يهوديات

تفسير “صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت” (نش 1: 13)

تفسير “صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت” (نش 1: 13)
صفحة : المسيح في التراث اليهودي

تفسير "صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت" (نش 1: 13)
تفسير “صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت” (نش 1: 13)

تفسير “صرة المر حبيبي لي بين ثديي بيبت” (نش 13:1)

تفاسير لآيات مختارة من سفر النشيد.

“صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ.” (نش 1: 13)

 

تلك الآية التي تبدو بسيطة والتي قالتها العروس لعريسها، انما تحكي عن أمور ماضية وحاضرة ومستقبلية، سجلها الوحي لنا لنستخرج منها تعاليم وأسرار.

 

◆ تفسير الجانب اليهودي : (عن الماضي)

العروس في التفاسير اليهودية هي اسرائيل المسئولة من خالقها والذي هو العريس،

هناك تفسيران رئيسيان لتلك الآية
إما أن تكون “صرة المُرّ” هي المرارة التي واجهتها أمة اسرائيل من جيرانها (خطية الأمم) مثل تفسير التلمود، أو تكون المرارة هي التي فعلتها اسرائيل نفسها (خطية اسرائيل) مثل تفسير الترجوم.

أما “بين ثديي يبيت” أي أن العريس ملتصق بها وموجود في حضنها أي في وسطها، في التفاسير اليهودية يشير هذا الى الوجود الإلهي وسط جماعة اسرائيل.

 

+ التفسير الأول في التلمود البابلي

מסכת שבת , דף פח,ב
[א”ר יהושע בן לוי מ”ד (שיר השירים א) צרור המור דודי לי בין שדי ילין אמרה כנסת ישראל לפני הקב”ה רבש”ע אף על פי שמיצר ומימר לי דודי בין שדי
قال الرابي يهوشع ابن ليفي: ما معنى (نش 1: 13) “صرة المُرّ حبيبي لي. بين ثديي يبيت”؟، قالت كنيس اسرائيل أمام القدوس المبارك هو: يا رب العالم، بالرغم من أن حياتي كرب ومرارة، لي حبيبي بين ثديي.]

 

+ التفسير الثاني في ترجوم نشيد الأناشيد

وهي عن خطية عمل اسرائيل للعجل الذهبي، بينما موسى يتلقى الوصايا على جبل سيناء
[בי הוא זימנא אמר ה׳ למשה איזיל חות ארום חבילו עמא פסק מני ואשיצינון בכין תב משה ובעא רחמין מן קדם ה׳ ודכיר ה׳ להון עקידת יצחק דכפתיה אבוהי בטור מוריה על מדבחא ותב ה׳ מרוגזיה ואשרי שכינתיה ביניהון כמלקדמין:
في هذا الوقت قال الرب لموسى، اذهب، انزل لأن الشعب افسد نفسه، اتركني وسأدمرهم، فرجع موسى وسأل رحمة من عند الرب فتذكر الرب لهم (اسرائيل) مربطة اسحاق حيث ربطه ابوه على جبل الموريا على المذبح، فعاد الرب من غضبه وجعل شكينته (الحضور الإلهي) في وسطهم كما كان من قبل.]

 

أيضاً تفسير الرابي شلومة بن يتسحاق (راشي)

[בין שדי ילין. אף לפי שמעלתי בו אמר לשכון שם : בין שדי. בין שני בדי הארון
“بين ثديي يبيت” بالرغم من خيانتي له (اسرائيل وخطية العجل الذهبي)، قال إنه سيسكن هناك. “بين ثديي” بين عصي التابوت.]

 

◆ تفسير الجانب المسيحي (عن الحاضر)

إن كانت سُكنة الله في وسط الشعب بالنسبة لكنيسة العهد القديم تتمثل في تابوت العهد الذي كان في خيمة الاجتماع (وسط محلة اسرائيل) وقت موسى ويشوع او في الهيكل (وسط أرض إسرائيل) وقت سليمان ومن بعده، فإننا كنيسة العهد الجديد نحظى بما هو أعظم، فالله يسكن في وسط كل واحد فينا، هو بين ثديينا يبيت فعلا، هذا قاله الرسول “الا تعلمون روح الله ساكن فيكم”. وعلى مثال التفسير اليهودي فالتفسير المسيحي ينقسم لقسمين

إما أن تكون صرة المُرّ هي المرارة التي تواجهها الكنيسة من الآخرين (خطية الآخرين)، أو تكون المرارة هي خطايا الكنيسة نفسها (خطيتها).

 

+ في التفسير الأول دعوة للتحمَّل، كنيسة العهد القديم دفعت ثمن وجود الرب في وسطها “بين ثديي يبيت” وهذا الثمن كان كراهية كل الأمم حولهم لها وإنتهازهم لأي فرصة يروا فيها ضعفاً في إسرائيل حتى يفنوها، ولهذا كان يعضدهم الرب بقوة عظيمة. لاحظ أن الإضطهاد الذي شعر به اسرائيل لم يكن موضوعا من عند الرب، وإنما سببه كان فساد العالم والذي بدأ يفسد تدريجيا من بعد خطية آدم ولعنة الأرض.

والرب في تلك الحالة لم يكن هو المتسبب في الضيق وإنما المُنقِذ منه. أقرأ ولاحظ في العهد القديم، إنه كلما زاد اضطهاد الشعب “صُرّة المُرّ” وهو في حالة طهارة، زاد عمل الرب معهم وتمجده في وسطهم “بين ثديي يبيت”.

 

بالنسبة لكنيسة العهد الجديد فهي دفعت ومازالت تدفع ثمن وجود الرب في وسطها “بين ثديي يبيت” لأن العالم شرير وموضوع في الشرير (1يو 5: 19)، وهذا الثمن هو كراهية كل من حولها وإنتهازهم أي فرصة لإضطهادها ومحاولة إفنائها ولهذا كان الوعد “أبواب الجحيم لن تقوى عليها” (مت 16: 18)، لأن الرب معضدها وهذا كان وعد المسيح (مت 28: 20).

أي ضيق تشعر به لكونك منتمي للكنيسة هو ليس موضوعا من عند الرب، وإنما سببه هو فساد العالم الذي نحيا فيه، المُلام هنا هو ليس الرب ولكن الإنسان الأول الذي به دخلت الخطية وفسد العالم، الرب هنا هو ليس المتسبب في الضيق وإنما المُنقِذ منه. انظر حولك لترى إنه كلما زاد الاضطهاد ضد الكنيسة وشعبها ” صُرّة المُرّ “، زاد عمل الرب معها وتمجد في شعبه “بين ثديي يبيت”.

 

ينبغي أن نشعر بالخجل عندما نرى حياة المسيح على الأرض، لأن حياة المسيح على الأرض كانت حياة مأساوية بدءاً من ولادته في مزود وحياته التي عاشها دون سقف بيت ونهايةً بموته على الصليب من شعبه الذي كان يشفيه ويعصبه.

الإبن لم يكن مُضطرا للتجسد وإجتياز تلك الآلام -التي هي نتيجة فساد العالم بخطية الإنسان- وإنما فعل هذا بدافع الحب، تألم المسيح طوال حياته ومات ولكنه قام من الموت مُنتصرا، ليعلن لكل واحد فينا إنه مهما زاد الضيق ففي النهاية سيأتي المجد كما قال الرسول (رو 8: 17) “..إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ.”.وفي الحقيقة المسيح سبق وحذر من الضيق الآتي والذي يجب أن نجتازه قائلا (مت 7: 13) “اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ”

 

لاحظ أن المُرّ هو مُرّ ولكن في نفس الوقت هو بالنار يجلب رائحة ذكية، كن واثقا أن أي ألم او اضطهاد تناله بالرغم من مرارته فهو ذات رائحة طيبة أمام الرب. إن كان الرب لا ينسى من يعطي الآخر كوب ماء بارد (مت 10: 42)، فكم بالأحرى من يقدم كرامته أو أمواله أو وظيفته نتيجة بإضطهاد الآخرين !. لابد أن نجتاز المُرّ “صُرّة المُرّ” حتى يتمجد الرب في داخلنا “بين ثديي يبيت”.

 

+ في التفسير الثاني دعوة لعدم اليأس ودعوة للتَطَهُّر، كنيسة العهد القديم كانت كثيرة الزلات “صُرّة المُرّ ” ولا اتكلم هنا عن مجرد خطايا فردية، وإنما خطايا جماعية شملت في بعض الأحيان اسرائيل كلها، فمثلا اسرائيل صنعت العجل الذهبي ونسبت له خلاصها من مصر، أرتكبت اسرائيل الزني مع موآب، ازدرت اسرائيل النبوات وقتلت الأنبياء في وقت المملكتين، نجست هيكلها عدة مرات، وفي كل مرة كان يغضب الرب عليها ولكن غضبه لا يستمر طويلا ويعود ويتمجد في وسطهم بعد أن يتقدسوا “بين ثديي يبيت”.

ولكن جاء الوقت والذي فيه داسوا دم الإبن عندما ازدروه وصلبوه، ومن وقتها انتهى الأمر ولم يعد يتمجد الله في وسطهم (نش 5: 5)، ويحكي التلمود في شهادة قوية إنه منذ سنة 30 م (سنة صلب يسوع) لم يعد الرب يقبل ذبائح هيكلهم، وفسر راشي هذا بأن روح الله قد فارق هيكلهم -أي لم يعد الرب في وسطهم- . وأستمرت فترة التخلي حوالي الألفين سنة حتى الآن!

 

بالنسبة لكنيسة العهد الجديد أي نحن، كل واحد فينا مازال يرتكب خطايا (1يو 1: 8-9)، وحتى الكنيسة في بعض المناطق وفي عصور بعينها أرتكتب زلات كثيرة وكبيرة “صُرّة المُرّ “، ومع هذا لم يترك الرب كنيسته ولازال “بين ثديي يبيت”، ولكن يجب أن تتخذ الكنيسة حذرها لأننا لسنا أعظم من كنيسة العهد القديم ففي الوقت الذي تزدري فيه دم الإبن ستُلاقي نفس المصير.
رو 11: 20-21
حَسَنًا! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ!، لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الأَغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ فَلَعَلَّهُ لاَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ أَيْضًا!

 

على مستوى الأفراد كلنا نُخطئ، وكلنا في بعض الأوقات نصبح مرارة بالنسبة للرب. مقولة العروس هنا هي دعوة بعدم اليأس، مهما وقعت على الأرض بالخطية، قم وتقدس وستشعر بالرب في وسطك مرة أخرى “بين ثديي يبيت”، مهما أبتعدت عن الله ولو لفترة طويلة، مهما كان نوع المرارة التي قدمتها للرب “صُرّة المُرّ”، تذكر مقولة العروس، تقدس (بالنار يتحول المُرّ لرائحة طيبة) وستجد الرب في وسطك مرة أخرى “بين ثديي يبيت”

مقولة العروس وان كانت تدعو لعدم اليأس فهي أيضا تدعو للتَطَهُّر لإنه إن لم تحرق (بالتوبة) مُرّك، لن تفوح الرائحة الطيبة وفي وقت ما ستجد الرب يتركك لذاتك وشهواتك، عروس النشيد بعدما كانت تتغنى بعريسها وتشتاق له، جاء وقت عليها لم تعد تتمتع بوجوده وأنطلقت تبحث عنه فهو لم يعد بين ثدييها يبيت (نش 5: 5). فلا تيأس ولكن إحذر.

 

◆ تفسير أُخروي عن المستقبل وآخر الأيام.

وعلى جرار التفسيران بالأعلى فهناك تفسيران للآية فيما يخص آخر الأيام

+ التفسير الاول
كنيسة عهد القديم في القديم تعرضت لإضطهاد من الشعوب المحيطة فتمجد الرب وسطها، وفي المستقبل وفي آخر الأيام عندما يجتاز يعقوب “الضيقة العظيمة” والتي هي “صُرّة المُرّ”ّ (ار 30: 7) عندما تجتمع الشعوب لمحوها من الأرض (حز 38: 18)، وبإيمانهم العتيد أن يأتي سيتمجد الرب في وسطهم ويكون لهم إلها ويكونون له شعبا. (ار 30: 8-9) (حز 34: 23-24، 39: 7).

كنيسة العهد الجديد تتعرض لإضطهاد حالي ولكن سيأي وقت تزداد فيه وطأة الإضطهاد وهي فترة “الإرتداد العام”، ولكن كل هذا سينتهي وسيأتي المسيح وسنكون له عروسا ولا نفارقه منذ تلك اللحظة والى الأبد “بين ثديي يبيت”.
يو 14: 3
“وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا”

 

+ التفسير الثاني

مرت العروس بـ3 مراحل متتالية في سفر النشيد ..

  1. فترة إلتحام مع العريس “بين ثديي يبيت” (نش 1: 13) أيضا “أمسكته ولم أرخه” (نش 3: 2)،
  2. ثم فترة تخلي “ما وجدته” (نش 2: 16-17) أيضا “طلبته فما وجدته” (نش 5: 5)،
  3. ثم فترة رجوع “أمسكته ولم أرخه” (نش 3: 2) “أنا لحبيبي وحبيبي لي” (نش 6: 2)

 

أعتقد أن تكرار تلك الثلاث مراحل إنما يشير لحدثان أساسيان في حياة اسرائيل، أولهما هو التحام اسرائيل مع الله منذ بدايته وحتى وقت سليمان وبناء الهيكل، ثم فترة تخلي بسبب ما فعله يربعام بن نباط واسرائيل والتي فيها تم إزدراء النبوة وقتل الأنبياء (فترة المملكتين) وأمتدت فترة التخلي 70 عام (وقت السبي البابلي) ثم فترة رجوع (تبدأ من انقضاء السبعين عام و الأمر بإعادة بناء الهيكل والمدينة).

 

الفترة الثانية وهي تبدأ بفترة التحام اسرائيل مع الله مرة أخرى (تبدأ من الأمر بإعادة بناء الهيكل والمدينة)، وتبعها فترة تخلي بسبب ازدراء اسرائيل لتعليم يسوع وقتله وفترة التخلي دامت ما يقرب من الألفين عاما فيها تشتتوا لبقاع العالم (بدءا من 132 م) وعندما رجعوا الأرض مازالوا لا يستطيعون ان يبنوا الهيكل، وحتى ان استطاعوا فلن يحل فيه المجد الالهي وسيبقى مجرد مبنى حجري، فترة الرجوع ستأتي ولكن عندما يجتازوا الضيق ويعترفون بالمسيح يسوع كونه هو الملك والكاهن حينئذ سيقولون مع عروس النشيد ومع الكنيسة “أنا لحبيبي وحبيبي لي” (نش 6: 2)

لو تأملت نبوة دانيال ستجد إنها تحكي عن الـ3 مراحل الأخيرة بشكل عجيب (دا 9: 24)
مرحلة الإلتحام -والتي بدأت بأمر بناء المدينة- (دا 9: 25)، ثم فترة تخلي -بعد قتل المسيح البرئ- (دا 9: 26)، ثم فترة رجوع وهي بعد انقضاء اسبوع من السنين من وقت ايمانهم بالمسيح (دا 9: 27) يأتي البر الأبدي (دا 9: 24).

تفسير “صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت” (نش 1: 13)