أبحاثيهوديات

الأعياد في العهد القديم و العهد الجديد

الأعياد في العهد القديم و العهد الجديد

الأعياد في العهد القديم و العهد الجديد
الأعياد في العهد القديم و العهد الجديد

مقدمة

عرفت كل الحضارات البشرية الأعياد التي حولها تدور الحياة. والأعياد هي تعبير عن حدث، عن تاريخ، عن ذكرى نريد أن ننقلها للأجيال. وتعكس الأعياد مجموعة من الاقتناعات والآمال ومحاولات امتلاك المستقبل. يحاول الإنسان أن يسيطر على الماضي، الذي يهرب منه وعلى المستقبل، الذي لا يمتلكه. تساعد الأعياد على الخروج من رتابة الحياة اليومية، وهي رتابة مؤلمة، في غالب الأحيان، وتسمح بالدخول، ولو للحظات قصيرة، في عالم آخر. بذلك تكون الأعياد تعبيراً عن الحنين الجماعيّ أو الفرديّ إلى ما هو غير مألوف ومعتاد.

للعيد بُعد رأسي: إنه يخلق حدثاً، ويحتفل بدخول البشرية إلى الزمن، وهي بذلك، تقدسه. ليس الزمن تيّار يدفع الإنسان إلى نهايته المحتومة: إنه يدفع الإنسان إلى التطلع إلى أعلى، إلى مكان آخر، لا نهاية له. ويتم التعبير عن هذا البُعد المتسامي على المستوى الأفقي: ينشأ العيد الوحدة، ويخلقها، ويقوي الهويّة، ويزيد الوعي والإحساس بالجماعة. لقد أدركت النُظم القوية هذا الأمر، وكثيراً ما أُستُغِلّت الأعياد بهدف دعائي. يثبت التاريخ أن كل النُظم، حتّى غير الدينية منها، تكثر من الأعياد والاحتفالات الشعبية لكي تعوض، بطريقة ما، نقص التسامي في الحياة اليوميّة.

إن الكتاب المقدّس شاهد على خبرة روحية، إنه يروي قصة حب صاخبة بين الله وبعض البشر (الآباء)، ثم بين الله وشعب إسرائيل، وأخيراً بين الله وأمم عديدة. تشكل هذا التاريخ أحداث متعددة وهامّة، لقد تم تسجيل هذه الأحداث، وأصبحت موضوع تأمل وصلاة، تناقلتها الأجيال وأصبحت تراثاً دينياً للبشريّة كلها.

لقد تمّ حفظ هذه الأحداث في ذاكرة البشرية، وقادت إلى احتفالات دينيّة خاصّة، نذكر منها، على سبيل المثال، الاحتفال بالخروج من مصر، في عيد الفصح.

وكثيراً ما استخدمت الطقوس عناصر سابقة للأحداث التي يتم الاحتفال بها، وتضرب بجذورها في تقاليد الأجداد الزراعية: مثل ذبح حمل في الربيع، بمناسبة عيد الفصح، تقديم البواكير في عيد العنصرة، والاحتفال بنهاية زمن الحصاد في عيد المظال. ودخلت عناصر جديدة، مع الزمن، ذات علاقة بالحدث الذي يحتفل به: كالفطير، والكؤوس، وبناء الأكواخ.

إن العيد في الكتاب المقدّس، لم يقتصر إطلاقاً على تذكر حدث مضى، بل يعبّر دائماً عن إحياء الهبات والنعم الإلهيّة، التي تمت في الماضي. فالعيد هو وسيلة لتحقق مرة أخرى، وبطريقة جديدة، نعمة أساسيّة وحيوية. فعندما يحتفل المؤمن بعيد الفصح، فإنه واثق أنه يعيش، هنا والآن، نعمة الخلاص الذي حققه الله في التاريخ المقدّس.

فمن ناحية ترجع الإعياد المسيحيّة إلى أصول كتابية، ومن ناحية أخرى تعيش الجماعات المسيحية هذه الأعياد كينابيع مقدَّسة ومقدِّسة، تتجدد منها النعمة الأولى.

إن أصل كلمة عيد، في اللغة العبرية، هي حَج وتعني في الأصل، تكوين دائرة. أن هدف العيد، في الكتاب المقدّس، هو لقاء جماعيّ. إن الجماعة، سواء كانت الأسرة أو الشعب بكامله، هي مكان للاحتفال بالعيد. يعبر المؤمن عن العيد بالاحتفال وباللقاء. هذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تنظيم حج مقدّس إلى أورشليم في أعياد الفصح والعنصرة والمظال.

لقد احتفظ بنو إسرائيل، ومن بعدهم الكنيسة، عن طريق هذه الأعياد، بغنى أصلهم وهوايتهم، فكانوا يرجعون باستمرار إلى جذور الوحي وإلى منبع حياتهم ذاته.

إنه لا غنى عن التعرض للإعياد الكتابية لفهَم الكتاب المقدّس. تمثّل الأعياد عنصراً أساسياً من عناصر السياق، الذي فيه يتطوّر أبطال الكتاب المقدّس. كما أنها العمود الفقري للحياة الليتورجيّة والروحيّة لمن سبقونا في الإيمان.

نتناول الأعياد التي كان يتم الاحتفال بها قديماً. سنترك جانباً تلك الأعياد، التي يرجع أصلها أساساً إلى الكتاب المقدّس، التي نشأت في زمن متأخر. نتناول، إذاً هذه الأعياد، حسب قدم الاحتفال بها.

الأعياد في العهد القديم و العهد الجديد