مُترجَم

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثالث | ترجمة: ماجد حكيم

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثالث | ترجمة: ماجد حكيم

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثالث | ترجمة: ماجد حكيم

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثالث | ترجمة: ماجد حكيم
البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثالث | ترجمة: ماجد حكيم

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثالث

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الأول

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثاني

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الرابع

البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الخامس

إن أول شيئ يقال عن البدلية العقابية قد قيل بالفعل. إنه نموذج لاهوتي مسيحي، مؤسس على شرح كتابي، تم تشكيله لكي يركز على إدراك خاص لما فعله يسوع في الجلجثة لكي يحضرنا لله. إن رغبنا في التحدث عن “تعليم” البدلية العقابية، لابد من أن نتذكر أن هذا النموذج هو تصوير درامي ومتفاعل للأفعال الإلهية، أقرب كثيراً لفكرة آولين الكلاسيكية للنصرة الإلهية (رغم أن آولين لم ير هكذا أبداً) من كونها مثل نماذج المعادلات الدفاعية الخاصة بما نسميه الصيغة التعليمية النيقية للثالوث أو الخلقدونية لشخص المسيح. منطقياً، تم تركيب النموذج مع بعضه البعض على مرحلتين: أولاً، تم الإعلان عن أن موت المسيح كان موتاً بدلياً؛ ثم تم توصيف التبادل، وأعطي إطار محدد الإشارة بإضافة كلمة عقابي. وسوف نتمحن المرحلتين كل على حدة.

المرحلة الأولى هي إعلان أن موت المسيح كان بدلياً. ماذا يعني هذا؟ إن تعريف كلمة بدلي في القواميس هو “وضع شخص أو شيئ محل أخر”. إن أحد غرائب الحديث المسيحي المعاصر أن الكثيرين من الذين يؤكدون أن موت يسوع كان نيابي وتمثيلي (ناب عنا أو مثلنا امام الله) ينكرون أنه بدلي؛ لأن القاموس يعرف كل من الكلمتين في ألفاظ بدلية! إن التمثيل يقال أنه يعني “حقيقة الوقوف لأجل أو في مكان، شخص او شيئ، خصوصاً لأجل حق أو أمام سلطات لكي يتصرف لحسابهم؛ والحلول (بدلياً) محل شخص أو شيء”. وأما نيابي فتعرف كالتالي “ما يأخذ أو يملأ مكان شخص أو شيئ أخر؛ مستبدلاً بالشيئ الأصلي او الشخص الأصلي”. لذا فهنا، يبدو، أن هناك تمييز بدون إختلاف. البلدية أو الإستبدال هو، في الواقع، فكرة عامة تنطبق كلما يتصرف أحد لكي يفي بإحتياج آخر، أو يأخذ على عاتقة مسئوليات أخر، حتى أن الأول لا يحمل الحمل مرة أخرى بنفسه. وكما يقول بانينبيرج، “يعد الإبدال ظاهرة عامة في الحياة الإجتماعية … حتى هيكل الوظائف، وأقسام العمال، لها طبيعة تبدالية. فإن من لديه مهنة يقوم بها لأجل هؤلاء الذين يخدمهم. “لأن كل خدمة لها طابع نيابي عن طريق ملاحظة إحتياج عند الشخص المخدوم حتى أنه بدون هذه الخدمة لابد لهذا الشخص أن يسدد الحاجة بنفسه.[i]

وفي هذا المعنى الواسع، ليس أحد يريد أن يقول مع بولس أن هناك معنى حقيقي لعبارة “مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رو5: 8) (لأجلنا، كلمة هوبر اليونانية، تعني، نيابة عنا، أو لصالحنا) ولعبارة “اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا” (غل3: 13) (كلمة هوبر مرة أخرى)، وأن يقبل تأكيد المسيح بأنه جاء “لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” (مت20: 20) (كلمة عن تعني بكل دقة “في مكان” و”بدلاً من“[ii])، من الممكن أن يتردد في أن يقول أن موت المسيح كان بدلياً. في الواقع، لو وصف أحد موت المسيح على أنه موت نيابي فهو يقر بالبدلية.

وليس سراً، بالطبع، لماذا يستحي الناس من هذه الكلمة. لأنهم يساوون بين، ويعرفون أن الأخرين يساوون بين، البدلية فيالكريستولجي وبين البدلية العقابية. هذا يشرح الحالة التي وصفها إف. دبليو. كامفيلد وهو يكتب في 1948 كالتالي:

لو كان هناك إستنتاج وحيد تم إعتباره أمراً مفروغاً منه في الأوساط المسيحية المستنيرة، فهو أن فكرة البدلية قد قادت اللاهوت للمسار الخاطئ؛ وأن كلمة “بدلية” لابد أن نسقطها من تعليم الكفارة حيث أنها مثقلة بإشارات مضللة بل ومزيفة. إن اللاهوت الليبرالي المتحرر واللاهوت المعاصر قد رفض التمسك بفكرة البدلية بالطبع. وحتى اللاهوت الذي يفتخر بأنه “إيجابي” و”إنجيلي” والذي يسعى لإبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع التعاليم التقليدية الكبرى عن الكفارة في مجموعه في الطريق للتخلص منها. وهذا، ليس مجرد على أرضية أنها بها إعتبارات غير عقلانية ولا أخلاقية، ولكن أيضاً على أرضية أنها ليست كتابية. لذا فإن د. فينسنت تايلور وبعد فحص شامل بخصوص “فكرة الكفارة في العهد الجديد” يعطي محصلة ما توصل له أن فكرة البدلية ليس لها مكان في كتابات العهد الجديد؛ وأنها في الواقع متعارضة مع التعاليم الأساسية للعهد الجديد؛ التي كان بولس الرسول رغم أنه يتردد على حافة المفاهيم البدلية يتجنبها تماماً. إنه من الصعب الهروب من إنطباع أن د. فينسنت تايلور لديه هلع يريد فيه أن يلغي فكرة البدلية من اللاهوت الإنجيلي وهذا الهلع قد إكتسى به تفسيره لشهادة العهد الجديد. ولكن إستنتاجاته تمدنا بإشارة صادمة للميل الموجود في الدوائر الإنجيلية الحديثة. هناك شعور أنه ليس هناك ما سبب توجيه لوم للتعليم الإنجيلي بالكفارة سوى فكرة البدلية؛ ولذا، فهناك آهة إرتياح تسمع لما يكون هناك إقتراح أن هذه الفكرة تستند على سوء فهم للكتاب المقدس.[iii]

وفي يومنا هذا، بعد أكثر من ربع قرن، يجب تحديد الصورة التي رسمها كامفيلد بالإشارة للدفاع القوي والإستخدام لفكرة البدلية بواسطة اناس كبانينبرد وبارث؛ وعلى أي حال،[iv] ففي اللاهوت البريطاني يستمر الموقف العام شبيهاً جداً بما وصفه كامفيلد. وكان، على أية حال، سيساعد على توضيح النقاش إن إتفق كل من يتمسكون بأن يسوع وهو يموت فعل من أجلنا شيئاً كنا نتحاج أن نقوم به ولكن لم نكن نستطيع، على أنهم يعتبرون ان موت المسيحي كان بدلياً، وإختلفوا فقط على طبيعة الفعل الذي قام به يسوع بدلاً منا وأيضاً، ربما، على الطريقة التي ندخل بها للفوائد التي يجلبها لنا هذا العمل. يكمل كامفيلد نفسه ويعترف بوجهة نظر بدلية غير عقابية.

وبوجه عام، كان هناك ثلاثة طرق تم بها شرح موت المسيح في الكنيسة. كل واحدة تعكس جانب محدد في طبيعة الله وآخر في محنة خطيتنا، وفي ماذا نحتاج لكي يحضرنا لله في شركة وقبول من جانبه وإيمان ومحبة من جانبنا. إنه من المفيد إلقاء النظرة عليهم لكي نرى ما إذا كانت فكرة البدلية تتناسب مع كل منهم.

يوجد أولاً، النوع من تفسير الأحداث الذي يرى الصليب له تأثير بالكامل على الإنسان فقط، سواء عن طريق إعلان حب الله لنا، او بأن يخبرنا بكم يكره الله خطايانا، أو بأن يضع أمامنا أسمى مثال للتقوى، أوبأن يفتح لنا طريق لله يمكننا أن نسير فيه، او بأن يشرك البشرية في طاعته الفدائية حتى أن حياة الله الآن تسري فينا، او بكل هذه الجوانب معاً. هذا النوع يفترض أن حاجتنا الأساسية هي عدم وجود دافع لدينا تجاه الله، ولا مدخل لكي تسري لنا منه حياة الله؛ وكل ما نحتاج لكي يترتب لنا علاقة صحيحة مع الله، هو أن تتغير فينا هاتان النقطتان، وقد قام موت المسيح بهذا الامر. فغفران خطايانا ليس قضية مستقلة، فبمجرد أن نتغير نصبح في حالة قابلة لأن يغفر الله لنا، وبالتالي يغفر لنا في الحال. وجهة النظر هذه ليس بها مكان لأي فكر للبدلية، حيث أنها تساوي بين ما فعله المسيح لأجلنا بما فعله فينا.

وتفسير أخر للأحداث يرى موت المسيح كأنه لديه تأثير أساسي على القوى الروحية المعادية لنا والتي كانت تحتفظ بنا أسرى مسجونين ومما يدلل على ذلك هو حالتنا الأخلاقية وإعوجاجنا المتأصل  فينا. ويرى الصليب كعمل الله الذي خرج لأجلنا للمعركة وأصبح بطلنا المنتصر، كما أن داود خرج أمام إسرائيل كبطل منتصر هزم جليات. وعن طريق الصليب تم هزيمة القوى المعادية، مهما كانت هذه القوى – سواء الخطية والموت، أو الشيطان وجنوده، أو الأرواح الشريرة في المجتمع وهيكله، أو قوى غضب الله ولعنته، أو أي شيء أخر – وتم القضاءعليها، فلم يعد المسيحيين في حالة عبودية لها بل صاروا شركاء إنتصار المسيح عليها. والإفتراضية هنا هي أن معاناة الإنسان سببها بالكامل قوى كونية معادية منفصلة عن الله؛ ولكن في نفس الوقت، إذ يرون يسوع كبطلنا المنتصر، يمكن لمؤيدي هذه النظرة أن يدعوه بديلاً، تماماً كما أن كل الإسرائيلين الذين رفضوا مواجهة جليات في (1صم17: 8-11) يمكنهم أن يطلقوا لقب بديل (نائب) على داود. تماماً كما ينوب بديل عن أخرين ويشاركهم في تبعات عمله كما لو كانوا قد فعلوه بأنفسهم فهو ممثلهم، لذا فإن من يمثل مجموعة ما ويقوم بما عليهم من إلتزام بدلاً منهم هو بديلهم. ما الذي يؤكده هذا النوع من التفسير للصليب (بالرغم من أنه لا يوضع عادة في هذه الألفاظ) هو أن المسيح المنتصر، والذي فكنا بنصرته من قيودنا، كان ممثلنا البديل.

وأما التفسير الثالث لما حدث فهو لا ينكر أي من الآراء المتقدمة للتفسيرين السابقين إلا إدعائهم بأن تفسيرهم للأحداث كامل وحصري. إنه هناك مساندة كتابية لكل ما يقولونه، ولكن هذا الشرح يذهب لأبعد من ذلك. إنه يرجع معاناة الإنسان كفريسة للخطية والشيطان في حقيقة، أنه بسبب صلاح الله اليومي معه، فهو كخاطئ يقف تحت دينونة الله، وكونه مستعبد للشر هو بداية منطوق حكمه، وإن لم يتحول رفض الله له (كخاطئ) إلي قبول فسوف يهلك للأبد. وبناء على هذه النظرة، فإن موت المسيح له تأثيراً على الله أولاً، الذي فيه يتم إسترضاءه (أو بمعنى أدق لقد إسترضى الله نفسه)، وبسبب هذا التأثير فقط أصبح الصليب أيضاً نزع لقوى الظلمة وإعلاناً لمحبة الله الساعية نحو الإنسان. إن الفكرة هنا هي أن المسيح بموته قدم لله ما يدعوه الغرب تسديد دين الخطية، هذا التسديد للدين أملته طبيعة الله الذاتية كالطريق الوحيد الذي به تتحول لائه لنا إلي نعم. سواء كان تسديد الدين لله هذا مفهوماً كالموت نفسه، أو للموت الذي يحسب كالطاعة المقدسة، او الوجود في حالة من الترك الإلهي العقابية، او كدينونة الله النهائية ضد الخطية، أو الإعتراف الكامل بخطية الإنسان مصحوبة بالدخول في مرارتها عن طريق التوحد معهم بالتعاطف، أو كل هذه الأشياء معاً (ولا يوجد شيئ يوقفنا من أن نجمعها سوياً)، يظل شكل وجهة النظر هذه كما هو – أنه بالجوز في الصليب قد كفر يسوع عن خطايانا، وإسترضى خالقنا، وحول لاء الله من نحونا إلى نعم، وخلصنا. كل صور هذه الرؤية ترى يسوع كممثلنا البديل وفي الواقع، سواء قالوا بهذا ام لا، ولكن النسخة المؤكده التي تقدمه كبديل هي النسخة العقابية.

هذا التحليل يخرج لنا بثلاث تعليقات.

أولاً: لابد من القول بأنه بالرغم من أن وجهتي النظر السابقتين يصفون نفسهم دائماً على أنهم نقداً لوجهة النظر الثالثة، فالوجهة الثالثة تتضمن بداخلها كل التأكيدات الإيجابية التي يشددون عليها؛ مما يبرز سؤال إن كل ما لدينا هنا للنقاش هو مشكلة معاملة نصف الحقائق على أنها الحقيقة الكاملة، وعلى رفض تفسير أكثر تفصيلاً على أساس جدليات تصورية عن ماذا تتطلب قداسة الله كأساس لغفران الخطايا. إن كان يمكن التفكير أن النظرتان الأولى والثانية قد أساءا الفهم وشوشا أنفسهما بهذا الشكل، فإن المفهوم الذي طال نقاشه أن النظرة الأوسع البدلية للصليب كان هو الرأي المسيحي العام لابد أن ينظر إليه على أنه لديه ما يقدمه على أية حال. إنه من المثير للشفقة أنه كثيراً ما تعتبر كتب عن الكفارة أن التفسيرات الخاصة بالصليب والتي ظهرت كأنها تتنافس في النقاشات عبر التاريخ لابد من التعامل معها على أنها حصرية بشكل جوهري. هذا أمر يحدث دائماً بشكل إعتباطي وأحياناً شاذ جداً.

ثانياً، لابد من القول بأن تحليلنا كان ببساطة عن وجهات النظر بخصوص موت المسيح، ولم يذكر أي شيء بخصوص قيامته. إن النظرات الثلاثة تتفق دائماً على أن القيامة هي جزء لا يتجزأ من الإنجيل؛ وأن الإنجيل ينادي بمخلص حي ومتبرر وكانت قيامته هي الباكورة للإنسانية الجديدة التي هي أيضاً أساس قيامتنا وهذا ليس بمادة للنقاش بين أصحاب وجهات النظر المختلفة. في بعض الأحيان يشار لأنه في وجهة النظر الثانية يتم إظهار قيامة يسوع على أنها عنصر أساسي في إنتصاره على قوى الموت، وبينما في وجهة النظر الثالثة لا، وبصعوبة، يمكن أن تقدم القيامة على أنها عنصراً أساسياً في حمل عقوبة خطايانا أو تحمل الإعتراف بشرها (بحسب الطريقة التي يرى بها عمل الجلجثة)؛ وعلى هذا الأساس يتم إنتقاد وجهة النظر الثالثة لأنها تجعل القيامة غير ضرورية. ولكن يمكن الرد على هذا النقد بطريقتين. أول رد هو أن عمل المسيح الخلاصي له جزءان، الأول هو تعامله مع أبيه لحسابنا مقدماً نفسه كترضية بدلية لأجل خطايانا والثاني تعامله معنا لحساب ابيه معطياً لنا بالإيمان الغفران الذي ضمنه بموته، ومن المهم أن نميز بين هذين الجزئين كما بأن لا نفصل بينهما. ومع إستعراض أن الجزء الثاني أصبح ممكناً لأن الجزء الأول قد تم، ولأجل التنفيذ الفعلي للجزء الثاني، فإن قيامة يسوع بالحقيقة أساسية، ولذا فهي تبدو كعنصر أساسي في عمله ككل. والرد الثاني هو أن هذين الطريقين للنظر للصليب لابد أن يتم توليفهم في كل الأحوال، متبعين مثال بولس في (كو2: 13-15) | (الجزء الأول) وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا، (بعد تتميم الثاني الذي هو) إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ. | كنماذج مكملة لبعضها البعض تعبر عن عناصر مختلفة في واقع مركب هو سر الصليب.

ثالثاً: لابد من ملاحظة أنه ليس كل من مؤيدي النظرة الثالثة كانوا مستريحين لإستخدام كلمة “بدلية”. هذا كان جزئياً بسبب الرغبة في تجنب النقد السوسياني بأن البدلية مستحيلة في نطاق العقابية، وجزئياً بسبب الخوف من التفكير أن موت المسيح لأجلنا كبديل لنا يشوش دعوته لنا بأن نموت ونقوم فيه ومعه، لأجل التجديد الأدبي لنا للوصول لصورته الأدبية. على سبيل المثال، بي. تي. فوسيث، أحد الذين يشددون على عمل المسيح النيابي في آلامه التي تحمل فيها غضب الله الشخصي ضد خطية الإنسان[v] لأجل خلاص الإنسان؛ ولكنه رغم ذلك يرفض كلمة “بدلية” ويفضل بدلها كلمة “نيابية” ويبدل عبارة “كفارة بدلية” بعبارة “التضامن الجبري” و”الإعتراف المتضامن والعباده المتضامنه مع المسيح”، لأنه يريد أن يشدد على أننا ندخل للخلاص فقط إن توحدنا مع  موت المسيح لأجل الخطية وأعيدت خلقتنا كبشرية جديدة فيه.[vi]ولكن، ما يثير الإعجاب هو رغبة فورسيث في أن يشدد على أنه في رو6: 1-11، أن تجنب كلمة بدلية يمكن فقط أن يكون له تأثيرعلى ما في رو3: 21-18، حيث يصف بولس المسيح على أنه “كَفَّارَةً[vii] … بِدَمِهِ” (عدد 25) على حسابها يهب الله “هبة البر المجاني” (رو5: 17) للخطاه الذين يؤمنون وبذلك يصير الله “يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ” (رو4: 5) وكما قال جيمس دينني، “إن مات المسيح الموت الذي وضعتنا فيه الخطية – إن كان في موته قد أخذ مسئولية خطايانا على نفسه – لا يوجد كلمة أفضل من هذه “بديل” سوى كلمات تقلل من التعبير عن ما هو مقصود”[viii]

يبدو أن الرد الصحيح على فورسيث أنه في معانيه وطريقة تفكيره لعبارة “الإعتراف المتضامن والعبادة الضمنية” يمكن للمسيح قبل موته أن يمثلنا، ويمكن إعادة إنتاج الإعتراف والعبادة في إنكارنا نحن لأنفسنا وحملنا للصليب، ولكنه لابد أن يكون موتاً بدلياً في مفهوم دينني بإستيعابه لغضب الله تجاه خطايانا؛ وإلا، فإن “إعترافنا وعبادتنا” ضمنياُ مع المسيح يصير نفسه حيلة لتجنب الغضب – بكلمات أخرى، عمل يستحق المكافأة، مقصود منه نوال المغفرة، معتبراً أننا في المسيح نخلص أنفسنا.

إن ما قاله دينني عن هذا في 1903 كان في الحقيقة إجابة لما توقعه من معادلة فورسيث في 1910. إن دارساً لموت المسيح قد تحاجج بأن “إن وضعنا نفسنا في وجهة نظر بولس، سوف نرى أن بالنسبة لعين الله فموت المسيح يقدم نفسه كعمل عمله الجنس البشري في المسيح أكثر من كعمل عمله المسيح في الجنس البشري”. في الكفارة والعقل المعاصر إقتبس دينني هذه الكلمات وعلق عليهم كالتالي:

“‘في كلمات بسيطة، (قصد هذا الباحث ان يقول) يعلم بولس أن الفجار قد ماتوا في المسيح عن أنفسهم أكثر من أن المسيح قد مات لأجل الفجار. هذا يبين بصورة واضحة منطق ماذا تعني كلمة تمثيل لما توضع تمثيلي مقارنة بنيابي،[ix] إن الممثل هو ملكنا، ونحن فيه، وعلينا، أن نتخطي كل العوائق الأخلاقية التي تسببها فكرة البدلية فقط بسبب أنه ملكنا، وبسبب أننا أصبحنا واحداً معه، ولكن الحقيقة الأصيلة للموقف هو أن، بادئ ذي بدء، المسيح ليس ملكاً لنا، ونحن لسنا واحداً معه … نحن كنا بلا مسيح‘ (كوريس كريستو) … إن ممثلنا لا يمكننا أن نصنعه بأنفسنا، ولكنه أعطى لنا – لم نختاره نحن، ولكنه مختار من الله – وهو ليس ممثلاً على الإطلاق في المعنى الأولي ولكن بديل”[x]

إذاً فالموقف الصحيح، بخصوص نوع النظرة التي نستكشفها، يمكن وضعه كالتالي: نحن نتوحد مع المسيح ضد فعل الخطية بسبب أننا بالفعل قد توحدنا معه كالشخص الذي أخذ مكاننا تحت حكم إدانة الخطية. وندخل بالتالي لحياة التوبة لأننا في الأول قد تعلمنا أنه تحمل لأجلنا موتاً تعويضياً. إن المسيح الذي نقبل التوحد معه هو المسيح الذي من قبل على الصليب قد صار ترضية لله لأجلنا – ليس، لذلك، هو الشخص الذي ننجز نحن فيه مصالحتنا مع الله، بل الشخص الذي من خلاله نستقبل المصالحة كعطية مجانية مؤسسة على عمله الكامل (رو5: 10)؛ ونحن نحبه، لأنه هو أحبنا أولاً وأسلم نفسه لأجلنا، هكذا فإن البدلية، من وجهة النظر هذه، هي في الواقع التصنيف الأساسي؛ والفكر بأن المسيح هو ممثلنا، مهما كان تركيب تفاصيله، لا يمكن أن يتم جعله يعني ما تعنيه البدلية، وتضماننا مع المسيح في “الإعتراف والعبادة”، ما أبعده من ان يكون مفهوماً آخر بدلاً من البدلية، لأنه هو في الواقع إستجابة تفترض البدلية أولاً.

[i] Wolfhart Pannenberg, Jesus—God and Man, tr. Lewis L. Wilkins and Duane A. Priebe, SCM, London (1968) 268, 259.

[ii] طالع R. E. Davies, ‘Christ in our Place—the contribution of the Prepositions’, Tyndale Bulletin 21 (1970) 72ff.

[iii] F. W. Camfield, ‘The Idea of Substitution in the Doctrine of the Atonement’, SJT I (1948) 282f., ويشير لكتاب Vincent Taylor, The Atonement in New Testament Teaching. Taylor, بينما نسمح بأن بولس “بالتحديد، على بعد شعرة من البدلية” (ص88)، وأن “إن لاهوتياً يحتمي بقلعة تعليمية محمية بتعاليم مثل مر10: 45 | لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»؛ رو6: 10 | لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا للهِ؛ 2كو5: 14، 21 | لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا… لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ، غل3: 13 | اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ»؛ 1تي2: 5 | لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ، الشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ، من الصعب جداً إزاحته أكثر مما يتخيل أي دارس للعهد الجديد” (ص289)، ينكر أن البدلية تعني الفداء “محضرة بالكامل خارج عن، وبالإنفصال عن، أنفسنا حتى أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً إلا أن نقبل فوائدها” (ص125). وهو يصف موت المسيح كذبيحة تمثلنا، وتشمل تحمل عقوبة الخطية وأيضاً التعبير النمطي المفضل للتوبة من أجل أخطاء البشرية التي عبر عنها أولاً ماكلويد كامبل وآر. سي. موبرلي. نحن نشترك في هذه الذبيحة، يكمل تايلور، عن طريق التقديم عن أنفسنا بأنفسنا، وهذا بأن نجعلها تعلمنا التوبة. يعترف تايلور أنه من حيث يقف هو هناك فجوة في تعاليم بولس. لأنه من الملحوظ أن القديس بولس يحدد “هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ” في طاعة المسيح (رو5: 18) وبحقيقة أنه جُعلَ “خَطِيَّةً لأَجْلِنَا” (2كو5: 21)، ولكنه لم يتحدث عنه أبداً وهو يعبر عن حزن وندم الناس في محضر أبيه” (ص291).

[iv] Pannenberg, op. cit., pp. 258-269; Barth, Church Dogmatics IV. I, tr. G. W. Bromiley, T. and T. Clark, Edinburgh (1956), viif., 230ff., 550ff.

[v] “لقد حول العقوبة التي تحملها إلي ذبيحة قدمها. والذبيحة التي قدمها هي أنه قبل الدينونة. إن تألمه الصامت أصبح طاعة إيجابيه، وطاعته أصبحت موتاً مقدساً”(The Work of Christ, Hodder and Stoughton, London (1910) 163). وفي إضافة حجمها 200 كلمة قام فورسيث بمحاربة وجهة نظر ريتشليان، والتي إعتنقت مؤخراً بواسطة سي. إتش. دودد، أن غضب الله هو ببساطة “النفور الآلي لأخلاقياته تجاه المتعدي.، كما لو أنه لم يكن هناك رد فعل شخصي لإله قدوس تجاه الخطية، ولا إلحاق لإستيائه تجاه الخاطئ” (ص239). وهو يجادل لموقف أن “ما تحمله المسيح لم يكون فقط إحساس بالتواصل مع الخاطي وعواقب غير شخصية بسبب الخطية، ولكنه كان بمعنى تواجه الخاطئ مع إله غاضب شخصياً. لم يتركه الله أبداً، ولكنه رفضه وجهه. والشركة لم تنقطع ولكن نورها قد إنسحب (ص243).

[vi] Op. cit., pp. 164, 182, 223, 225f. “البدلية لا تضع في حسابها النتائج الأدبية (للصليب) في النفس” (ص183، ملحوظة)

[vii] “الترضية” (والتي تعني إخماد غضب الله تجاه الخطاه) مستبدلة بكلمة “كفارة” (وتعني تغطية للخطايا فلا يعود الله ينظرها) في ترجمة سميث فاندايك وترجمات أخرى حديثة. إن فكرة الترضية تشمل فكرة الكفارة حيث كوسيلة لها، هكذا فإن تأثير هذا التغير ليس بأن يجلب عنصر ذبائحي لم يكن موجوداً من قبل، ولكن لكي يفصل إشارة لإخماد غضب الله الذي كان قد ذكر من قبل أنه موجود. إن قضية “الكفارة” قُدِمَت من قبل بواسطة سي. إتش. دودد في 1935 ونالت تعضيضاً واسعاً في البداية، ولكن بعد أجيال من النقاش ظهر أن “الدليل اللغوي يبدو في صالح كلمة “ترضية” (Matthew Black, Romans, New Century Bible, Oliphants, London (1973) 68). طالع تقطية شاملة للأعمال المذكورة بواسطة بلاك وأيضاً بواسطة دافيد هيل،Greek Words and Hebrew Meanings Cambridge University Press (1967) 23-48

[viii] Denney, The Death of Christ, 2nd ed., including The Atonement and the Modern Mind, Hodder and Stoughtons, London (1911) 73 إن ملخص دينني عن معنى رو3: 25 يستحق الإقتباس. “إنه إستعرض المسيح في دمه الذي هو ترضية، أي، المسيح هو الذي مات. وفي موته، أدرك الرسول بولس، أن المسيح جعل خطايناا كأنها خطاياه، لقد أخذها عل نفسه كواقع في عيني الله وفي عيني الناموس: لقد أصبح خطية، وأصبح لعنة لأجلنا. إن هذا هو الذي يعطي موته سمة الإسترضاء والقدرة؛ في كلمات اخرى، هو ما جعل ممكنا لله أن يكون باراً وأن يقبل من يؤمن بيسوع كبار… لا أعرف أي كلمات من الممكن أن تشرح هذه الحقيقة إن لم تكن كلمات “نيابي” أو “بدلي” تشرحها، ولا أعرف أي شروحات لموت المسيح تمكننا أن نعتبره كإظهار للحب للخطاة، إن أنكرنا الجانب النيابي البدلي من هذا الموت” (ص126). إن نقطة دينني في الجملة الأخيرة أن موت المسيح سوف يظهر محبة الله فقط إن أنجز شيئاً نحن في إحتياج له، ولا نستطيع أن نقوم به بأنفسنا، ولا يمكن تحقيقه بدون موت المسيح.

[ix] لابد من ذكر أنه بالإضافة للإستخدام الأكثر خصوصية الذي يستخدمه دينني في وجهة نظره، والذي به يكون سلوك ‘ممثل‘ شخص ما هو نموذج لسلوك الشخص نفسه، يمكن ‘لممثل‘ (ودائماً ما يحدث) أن تعني ببساطة أن حالة شخص ما أنه يشمل الأخرين، للخير وللسوء، في تبعات ما يقوم به الشخص. في هذا المعنى، تُمَثَل العائلات بواسطة الآباء، والأمم بواسطة الملوك، والرؤساء والوزراء، والبشرية بواسطة آدم والمسيح؛ ولقد كان المسيح ممثلنا بهذا المعنى الذي فيه صار يسوع بديلنا.

[x] موت المسيح، من ص304 إلي ص 307، “الإتحاد مع المسيح” (أي إتحاد أدبي شخصي بالإيمان) “… ليس من الإفتراضات المسبقة لعمل المسيح ولكنه ناتج منه.”