أبحاث

علم الباترولوجي و التاريخ الكنسي

علم الباترولوجي و التاريخ الكنسي

علم الباترولوجي والتاريخ الكنسي

علم الباترولوجي و التاريخ الكنسي
علم الباترولوجي و التاريخ الكنسي

مفهوم التاريخ:

لكل دراسة مرمى تسعى للوصول إليه، فنجد أن التاريخ السياسيّ يرمي إلى معرفة وسائل استهواء الجماهير، ومسببات الثورات وكيفية التحكم فيها، ابتغاءً للسيطرة على العالم، والتاريخ المدنيّ يهدف إلى دراسة حياة الشعوب قديماً لمعرفة طرق النهوض والارتقاء بها، ليصل بهم إلى الراحة الفكرية والجسمية، كذلك يبحث التاريخ الطبيعيّ العلميّ في العلوم قديماً وحديثاً لكي ما يصل إلى أقصى استفادة من الموارد الطبيعية[1].

التاريخ عند الآباء:

دراسة تاريخ الكنيسة إنما هو دراسة لموضوع ملكوت الله على الأرض، ويجسم تطور هذا الملكوت، فهو تفسير مستمر لمثل رب المجد عن حبة الخردل، والخميرة التي خمرت العجين كله (مت 13: 31-33)، فمثل حبة الخردل يُظهر مدى وكيفية انتشار المسيحية في العالم، بينما مثل الخميرة يُظهر فاعلية المسيحية القوي في تقديس الحياة الداخلية.

كذلك تاريخ الكنيسة له قيمة كبرى لكلّ مسيحي كمستودع للتحذير والتشجيع، والتعزية والنصح…. فالتاريخ يقدم لنا المسيحية في أمثلة حية[2].

أيقن الآباء أن تاريخ الكنيسة بكل أحداثه، يكشف لنا يد الله الخفيّة التي تعمل فوق الكل، ويكشف لنا خطة الله للخلاص عبر الأجيال، فهو يهدف إلى استعلان مُجدّد لروح الله، وأبعاد الأبدية مع المخلّص، التي تسلمناها من الرسل والآباء الذين خلفوهم. كذلك ربط الآباء التاريخ بالأبدية، فهو يمتد إلى الأمام ليربط الزمن بالأبدية.

كل هذه النقاط جعلت الآباء يدرسون التاريخ ليصلوا بكل أحداثه إلى السيد المسيح وعمله في البشرية، فالتاريخ بالنسبة للآباء ليس أحداثاً ماضية جافة أو وقائع منتهية بل حياة متصلة بين المسيح والكنيسة، فالمسيح هو ” الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي” (رؤ 1: 8).

التاريخ والكتاب المقدس:

الكتاب المقدس ذكر حوادث تاريخية، رغم أنه ليس كتاباً تاريخياً، ولكن ما جاء به صادق وحقيقيّ، ولم يأت ذكر الأمور التاريخية به لمجرد التأريخ، لكن هناك مغزى منها، فمثلاً الأصحاحات الأولى من سفر التكوين جاء فيها تاريخ الخلقة، ولم تُكتب من أجل العلم أو كتاريخ مدنيّ، بل كتاريخ مقدس يحوي إعلان حقائق تربط الإنسان بالله، فهو تاريخ مرتبط بعمل الله في البشرية، ويوضح خطة العناية الإلهية من أجل العالم…

والمغزى من ذلك إعلان أن الله واحد ويفوق كل الوجود، وأنه خلق العالم من لا شيء، وأنه هو الذي يسود على كل العالم والخليقة “لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ” (رو 15: 4)، فهو ليس سرد أحداث ماضية ميتة، أو وقائع وأحداث انتهت لكنه علم كنسيّ حي نكتشف من خلاله يد الله العاملة في الكنيسة عبر الأجيال والعصور.

فهو تاريخ حيّ لأن:

1- أصل ومركز التاريخ الكنسيّ هو السيد المسيح، فالتاريخ السابق له كان إشارات ونبوات ورموزاً عنه، والشخصيات السابقة له كانوا يعيشون على رجائه ويتطلعون ليوم مجيئه “أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى” (عدد 24: 17)، فهو خالق التاريخ، بل وباركه بتجسده “وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: «هذَا الإِنْسَانُ، وَهذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ الْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا».

الرَّبُّ يَعُدُّ فِي كِتَابَةِ الشُّعُوبِ: «أَنَّ هذَا وُلِدَ هُنَاكَ»” (مز 87: 5، 6)، ولأنه هو الحياة “فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ” (يو 1: 4)، لذلك التاريخ الكنسي تاريخ حيّ، فالسيد المسيح هو ماضي الكنيسة وحاضرها ومستقبلها.

2- الله غير الزمني بتجسّده صار خاضعاً للزمن، وبارك تاريخنا الزمنيّ، وقدّس حياتنا على الأرض، وحول التاريخ المادي الزمني، إلى غير زمنيّ، فنحن انتقلنا من الزمن الماديّ إلى الانشغال الأبديّ بالإلهيات، وإن كنا نعيش بالجسد في هذه الزمنيات فهذه الأيام غربة حتى نرتبط في النهاية بالزمن الأبدي؛ كما نصلي في القداس الإلهيّ:

“ونحن أيضاً الغرباء في هذا العالم احفظنا في إيمانك؛ وأنعم علينا بسلامك على التمام”، ويقول القديس أغسطينوس “إن الكنيسة ركزت عبادتها الجمهورية في اليوم الثامن الأحد؛ أي بعد الانتهاء من الأسبوع السابق كله، وبداية أسبوع جديد، علامة دخولها مع المسيح الذي قام في هذا اليوم إلى الحياة الأخرى الجديدة”.

3- الشخصيات التي تناولها التاريخ شخصيات حيّة ” أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ” (مت 22: 32)، فالرسل والشهداء والقديسون وكل آباء الكنيسة الذين انتقلوا يسبحون الله ” بَارِكُوا الرَّبَّ يَا أَرْوَاحَ وَنُفُوسَ الصِّدِّيقِينَ، سَبِّحُوا وَارْفَعُوهُ إِلَى الدُّهُورِ ” (تتمة دا1: 86)، فالسيد المسيح بقيامته كسر شوكة الموت، لذا لم يعرف قاموس المسيحية معنى لكلمة “الموت” بل كنا نصلي في أوشية الراقدين: “ليس موتاً لعبيدك بل هو انتقال”.

4- لأن الإنسان ينسى: “هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ” (إش 49: 15)، لذلك ألهم الروح القدس الآباء والمعلمين أن يسجلوا التاريخ “تَعَالَ الآنَ اكْتُبْ هذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَارْسُمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إِلَى الدُّهُورِ” (إش 30: 8).

“هكَذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: اكْتُبْ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ” (إر 30: 2).

“خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ سِفْرٍ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا إِلَى هذَا الْيَوْمِ” (إر 36: 2).

يقول باروخ النبي: “بِفَمِهِ كَانَ يَقْرَأُ لِي كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، وَأَنَا كُنْتُ أَكْتُبُ فِي السِّفْرِ بِالْحِبْرِ” (إر 36: 18)، لذا نرى أن الآباء الذين سجلوا التاريخ اهتموا بالمفاهيم الروحية والفكر الكنسي الهادف، وسلوك الآباء خلال الحياة الكنسيّة فالتاريخ الماضي هو حاضر عامل في المؤمن.

التاريخ واللاهوت الكنسيّ:

يُعَرِّف الآباء التاريخ بأنه اكتشاف للعمل الكرازي والإيمان الرسوليّ والخدمة الرعوية وخبرة العبادة والشركة والشهادة والجهاد الروحيّ، فلم ينظر علم الباترولوجي للتاريخ على أنه سرد أحداث ماضية ميتة، أو تسجيل لوقائع منتهية، لكنه يرى التاريخ كعلم كنسيّ يحيط بحياة الكنيسة من كل نواحيها بترتيب متصل ومتواصل[3].

يرجع التواصل بين التاريخ وحياة الدهر الآتي، إلى نفس الرابطة التي تجمع بين الله والإنسان، وهذا هو عمل الإفخارستيا، فالقداس الإلهي هو اجتماع شعب الله كي يكونوا شعباً واحداً، فبواسطة الإفخارستيا تصبح هذه الوحدة حقيقية، حيث أن الاجتماع الإفخارستي الذي يتم في يوم الرب (الأحد)، أو يوم قيامة الرب، الذي هو اليوم الثامن أيّ يوم حياة الدهر الآتي ليس هو مجرد ذكرة تاريخية – تُستعاد فكرياً – للعشاء الأخير ولحياة السيد المسيح على الأرض وللصليب والقيامة، بل تحيا الكنيسة هذا كله لأن حياة الدهر الآتي ماثلة أمامها وحاضرة إذ تعبر عنها الصلوات والطقوس الكنسية[4].

كلمة الرب ” اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي” (لو 22: 19، 1كو 11: 24) تأتي باللفظ اليوناني # ولا يوجد لها أي مرادف في اللغات الأخرى، ومن بعد ترجمتها بدأ التشكيك في حقيقة الإفخارستيا من قبل الهراطقة، لعدم قدرة الكلمة المترجمة أن تصل بالمعنى الذي تشمله الكلمة اليونانية.

كلمة # تعني استعادة Recall، جاءت في دائرة المعارف البريطانية (لفظ يعبر عن أن الشيء الذي يوصف به، هو نفس الشيء الذي يشير إليه أي من عين الشيء)، كالمن الذي أمر الله موسى بحفظه في قسط من الذهب تذكاراً للمن، والشيء ذاته لا يكون تذكاراً بمعنى التذكار العقليّ لنفسه، بينما بمعنى الحضور الفعليّ، والسيد المسيح قال …

” أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ…. أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ” (يو 6: 41، 48-52)، وهي تختلف جوهرياً عن الكلمة اليونانية # التي تعني العقليّ، بينما # تعبر عن الحضور الفعلي…

مثالاً على ذلك خروف الفصح لم يكن يتكرر بل يعيشون نفس الفصح الواحد. الإفخارستيا أيضاً ليس تكراراً لذبيحة الصليب بل هي امتداد لذبيحة الصليب نفسها. فالإفخارستيا تُعلن حقيقة تاريخ التدبير الإلهي، فكل ما سُلم في التقليد (1كو 11: 23) يُمارس في الإفخارستيا وبالتالي تصبح الإفخارستيا هي التاريخ الخاص بحياة وصلب وموت وقيامة المسيح “آمين آمين آمين بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف”، وهذا ما يربط كل كنيسة محلية بكنية الرسل في سلسلة تاريخية متصلة الحلقات…

يقول القديس أغناطيوس الأنطاكيّ في رسالته إلى فيلادلفيا “إياكم والحضور بغير الاشتراك في سرّ الشكر والواحد، لأنه لا يوحد غير جسد واحد لربنا يسوع المسيح، وكأس واحدة توحدّنا بدمه ومذبح واحد، كما يوجد أسقف واحد مع متقدمين (قسوس ) وشمامسة رفقتي في الخدمة، وهكذا يصير كل ما تقولونه، إياه تفعلونه حسب إرادة الله[5].

مصادر كتابات التاريخ الكنسيّ[6]:

تناول الآباء التاريخ الكنسيّ منذ القرون الأولى منذ أن بدأ القديس لوقا الطبيب كتابة سفر أعمال الرسل، وبعد ذلك عصر الآباء الرسوليين وعصور الاستشهاد والرهبنة والمجامع المسكونية التي وضعوا فيها كل أنظمة الكنيسة الروحية وحددوا من خلالها تعاليم الكنيسة اللاهوتيّة والطقسية والقوانين الكنسية.

1- بدأ التاريخ الكنسي بتسجيل القديس لوقا الطبيب لسفر أعمال الرسل.

2- اقتصر التاريخ في القرون الأولى للكنيسة على التقليد فكان الآباء يحفظون أقوالهم ويسلمونها، وإن كان هناك كتابات للعظات الأسبوعية أو أقوال الآباء، فلم يكن الهدف منها حفظ التاريخ على قدر ما كان الهدف منها الحفاظ على هذه الأقوال، أو تسجيل تلميذ لسيرة معلّمه، الذي عاش معه كرائحة عطرة عرفاناً لمعلمه الذي استفاد من تعاليمه وسيرته فيكتبها لكي يُعلنها ويرويها لينتفع بها هو وإخوته، لذا نجد أن سير الآباء تتميز ببساطة أسلوبها…

ومن التاريخ الآبائي أيضاً تسجيل أقوال الآباء فنجد نحو ثلاثة آلاف قولاً آبائياً رداً على سؤال تقليدي في البرية: قل لي كلمة منفعة يا أبي. كذلك بعض المقالات مثل هيبوليتوس الرومانيّ (170-235م) الذي كتب “تاريخ العالم” يقدم فيه تاريخاً شاملاً للعالم، كذلك مقاله “تحديد تاريخ الفصح”[7].

3- في بداية القرن الرابع بدأ يوسابيوس أسقف قيصرية الذي لُقب “بأبي التاريخ الكنسيّ”، الذي أسس مدرسة المؤرخين وكتب كتاب التاريخ الكنسيّ والذي يُعتبر مؤسساً لفكرة نشر أقوال الآباء وكتاباتهم، قدّم فيه خلافات الرسل القديسين مع تسجيل لكتاباتهم ومقتطفات منها.

وهكذا نشأت مدرسة من المؤرخين، تم فيها كتابة عدد من الأعمال المُكمَّلة لتاريخ يوسابيوس، ومن هذه الأعمال وصلنا منها:

  1. تاريخ فيلبس المؤرخ: أصدر عملاً ضخماً من ستة وثلاثين كتاباً باسم (التاريخ المسيحيّ) عن تاريخ الفترة من خلقه العالم حتى 426م.
  2. تاريخ فلاستورجيوس: وضع فلاستورجيوس كتاباً باسم (تاريخ الكنيسة) عن تاريخ الفترة من 300 حتى 425م.
  3. تاريخ هيسيخيوس: كتب هيسيخيوس أيضاً عن تاريخ أورشليم.
  4. تاريخ سقراط: أفضل مؤرخي القرن الخامس المسيحيّ كتب في “تاريخ الكنيسة” عن الفترة من 64م إلى 433م.
  5. تاريخ سوزمين: محام قسطنطيني ومؤرخ مسيحي ألف كتاب تاريخ الكنيسة في القسطنطينية ما بين 439 -450م.
  6. تاريخ ثيؤدوريت: كتب عن تاريخ الرهبان، التاريخ الكنسيّ، تاريخ الهرطقات، مجمع خلقدونية، وقد جاءت أعماله متقاربة إلى حدّ ما مع التاريخ الكنسيّ ليوسابيوس القيصريّ، والذي اعتبر أبا التاريخ الكنسيّ ومن أول مؤسسي علم الباترولوجي.
  7. تاريخ روفينوس: حوالي 345-410م الذي ألفه في الغرب، حيث قام بترجمة تاريخ يوسابيوس إلى اللاتينية، وأضاف إليه بعض الأحداث حتى عصر ثيؤدوسيوس الكبير حتى عام 392م، كما كتب أيضاً عن تاريخ الآباء البطاركة والآباء الرهبان.
  8. القديس جيروم: وضع كتاب (مشاهير الرجال)، ذكر فيه أشهر الرجال الذين وضعوا كتباً دينية من فجر المسيحية حتى أيامه.

أهم الكتابات التاريخية في كنيستنا:

  1. السنكسار القبطي: الذي وضعه القديس يوليوس الأقفهصيّ كاتب سير الشهداء، وأكمله القديس يوحنا أسقف البرنس في القرن السابع في عهد البابا دميانوس (البابا الـ 35)، ثم أكمله القديس ميخائيل أسقف أتريب، ثم القديس بطرس الملقب بالجميل أسقف مليج.

  2. القديس يوحنا النيقوسيّ: (القرن السابع الميلادي) الذي كتب تاريخاً من بدء الخلقية إلى عصره (بعد دخول العرب بقليل) باللغة القبطية ثم تُرجم إلى الحبشية وكتب أيضاً عن تاريخ البطاركة من مار مرقص إلى البابا بنيامين 38.

  3. الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين: (القرن العاشر) يعتبر أول كاتب قبطيّ يكتب باللغة العربية، ساعده في الكتابة باللغة العربية الشيخ الواضح ابن الرجا الذي تنصر وصار راهباً وسيم كاهناً باسم بولس بن الرجا، جمع الأنبا ساويرس بن المقفع تاريخ البطاركة الأقباط من مار مرقص حتى الأنبا شنودة البابا الـ 55، ثم أضاف الأنبا ميخائيل أسقف تانيس على هذا الكتاب تاريخ البطاركة حتى عام 1243م.

  4. الشيخ المؤتمن أبو المكارم سعد الله بن جرجس: الذي وضع كتاباً في تاريخ الأديرة والكنائس القبطية عام 925ش (1209م) وأكمل سيرة البطريركين مرقص الثالث البابا 73، والبابا يؤانس السادس البابا 74.

  5. أولاد العسال (الأسعد أو الفرج الصفيّ أبو الفضائل، المؤتمن أبو أسحق) الذين وضعوا جداول تاريخية في القرن الثالث عشر.
  6. أبو شاكر ابن الراهب أبي الكرم بطرس بن المهذب (1270م) شماس كنيسة المعلقة بمصر القديمة، والذي وضع كتاباً عن التاريخ (كتاب التواريخ) منذ آدم وحتى عام 1257م في ثلاثة أجزاء 51 باباً، في تاريخ العالم والتاريخ الكنسيّ والمجامع.

  7. ابن كبر (شمس الرئاسة أبو البركات) قسيس المعلقة (1234م)، الذي كتب كتاب (مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة) وهو موسوعة دينية عظيمة في العقائد والطقوس والكتاب المقدس والقانون تعق في 24 باب، وبآخر الكتاب جداول تاريخية لسنكسار الصعيد وسنكسار الوجه البحري، وكان من أول ما كتب هو كتاب الميرون، وصف فيه المواد التي يتألف منها وكيفية طبخه بدقة متناهية.

أهم كتابات الآباء في التاريخ الرهباني القبطي:

  1. التاريخ اللوزياكي (419-420م) Historia Lausiaca كتبه بلادوس أسقف هلينوبوليس، كتبه إلى لوسيوس وترجم تحت اسم فردوس الآباء The Paradise of The Fathers، حيث يعتبر من مصادر التاريخ الرهبانيّ.
  2. الهستوريا موناخورم (التاريخ الرهبانيّ) في مصر وينسب إلى روفينوس (394-395م) وهذا العمل يتضمن سير الرهبان.
  3. مناظرات يوحنا كاسيان (360-435م): كتاب المعاهد Institutes وكتاب المؤتمرات Conferences.
  4. كتب جيروم سيّراً كثيرة من الآباء الرهبان مثل: الأنبا بولا أول السواح والقديس إيلاريون والقديس يوحنا الأسيوطي ومار أورغريس.
  5. البابا أثناسيوس الرسولي كتب عن حياة الأنبا أنطونيوس الكبير.
  6. القديس إغريغوريوس أسقف نيصص كتب عن ماكرينا أخته ومار أفرام والأربعين شهيداً، وعن أخيه باسيليوس وإغريغوريوس العجائبي.
  7. القديس إغريغوريوس الناطق بالإلهيات كتب عن باسيلوس وأثناسيوس وكبريانوس.

كتابات الآباء في النسكيات والحياة الرهبانية:

أشهر مَن كتب في النسكيات هو مار إسحق أسقف نينوى، وقد أخذ كتاباته عن مار أوغريس والقديس يوحنا الأسيوطي.

كتب القديس باسيليوس الكبير (329 -379) كتابات نسكيّة، فقد كتب “الأخلاقيات” وهي عبارة عن 80 وصية أخلاقية تنظم الحياة في العالم، خاصة حياة الإكليروس، كما كتب مجموعتان في القوانين النسكية.

كذلك القديس أمبروسيوس (339-397م) من كتاباته النسكية والسلوكية كتابه عن شرف البتولية، وآخر عن الترمل إلخ… كتب القديس أثناسيوس الرسولي (328-373م) عن “حياة الأنبا أنطونيوس” عام 357م، أي في السنة التالية لنياحة القديس الأنبا أنطونيوس، كذلك كتب عدة مقالات في البتولية[8].

كما كتب إيفاجردوس (مار أوغريس 345-399م): الذي تلقى تعليمه على يد الآباء الكبار القديس باسيليوس الكبير والقديس إغريغوريوس الناطق بالإلهيات والقديس إغريغوريوس أسقف نيصص، سيم مار أوغريس شماساً وحضر مجمع القسطنطينية، الذي دافع فيه عن الإيمان، ثم ترهب في برية شهيت وعاصر القديس مقاريوس الكبير، وتقدم في الفضيلة وحياة الوحدة وصار معلماً لكثيرين، كتب في الحياة النسكية ومقاتلة الأفكار ووضح الأفكار الثمانية التي تحارب الإنسان وهي البطنة والزنا ومحبة الفضة والغضب والحيرة والكآبة والمجد الباطل والكبرياء، وقد ترجم جيروم هذه الكتابات إلى اللاتينية.

القديس يوحنا الأسيوطي (405م): أب متوحد، عاش في جبل أسيوط حبيساً، كان يتحدث مع زائريه يوماً واحداً في الأسبوع، زاره بلاديوس وكتب سيرته، كتب هذا القديس ميامر في حياة السكون (قام دير السريان بنشرها في الجزء الثاني من كتاب الآباء الحاذقين في العبادة)، كان يلقب بالنبي إذ كانت له موهبة النبوة.

القديس يوحنا سابا[9] (المعروف بالشيخ الروحاني) من الآباء السريان ولد عام 507م في نينوى[10]… كان راهباً أرثوذكسياً بدير في دلياتا التي تقع على شاطئ الفرات… بعد أن أكمل قوانين المجمع انفرد في برية صعبة… وكان يشقى وسط الحيوانات والحيات متكلاً على الله عابداً إياه بكل إيمان وحرارة. كان نسطورياً من ميلاده، ويعتقد أنه صار راهباً في أحد الأديرة النسطورية.

وعندما أدرك انحراف العقيدة النسطورية ترك الكنيسة النسطورية وأسس ديراً يلتزم بالعقيدة الأرثوذكسية.

وكان اخوه الراهب الذي بمجمع الدير دائم الحزن من أجله بسبب حياته الشاقة ووحدته القاسية… وكان يوحنا سابا يرسل إليه بعض الرسائل من حين لآخر يطمئنه فيها على نفسه ويشرح له مقدر عزائه في البرية كمن يعيش في حضن أمه الرؤوم.

كتب القديس يوحنا سابا 30 عظة، و48رسالة، تتميز كتاباته بالبلاغة والإقناع. ويعنون كتاباته بالجملة التالية: “في العطايا الإلهية والتعزية الروحية الممنوحة للرهبان من أجل راحتهم وبهجتهم”[11].

القديس يوحنا الدرجي (يوحنا كليماكوس 525-600م) عاش هذا القديس في حياة الوحدة والتأمل أربعين عاماً، لذلك كان يدعى “ملك البرية”، من أشهر الكتب النسكية التي وضعها كتاب “السلم الدرجي” يضم ثلاثين مقالاً أو درجة، تعقبه “رسالة إلى الراعي” تشتمل توجيهات هامة للرؤساء والآباء الروحيّين.

يتناول الكتاب الحديث عن فضائل النسك وممارسته الفضائل المسيحية، مثل الزهد، والغربة، والطاعة، والوداعة، والسهر، والإفراز، والصلاة، وسكون النفس والجسد في أول الطريق (الخروج عن العالم)، فشمل حياة الراهب منذ خروجه من العالم… منطلقاً نحو القيامة مع المسيح في إيمان مملوء رجاء وتسنده المحبة، إذ كان قد اتسم الكتاب بالجانب النسكي الرهباني، اختصر ابن العسال هذا الكتاب وقام بنشره الأرشيدياكون حبيب جرجس.

القديس إشعياء المتوحد (400م) الذي كان مسئولاً عن حياة القديس أرسانيوس في بداية رهبنته، تسلم تدريب حياة الكثيرين من الرهبان في بدء حياتهم الرهبانية، وقد جاءت تعاليمه للرهبان المبتدئين حية ورائعة.

ضمت مجموعة Philokalia مجموعة كبيرة من الآباء، منهم القديس برصنوفيوس وتلميذه دوروثيئوس، كتابات القديس نسلس السينائي والقديس مرقص الناسك.

 

[1] يسطس الدويري (المتنيح الأنبا ديسقورس) موجز تاريخ المسيحية – أكتوبر 1949 – ص9.

[2] مثلث الرحمات نيافة الأنبا يؤنس – الكنيسة المسيحية في عصر الرسل – الطبعة الخامسة 2003م – ص 18، 19.

[3] القص أثناسيوس فكري – حياة وفكر كنيسة الآباء 2000م – ص110.

[4] المطران يوحنا زيزيولاس – الوجود شركة – الناشر مركز دراسات الآباء – 2006 – ص 29، 30.

[5] فيلادلفيا 4.

[6] القس أثناسيوس فهمي – حياة وفكر كنيسة الآباء -2000 م ص 112-122.

[7] نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – للقمص تادرس يعقوب ملطي – مرجع سابق – ص 242.

[8] نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – للقمص تادرس يعقوب ملطي – مرجع سابق – ص 84.

[9] سابا: كلمة سريانية تعني شيخ.

[10] Wace&Piercy, op cit., p568.

[11] نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – للقمص تادرس يعقوب ملطي – مرجع سابق – ص 193.

علم الباترولوجي و التاريخ الكنسي