطري لدى الناس أنّ الجنس البشرى قد أساء بطريقة أو بأخرى إلى القوى المسيطرة على الكون، والتى كان ينبغى استرضاؤها بواسطة الذبائح). بالتالى، يترتّب على المسيحي أن يكون قادرًا على إظهار قداسة الله والعجز المتأصِّل في الإنسان عن تلبية متطلِّبات إلهه. عند هذا الحدّ، بإمكانه عرض موت يسوع المسيح بوصفة الوسيلة الوحيدة لإشباع هذه المطالب، بما أنه يُعدّ الذروة الحقيقية الوحيدة لذبائح القدماء.

وبشكل مأساوي، أدّت ممارسة هذا النوع من العبادة لآلهة متعدِّدة إلى خلق نظام هرمي رفّع الكهنة إلى أعلى مصاف. بعد طبقة البراهميين تأتى طبقتا المحاربيين والتجار، وآخِر الكل فى السلّم الإجتماعي هناك الفئات الخادمة، والتى تضمّ المحتقرين والمنبوذين. كان الإعتقاد السائد أن أعلى وأسمى ولادة هى التي تحصل ضمن الجنس البشري، وذلك من خلال دورات التقمّص المتتالية (انظر “ما هو التقمّص؟” صفحة 230). كما أن البراهميين، اعتُبروا الأسمى على الإطلاق بين الناس. هؤلاء يحقِّقون الاتّحاد مع الإله من دون بذل الكثير من الجهد، بسبب الخدمة التى يقدِّمونها للإله، خلال فترة ولايتهم على الأرض.

قد يكون من المناسب أن نأتي هنا على ذكر الجوانب الشيطانية لأي نوع من أنواع عبادة الآلهة متعددة. إنّ عبادة الآلهة الشخصيين قد تصل العابد بعالم الأرواح. فإنه ليس بالأمر غير المألوف أن يتورّط العابدون فى علاقة بالشرير وأتباعه، لا سيّما من حيث الفوائد أو الأضرار التى يشتهر بمنحها لبعض الآلهة. فى حالات كهذه، يمكن للذبائح الدموية المقرّبة للآلهة أن تشكل جزءًا أساسيًا من العبادة. إنّ عبادة الشيطان، والتى تشهد اليوم إقبالاً متزايدًا عليها فى جميع أنحاء العالم، سِمتها المشتركة هى تقديم الدم كرمز للحياة، للانخراط في العالم الروحي.

غالبًا ما يرافق ممارسة عبادة الأوثان تكريس الأشياء والأماكن (مثل المعابد، والأنهار، وقمم الجبال)، وبعض الناس (فى بعض المناسبات) لمختلف الآلهة والإلاهات. إنّ النشاط الشيطانى الحاصل فى أماكن كهذه، ومن خلال أجسام وأشخاص كهؤلاء، هو أمرٌ مشهود له. على سبيل المثال، راماكريشنا باراماهامسا Ramakrishna Paramahamsa، معلّم سوامي فيفيكانوندو Swami Vivekananda، يُقال إنه قام بإستدعاء روح كالي Kali، إلهة التدمير، على زوجته فى يوم ميمون. فعندما أصبحت الزوجة مسكونة، قام بمجامعتها جنسيًا مدّعيًا أته بذلك قد حقّق الإتحاد مع الإلاهة. فى كل مرة تُقدّم العبادة للمخلوق بدلاً من الخالق (انظر رومية 1: 25)، يكون الفساد الأخلاقي والروحي على الأبواب. ويمكن للإنشغال الحديث العهد بعبادة الشيطان فى الغرب، أن يكون نتيجة السعى الملحد وراء الثروة والمتعة. وحين لا تُرضى هذه الأمور تطلّعات طالبها، يكون البديل الوحيد الوحيد هو الشيطان، لأن الله قد سبق إستبعاده.

باستخدام المنهجية الواردة في مقدمة هذا الفصل، ينبغي للمسيحي أن يكون قادرًا على التعاطف مع الشخص الهندوسي، لاسيّما لجهة الأشواق التى تختلج داخل قلبه. ففي نهاية أحد القطبين، تقبع الرغبة في التواصل مع آلهةٍ شخصيين، إلا أنهم للأسف محدودون. وعند القطب الآخر، فالحاجة هى إلى اللامحدود والمطلق، يُشبعها كينونة للأسف غير شخصية. الجواب المسيحي لهذا الطيف من المفارقات هو أنّ الله، الحقيقة المطلقة، هو غير محدود، شخصي، ويقيم العلاقات. فى الواقع، نحن في حاجة إلى إعادة تعريف الشخصية من منطلق العلاقات، وليس من منطلق فردى، كما هى الحال مع اللاهوت التقليدي. إنّ العناصر التى تشكّل الشخصية: الفكر، والعاطفة، والإرادة، هى عناصر نظرية غير واقعية وجوقاء نوعًا ما، في غياب أية علاقة عاملة. لذا، يمكن لطبيعة الله المثلّثة أن تشكّل مدخلاً للمشاركة فى بشارة الإنجيل. سوف يُقدر الهندوسي المؤمن بتعدّد الآلهة، مركزية العلاقة فى إله المسيحية: الله الواحد فى ثلاثة أقانيم (الآب والابن والروح القدس). يمكن لعقيدة الخطيّة أن تنبع من فهم للعلاقة التي تمزقت مع الله. كما أنّ القداسة ذاتها، هى علاقة الحب الأسمى داخل الثالوث (يوحنا 17: 24؛ رومية 5: 5). وحتى فى الأوساط المسيحية، هناك قصور في فهم القداسة في كثير من الأحيان، إذ تُفهم على أنها من صنف الإعتزال المتقشّف، بحيث يتخطّى على نحو كبير إنجاز الهندوسي فى هذا المجال أى إنجاز يمكن أن يطمح إلى بلوغه المسيحى أيضًا! فالقداسة يجب النظر إليها من زاوية تكوين علاقات قوية بالله، والبشر، وبقية الخلق. وينبغي أن نكون قادرين أيضًا على الإستناد إلى فكرة الذبائح القديمة فى الهندوسية المتعددة الآلهة، لعرض ذبيحة يسوع الواحدة الكاملة والكافية، كامتمّمة لكلّ الذبائح التي جرى تقريبها فى الماضي.
غالبًا ما يُعجب الهندوسي كثيرًا بمساهمة المسيحي فى تحسين الأوضاع الإجتماعية، مثل العمل الذى قامت به الأم تيريزا. نحن في حاجة إلى إدراك أنّ الهندوسية هي ديانة أخلاقية مبنيّة على الخلاص بالأعمال. وقد يكون من المفيد اقتراح (1) أنّ البشر لا يمكنهم أبدًا أن يرتقوا إلى مستوى المتطلبات الأخلاقية التي تفرضها ضمائرهم، ناهيك أيضًا بمتطلبات القداسة الكاملة التي يتطلّبها الله المثلث الأقانيم، (2) أنّ الأعمال الصالحة التي يُتوقَّع جنى مكافآت من القيام بها، مثل الولادة بمستوى أعلى في تقمّص مستقبلي، إنْ خلّصنا الله مجانًا، إن جاز التعبير فى المسيح، وتركنا على هذا الكوكب لنعمل الأعمال الصالحة، فإنّ أعمالاً كهذه ستكون صالحة بالفعل، لأننا لسنا فى حاجة إلى أي شيء أكثر! يمكن لتفسير الآية في أفسس 2 :10 أن يجذب الهندوسي الشغوف بالأخلاق العاية، أكثر من الوعظ عن النعمة من دون أى ذكر للأعمال. هذا الأمر قد يجعل الهندوسي ينفر من الإنجيل إذ ينظر إليه على أنه عرض رخيص.

وكما سبق أن رأينا أنّ الهندوسي الذي يعتقد بأن الكل هو الله Pantheist، يؤمن بأن الوقع المطلق هو غير شخصي. ويؤدي هذا الاعتقاد إلى القناعة الواضحة بأنّ الشخصية هي أدنى مرتبة من الواقع المطلق غير الشخصي. وبالتالي فإنّ فكرة الهندوسي للخلاص هي الرغبة في الاندماج مع اللامحدود، وإلى حدّ ما فقدان شخصيته في اللامحدود. يمكننا أن نذكر أمام الهندوسي أنّ ما يجعلنا بشرًا هو القدرة على إنشاء علاقات حرّة، كما أن فقداننا لشخصياتنا لن يعود علينا بأية فائدة تُذكر! ما يجب أن نعمله جاهدين بدلاً من ذلك، هو جعل شخصيتنا تنخرط في علاقة دائمة ومشبعة، وهذا بالذات ما قدّمه الله لنا من خلال المسيح يسوع.

كما قد يكون من المهمّ ملاحظة أنّ التركيز المسيحي على طبيعة الإنسان الخاطئة، قد يُظهر بعض الأحيان للهندوسي أنّ المسيحية تُعطى صورة سيّئة للغاية عن إنسانيّتنا. هنا، ربما يكون من الضروري الإقرار بأنّ لاهوتنا المتعلّق بالجنس البشري، غالبًا ما يبدأ من تكوين 3 بدلاً من تكوين 1! ربما نحن في حاجة إلى إعادة التعريف بخطيّة الإنسان في عقولنا، قبل أن نتمكّن من تقديمها بشكل صحيح إلى الهندوسي. إن مأساه خطيّة الإنسان تنشأ، ليس لأن الإنسان هو أدني فى تكوينه من بقية الخليقة، وإنما لسبب معاكس لهذا تمامًا. فتمرُّد الإنسان على الله، إنّما هو مأساة كونية فقط، لأنه تمّ خلق البشر على صورة الله، وقد خصّهم الله بمقام من الكرامة والشرف (راجع المزمور 8: 5-8)، وليتسلطوا على بقية المخلوقات الأرضية. يُمكن للهندوسي أن يتعاطف بسهولة أكبر مع حقيقة كرامة الإنسان قبل أن يُقدَّم إليه واقع الخطيّة. وعلى أية حال، هذا هو الترتيب الإلهي المعتمد في سفر التكوين، أليس كذلك؟ وبالتالي، الخطيّة، هي علاقة مقطوعة مع الله، هذه العلاقة التي أعطتنا وحدها هوية، هدفًا، وكرامة. إنّ ذكر الخطية الفعلية بشكل مفصّل، قد يحرّك المسيحيين الإسميين في إطار اجتماع تبشيري، إلا أنّ الهندوسي المتفلسف، يبقي أكثر قابلية للتفاعل مع فطرة المذلّة التي ترتّبت على قطع العلاقة بالواقع المطلق، أي بالله الشخصي اللا محدود، والذي يقيم العلاقات.

ما هو التأمّل التجاوزي؟

المصطلح “التأمّل التجاوزي” Transcendental Meditation (TM)، كان قد عمّمه مهاريشي ماهيش يوغي Maharishi Mahesh Yogi في أوخر الستينيات من القرن الماضي. جاء تشخيصه للمأزق البشري، أننا نحن الذين كنا في الواقع جزءًا من (أو امتدادًا) للبراهمان المطلق، منا غير مدركين لهذا الواقع بسبب جهلنا (avidya) وانشغالنا بالأمور الدنيوية. فصرنا في حاجة إلى “تجاوز” الأمور الدنيوية والتعالي عليها، والتساني فوقها عبر ممارسة التأمّل المناسب (TM)، لكي نكون قادرين أن نحظي بإتّحادنا مع اللامحدود. (للمزيد حول هذا الموضوع، راجع “ماذا تعني اليوغا، وما هو التعليم وراء هذه الممارسة؟” صفحة 226) كان هذا التعليم التقليدي، بأنّ الكل هو الله، للغورو القديم العهد سنكرا Sankara (788-820 م).

إلاّ أنّ ماهيش يوغي اقترح طريقةً عمليةً جدًا ومتواضعة للتأمّل، والتي لا تتطلّب أىّ نوعٍ من التعقيد، ولا أي علم بالهندوسية أو بالفلسفة التكهّنية. ففى قاعة الصلاة الخاصة به والمسماة أشرم Ashram فى شمال الهند، يقوم بتعيين كلمة تتألّف من مقطع لفظي واحد فقط لكلّ واحد من المتعبّدين في اللغة التي يرتاحون في استخدامها. على كل متعبّد أن يقوم بتكرار الكلمة بصوت مسموع كأنشودة، خلال جميع لحظات يقظته. ويمكن للمرء أن يتحول إلى وضعية صامتة، مادام الإنشغال مستمرًا بتلك الكلمة. بعد بضعة أيام، وبعد انشغال العقل الواعي بالكلمة، يُنصح المتعبّد بأن يطرد فكرة هذه الكلمة ليصبح العقل (نظريًا) فارغًا. فى لحظة الفراغ تلك يمكن للمرء أن يحظي فجأةً بتنوير داخلي (Brahmavidya)، يجعله يشعر بأنه كان أمتدادًا للبراهمان. وعند هذا الحدّ يكون المرء قد استطاع أن يتجاوز حدود ما هو عابر من أجل الحظو بالتحرر الداخي، والذي هو توق قلب الإنسان.

حين نتأمّل للحظات فيما سبق، يبيّن لنا أنّ التأمُّل الذي أوصى به المهاريشي، ينطوي على تفريغ للعقل – تأمُّل خالٍ من أىّ فحوى أو مضمون. حجّته أن تراكم الأمور داخل عقولنا البشرية، هي التي تقف في طريق معرفتنا الحقيقية للامحدودية. أحد الفلاسفة الأقل شهرةً، والذي عاش معظم حياته في أكسفورد، إنجلترا وتوفي عام 1986، كان الدكتور ج. كريشنامورتي Dr.  J. Krishnamurti هذا، قام بتحديد مشكلة الإنسان في أفكاره، وهي نتيجة عملية تكييف كنا قد تعرّضنا لها أثناء حياتنا كبشر لدى مرورنا بمراحل مختلفة من التطوّر الفكري. ودعا إلى “التحرّر من الأفكار” كوسيلة للتحرّر والانعتاق، مع أنه لم يتوصّل إلى تقنية متقنة كما فعل مهاريشي. تعترض هذا المنهج بعض المشاكل الفلسفية والعملية. عقولنا مصمّمة لتُقكّر، وإن أردنا أن نتجاوز (أو أن تتخلّص من) التفكير، فإن علينا أن نفكّر! الغورو الذي يقول لنا إن أفكارنا هي المشكلة، قد توصّل إلى هذا الاستنتاج، وهو يشاركنا فيه فقط من خلال استخدام القدرات التي يشجبها هو. نحن محاصرون داخل شبكة من التناقضات التي لا مفرّ منها. وفي الواقع، فإنّ الاستنتاج المنطقي من هذه الفلسفة هو ضرورة إلتزام الصمت التام، أي غياب التواصل. يلحظ الكتاب الهندي القديم المسمى كينوبانيشاد  Kenopanishad هذا الاقتباس الذي لم تُثبت صحته: “الذي يتكلّم لا يعرف، والذي يعرف لا يتكلّم!”

قد يُوجد بُعدٌ شيطاني أيضًا لهذه الفكرة من التأمّل الخالية من المضمون. ففي تعليم مدوّن في إنجيل متّي، يبدو يسوع كأنه يشير إلى حالة حيث خرج روحٌ شريرٌ من شخص ليعود “قيجده فارغًا مكنوسًا مزيّنًا” (متي 12: 43-45). يمكن أن يكون هذا حالة الشخص الذي عقله هامد وغير منشغل بشيء بعد أن تمّ إخلاؤه من جميع الكيانات الأخرى. قديمًا، كان عندنا قول مأثور، مفاده أنّ العقل الراكد والخمول هو “ورشة عمل الشيطان.” وحيث إن “التأمل التجاوزي” وغيره من أنواع التأمّلات الاخرى، لا ترتكز على الحقيقة الموضوعية، هناك مجال ليس للوقوع في الضلال فحسب، وإنما للتورّط في التعامل مع الأرواح. يُسرّ الشيطان بقمع (وحتى امتلاك) العقل الشاغر لغير المؤمن، حيث لا يوجد سعي وراء الله الحق.

نحن نفعل حسنًا أيضًا إنْ تذكّرنا أنّ التأمّل بهذا المعنى “يبحث داخليًا” باتجاه الذات بدلاً من “البحث خارجيًا” باتجاه الله. بما أنّ التعليم الماورائي الذي يقف وراء هذا التأمل، هو أننا امتداد لواقع براهمان اللامحدود، نحن مدعوون إلى النظر إلى الداخل للتحقّق من “حقيقة” كوننا جزء من اللامحدود، هى أخدع شكل من أشكال الوثنية، وبالتالي هي مدخل لا مفرّ منه لعمل الشيطان.

بالمقابل، فإنّ الله المثلث الأقانيم في الإيمان المسيحي، قادر على التواصل الأبدي. هو الله الذي يخلق من طريق التكلمّ، حتى بات بالإمكان اعتقاد أن الكون حقيقي وموضوعي، تمامًا كما هي حال الكلمة المنطوقة. لقد خلقنا هذا الإله قادرين على التفكير والتكلّم. فالتقليل من شأن هبة التفكير، يُعدُّ احتقارًا لذاتنا المخلوقة. يمكن للمسيحيين في الغرب أن يتصرّفوا كردّة فعل على أساليب التأمّل الغريبة والدخيلة هذه، والتي يُعلّمها دعاه العصر الجديد، وذلك بتبنّيهم موقفًا مناهضا للتأمّل. غير أنّ الردّ على التأمّل المغلوظ لا يمكن أن يكون بنفي التأمل تمامًا، ولكن بالتأمّل الصحيح. نحن في حاجة إلى الردّ على التأمّل الخالي من المضمون لحركة العصر الجديد بالتأمّل في المضمون. فالكتاب المقدًّس يدعونا إلى التأمّل في كلمة الله (المزمور 1: 2)، وإلى التفكير في “كلّ ما هو حق، وكلّ ما هو جليل، وكلّ ماهو عادل، وكلّ ماهو طاهر، كلّ ما هو مسرّ، كلّ ما صيته حسن، إن كان فضيلة وإن كان مدح…” (فيليبي 4: 8). المسيحيون اليوم هم في خطر جعل الكلمة على أقراصنا الإلكترونية المدمّجة، بدلاً أن تكون في قلوبنا (المزمور 119: 11).

علينا أيضًا أن نتخطى حدود الفهم الدماغي لكلمة الله إلى التفاعل الشخصي معها بالتأمّل، بحيث نصبح عناصر منخرطين في السرد الخاص بالإعلان الإلهي، لا مجرّد متفرّجين ندرسه من الخارج. إنّ عمل التغيير الذي يجرية الروح القدس لا يصبح حقيقة واقعة في حياتنا إلاّ عندما يواجهنا شخص يسوع المسيح في الكتاب المقدس (2 كورنثوس 3: 18). إنّ فهمًا أوفي وتطبيقًا للنص من رسالة كورنثوس الثانية 10: 4و5 ينطوي على إطلاق داخلي لقوة الله من خلال الكتاب المقدًّس، بحيث يتمّ هدم حتى المعاقل العقلية لحياة الفطر، ويجري استئسارها إلى طاعة المسيح.

إنني على ثقة بأنّ تردّدي لجهة اقتراح تقنية جديدة، وبكل معنى الكلمة، لعملية التأمّل في الكتاب المقدَّس، ستحظى على التقدير اللازم. فأنا أمقتُ فكرة إضفاء الطابع المطلق على أية منهجية، فأحطّ بذلك من قدر اللاهوت المجيد للكتاب المقدَّس. أودّ أن أقترح بدلاً من ذلك أن يكون تركيز العصر الجديد على الجانب الذاتي والشخصي للتأمّل الدِّيني، بمثابة حافز لنا على دراسة الكتاب المقدِّس على صعيد فردى وشخصى، مكا يحثّنا على هذه الممارسة المشروعة الكتاب نفسه، لكن من دون الانحراف إلى التصوّف الذي لا أساس له. وبعد ذلك فقط، سنكون قادرين من الناحيتين النظرية والعلمية، أن نردّ على ادّعاءات جماعات التأمّل في حركة العصر الجديد.

الخلاصة:
تشير تطلّعات الهندوسية الكلاسيكية وحركة العصر الجديد الحديثة إلى قطبين متعاكسين ضمن الطيف اللاهوتي الواحد. الأول يُعنى بوجود آلهة شخصيين محدودين، في حين يؤكّد الثاني على وجود واقع لا محدود وغير شخصي. وبالتالي، أمامنا هنا مؤشراتٌ إلى أنّ أتباع هذه الحركات يتوقون إلى تكوين علاقة بينهم وبين الآلهة من جهة، وإلى بلوغ الواقع المطلق إذ يصبحون لا محدودين من جهة أخرى. هذان المطلبان متوافران بشكل أكثر من كافٍ فى إله الكتاب المقدَّس، الذي هو لا محدود وشخصي ويحبّ إقامة العلاقات لأنه مثلّث. وبصفتنا كنيسة الله، تبقى وسيلتنا الدفاعية النهائية متمثلّة في المجتمع المسيحي المحبّ، الذي يعلن للعالم أننا تلاميذ المسيح (يوحنا 13: 34 و35).

أسئلة للتأمّل والمناقشة:

1. ماهي بعض العلامات التي يمكنك البحث عنها ضمن معارفك، والتي قد تشيرإلى أنهم يفتِّشون عن أجوبة في أطار دين العصر الجديد؟

2. خذ بعض الوقت للتفكير في حجم خطيّة الإنسان كتمردّ كوني وفي كفاية التضحية الكفّارية التي قدّمها يسوع المسيح ليخلّصنا من الخطيّة، وذلك في ضوء الأفكار غير الملائمة عن الخطيّة وطريقة التكفير عنها، كما تظهر في الديانات التي ناقشناها أعلاه. ماذا يدور في ذهنك حيال ذلك؟

3. كيف يمكن للكنيسة (والعائلة المسيحية) أن تكون نموذجًا مناسبًا لتعكس الوحدة والعلاقة القائمة بين الثالوث، فستميل بذلك أتباع ديانات العصر الجديد. ناقش تداعيات ذلك على أفراد العائلة، وعلى الأخوة المؤمنين.

 

  1. For further reading, see Os Guinness, The Dust of Death: The Sixties Counterculture and How It Changed America Forever, revised edition (Wheaton, lll.: Crossway, 1994).
  2. Ravi Zacharias Cries of the Heart (Nashville: W Publishing Group, 2002). 3. Francis A. Schaeffer, Francis A. Schaeffer Trilogy [The God Who Is There; He Is There and He Is Not Silent; Escape from Reason] (Wheaton, lll.: Crossway, 1990).