آبائياتأبحاث

علم اللاهوت والباترولوجي- دراسة

علم اللاهوت والباترولوجي- دراسة

علم اللاهوت والباترولوجي – دراسة

علم اللاهوت والباترولوجي- دراسة
علم اللاهوت والباترولوجي- دراسة

علم اللاهوت والباترولوجي- دراسة

الآباء هم أول من وضعوا الخطوط العريضة لبنية الكنيسة التنظيمية: العقائدية والرعوية، وما قدَّموه يحتفظ بقيمتهِ بشكل دائم، فمن خلال تعاليم الآباء حصلنا على قانونية الكتاب المقدس[1]، قوانين الإيمان والحَيَاة الكنسيّة، الليتورجيا… أضف إلى ذلك التأملات العميقة في الحَيَاة الروحيّة والنسكية.. ولهذا فإنَّ سلطان تعاليمهم في الأمور اللاهوتية يبقى فريدًا في تاريخ الكنيسة.

فنجد أن علم اللاهوت والعقيدة عند الآباء ليس بالعلم الجاف النظريّ، الذي يبحث في إثبات وجود الله فقط، إنما هو حياة نعيشها معه فنختبر وجوده عمليًّا بكوننا أعضاء في جسد المسيح الواحد، ومن هنا ظهرت أهمية علم اللاهوت الآبائيّ، وهو الذي يبحث في نصوص أقوال الآباء في الأمور اللاهوتيّة والمعتقدات الإيمانية لتثبيت براهينها من أقوال الآباء القديسين المُعْتَرَف بهم في الكنيسة المقدسة.

فالآباء اختبروا وذاقوا اللاهوت والعقيدة كحياة معاشة، فلم يكن اللاهوت والعقيدة بالنسبة لهم خطًا فكريًا فقط، كما كان في الفلسفة اليونانية.

معنى كلمة عقيدة:

إن كلمة عقيدة δογμα مشتقة من الفعل δοκεω، وهي تعني عند اليونانيين القدماء: رأي أو تعليم فلسفيّ، وفي الحيَاة السياسية: أمر أو قرار أو قانون رسميّ.. وفي الترجمه السبعينية تأتي كلمة عقيدة بمعنى: أمر أو تعليمات أو قرار أو وصايا أو ناموس موسى، لكنّها عند آباء الكنيسة يقصد بها: منهج حياة الاتحاد بين الفكر والعمل.

إذ ليست الكنيسة المسيحية مجرد مدرسة تنشغل في بحث العقائد وتقوم بتعلّيمها، إنما هب مؤسسة تتعبد لله، وتخدم البشرية، تعمل من أجل تغيير العالم وتجديده، وفي رجاء تنتظر العالم الآتي، حقًا إن الكنيسة المسيحية لا يمكن أن تكون كنيسة كما نعرفها بدون العقائد المسيحية[2].

أهمية العقيدة للحياة الروحيّة:

من خلال دراستنا للآباء علينا أن نعرف ونتعلّم منهم العقيدة المعاشة، فلكل عقيدة فائدة روحية، فإذا تناولنا العقائد المسيحيّة عن عمق تبيّن لنا نفعها وقيمتها الروحيّة في الخلاص، ومن هنا تتضح أهمية العقيدة للحياة الروحيّة، فغاية العقيدة هي الخلاص: “نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفَوسِ” (1بط9:1)، فالعقيدة هي الأساس الذي تقوم عليه بنيان الحَيَاة الروحيّة.

كما أن الفهم الصحيح للإيمان يزيد القوة الروحيّة قوة وعمقًا وحرارة، هذا الإيمان الذي فيه يعمل بالمحبة، حسب قول معلمنا بولس الرسول “الإيمان الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ” (غل6:5)، “تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإيمان وَالْمَحَبَّةِ الَّتي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (2تي13:1)، أي تمسك بالعقيدة السليمة التي ستعمل فيك وتُثمر حياة روحية قوامها المحبة.

يقول مُعلمنا بولس الرسول: “قَدْ وَضَعْتُ أسَاسًا وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلَكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ فَإنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هَذَا الأَسَاسِ ذَهَبً فِضَّةً حِجَارةً كَرِيمَةً خَشَبًا عُشْبًا قَشًا” (1كو10:3-13)، فالأساس الذي يقوم عليه البناء هو الإيمان بيسوع المسيح، والمقصود به هنا: الإيمان والعقائد المسلَّمة لنا من الكنيسة بأنَّ يسوع المسيح هو ابن الله، والله الظاهر في الجسد، والذي جاء من السماء لأجل خلاصنا، والذي سيأتي ليدين الأحياء والأموات..[3]

كذلك لا توجد روحانية بدون عقيدة سليمة، فنحن نؤمن أنَّ الإيمان والأعمال مرتبطان معًا، والإيمان هو الذي يُقدِّم الأعمال، فكثير من الديانات غير المسيحيّة مثل البوذية وغيرها يقدمون أصوامًا ربما أكثر من المسيحيّين، ولكن ما قيمتها بدون الإيمان بالسيد المسيح، لقد كان كيرنيليوس يصنع أعمالاً حسنة، لكنها كملت بعد قبوله الإيمان بالمسيح.

لا يمكن أن يحيا الإنسان من غير عقيدة، فهي تعكس سلوك الفرد، كل فكرة تقتنع بها النفس مصيرها أن تتحول إلى عمل، ولهذا يرى الآباء أن العقيدة الأرثوذكسية لا تنفصل مطلقًا عن الروحانية، فحيث توجد عقيدة خاطئة توجد روحانية غير صحيحة، والعكس صحيح، وإن كان كثيرون بفصلون بطريق الخطأ بين التقوى والعقيدة..

والدليل على ذلك قول السيد المسيح: “كُونُوا أَنْتَمْ كَامِلِينَ كَمَا أنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ هُوَ كَامِلْ” (مت48:5)، ومعنى الكمال هو التآلف السليم بين العقيدة والروحانية، وهذا ما يقوله معلمنا بولس الرسول: “فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزَلاَء، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأهْلِ بَيْتِ الله، مَبْنيِّينَ عَلَى أسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَاوِيَةِ” (أف20:2).

فالكتاب المقدس لم يفصل بين التقوى والعقيدة، فهو الذي يكلِّمنا عن الفضائل الروحيّة، وهو نفسه الذي يشرح لنا العقائد التي نؤمن بها، ولا توجد عقيدة أرثوذكسية بدون سند من الكتاب المقدس، كما أن الكتاب المقدس يحذر من التعاليم الغريبة وينبِّه ويُعاقِب المبتعدين والهراطقة والمعلمين الكذبة، والذين يعلمون بتعاليم غير التي تسلمها آباؤنا، فيقول القديس بولس الرسول لتلميذه الأسقف تيموثاوس: “إِنْ كَانَ أحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوَافِقُ كَلِمَاتِ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَي” (1تي3:6).

لا توجد عقيدة في المسيحيّة إلاَّ ولها بركة تهدف إلى خلاص النفس، فمثلاً لو درسنا سر الإفخارستيا كعقيدة، لوجدنا عمل الروح القدس، وتحوّل الخبز إلى جسد حقيقيّ، وعصير الكرمة إلى دم حقيقيّ للرب يسوع المسيح، وفي نفس الوقت ننال بواسطة هذا السر ثبات في المسيح يسوع (يو56:6)، وغقران لخطايانا، وحياة أبدية (يو54:6).

[1]  المقصود الفصل بين الأسفار القانونية من الأبوكريفا، وهو مصطلح نقد الكتاب الذي سبق دراسته.

[2] J. Pelikan: The Christion Tradition, vol. 1, 1973, p.1.

عن القمص تادرس يعقوب ملطي – الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والروحانية – 1986 – ص 169.

[3]  راجع أهمية العقيدة الدينية للحياة الروحية – المتنيح الأنبا غريغوريوس.

الباترولوجي وعلم اللاهوت, علم اللاهوت, الباترولوجي, الآباء, علم الباترولوجي, علم الآباء

علم اللاهوت والباترولوجي- دراسة